قراءات نقدية

حسين علي خضير: جنرال خلف الكواليس في قصة تشيخوف: الحرباء

husan alikhedayrيبدو ان سخرية القدر جعلت من مفتش الشرطة اتشوميلوف يكون أضحوكة في كل مكان وزمان وأخذت الناس تضرب المثل في هذا المفتش المهزوز من الداخل والمرعوب من سطوة من هو اعلى منه رتبه، والشي الملفت للنظر اسم قصة تشيخوف هو "الحرباء " (١٨٨٤)، اي ان بطل هذه القصة القصيرة كان متقلب كالحرباء. كلنا يعلم احداث هذه القصة القصير تدور حول كلب يعض خريوكين في السوق وخريوكين يطارده ويصيح (امسكوه). وسرعان ما تتجمع الناس وفي ذات الوقت يأتي مفتش الشرطة اتشوميلوف ومعه شرطي يلديرين ويسأل المفتش لما هذه الضجة ؟ فيخبرونه بالحادث، الشئ المضحك في هذه القصة القصيرة ان اتشوميلوف توعد أولئك الذين يطلقون كلابهم بعواقب وخيمة دعونا نرى هذه العواقب* (.. فيقول اتشوميلوف بصرامة وهو يسعل ويحرك حاجبيه: هم ! حسنا... حسنا... كلب من هذا؟ انا لن ادع ذلك هكذا! سأريكم كيف تطلقون كلابكم ! آن أن ننتبه الى أولئك السادة الذين لا يريدون ان يمتثلوا للقوانين! عندما يدفع  الغرامة هذا الوغد سيعرف ما معنى الكلاب وغيرها من الدواب الضالة ! سأريه العفاريت الزرق ! ويخاطب الشرطي — يلديرين، اعرف كلب من هذا واكتب محضرا ! اما الكلب فينبغي اعدامه . فورا!)،  وبعد ذلك مفتش الشرطة يسأل لمن هذا الكلب؟ فيأتيه الرد من الجمع بان هذا الكلب هو كلب الجنرال، وحينما يسمع مفتش الشرطة بانه (كلب الجنرال) على الفور اتشوميلوف يلقي اللوم على خريوكين المعضوض (.. ويقول شخص من الجمع : يبدو انه كلب الجنرال جيجالوف ! الجنرال جيجالوف ؟ هم ! انزع عني المعطف يا يلديرين ... اف، يا للحر ! يبدو ان المطر سيسقط ... شئ واحد لا افهمه، كيف استطاع ان يعظك — يقول مخاطبا خريوكين — أمن المعقول انه يطال  إصبعك ؟ انه صغير اما انت فانظر ما طولك ! يبدو انك جرحت إصبعك بمسمار، وخطرت لك فكرة ان تحصل على تعويض ... انتم هكذا ... أعرفكم ايها الشياطين !)، وبعد ذلك يأتي طباخ الجنرال بالصدفة ويخبر الجميع بان الكلب يعود الى شقيق الجنرال، فعند ذلك تظهر علامات التملق على وجه ولسان اتشوميلوف ويتلون في مواقفه، دعونا نرى كيف كانت ردة فعل اتشوميلوف حينما سمع ان الكلب يعود الى شقيق الجنرال  (.. ويسأل اتشوميلوف ويفيض وجهه بابتسامة تأثر : احقا وصل شقيق الجنرال ؟ فلاديمير ايفانتش ؟ آه ياربي ! وانا لا اعلم ! هل جاء للزيارة ؟ للزيارة ... آه ياربي ... اوحشه شقيقه ... وانا لا اعلم ؟ اذن فهذا كلبه؟ سعيد جداً ... خذه ياله من كلب !)، وفي نهاية القصة الجميع يضحك على خريوكين المعضوض، واتشوميلوف يتوعد خريوكين بالعقاب. وهنا من البديهي يطرح سؤال : لماذا تشيخوف جعل مفتش الشرطة في موقف محرج ومضحك في ذات الوقت ؟ ولماذا خريوكين اصبح ايضاً أضحوكة للبقية ؟ لان تشيخوف في هذه القصة يسلط الضوء على قضية مهمة - هي الخوف من المناصب العليا والخنوع والخضوع الكامل لهذه المناصب، اما خريوكين المسكين والمعضوض هنا تشيخوف يبين للمجتمع بان هنالك  الكثير من أمثال خريوكين مسلوبون الإرادة والخوف مسيطر عليهم من السلطة، والامر الغريب ان خريوكين يذكرني ببطل قصة (موت موظف) هو تشرفياكوف الذي مات مرعوباً من الجنرال، ولكن هذه المرة جنرال خريوكين لم يظهر بصورة مباشرة الى اتشوميلوف وخريوكين بل ضل خلف الكواليس ولكن تأثير الجنرال او الرعب من كلمة (الجنرال) كان لها صدى مباشر على اتشوميلوف و خريوكين، لان في قصة (موت موظف) التصادم اذا صح القول كان مباشر مع الجنرال، ولكن هذه المرة يختلف جعله تشيخوف بصورة غيرة مباشرة، وهنا تكمن عبقرية تشيخوف. والشئ المهم ان تشيخوف فضح الكثير من أمثال اتشوميلوف الذين هم اداة يتحركون مثل الدمه بيد اسيادهم، وكذلك اشار تشيخوف الى قضية (التملق و التقلب في المواقف ) وهي صفة مكروه وغير محببة عنده البشرية، ولكن نجد الكثير في مجتمعاتنا يمارسها بل اصبحت من العادات التي يومياً نراها في حياتنا... وهذا دليل قاطع على ان فكرة هذه القصة حية وتلائم كل الأجيال، لذلك ان  قوة وديمومة هذا النص الذي تشيخوف صاغه بصياغه جميلة لانه ببساطة لا ينحصر فقط على المجتمع الروسي بل يتعداه ويصبح مادة ممكن ان تفسر في كل مكان وزمان.

 

*جميع اقتباسات القصة مأخوذة من ترجمة المترجم الكبير ابو بكر يوسف.

 

في المثقف اليوم