قراءات نقدية

مادونا عسكر: أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة.. ذات (6)

madona askar"من ذا "يختار" حقّاً؟

مهما أجبتُ فسيكون الجواب شاهداً عليّ." (*)

نتخطّى مع هذا التّأمل الذّاتيّ لأنسي الحاج مفهوم الحرّيّة والتّخيير والتّسيير لندخل رحاب الذّات المرهقة من اختبارات عديدة تخضع لها الإنسانيّة بعيداً عن قرارها الشّخصيّ وإرادتها الحرّة.

ما الّذي يختاره الإنسان تحديداً؟ وما أهميّة هذه الاختيارات الخاضعة للقرار الإنسانيّ في ظلّ الواقع المفروض بدءاً من الوجود الإنساني مروراً بالظّروف الواقعيّة الملزمة (الألم، المرض، الحروب، الحالة الاجتماعيّة، الحبّ، الزّواج...) وصولاً إلى الموت. وهل يختار فعلاً؟ أم إنّ الاختيار يكون مرحليّاً، أي اختيار يعقبه ندم، أو نضج يوقظ الرّغبة في العودة إلى الوراء لتغيير القرار؟

أن نتحدّث عن الحريّة الإنسانيّة على جميع المستويات فهذا يتطلّب الكثير من الوعي والنّضج ليتبيّن الإنسان أنّ مساحة الحريّة ضئيلة جداً نسبة للواقع المفروض. والأفضل في هذه الحال التّحدّث عن مراحل تحرّريّة حتّى بلوغ الحريّة التّامة.  إلّا أنّنا نشهد هذا التّحرّر التّدريجيّ في مراحل متأخّرة يكون فيها النّضج قد بلغ ذروته. فنعيد قراءة حياتنا ونعاين خضوعنا للظّروف، والواقع، والحياة بشكل عام، ووهمنا بحريّة الاختيار والقرارات الّتي تعبنا في اتّخاذها. هذا لا يعني ألّا نسعى إلى الحريّة، وليس أنسي بصدد الحثّ على ذلك وهو الثّوري المتمرّد على كلّ تقليديّ وموروث. بل إنّه بصدد إعادة قراءة للذّات على ضوء النّضج في المرحلة الأخيرة من العمر.

 

(من ذا "يختار" حقّاً؟)

قبل الإجابة على السّؤال ينبغي التّدقيق في الألم المتملّك من قلب أنسي، والتمعّن في مراحل حياته بدءاً من فقدان أمّه ثمّ زوجته، ناهيك عن كلّ الظّروف الحياتيّة الّتي واجهها، انتهاء بوحدته ومرضه.  ولم يأتِ جواب أنسي (مهما أجبتُ فسيكون الجواب شاهداً عليّ.) إلّا نتيجة لتأمّل عميق في مراحل الحياة، تحت وطأة الألم. أيّاً كان الجواب سيكون شاهداً على محطّات الوجع والألم الّذي لم يخترها أنسي، ولم يقوَ على التّمرّد عليها، جلّ ما استطاعه القبول والتّأمّل والتّألّم. 

"تستطيع أن تحدّ من آلامك ولكنّك ستأخذ أقلّ. على أنّ بيت القصيد ليس هنا. ليس في الإفراط أو الاعتدال، ولا في تجنّب الغوص. بل في تركيبتك، حيث لا تستطيع شيئاً في قدرك، إذا شئت. ولا يغرّنّك ذاك الحديث الحماسيّ عن الإرادة" (*)

 

مادونا عسكر/ لبنان

.....................

(*) ذات- كان هذا سهواً- أنسي الحاج- ص 74

(*) ذات- كان هذا سهواً- أنسي الحاج- ص 73

 

في المثقف اليوم