قراءات نقدية

ميمون حِــرش: أتلا يتماس رواية تحتفي بِـالريف

maymon harashالكلام مُبهج، كما الخبر السعيد، ذلك الذي استقبل به الدكتور عيسى الداودي رواية " أتلايتماس" للكاتب المغربي محمد بودشيش، إصدار 2016- مطبعة مكتبة الطالب بوجدة، يقول: " بهذه الرواية يتعزز المشهد الثقافي بالريف بعمل إبداعي متميز.." ص 7، ويقول في موضع آخر: " استطاع كاتبنا- وباقتدار- أن يجعل الرواية زاخرة بالثقافة الريفية والتراث الشعبي للمنطقة" ص 8، إلى أن يختم مديحَه بقوله : " إن كاتبنا يملك ناصية استدعاء الصور الفنية التي تؤثث ديكور الرواية، وتدبيجها في عمله الفني بفنية عالية" ص10 ؛ ولأني أعرف صاحب الرواية، والدكتور عيسى الذي دبج تقديماً مركزاً لها، فإني استعجلتُ قراءة " أتلايتماس " من فور صدورها.

 ومحمد بودشيش كان بالنسبة لي يسير دائماً بمحاذاة "روائي" بنكهة خاصة منذ كتابه القيّم " رسائل من نزيل عرس بآيث سعيد/ عادات وطقوس"، ويبدو لي أن الزخم المعرفي لديه عن طقوس وتقاليد الريف كان له مُعيناً على كتابة " أتلايتماس " بهذا الألق الذي تحدث عنه الدكتور عيسى، والذي أشاطره الرأي فيه.

 أعمال قصصية قصيرة كثيرة لكُتاب معروفين تكشف عن عوالم روائية صارت علامات فارقة بعد ظهورها، وأخرى ظلت قصصاً قصيرة لكنها احتفظت بحبلها إلى أن يأتيها المخاض، أعتقد أن " رسائل من نزيل عرس بآيث سعيد" عادات وطقوس لعبت دوراً في رواية " أتلايتماس"، استثمرها بودشيش من خلال أثافٍ ثلاثة : [أتلايتماس- مزيان- الريف] استحضر من خلالها شخوصاً وأمكنة وأحداثاً ريفية بامتياز.

 قسم الروائي محمد بودشيش رواية " أتلايثماس" إلى ثلاثة أقسام دون عناوين، الأول يؤرخ لزمن " الحدث" 1992 قبل أن يرحل بنا، عبر ومضات الاسترجاع أو الفلاش باك إلى زمن الجوع، ومرحلة إقدام أهل الريف على أكل" إيارني"/ نبتة الدغفول، وما استتبع ذلك من تأسيس فكرة الهجرة إلى لَْلجيري/ الجزائر"، وهو ما يخصه محمد بودشيش للقسم الثاني، أما الثالث فمؤثث لهجرة مزيان بن أتلايتماس وحدو، بعد حصوله على شهادة الإجازة، إلى إسبانيا ثم فرنسا، وفي إسبانيا نتعرف كفاح مزيان عبر منولوج داخلي ينساب بدعة، يكشف أسراراً عديدة، وفي فرنسا يصبح "مزيانُ" سميرَ بنَ العم حموش، ويحظى بلقب Le petit من فرانسواز بنت جون حبيبته التي سيقترن بها، ولا بد من التأكيد، هنا، أن السرد في الأقسام الثلاثة بهيج، ومتراص، بشكل يقرب القارئ من جذوره، ويبدو لي أن لغة بودشيش اختلفت كثيراً، وصارت بديعة بالمقارنة مع عمليْه السابقين " الأسماء تتشابه" و" أزهار وأشواك"..

 وأتلايتماس هي رواية تكشف مرحلة مهمة من تاريخ "الريف" المتمثل في إقدام الأهالي للهجرة إلى الجزائر هرباً من " الجوع" الذي فتك بالناس فتكاً، وحول حياتهم قطعة من العذاب، هذه المرحلة من تاريخ المغرب سيقف عندها بودشيشُ وقفاتٍ طويلةً ( بعضها بدتْ في بعض المواضع مُقحمة ومكررة )، وسيعززها بمواقف شخصيات الرواية، وما صدر عنها من أفعال وأقوال، وحكايات، وألعاب، وطرف، ومُلح وطقوس حتى أن الروائي بودشيش احتفى في روايته بـِ " إزري" أيما احتفال حد أنه أورد أزيد من ثلاثين بيتاً شعرياً / الإزري ( بعضه مقحم أيضاً، وبدا مهلهلا من وجهة نظري المتواضع).. والقارئ رغم ذلك سيستمتع بقيمة هذه الأشعار، كما ستكون له الرواية معجماً حقيقياً لجملة من المصطلحات الريفية التي يوردها في ثنايا الكتاب، تخص مجالات الحرب، والمطبخ، واللعب، والأعراس، وطقوس أخرى: ( إيارني- أنزار- أغنجا- إيمندي- روم- رمروم- الطبجي-أرياز- سيظا- إزاربوغاياطا- أتْسايَرْهاه – إمهياثن-...).

وبتقنيات حديثة في كتابة الرواية من مثل التداعي، والفلاش باك، والزمن المتقطع، والمنولوج الداخلي تمَكنَّ الروائي محمد بودشيش من النفاذ إلى نفس " الريفي"في أتلايتماس " مستبطناً دواخله، وكاشفاً عن قدرغير يسير من العواطف الإنسانية التي ترسم ملامحه من خلال شخصيات الرواية " .

 

في المثقف اليوم