قراءات نقدية

توفيق النصّاري: دراسة عن السجع في أبوذيات الملا فاضل السكراني

tawfeq alnassariالملخّص: يعد الشاعر الملافاضل السكراني (1435 -1340 هـ . ق) من أهم الشعراء الشعبيين الذي كان يضطلع بدور بارز في نشر الوعي الثقافي ومقاومة الجهل والتخلف وعاش بعيداً عن كلِّ ما يَخدش كرامة الإنسان . له دور بارز في إنعاش الساحة الأدبية في الأهواز ،كما لقّبَ بأمير الأبوذية لِبراعتِه في كتابةِ هذا الضَرب من الشِعر إذ عرفت أبوذيته بكمال المعنی وجمال السجع وجودة الجناس . نحاول في هذا البحث دراسة بعض أبوذياته المسجعة .

الكلمات الدليلية: السجع، الشعر الشعبي، الملافاضل السكراني

 

السجع في اللغة:

 سَجَعَ يَسْجَعُ سَجْعاً استوى واستقام وأَشبه بعضه بعضاً؛ ومنه سمي السجع سجعاً لاشتباه أَواخِره وتناسب فَواصِلِه كأَن كل كلمة تشبه صاحبتها.

 

السجع في الإصطلاح:

لون من ألوان البديع كثير الدوران عظيم الاستعمال في ألسنة البلغاء، وقد عوّل عليه علماء البلاغة، وهو اتفاق الفواصل في الحرف، أو في الوزن، أو فيهما معاً . فإن اتفقا في الحرف دون الوزن فهو المطرّف كقوله تعالی:

« ما لَكم لاترجونَ للهِ وقاراً وقد خَلَقكمُ أطواراً »سورة نوح 13 - 14

فوقاراً وأطواراً اتفقتا في الحرف الأخير دون الوزن .

أو كقول الحجاج: « يا أهل العراق، ويا أهل الشقاق والنفاق، ومساوئ الأخلاق » .

و إن اتفقتا في الوزن والحرف معاً سمي المتوازي . كقوله تعالی:

«فيها سرر مَرفوعَة وأكواب مَوضوعَة» الغاشية 13

فاتفقت الفاصلتان " مرفوعة " و" موضوعة" في الوزن الواحد " مفعولة" وفي الحرف الأخير .

أو كقول الرسول محمد:

«ربّ تَقَبَّل تَوبتي، واغسل حَوبتي، وأجبدَ عورتي »

أو كهذا المثل الجاهلي:

«البِطنة تُذهب الفِطنة »

 

و إن اتفقتا في الوزن دون الحرف سُمي المتوازن أو المماثل أو المتقارب . ومن ذلك قوله تعالی:

« ونَمارقُ مَصفوفَة وزرابي مَبثوثة » الغاشية 15 - 16

فمصفوفة ومبثوثة اتفقتا في الوزن دون الحرف الأخير وهو ما قبل التاء .

و قوله تعالی:

" وآتيناهما الكتاب المستبين ، وهديناهما الصراط المستقيم "

فالمستبين والمستقيم اتفقتا في الوزن دون الحرف الأخير .

 و السجع لايحسن كل الحسن إلا إذا توافرت فيه أربعة شروط:

 أن تكون الألفاظ حلوة المذاق يلذ سماعها علی الآذان .

أن تكون الألفاظ تابعة لمعناها، ولايكون المعنی تابعاً لها حتی تسلم من التكلف

أن تكون إحدی السجعتين غير متنافرة مع أختها .

أن تكون كل واحدة من السجعتين دالة علی معنی مغاير لمعنی الأخری، وإلا كانت تكرارلا فائدة فيه .

 

مكانة السجع عند العرب:

احتل السجع مكانة بارزة في الحياة الإجتماعية والأدبية للعرب منذ الجاهلية وحتی عصرنا هذا. حيث استخدم في الأدعية والمواعظ وجری استعماله في الأقوال المأثورة والأمثال، وإجازات العلماء، وأحكام القضاة، وفتاوي الفقهاء ، كما جری في كتابة التاريخ والسير والرسائل والمقامات .و قد ظلت عناوين الكتب جاريةً علی السجع منذ القرن العاشر الميلادي وحتی قرننا هذا .

 

السجع في أبوذيات الملافاضل السكراني

الأبوذية ج أبوذيات من أكثر الألوان انتشاراً واستعمالا في الشعر الشعبي الاهوازي، اذ قلما يخلو منه حفل من الحفلات التي يقيمونها لأفراحهم واحزانهم وأيّام بؤسهم . وهي رباعيات، تتألف من ثلاثة أشطر ينتهي كل شطر بكلمة تكرر ثلاث مرات بلفظ واحد الا أن معناها يختلف في كل مرة والشطر الرابع يختم بياء مشددة ومفتوحه ككلمة " عليَّ " أو " ليَّ " أو بياء مشدده وهاء مهملة ككلمة " حميّه " أو " سجيّه " أو " أذيّه " .

و لفظة " الأبوذية "مركبة من " أبو " بمعنی " ذو " ومن " ذيّه " وهي تخفيف أذيّه . لأن ناطق تلك الأبيات ينطق بها بعد أن يصاب بأذية، فالأبوذية تغلب عليها العاطفة الحزينة .

الشاعر الملافاضل السكراني، علاوة علی الجناس الذي يعتبر أساس الأبوذية ومصدر جمالها، إستعمل فن السجع بكثرة وكانت ألفاظ سجعه رقيقة عذبة،لا ركيكة ولا متكلفـة ، بعيدة عـن الغثاثة والـبرودة، حيث كان اللفظ تابعًا للمعنى، وليس المعنى تابعًا للفظ . وحب السكراني للسجع، لم يأخذه إلی تكلفات تضر بمعنی أبياته. في مايلي نورد بعض الأبيات المسجعه للشاعر:

آس أهل السلف زاهي وأناسي / ذبل من قهر جُلّاسي وناسي

الآسي الناس طيبهم ونآسي / چوه إحساسي وجعل چم مرض بيَّ

قوله في جناس الشطر الأول " وناسي " معناه: " وأنا آسي "، والآس: شجرة، دائمة الخضرة أوراقها عطرة .

و جناس " وناسي " الثاني معناه:" وأهلي، أقربائي " / وجُلّاسي تعني: جُلَسائي،

و جناس " وناسي " الثالث معناه: " وأنا آسي "، الآسي: الطبيب .

 (في الشطر الثاني كان السجع مطرفا بين" جُلّاسي" و"و نآسي " وفي الشطر الثالث أيضاً كان مطرفا بين " الآسي " و" وناسي )

و في البيت التالي:

تهلّس سبّگي شرتفع وسمه / وظهر شيبي اش أصبغه بصبغ وسمه

شبابي نسيت رسمه الفات وسمه / شبه نسمه ال أمس مرّت عليَّ

 

 

قوله في جناس الشطر الأول " وسمه " معناه: " ارتفع إلی السماء"

و جناس " وسمه " الثاني يعني:" الوسمه: وهي مركب كان يخلط مع الحناء لصبغ الشعر"

 (في الشطر الثالث والرابع كان السجع متوازيا بين " رسمه " و" نسمه " و" وسمه ")

و في البيت التالي:

أمرگت يالرشا وماچنّك شفتني / دريّض بيك لجروحي شفتني

اش مردني غير هجرانك شفتني / بحچي الفتني عفتني وخنت بيَّ ؟

قوله في جناس " شفتني " الثاني يعني:" شفا إتني"

و جناس " شفتني" الثالث منحوت من: " أي شيٍ فتني"، فَتَّ الشيءَ يَفُتُّه فَتّاً، وفَتَّتَه: دَقَّه وكسره بأَصابعه .

في الشطر الرابع: عفتني: تركتني .

(في الشطر الرابع كان السجع مطرّفاً بين " الفتني " و" عفتني ")

و في البيت التالي:

بعد نادي المجد مانجد ندبي / يضوع وضاع وعلی الضاع ندبي

مابينا دبي من الهظم ندبي /بعد وبسَعد صار ال صار بيَّ

 

في الشطر الأول كان السجع مطرّفاً بين« المَجد» و« نَجِد »، وفي الرابع أيضاً كان مطرّفاً بين« بَعَد» و« بسَعَد» .

وفي البيت التالي:

ارتعشعيب انتعش گلبي برجلاي / ولاغيم بمطر غيره برجلاي

شهرول سلسلة مِحنه برجلاي /الحبي وحتی الدبي يصعب عليَّ

 قوله في جناس الشطر الثاني: "برجلاي" أي بَرَقَ ليّ وقد قلب القاف جيماً كعادتهم في قلب الحروف .

في الشطر الأول كان السجع متوازياً بين « ارتعش» و« انتعش »، وفي الرابع أيضاً كان متوازياً بين« الحبي» و« الدبي» .

 و في البيت التالي:

رشا ال ما زار أبد غيري واليزار / بده وياني بردا قاني وليزار

ال رغبتي بشوگ فل زيجه وليزار/ ويود أنشگ عبيره ال عمل بيَّ

الرَّشَأُ: الظبي إِذا قَوِيَ وتَحرّك ومشَى مع أُمِّه .

ياني: مَنحُوتَة من جائني وقَد قُلبَ الجيم ياء كعادَتهم في قَلبِ الحُرُوف (في الشَطر الثاني كان السَجع متوازياً بين " ياني " و"قاني ")

وفي البيت التالي:

تشب ناري وچوه ياري لهبها/ من ويد المها ال فكري لهبها

ريمة بَر وجه صافي لهبها / ونشع من ضوه البدرين ضيّه

معاني الكلمات:

وَيد: أصلها وَجد وقلب الجيم ياءً كعادتهم في قلب الحروف وتعني العشق والحزن الناتج منه .

(في الشطر الأول كان السجع متوازياً لأن " ناري " و" ياري " اتفقتا في الوزن والحرف).

و في البيت التالي:

مُدّهمن ال أوده اخبار ماين / عجب چيف اصبرت واشلون ماين

ليل جفاه الأظلم أبد ماين/ جلي إلّا بصبح شمسه المضيّه

اشلون: منحوتة من أي شيٍ لونه .

مضيّه: مضيئة .

جناس الشطر الثاني: ماين: لا أجن .

(كان السجع مطرفاً بين ال " مُدّه " و" أوده " ) .

في الشطر الأول كان السجع مطرّفاً لأن " مُدّه " و" أودّه " اتفقتا في الحرف دون الوزن .

و في البيت التالي:

يَ ناهي إن چان مقصودك تمرمر / اعليش بوعدك ال گلبي تمرمر؟

يَ حالي تريد من تالي تمرمر / جفاك أرجوك مر مرّه عليَّ

 

اعليش: مَنحُوتَة من: علی أي شيٍ

(كان السجع متوازياً بين "حالي" و"تالي") .

إضافة علی الجناس والسجع، استخدم الشاعر محسنة الطباق المعنوية بين " الحالي " والمُر " .

وفي البيت التالي:

يغث غيث المآسي ال هطل شربي / شربته بكل كراهه وغصب شربي

ال ظعن مجدي ال بَعَد يا سَعَد شربي / وبَعَد ش أرجب ال عِزّي ال گطع فيّه

الغيث: المطر، سمي بذلك لاعتبارهم المطر عوناً من السماء .

في الشطر الثالث: بَعَد: تباعد، سَعَد:إسم علم.

بَعَد الشطر الرابع: نقيض قبل .

 في الشطر الثالث والرابع كان السجع متوازياً لأن " بَعَد " و" بَعَد " اتفقتا في الوزن والحرف

و في البيت التالي:

كرهت داري يَ ياري وصحت هدّار/ بلظی شرّك عليها الشّرر هدّار

علی فروخك بكوخك سبع هدّار/ وأخو الواوي بيوم الموزميّه

 

ياري: جاري

الواوي: ابن آوي

فروخك: ج لكلمة الفرخ، ولد الطائر، هذا الأَصل، وقد استعمل في كل صغير من الإنسان والنبات .

الكوخ:نوع من البيوت الصغيرة القديمة.، فارسيٌّ معرّب .

(في الشطر الأول كان السجع متوازياً لأن " داري " و" ياري " اتفقتا في الحرف والوزن وكذلك " ˚فروخَك " وبكوخَك")

وفي البيت التالي:

شرب شخص ال علی الذل گعد علگام/ المجد أشّر بيوم ابتشر علگام

ال يريد العز يصول بعزم علگام/ ويعرّب زلم بچفوفه السخيّه

المراد من (علگام) الأولی العَلْقَم وهو شجر الحَنْظَل،، وكُلُّ مُرٍّ عَلْقَمٌ . (علگام ) الثانية منحوتة من: علی الذي قامَ، وقد قلب القاف جيماً قاهرية .

(في الشطر الثاني كان السجع مطرّفاً بين " أشّر " و" ابتشر ")

وفي البيت التالي:

نوايا أهل الجهاله اظهرن وبدين/ ومحال الحال يرجع سمح وبدين

ال ما سار بمناهج شرف وبدين/ غرف من شط مذله وشرب ميّه

 

في الشطر الأول: نوايا: ج نيّه

في الشطر الثاني: وبدين: وأبداً .

في الشطر الثالث: المناهج: الطرق .

 (كان السجع مطرّفاً بين " محال " و" الحال)

 و في البيت التالي:

يَ خل من شط فهم خل يتم شرباك/ بجهل ليكون ينبض عرج شرباك

بچف عز هِز لوا وخل يرف شرباك/ بحومة شرف وبساحة حميّه

الشط: يطلقون " الشَّط " علی النهر ج" شطوط" و"شطوطه ". وفي اللغة: الشَّطُّ: شاطِئُ النهر وجانبه، والجمع شُطوطٌ .

الحُومه: ساحة القتال .

(كان السجع متوازياً لأن " عِز " و" هِز " اتفقتا في الوزن والحرف).

وفي البيت التالي:

ظبي الوادي ال غده بحشاي يرعا/ من كوثر لما مَ رشفت يرعه

أگلّه اگرب يگول الگرب يرعه /يريد وفر بعيد وغدر بيَّ

 (في الشطر الرابع كان السجع متوازياً بين " يريد " و"بعيد")

وفي البیت التالي:

بدقيقه ماسمح دهري ولحظه/ بوصال ال بيه گلت أحظه ولحظه

ببنانهو بغصن بانه ولحظه /سباني وما وفاني وگطع بيَّ

(كان السجع متوازياً بين " سباني " و" وفاني " لأن المفردتين اتفقتا في الحرف والوزن . وكان مطرّفاً بين " ببنانه " وبانه " لأن المفردتين اتفقتا في الحرف دون الوزن) .

وفي البيت التالي:

الفخر مو للرماح السّمر والبيض / ال لحظ ناهي اليشگّ الدّرع والبيض

يَ هادي عن هنادي السّمر والبيض / إبتعد ليصير بيك ال صار بيَّ

الهنادي: السيوف المصنوعة بالهند .

هادي: اسم علم .

(كان السجع مطرفاً بين " هادي "وهنادي" ) .

و في البيت التالي:

مَر متّصل بينا مرهمنّه /لطفك يَ مَن عطفك مرهمنّا

أقداحأفراح وصلك مرهمنّا / حتّی براحها نسكر سويّه

في الشطر الثاني، كان السجع مطرفاً بين " لُطفك " و" عَطفك " وفي الثالث، كان متوازياً بين " أقداح " و" أفراح " .

وفي البيت التالي:

بوصل ولفي سُوه يأسي ومالي / بمنامي لمحت چف ناهي ومالي

بحاليببالي بخالي ومالي / وهلي وروحي فديته وغدر بيَّ

جناس " ومالي" الثاني أصله: ومأ لي أي أَشارَ وقد قلبت الهمزة واواً كعادتهم في قلب الحروف .

(في الشطر الثالث، كان السجع متوازياً بين " بحالي " و" ببالي " وبخالي")

 وفي البيت التالي:

يَ ناهي من أون وعيوني منتهل / عليك ولا علی غيرك منتهل

من افراگك متت وأحيا منتهل / دِهل يَ هلال رد يا ورد ليَّ

كان السجع مطرفاً بين " رد " و" ورد "

و في البيت التالي:

و لايوم الدّهر غارات ماشين/ سگاني عوض ريج التّرف ماشين

مِن مر هودجه ومن گال ماشين / ومشی سل انتشی بكل عظم بيَّ

 (كان السجع مطرفاً بين " مشی " و""انتشی")

و في البيت التالي:

چيف تشم عطِر للمجد ينفاي / وسلبي الجهل للإيجاب ينفاي؟

بساعد وبمُساعد ورِع ينفاي / البحر البِالمشاكل طفح ميّه

كان السجع مطرّفاً بين " بساعد " و" بمُساعد " .

وبعد الأبيات التي ذكرناها، رأينا سجع السكراني يتصف بالسهولة في التعبير، والتماسك في البناء، والجمال في الحِياكة، كانت ألفاظ سجعه سلسة عذبة،لا ضعيفة ولا ثقيلة ، حيث لم يأخذه الشغف إلی تكلفات يصير بها معنی بعض الأبيات مبهماً أو قليل الجدوی . والحق يقال أنه أبدع في هذا الإستخدام لأنه نظر إلی المعنی في المقام الأول، اما السجع فقد كان نظره اليه في المنزلة الثانية .

 

.....................

الهوامش:

ابن منظور، محمد بن مکرم : لسان العرب، دارصادر: داربیروت، بيروت، لبنان

عبدالقادر حسین: فن البدیع،دار الشروق،1983

السکرانی، الملافاضل الحاج يعقوب: ديوان السکراني،الجزء الأول الطبعة الثانية - الناشر: الشاعر

السكراني، الملافاضل: أود أرجع، نشر شادگان 2011

 

في المثقف اليوم