قراءات نقدية

حيدر عبد الرضا: قراءة في رواية شتاء العائلة لعلي بدر.. من فردوس العائلة الى حطام دليل الشاهد

haidar abdullradaتوطئة: لعل من أكثر وأكثف وأسمى الجماليات البنائية والأسلوبية والشكلية والمضمونية إقترانا بروايات الروائي علي بدر هو ذلك الأفق الاستشرافي الفضائي وقدرته على بث اللحظات التصويرية والحسية والأيقونية بهالة صورية تتعالى عن شرطية الحدث العارض والحالات العابرة الشبحية من زمن المروي السردي في فضاء النص الروائي.فيما راح يمنحها الكاتب ــ أي الرواية ــ تلك الطبقة الصراعية المتحولة في باطن تجاويف حالات وابدالات انحيازية المخيلة نحو استدعائية ثيماتية خاصة من شأنها أن تكون أكثر قربا لمواقف الوظائف والملامح والصفات المخصوصة في ماهية تقاسيم منظومة المحكي العام وبالصورة التي جاءتنا في رواية (شتاء العائلة) كما لو أنها جملة منازعات ذواتية تتصل اتصالا حميما بصبغة (ملاعبات المخيلة) المنغرسة بأدواتها الأجرائية داخل محيطها الزمني الامكاني .

 

عتبات الاستدعاء وتخييل رهاناته الذاكراتية

أن شرائط ومقدمات الحلقات النصية السردية في مبنى أفق رواية (شتاء العائلة) تنبني بموجب رواية تحكي أحداثها المأزقية الباذخة على لسان ضمير تلك الشخصية التي تنتسب لجذور تلك العائلة بصلات قريبة وحميمة رغم فارق تباعدها في السلوك والصفات . فهناك شخصية في الرواية تقوم بمهام سرد ذكريات تلك العائلة والحديث عنها مطولا ودون ولوجها مسرح ودراما خشبة تلك الحياة التي عاشتها شخصية (العمة / بنت الشقيق / الخادم الفارسي) فهذه المجموعة من الشخوص هي ما راح يشكل من خلالها الروائي حلقات مشاهد وفقرات نصه الروائي . أما هذه الشخصية التي اهتمت بالفصل الأول بسرد أحداث وحالات وذكريات نوعية مستوى سلوكية النمط الحياتي في ذلك القصر الأرستقراطي في بغداد ، فلا يظهر عليها الذكر والمشاركة إلا في حدود نسبية وهامشية وخارجية . صحيح ولا ننكر بأن لهذه الشخصية المشاركة في عتبات فصول القسم الأول من الرواية ذلك الدور المدخلي والتعريفي بالرواية وشخوصها وحالاتهم العاطفية والنفسية والزعم بأنه ذات انتماء حقيقي لتلك العمة وجذور العائلة . إلا أنها ومع مرور الفصل الأول تتضح بأنها اداة من ادوات ضمير المتكلم / المؤلف الضمني / الشاهد: (قبل عدة أيام زرت منزلنا القديم .. منزلنا الذي ولدت فيه كان أشبه بجنة من زهور القرنفل وهو يطل على النهر .. وعلى مقربة من حدائقه السلطانية الكبيرة كانت هنالك مفازة من الآس والسدر حيث كان موج النهر يلق بلسانه خاصرة البساتين .. لقد دخلت صالته الرطبة الباردة بهدوء رميت حقائبي الجلدية السود على بلاطها المرمري الصلب وسرت قرب زهريات سيراميكية ثلاث موضوعة في الزاوية . توقفت خلعت معطفي الأسود ورميته على الأريكة الخشبية .. ثم صعدت السلم المرمري الى الدور الثاني .. كان ضوء المصباح المتوهج ينعكس بقوة على البلاط الشطرنجي الذي يظهر في المساحات التي لا يغطيها السجاد الثقيل .. فتحت باب الحجرة الكبيرة ودخلت .. كانت خزانة الصور موضوعة قرب السرير تماما خشبها الساج المطعم بالعاج وقد علاه الغبار جذبتني بقوة .. رائحة الذكريات الشبيهة برائحة فاكهة مخمرة .. وهنالك ماض موحش ينبعث من كل مكان). هكذا تتوالى نحونا موجهات السرد على لسان ضمير السارد الشخصية الغائبة والحاضرة في جنبات النص في أول تمظهرات مفاصل الفصل التمهيدي لزمن دخول أحداث الرواية مرتبا وسهلا ومتسلسلا . فيما حل علينا وصف السارد لمؤثثات المكان وكأنه يسعى من وراءه الى فك أقفال عصية على ذاكرة المكان والزمان والحكاية الروائية ، جاعلا ــ أي السارد ــ في الخطاب العتباتي الأول من زمن المحكي التعرفي ثمة توصيفات مفرطة بالزخرف لأشكال المكان الحسية الخارجية (السلم المرمري / البلاط الشطرنجي / حدائقه السلطانية / خشبها المطعم بالعاج / رائحة الذكريات / فاكهة مخمرة جذبتني) وتبعا لهذا المدخل للشخصية الساردة في الرواية نعاينه وهو يلوح نحو شذرة لسابقة حياتية تخص ذلك المنزل وأهله (وهنالك ماض موحش ينبعث من كل مكان) أن السارد هنا في لحظة ذكره لهذه الوحدة النصية ، بات يحاول وصول الى نقطة مسار المماثلة الكامنة في فكرة استعراض خيطا من خيوط حبكة النص وذلك ما يتمثل في قوله الآتي: (فتحت خزانة العائلة فصر بابها الثقيل بصورة ناعمة .. جلست على الكرسي المطل على النافذة وأخذت أقلب صورا قديمة .. دفاتر ذكريات .. عقودا رسمية .. فاتورات .. وفي تلك اللحظة سقطت صورة من يدي على الأرض كانت صورة باللونين الأبيض والأسود لعمتي وهي شابة .. فنظرت أليها .. نظرت الى عينيها القاتمتين المسحوبتين برقة .. أنفها المرتفع قليلا استدارة وجهها الناعمة وملابسها الجميلة المحتشمة ..وضعتها برفق على المنضدة وأخذت أقلب دفتر ذكرياتها .. فتذكرت حفلة جدي ليلة رأس السنة حينما كان في حديقة الطاووس المنسقة تنسيقا هندسيا رائعا انذاك) أن تمظهرات الشخصية الساردة في الفصل الأول من النص نجدها تسعى نحو نمطين كلاميين في الخطاب الروائي يعنى أولهما بالأحوال وثانيهما بالأعمال والشخوص والواصف هنا لا يستطيع أن يصف دون معرفة كاملة بشؤون تعابير وتراكيب الموصوف والموصوف بحد ذاته أيضا لا يمكن أن يستفيد من معرفة الواصف باللغة ولا من معرفته بأجواء تلك الحالات التوصيفية بالعوالم أن لم يجد في خزانة ذكرياته ما يعرف ويصدق وصفه . فالأفراط إذن في وصف حالات وصور وسلوكيات المكان / الشخصوص / الذاكرة هو الآلية التي راح من خلالها الشخصية الساردة يتنقل في معجم خاصية أوصاف تأريخ تلك العائلة وشخوصها ومسارها وحتى في حدود صور الأزياء والهيئات مما جعلنا كقراء نتوسل بالمزيد من اللغة الواصفة والأخبارية الشارحة لأحوال تلك العائلة وهي تحيا في أروقة قصرها السلطاني حينذاك: (لم أزر عمتي في المنزل الذي ولدت فيه إلا في تشرين الماضي وحين أجتزت السياج من بوابة المنزل الحديدية الضخمة المنحوتة قبالتها التماثيل الرخامية .. سرت في ممر خاص .. كان هنالك صف أزهار شتوية وآس .. ثم باب المنزل المشرع الذي يقود الى ممر طويل أصفر مثل زهرة حلق السبع). أن المشاهد عند الروائي لم تكن أبدا سائبة لأن النظرة التي كان متوجها بها السارد الشخصية متجهة الى الخارج / الداخل في لحظة عرض المشاهد الوصفية في الرواية: ولكن هناك سؤال يطرح نفسه في مباحث هذا المقال الانطباعي وهو أن السارد الشخصية كان قد اشار في مستهل بدء مسار عرضه بأنه قد زار (قبل عدة أيام زرت منزلنا القديم / منزلنا الذي ولدت فيه) وعلى حين غرى بات يقول لاحقا: (لم أزر عمتي في المنزل الذي ولدت فيه إلا في تشرين الماضي) وفي هذا الصدد فأن القارىء بات لا يعلم ؟ هل أن زيارة الشخصية في أول مدخل الرواية هي من كان يخصها السارد في قوله الثاني (لم أزر عمتي إلا في تشرين الماضي) يرى الناقد ستندال بأن أحوال الوصف الزمني القائمة على تفاصيل غير محددة تقويميا لربما قد يقتلها خيال القراءة والقارىء اللامحدد . أما تولستوي فيرفض الحواس الكتابية بأنفعالات تفاصيل غير مكشوفة وقائعيا . أن الوظيفة الزمنية قد تساعد الروائي على توسيع مجال الرؤية لديه وهي بدورها من أهم القرائن الدالة على بناء السرد الروائي . فمن الممكن من قرنية الوصف الزمني أن يتسم باستقصاء الجزيئات النسبية للمشهد . ولكن لا يمن للروائي استقصاء داخلية وحدة بناء الزمن العضوي في بنية الرؤية الصياغية المتعلقة بمشاهد وحدة المروي الحسي في حياة النص الروائي . على أية حال ليس هناك في تشكيل المناظر العضوية في النص كتلا صماء كما وأن موضوعة الرواية واضحة في رصدها لحياة شخصية العمة المتغطرسة التي عاشت حياتها الأربعينية منعزلة مع خادمها الفارسي وأبنة شقيقها الشابة فيما راحت هذه العمة تحيا مع هذه الأفراد من عائلتها الخادم والفتاة الشابة ودون أدنى اتصال لها مع عوالم الحياة الخارجية لتلك المجتمعات المسحوقة . بيد أنها أخذت مقوقعة محاور وجودها داخل أقفاص ذكرياتها القديمة الأرستقراطية البغدادية في عقد الستينات والسبعينات . كانت شخصية العمة في الرواية ذات مواصفات وملامح تكشف عنها صفات الغرور والكبر والغطرسة الشخصانية الرفيعة والصلبة والتي لا يمكن لأي رياح عاتية زحزحتها عن مقاليد عاداتها وطبائعا الطاووسية فهي تحبذ دائما الجلوس معتزلة بذاتها عند قبور أفراد عائلتها الذين قتلتهم الثورة . لنعود مرة أخرى الى شخصية الحفيد الذي يشكل محور السارد ليقول: (كان جدي يسمي الدب الأكبر في قبة السماء آلة الهندسة وهو يهز بوجهه المرسوم بخطوط قاتمة ويائسة .. كنا نجلس في الحدائق الجليلة كل مساء .. وهو يتحدث عن والده الذي هرب الى مصر على ظهر حمار هزيل . لقد حدثتني أمي التي لم تكن تحب أهل أبي وفي كلامها طابع قاس: ــ الثور / الحمار / والكلب هم تراث العائلة إنذاك؟ عمتي تقول: ــ الحيوانات وحدها التي تربط الحياة بالزمن لأنها هي الحركة؟)

 

الزمن الروائي والحبكة الأرتدادية

  أن المتابع لأحداث رواية (شتاء العائلة) في فصلها الأول لعله يعاين بأن الروائي يترك شخصية الراوي ــ الحفيد ــ على مستوى من القص الأول ليعود به الى بعض الشواهد الماضية مع ظهور تجليات جديدة في مسار وظيفة الحدث السردي . إذ أننا نلاحظ ومن بداية اللحظة لبناء الأحداث المروية بأن هناك حالة من حالات (الأرتداد الزمني) بيد أن شخصية الحفيد راح في تقلبات الذاكرة ينفرد بخزين تراث أحداث العائلة الماضية وصورها لغرض توظيفها في مجريات وظيفة الأرتداد الزمني الذي يتوقف عليه بدء التسلسل السردي في سير الأحداث داخل زمن الرواية والذي راح ينتهج منظومة (عناصر الذات / الزمن الأرتدادي /خيال وصور داخلية) لقد أخذت رواية علي بدر بالتخلي عن نظام التعاقب الزمني في نمو الحدث لأجل جعل النشاط الذهني في القراءة متفاعلا مع الأحداث التي لا تقوم على معيارية التسلسل الزمني بل هي تعتمد على مجموعة أزمنة مفقودة إلا في حدود من العودة الى نقطة في مباشرية بدء حكاية فصل العمة أي من تلك النقطة الصراعية التي يبدأ عندها السرد بشكل سيمائي يذكرنا بأفلام الرومانس الأميريكية في العقد السبعيني: (قبالة الباب بمواجهتي كان يقف خادم عمتي سليمان بطاقيته الهندية المنقوشة بخيوط ملونة وعيناه تلمعان ببريق الشيخوخة اللاصف ويداه ترتعشان وهو يصافحني كان قد قتل هندوسيا في بومباي قبل أربعين عاما وهرب الى بغداد ليخدم جدي الذي يقول في ساعات غضبه هذا العلج لا يحب العرب؟ ويجلده بالسوط وهو يركع عند قدميه .. كانت جدتي تقول أنه يحبنا لأننا ما زال ولاؤنا حتى الآن للملك .. وحين ماتت وصيفتها عبدة بكت جدتي وقالت: ــ لقد ماتت عبدة وتركت لنا هذا الدجال ؟ .. كانت عبدة خيالية متسلطة إلا أنها لم تكن يوما كذابة لقد كانت تحافظ على نوع من الغطرسة / وحين سألت جدتي من أين تجيء غطرسة عبدة وهي خادمة قالت: ــ لأنها تحفظ الدرس جيدا أقصد أنها تعرف وبشكل ممتاز مثلا عائليا قديما كلب الملك ملك الكلاب .. وحين سجيت عبدة على فراش الموت كنا الثلاثة بالقرب منها جدتي وصديقي أسعد وأنا) أن أهتمام الروائي المستمر بعرض وقائع أعماق أحداث العائلة حصرا لم يدفعه الى أن يتوسع في سرده ليوضح لنا معظم مصادر حكاية أفراد تلك العائلة بل وجدناه على لسان الشخصية الساردة أو لسان المؤلف ذاته يدقق في صغار الأمور ومتعلقاتها حتى لينقل لنا نقلا أمينا عن أسطورة تلك المسرحية الطاووسية الهائلة: (دخلنا ــ أنا وزوجتي بهدوء الصالة الدائرية التي كانت تضوع منها رائحة السكاكر الموضوعة في الآنية الفضية / كانت عمتي تجلس هادئة صامتة قبالة النافذة العريضة المرخاة بستائرها المحملة الثقيلة .. تتطلع الى أغصان الأشجار الرطبة المرهفة وهي تلامس زجاج النافذة الصقيل .. وبالقرب منها على طاولة مطعمة بالأصداف الصغيرة كانت هناك رزنامة بلاستيكية ومحر زجاج ومصقلة لتلميس الورق وفي الجانب الآخر كان عبق نبات الأذريون يفوح من الزهرية السوداء المبقعة بألوان داكنة) تطرح هذه الفقرات المشهدية من وحدات السرد أحداثا غريبة بل ربما هي تقارب ما وجدناه في موقف اقتحام ذلك الشاب الغريب برفقة زوجته منزل العمة ليلا: فلا نعلم ما حقيقة وجه المقاربة بين وصف الحفيد لمشهد دخوله برفقة زوجته منزل العمة (دخلنا أنا وزوجتي بهدوء الصالة الدائرية) وبين ذلك المقابل من موقف دخول ذلك الغريب مع زوجته منزل السيدة العمة في تلك الليلة الممطرة من منتصف الليل: (وبعد أن استسلمت العمة لإغفاءة قصيرة سمعت فجأة صوت الحارس يتعالى وهو يطلق عيارات نارية ثم اجتاحت المنزل دربكة الأقدام في الأسفل / خانم .. خانم رجل غريب أقتحم المنزل ومعه إمراة شقراء يدعي أنه أحد أقرباءك .. قالها سليمان وهو يلهث وما أن نطق كلماته الأخيرة التي خرجت من شفتيه بصعوبة بالغة حتى أقتحم الصالة رجل طويل القامة بخفة ونشاط هائلين) .

 

مستويات مقاربة الموصوف وليس مطابقته

أن المعنى الفجائي قد ينهض في التوقعات الدالة في الذهن القرائي أذا رسمنا (ما بين) بين الموصوفات وما يجعل عرض الأحداث في شكل مخالف أو غير متوقع . حيث أن ذلك ما راح يجعل عنصر الفجائية السردية عنصرا حيويا وحركيا متفاعلا . بيد أن أهمية المفاجأة وإحداث الدهشة في الفضاء السردي عبر التخالف بين الطرفين المجموع بينهما في الخطاب الواحد فمبعث هذا الأمر هو حدوث تعارض لا يتوقعه القارىء وصورة ذلك التعارض يتمثل بما كانت تبيت له ملامح مرحلة أوليات العمل الروائي الأولى وصولا الى تجسيد حالات وقائعية مغايرة ومخالفة . وهذه المراحل الأولى من الأقسام الأولية من زمن الرواية كانت تبين مدى غطرسة أفراد هذه العائلة وحتى لحظة سقوطها المتمثل بشخصية العمة في زنزانة عشق ذلك الغريب: (استدار نحو المرآة الكامنة لدى المشجب الخشبي يمين الباب وأخذ يخلع معطفه المطري الأسود المصنوع من الشمع الفاخر / ثم توقف أسفل السلم بينما اتضحت ملامحه الوسيمة شيئا فشيئا على ضوء المصابيح التي تنير الردهة /: ــ ربما لا تذكريني ؟ تقدمت زوجته حتى أصبحت الى جانبه تماما وهي تنقل بعينيها الخضراويتين في الصالة .. أنا أبن باهرة ؟ .. باهرة بنت محمود باشا . قريبتك .. نسيتيني .. مرة مدة طويلة كنت صغيرا ذلك الوقت ؟ لقد كان كلامه واثقا وحين ألتقت نظراتهما أحست العمة بالدم يغيض من وجهها وتملكها فزع عجيب لقد تيقنت أنها أمام شخصية ساحرة .. مدمرة بتقاطيع وجهه الدقيقة الناعمة /: ــ طبعا طبعا أذكرك) في الحقيقة أن العمة قد وقعت في شباك غرامه ومذ اللحظة الأولى لرؤياه كما أنها لم تتعرف عليه كما زعمت له . كل ما في الأمر أنه قد غلب لبها أعجابا برجولته وملامحه الجذابة فيما راحت الأخرى بنت شقيقها الفتاة الشابة تشاطرها ذات الأعجاب والعشق والحميمية بكل ما تقتضيه سكناته ورهصاته التراجيدية المفتعلة والخاضعة في كل أطوارها لمراسيم وطقوس أعدادات مدروسة مسبقا .

 

(تعليق القراءة

تطرح رواية علي بدر (شتاء العائلة) على القراءة أسئلة كبيرة تتصل بالأفق الموضوعي للكتابة الروائية لديه وعقدة أسبابها التي من شأنها صيانة هذه الباقة من الأسئلة والأجوبة: أن رواية علي بدر لربما هي من ناحية فنية تبدو لنا عملا متقدما خاصة وأن أدواتها كرواية تبدو متكاملة على أكمل وجه ولكن تبقى غير مقبولة في أسبابها الموضوعية المؤدلجة قسرا؟ فما معنى شخوص هذه التراجيديا الفردوسية وهل هي محض لعب ولهو في مفازات المخيلة اللبقة ؟ أم أنها صنيع تأثيرات قراءات ومشاهدات الروائي النهمة للرواية والأفلام الامريكانية والغربية إجمالا؟ بل أنها بالفعل تبدو وكأنها تخريجات تناصية مصدرها مسارح والأفلام الأوربية القديمة ؟ أن الأداة الأقناعية في مسجلات حضور هذه الرواية تبدو شبه عدمية أو فوضوية أو هي شكل من أشكال اللامعقول تماما؟ وإلا ما معنى عملية انتحار الفتاة بنت شقيق العمة لمجرد أنها أدركت رحيل ذلك الغريب مع زوجته ليلا وبلا رجعة اللهم إلا في حال أنه قام بأغتصابها سرا؟ الأمر الذي لم يكشف عنه الروائي في طيات سرده . أما فيما يتعلق بشخص زوجة الغريب تلك الفتاة الشقراء فقد كانت في جميع أطوار سلوكياتها كزوجة لم تساورها حتى أدنى درجة من درجات الغيرة وهي تشاهد تسابق وتقافز أنظار الشهوة والغريزة من قبل العمة وبنت شقيقها بل أنها كانت تقابل مواعيد زوجها مع العمة والفتاة بروح اللامبالاة واللاإكتراث وكأنها مجرد وجها ما قد جاء من مكان ما مع ذلك الغريب ليجسد دور الزوجة . وهكذا تنتهي رحلة الحب وقصص الشوق للعمة والفتاة المنتحرة برحيل ذلك الزائر الغريب الذي حل في الرواية دون حجة مقنعة ورحل من الرواية دون أسباب ومبررات دالة . وعند نهاية الرواية يعود لنا من جديد صوت وشخصية ذلك الحفيد ليجسد مهزلة الباحث عن حلول وأسباب حطام تلك العائلة فيما بقى ينكر أمر بيع الدار السلطانية رغم إلحاح قرابات وأنساب تلك العائلة: (لقد ماتت العمة بسبب قصة حب .. لقد دخل قريب منزلنا وهدم سلم العائلة الى الأبد . وحين زرتها العام الماضي كنت أتعرف على نفسي في الأشياء المهدمة) من هنا نقول أن الروائي أراد من تقنية الراوي / الشاهد أن يظل شاهدا على أزمة زوال فردوس تلك العائلة وعلى زوال ذاته كشخصية سحقتها تركات خرافة أمجاد تلك العمة المتغطرسة في الرواية التي بقي من خلالها صوت الحفيد كمن يبحث في شراك أدلة احتمالية غير ناضجة فنيا . 

 

في المثقف اليوم