قراءات نقدية

طالب عمران: الذات الانثوية وحضورها النصي في رواية (قِـــوامـــَـة) للروائية هدى حمزة محمد

"لم يعد هناك مالم يجربوه، ولا مالم يقولوه، كانوا يقومون بتمهيدات ونوبات أذى مستجدة، كانت أشد إيلاما لمشاعرنا.. ليس فقط أجسادنا، كان يثيرهم اذعاننا، فتهيج رغباتهم على شكل غير متوقع، كان يضربونا بوحشية لنذعن، وليرغمونا على الطاعة "

حكاية تسردها لنا الروائية (هدى محمد حمزة) في روايتها (قــِوامَـة)، الصادرة عن دار شمس للنشر والاعلام، في طبعتها الاولى، 2023.

تحتوي الرواية على خمسة فصول من غير عنونة مكتفية بالتسلسل الرقمي وتركها منسابة دون ان تعنون فصولها لكي تنسجم مع التيمة المطروحة، بواقع 271 صفحة

(قبل الدخول الى عالم المتن السردي تستوقفنا العنونة (قِوامَة) تلك العتبة والواجهة النصية التي عادةً تشكل مدخلا لعالم الرواية الا اني ارى ان هنا العنونة النكرة بمعناها في اللغة : من قام على الشيء، أي حافظ عليه وراعى مصالحه،

 ببنيتها المستقلة ذات الحضور الدلالي وهيمنتها وما لها من علاقة تأثيرية وتشويقية والتمهيد لعلاقة مع المتلقي، لكن بعد الدخول الى عالم الرواية نخرج بالمعنى الذي ارادته الروائية " قـِـوامَـة"1 لمن القـِـوامَـة؟ وبهذا يكون العنوان باب خروج وليس مدخل..

عنونة على لوحة غلاف التي تعد من المناصات ذات التمظهر الايقوني والتي تظهر فيه فتاة تشبه الملكات الفرعونيات ..

تجربة روائية تضاف الى تجارب روائية بأقلام نسائية في مجال السرد تميزت من حيث الشكل والمضمون لما تمتلكه من مقومات حداثية اثبتت حضورا نسويا في المشهد الثقافي على جميع الاصعدة ثقافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً والملتصق بوجعها الانثوي.. لتكشف عدة مواضيع تناولتها الكاتبة، ثنائيات ضدية وبأسلوب وجداني قسوة المجتمع اتجاه النساء سواء كانت في السجون او خارجه.

لقد أكد النقد على وجود إبداع نسائي وآخر ذكوري، لكل منهما هويته وملامحه الخاصة وتجاربه النفسية والفكرية التي تؤثر في فهمه للعالم من حوله.

 أن النقد والأدب النسوي ينظر إلى المرأة بوصفها ذاتاً وموضوعاً للكتابة، فهو يعبر بصدق عن الطابع الخاص لتجربة المرأة ويجسد خبرتها في الحياة، فضلاً عن أنه يكشف بوضوح عن اهتمام المرأة بذاتها وإظهار هذه الذات لدى المجتمع..

صورت لنا الكاتبة هموم الذات النسوية بأسلوب الراوي العليم في ثنايا السرد الذي يتتابع بنمطية متدفقة يكون التبئير مركزاً حول شخصية المرأة ورؤيتها السردية، احسنت الروائية في اختيار شخصياتها نلمس في هذا العمل الروائي، تحرر الشخصية الروائية حيث اطلقت لها العنان في التحرك بحرية نراها خارج سلطة ورتابة المؤلف

ثائرة: اختيار الكاتب لاسم (الشخصية المحورية) ذات لغة قصدية وما يحمل الاسم من دلالات الثورة والتمرد

صوت نسائي بارزا في خطابها الروائي تناقش الواقع الاجتماعي الذي تعيشه المرأة في ظل مجتمع أبوي متسلط، وتكشف الترابط الهش بين المرأة والرجل

تؤكد النصوص فقداناً متعدد الوجوه، الحرية، الحياة الطبيعية، والارادة والرغبة، تهميش دور المرأة، وانها تتعرض لاغتصاب مستمر في عقلها وجهدها ومشاعرها وانسانيتها على الرغم من حضورها الطاغي

" كثيرا ما كانت تهمس: لي أخوات شبيهات لي في كل بلد ، وكل أخت تسكنها لحظات من الصفاء والجنون، هزمنا في معارك فكانت مصلا لانتصاراتنا، فقط علينا مسك رأس الخيط وآخره، وربما قد يستمر ذلك الى ان اكون عجوزا خرفة، فهي كالبهارات اللاذعة بعيون رأسي وتلابيبي، لا استطيع الا ان اتبع الضوء واسترخ تحت ظل السماء.." ص6

نقلت لنا الروائية بوعي سردي صادق الرؤى الجمعية لطبقة النساء المهمشات معتمدة الوصف الذي خلقت لنا ايقاعاً في السرد واحدثت استرخاء وترويح عن النفس بعد مرور الحدث، وقد وظفت الروائية هدى محمد حمزة هذه التقنية فيما يخدم الفكرة، نرى ذلك جليا في استهلال الفصل الاول الذي جاء بنص نثري وبلغة انزياحيه وخروج عن المألوف والسائد..

كل ما هنالك يشيخ

الطريق .. الوقت

الانتظار الطويل

الافواه المغلقة

الا البحر

وصرير الشهيق

في قبضة البياض

الا أكوام الذاكرة

المجلجلة

بسخاء

انها ولجت في اعماق الشخصية حللت سلوكها وتقدمها لنا من جميع الابعاد الجسمية والنفسية، وكذلك اعتمادها نمط سردي آخر (رؤية داخلية) سرد ذاتي تعتمد على راو يقدم الاحداث برؤية ذاتية داخلية على لسان شخصية محورية سارده تفعل وتنفعل بمجريات الاحداث لكونها شخصية محورية (الراوي مشارك) وهي بمثابة (الكاتب الضمني الذات الثانية للكاتب)

قوامة" رواية بوصفها احدى نماذج روايات الاحتجاج والرفض بشكل مباشر وصريح

رواية احتجاجية تعبر عن وضع الأنثى اي المرأة – الزوجة – الأم التي خص وجودها في مستوى الحاجات البايلوجية، احتجاجها على وضع المرأة في العائلة .

" فهو يملك السلطة والحق في الاعتداء، وهو صاحب الامتياز، الذكر الذي يحتضنه المجتمع ويبارك رجولته وأفعاله منذ الازل" ص27

اعتمدت في نصوصها احياناً اسلوب السرد المباشر في حالتي الكشف والاستبطان لشخصية المرأة حيث توثق حركة الشخصية في الزمان والمكان والعلاقة الاجتماعية، وتضافر الرؤية الانثوية والشخصية الانثوية وتلازمهما، وتلك الرؤية السردية التي ظهرت نتيجة ظاهرة الوعي النسوي بالذات والعالم .

"بعد مرور سنة على اعتقالها الاخير ولأسباب سياسية كما في كل مرة، كان مدى سعادتها لا يوصف لتركها المكان والحياة القذرة، لكنها سعادة مطفأة، مشوبة بالحزن الذي حملته معها خارج الاسوار حتى اصبح كقيد ثقيل على قلبها لا يسمح بمرور الفرح مهما كان نوعه وشكله " ص7

كذلك اعتمدت تقنيات وآليات سردية أخرى كالحوار والتداعي والوصف والمنولوج

الذكورة والانوثة:

هذه الثنائية بما تحمله من دلالات التي تؤثر على طبيعة العلاقة الغير متكافئة بين الرجل والمرأة ومنها" على وجه الخصوص:

الخضوع، الاستسلام، الطاعة، الهامشية، الاقلية، الحماية، النفوذ؛ وهي كلمات تؤثر على دونية الانثى"2

كان يقول لها:" نحن الرجال قّــوامـون عليكنَّ، نحن جزء من الذات الالهية ونحن الاعلى والاقوى، أما النساء.. فأنتنَّن سلالة الشيطان، ولا عجب، فقد منحنا كل صفات الالوهة .. الرجال صورة الله التي وردت في خلق آدم.."ص28

عرضت الاحداث برؤية انثوية، تركيز الضوء على قضية الانثى واستبعادها كفاعل وادراجها كمنفعل وذلك " من خلال العبث بهويتها البشرية وخفض قيمتها البشرية والتعالي على الشبكة الوجدانية والفكرية والتي تشكل البطانة الحقيقية لوجوده"3

رواية الأنثى بامتياز ففيها تمثل الأنثى بأدوارها كافة، الأم، الابنة، الزوجة وما يقابلها من حضور السلطة بكل رموزها الرجل الذكر، والأب، والزوج، والحاكم

حيث اجتمعت هذه الرموز لاضطهاد المرأة المغلوب على أمرها والمعبرة عن انتهاك جسد المرأة، واستلاب حريتها ..

" لم يعد هناك مالم يجربوه، ولا مالم يقولوه، كانوا يقومون بتمهيدات ونوبات أذى مستجدة، كانت أشد إيلاما لمشاعرنا.. ليس فقط أجسادنا، كان يثيرهم اذعاننا، فتهيج رغباتهم على شكل غير متوقع، كان يضربونا بوحشية لنذعن، وليرغمونا على الطاعة " ص7

لغة الرواية:

هي وسيلة الرواية التي تستخدمها في بنية روايتها بما فيها من احداث وشخصيات، ضاعفت من الاهتمام بالسرد الذي يعتمد الصورة لان هذا النوع من السرد يسمح للقارئ بأن يشاهد بعيني خياله ما يجري في الرواية

حاولت الكاتبة استعمال لغة ساخرة ناقدة في بعض بنياتها، اتخذت من اللغة أداة لإدانة وتقويض السلطة الذكورية

" القفص الذي يقال انه الذهبي، الذهبي الى الأبد! فلحظة الخروج من بيت القفص، تكون الى القبر لا الى غيره، أليس هو مقياس المرأة الصالحة التي تسمع الكلام؟"ص30

نلمس خصوصية المعاناة عبر جماليات اللغة التي يمتزج فيها الفكر والشعور والتخييل نرى ذلك جليا في توظيف تقنية السارد المشارك:

"أما أنا فقد وأدتني تعاليم اللات والعزة، قبل أن أرى آيات المدينة الفاضلة، انعطفت المسافات بي الى متاهات مربكة في قرية تشوش ذهنها بالاعتقادات الخاطئة حد اليقين، فاين تهرب نحن الطفلات اللواتي ولدن في ثوان قذرة، نحن الامهات المقدسات ذوات الرحم الرحيم، اين نذهب؟ أنتبع الشمس ام تقبع في فضاء منزلي ..؟ ص13

التنوع والثراء في الاحداث المعبر عنها بلغة شعرية شفافة كثيفة وخالية من الاطناب الذي يؤجل حركة السرد ويقطع مسارها، دون ان يفقد السرد طاقته الخلاقة التي يؤججها التوتر، السردي الشعري / نراه جليا من خلال شحنة العنوان، الغموض، والتكثيف الدلالي، والبنية الايقاعية، والانزياحات الاسلوبية: ص38

أمضي دون التفات

يا قدري

أمضي قبل ان يذبل

ورد الابتسام

خلف دموع الاقحوان

أمضي

دون اكتراث

لزكائب الرماد والتراب

دون اكتراث لريح الكآبة

أخلع عن قلبي قميص الصمت

أصرخ بعال الضوء

لتخرج أفاعي الليل

من شجرة الطهارة

الرواية فيها من المتعة واصابة مكامن الحساسية لدى القارئ وهذا الامتاع له علاقة بالتعاطف الوجداني مع الشخصية المحورية(ثائرة) وتأجيج المشاعر القلبية والارتياح العقلي.

***

طالب عمران المعموري

......................

المصادر

1- هدى محمد حمزة، قِــوامَــة، ط1ن شمس للنشر والاعلام، مصر، 2023 .

2- فاطمة كدو، الخطاب النسوي ولغة الاختلاف، مقاربة الانساق الثقافية، ط1المدارس، الدار البيضاء، 2004، ص20.

3- السرد النسوي: الثقافة الابوية، د. عبد الله ابراهيم، ط1 المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2011 . ص141.

في المثقف اليوم