قراءات نقدية

حركة الرمز وفلسفة الإيحاء في رواية: مثلث الرافدين .. للأديبة سها جلال جودت

fahad aldokhiترتقي بك نفسك، وتنتعش الآمال في خلدك لتجد أثرا يداعب إحساسك وأنت تبحر مع موجات الزمن وتحتذي قاربا صغيرا، بنشوة تطوف حول هدف قد رسمته يداعب إحساسك حتى يخرجك بأقل خسارة من دائرة الصمت، بعد أن دعتك ذاتك الفضلى أن تروى غلتها،إذ لم يعد يؤرقك مافات على مكوثها الرتيب عبر سنوات خلت، وقد لونها الهم والضياع والغياب وما أحدثته الحروب من إنهيار في بنية المجتمعات، وما إنعكس على سلوك الإنسان حتى حيده عن مساره، وما مهد ذلك لحياة صعبة،قد لونتها المنافي والمدن القصية الجامدة، بعد أن ظل الوطن ذاكرة وجلة، مستباحة، والماضي كسيح معلول،وقد تصدر المشهد ذاته، بداية الألفية الثالثة،وكانت أرض الرافدين الوعاء الذي أثقله هذا الإنحدار، وتحطمت ركائزه وخارت قواه... سها جلال جودت، المرأة السورية، الحلبية النشأة، الكاتبة والتربوية العتيدة والتي تزين موهبتها بتعدد إتجاهاتها الأدبية، فهي تكتب القصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا، والرواية، والقصيدة، والنثيرة، والمقال، في العام 2007 كتبت روايتها الموسوعة وعنوانها (مثلث الرافدين)، يوم كنا ننتمي لجمعية أصدقاء اللغة العربية التي أسستها الأديبة سها، في حلب،هذه المدرسة التي تتلمذنا بها، وتدربنا على  أيديها لنعرف مكانة الحرف المشع في قاموس اللغة والموهبة والإبداع.. (تمتاز لغة الأديبة سها بالشاعرية والجاذبية والجمال مما يجعل القارئ يستمتع استمتاعا كبيرا، حيث أفرغت كل أحاسيسها وأفكارها ورؤاها  بلغة بلاغية غاية في الفصاحة والبيان)..الدكتور عبد الناصر مباركية، دراسة سيمائية، مركز النور للثقافة والإعلام...

لقد وظفت  الكاتبة عناصر الرواية بحداثتها حتى برزت معالم المدرسة الرمزية كمذهب من مذاهب السرد،ويعني الاشارة الى أثر التأويل في الجملة المستخدمة داخل النص وبتعبير ادق، الترميز الى الاشياء هو شحنها بدلالة أخرى، والمبتغى منه إشارة أخرى ضمن حركة النص (تشرع قلبك للرسائل المتوالية... أنت بحاجة إلى نصفك الآخر... نصف يكمل لوحة الحزن الناقصة... تفرد سطورك على شاشة بيضاء... تصلني الرسالة: "عندما كنت في المهرجان استوقفتني كلماتك سيدة المطر، كما بهرتني، شخصيتك الرائعة) الصفحة 12. ونستطيع ان نقول لايوجد عمل سردي قصصي او روائي يخلو من هذا الأثر، ويعتبر روح العمل وقلبه النابض وبخلاف ذلك، تعد الحكاية مادة إخبارية تقريرية وتفتقد الى العناصر المهمة  الأخرى لترتقي الى العمل الروائي الذي تتوفر فيه  عنصران إن لم نقل أكثر هما، الشد والجذب.. (لا أملك فائضاً من الوجد لأكتب عنه، ظلت علاقتي بك مجرد حلم، حديثك عن الاقتران، حولّني إلى أنثى قلقة وحالمة، لا أرى سوى رسائلك، ولا أتذكر سوى موعدك كل ليلة...

هل سيتحقق هذا الحلم، لأكون النورس الذي سيحلق فوق كتفك صباح مساء، أنثر روائح العشق الموصلي على فراشك البارد؟) الصفحة23 .. وحتى أن التطور التاريخي للرواية والقصه قد اخذ بعدا ديناميكيا واكب حركة التطور العالمي للأدب حتى أبتعدت قوانينها عن المنابع او المناهج الاساسية وخاصة عن الاعمال العربية التي سادت في القرن المنصرم في مصر وسوريا ولبنان والعراق التي إرتبطت بقاسم مشترك هو دور البطل أو رسم الحدث النهائي وامكانية التنبؤ به بعيدا عن التاويل وغالبا مايتابع المتلقي احداثها مثل سيناريو متحرك ومتفاعل مع عناصر العمل كلها اذ ان اللغة تعتبر امرا طبيعيا تقترب الى التقريرية او الاخبارية .

وما يميز رواية مثلث الرافدين، للإدبية سها جلال جودت، هوأن الزمن، والتاريخ كانا حاضرين بقوة،إذ إرتبطا بفترة زمنية هي سنوات إحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وقد رسمت معالم هذا الواقع بمهنية واضحة وإطلاع ممنهج على حيثيات وجود الأمريكان على الأرض العراقية كظاهرة جديدة في الألفية الثالثة، وماتبع ذلك من تغيير في بنى المجتمع النفسية والسلوكية والإنسانية وغسل ذاكرة المواطن وإجتثاث مفاهيم الإنتماء الى الوطن من خلال الإقصاء والإجتثاث الذي مورس ضده، وهذا نجده في كل التوظيفات التي قدمتها سها في متناول حديثها عن الواقع العراقي وكأنها سبرت أغوار مدنه وعاشت أحداثه، الأمر الذي أعطى للرواية حبكة وإقناع، ورصد آسر لحركة الناس اليومية ولكل مدينة فيه أعرافها وتقاليدها وكيفية تعاملها مع المحتل،إذ لم يكن الحدث الذي صنعته الروائية بأهمية من المكان بقدر الثيمات التي وفرت أجواءا مشدودة وناضجة أفضت الى سيناريو ممتع يعرض العلائق بين الناس من حوارات ممنهجة، ولقاءات وفرت الكثير من العناء للمتلقي أن يجد نفسه في خضم هذه الأحداث رقما معينا، ويحشر نفسه، كحالة تشبيه في متن هذه الرواية..

وعندما نتوغل  قريبا من هذا العمل الكبير رواية (مثلث الرافدين) التي جاءت بمائتي صفحة من القطع المتوسط،ونلامس المضامين الأساسية لفكرة القصة والتي تنتهي بخيانة الرجل الشاعر لحبيبته الأديبة الشاعرة والتي بنت آمالها على علاقة، قد نشأت خلال  مهرجان شعري سنوي يقام في بغداد، وكانت تمني نفسها ببناء عش الزوجية بسعادة وخاصة أن الحبيبين هما من النخبة المثقفة، وتأكد للشاعرة بعدئذ أن الرجل الشرقي مهما إرتقى في المراتب العلمية والأدبية، يبقى أسير ذكوريته وينجذب الى أية إمرأة تفتح له ولو زاوية من طريق ضيق للولوج الى عالمها وبذلك سيتخلى عن كل مبادئه، والشاعر،كان يرسم مشاعره بقصيدة..

(كيف استطعت أن تجعلني مطواعة لرياحين حبك؟ هل كتبتك قصيدة الحب؟ أمْ كتبتها أنت؟

كان عليّ أن أنساق وراء دفق مشاعرك أجاريها بأحلى وأعذب الكلام.. تفوقت على إرادتي، أذبت روحي على شموع شعرك، بلغة أعشق كل رنة حرف فيها) الصفحة43.وقد إستحال هذا الحوار لتأكيد ثورة العشق في داخلها الى قصيدة، يضيف فيها عبئا على نفسه ليعترف..

الاعتراف

سأغني باسمك كل ليلة

لأعبر حدود الضوء

والزمان

سنرقص الفالس

فوق جمر التوحد

لينسكب الندى من عشق عينيك

ويأخذ القمر لجينه من وهجك

فتخجل الشمس

دعيني أغور في أعماق هذا الصارخ الحزين

لأكتشف السر الغامض

في صوتك الأنثوي

يرعشني هذا البعيد القريب

يتشظى فيّ جنون الحرمان)..... الصفحة45

.

وما يهمنا هو الدلالة الرمزية والفلسفة الأيحائية التي تناولتها الكاتبة، حتى نلاحظ ان هناك منهجا رمزيا واضحا قد زين ملامح هذه الرواية، وحتى نخرج من الإطار التقليدي في القصص إذ أن أغلب الذين إشتغلوا على موضوع الرواية والحكاية الطويلة وخاصة في القرن المرتحل والى هذا الوقت قاموا بتأويل الاحداث داخل النص القصصي وتفسير منهج الرد فيها بشكل يفوق التصور حتى تميزت المفاخرة او الغرابة في طرح الموضوعات والحوارات وتزينها بلغة جميلة يوفر متعة أكثر وفائدة أدق وأشمل حتى يتحول المتلقي الى ناقد للعمل من خلال تفسيره للظاهرة أو للهدف النهائي من خلال تجميع كل الافكار المطروحة، وغالبا ما يقع تفسير وتحليل وترجمة هذه الافكار وفق الظروف المكانية والزمانية النفسية التي تحيط بالبيئة، يعني المحيط او الفلك الذي يدور فيه القارئ، حتى يفسر نظرته ومفهومه للحالة او الظاهرة  وهذا ما ذهبت اليه، الروائية سها جلال جودت، عندما وفرت تناسبا  واقعيا بين الظواهر المشتركة في العمل و خلقت بيئة صحيحة إستطاعت من خلالها ا، إسقاط ثقافتها وتجربتها الشعرية والتربوية على خارطة العمل،وقد نجد فضاءا مفتوحا ومتراميا في تشكيل الرؤى النهائية للعمل وفق ما ذكرناه وحتى المعتقد او الميل الشخصي والعامل الوظيفي، المهني نراه يسير بمرونة ويتنقل بين مشاهدها ..

إذا ليس بوسع القارئ، أوالمتلقي أن يلم بكل حيثيات هذه الرواية التي تنوعت مضامينها وتوزعت أدوارها على فئات مختلفة من شرائح متباينة في الرؤى، لهذا الإثراء الكبير في  المعلومات، والتي وظفت بلغة جميلة واضحة أستخدمت فيها كل الأجناس الأدبية، زينها خيال واسع خصب ودراية عالية ببيئة العمل وإحاطة محكمة بضوابط الحركة والأيقاع النفسي الذي إستحوذعلى مقدرات المتلقي وهو يتنقل بين أجزاءها، وقد تعالت فلسفة الأبداع والموهبة والتجربة للكاتبة أن تكون قريبة من ميوله، حتى يعتقد إنه جزء منها أو أحد أبطالها..

سها جلال جودت... في الميزان-

- عضو اتحاد الكتاب العرب

- عضو نادي التمثيل للفنون والآداب

- عضو جمعية العاديات

- عضو المكتب الفرعي للثقافة / فرع نقابة المعلمين

- عضو النادي الثقافي النسائي

- عضو في الاتحاد النسائي

- رئيس لجنة تحكيم المناظرات الثقافية لرواد فرع الطلائع- حلب

- رئيس لجنة تحكيم القصة لرواد فرع الطلائع - حلب

- تكتب القصة والقصة القصيرة جداً والرواية والخاطرة والمقالة وقصائد للطفل والقراءة الأدبية.

صدرت لها مجموعة قصصية عام 2001 بعنوان رجلٌ في المزاد عن دار الثريا

رواية السفر إلى حيث يبكي القمر، إصدارات اتحاد الكتاب العرب عام 2004

مجموعة قصصية بعنوان / دماء الفرس، مطبعة الأصيل حلب، عام 2005

مجموعة قصصية مشتركة لملتقى القصة القصيرة جداً بعنوان/ قطوف قلم جريء، حلب دار الثريا عام 2004

- حصلت على عدد من الجوائز في القصة، المرتبة الأولى عام 1998 اتحاد الكتاب العرب فرع حلب، المرتبة الثانية عام 1998 نقابة المعلمين حلب، جائزة البتاني عام 1998/ في القصة تنويه، والمرتبة الثانية في أدب الأطفال عام 2003 نقابة المعلمين حلب، وعام 2004 المرتبة الثالثة عن جائزة يوم القدس العالمي في القصة أيضاً. وعام 2005 جائزة عبد الباسط الصوفي للإبداع /حمص- سوريا.

شاركت في العديد من المهرجانات الثقافية

تنشر في الدوريات العربية والمحلية

المجلات: الرافد/ الشارقة – الثقافة /عمان- الموقف الأدبي- صوت فلسطين- رأس الخيمة / الإمارات- بناة الأجيال، المرأة العربية، حواء / مصر- أقلام جديدة / الأردن.

 

...............

المصدر: رواية (مثلث الرافدين).. سها جلال جودت، سوريا، حلب،الطبعة الأولى2007

 

في المثقف اليوم