قراءات نقدية

سمر محفوض: احتفاءً برؤيا القلب.. وطن على بعد امرأة

samar mahfod1مهند شهرباني في إصداره الشعري الأول وطن على بعد امرأة = كائن قشر جسد روحه من جروحه، هو المتكئ على بقايا، ترك خطوته قرب شجن بلاد اجتمعت فيها شموس كثيرة ونهارات مؤلمة وغادر بعيداً عن عراقه التي يعشق بسبب الإرهاب، ىتأخر به الحنين عن اقتراف الجرح بالرجوع فحكم على منفاه بالانتظار استرداداً لبعض العافية واجتاز جسوراً لا توصل إلا لما بعدها  من تيه يتجهز .. في قصيدة (...احتمالات / ربما / لن تحبك أكثر / حين تعلمُ أن السواتر اغتالت حمامات سلامك / وأن موعد الزيارة الأسبوع / فرصتك الوحيدة لـلسع الشمس / لضياعك في عطر امرأة / احتمالات أن الوحدات التكوينية التي يقوم عليها المفهوم الشعري لديه، والذي يتحرك ضمن الثنائيات المتعارضة التي تجعل وظيفة الشعر أعمق من الوظيفة الوجودية، إلى رحاب معانٍ مختزلة ؛ تدل على العبارة بكلمة كما يدل اللفظ على لازم معناه، وليس على معناه الذي يجعله باباً لليقين، بل يتعداه إلى النص المشغول بلغة بسيطة؛ عمادها الصورة المبتكرة بقوة التأثير والدالة على الانفعال. يمنح اللغة أفقاً من حنين مفتوح على فضاءات حب وشجن متجذر،،متفائل حتى الغصة بوقت حتما سيأتي ويلتقي البلاد الحب المرأة (حماقة القراءة عند خط النار / عن التشبث بسيكارة تلفظ آخر أنفاسها / ربما يا صديقي / ستبتسم بحزنها الشفيف / أمام كربلاء / وثورة العشرين / وقوافل الحفاة / سيلتمع رمشها المغموس بالكحل / من أسماء بغداد والبصرة /  الفكرة ليس لها تأثير مطلق في النص لدى مهند الشهرباني لأنه يسيطر على قوانينه برشاقة المحترف، حيث يشكل مهند الشهرباني صوتاً منفرداً ينضم إلى سرب يتقدم رغم ندرته ليس بنوعية المنتج فقط واللغة، بل بتناول تلك الأدوات ضمن وجهة نظر خاصة بحساسيته المتحفزة تجاه الوطن والفقد والغربة،بل بتفاصيل عفوية مدهشة دون أن يقفل الثيمة المركزية لتجليات التأمل إلى مستوى حرية حركتها، دون أن يقع بأسرها.

921-samar(لولا العراق / أنا بخير لولا العراق.. / إن كنتِ تسألين / يجرحني شطب التقاويم أيام الغياب / ويحملني قلبي الغبي إلى حماقاتي البعيدة / أنا بخير / رغم أن الشيب أرّق صفو الليالي

 / والعذل موجع / وحين أسمع صوت أمي أقول.. / أنا بخير.. / رغم العراق! / هذا العبور الجميل الجدير بالدراسة والاستقراء عبر تجربته الوليدة والمؤكدة بنفس العذوبة والسلاسة،التي تلتقط المؤثر،لتعيد صياغة الاختزان والتفاعل والكمون بتعبيرية مدهشة لابد لها من التغلغل بنسيج الفكرة من أجل التقاط صيغها التجريدية، مشكّلا بذلك عذوبة التفاؤل وتجليات إخلاصه لحساسية رؤيته، نزوعاً لتأكيد شكل ديناميكي لا يروي التاريخ الفعلي لبدء التكوين يطرح علينا أسئلة محرضة لمخيلتنا.. من حيث أن المبدع دائم الحراك ضمن التمرد على العوائق مما يتيح له انتاج الأسلوبية .. محيطاً إيانا على مدار المجموعة بتياراته المومئة، والمفصحة تبعاً لحركته، وأيضاً يحيطنا بلا محدودية زمن الشعر؛ بعفوية لها قوة وجاذبية الحكاية الأولى للحب والشعر والموسيقى، كمن يودُّ اختراق العالم بمجرد فكرة وهو لا يريد أن يكون الفكرة ذاتها بل معناها، يسجل انفعاله المختزن بحرقته وبين الصمت، وعالمه الداخلي، متخلصاً من القواعد والصيغ وصولاً إلى التركيب الشعري الإيمائي وما يثيره من إيحاءات اكتنزت بخبرته التقنية عبر تمايزها عن شتى الاتجاهات.. له نكهة الاختلاف وهذيان التجربة والحنين والوطن، الحرب، حيث الجملة تدخل قرميد الحلم وتستعجل البوح مقبلة بغياب مؤكد على كف الصهيل الموجع للروح.

(وحين نحب / يصير الماء بنكهة قبلة / والغيمة باستدارة فم / تمطر السماء شآبيب رحمة / تمنح الوردة إقامة دائمة للفراشات / يتحرر الله من تجّار تماثيله / ليكون للوطن حدود محبّة / أسوار حنان .. / (هلاهل) و(حنّة) / حين نحب / تصبح الخرائط وهماً جغرافياً / وفقط حين تقولين أحبك /

مهند شهرباني في مجموعته الشعرية المعنونة (وطن على بعد امرأة) بما فيها من تنوع تطرح قلقه ومطامحه وانفعالاته وهواجسه، وما تشربت ذاكرته.. متطلعاً إلى ارتياد موضوعات جديدة تساهم بخلق منظومة لا تتكئ على المرجعيات والأشكال المعتادة وإن كانت لا تتناقض معها.. بل كتجربة تحمل بطياتها ملامح شخصية عفوية بسيطة تغفو على بيادر النص الذي يؤكد حضوره الجمالي من حيث الحياة التي تحتضن نرجس الروح، مستمداً من تشكيلات الحداثة وإيماءات المخيلة بصور تولد احتمالات غير محدودة بظرف مكان، أو شرط غير التأملي لغبطة الروح وأحوالها حيث لا عتمة ولا تناقض مع مناخاته المسكونة بالأمل، والمتمترسة بالخيبات والإخفاقات والاختزال الرشيق إلى أبسط ما يمكن لتتبدى الغربة بتلك الشاعرية التي هي روح الفن،، وليدخل الحرف ملكوت الدلالا ت التي تبحث عن نص مسكون بهاجس الجدة والمغايرة.

 

سمر محفوض 

 

في المثقف اليوم