قراءات نقدية

جمعة عبد الله: رواية حجر الصبر للروائي الافغاني عتيقي رحيمي

goma abdulahترجمت هذه الروية الحالة المزرية، التي تعيشها افغانستان، في مأساة الحروب العبثية المدمرة المتواصلة، التي حولت البلاد الى حالة من التمزق والانقسام، في عنف الخراب المدمر، الذي حولها الى جثة فاقدة الوعي، تتعفن بعفونة، لتتحطم في الحروب الداخلية المستمرة، التي اختلط حابها بنابلها، وكلهم يدعون الحرب والجهاد، بأسم الله والاسلام، هذا الايحاء الرمزي غير المباشر، لمضمون وجوهر مغزى الرواية، ومعنى (حجر الصبر) يعود الاسطورة الافغانية، التي تقول بأن حجر الصبر الاسود الثمين، يدفع الى البوح والاعتراف، بما يختلج وجدان المحرومين والمظلومين والمهشمين،، الى البوح بهمومهم ومشاكلهم وازماتهم الحياتية، بما اصابهم، وبما فعلوا، دون خوف وارتياب وعقاب، وانما عملية ازاحت بما يثقل الصدر من آلآم ومعاناة وهموم . هذه الرواية اتخذت هذه الاسطورة (حجر الصبر) لتقود مسار الحدث البارز الذي يشكل العمود الفقري للرواية، ورسمت بدقة وعناية ووعي في مجريات الاحداث التي عصفت في افغانستان، وقد كتبت باللغة الفرنسية، وحازت على ارفع جائزة ادبية فرنسية (الكونكور) عام 2008، وكذلك تحولت الى فيلم سينمائي (موجود الفيلم مترجم الى العربية) والدافع الاساسي الذي تفتقت قريحة الروائي، هو تكريم لذكرى الشاعرة الافغانية القتيلة (نادية انجومان) التي اصدرت مجموعة شعرية، فيها احلى الكلام الرومانسي، واعتبر زوج الشاعرة، بأن المجموعة الشعرية، تحمل بواعث الكفر والزنى والحرام، مما اقدم على جريمة قتل زوجته الشاعرة، ودخل السجن، تيقظ عقله، وعرف هول الجريمة الوحشية، التي اقترفها بهمجية بشعة . ترجمت هذه الرواية الى العربية بواسطة المترجم (صالح الاشمر) وصدرت من دار الساقي للنشر . لقد استخدم الروائي في تكتيك الحبكة الفنية، اسلوب المنولوج والميلودراما المسرحية، لتروي احداث الرواية الراوية بضمير المتكلم، وهي في نفس الوقت بطلة الحدث الروائي، بأن تتقمص دور (شهرزاد) في حكايات الف ليلة وليلة، تسوق هذيانها الوجداني، في لا شعور لتسرد اسرار حياتها بالبوح والاعتراف، في غرفة ضيقة مملوءة بالعفونة، امام زوجها الطريح الفراش، غائب عن الوعي، وتحول الى جثة هامدة، سوى انها تتنفس بصعوبة وبطئ، اثر طلقة نارية اصابته في شجار، طرحته طريح الفراش دون حراك، وهو شارك في الحروب العبثية، التي اجتاحت افغانستان، وحولته الى جثة هامدة، لقد كان بطل بنظر الكثير، لكن بعد ان اصبح لاحراك له، سوى جثة تتنفس بصعوبة وبطئ، اصبح مهجوراً ومنبوذاً، حتى من اهله، فتركوه ورحلوا بعيداً عنه، لانهم تيقنوا بانه بحكم الميت، ولم يبق من البشر ليشفق على حالته المزرية، سوى زوجته التي سهرت عليه برعاية وجهد مضني، وحاولت المستحيل ان يعود اليه الوعي ويتعافى، ضمن هذا الجو الموحش والمهجور والمرعب، استغلت زوجته ناصية هذيان البوح باسرارها، وهي تعتني به، في جلب الدواء، وغسل جسده المتعفن،، فقد كانت زوجته الشابة متعلقة به، ولم يساورها الهجران ان تتركه ليتعفن ويموت، بل كانت تتفانى في رعايته، وتسبح بحمد الله واسماء الله الحسنى، وتعد في المسبحة التسعة والتسعين حبة، وحين تكمل عدها، تذكر اسماء الله الحسنى (القهار) وتكرر في اليوم تسعة وتسعين مرة، لذكر اسماء الله الحسنى، حسب وصية الملا، حتى يعود له الوعي ويتعافى، لذلك اتخذت في هذه الوحدة الموحشة في بوح اسرارها، وهو بمثابة الرقد على الفراش (حجر الصبر)، في سرد هذيان اسرار حياتها . من كيفية عقدت الخطوبة والزواج، حتى ليلة الدخلة، وكانت في حالة الطمث، لذا اعتقد العريس ان الدم، وهو دم غشاء العذرية، وليس الدم الفاسد لحالة الطمث، الى التشكيك بأنها عاقر لا تنجب، وحث ام الزوج الى تركها والزواج باخرى، يعني طردها كمنبوذة في الشارع، دون رحمة . وامام هذه المعضلة كانت تواجه الكراهية والنفور، بذريعة ان وجودها عار عليهم، خلق لها التشاؤم والجزع من حياتها، وقد اباحت لعمتها (اخت ابيها) في المشكلة العويصة التي تواجهها، والتي من الممكن ان تجد نفسها، شحاذة تدور في الشوارع، وهي في عمرها الصغير . فأشارت اليها عمتها، الى حيلة تنقذها من الضياع وتحفظ زوجها، بأن تخبر أم الزوج، بوجود حيكم يكتب العوذة والحجاب للانجاب الاطفال، اشتبشرت أم الزوج بهذا الخبر المفرح، وراحت ترافقها كل مرة في كتابة العوذة والحجاب، حتى ولدت طفلتين، ولم يكن الحكيم، سوى قواد عمتها، ولكن اعيد لها الاحترام والهيبة، بأنها اصبحت أم لطفلتين، وهي تبوح امام زوجها الجثة الهامدة، وتقول له (كل مافعلته، كان من اجلك، لكي احتفظ بك، فعلت كل شيء من اجل ان تحتفظ بي، ليس لاني احبك، ولكن لكي، لا تتخلى عني، من دونك، ما كان ليبقى لي احد، لغدوت منبوذة من الجميع) ص56 . وتستمر في العناية بزوجها، عسى يعود اليه الوعي ويتعافى، ولم تستسلم لتعب والوهن والجهد المضني في سبيل انقاذ زوحها، الذي تبرئ منه الجميع، حتى رفاقه المجاهدين، فكانت تقول بألم جارح، انت عاشق الحروب والنار والبارود، وعقيم وعاقر في الحب والانجاب، ويداهموا المسلحين الذين كان واحداً منهم، وسرقوا ساعة اليد ومحبس الزواج، وارادوا اغتصاب زوجته، ولكنها جابهتم بتحدي، ولم تخشى الموت الذي كان قريباً جداً منها، فقالت لهم بأنها ارملة لطفلتين، وتبيع جسدها من اجل رعاية طفلتيها، وشراء الدواء لزوجها، ولم يجدوا شيء ثمين في البيت، فتراجعوا الى الوراء ونكسوا بندقهم، لان هدفهم (لحم طازج) وليس لحم ارملة، تبيع جسدها لمن يدفع المال من الرجال، فانسحبوا لكي تواصل هذيانها، بأن تقول أن الطفلتين ليس منك، لانت عاقر، ليس لديك سوى مهنة احتراف القتل . ومن هذا الهذيان وهي مسترسلة به، حتى تتفاجئ بعودة الوعي، لتنبعث به الروح من جديد، لم تنتدهش من هذه المفاجئة، وقالت بصوت مختنق بالرعب (كنت اعلم ان اسراري، ستعيدك الى الحياة إليَ . كنت اعلم) ص109 . ويجذبها من شعرها، ويحاول ان يخنقها بيديه، ويضرب رأسها بالحائط، وتسقط ارضاً .

 

جمعة عبد الله

 

في المثقف اليوم