قراءات نقدية

رواية (الغجرية) والبحث عن الهوية

rahman khodairabasتعتبر رواية الغجرية المحاولة الأولى للمبدعة المغربية وئام حسن المددي في مضمار الفن الروائي . ومع ذلك فقد أحرزت المركز الأول في جائزة الطيب صالح لللإبداع الكتابي . ولكنّ لوئام سجلا حافلا في مضمار القصة القصيرة والشعر . وقد احرزت الكثير من الجوائز المحلية , وهي منهمكة الآن في البحوث الأدبية لنيل شهادة الدكتوراه . ومع أن هذا العمل الروائي باكورة إنتاجها في هذا المضمار، ولكنها أثبتت من خلاله وقوفها على أرضية إبداعية صلبة، بحيث زاحمت الكثير من المبدعين، واحرزت قصب السبق بجدارة.

تتصدى الروائية وئام في عملها هذا، الى وجع الهوية ومرجعياتها وإنتمائاتها، وقبل كل ذلك عن فحوى الهوية المتعلقة باللغة او الجغرافية او العرق او الولادة او التبني . لانها اشكالية يعاني منها الكثيرون من أبناء هذا الجيل والأجيال التي سبقته، والذين وجدوا أنفسهم فجأة على قارعة الأضداد، يتأرجحون بين مدها وجزرها .

ولنحاول أنْ نستقرأ مجسات الجهد، لعلنا نخرج بحصيلة لتفكيك الغايات والأهداف التي سعت اليها الكاتبة وهي تستعر في هذا الخضم الهائل من الشخوص والأحداث والحكايات، في عملية تعتيم مبيّت لما تقتضيه تقنيات الفن الروائي، الى عمليات الكشف عن الأحداث ورمزيتها . في رواية متوسطة الحجم تصل عدد صفحاتها الى 247 صفحة . حفلت بمزيج هائل من الأحداث والتصورات والعواطف والصراعات .في نصوص جميلة وشفافة، تستدرج القاريء للتمعن في بعض تشفيراتها وألغازها، من خلال فيض حكائي ينتقل بين الأزمنة والأمكنة ويتجول بين ثقافات الشعوب وعاداتها وطقوسها .

يبدأ مسرح الحدث في مدينة كوت العراقية، حينما يتعرف شاب مغربي إسمه بدر على فتاة غجرية اسمها مهتاب . وهو فلاح أتى الى العراق ضمن الإتفاقية العراقية /المغربية والتي تم بموجبها إستدعاء الآلآف من الفلاحين المغاربة للعمل في العراق . وبدر ابن الجنوب المغربي والحاصل على ثقافة جيدة، لكنه يضطر أنْ بسجل إسمه كفلاح، كي يحصل على عمل . ولكن لقاء الصدفة سيغير حياة مهتاب الى الأبد وسيغير حياته ايضا . حيث تهرب معه من حياة الغجر ويتزوجان وينجبان طفلة أسمها قمر . ولكن ظروفا جعلتهما يفترقان، تلك الظروف التي تتزامن مع حرب الخليج الثانية وعاصفة الصحراء . فيختفي بدر المغربي، وتعود مهتاب الى مهنة الرقص لجنود الحلفاء بينما ينخرط بدر في صفوف المقاومة ضد الحلفاء، وحينما يعود يكتشف أنّ صاروخا يبيد عائلته بعد سقوطه على البيت في الكوت .ونجاة زوجته مهتاب، ولكنه حينما يكتشف عودتها الى الرقص، للترويح عن المارينز، ينتفض ويشق فمها بمقص كان يحمله . وتتعرف مهتاب على جندي اسباني إسمه غريغويو،والذي يقرر ان يتبنى إبنتها قمر ويصطحبها معه الى اسبانيا على أنها مربية خوفا من زوجته الفرنسية آنْ . مستبدلا اسم قمر الى لونا ومهتاب الى مادرينا، حيث الطفلة لاتعرف انها بصحبة امها وتعتقد انها مربية مشرقية . وبعد فترة لاتتحمل الطفلة سلوك آن فتهرب، لتتبناها عائلة فرنسية ذات ميول يسارية، وتتربى لونا على قيم جديدة، تعتمد على عقدة الإنتماء الى العرق الأوربي، وتختفي المربية في ظروف غامضة بعد ان تترك رسالة للونا بشرط ان تقرأها حينما تصل الى العشرين،وتلتقي في القسم الداخلي بباريس بالكردية العراقية إيلانة وهي من ضحايا حلبجة والتي أصبحت نصف معوقة نتيجة الحروب . وتقيم لونا في حياتها الجامعية، سلسلة من العلاقات العاطفية الطارئة مع ياسين المغربي ومع استاذها في الفنون الجميلة خايمي ذي الأصول الامريكيلاتينية . ويحدث الطلاق بين ابويها بالتبني الفرنسية آن والإسباني غريغوريو . وتعتمد لونا على نفسها في شق حياتها، ولكنها تكتشف بعد عشرين عاما من عمرها أنها قمر . وان مهتاب امها الحقيقية التي مارست التمويه بعملية ادعاء الإحتراق . وان هذه الأم تمارس الرقص في اسبانيا بعد ان تتعرف على ثري أوربي فيتزوجان،وتقوم بعملية تجميل لإزالة آثار الجرح في فمها، وتلتقي بإبنتها لونا التي كانت تبيع لوحاتها الفنية في شوارع باريس . فتعلن لها بعد مفرقات بانها امها . وتدعوها الى زيارة أبيها الحقيقي بدر،فيسافران الى المغرب، حيث يجدانه في ساحة جامع الفنا بمراكش المغربية .

هذه هي الخطوط العامة لهذه الرواية بشكل شديد الإختصار،والتي اشتملت على قسمين منفصلين يتكوّن كل فصل من تسعة أجزاء .

تبدأ الرواية بالإفصاح عن لقاء يكتنفه الوجع بين بدر الذي فقد ذاكرته، فعاد الى مدينة الكوت العراقية، التي عاش فيها ردحا من الزمن،وها هو يلوذ بها من جديد بعد أنْ فقد ذاكرته :

" إنها مدينة تتقن الأوجاع وتمتهن الألم، وكأنها راهبة إقترفت خطيئة العشق فصعقتها لعنة الذبول الأبدي . أنتَ كذلك ستعشق هذه المدينة، ستقدس حزنها الجميل، ستحتسي صخَب صمتها مع قهوتك الصباحية .. ص15"

هكذا ستضعنا الكاتبة امام شخص يبحث عن الفراغ، وعن ذاكرته المعطوبة، وهو يلوذ بمكتبة يريد من خلالها أنْ يتسلل الى نبض اللحظة الأولى، حيث تفجّر فيه غضب عطيلي مابين الغيرة على زوجته ومابين الغيرة على وطنه الثاني، أي العراق . فلجأ الى تمزيق وجه زوجته الغجرية مهتاب حينما علم بانها ترقص للغزاة . لقد وضعت الكاتبة بدر في متاهة الحلم والواقع، هذان القطبان اللذان يتشابكان في ضبابية الأزمنة وغرائبيتها،وكأن هذا الغريب يتأرجح في متاهة لايستطيع الخروج منها تربطه بماضيه المغربي، وبين حاضره العراقي المشحون بالقلق والألم .

تصف لقاءه الأول بمهتاب التي تغويه وتستدرجه الى عالم الغجر، حيث الرقص والغناء وحيث الإتجار بالحضور الأنثوي، مماجعل الفاتنة الغجرية تتحرر من رقّها، بزواجها من بدر . وتكون ثمرة الزواج (قمر) التي تعيش نفس متاهة إمها وأبيها. حيث تتعرض الى الإختطاف وهي في لجة بحثها عن كينونتها المتشظية، وحالما تجد أمير الليل، حتى تختطف من قبل الغجرأنفسهم، وبعد صراع على الخلاص، تهرب ومجموعة من الذين يريدون الخلاص برفقة أمير الليل في مغامرات غرائبية . وهي ذات المتاهة التي عاشتها مهتاب ويعيشها بدر . في لحظة كسوف فريدة من نوعها يمتزج فيها النهار بالليل، والعتمة بالضوء والحقيقة بالخيال، ليلتقي في حانة على أطراف المدينة بالطيف الرسام الذي فقد بصره بسبب الدهان الأسود الذي سكبته عليه مهتاب الراقصة الغجرية التي تتحول الى خيال غامض وعاصف . ومن هنا نستطيع ان نفترض بأنّ الروائية وئام المددي قد جعلت من الأحلام على أنها نصوص سردية تحولت الى منطقة اللاشعور، مما منح النص حرية المزج مابين الحلم والواقع، من خلال اختراق منطقة الوعي والإستغراق في الذهول والحيرة . مما جعل السرد ينهمر من خلال الأخيلة، التي تلاحق النص السردي وتسيطر على قسماته وملامحه، بإعتبار أنّ الأحلام هي جزء من نشاط فكري يخضع لحالة من اللاوعي الذي يتأسس بدوره على تجاوز الأزمان والأمكنة، فتتم حالة من الإستغراق في الذكريات والتخيلات .كما تتم حالة من إبراز الأحلام والتخيلات على أنها الجزء المتخيل من النص . وهذا ما حفل به القسم الأول من الرواية، والذي استغرق تسعة فصول .

اما في القسم الثاني فقد تغير المكان حيث لونا/قمر تصارع وجودها المتأرجح في المكان والزمان والهوية . فهي متبناة من اسرة جندي اسباني (غريغوريو) شارك في عاصفة الصحراء وزوجته آن ذات الأصول الفرنسية والتي تعامل الآخرين بسلوك قائم على الإستعلاء والعنصرية . أمّا لونا الصغيرة فهي لاتعلم بأنّ مادرينا المربية هي أمها الحقيقية (مهتاب)، والتي تزوجت هذا الجندي غريغوريو سرّا، واتفقا على أن تمثل دور المربية للونا . واذا تجاوزنا الأحداث الثانوية التي تنبعث في إطار السرد . فإنّ الحدث الرئيسي في حبكة الرواية وعقدتها يعتمد على لونا، التي تفر من سطوة آن الفرنسية النزقة والعنصرية، فتتبناها عائلة فرنسية اخرى ذات توجهات يسارية، تؤمن بالعدالة والمساواة بين البشرعلى مختلف أجناسهم . وفي ظل هذه السرد الحكائي الذي ينهمر كالشلال . تصبح لونا يافعة وتدخل معهد الفنون الجميلة، وتتعرف على فتاة عراقية من أصل كردي، كانت احد ضحايا مدينة حلبجة . والتي تتعايش مع لونا في القسم الداخلي، لنطل من خلال حوارهما على تنازع المشاعر للونا والتي اعتمدت على نزعات إثنية ودينية أيضا . ومن خلال هذا السيل من الأحداث الصغيرة التي ترافق عمود السرد . تطفح الى السطح إشكالية الهوية التي جعلت الصبية لونا تعيش جحيم اللحظة . يواجهها سؤال حاد كالحجر، وهو سؤال الهوية . فقد ظلت تبحث عن ماهيتها وفق هذه الإشكاليات الحادة المحيطة بها والتي تتجاذبها. وقد حاولت الروائية وئام أنْ تجعل من موضوع الهوية ثيمة رئيسية تمتد على طول الخط السردي لروايتها، وحتى إمتد الى عنوان الرواية، فالغجر يعيشون على هامش الإنتماء الجغرافي والتأريخي .أو كما عبرت عنهم :

"الغجر أبناء وطن يمتد كبقعة زيت إلى أنْ تشمل رقعته كل البسيطة ص42"

وحتى حينما يستقرون فان قلق المكان والإنتماء يؤرقهم . وهذه الظاهرة الغجرية، وأعني قلق الإنتماء تحاصرنا وتجعلنا نعيش على هامش العصر في الوقت الذي يتجه العالم نحو فكرة الإندماج والتعايش .

لقد رافق البحث عن الهوية صراعات متعددة، منها نزعة محو الآخر وإمتلاكه . صراع لارأفة فيه بحيث يصبح الأنسان مجردا من دعائم القوة، سوى قدرته على التكيف أو إلإنغماس في هذا البحر المتلاطم من اللوعات التي تتفجر في مسرى الأحداث، يرافق ذالك هروب الى الأمام . هروب جماعي أحيانا كما حدث للنسوة اللواتي أختطفن في القرية الغجرية . هرب لونا من أسرتها حينما كانت طفلة، و مهتاب من قدرها الغجري، ثم هروبها من تقمص شخصية المربية، وهروبها الطويل لسنوات من مسرح الحدث لتخرج الى الوجود على هيئة سيدة ثرية لتتصدى لإبنتها قمر وتطرح لها الحقيقة

إضافة الى هروب ياسين من المواجهة الحقيقية، وحتى بدر يهرب من المواجهة الحادة لتحدي الحياة فيصبح بلا ذاكرة .

رغم أنّ رواية الغجرية قد إزدحمت بالأسماء التي شكّلت أنسجة الأحداث ومادة صياغتها . لكن الأسماء التي تمتلك صفة البطولة هي اسماء قليلة . وفي مقدمتها قمر . وهي التي تشكل الجيل الأول الذي يهرب من التشرد الغجري لإبداله بضياع آخر . فقد اصبح جيلا هجينا لايعرف هويته . وقد اشتغلت الكاتبة بصبر وتأن، لترسم صورة متعددة الوجوه لبطلتها الرئيسية . فهي طفلة موزعة، تعاني الحرمان العاطفي، والذي انعكس على شخصيتها حينما تصبح شابة فكانت تعيش حالة من القلق في المشاعر التي لاتصدر من أعماقها، وانما تنطلق من عوامل خارجية، فقد إنجذبت للأستاذها الإسباني خايمي لأنها تعتقد بجذورها الإسبانية . ولكنه تكرهه لإنها اكتشفت جذرها الشرقي . وهذا يقودنا الى أنّ الكاتبة كانت تقع في فخ الشعوربالتمايز العرقي والديني، في العلاقات الإنسانية مثل موقف خايمي حيث يخاطب لونا

" لاأستطيع ان اعيش معك وانت عربية . وحينما يرى بحوزتها نسخة من معاني القرآن الكريم فيقول لها: "لقد ضعت يالونا..ضعت الى الأبد " .

ونحن لاننكر ان هناك الكثير من الأوربيين من يكره الغرباء، ولكن هذه الكراهية والعنصرية قد انحسرت نتيجة للضوابط القانونية في الغرب، والتي تعاقب على الإفصاح بالسلوك العنصري، فكيف يصدر هذا السلوك من شريحة مثقفة كخايمي وهو استاذ للفنون الجميلة ؟ كما انه ليس اسبانيا، بل من امريكا اللاتينية التي يشعر سكانها بعقدة الاضطهاد ايضا من قبل الأوربيين، وعلى وجه الخصوص الإسبان ؟ وأعتقد أن الكاتبة كانت تحت تأثير ماحدث للمورسكيين على أثر سقوط الأندلس وماتبعتها من عمليات قتل وتنكيل من قبل الإسبان تجاه العرب والأمازيغ وحتى اليهود . وقد تناول الكثير من الكتاب العرب والأجانب هذه الظاهرة وأشبعوها روائيا . ولعل الكاتب الأمريكي واشنطون ايرفنج ممن كتبوا بموضوعية عن حملات الإبادة والكراهية ضد المسلمين .

إتكأ السرد الروائي في الغجرية على بعض الأحداث التأريخية . ومنها انتداب الكثير من الفلاحين المغاربة لتحسين الوضع الفلاحي في العراق إبّان الثمانينات من القرن المنصرم، وكان مجيء بدر الى مدينة الكوت كجزء من هذه الإتفاقية .وحينما بدأت عاصفة الصحراء لضرب الجيش العراقي وطرده من الكويت، لم يبق الأمريكان في العراق . ولم تنشأ في تلك الفترة مقاومة شعبية من العراقيين، بل حدثت انتفاضة من قبل العراقيين الذين شعروا بخيبة أمل وإذلال للهزيمة التي يتحملها النظام الصدامي، مما دفع بالجيش العراقي ان يقوم بقمع المنتفضين .أمّا أحداث الرواية فتذهب الى أنّ بدر قد إنخرط في صفوف المقاومة العراقية ضد الحلفاء والأمريكان . وهذا ما جعل السرد يتناقض مع بعض الحقائق التأريخية .

لقد حفلت رواية الغجرية للكاتبة المبدعة وئام المددي بلغة روائية ثرية، تقترب أحيانا من الشعر في بلاغتها وقدرتها على التأثير اللغوي . فجاء نصها الروائي غنيا ومعبرا . وقد إمتلك وصفها طاقات تعبيرية هائلة، وكأنها ترسم بالكلمات لوحات فنية تتضرج بالألوان والأخيلة، مستخدمة اساليب كتابية حديثة، تجعل القاريء مسمرا على وهج لغوي يتميز بالأناقة . تلك النصوص التي تفجرت بطاقات من الإيحاء، والتي إختزنت القابلية على التماهي مع روح الأفعال والأحداث والشخوص . كما أنّها رصّعت نصوصها بالكثير من المقاطع الشعرية لشعراء عرب كالسياب ومحمود درويش وأجانب كشكسبير ووليم بليك، كما استخدمت الكثير من أقوال الفلاسفة وحكمتهم، واستعارت من أقوال الكبار كهمنغواي وفكتور هوجو وجبران .كما أفاضت عن رقي ثقافتها، التي انعكست في استشهاداتها بالشعر الإسباني أو الفرنسي، أو إستخدام الحكمة او المثل السائر عند الأمم الأخرى في مكانها المناسب فحينما تحدثت عن وسائل المرأة في الدفاع عن نفسها

" المرأة تفكر بعقلية النسناس، لاتفلت غصنا حتى تمسك بآخر" .

كما تناولت مفهوم القوة في التأثير والكاريزما مستشهدة بشخصية راسبوتين، كما أظهرت معرفة بعادات الشعوب ورقصاتها ومهرجاناتها وطقوسها الدينية . فقد أوردت بعض أغاني الهجع والتجليبة في الجنوب العراقي وربطتها بأغاني ورقصات الجنوب المغربي، مثل كناوة ورقصة أحواش . كما أنّ نصوصها كانت تنضح بالمقاطع الغنائية لشعوب متناثرة في عالمنا . وقد طرزت نصها بحشد كبير من المعلومات عن طقوس الشعوب ومهرجاناتها الدينية والإجتماعية . فقد سلطت الأضواء على مهرجان اللومناريس وعلى مصارعة الثيران في إسبانيا ووحشيتها ومبررات وجودها، وتحدثت عن الطقوس في بعض ديانات الهند، ثم تناولت بعض الأساطير عن عادات الغجر في الرقص والسرقة . كل ذلك ينضح من النص بشكل تلقائي، وكأنه جزء من مسار الأحداث وليس مقحما عليها . مما يجعل القاريء منبهرا بهذا التنوع الجميل ومستغرقا في متاهات أحداثه .

لقد إعتمدت وئام المددي على عملية ألإستحضار للماضي في منعطفات السرد مما جعلها تعتمد على تيارات الوعي التي إشتهر بها الكاتب الإيرلندي جيمس جويس ولاسيما في روايته عوليس . فكأنّ الزمن الذي تدور به الأحداث متلونا، ينطفيء أحيانا ويتوهج أحيانا أخرى، في عملية إرتداد وتقدم وانحسار، وكأن السرد يتمرد على الزمن، في عمليات متتالية من البعثرة والتفكيك لمستويات الوعي وإدخاله في رؤية عبثية، تقترب الى روح القص التراثي في قصص ألف ليلة وليلة : (أمير الليل، الأحدب، الهندية، الطيف الرسام ..الخ)، وفي مناخ من الأحلام والتخيلات والأفعال والمعجزات . وحالما تشد القاريء حتى تعكف على التوقف عن لعبة التمويه والشد الروائي، فتبدأ بلملمة الأحداث، وتأسيس قاعدتها، وتوفير كل مستلزمات نموها ضمن حركة زمنية محسوبة .

إنها رواية جميلة تستحق الجائزة التي مُنحت لها .

 

بقلم: رحمن خضير عباس

 

في المثقف اليوم