قراءات نقدية

المزج بين المعنى الحسي والمعنى الذهني في شاهــدة

alwan slmanالنص الشعري وسيلة تعبيرية ذات طبيعة جمالية ودلالة اجتماعية للتعبير عن الذات والذات الجمعي الاخر وجدانيا وروحيا.. عبر فعل ابداعي يحققه المنتج (الشاعر) الذي يكشف عن حضوره الواعي المتقاطع مع الواقع والذاكرة..لذا فهو تجليات الذات المنتجة للكشف عن صيرورتها من خلال افراز الوعي الجدلي  القائم على: التقنية والجمالية..

   و(شاهدة) النص الشعري الذي تشكل الذات بؤرته المشعة  ومرتكزه الدال على الوجود بمحاكاته الزمانية والمكانية بتعبيرات مشحونة بطاقة انفعالية متوترة من اجل الحفاظ على العاطفة المتمردة ببناء يكشف عن روح مازجة ما بين التأمل والتداعي..

                  في حديقة الملح أرى رجالا غرباء

                  وأنا  امر معصوبة العينين

                  ليس ذنبي ان لم اصرح بالاسماء

                  فالقناديل اطفئت وانتهى الامر

   فالشاعرة تمازج ما بين الخيال والواقع لبناء صورها الفنية لتحقيق رؤيتها الجمالية بلغة رشيقة في صياغتها..غنية بايحائها..مشحونة بتمردها.. فضلا عن استنطاقها للرموز  الطبيعية وصورها بايجاز وتكثيف مع تركيز في اختيار الالفاظ عبر بوح ذاتي (منولوجي) للتعبير عن حالة نفسية بمضمون شعري مكتنز بتوتره الداخلي الخالق لرؤياه الابداعية..فكان نصها (تصميما محملا بقدرة من الحساسية) على حد تعبير هربرت ريد..

   فالشاعرة تحقق بناءها الشعري من خلال التجاوز والانزياح عن المالوف بوعي وقدرة على الخلق والتعبير فتعلن عن تجربة ذاتية لها مدلولاتها بصفتها تركيب فني يربط ما بين منتج ومستهلك بالفاظ خالقة لصورها عبر هيكلها الجمالي والفني.. كون الشعر (صياغة وضرب من النسيج وجنس من التصوير ..) كما يقول الجاحظ..

             لا أدري من ختم فمي بالشمع الأحمر

             صار الصمت صديقا أكرهه

             ربما أحصي على ضوئه اخطائي

             وانا اتسلق السلالم التي اتاحها لي هذا الصمت الوديع

   فالشاعرة تعيش حالة من الحوار الذاتي المستفيق على خطاب بوحي متوهج كي تشعر الاخر بعمق الكلمات التي توظفها في حقلها الدلالي الخالق لنص محتشد بالصور ذات الايحاءات النفسية العميقة وهي تعبر عن تجربتها بتلقائية وعفوية..اذ تسامي الوجد المحلق والزمكانية ليدخل في سر الانتظار الذي لايدرك الا عندما تكون الذات هي المفهوم القيمي للحراك الشعري.. حينها يتم الكشف عن انها تبحث في الممكنات كي تجد ما يعبر عنها باستجلاء يتناغم مع الحالة الشعورية والنفسية والذهنية..

              كانت الشاهدة الحجرية تجيد الكلام

               وأنا أُصغي لها والأمواج الحمراء تغمرني

               كنت اطيل النظر للنهر الممتلئ بجثث الضحايا

               كيف امحو السواد عن أصابعي           

               انا الشاهد الذي أنكر ما رأى

               أطوف بزورقٍ وحید وألمحُ أیدٍ تطلب النجده         

اطفو علی الموجة تدفعني الرياح                     

                نحو ساحل السلامه..

فالنص توهج الهامي ينسجه الخيال الشعري الممزوج بتكويناته الصياغية

وجمله المكثفة والفاظه البعيدة عن الايهام.. مع اعتماد الشاعرة تقانة التكرار الدالة على التوكيد والتي حققت وظيفتين عضويتين: اولهما الوظيفة الصوتية..وثانيهماالوظيفة التعبيرية المعبرة عن عمق الفكرة..                 

وبذلك قدمت الشاعرة نصا شعريا يقوم على مرتكزين اساسيين:اولهما الاتجاه السردي باستخدام اللغة الوصفية..وثانيهما التعبير الذاتي الذي يكشف عن روح مازجة ما بين التامل والتداعي.. اضافة الى تميزه بتتابع الصور التي تمزج بين معنيين: اولهما حسي وثانيهما ذهني بتشكيل بصري يتحرك وحركة الذات وتحولاتها الشعورية النابعة من معطيات واقعية بايحاءات تنطوي على دلالات مكتنزة بقدرتها البنائية ومضموناتها الانسانية التي تكشف  عن مشهدية  مشحونة بتموجات الذات العازفة على لحظات حركية الحواس وتناغماتها المنسابة مع ايحاء اللحظة الشعرية الكاشفة عن قدرة في تشكلات النص الشعري المحتضنة لقضايا الانسان وهمومه عن طريق التكثيف والايجاز والرمز(اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة..) على حد تعبير ادونيس....

 

علوان السلمان

...................

للاطلاع على نص: شاهدة للشاعرة رسمية محيبس

http://almothaqaf.com/index.php/nesos2016/906807.html

 

في المثقف اليوم