قراءات نقدية

عقيل العبود: معي تكونين أحلى

akeel alabodنبذة عن حياة المؤلفة: نسرين ابو قلام من مواليد بغداد عام ١٩٥٨

دبلوم هندسة مدنية. تنتمي الى عائلة تهتم بالثقافة والآداب وهذا ما ساهم في صقل هواياتها في هذا الباب. تسكن الان في ساندياكو كاليفورنيا.  

اصدارها الاول لعام ٢٠١٤ كان عن دار الشمس وهي رواية بعنوان (عندما يصبح الحدس حقيقة)، والتي تسرد فيها مقطعا عن تاريخ العراق-بغداد حيث مفردات الحرب العراقية الإيرانية وتداعياتها من عام ١٩٨١، حتى العام ٢٠٠٣، خلالها يتم الإشارة الى سنوات ترتبط بتواريخ مضت، وتلك لها علاقة بما خلفته سياسة الحزب الحاكم آنذاك على الشخصية العراقية، بما فيها أضرار الحروب المتكررة،  حيث دوي صفارات الانذار، وبيانات الموت، ولغة الخراب تلك التي خلفتها اليات العسكر، والتي بسببها ثقافة الهجرة راحت تأخذ مآخذها بين أفراد كل عائلة، والرواية  بحجم ٤٥٤ ورقة من القطع الكبير.

 في روايتها الثانية (معي تكونين أحلى)، والتي هي عبارة عن كتاب بالقطع المتوسط صفحاته مائة وثلاثة وسبعين، والصادرة عن دار ميزوبوتوميا العراقية للطباعة والنشر للعام ٢٠١٦، ابو قلام بطريقة عفوية تسترسل في البحث عن قصة عشق عصفت بها ذات يوم مفردات العصر الذي ما زال مكبلا بطوق الموروث من القوانين والعادات الاجتماعية التي تغزوها كل يوم مفردات المظاهر الرخيصة من البهرجة والتكلف.

فكرة الرواية هو اننا امام مؤثرات إعلامية تجارية اجتماعية عامة تكاد ان تجعل منا مطية سهلة للانقياد والوقوع في دواماتها ظنا منا ان خطواتنا تسير وفقا الى منهج عصر يجب ان نواكب فيه طريقه بغية الشعور بالتحضر،

بطلة الرواية المسؤولة عن قسم الحسابات علاقتها يسودها نوعا من الجفاء مع سنان الموظف الذي احبها دون ان يصارحها، حيث يتم إيفادها الى بيروت وهنالك نظرا لما تمليه حاجة احدى  البرنامج، يتم الاتفاق على تغيير ملامحها كما لو ان صفقة من خلالها يتم الاشتراط  على تغيير ديكور جديد.

هنا تلبية لشروط برنامج (معي تكونين أحلى)، مينة توافق على ما يتم الاشتراط عليه.

سنان عند عودتها، ينتابه شعور غير متوقع، بعدما يدرك ان مينة تحولت الى شخصية عبثت بها هندسة الديكورات اللونية لتجعل منها مظهرا رخيصا يثير من ينظر حوله بالفتنة والإغراء.

لقد فقدت تلك الملامح التي كانت تعكس حقيقة صورتها، فمينة اليوم ليس مينة الأمس، بيد ان الاحداث تسير لتبلغ الذروة.

فبطلة الرواية تفوق من غفلتها حين تعود الى وضعها غير الخاضع الى مظاهر البهرجة اللونية اوالديكورية، يوم  حضورها الى مأتم عزاء زميلتها في الوزارة بحضور سنان.

فهرست الرواية تتضمن ما يلي: تمهيد، بيت العائلة، التأهب، فرحة غير متوقعة، الرحلة المرتقبة، المول الكبيرة في المدينة، الا أيها الليل الطويل، معي تكونين احلى، عادت، والعود احمد، التجربة أتت أكلها، ازدواجية المعايير، جليدك يكويني، تحري خاص، الاحزان المفرحة، جليد بلا نهاية، وعاد الحب.

ابو قلام بطريقة لا تخلو من الإبداع، في "بيت العائلة" الذي من خلاله يطّلع القارئ على علاقة مينة مع عالمها الذي يضم امها تغريد، وأباها وأخاها الكبير سامر وعدنان من جهة، وبيتها الثاني في مؤسسة الحسابات الذي يضاف اليه زملاؤها والعم كريم الذي يقوم على خدمتهم بجلب الشاي والحليب والمعجنات  من جهة اخرى.

ومن خلال هذا البيت تبتدئ الأحداث تباعا تتوالى تتجاذب اوتتنافر ما يمنح الرواية قيمة سردية وحكائية؛ المكان والزمان فيهما عنصران مهمان، يضاف إليهما الطريقة الفنية الخاصة بالسياق التعبيري الخاضع الى شروط  عدسة استطاعت ان تخوض تجربة هذا النوع من السيناريوهات بمفرداته المتعثرة تارة، والمزهوة بالتحدي تارة اخرى.

المؤلفة تختزل نموذجا مصورا لاحداث علاقة تتعرض الى التلكوء بفعل مؤثرات هذه المظاهر.

المشهد يبتدي بدخول سنان المتميز بمهاراته في القسم المذكور والذي يحتفظ بتجارب تعرض لها مع النساء في حياته، شعبة الحسابات المتألفة "من موظفين اثنين وثلاث موظفات"18. 

والرواية بالأحرى تكاد ان تبتدىء مخاضاتها بمجموعة حوارات  تتعارض فيما بينها، اوتتوافق بناء على اختلاف الرأي بين هذه من الموظفات، اوتلك، وهذا من الرجال، اوذاك.

موضوعة طبابة التجميل والتي تجتذب الآخرين اليها هذه الأيام عن طريق الاعلام التجاري وقنوات التلفاز، بسببه العشق المخبوء من قبل سنان الى مينة يتعرض الى التعثر بعد عمليات التجميل التي الخاصة التي خضعت لها بطلة الرواية.

المشهد: مينة تطل على شاشة التلفاز بناء على هندسة المواصفات الديكورية التي يتم الاتفاق عليها خلال رحلة ايفادها الى بيروت، ولقائها ب دانة المسؤولة عن فن التجميل، سامر يشعر بعدم الارتياح متفاجئا بملامح مينة الجديدة، تغريد أمها بلهفة تنتظر ان ترى ابنتها الوحيدة.

سيمائية النص من خلالها تتناسل لغة السرد مع الحبكة عبر خطوط الانتقال والحوار الذي يجمع الشخصيات بناء على نقاط الالتقاء الخاصة بالعوامل التي ترتبط مع بعضها وفقا الى نسيج اجتماعي ثابت في منطقة ما، ومتغير في منطقة اخرى.

والمتابع للأحداث تبقى نظراته عالقة بخطوات مينة وهي تبحث عن حقيبة اكبر من حقيبتها الصغيرة، لعلها تساعدها في رحلتها المنتظرة، تتبعها فكرة خطبة عهود من أخيها سامر، والذي ترتبط تفاصيل حكايته مع علاقته القديمة بها.

تقاطعات وتداخلات نسيجية بها يتحرك الواقع على اساس تناقضات بها تتكامل عناصر القص الروائي، فوالد عهود الذي هو برتبة عميد ينظر الى الواقع بناء على مظاهر الفخامة والابهة التي اعتاد عليها من خلال مهنته العسكرية، وهذا ما يصنع افكارا اخرى لها علاقة بذات الواقع.

الرحلة المرتقبة ووصول مينة الى بيروت، ولقائها من قبل ميرا، التي تجهز لها جميع احتياجاتها الخاصة بالسفر بما فيها الإقامة وحقائب السفر، يتبعها لقاء دانة وموضوعة جدولة جميع ما يتعلق بعمليات التجميل.

" سنتوجه الى المختصين من أطباء تجميل وأطباء أسنان وخبيرات بشرة، فهم من سيقرر ما يجريه من تغييرات"51

المول الكبير في المدينة وصف اخر جاء في الرواية لعالم الاكسسوارات والمجاملات الخاصة ب"عالم الأزياء والموضة"، حتى اللغات التي يتحدثون بها56.

يعقبها انتظار سنان، مقابل انتظار تغريد لابنتها، ساعة بث البرنامج، احتدام النقاش بين جمال والد مينة، وزوجته تغريد.

" أنا لم اشعر يوما بأنها في حاجة الى تجميل!"77

مشاعر سنان الذي ينتظر عودة محبوبته بلهفة لكنه سرعان ما يشعر بالخذلان وهو يرى شخصية اخرى لا علاقة لها "بمينته" التي يراها اليوم. شقيقها سامر هو الاخر يشعر بالخجل والاحباط.

بينما على العكس عهود خطيبة سامر، تظن ان مينة كانت قد فعلت شيئا جريئا عندما قامت بعمليات التجميل، بينما سامر بعكسها، يشعر انها كانت بصورتها القديمة انسانة تستحق الاحترام اكثر مما هي عليه الان.

"(بادرت عهود بهذه الكلمات، مكالمتنا مع سامر) يا لها من فتاة شجاعة، هي دائما شجاعة....اختك مينة اثبتت بأنها فتاة ولا كل الفتيات...انها والله تستحق الإعجاب"ص82

سنان كما سامر يلتقيان في الأفكار، فهما يتفقان على ان عمليات التجميل هذه ليس الا فن رخيص بموجبه تصبح المرأة مجرد صورة بلا قلب اواحساس. ولكن تبقى هنالك عقدة المجتمع الذكوري والأنثوي الذي تتصارع مكوناته عبر هذا النمط اوذاك من العلاقات الاجتماعية بين الأفراد في اسرهم اوخارجها. ذلك يتجلى واضحا عبر النقاش الساخن بين سامر وخطيبته عهود، حيث يقول سامر: 

"انها تحولت الى لوحة رسمت بالالوان المائية، مجردة من اي حس فني!"83

لذلك عهود كأنها متيقنة تماما من حقيقة ما تؤمن به ترد بطريقة واثقة:

"أنتم معشر الرجال، لا يعجبكم العجب، ولا الصوم في رجب....كما تقول امي دائما"83

بينما في بداية الرواية على نفس النمط من الجدال، حيث يدور الحوار حول موضوع التجميل ابو ثائر الزميل الاخر يدلي برأيه معترضا:

" أنتن معشر النساء، دائما ما تتمتعن بطاقة كامنة، قادرات على تفجيرها وقتما تشئن" 22

لتنتهي الرواية بعودة الانتماء الى الصورة القديمة؛ وهي عبارة عن رابطة العشق الفطري، الذي به بدا سنان يسجل شعوره المتوقد تجاه امرأة احبها بكل جوارحه. 

" استقبلت بحفاوة مبالغ فيها حسب اعتقادها في مكتب القناة، رحب بها وكأنها شخصية مشهورة، اونجمة سينمائية....تقابلت اخيراً مع دانة، معدة ومقدمة البرنامج....طلبت من مينة التحدث بإسهاب عن نفسها...كذلك فعلت مينة... فملامحك ناعمة ومنسجمة....سنعمل على إبراز الجميل"ص46-48

هنا حيث بناء على ما تقتضيه مصلحة البرنامج المذكور، يجب ان تتغير ملامح وجه مينة وبعض مفاتن أنوثتها بطريقة تصبح معها محل اثارة وفتنة وإغراء الى المشاهد ما يشير الى ستراتيجيات المصالح الاعلامية الخاصة بهكذا نوع من البرامج. 

سنان الموظف الذي يعمل معها في الحسابات، شخصية على اساسها، عقدة الأحداث تبلغ ذروتها، حيث يتحدث مع أمه عن عودة مينته التي احبها في نهاية الرواية.

حينما ذات يوم تشترك مينة في عزاء زميلة لهم، ومن خلال رداء الحزن الذي ترتديه مع ملامحها البعيدة عن بهرجة المكياج في بيت السيدة ام جوان، مينة تعود الى صورتها القديمة في قلبه.

ما يراد ان يقال به ان خطوات الجمال هي ليست هذه الرتوش التي يؤتى بها عن طريق هندسة المكياج، فللجمال ميزة تختلف تماماً عن هذه الأوصاف التي تجرجر أقدامنا نحوها؛ تجعل العامة أسارى لمؤثراتها، فحواسنا المبصرة، تقيد رؤيتنا، توهمنا، حتى نكاد ان نتجاوز اوننسى في اغلب الاحيان بان هنالك مؤثرات تكاد ان تكون اجمل من حواسنا هذه التي نبصر بها.

والقلب هو اول اداة تنبض بمشاعرنا، تهتف فينا، نرتبط معها بتفاصيل هذا العالم نخوض التجربة دون شعور منا.

ابو قلام في الصفحات الاولى من الكتاب، تحكي بطريقة مباشرة فكرة الموضوع، كأنما بطريقة كلاسيكية عن قيود هذا العقل الذي ليس له الا "الانقياد" الى عالم يجتاح عوالمنا الفطرية؛ يتجاوزنا كانما دون احترام لقدرات الانسان المبدعة.

" لسنا سوى مقلدين... استعملوا العدسات اللاصقة لتصحيح بصرهم، فاستعملناها لتغيير لون عيوننا مع تغيير اثوابنا، لأنهم في نظرنا جميلون"7

 عن بطلة روايتها التي بطريقة ما ارتبط موضوعها بتحديات اجتماعية تجاذبت أحداثها كما امواج بحيرة تتلاطم مع بعضها لتمنح القارئ طاقة تفرض عليه اجتياز حدود وضعه المكاني، كيفيته المحطمة بناء على ارادة تفهم معنى الاشياء على اساس تلك المكونات التي من خلالها، المجتمع يسعى لان يتحكم بأدق التفاصيل بغية فرض قوانينه التي تقيد أفراده، جميع ابنائه، بل أبطاله حتى بقيود هذا الإرث الذي يقتادنا كل يوم نحو الياس والالم والصراع. 

 

استنتاج وتقييم:

موضوع القصة ليس بجديد كما يبدو، لكن احداث الرواية وطريقة السرد الروائي تشير الى ان هنالك تجربة اجتماعية وادبية، من خلالها أرادت المؤلفة ان تصور شريطا متصلا من الأحداث التي على أساسها تتصف أفعال الشخصيات وسلوكياتهم ذلك بغية رسم خارطة التصميم الحقيقي لشريحة ما من المجتمع العراقي البغدادي خاصة  وان الروائية قد سلطت الضوء على الطبقة المتوسطة؛ البرجوازية الصغيرة من المجتمع اكثر منها من الطبقة الفقيرة، وهذا ما جعل مكان الحدث؛ تيمة خاصة بهذا النوع من المكونات، اذ كان من الاولى ان تغوص في شخصية العم ابو كريم فراش الدائرة بغية اجراء مقارنة بين حياته، وحياة الطبقة التي تنتمي اليها، ذلك باعتبار ان النسيج الاجتماعي يتخلخل عندما يصبح هنالك ارتباط بنمط واحد من أنماطه.

هنا ليس بناء على اختلاف وجهات النظر الخاصة بعمليات التجميل وما يتلوها، بل ان هنالك خطوط واستجابات اخرى من خلالها يمكن تبني وجهات نظر طبقات اخرى تنتمي الى الواقع بطريقة مغايرة.

ولكن وكما يبدو فان بو قلام أرادت ان تختزل تجربة اقرب اليها؛ الى واقعها، لكي لا تبتعد عن لحظة التنوير التي اختتمتها بعودة الحب بين سنان ومينة.

هنا كونها اول امرأة عراقية تعيش في ساندياكو اقرا لها ضمن هذا اللون من الادب والذي تعد مخاضاته صعبة قياسا الى ألوان ادبية اخرى، احببت استعراض فنها للقارئ للكريم، متمنيا للروائية المزيد من العطاء والإبداع.

 

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم