قراءات نقدية

تجربة "طيف بلا ظل" للشاعرة اللبنانية ليندا نصّار وابتكارات المعنى بتمرّد

ahmad alshekhawiنكاد نجزم ـــ جماليا ــــ أنه من ضروب التبجّح والإجحاف اجتراح أيّما خندقة لهذا المنجز في حقول دلالية تقصي البعد الرومانسي الشادي بالذاكرة الجمعية إذ تعوّل على عجائبية المشهد في تشكيل فسيفساء تعبيرية يتمّ استلهامها من فضاءات تسعف ترددات الذات عبر لا مركزية تيمة الغياب.

إنها صيحة منسوبة إلى الشتات الذهني وفعل الشرود المتناغم مع مناخات الاشتغال المطّرد على التوأمة ما بين ذات مثقلة بسلبيات الراهن الوقف على تفريغها أو إعادة إنتاجها اتكاء على قوالب تفرز حمولة بدائل مغرقة في الموجب المنصهر في طاقة التجاوز بمعزل عن الاجترار.

ومن جهة ثانية ، بين زخم التوليفات لعوالم موازية أو محاكية لواقعية غالبا ما تغيّب الحلم كــفيلتر يمتص الأحاسيس ويجسدن الانفعالات المركّزة بهيمنة أنوية على الموضوعة ،مما يولد ضغطا كلاميا يتحكم بانتشار السياق في كليته ويخضعه لاتجاهات عرَضية تتبنى قواميس استنطاق العدم على نحو ينمّ عن تخلّ مطلق عن الهياكل التي قد تبصم البوح الشعري من حيث استنبات الموقف الوجودي اعتمادا على خلفية معينة أو مخزون لا يتنفّس الطقوس الطيفية ويؤشر على تجليات القرين.

" ذبحت وفكري صبور صبور

وشئت صنعت لديه رهان

ورحت أحاكي ظلال الهموم

وأبصر فيه حياء الأوان

وجرحي تراه ذليلا يضيق

وثلي تراه أسير المكان"

"تأخر الفجر ونحن عطاش

تأخر والعبور سريع

فتعال نطارد معا سكرة العمر ونمشي

نمشي إلى أن يتلاشى التراب"

.......................

"وفي صفحات الغياب

عنوان بلا عنوان،

وصرخة حمراء تمزقت...

وبين المنفى والمنفى

نداء، "

أسلوبية مكلومة لا تهادن الواقع بقدر ما تستفزّه فاضحة فيه التشوّهات كما تناطحه بعبثية مماطلة في المراوغة و استجلابا لما يشبه الضمادات الذاتية والمعالجات الرمزية المستظلة بالبؤرة الإنسانية والملتفّة على النبض الكوني في بلورة الطرح إجمالا بالاستناد إلى قلب قواعد الفعل الإبداعي من وإلى فاعلية وتأثيرات وخلخلة للسائد لدرجة يستسلم معها طرف التلقّي لغيبوبة إزاء ابتكارات ممكنة للذات استرسالها في التمرد ومؤجّجة لحمى تلمّس آفاق الخلاص عبر تناثر شذري يستحوذ على مجمل إيقاعات النص لتتحقق به انتهاء درامية لوحة كلامية بديعة تنسج ألوانها حركية الحرف الهامس الأسرع من سلطة الوعي.

"شقي أنت أيها المطر.'

ما زلت أسيرة صومعتك

متى تعود

فأغتسل من رماد التعب

وأستسلم معك

لعقارب يتيمة..."

..............

"فأجتاز عريي

وأرمي التهم

وما بين غبار الظلام

أسرج قنديلي

فترتعش صناديق الضياء

تشظت بقايانا

قتلنا، دفنّا

وما بين لحظات الاندثار

وقعنا في اللاخيار"

..............

"خف العناق تناهت الرموز

وعند مذبح عينيك

ودعت القصة الأخيرة..."

..............

بين انعتاق الشهوة

وتملّك الصمت

ذاكرة جلادها أعمى

والبوح ذليلا صار

آن له الوصول

ينزل أحمال الشبهات

يدوس بقاياها

عند عتبات اللقاء ويستكين..."

......................

"هذه الأوتار تضرب

فتتألم بصمت..

هي تعرف أن ألمها

يولد الألحان الجميلة."

.................

"وجهان أنا وأنت لقصيدة واحدة

آتي إليك

نصف شاعرة

يحركها اهتزاز ظل تكسّر

تجثو على ركبة

تمسك مرايا الانهيار..

عند جنوح الأطياف

أمرّن انكساري

تستدرجني ذكريات

رمتني عند كف رياح عابرة

تخلع مني القصيدة وننتهي..."

................

يقدّم الديوان صياغة ميتافيزيقية ويفجّر قيما هامشية برغم بعض الهفوات التي عرقلت تدفق الخطاب الفني ورهّلت تسارع انتقالاته من مستوى الهذيانات وفقا لإملاءات الحس النرجسي بغرض تصريفها إلى حالات إنسانية ضمن ما يفسح للرؤى الأكثر نضجا تتيح لأسئلة الكينونة وتحفر عبورا إلى العالمية في زمن طالته الارتجاجات مسممة جل مناحيه.

كما وأننا في خضم هذا الكمّ الحسّي ، نتوسم الأفضل وننتظر المزيد المقنع والمشجع من لدن شاعرة واعدة تأبى إلا أن تغمس دلوها في النوعي العميق وتقول كلمتها موشومة بخصوصية الصوت وجلاله، سيما وهي تستدعي الغائب هاهنا باعثة إياه من ثنايا ذاكرة العزلة ومجرية عليه منظومة إسقاطات إما تتوازى أو تتقاطع لتجعل من الذات الشاهد الشرعي على لحظة الانفصام والتيه والخواء.

 

أحمد الشيخاوي - كاتب مغربي

 

في المثقف اليوم