قراءات نقدية

قراءة في المجموعة الشعرية: همٌ علمني شراكة الأسى للشاعر مصطفى محمد غريب

عن دار النسيم للنشر والتوزيع في القاهرة / مصر، صدرت المجموعة الشعرية للشاعر مصطفى محمد غريب " همٌ علمني شراكة الأسى " تحتوي المجموعة على (28) قصيدة  سطرت على (158) صفحة من الحجم الوسط وهي تعتبر الثانية عشر من المجوعات الشعرية التي أصدرها الشاعر مصطفى محمد غريب خلال مسيرته الأدبية ترجمت 3 منها الى اللغة النرويجية وقصائد الى الكردية ولم تقتصر الإصدارات على الشعر فحسب بل على 3 روايات و 4 مجموعات قصصية قصيرة..  همٌ علمني شراكة الأسى ترسيك فوراً من العنوان على واقع مرير لكنه إنساني وهي تتناول لوحة القيم الإنسانية بمختلف أشكالها وعمق جوهرها ولا بد من القول أن التدرج في تناول الجدول الزمني لحالات التفرد بالموضوعيات شكلت هاجساً في تعقب الحالات الانفعالية بنتائجها الملموسة أحياناً والهلامية في الشكل لا في الجوهر أحياناً أخرى وبخاصة القصيدتين " نبوءة بحيرة الفكر في أحلام اليقظة " و " محاولات للدخول في يوم المحشر " فقصيدة نبوءة بحيرة..الخ تبدأ بمقطع يكاد أن يكون مدخلاً لمتاهات فكرية لكنها ملموسة، مقطع (نبوءة ترصد الدوران: هذا المقطع يدخلنا فوراً إلى فضاء الفكرة التي توصي بالبحث " لا شيء يوقف هذا الدوران/ لا شيء يُثَبت أو يمنع هذا التنوير/ ليس لهم طاقة في التوقيف/ إن كان لحين.. فالمطلق في الحركة/" البداية يعني بها الشاعر على الرغم من صور المتاهة فهو يرسم صورة لحركة الكون والمجتمع في آن واحد حيث يتداخل المرئي واللامرئي في عملية امتزاج وكأنها وحدة متراصة لكنها تتحرك بتطور الحركة نفسها المرئي الملموس لا يغيب اللاملموس بل العكس فه يظهره على أشكال هندسية كقاعدة للملموس " يدخل في الثالوث المبني خلف السور الرمزي في عرف التنجيم على أشخاص فيهم رائحة الأرض/ ورائحة الأمطار / ورائحة الأشجار/ ورائحة البحر / ورائحة الشمس على الكون فتبدو كل تلال البيت الوردي الممتد على الساحل كالخرز البنية في جوف الجب المظلم" أليس الشمس هي صاحبة ديمومة الحياة على من يحيط بها؟ وهي الملموس لقيم البقاء بينما يبقى العدم غير ملموس حتى يظهر في موت الأحياء في "الجب المظلم " وبعثرة الموجودات تحت طائلة التغيرات في الطبيعة.. المقطع في القصيدة يتصيد بهدوء تعاريج التناقضات فيمر على الحرب وقتل الإنسان الصانع للحرب وفق مصالحه الضيقة ويحلل مفهوم السلم " أليس طريق السلم طريق الخير بناء العقل؟" لكنه في الوقت نفسه يستنكر الحرب المتناقضة مع السلم " هذي الحرب الملعونة/ آلاف ضحايا من بلدي / تلك الحرب المجنونة / تٌثني أرجلها كي تشرب ماءً وتعود على مقربةٍ من سور البيت" بلده العراق الذي هو تحت طائلة ليس حرب واحدة بل حروب عديدة داخلية وخارجية قبل قيام الدولة العراقية الحديثة او قبلها الا ان هذه الحروب التي ادت الى تراجع في اطار كافة الصعد على جميع المستويات في عهد نظام البعث / صدام حسين تحولت الى مشروع طائفي اخذ يتغلغل وينتشر ليخلق وباء حرب جديدة في توجهاتها وقيمها اللاانسانية " الموت يدق الأبواب / القتل المتراس الثابت فوق الأعشاب/ الموت يلاحق حتى الحشرات" هو القتل الذي أصبح قانوناً حياتياً ترعاه عناصر الجحيم الوراثية على شكل لعنات " اللعنة قاموس الناموس/ أن تلعن من عمق القلب" يبدو ان الطرق وعر لا بل وعر جداً فالمصاب الذي شهده ويشاهده الناس هو تسلسل تاريخي صنع بحرفية والاستعانة بالأمثال عبارة عن زورق للنجاة من مستنقع التكرار" وجهٌ ممصوصٌ من جوع تاريخي ص7" هو لا يعني المفرد بل الجمع العام والوعي التاريخي " القتل زمان الحكمة ان تذبح كالكبش/ وَتَقشر كالمشاش/ احيناً قرباناً" إلا أن القربان يدعو التاريخ " إبراهيم القادم من أقصى العالم او من اور/ يلبس سروالاً أمريكياً / يعلك لباناً للفتوى/ ويقاتل في حرب ليس لها منفعة للناس/ ويقاتل في زمن السلم"، لابد من الاعتراف بعد التقصي ان الشاعر حاول جهد الامكان من الوصول الى حقيقة ان الوقوف سلبية يختلف عن التوقف للمعرفة ث م بعد ذلك " الدوران القادم محتوم بالحتمية/ دورانٌ في كل الابواب" ثم يواصل بدينامكية شعرية بعيدا عن التعقيد والطلسمية" الواقف اعزل/ الواقف لن يقبل بالحركة/ الواقف لا مستقبل فيه " ويقم شاعرنا الحل البسيط الذ يكمن بيد الانسان وبعقله وارادتها فيعلن " المستقبل للحركة / الدوران هو الغالب/ لكن في المشي الى قُدَّام".

الانتقال للمقطع الثاني من القصيدة " نبوءة الانتقال الى الرؤيا " عبارة عن سلسلة من حلقات مترابطة تكاد تحاكي التجربة الملازمة في البحث فيبدأ " مر الوقت ثقيلاً، احتاج النقلةْ/ حتى ساهم فيها.. عربونٌ من وعدٍ صار على مقربةٍ من رحلات العربات الليليةْ" النقلة بمعناها المجاز في تصور الرحلات الفكرية التي تحاول الانتقال من محطة الى اخرى كرحلات مرحية تريد الوصول الى الاهداف " - كيف هو الماء/ نغسل فيه خطايانا/ نركب فيه الرحلات/ نعبث بالغايات.. الماء سلالات ومسلات/ الطوفان على الأبواب/ كيف هي الرؤيا؟.. أبعادٌ في هندسة القادم" فكان الجواب الملموس على الرغم من رمزية الاستفسار التي تزيد من دهشة البحث وتصر المعرفة " - كيف تهيج الأمواج ونحن جلوسّ ! / كيف تهب الريح على مقياسٍ لا نتحركْ!" ويستمر المقطع في الانتقال ما بين البحث والتقصي وبين دهشة الرمز المنساق مع مفاصل المقطع الثاني فالانتقال يعني التوجه لحوار الاسئلة الحياتية المطروحة عن اصل الماء والتكوين، والطوفان الذي من اهدافه غسل الموجودات، ثم التمثل بالمخلوقات وجمال الموجودات البشرية " قال الصوفي - سيدتي بائعة الورد / أنت رقيقة كالغصنِ/ أنت عميقة كالجبِ/ أنت الزيتون الأخضر/ لونك لون العين/ وثناياك مثال البلسم للجرحِ ".. هذا البحث المفرط في الوصول الى اجوبة حار بها العقل الانساني بقى يلازم القصيدة بجميع مقاطعها ولم يتركها الا ليضع المسؤولية على المتلقي ان يجد ام يتوصل بقناعة الى الاجوبة ولو بشكل نسبي " - أن الوقت ثمين/ والتدقيق علامات التخزين/ التخزين قدوم للتسخين" الانتشار ليس في العقول فحسب بل في الموجودات "وانتشرتْ في الشوك زهورٌ حمراء/ لا شوك بدون الأزهار/ لا أزهار بدون الشوك البري/ الباقي من ركن الوقت/ هو محسوبْ/ الباقي من ركن العقل/ هو مكتوب/ الباقي من ذاك الأمل الباقي/ مرغوب" الانتقال من مزايا الاسئلة لنوع من الاجوبة تؤكده قدرة الشاعر في الكشف عن سبباً آخراً في عذاب الانسان " قالت حسناء الشاطئ - الجوع أساس الظلمِ، والجوع رفيق العتمة، ما من جوعٍ مر بلا أثرٍ، ما من جوعٍ كان بلا ماموث ملعونْ/ ماموث المال المتقنفذ/ حيث الآلاف تجوع.. حيث مزارع من حنطة ترمى في البحر المالح" لكن الانتظار يتجلى بفطرة الرؤيا للمعرفة " وبقى يونس في المركب/ ينتظر الإبحار إلى أقطاب الدنيا/ من كان يوازي النطفة في الرحم؟ يعبث بالأصل إلى الفصلِ/ المقاطع الاخرى تبقى تبحث وتشد القراء للوصول الى المعرفة كي يستطيعوا معرفة الحقيقة ولكي فعليك ان تصرخ لا تبقى تفكر بهدوء الى الابد " لكن الحكمة أن يستيقظ من أور/ ويقول تعلمنا من مجرى التاريخ/ التاريخ المصنوع بأيدي الناس " وبهذا التعلم ومعرفة القدرة الجماعية والفردية للتغيير تكون المحاولة الجادة " -  قولوا في صوتٍ واحد/ أن نستيقظ دون التأخير/ الفئران على الأبواب/ قرب المدن الموجوعةْ من راس المال وَكُتاب السلطان/ طغيان مواعظ في شكل فتاوى سرية" وهنا كان الجواب على الرغم من قصره لكن هو محاولة لتجذير فكرة القصيد بمقاطعها " قال الرجل الجالس قرب الزقورة - التاريخ المصنوع بجهد الناس/ قال الصوت المعلن - من  وعي الإنسان، يبنى المستقبل، تتحقق أحلام اليقظة، يتحقق حلم الإنسان/ قال الرجل الجالس قرب الزقورة - من  وعي الإنسان، يبنى المستقبل/ تتحقق أحلام اليقظة/ يتحقق حلم الإنسان".. لكن هل اكتفى الشاعر مصطفى غريب بهذه القصيدة للوصول لهدف الانسان الباحث عن في المستقبل او ما بعد الحيواة الدنيا ، هو لم يكتف بذلك والقصيدة الثانية دليل ايجابي على ما نقوله حيث صورها منذ البداية بالعنوان التالي.......

محاولات للدخول إلى يوم المحشر

- 1 -

في رزمة هذا الزمن المتوحش بالغدر،

تنام ذئاب القرية عند الأبواب،

لا تبرحها،

تأكل جيف الموجودات، تتأقلم قطعان الأغنام على مقرُبةٍ من ضوء القمر الشاحب،

في شكلٍ تهريجي،

حتى ترتاح من التجوالِ طويلاً، تبحثُ عن عشبٍ بين شعابِ الأرض الجرداء، الراعي الغائب من ضربةِ شمسٍ، يلبس درعاً من صوفٍ ابيض، لا يفهم في العلم، لا يفقه بالدين، لم يلمسْ امرأةً، ويراقب أفواه نساء القريةْ، تهمس أصوات القرية - لا تسأل عنا، نحن هنا في الدرب حفاة، نحلم بالأقمار السبعة، وبحارٍ لا أصل لها في الخارطةِ الأرضيةْ، نغرق في النسيانْ، حتى لا نتعذب من هجران، أو من مكر النصابين،

هم أفاقون ودجالون،

لا أخلاق ولا دين لهم،

وحثالات رجالٍ في الحيلةِ منصوبين،

وجرابيع رثةْ، تتكاثرُ في جحر الأشواكْ،

كان الراعي يتلظى من همس نساء القرية، يعرف أن الهمس خبيثْ، الهمس المتراخي المغموس دسيسةْ، الهمس المجذوب من الأطراف، فالوحدة بئرٌ مغموسٌ بالزئبقْ، لا قعر ولا قاع لهُ، كان يتابع طول الوقت، من عمرٍ يركض نحو مغيب العمر، هذا اللقلق حط على مئذنة الجامع، راح يضرب منقاراً يفتح شرخاً في الذاكرة المرعوبة، تتبادل أنثاه الموقع، تتحجل حتى لا تتّعب، وترف جنحاً واحدْ، الرجل الواقف عند جدار الجامع ، متحفز للتصريح ، متيقظ دوماً، متلصص أفواه النطق، يقرأ في الأعين، يعطي أدعيةً، الراعي يتحاشاه، يقلقه التحديق اللامرئي، لا يخشاه ويخشى نزف نزوح الروح، يتلفت في الغيم القادم من ناحية الشرق، الغيم القادم من خلف القمة، غيمٌ لا يمطر، إن أمطر لا ينفع زرعاً، هذا التخمين من الراعي " لا يمطر أو يمطر لا فرق"

لن تزهر أرضْ،

وتجف الأعين،

سيمر سحاب قاحلْ،

وسخام حادْ،

لا نقطة ماء تنزل،

ستجف الأرحامْ،

تنفق كل دواب الأرض،

يأتي زمنٌ يهرب منه الناس، زمنٌ في غيمٍ متطرف، همجٌ في الأصقاع، والأبواب على ألوان الأتربة ألحنيةْ، تغلق منذ الفجر، حتى منتصف الليل، لا أشواق هنا، وتنام ذئاب القرية في حجر الأصحاب، وتطوف عليهمْ أحلام اليقظة، في القرية نوحٌ يستيقظ مذعوراً من صوت هدير، ثم ينام ويشخرْ،رجل ألهَمَهُ الصوت، وغناءٌ لا يطربْ، قيثارٌ يرطن بالغيبِ، تحمله ريح الملح القادم من صوب المقبرة، الجدول علمٌ في نوع العطشِ، والبحث عن الماء ويكاد كما الحرث هواءْ، الرجل الواقف قدام الباب - الراعي المقصود بال على الكلب فلم ينبح، والراعي يتحصن في الدرع الصوفي، فأجاب الراعي

- إن بلتُ على الكلب وصار عقيماً، في الزرع بقايا ضرعٌ يلبس ثوب الشيطان، لا يلبس صوفاً مثلي، رأس الكلب على مقصلة التأجير.

قالتْ امرأةٌ - الشيطان الإنسان، الإنسان الشيطان، لا يغني من جوعٍ، ويزيد الحاجة، الأحجار زوايا أقوام مرتْ، كتبتْ تاريخ، مسحتْ تاريخ، خدعتْ تاريخ، ورثتْ تاريخ، وتواريخ من هليونٍ زورها العنوان، والأرض هدايا من نارْ، والأنهار خروج الأحياء من الأنفاق، وذئاب القرية لا تبرحْ، تنتظر الفرصة، الفرصة لا تأتي تكراراً، ومصادفة القانون الأول، من ينتظر الفرصة؟ الشيخ القائم في المحراب، وأنا في ركن البيت، الكلب العاقر بالقانون، الذئب النائم في حضن الأحباب، الراعي المغموس بنار الصوف، أو بالقمل الأسود؟ نوح المربوط إلى نخلة، نخلٌ عيط، لم يتحدث شيخ الجامع عن يومٍ محدود ، قال - الدنيا حشرٌ، والماء المالح قادمْ، وقبائل مخدوعة بالأصوات ، الركض حفاة، واللطم عراة، لا موسيقى تعزف، شررٌ من طبلٍ أجوف، تسقط في وسط الأقوام العزل قال الراعي ذو الدرع الصوفي

- وأنا ما ذنبي؟ فإذا كان القوم الندابين على موت منسي، وبقايا جثث تتحرك في بطئٍ محدود، الناس الناس الناس ..... ومقاصل منشورة في يوم الحشر،

قاطعه شيخ الجامع منتصراً، لقبائل جاءت لغة الأرقام، لقبائل مهزومةْ، زحفٌ وعثور ، أقدامٌ ونذور ، ونفوسٌ تسقط مهضومة، مثل العطش الصحراوي، جرداء من الفكر وجرداء الروح، وأشار الشيخ بعينيه، وضع اليسرى فوق الصدر، واليمنى كانت فوق الرأس - يا قومي أصحوا، الضجر القادم قاحل، ودمٌ يغلي في الموقد، ورعاف جاري، لا حل له إلا بالموعد، والتحليق محاولة أخرى، قد تنفعْ، أو لا تنفعْ.. نوح المربوط إلى نخلة عيط، أصبح أخرس أطرش أعمى،

كانتْ امرأة تلحف شمس الظهر، في يدها محراث معْوج الجبهة، واقفةٌ تتسمع ، قالت

- يا شيخ الجامع ، قومي عجزْ، عن فعل الحركةْ، زحفٌ وصريخ، انظر هذا المحراث، لن يحرث أرضا لكني أتمسك حتى الموت بهِ، التحديق محاولة مرصودة، قال الراعي

- لن اتعب، مادام لساني حراً، سأقاوم ذئب القرية حتى بالتحديق قالت - إن أنت رأيت الجمع الزاحف نحو الشرق فقل تلك علامةْ، قال الشيخ - والغرب الأقصى يحتاج نَداما، ولهذا كانت خطوات القوم ثقيلة، تتعثر بالحجر المصلوب على الباب، لكن تلك حكاية، وحكاية أخرى تعني ، أن الأبواب العلات، أبواب سجونٍ رقطاء، لتنام ذئاب القرية ، والناس جميع الأجناس قيام، من شرق الغربة ، وغرب القرية، وشمال النهر،طرفاً عند جيوب الجبل الخلفي،

أقوامٌ ماتتْ،

أقوامٌ ولدتْ،

أقوامٌ قدمتْ،

أقومٌ رحلتْ،

وكما تبدو أنت الباقي المرسوم على الجدران، وجدار الديوان، الأقوام المرهونة بالزحف، والسبع الجاثم فوق الجثةْ، سبعٌ فارغ، لا أنياب لهُ، ليس لهُ مخلبْ، قالت - لن نرجع في دنيا متخمة بالتفسير فقط، شدّتْ أطراف الجفنين وناح الشيخ طويلاً،

أقوامٌ تأكل أقواماً،

أقوامٌ تسلخ أقواماً

أقوامٌ عزلْ،

أقوامٌ تبحث عن مأوى,

أقوامٌ تبتلع الريح،

المحنة لا تكفي، حتى يتراضى الناس، المحنة تقتل في الناس الإحساس، المحنة في المعيوب، تظهر في وجهٍ آخر.

ـ 2 -

قَدَمتْ امرأةٌ من خلف التل، ذابلة العينين، ضامرة الخدين، يابسة البطن، حافية القدمين، ولها نهدين طويلينْ، وجه حرقته طقوس الصيف الحار، يدها اليمنى معوجة في التنور، واليسرى مثل المذراة الحنطية، قالت زاعقةً - الزحف الحالي، لن يبقي فينا أمل يرجى، الحشر سيدخل فينا الترتيب، فتراث الأمة لن يجدي، وتراث الأجداد هباء، كل تراثٍ لا يتواصلْ يصبح عنقاء، وفراق في الأرقام، والكبوة في الزحف القادم عنوان، وبنات قرى التهجيرْ، في الرايات نزوح المشوار، لن تسلم امرأة من إجهاض قادم، ورجال العفة في المشوار ضحايا التكبير، وثرايا تسقط من علين، وقوافل مرعوصة، رؤيا ويباس، وقرى مهجورة ، لا تسكنها الأقوام، ، لم يسلم هذا الحشد المتداعي، ضل طريقاً، وانتزعتْ منه إرادته، وتفشتْ فيه الأمراض، ونزوح ، وكأن قبائل مختلفة، صارتْ مثل الأشجار المفطومة مِن ماء، رؤيا وهروب، نامت في البحر شكوك، الشك قياس الألفة، ونزوح.. كيف يرى الشيخ كوابح صوتية، يُضحك لا يُبكي وقبائل تبحث عن موأى، تَبكي لا تَضحك ، وقبائل تأتي زحفاً، تَبكي لا تَضحكْ، وقبائل تجلس في الظل، الظل هو المؤوى، تَضحكُ من ضحك الشيخ ، التفت الشيخ لردم الفتنة - ها نحن ، البرد يمضغ أطراف أصابعنا، نَبكي لا نَضحكْ ، نَضحك لا نَبكي، المحنة مطلوبةْ، الثمن المطلوب ملايين من الأقوامْ، لنْ تصحو، ولتبقى الأمة، أشلاءٌ، أمواتٌ، أو خرفان العيد، القوم على مرمى حجر من إبليس، إبليس الكامن في الصورة، في ساعات الرزمة، وقبائلنا نحو البحر، محرومةْ، لن ينشق البحر، وقبائلنا نحو الحشر ، موسومةْ، الحشر بلا جنة، النارْ، النار وآخر في المشوار، قال الراعي - ورضيع الإبل، من كان على علمٍ بالأعلام، ودينك ديني، وقومك قومي مأخوذين، والرهبان على مقربة من بيت القدس، جوراً، هدموا البيت، أقاموا السور، وبقاء الهذيان، صلوات مهمومة، رد الرجل الواقف قدام القلعة - أدراج أسماء الباعة، مَنْ باع الوجدان؟ مَنْ ينكر أن الأرض عطاء؟ مَنْ يمكر مكريين ويعبد أوثان التقديس؟ صنم من تمر في شق عراق الملح، صنمٌ من أشلاء عراق الألم المضني، ورحيل، ونزوح، وركوب البحر، والسفن الطيارة، وظهور المنفى، وقبائل تصرف وقتاً أطول، لنزوح يومي، لنزوحٍ موهوم، لنزوحٍ نحو اليوم الموعود، أمحاولةٌ أخرى في الحشرِ.

- 3 -

الرجل القادم من ماضي التاريخ - نحن كما كنا، يا امرأة من طين ، وجهاً نالت منه الأيام، وطنين الرحلات، وجلسنا قدام الرب، ورضعنا من علقم، وبقشر الرمان، عالجنا جرحاً غائر، حتى العظم كسوناه رحيل، يوم الأزمات، وصراخ الأولاد طنين، ووقود ْ، وظلال القادم من ريح تعصف بالثالوث بعيد، ظلتْ في الركن المظلم مهملة.. لم يعرف شيخ القرية أن ذئاب السفرة عند الأبواب نيام، لكنْ.. بعيونٍ مفتوحة للنصف،

كان يراهن بالقول على نصرٍ في لغة التهديد،

نصرٌ مرهون

نصرُ موهوم

نصرٌ خاسر

نصرٌ كاذب،

نصرٌ تلفيقْ،

وإذا الحجة كانتْ في القول بأن حماة القوم لصوص، ومصابين بداء الكلب، يحتالون وجوهٍ مقلوبة، مَن يقتص من اللص إذا كان القانون سراب؟ والقوالون على الأفواه قيامْ، ويخطون شعاراتاً ثوريةْ، والقوادون على النصر كلاب مبحوحة، النصر لنا، ونزوح، وهروب، النصر لنا، قالت امرأةٌ - التدقيق محاولة مرسومة قال الشيخ - التحليق محاولة فردية، قال الراعي - كل محاولة لن تجدي، فذئاب القرية عند الأبواب، لا خارج لا داخل، ظلت جمهرة تتسمعْ تسأل أعمى قلب - ما هذا الصوت؟ صوت المدفع، أم صوت الرعدِ؟ هذي مدن محبوسة، أجساد معطوبة، من قال التحويل حزاماً؟ مَن منا يدخل يوم الحشر بلا استجداء؟ ما كان الوقت المستعجل أن يفعل فعل المنكر فينا، ونغيب عن الماضي، يتعطل فينا الحاضر، وشروق المستقبل كماشة، وشعاب الذاكرة المركونةْ، قطعة زيتٍ تطفو فوق الماء

قطعة زيتٍ تمشي فوق الماء.

مَنْ يأتي بعد الطوفان؟

مَنْ يعبر بيت الأشجان؟

مَنْ ينسى صوت السجان؟

قطعة زيتٍ تتكسر فوق الماءْ،

القرية أبواب مُحْكَمة، الشيخ الراعي، الرجل الساكن في الأبواق، ونساء القرية في الطابور، القومُ زرافاتٌ في التدجينْ، من يبحث عنهم؟ أرجال أنتم؟ أنساء كُنَ على مقربةٍ مِن مقصلة الوقت، مَنْ يسأل نفسه؟ كيف هي الدنيا ، يا امرأة من طين مفخور، يا رجلاً من قصدير متفحمْ، كيف هي الدنيا؟ في حال سعير، أطنينٌ هذا أم صوت رنين؟ وتنام القرية في صحنٍ من لحمٍ مشوي، والحشر على الأبواب، وذئابٌ رجعتْ، وكلابٌ في الظل تنام، ومحاولة أخرى، يرحل مَن في الطنبور، بحصانٍ أعرج، والبوق يدق، ومحاولة أخرى تهرب منهم يوم الحشر، فلا مهرب.. أيكون المهرب في التحويل؟.. أم في التحوير؟ أيكون المهرب في دق الإسفين؟ لن يدخل منكمْ لا رجلاً، لا امرأةً يوم الحشرِ، والأطفال عبيد التدقيق، قد يأتي يومٌ، ومحاولة أخرى ذات الوقت، وسؤال مبهم - مَنْ يخرج؟... مَنْ يعرف؟ لكنْ.. نوح المربوط إلى نخلة عيط..ما زال الأخرس والأطرش والأعمى.. مَنّْ يعرف! نوحٌ يسمعْ! أو ينظر! أو ينطق! أو يصرخ من ضجر العزلة!.. ومحاولة أخرى، مَنْ يخرج؟.. مَنْ يعرفْ؟ فليتقدم بالبرهان. قال الصوت المحبوس

- قطعة وجهٍ من وطني تأكلها الديدان، والباقي يتقسم للشيطان، يا قومي اصحوا،

يوم الحشر قريبْ

يوم الحشر رقيبْ

 

نضال العزاوي

 

 

في المثقف اليوم