قراءات نقدية

فهد عنتر الدوخي في مجموعتها الشعرية أنا والشجن سارة آدم تؤرشف لمدن الإغتراب..

fahad aldokhiعليك أن تجد بين هذه السطور وشائجا متوافقة،كلمات تؤرشف ذاكرة الإغتراب بأحرف محسوسة،فصول من الأزمنة قد تراكمت عبر سيل من الزمن، وقد إرتحل وهو يجفف دموعه للحظات قد لاتمر مثيلاتها، انها العين التي تداري هموم هذه الذات التي ضاعت بين مجاهيل المدن وعثرات العالم وشطآنه المترامية، خوفا وجزعا وفرحا أحيانا، ثم ماتلبث هذه الرؤى حتى تعدو سرابا ثقيلا يوقع بالأبصار،يدفعنا الفضول احيانا لسبر وعاء الماضي الذي غادر وترك لنا كل الصعاب والمآسي، والهموم، ليجبرنا أن نلامس وقعها على أنفسنا، حتى ندون، نكتب، نرمي بخطوط العرض والطول حتى نهاية خارطة العالم لنجعلها قصيدة، جميلة ذات أثر شعري، خطوط بيانية نترجم من خلالها كل الأحاسيس التي فقدناها، والرؤى والصور الجميلة التي تهاوت في ذاكرتنا، أي ماض يحتضن أمالنا ونحن نتوسل عباب المدن القصية أن تمنحنا اللجوء، الهروب من ذواتنا لنستجدي أرصفة الصقيع وموانيء الضباب وصعلكة المارة وهم يتغامزون في دروب موحشة،هل نلملم اوراقنا ونمهد للقاء مفتعل مع آفة أغتراب قد يسرها القدر لنا؟ لتكون لنا معينا نشحذ منه افكارنا وماتمليه علينا خواطرنا حتى نرسم اللحظة بألم البعد، لنسترد البسمة التي تداعت منذ عام الفيل وحتى ولوجنا عالم الدهشة والفراغ كيف   نطوع المسافات لنجعلها واحة للتواصل الحميم مع كل الأحبة التي فقدناهم في أعوام قد تقادمت في دفاترنا؟والشجون التي رسمتها (ساره آدم) وهي تتجول على حافات المدن المطلية بالضجيج لتلبي جنون الغمام وهو يلون الأيام والسنين بلون الليل الجامد،وعندما نختلس لحظة منه، نشعر بدفء موهوم تختزنه ذاكرة الصبا،

(هل تعرفين..

ما الشوق يا وجعي القديم؟

هل تحلمين بفارس ابهى ، يشاطرك الحنين).. هذه أول تدفقات البوح الشعري في الصفحة(5)...

عالم جميل تصنعه شاعرتنا (ساره آدم) في مجموعتها الشعرية( أنا والشجن) الصادرة مطلع هذا العام،وقد أثرى على هذه المجموعة الفنان والشاعر عامر صادق بخطوطه المرنة غلافا رائعا وتصميما حديثا، توائم بشكل ملحوظ مع محتويات هذا الكتاب وما توحي به هذه القصائد لترسم احلامنا بمقاطع جريئة وقد بانت عليها اعترافات إمرأة بوقائع مثيرة وآمال محسوسة حتى نجد خروجا ميسورا على ما تآلف من بوح في قاموس القصيدة النثرية، إذ وفرت أديم الإستمتاع وجعلته قاعدة للإنطلاق، لتعري كل الجمل من أطرها التقليدية الدارجة لتوصلنا الى فضاء ملون بالكلمات والجمل والاستغراق في المعاني والعبور الى فهم المقاصد الشعرية لتمزج نزوع الذات بالفعل الموضوعي،والحالة بالظاهرة، واللون بالفراغ..

حتى لانبتعد عن حوار الذات مع عالمها الشعري المزين بتجربة واعدة، جديرة بالعرض والتحليل ونحن نتجول بين عناوينها،إذ وجدنا من المناسب ان يعثر المتلقي على أوجه الترابط بين الظاهرة الشعرية السائدة والتي تسوق المعنى الوجداني لتوصله الى مبتغاه وبين الهواية التي لاتهتم ولاتلبي حاجة المتتبع الى الحداثة والى البهجة والإيقاع الموسيقى، نتطلع الى مكونات هذه اللوحة (حلم، المسافات الصامتة، امنيات، رحلت،أعماق الروح، الحنين،خيار ،تحدي، همسات، أحلام السفر، أسئلة،عزف،إصرار، أماني، يحدث كثيرا،أحتواء،دفء، أنا والشجن،كلمات، الضياع، التيه، رحلة،تمنى، كتابة، ومضة، قراءة، لحن مفقود، اجتياح، رجاء، شتاء بارد، أعلنت الرحيل، صراحة..) وقبل أن نتوغل بين أسطرها، نقرأ مادونته الشاعرة آدم، على ظهر الغلاف (هي تراكمات غربة قاسية، تجرعت مرارتها حتى اللحظة، وقد تولدت منها هذه الأشجان المقروءة،، أتحسس بلسعة كل نص فيها بذائقة لذيذة رغم قساوة الأيام ومواكبة أحداثها خطوة بخطوة)...

(وهل أنا أطلب المستحيل،

لاشيء سوى النطق بإسمك، يعلو هامتي، وألتحف بسواد شعرك الليالي.. لولا عينيك، لما كان للبدر ضياء).. ورغم بساطة الجملة الشعرية إلا أننا إستدركنا الأمر ولنبحث عن المزيد من الإعتراف..

(ألتحف بساط الريح، وأسرق الرعشة من أجنحة الملائكة،)... (أريدك أن تحفظ ملامحي جيدا، أعدك أن... لن تراني مجددا،)الصفحة28..) وهنالك الكثير الذي يقال عن تجربة إمرأة كما أشرت وهي تسجل وقائع وجدانية مستلة من أحلام، ورؤى، وإغتراب، وإستبدال الحواس وترجمة الباطن الجمالي وتأثيره على النص الشعري، والفضاء الشاسع للتخيل والآفاق الرحبة في إسترداد صور الأمس، وتجديد رداءها بفيض من المسميات..

في الصفحة22 نقرأ(هل تريد أن تعرف من أنا..

أنا زقزقة عصفور حزين..

أنا موج البحر..

أنا معزوفة ناي حزين..)

كل ماذهبت الية الشاعرة (سارة آدم) يدفعنا لنستجدي وقع الكلمات وأثرها على ذائقتنا ولنشد أزر التواصل مع هذه الموهبة المؤطرة بهذا الفضاء الشاسع من الخيال واللغة السهلة الممتعة، حتى يدفعنا الفضول لنفسرالظاهرة الشعرية الوجدانية المكتنزة وتأويل المعنى الرمزي الذي يقف وراء هذا الإنعطاف، أو الإستجابة الواعية لما تقدمه القصيدة من فعل،أو بمعنى آخر الحدث ومكونات اللوحة التي تشكل في ذهننا صور، ووقائع ومواقف وتفسيرات، أذن أستطاعت الشاعرة في مجموعتها هذه (أنا والشجن) ان تعتق رسالة مشحونة بالألم والهم وتعطي للوحدة تعريفا موجزا وللإغتراب عنوانا كبيرا، غير أن المتلقي بعد أن يتصفح اوراقها، ويدقق في مراميها، يجد الكثيرمن الأبواب والنوافذ التي فتحتها لمرور نسمات باردة عطرة ليوم قائض مشحون بالسخونة،وصورمزينة بكل ألوان الطبيعة،إنها قصائد (سارة آدم) القادمة من المنافي السعيدة ووحشة المدن البعيدة..

 

في المثقف اليوم