قراءات نقدية

رأيٌ في قصة تولستوي: الحاج مراد

يبدو ان الصراع الذي أثاره تولستوي في هذا القصة يحمل طابعاً غريباً بعض الشيء، لان المجاميع المتناحرة في هذه القصة هي مجاميع مختلفة فكرياً وثقافياً و روحيا وكذلك دينياً. فالشعوب الجبلية (القوقازيين) تستمد وجودها من تمسكها بارضها و بما تحمله من ارث روحي، كان للدين الميزة البارزة في معتقداتهم، ولكن مع الاسف ان من امثال الامام (شامل) كان كل همه ان يبقى في السلطة ويفرض سيطرته على الجبليين، وفي ذات الوقت قد اظهر تولستوي الشعب الروسي متفككاً روحياً وفكرياً وكان للقيصر اليد الطولى في إدارة دفة السلطة، أما البقية التي تأتمر بأمر من القيصر هي مجاميع تركض وراء مصالحها ويشدها حب الجاه والمنصب والمال، اما الكنيسة كان لها دور سيء للغاية لأنها ببساطة وفرت الدعم الروحي ان صح التعبير للقيصر، فأخذ يشن الحروب بمباركتها. وهكذا لعبت الكنيسة دوراً سيئاً في شن الحروب آنذاك، لذلك الكاتبة الروسية تتيانا نيكولايفنا كوركينا قد تحدثت بإسهاب بخصوص هذا الموضوع بكتابها الموسوم قصة (الحاج مراد) بوصفها الوصية الفنية لليف نيكولايفيتش تولستوي )، الذي صدر حديثاً عن دار الشؤون الثقافية – وزارة الثقافة وهو من ترجمة د. تحسين رزاق عزيز، وتقول الكاتبة:* (والاهم بأي شيء استطاع الجيش الروسي بإرادة الامبراطور «تنوير» الشعوب « بحيث ربى فيهم شعوراً غير محدود « من النفور والاشمئزاز تجاه الروس). وبالتأكيد، هذا النفور والاشمئزاز تحول تدريجياً الى كره دائم. وبعد ذلك الكاتبة تبين اسباب تعاطف تولستوي مع الجبليين في قصة ( الحاج مراد) تقول: ** ( فتولستوي بلا شك يتعاطف في القصة الى درجة كبيرة مع محنة شعوب القفقاس لان الحرب جرت على ارضهم. والجيش الروسي يدمر قرى الجبليين ويحرق حقولهم ويقطع اشجارهم ويدنس مقدساتهم الدينية والأدهى من ذلك – يقتل ابناهم.). ومن ثم الكاتبة تجري مقارنة واضحة بين الشعوب الجبلية وحياة القرية الروسية وفي هذا المضمار استطاعت الكاتبة تتيانا ان تصف وصفاً دقيقاً لما اراده تولستوي من كشف عيوب تلك المجاميع المتناحرة. ولكن هنا يطرح سؤالاً مهماً: ماذا يريد تولستوي من قصة ( الحاج مراد)؟ وما الدوافع وراء انتقاد تلك المجاميع المتقاتلة؟ كل هذه الاسئلة قد اجابت عنها الكاتبة الروسية تتيانا بطريقتها الخاصة. نأتي للسؤال الاول: من البديهي ان الاحداث التي جرت على الشعوب الجبلية كما تسميهم الكاتبة تتيانا لها تأثيرها على الشعب الروسي فكان لتولستوي موقفاً منها، اما ماهي الدوافع لتولستوي هي كثيرة ولكن بإمكاني ان اقتبس شيئا من ما قالته الكاتبة الروسية تتيانا: (.. فتولستوي قد رأى في الدولة صورة الشر)، لذلك هو كشف عيبوهم وانتقدهم بصورة مباشرة. بعد هذه المقدمة دعونا ننتقل الى بطل القصة وما الدور الذي لعبه في هذه القصة ؟تصف لنا الكاتبة تتيانا نيكولايفنا كوركينا الحاج مراد بانه كان كثير التفكير وملتزم دينيا ويؤمن بمسالة الجهاد (الغزوات)، ويكن العداء للروس لأنه يعدهم منغمسين بالفساد الروحي والمادي، وفي ذات الوقت الكاتبة الروسية تتحدث عن مسالة جداً مهمة عن البطل، وتعده يخالف مبدا الجهاد لأنه يعلن الجهاد على الروس وهو يعمل مع الروس من اجل ينتقم من شامل الذي قتل اخية وهذا المبدأ يخالف الجهاد. وهذا الامر يبين لنا ان البطل عاش فترة مليئة بالتناقضات لان الظروف الصعبة هي التي اجبرته على فعل ذلك. ومن ثم توضح الكاتبة ان تولستوي وضع بطله في موقف لا يحسد عليه لان البطل كان بين نارين ان صح التعبير، اما ان يكون مع الروس والنتيجة ارضاء طموحه وهذا ينافي مبادئه التي تربى عليها، واما ان ينقذ عائلته من القتل على ايديهم. ومن ثم الكاتبة الروسية تتحدث عن مقتل حاج مراد وتصور المشهد بدقة ودراية تنم عن معرفة عميقة ببطل تولستوي، ولكنها لم توضح لنا لماذا تولستوي عمل على قتل بطلهُ في نهاية القصة؟ اعتقد كان بمقدور تولستوي يجعل حاج مراد نموذجاً للعنف و لكن دون ان يقدمهُ مقتولاً في نهاية القصة، واعتقد ان هذا سؤال مهم جداً ومحور القصة، التي الكاتبة لم تطرحهُ لا من بعيد ولا من قريب، ويبدو لي ان مقتل البطل هو اشارة واضحة من الكاتب الكبير تولستوي ان العنف في نهاية المطاف لا يجني الا العنف، بالرغم من تعاطف الكاتب مع البطل.                             

 

 حسين علي خضير الشويلي

.....................

*قصة (الحاج مراد) بوصفها الوصية الفنية  لليف نيكولايقيتش تولستوي / تأليف تتيانا نيكولا يفنا كوركينا؛ ترجمة: د. تحسين رزاق عزيز / ص37

**المصدر نفسه / ص 53

في المثقف اليوم