قراءات نقدية

جماليّات الشّعر والولادة المتجدّدة

madona askarتطالعك جدوى عبود بديوان "ظلال أنثى" فارضة نفسها كشاعرة أوّلاً ثمّ كأنثى عارفة بقيمة الأنثى الرّفيعة، أي القيمة الإنسانيّة الأصيلة العارفة لقدرات الأنثى ومنزلتها. الشّعر عالم منكشف مستتر، قوامه المعرفة والعمق الفكري والرّوحي. ودخول هذا العالم أشبه بولادة تتجدّد كلّ لحظة ليمسيَ الشّاعر وليد اللّحظة الحاملة بريق الحبّ والحرّيّة والجمال.

في كلّ قصيدة من الدّيوان تتجدّد لغة جدوى عبّود الشّعريّة  من  جهة الغنى اللّغويّ المعجميّ، ومن جهة الفيض الشّعريّ المنسكب في الأبيات، والمنساب كالماء العذب. لغة شفيفة أنيقة تأسر القارئ ولا تربكه بمصطلحات غامضة مبهمة، بل ترتقي به بتعابير فخمة ولطيفة في آن، حتّى يستحيل الشّعر جمالاً مستساغاً جاذباً للعقل فيغنيه ويثقّفه، ومتعة للرّوح فيطيب لها أن تنهل من هذه القصائد الّتي تحجب في حناياها شاعرة تدرك أنّ الشّعر لغة تكتب نفسها ولا تٌنظم أو تُؤلّف.

تنثر الشّاعرة في قلب القارئ نبضات الوجدان والرّوح والذّاكرة، وتعبّر عن حزن نبيل يتمدّد في الدّيوان ليدغدغ قلبه ويحثّه على التّأمّل ما يرفع من شأن الشّعر ويرشد القارئ إلى إنسانيّته انطلاقاً من تجربة الشّاعرة. تحجب الشّاعرة نفسها في القصائد تارة وتظهرها طوراً. تفرض نفسها كأنثى متفرّدة ذات قيمة وقدرة على القرار حيناً، وتنسكب عذبة شفّافة أحياناً. ما يشكّل لوحة إنسانيّة تجتمع فيها مشاعر جدوى عبود وتطلّعاتها.

انتهجت الشّاعرة ترتيباً مميّزاً في "ظلال أنثى" يكشف للقارئ تدرّج المشاعر المرتبطة بالذّاكرة والحنين والشّوق ومفهوم الانتظار المفتوح على البدايات. كما استعانت بعناصر الطّبيعة لتلوذ في الحبّ والسلام والطمأنينة. وابتعدت قد الإمكان عن البوح الواضح ليحلّ مكانه الانفتاح على النّور الشّعري فتتشكّل معالم الكون الشّاعريّ الخاص بالشّاعرة متجليّاً بتعابير خاصّة تتحكّم بالشّكل والأسلوب والمضمون.

هكذا قدّمت الشّاعرة جدوى عبود ديوانها كعنصر جماليّ يتفاعل مع القارئ بفيض أحاسيسه ومشاعره. وللقارئ الكريم أن يسبر أغوار الشّاعرة حتّى يلقى ذاته بين طيّات الحروف، فيرى الشّاعرة المحتجبة في القصيد. 

مادونا عسكر/ لبنان

 

في المثقف اليوم