قراءات نقدية

اسماعيل ابراهيم عبد: مؤثثات حيز الوجود في السرد العراقي الجديد

ismaeel ibrahimabdمن مباغي العمل النقدي (هنا) التبيين والتبشير بالبُعد الأهم للوجود المنقول والمرئي والمسموع والمحسوس به، من الأشياء والأسماء والهيئات والحالات، كونها جميعاً تؤلف العالم السردي منظوراً إليه كحيز لفضاء مُتَصرَّف به حين وضعه بموضع التأثيث، أي بموضع أن يكون الماليء لفجوات ومساحات المروية كعنصر يخلق جو الروي إجرائياً، بمحاولة لخلق عالم حيوي بأكثر مما في الكلام والسلوك " المُحَيَّن " من الحوادث، على شكل جمالي جذاب وممتع، مُزيدا للوعي، بالحالة النفسية والحدثية، بمتجلياتها المتجاورة مع التأريخ والمتجاوزة له، مؤلفة فضاء الفعل بإتجاهاته كلها الخاصة بالمتعة والثقافة والتهذيب الحسي والجمالي للسرد عموما.

 

الاتجاه الاول: التأثيث اللغوي العلائمي

اللغة السردية بمكنتها خلق عالم خاص متحرك بين فضاءات زمنية وأمكنة وأحداث، وهي كونها لغة، قادرة على التواصل وبث الفهم بوعي خالص، حين تضارع جُملها بنوع من القصدية لتحقق الفهم الفلسفي للجملة،إذ الجملة فكرة لقضية مماهية او مغايرة لمضمونات الوجود . سيكون للحدث عمق وأثر وهو السبب في الإتجاه الوظيفي للمستوى البنائي الذي يُساوي (الفاعل + الفعل + المفعول) على مستوى التنظيم الخاص بالسياق التواصلي كمحور تعالقي .إما إتجاه جمل اللغة الساردة نحو التعقيد التركيبي فيعطي للإستعمال درجة عالية الأداء السرد بنماذجه النصيّة الحكائية والإسطورية،هو مستحدثات ذهنية، فائضة عن حرفية عمل. متأنية ذات دقة ودراية .

كثيراً ما يفتقد الروي عنصر الإثارة بسبب الفشل اللغوي حين تتجاوز الجمل مبررات الخرق النحوي والبلاغي بوعي فني .

[ وكون الجملة عنصراً في سردية القص ... فهي الوحدة القصصية الدنيا التي تتآلف مع جمل أُخرى لتكوين مقطعاً سردياً ] ([1]) .

وبـتعدد هذه الجمل النموذجية تصبح اللغة حاملاً قيميّاً ـ الى حد ما ـ من الجانب الفني بالعودة الى الفهم الآتي /

الجملة هي الشكل والمعنى والتوصيل والتواصل الإشاري والحركي والحدثي .. هي القيمة الجمالية المهمة، ضمن القيم الإسـلوبية الصافية للسرد .

من الجدير بالفهم انه حين يرتبط التداخل بين النصيّة والتواصليّة يثري الروي بإستعمال النظام الإشاري المتعلق بالتأويل إذ يحدث التوافق بين المتقابلات النحوية والدلالية في إستثمار الضمير الغائب بالجملة الأدبية، إذ له إحالة منطقية تدل على الغياب المضمر لغايات قيمية وإستعمالية في ظل المعنى والمعنى المحاذي.

ومنجزات اللغة العلائمية تتعلق بالمستوى الجملي الادائي ومن امثلتها ..

1 ــ جملة الوصف العام:مهمٌ أن نعي ـ وجودَ العلامات بعدّها بنية اتصال وتوصيلٍ ونفوذٍ من شبكة الكلمات الى العلاقات، ثم جمل التراكيب اللفظية والصورية، ومن ثمَّ الدخول في نظام التشكيل الخاص بصنع صياغةٍ مقننةٍ تجمع المعنى إلى الحركة الحدثية، إلى مضمور الغايات الروائية بوجهتيها السطحية والعمقية .

من موجبات القول العلائمي الإشارة إلى عدّة أُطرٍ لهذه العلامات منها جمل الوصف الشيئي الثنائي التركيب،وذات التركيب الذهني، وجمل الوصف الذهالي، وغيرها .

2 ــ جمل الوصف الشيئي: يتجه الوصف الشيئي بوجوده الجملي نحو المسميات كمستوى أولي للصياغةِ السردية التي تؤالف الروي مع حركة التصاعد الحدثي، تتمحور جملهُ حول علامات الجمل التوزيعية للوصف، حيث الجملة مقيّدة، محددة، مفضوحة الدلالة، علاماتها سياقية، متقاربة الإحالة في " النحو " ذي الترتيب الصياغيالمدرسي، ولكنه وصف ضروري، وحتمي بسبب علاقته الحجاجية بالنص .

يمكن النظر في مدونة " فاطمة أوالناصرية " للكاتب ليث سهر الزيدي اذ هي حاوية على:

* علامات التجسيد الوسيط

* علامات التجسيد الصغرى

3 ــ جمل متعددة التركيب: جملة تحتوي النظم الوصفي الذهني المباشر والادراكي المباشر والصوري الحدثي المباشر وصور المجاز التمثيلي للمعنى .

* أن جميع التصورات السابقة تجد مثائلها في كتابة الكثافة الفنية .

 

الإتجاه الثاني: مؤثثات وظائف الشخوص

1 ـ وظائف الشخوص " أخذت ميزاتها من الفهم البنيوي منذ بروب وبريمون وتودوروف، من كونها تقع ضمن مخطط ضروري للوصف بعدّها فاعلاً للقصص " ([2])

تلك الفواعل هي الشخصيات العقلانية النقدية يفرضها عصرنا كفواعل سردية . وهي تهيمن على علاقة المسندات على وفق نوعين من القواعد: "إنها تخضع للإشتقاق عندما يكون المقصود بيان علاقات، وتخضع للأفعال عندما يكون المقصود وصفاً تحوّل في العلاقات نحو مجرى القص" ([3])

2ـ الشخصيات منها ما ينتمي الى مستوى السطح وهي لا تُحصى عدداً، في حين أن الفواعل التي تنتمي الى العمق الفعائلي فعددها لا يتجاوز الستة وهي / المرسل، المرسل إليه، المساعد، المعارض، الذات، الموضوع ذو العلاقات التي تقوم بين الفواعل المكوّنين لمنوال الفواعل ." كما جاء في معجم السرديات، ص304"

يرى البعض في فهم الشخصية للفعل وتعقد الشخصية من خلاله، متعة كبيرة . " حين تنطبق قاعدة جنيت: الفعل × الشخصية = قيمة ثابتة .

للشخوص الفواعل خمس وظائف تأثيثية:

ـ تبريرالتشكل المظهري للأفعال .

ـ التشكل الكنائي للروي .

ـ الإسهام ببناء علائق العناصر الروائية .

ـ التدخل بتصنيع الأحداث .

ـ صوغ الزمنية للأفعال .

ملاحظة /

يتفق كثير من الباحثين على اربع منها عدا التشكل الكنائي سرديا فهو من اضافاتي .

 

الإتجاه الثالث: مؤثثات الروي

الراوي هو الوسيط بين العالم المُمَثَّل والقاريء،وبين القاريء والمؤلف، وبين هؤلاءالواقع، هو العون السردي الذي يعهد المؤلف الواقعي إليه بسرد الحكاية أساسا .

الحاجة السردية تقرر مرتبة صاحب الروي عند إناطة عملية الروي للراوي . الحاجة قد تكون موضوعية فـيصير الراوي او الفاعل العنصر الإظهاري للحكاية والفعائل المتصلة بها .

يرشـح السرديون السرد بضمير الغائب نموذجاً حيوياً وملائماً لقوى السرد الناقلة لأحداث كبرى وكثيرة .

وفي تطور بنيات القص (الحكائية ـ القولية) يكون للراوي ضمير (هو) المتعدد بوجوه الحاضر ليُظهرالضمائر الأُخر،ويسند الأفعال للفاعل فيها على وفق موجهات المؤلف، الذي لا يشترط أن يكون الكاتب ـ شـرط ألّا تتوضّح ذاتيته فيها، فكلما إبتعد الكاتب لكي لا يصير مؤلفاً وأسند ذاته للراوي كلما يكون السرد تعبيراً متناغماً للعلائق المنتظمة من الناحية الفنية والدلالية .

 

الإتجاه الرابع: التداول

من انواعه /

أ ـ التواصلية: في مركزية التكثيف الإعلامي، لمحاولة كسر الإنغلاق الثقافي، تقوم الفنون بأدوار مهمة لإيجاد فعل حضاري، ثم فعل تقني، ومن ثم فعل إجتماعي،يتقبل فرائض الفنون والتقنيات ومنظومات التواصل الإنساني .

أهمية التداول تتعلق بفنّيْ العصر الأساسيين، الصورة والرواية، تحتم وجود (شُرعة أو نافذة) للأخذ والعطاء لتأصيل الفعل الحضاري لصالح الفرد والجماعة . ولأن التعبير ـ كلغة محكية أو مكتوبة ـ هو مضمون وعناصر وصيغ للتخاطب، لذا فأن التداولية الحديثة مبدئيا خففت من عصمة اللغة الأدبية، بل أن بعض وسائل التخاطب إستوعبت لغة السوق، وهذّبتها وإبتعدت بها عن الأداء المباشر نحو الأداء المجازي.

ب ــ خفة الروي: السرد إشتغال متداخل الرؤى، متضافر الغايات، متعدد الآليات، يتوسع ليصير طموحاُ إعلامياُ ينشدُّ إليه الكثير من المبدعين والعاملين في الحقول والمؤسسات الإعلامية والمعرفية الأخرى .

العصر هو عصر الكثرة والجمهرة لكل شيء، فلن يضيع الصغير بفعل الوجود الكبير، إنما العكس، كل شيء يكبر ويكبر ليصل ويقترب فيقترن بالمماثل والمخالف .

لننظر ثانية في مشهد يكسر عـصمة اللغة بخفة الروي، أي بالسخرية مرة، وبالتباكي مرة، وبالإنفلات العاطفي ..المثال المراعى لهذا في رواية وحدها شجرة الرمان لسنان انطوان (من ص219إلى 233) .

ج: أدوات التشكل التداولي: هي أدوات عدة سنركز على نوعين منها لتعلقهما بتوجهنا نحو التداول التعبيري، خصوصاً، ذلك المتعلق بالتبادل الإستعمالي للغة الروي .

أدوات الرهانات /

تستحصل من رهانات التعبير النصي حيث أن/

التعبير السردي سيكون محددا برهانية تداول الحقيقة والإحتمال والمستحيل .

مع ذلك فأن هذا التعامل سطحي الى حد (ما) .

السبيل الى تجاوزهذه السطحية، كما نرى، يتم بالتركيز على الكفاءة التداولية، فهي تتقيد ـ كما هو شائع ـ بالمنطق الإستدلالي .

توجد مضمورات غرائزية بحاجة الى إشباع، الأدب هو الأقرب لسد مثل هذه الحاجات لكونه لايخجل من تداولها، منها .

ب ـ ادوات التقمص النفسي / كالهشاشة والإصابة والإضطراب والهلع ..

وهي إيماءات للشكل الخارجي والداخلي للفرد، وليس للراوي أو الفاعل أو المولّد للسرد فقط.

* التماهي مع الفلكلور ..

هو مركب متجانس في تماهيه وإمتداده في حركة الجسم ومظهر الفرد العام، ينسجم مع المكونات الفلكلورية كالملابس والغناء والرقص التقليدي ... هذه المتماهيات تحيل الى قوّة أثر الفلكلور المنعكسة في مضمون المرويات جميعا، على سبيل المثال محتويات، ألف ليلة وليلة ومن مظاهرها.

* الحلم الإبداعي: كإيماء وصور معروضة على شاشة الذاكرة بطريقة (فن) محافظ على إشتراطات الصوغ .

* إيماء التقمص الفني المنظم: يسميه المسرحيون تقمص الأقنعة .

وفي كتابات الرؤى المفتوحة هو حالات أسطرة ..

وفي القص يُنعت بتغاير مهمات الروي الشفاهي المرن، من حيث المظهر والهيئة واللون والهيكل والقول، لما يحوي من تحولات للفاعلين الرواة وما يتبعه من سلوك طبيعي ينحو جهة نمط من التمثل المـعـمـق والـمـوّجه لميول نفسية قولية تبتغي أهدافاً فنية أوثقافية .

أن جميع السلوكيات والمظاهر البشرية والحيوانية يمكن أن تـكـون مثـالاً لهذا النوع من الإيماء .

 

الاتجاه الخامس: ثقافية ما بعد الإنشاء

يهتم العالم بالموضوعة الثقافية، ولعل إنشائية ما بعد التداول الروائي واحدة من بين الحصائل المباشرة للعمل الثقافي، فعليها تقع خطط النظريات الثقافية لعموم السرد، ومنها وفيها يتحقق التحليل الثقافي للمضمون السردي .

يجد النقد الثقافي نفسه محصوراً بين السرد والشعر والخطاب، وعلم النفس، والإجتماع . علينا أن نحافظ عـلى بيئة فنية للسرد لأجل أن يكون العمل متجهاً زاويته الخاصة (ما بعد التداول) .

لأجل أن تكون ثقافية السرد مناول تقانة جمالية ينبغي الأخذ بمبدأ /

(المشهدية بنـاءات متساوقة في التقانة اللغوية السردية تتوافق مع المناول المعرفية الفنية) .

المناول الثقافية تنحسم في شكلين من الإستثمار هما " الهيمنة والهامشية " كحـدود إشتغال شائعة، ينضمّان في نسقية التخالف والتوازي والظهور والإضمار .

" الثقافة هي الكيان المركب والذي ينتقل إجتماعياً ويتكون من المعرفة والمعـتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعادات " ([4]).

يرى ريموند وليامز(1958):

" الثقافة نظام دلالي يفضي حتماً بالنظام الإجتماعي المعين الى حتمية التبادل الإتصالي بين أفراده وحتمية إعادة معايشته وحتمية إكتشافه"([5]) .

" تحلل الثقافة في الإنثروبولوجيا على ثلاثة مستويات، أنماط السلوك المكتسبة، العناصر الثقافية تحت مستوى وعي عمق النحو والصرف وبناء الجملة في اللغة، أنماط التفكير والإدراك التي تتشكل ثقافياً "([6]) . الامثلة كثيرة جدا .. قمت بدراسة بعضها كأمثلة لا تقييم (طوفان صدفي، بوهيميا الخراب، مخلوقات فاضل العزاوي، اونسام كاميل، قوة الضحك في اورا، مشرحة بغداد، دلمون، سيد القوارير، التأليف بين طبقات الليل، رماد الممالك،طائر الفنجس، حارس السلالة .. وغيرها .

ما يفيدنا في هذا كله أن الرؤية في السرد في مضمورها ينبغي ان تصير ثقافة ابداعية لا ايدلوجية الاتجاه السادس: مؤثثات ميتا تأريخ المجتمع السرد كقيم لعناصر،يقوم بمهمة التأثيث،والحكي أيضا، وإظهار الوقائع الإجتماعــية ( السياسية، الاقتصادية ) .. الاقتصادية ـ خاصة ـ لها ذات الدور التأثيثي لما فيها من طاقة تأثير معرفي وسلوكي متبادل بين المواطن وفن الرواية . يمكننا متابعة هذه المقولات من خلال / رواية يمامة لسلام عبود ومدونات (سمايا اوروك ليحيى صاحب ودولة المتسولين لابراهيم محمد خليل) وغيرهم كثير

 

الاتجاه السابع: مؤثثات الوجد الصوفي المستحدث

في هذا المفصل، بمستطاعنا أن نلحظ الطبيعة التراثية وهي تتسلل بفنية وتقنية جديدة لتكون المساحة التي تعرض عليها الوقائع المصنوعة وشبه الحقيقية .. نرى فيه الهيئات المستحدثة والكيفية التي تحوّرت بموجبها لتصير مشاركاً نموذجياً للـ (القص، الروي، الوجد، التصوف)، إذ هي تندس في ثنايا القول فتقيم لنفسها مقامات من رؤى للإطار العام، الخاص بترتيب الجمل والقضايا الفلسفية والوقائع الرديفة لها، مضافاً إليها القدرة الفنية، ومنجزات الفنون التشكيلية، في منثورة من الاشياء الموجِهة والمستحكِمة بالروي، حالما يرحل من الواقع الحقيقي الى الواقع المتخيل عَبْرَ متصلات التصوّف الفني، لا الفكري ... قد يُحْدِث التصوّف الفني مؤثثات لا مرئية تسهم في تشييد الرواية الادبية، مثلما نراها في مدونات كوميديا الحب الالهي للؤي عبد الاله، ومسرودة الضفاف السعيدة لعدنان القرغولي ومدونة ألواح الرؤيا لمحمد علي النصراوي .

 

الاتجاه الثامن: مؤثثات وقائع الحكايا

هذه مؤثثات تشيد مقامها من تجميع الوقائع المتصورة والحدثية في النسج الحكائي للمروية كونها سبباً في وجود عالم يجمع بين الحقائق المرحّلة من السجلات الرسمية للدولة الى أيدي الناس لتصير فيما بعد وثائق مُتَصرَّف بها فنيا، كما أن من الوقائع ما هي أحداث سياسية حوَّلَها الروائيون الى أحداث شخصية لأجل إحتيازها درجة من المعقولية والإقناع، والتشويق .. إنها مؤثثات للحالات والهيئات والمواضع المقام عليها ومنها، منسوج الرواية من منظور (الإطار الجامع) لكل حيز فضائي للمخلوقات الفنية المنتجة للوعي والمنفعة، في تبادلها الصوغي بين المجتمع والسلطة وبالعكس بين السلطة والمجتمع بوسيط راو منهمك في تصيير وإعادة تصوير، ما جرى وما يمكن أن يجري للعراق كنموذج للوطن المحطم بإيدي داخلية وخارجية، طاغية وظالمة، قديماً وحديثاً. الفعل والمباغي الدافعة الى الوعي بقيمة التغيير والإسهام به، هما مؤلفات تنفيذية لمقاومة وإيقاف هذا الهدم لئلا يصل الإنهيار التام .. امثلته التطبيقية، جميع الروايات والقصص والقص الموجز العراقي بعد عام 2003

 

الاتجاه التاسع: موجودات يؤثثها الميتاسرد للميتاسرد في القص العراقي الجديد

 أهمية خاصة جداً تكاد لا تخلو منه أية مدونة سردية .. لكن الذين تخصصوا فيه الى الحد الذي يجعل اعمالهم تطبيقاً جيداً لإشتراطاته الناجحة، هم، عباس عبد جاسم في " اجنحة البركوار "، وارد بدر السالم في " تجميع الاسد "، أحمد ابراهيم السعد في "وهن الحكايات " .. عباس عبد جاسم يرى الاشتغال بالميتاسرد نوعاً من تطوير الرواية الى نحو جديد من اللارواية . وارد بدر السالم يرى الوجود، مروي فيه للميتاسرد، ورؤاه فنية نقدية تغامر بتقنيات الرسم التشكيلي المصنوع برؤى مثيولوجيا جمعية للرافدينين قديماً وحديثاً .. يشتغل أحمد ابراهيم السعد على وفق الضلالات المتلاحقة لهدم الروي والحكي والقص بتركيب خاص للتضليل على السرد بأوهام السرد وبضياع الانتماء الفني بمقابل الرؤية مضطربة التسلسل.. يحاول إتباع ضلالة وهم الراوي لإحماء الروي وإخراجه من طرائقه الدارجة القارة، الى الروي بالمهجسات الظننية .

 

الاتجاه العاشر: مؤثثات التوليف الجغرافي

(بلدة في علبة ) ([7]) واحدة من المدونات السردية الأكثر عمقاً في واقعيتها، يتحول الحيز الفضائي فيها الى أُرث حضاري مشبع بقوى السرد التي تستعيد المدينة الصحراوية، وتعيد لها عنوانها المُحَيِّر المتغيِّر بحسب الظرف التاريخي للمجال الحيوي للمدينة .. إنها سماوة أوروك !!

يمكن ملاحظة الآتي كمواصفات لتشكل الفضاء المديني للروي /

1 ـ إن المتمم للحيز الوجودي أطار عام يؤالف بين المرحلة العمرية للراوي والمرحلة الحياتية للمدينة.

2 ـ نشوء الوعي الفردي والجمعي يتصل بالقيم قبل الماديات المظهرية . 3 ـ العمران الذي يرافق المرحلة التحضرية للمدينة والراوي، الرمز المعوض عن السكان، يتشكل كدور وساحات وموجودات، بدرجة مقاربة لدرجة تشكل الوعي الفطري للراوي والسكان. 4 ـ الموجودات تتعلق بفطرية الحياة وتحررها الروحي كونها لم تتلوث بطموحات اكبر من وعيها لحالها الاقتصادي.

5 ـ المعرفة المكتسبة بالتربية المستندة الى حب الجماعة والانتماء لها، هي المعرفة الأثيرة التي تسيق التعليم النظامي إلى آيدلوجيات التعلم والاستنارة .

* لنشأة المدينة طرفان هما /

أ ـ التشكل الاقتصادي ادى الى تشكل لفهم خاص بمعرفة الفقر كصراع طبقي، إضافة الى التقاليد الخاصة بالمقتنيات الفلكلورية .

ب ـ التشكل العمراني أستجذب تشكل العلائق الاسرية ذات النزعة الفطرية في الحب والحياة،وتآلف البيئة الطبيعية مع البيئة السكانية .

* في العلاقة التشاكلية بين البيئة السكانية والبيئة الروائية يوجد عامل آخر يتعلق بالتغير الدائم، إنه " المزاجية " التي تهتم بالتلاؤم بين الأشخاص والأماكن ..

 

الاتجاه الحادي عشر:مؤثثات آليات الإزاحة

يقدم لنا الناقد عباس عبد جاسم نموذجاً للعلائق السردية مبني على فهم خاص للإزاحة / " الازاحة في القص تسمح بتحويل ما كان على مستوى الحدس والتجريب من فرضية مجردة الى واقعة معيارية جديدة " ([8]) ..نفهم من المقولة، بأن الإزاحة خاضعة للتخليق وللتجريب وللتحول، ومن ثم للمعيارية .أ ـ آليات الرؤية الحدسية التخليقية للإزاحة، هي إزاحة مخلقة وشاملة وروائية،ولا تعتدُّ بالجملة الواحدة، إنما باللحظة الروائية الواحدة، التي تصنع مشهداً قصيراً منتمياً الى المشاهد التي تليه والتي تسبقه . ومبررات المعيار الإزاحي هي: 1 ـ لولاها لتحول القص الى شعر لا وجود مادي يُمَوْضِعُهُ . 2ـ بها تُتِمُّ المعاني حيز فضائها الصياغي كعناصر نسيج للقول أوالفعل السردي . 3 ـ تلك الكلمات كلها لها مسوغات ضمنية تؤصل وجود معنى حقيقي للقول . 4 ـ إنها مؤالفات الدلالة مع الصياغة مع الحدوسات مع الأصول القاموسية، بها يأخذ القول قواعده النحوية والاستعمالية، منطقيا وزمنيا . * التضافر بين الحدوسات الإزاحية من حيث المرجع القاموسي والاصطلاحي، يؤهلها لتصير برمجة ذاتية للقول الموظف لصالح الازاحة المعيارية .. * القانون المُخَمَّن للإزاحات هو:(مرجعيات الإزاحة + حدوساتها = القيمة المادية والدلالية = قوى التأويل السردي). الاتجاه الثاني عشر: مؤثثات استعارات التناسل الحكائي (المدونة المؤهلة للتمثيل التطبيقي هي مدونة اليشنييون لجمعة اللامي)

أولا: التناسل الحكائي هو من أعقد المشاكل و المشاغل السردية، وتحديدا، في مدونة اليشتيون، فقد احتوت المدونة الروائية على (259 ) حكاية ( قصة قصيرة )، منها ( 50 ) خمسون قصة، او حكاية، رئيسة والمتبقي حكايات فرعية .. اي بمعدل أقل من 6 قصص لكل حكاية رئيسة .. هذا التوزع والتشتيت يربك المتابعة بشكل كبير لكن طبيعة ( الحكايات، القصص، الجزئيات الروائية ) المسلية ذات اللغة الأنيقة يتغلب على صعوبة القراءة .. كأن جمعة اللامي يتقيد بمقولة (محمد خضير) الشهيرة: القصص الجزئية للرواية تنصرف الى فروع، منها مستقلة، ومنها مكملة، ومنها متفرغة الى تشجير قولي . لمتابعة القصص المتنوعة الاسلوب سنلجأ الى التمثيل من على صفحة 40 إذ يرد العنوان (مقاصة عفران واختاها والطبري ... نأخذ من المقاصة الاسطر المنتقاة الآتية: [...... فهذه نكتة في القول والكتابة أملاها عليَّ، في سنة من برزخ نومي، ... الشيخ الطبري ... قال السشخ الجليل: أصبحت الدسكرة على صوت منادي محتسب شيخ بازار التجار يسقط على آذان الناس مثل الرصاص: " يا أهالي عفران لقد جاءت الآلهة برحمائها علينا ومنحتنا بركة منها وتسمّى أحد أبنائنا راويا: لقد توصلنا الى معرفة كلمة .. جدل ... " رجعتُ الى تصفح مجلدات " أخبار الامم والملوك " بعد يقظتي فلم أجد من أخبار محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري ... ما يسر الخاطر في شأن دسكرة عفران ... اقول: لم أجد ذكراً او خبراً لهذه الدسكرة ... وأنا الآن أتوجه الى العقل ... الذي توجه اليه "التوحيدي" ... وهكذا قادني عقلي، وانا اديم النظر في اعادة رسم الكائنات التي ذكر أنها كانت موجودة على الارض قبل خلق الانسان، أن عفران ربما كانت موطنا لهذه المخلوقات العجائبية.. ليقودني هذا بعد ذلك الى اكتشاف اختيها نفران وزفران ... المختصون المتابعون ... لعلهم عرفوا الآونة ان عفران ونفران وزفران، هي ثلاث قرى مخترعة على الورق فقط . ] ([9]). في النص المطوّل نوعا ما، عدة قصص (حكايات) .. انها اربع 1 ـ الحكاية الأصل: ترتبط بالعنوان، مفادها أن الكاتب السارد أوجد علاقة فنية بين عفران والشيخ الطبري تتعلق بالمخلوقات الاولى التي سكنت الارض قبل الانسان . 2 ـ الحكاية المتناسلة المستقلة: تنصرف اليها حكاية شيخ بازار التجار، التي مفادها أن الالهة أهدت لأهل ميسان راويا منهم .. يعلمهم معنى وحكمة الجدل .. اي محتوى الفلسفة.. 3 ـ الحكاية المتناسلة المكملة: تتعلق بدسكرة عفران المزعومة التي قام الكاتب الراوي (الذي تم التنويه عنه في هدية الآلهة) بالتحقق من عدم وجودها المطلق . 4 ـ القصص المتفرعة الى تشجيرات قولية سردية: هي قصص تتعلق بالقصة الاولى بشكل شجري، فعفران لها قصة، ونفران لها قصة، وزفران لها قصة .. للقرى الثلاث (عفران، نفران، زفران) قصة جامعة هي أنها هوى خيال لقرى اسكن الكاتب بها مخلوقاته الما فوق بشرية !!

ثانيا: بلاغة الاستعارات الإشتغال البلاغي له اصوله اللغوية والاستعمالية عند جميع لغات العالم .. وأرى بأنه يمكن التصرف قليلا بوظيفته لتتكون له وظيفة عملية مكملة لوظيفته الاولية المعروفة .. أي ان يتم تحوير الاطار العام للإستعمال البلاغي وإعتباره مجالا للاستثمار السردي .. ثم العبور به نحو اشتقاق سردي أسميه الإستعارة السردية والتي يمكنني تتبع ملامحها بالآتي / 1ـ وجود قص ملغز مكتوب له قدرة على التعدد التأويلي . 2 ـ وجود حوادث عدة متناسلة وقد تكون متعارضة او متكاملة . 3 ـ وجود راوٍ أساسي يتفرع منه عدة رواة جانبيين . 4 ـ وجود شخوص يُشْتَقّ منهم آخرون . 5 ـ تنوع المفتتحات والخواتيم والهوامش مما يحيل الى تقولات حدثية متشظية متممة ومنتمية للمتن الدلالي الرئيس . * نتيجة تضافر التناسل الحكائي مع الاستعارات السردية ان يتميز الوجود الفضائي بتداخل عناصره، إذ الفضاء الروائي، من خلال رؤى متقدمة للمكان، يداخل الكائنات الروائية لأجل تشييد بُنى متقاربة متقارنة متساوقة من ثوابت وحركات وادوات، بها يتهيكل المعمار القصصي الى حد ما . ومن أطرف ما تنتجه الهياكل هذه أنها تُصار الى المعمار اللازماني المتخيل بالرغم من واقعية التشكل الجغرافي الحاوي على الهياكل وكائناتها (الثوابت والحركات والادوات).. يمكن ترتيب هذا كله بمختصر / (الهيكل: الاطار العام لحكاية المكان .. المعمار: القصص الجانبية .. الثوابت: الموجودات المادية وشبه المادية .. الحركات: النقلات السردية الرئيسة .. الادوات: مسببات الدلالات الاولية، نوع البنية: عمقية او سطحية .. التداخل الفضائي: يتمثل في التعالق بين البشر والطبيعة ) يهدف بالنوع اعلاه وجود يخص توضيح نوعية الفكر الموجِّه للمدونة السردية، سواء تم ذلك بلغة الكتابة او بايقونات غير كتابية.

 

الاتجاه الثالث عشر: مؤثثات التضليل الايقونية

اولا: التضليل القرائي بشغف فني حثيث تقيم الروائية نضال القاضي أقنعة (قيد التكوين) كما تسميها هي لروايتها " سيرة ظل" . كل النواقص تبقى كما هي، ويبقى الفهم إرجوحة خيارات .. هذه هي الصدمة الاولى في المدونة السردية .. هكذا هي مدونة مفتوحة على تكملات لاحصر لها، تتيح للقاريء حرية وضعها بنسيج تأويلي كما يشاء الصدمة الثانية في كون الرواية ظلا والظل يتناسل وتصير له عائلة من دم ولحم وقضية ... الظل تحولات: من سعيد، الى عهدي، الى اسطيفان الثاني، وكأن اسطيفان الاول هو جد لجميع الظلال ... وكأنه ليس ظلاً... التضليل الثالث يقع حين يعتقد القاريء أنه أمام تأريخ العراق منذ مدحت باشا حتى العام 1958، لكنه يكتشف أنه أمام تأريخ لا إسم له، وربما سيُقَدِّر بأنه التأريخ الاجتماعي، وهذا أيضاً جزء من الفهم المضلل رابع للمدونة، ... لعل أكبر مساحة للتضليل تقع حين يعتقد القاريء بأن (الراوية) ليست زوجة إسطيفان الثاني . * جميع قوى التضليل مقصودة ومحيرة بوجعها وصراخ ضمائر منتجيها . ثانيا: التضليل بلغة الاقنعة الأقنعة هي الممكن المؤهل لترسيم ضلالات التأثيث الذي نشحذ هم المتابعة لأجل توضيحة في التوظيف السردي.

الاقنعة محددة بمستويين، أقنعة مظهر تدوين لغوي وأقنعة دلالة لغوية . أ ـ أقنعة مظهر اللغة، هي ليست اقنعة بالمعنى الحرفي، إنما هي غطاءات من علائم واشارات، عملها في السرد خلق نوع من التوترات المتعاقبة لجل السرد تحيل الى وظائف مادية وذهنية . ب: الأقنعة الدلالية للغة، تتمثل في أقنعة التراكم الصوري لكل من، قناع الاحتواء الإستعمالي، قناع الصور المتولدة برد الفعل، أقنعة تمثيل الحدث .

 

 الاتجاه الرابع عشر: مؤثثات القص القصير القصير

 للقص القصير جدا (القصير القصير) مكانة خاصة في اهتمام الادباء والكتاب العراقيين .. وتجارب كُتّابه في تجارب ناضجة، تحاول الافادة من التراث الفني العالمي، وتضيف إليه من مستلزمات الحاجة المحلية للإشتغال، كما أن التجارب هذه تضيف إليه ما يغنيه ويَصِمَهُ ببصمة خاصة بهم .. سنشير بعجالة الى تجارب منتقيات (كأمثلة فقط) لثلاثة اتجاهات بثلاث رؤى فكرية وفنية .. تتقارب ببعض الشؤون الفكرية التي تخص (البيئة) كمسبب وحاوي ومنتج، وتفترق في ترصين ذلك فنيا ورؤيويا.

المنحى الأول: يمثله يحيى صاحب، لقد أنتج اربع مجاميع قصصية للقص القصير جدا، من بينها مجموعة أسئلة ذيلية .. يمكن تحديد الملامح العامة للاشتغال القصصي بمتجهين، المتجه الفكري والمتجه الفني ..

المنحى الفكري / يقوم على اساس أن المهيمنة الفكرية في كل عمل إبداعي قد تعطي قوّة لفعل ومرونة للصوغ مما يجعل المتلقي أمام حالة من الإسترخاء المُشَكِل لفهم بهيج حتى مع الموضوعات الحادة والخطيرة .. هذه المهيمنة تتجه بالقص لدى يحيى صاحب لتصير منحوتة لا تقبل بسوى الإشعاع المظهري، على أقل قدر، إضافة الى متعة تأمل المخبوء وراء السطح المشع هذا .. خلائص التجارب وحِكَم نتائجها، ومضافات الذاكرة، ومتصلات الخفاء النفسي، كلها عوامل تترك أثرها في المدون كي يتواصل مع الآخر المفترض، ومن ثم يتشكل الوعي. المتجه الفني / يرى الكاتب يحيى صاحب بأن القص القصير جدا يتصف بالقصر الذي لايقل عن صفحة واحدة = 300 كلمة ولايزيد على صفحتين = 600 كلمة مع الحفاظ على كثافة الافعال وتشظي الدلالة .. ويراها ـ بشكل ادق ـ في البلاغة الايجازية التي تخفي وراءها السلوك الاجتماعي بحالاته النفسية المضطربة.

المنحى الثاني: يمثله هيثم بهنام بردى، انتج اربع مجاميع قصصية للقص القصير جدا. المتجه الفكري / تتغلب على الرؤية الفكرية للقصاص هيثم بهنام بردى جوانب اعتقادية تخص علاقة البيئة الحياتية للموجدودات غير العاقلة .. تتمحور هذه حول موضوعة وحدة البيئة من حيث الأهمية كون عناصرها واحد يكمل الآخر، لذا يتوجب احترام الانسان لهذه النفعية المتبادلة. المتجه الفني / يرى القصاص بأن فن القص القصير هو فن للقص القصير القصير، لكن دون التضحية بالشخوص او الاحداث .. كأن القصاص يريده لوحة مزدحمة بالاشياء والاحداث بحيث يسمع تصادمها الهامس دونما صوت .. وهو بهذا يصب اهتمامه على تكثيف الصورة السردية التي ـ احيانا ـ تصل عنده لقطة شعرية وامضة بالسرد .. ولا يستبعد أراءه الفكرية عن رؤاه الفنية وكأنه نذر فنه لرفعة البيئة متمثلة بالطبيعة المبهمة غير العاقلة..

المتجه الثالث: يمثله حنون مجيد، انتج خمس مجاميع قصصية للقص القصير جدا. المتجه الفكري / فيما يخص الناتج عن البيئة من عمل فني قيّمه الكاتب حنون مجيد بما يجاوره من فعل بشري، إذ ان البيئة لديه هي العلائق البشرية في استثمارها لموجودات البيئة التي تحقق علائق سليمة بين البشر يتقوّم على اساسها التماسك الاجتماعي والتوافق في المنافع التي تسيطر على الظروف الطارئة، ولافرق في ذلك بين الصحيح بَدَنيّاً والمعتور صحيا، المتعلم والجاهل، الشاب والكهل..

المتجه الفني / يهتم الكاتب بأن تكون الدلالة المقابلة للحركة اللغوية مسندا للفعل القصصي .. وفي الحالات السلوكية التي تخص المسحوقين اجتماعيا او المقهورين في قدريتهم، يتسلط القول القصصي على التخالف القولي والحدثي الذي يصوغ المفارقة الحياتية القصصية .. ومن فرط اهتمامه بالامور العامة للناس، يجعل اليومي والحميمي والتلامسي للأشياء والاحداث بيئة للاشتغال ومحصلة أثيرة له .. وبسبب قتامة هذه البيئة صارت موضوعاته تنحو الى التسبيب العدمي الذي يوصل الى نتائج عدمية.

 

الإتجاه الخامس عشر: مؤثثات قوى القص المتوسط

ان رؤى الكُتّاب التجريبية تجيء انعكاسا للتجربة الثقافية والتربوية ومنجزات الموهبة والذائقة الخاصة.. ولأن تلك عوامل لايمكنها التطابق لذلك فقد تمايزت نظراتهم حول قضية التأثيث السردي بحسب خصوصياتهم التجريبية والانتاجية.. نرى تلك قد تمحورت على الوجوه الآتية /

المنحى الاول: يهتم بجعل متون البلاغات لكشوفات القراءة سقفا لاتنميطا، ومتجهات روي، ومكملات ثغور في مخرمات الكتابة .. يمثل هذا الاتجاه عبد علي اليوسفي بمجوعته القصصية " كهل بغداد" ..

المنحى الثاني: يتفرد بمؤثثات، مادية، تخص الاسماء والأماكن، واخرى روحية، تخص اللون والرائحة والصوت والضوء والهواجس .. كل تلك ومايحيط بها من سواكن ومتحركات من الاشياء الذهنية المتصورة .. ويجعلها طبقات، اولية وثانوية وثالثية وقدرية .. يمثل هذا الاتجاه (محمد علوان جبر) بمجموعته القصصية تراتيل العكاز الاخير .

المنحى الثالث: يُسْتَثمَر في هذا المتجه تقنيات تؤثث الطبيعة السردية تخص الكفاءة الاستعارية في اللغة وما يتعلق بها من كثافة للمضمرات الدلالية التي تؤديها البلاغة الايجازية .. تكتمل بمفاعل لغوية حدثية ديناميكية تشتمل على الحركة والحس اللوني والتبصر ومستحيلات الفقدان واستقدام اقصى درجات الانتشاء بالإيماء الجسدي .. يمثل هذا المتجه، (عزيز الشعباني) بمجموعته القصصية حاسة الرقص.

المنحى الرابع: يهتم بالاحتماء بالاشياء الخاصة بالطبيعة البشرية والطبيعة غير العاقلة التي تؤلف قيمة حضارية خاصة، خالصة الصدق فنا ومعايشة .. في هذه المعايشة يصير (للجبل والمدينة والسوق والنساء والاهل والمعوقين) قيمة تبني سردا من حيوات تحتمي بالحيوان والطقس المناخي والنثارات الحكائية للمدن كبغداد واربيل وغيرهما، وتستظل بالبيئة الصارخة بشعبيتها وفقرها وفلاحيتها .. لتتشكل شيرزة فسيفسائية متنوعة لمؤثث واحد هو (روحية حياة فطرية) .. يمثل هذا الاتجاه عدد مهم ومبدع من قصاصي الكورد الذين يكتبون بالعربية ويترجمون عن كلا اللغتين .. منهم محمد امين بوز ارسلان (خاصة قصتيه، الخبز والكلب، و، ميرو) اضافة الى انور محمد طاهر في مجموعته القصصية مقهى العميان، و، كندو الكاتب بقصته حكاية جيروكي، و، عبد الستار ابراهيم بعمليه أربيليا ونثار الحلم .

المنحى الخامس: يهتم بتأثيث الوجود القصصي من خلال تشييد الفعل السردي ببقايا الماضي كالساعة القديمة وذكرى الام وصورة احتضار الاب .. يمثله مهدي حسين جاسم .. * نلاحظ وجود حضور مهم للقص الكردي المكتوب بالعربية .. وهو قص وان كُتِبَ باللغة العربية لكن فاعلية التأثيث تظل ذات ملامح تخص الحياة والموجودات في كردستان، تعبق بروح الارث وسمو التقاليد، ودينامية جمال الطبيعة، للنبات والطير والنبع، والنساء .. الخ.. وفيما يخص جمال المرأة (مثلا) فأن القص الكوردي، يتلمس في المرأة جمالا في اتقان العمل والتضحية وخلق روح عائلية متضامنة .. المرأة الجميلة هي القوية ذات البَدَن المتسق في الرقص الجماعي، الفلاحة الجميلة،الراعية الجميلة، المذوادة عن قطيعها من هجمات الذئاب .. الخ.. الاتجاه السادس عشر: مؤثثات مثيولوجيا اساطير القص المطولفي كتابه، مراجع في الفلكلور، ونقلا عن كتاب الاساطير والخرافات عند العرب للدكتور محمد عبد المعيد خان، ينقل لنا الباحث قاسم خضير عباس تساؤلا بهيأة مشروع عمل، ذلك هو/" هل بالامكان استنتاج نظام مثيولوجي علمي خاص بالاساطير، العربية منها ؟ " ([10]). نود التنبيه على أن هذا الاتجاه مقسم، كتجارب قصصية، الى المستويات الاستعمالية الآتية/

المستوى الاول / تتجلى قيمه الاستثمارية في خلقه لتيار من السلوكيات الفنية والثقافية تتبنى قضية الصدام الحضاري بين الشرق والغرب، خاصة في حوادث البعثات التبشيرية في جنوب العراق، وما نتج عنها من تهدم صرح العادات والاقاويل، وبقاء انعكاساتها على شكل موروث للقص الشعبي شبه المعطل عن دوره الفني لولا قيام بعض الفنون من التشبث بجمالاته كالقص المطوّل الحديث الذي بعث الحياة فيه .. يمثل هذا الاستثمار سامي المطيري في مجموعته القصصية (اوبرا الاتان)..

المستوى الثاني / تدور مناحي قواه التجريبية حول الكيفية التي بها تتم عملية الاحتواء الفني لأسطرة الواقع .. ينتهج هذا النوع قصّاصان من العراق هما خالد ناجي ناصر بمجموعته القصصية (مازال حيا يهزم)، و، مظفر لامي بمجموعته القصصية الموسومة (مدن أُخرى) .. بودي توضيح بعض التفاصيل المتعلقة بأهمية هذا الاتجاه .. إذ /

1 ـ تغطي مساحته الاعلامية العلنية كل حيز الكرة الارضية مما يجعله قص لبعث الصفاء في العلاقات الاجتماعية الانسانية كمثيولوجيا مستحدثة، يمكن للعالم أن يتوشح بها كأمنية، يعمل على تحقيقها فنيا، على الأقل . 2 ـ هذا المنحى فيه من الغرابة والاستثنائية ما يجعلة مثار متعة بدهية غير ساذجة وغير مفتعلة. 3 ـ يمكن للقص ان يوسع من دائرة التخيل الحدثي بسبب الحرية الفكرية والفنية والثقافية التي يوفرها الفعل القصصي المثيولوجي الاسطوري، للقصاص، أية كانت اهدافه . 4 ـ يوسع دائرة التداول القصصي لكونه قصا منوعا من حيث مستويات البث والدلالات والموارد الصائغة له كالمأثور التقليدي للأمثال والحكم القديمة والحديثة، ومورد الحكايات الشعبية الشفوية الشائعة بين الناس، ومورد الطقوس والاحداث المتعلقة بها، ومورد الاحداث التأريخية والسياسية والاجتماعية المتناسلة (من وعن) بعضها وغير ذلك كثير . 5 ـ تخليق المأثور القصصي بهكذا حرية يعطي فرصة نقدية لها ذات الحرية في التأويل والاستنتاج ووضع قوانين جديدة مجددة للإشتغال القصصي . 6 ـ يُسهم في جعل الارض في حال افضل حيث الأمل بفرصة حياتية نادرة من خلال التخيل الادبي لذلك الأمل..

7 ـ يناسب هذا المورد طموحات الشباب الباحث عن شؤون فنية قصصية مخالفة للسائد من الانشغالات الموجودة الآن على ساحة العرض الادبية الخاصة بالاعلام الافتراضي التواصلي. الاتجاه السابع عشر: مؤثثات البدئية التقنية لشيوع الأثر في تبنيه للتفكيكية الفلسفية على المستوى الفني، وبالأخص، طريقة التقويض، حسين محمد شريف يضعنا امام كهنوتية جديدة تستتر وراء شُرع يشيّدها (هو) لنفسه وللآخرين إن أرادوا ! بمعنى أنه يضع ـ قصصيّاً ـ كلَ ما تمَّ تداوله من خلفيات أخلاقية، من أي نوع من الانشطة البشرية، بحالتين حرجتين هما السؤال المُشَكِّك واختبار الحضارة المنهارة بالإختيار الأمثل ! قصصهُ المجموعةُ تحت عنوان، عليك المكوث طويلا داخل السؤال،([11])، الحائزة على المرتبة الثانية في مسابقة الشارقة للقصة القصيرة، للعام2012، هي تجربة ثريّة مفعمة بالرموز ومُطَوِّرَة للكثير من العقائد وللمحتويات المثيولوجية، تنسجم مع بعضها من حيث المتجهات الآتية/ 1 ـ جميع القصص تأخذ الوثائق الأثرية كمعقد حدثي أساسي تقيم عليه ومن خلاله قص يشابه في سرده مرويات التأريخ المحرّف أيما تحريف . 2 ـ القصص كلّها مطوّلة بدرجة ملفتة للنظر لكونها ذات موضوعات متعددة ضمن الحالة المعرفية الواحدة . 3 ـ ليس الشخوص سوى إناءات تحتوي الافكار التي تدعو لتقويض جُل القيم الإنسانية السائدة . 4 ـ الأهم والأعم في نسيج القص أنه لايتكل ـ فنيا ـ على مثال سابق، لا له ولا لغيره . 5 ـ تعمل القصص على تبييء الإسطورة الخرافية بأدوات عصرية تجعل الخرافة مؤدى فكرياً مُجَدِّداً لقوى الفهم والامتاع والوعي . من مناهج الاستثمار اعلاه / اولا: التذاوت ( [12] ) يذكر الدكتور يوسف اسكندر، في كتابه، هيرمونطيقيا الشعر العربي في ص61، ما مفاده التذاوت " هو (ما بين ذاتية )، وهو يتطلب تفهماً بين ذاتين وحواراً قائماً بين الذات بوصفها مراقباً والذات بوصفها موضوع رقابة " .. تلك الموضوعة تعطي قدراً ( للذاتية ) يتجاوز الفعل الفردي بذاته ولذاته، أي أن الذات او الفردية تكون مرّة عنصراً للفعل ومرّة عنصراً للتسويغ، من ثم المراجعة، ثم ترصين الفكرة .. التذاوتية كعنصر من عناصر الفعل تمتلك مواصفات التراصف ضمن اشتراطات الجملة السردية لتتآلف بينها كونها (الفضاء والحركة والرؤية)، الذاتية، ضمن مظهر التذاوتية، تدخل في فضاء الرؤية مثلما نقدّر.. سنقيم مشيدة مقطعية ترتفع بالذاتية اربعة مستويات .. لنتابع / [ اقترب الدخان نحو نافذة الغرفة، انها العلامة الاخيرة التي تكلم عنها الراحل الى ذمة التراب، تذكر ذلك القول، وقتها كان الشتاء على وشك الانقضاء حين قال: ـ راقب السماء جيدا بعد رحيلي وانتظر المعجزة القادمة ... الآن عليه ان يواجه الدخان بأقل من دقيقة حسب الاتفاق المبرم مع الراحل، ... كانت الفراشة تترقب اللون وما سيتمخض عنه من أزل مفتوح على كل الاحتمالات ] ([13]) نجد المقطع يتحمل فرائضنا اعلاه بدرجة مناسبة من الدقة إذ هو / 1ـ يخص فرد لا فضاء لقوله سوى ذاته التي سمعت القول وهي المسؤولة الوحيدة عن تنفيذه . 2ـ الراوي هو الفاعل وهو نفسه من يخلف وراءه مجموعة من الأحداث عند إنجازها . 3ـ الراوي البطل يطرح القضية ويقيم جدواها وسرعة إنجازها . 4ـ وجود الدخان كمؤول معرفي يخص الراوي البطل المؤلف لاغير، كونه هو من يفهمه ويحيله الى الرمز الذي يشاؤه . 5ـ الهمس بوجود احداث كارثية قادمة تنزرع بتوجيه وتهجيس من الراوي، الشخصية المؤلفة المضللة للحقيقة المصنوعة المتصورة . ثانيا: تقنات، حين تكون التقانات استعمالات لغوية فستتجزأ الى مصاغات، ودلالة، واساليب .. الاساليب تتفرغ الى أدوات (كلمات وافكار وعلامات نحوية)، والآليات (وسائل صياغة سردية) والإجراءات (فعائل التطبيق) .. سيكون المدوّن السردي مؤهلاً لفعل ثقافي يصل الى درجة المثاقفة التي تُعنى بالتبادل الثقافي التداولي .. ترى كيف يتلطف المدون على هذه المثاقفة بالاقناع الفني؟ ! التقانات كمصاغات ودلالة واساليب هي من بدهيات أي عمل فني لذا فسنتجه الى الاساليب كونها المنفذ العملي للمثاقفة التي هي محور الاشتغال المُجَلل بالاغراض والاهداف المُعنى بها في قص السرد الموجز لقصص " عليك المكوث طويلا داخل السؤال " .. لنهتدي أولاً بالفهم المبسط للمثاقفة التي يرده الدكتور توفيق بن عامر من جامعة تونس / " ان المثاقفة كما عرّفها علماء الأُناسة هي تفاعل ثقافات وتأثير متبادل نتيجة الاتصال الحاصل بينها واحتكاك بعضها ببعض " ([14]) .

ثالثا: الايقاع التكراري

يؤشر المصطلح التجريبي هذا بتفاصيل كثيرة ودقيقة الـ ( أ.د أحمد الزعبي ) في كتابه ( الايقاع الروائي، دراسات في البنية الايقاعية ) ([15]). لقد وضعتُ مصطلحاً ينافس هذا الاصطلاح تحت مسمى " اللازمة السردية " واشتغلتُ عليه في العديد من المتابعات النقدية لكتبي النقدية الثمانية. لكنني أُريد من المصطلح الخاص بالايقاع السردي ان يخدم قضية تطوير المصطلح بالاكمال التنويعي الذي قد يُنتج شروط استثمار خاصة بالقص للقصة القصيرة، وحصرياً، في قصص " مازال حياً يُهزم " للكاتب خالد ناجي ناصر .. نرى تكرار السرد الايقاعي يأخذ متجهاً نوعياً من ثلاثة اصناف هي / الايقاع المُظهَر، والايقاع المُضْمَر، والايقاع المُخَمَّن .

 

1 ـ السرد الإيقاعي المُظْهَر:

2 ـ السرد الإيقاعي المُضْمَر:

 

الاتجاه الثامن عشر: مؤثثات ايجازات الانثى

ايجازات الانثى كازدهار سلمان لها قوة وعي بالتأثيث إذ هي تشبع السرد وتضيق التعبير وتجعل حيز الحياة لفظة كتابة مثلما هي كائنات مجموعتها القصصية – ماذا بعد الحب – وعبر (82) قصة قصيرة جداً، على عدة إشكالات صياغية في القص، حيث يتداخل القص القصير مع القصير جداً مع الومضة القصصية مع قصيدة الصورة لقصيدة النثر .اللغة التي حرصت القاصة على العناية الكبيرة بها احالت جميع القصص لتكون صالحة للغة الشعر والقص في آن واحد . كما انها لا تتوخى الحذر من الدخول في النصوص مفتوحة المحتوى والنهايات، ولعل ذلك ناتج عن فهمها لمهمة اللغة التي يتميز بها النوع الادبي .تضع جهدها في محاولات جادّة لاجل تحفيز "الحوار" الذاتي ليعلو طبقة المظهر النصي لمكنونات المرأة ضمن حيز الضيق الوجودي لكائنات قصها . لقد أذكت جذوة اللغة "لحد" جعل الحرف منطقاً يصلح أن يفيض بالقص .. هذا الوعي بالجوهر الكتابي يؤدي بنا ان نعي وجود مهمة كتابية هي، الأداء اللازم للقول قبل وبعد وجود الأنشاء، أي ان مدلول الكتابة يتبع وجودها من حيث النوع والمعنى والقصد، وهذا يحيي الدعوة الى الاحتفاء بالمؤلف بعدِّه جزءا من قيمة النص .محاولة القاصة الخروج من مألوف القول والأنشاء الى التعبير الحر والدلالة المتغيرة تضع نصوصها في إشكالية القدرة الادائية من حيث التركيب والحركة الفِعالية للسرد .أؤكد على ان قصصاً قصيرة جداً من مثل (قصة ص6، شرخ ص10، فرس ص11، نافذة ...!! ص11، موت ص12، الحرف الرابع ص23 نافذة ص31 ) هي نسائج احتازت على شرطي السرد الرئيسين، التركيب والحركة، وقادتا اللغة نحو اداء يشكل الدلالة بعدة مستويات .. (سطحية، عميقة، مخمنة، مضمرة ). وهذه المستويات لها ما يوازيها من آليات تخص الاشتغال السردي . لنتابع ذلك على وفق الآتي:

1.المستوى الاول للسرد (قصة شرخ ):[ نظر الى حائط حجرته .. كان الشرخ يزداد إتساعاً .. وخفقات القلب تزداد إنحساراً .. دخل في حنايا الشرخ باحثاً عن سر اتساعه .. لكنه لم يعد .. لتكتشف الحجرة أنها مهملة منذ القِدَم ]في النص اعلاه لغة ذو تركيب جملي إستخدم المجاز لتوصيل فكرة المستوى الاول لمعنى ومظهر السرد / قِدم الأهمال الأنساني / ولم يستخدم الأحداث، كما ان النص استخدم الافعال بأقصد ما يمكن ليعنى بالدلالة الكبرى للنص تلك هي /الوحدة الأنسانية الموحشة المقاربة للموت بالتوازي مع الاهمال والقِدَم .

2. المستوى الثاني للسرد (قصة حب): [ كتبت بحروف كبيرة على جدار القلب قصة حـــــب كان سيدها ومليكها ..عشقته بكل مدى الحلم الذي عاشته لأجل حكاية وضــــــــعت أساسها على حافة العالم .. وحين انهار جليد القطب تجمدت القصة بانتظار شمس قد لا تاتي ..!! قصص ماذا بعد الحب – ازدهار سلمان – ص6 ] هذا المستوى من السرد يتوقف اداؤه على استثمار علائق السرد نفسها في تعميق اداء العمل القصصي. وقد بُرمجت القصة اعلاه بهذا التوصيف إعتماداً على المسميات السردية الاتية ( قصة حب – العنوان، قصة – المتن، مدى الحلم – التخييل، حكاية – سرد الحكي، اساسها – مكانها، حافة العالم – إطار الفضاء القصصي، جليد – خمول الأبداع، تجمدت القصة – إنتهى القص، الشمس التي تأتي الموهبة المنتظرة ). كما هو بائن فان مفاصل القص جميعها أُستدرجت في فاعلية مسميات وعلائق المفاهيم السردية . هذه واحدة من نوادر الاستعمال لآليات الاشتغال السردي. 3 ـ المستوى الثالث للسرد (قصة نافذة): [فتحتُ نافذتي هذا اليوم وفوجئِتُ بعش حمام مبني للتو .. وثلاثة صغار مازالوا يتوسلون الأُم كي تحضر الطعام .. الحمامة توقفت بعيداً تنظر إلي بعتب .. عرفت السر فأغلقت النافذة .. !!حينها راحت تلقمهم الطعام في سكينة ورقة .. !!قصص ماذا بعد الحب – ص11، ص12] هذا الاتجاه السردي يتقيد بما يسمى الدلالة المتحركة والعلاقة المتغيرة بين الدال والمدلول، وهو ما تعني به " التفكيكية " لكنما هنا توجد دلالة متغيرة من نمط "المقارب التكراري" وهو أندر أنماط التفكيك السردي، فهو لا يغير الدلالة ولا يلغيها ولكنه يوازي لها بمثيل، وهذا يمكن تلمسه في دلالة الحمامة وصغارها: المرأة تقابل الحمامة / العش يقابل البيت / الأطعام يقابل الحماية الامومية / هذه المتقابلات تكرار تمثيلي بين الدلالة المغيّبة، وتلك الدلالة للقول المقطوع بين الحمامة والمرأة، والذي يمكن تقديره خارج علاقة الدال والمدلول، بما ياتي: أ . المرأة تشكو للحمامة من فقدان الامومة / الحمامة تشكو من المرأة لانها تمنعها من ممارسة الامومة. ب . المرأة تريد إخبار الحمامة باحترامها لعش الزوجية / تريد الحمامة ان تقول العش يبنى مثلما الحياة تنمو. ج . المرأة تريد ان تقول: عذراً لتلصصي / الحمامة تريد أن تقول: عليك بأحترام خصوصيات الآخرين فأنكِ منعتني من إطعام الصغار .

هذه العلائق هي نمط تكراري لتفكيك علائق القص بمستواه "التكراري" النادر الذي يذيب العلاقة بين الدال والمدلول بأيجاد قرين موازِ .

4 . المستوى الرابع للسرد (قصة موت): [كتبت كلمات كثيرة .. تساقط الدمع منها .. إعتصرت الورقة فسقط منها قلب مضرج بدماء لتحفر فوق منضدة الكتابة حروفاً رمزية .. جمعتها لتقرأ .. صعقتها الكلمات فتساقطت شظايا معلنة موت الكاتبة ..!! – قصص ما بعد الحب – ص12 ] .. شروط ( الزمنية و المكانية، الأجتذاب، الفِعالية، الأستعارية، الرمزية، الهيكلية، التواصلية، التكاملية، التداولية ) . وقد حققها النص جميعاً، ما جعله طاقة تأويلية قادرة عى تكوين خطاب نصي له موضوعته التي ستوصل رسالته، في اهمية الكتابة الصادقة، الموجزة، المعبّرة، المكثفة بالرمز، الحاملة لعنصر الخير الى الآخرين .

* المستويات الأربعة المنوّه عنها قبلاً لها إسهامة مباشرة في توزيع النص على فئتين من المقولات: السطحية، العميقة، المخمن، المضمور، سنباشر إيجاز هذا الفهم على وفق الآتي:ا . قصة الحرف الرابع – البنية السطحية، العمقية:[ قالت إحزر.. ما أُخبئ لك؟ فتهاوى مضطرباً على ارض مستوية غير كروية .. حينها فقط أدركت ضياع الروح – قصص ماذا بعد الحب – ص23 ]

البناء السطحي من حيث كونه أداء قد أعطى دلالة رئيسة لمظهر النص، مفادها، أن الانثى أخفت للرجل شيئاً قاتلاً أقعده على الارض بلا حراك .لكن البناء الاخر المنضَم وراء المظهر البنائي الاول، أنه البنية العمقية المتمثلة بالتأويل الاتي / هول الثراء الانثوي والجمال الآسر الهائل أفقد الرجل قدرته على السيطرة على عاطفته، ليقتعد الارض إعجاباً، إنبهاراً، ذهولاً، مما حيّر الانثى وجعلها تعتقد أنه فارق روحية المحب لأجل متعة الجسد وأسكن القلب وراء اللحظة الآنية لكروية الارض . او كروية صدر المرأة .ب . نافذة – المخمن والمضمور: [دخلت الريح من نافذة الحجرة القديمة . تجولت في الاركان، كان هناك جثمان امرأة منسية ترقد فوق فراش عتيق.. مرّت الريح فوق وجه المرأة، منحتها بعض حياة فتحولت الى لهب مشتعل وغادرت النافذة – قصص ماذا بعد الحب – ص31] إن القول هنا يحتفي بالمستحيلات التي تبدأ ولا تنتهي . منها:

1. استحالة دخول الريح الى حجرة قديمة بشكل متعمد .

2 . استحالة بقاء جثمان إمرأة ميتة في حجرة لمدة طويلة .

3 . استحالة ان تمس الريح وجه المرأة فقط .

4 . استحالة أن تعود الحياة لجثمان فارقته .

5 . استحالة تحول الحياة او الجسد الى لهب .

6 . اسحالت ان يغادر اللهب النافذة .

بهذه الاستحالات يمكن ان نحيل النص الى مرتبة القول المخمن أولاً حيث /أن الموت معنوي وان الريح هي المنقذ المجازي الذي انهى فردانية المرأة واعاد لها ماء الحياة الانسانية . * يمتثل لهذا المشروع الانثوي ارادة الجبوري ونضال القاضي وفوز الكلابي ونعيمة مجيد .. واخريات ..

 

اسماعيل ابراهيم عبد

.....................................

[1] القاضي، معجم السرديات، 2008، ص128

[2] بارت، مدخل الى التحليل البنيوي للقصص ج2، 19932، ص 64

[3] بارت، مدخل الى التحليل البنيوي للقصص ج2، 1993، ص64

[4] إدجار، جويك، موسوعة النظرية الثقافية، 2009، ص 5

[5] الرميلي، دليل الناقد الأدبي،2000، ص74

[6] إدجار، جويك، موسوعة النظرية الثقافية، 2009، ص 7

[7] حامد فاضل، رواية بلدة في علبة، 2015، دار سطور، المتنبي ـ بغداد ـ العراق

[8]عباس عبد جاسم، سرد مابعد الحداثة، 2013، ص43، الشؤون الثقافية، بغداد ـ العراق

[9] اليشنيون، رواية جمعة اللامي، 2015، ط1، ص40، ص41، ص42، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت

مراجع في الفلكلور، قاسم خضير عباس،ط1، 2015، ص10، الشؤون الثقافية العامة، بغداد [10]

[11] حسين محمد شريف، قصص عليك المكوث طويلا داخل السؤال، 2012، دائرة الثقافة والاعلام، حكومة الشارقة

[12] مصطلح منحوت من مفاهيم الفينومينولوجيا، ضمن مؤلف للدكتور يوسف اسكندر، هيرمنيونطقيا الشعر العربي، 2009، ص61، الشؤون الثقافية العامة، بغداد

[13] حسين محمد شريف، قصص عليك المكوث طويلا داخل السؤال، مصدر سابق، ص37، ص38

[14] الدكتور توفيق بن عامر، المثاقفة والتغيير، 2015، ص2، موقع الدكتور توفيق على النت tawfiq(1).doc، جامعة تونس

[15] ينظر عنوان ومقدمة والفصل الاول في كتاب، ا.د.أحمد الزعبي، الايقاع الروائي، دار فضاات،2014، عمان، الاردن

 

في المثقف اليوم