قراءات نقدية

سيميائية الليل.. قراءة في رواية: ليل علي بابا الحزين لعبد الخالق الركابي

إن من اهم الأسلحة التي يتسلح بها أي كاتب او قاص او روائي او شاعر هي المرجعية الفكرية والثقافية المرتبطة بالذاكرة الرجعية للأحداث الماضية والحاضرة، ومدى القدرة على المزج بين الأثنين؛ لأنها-الذاكرة –سلاح مجاني يوظفه لحفر الأحداث الماضية واستخراج مطابقتها مع الحاضرة، وعدت الذاكرة مفتاح لفتح الكثير من الأبواب.

 وتحتاج الذاكرة المثمرة الى مكمل لها، يمثل العمود الرئيس لنموها وتطورها وهي الموهبة، فهل توفرت في رواية "ليل علي بابا الحزين"؟.

 نعم، حقق القاص والشاعر والروائي العراقي (عبد الخالق الركابي)، امتياز يحسب له بإزاء السلم التصاعدي في انتاج الفن السردي، نتلمس هذا عن طريق الموهبة التي رسمت حدود خارطة نتاجه الكتابي.

 ويمثل الواقع اليومي مادة خصبة نهضت عليها الكثير من الروايات والأعمال الأدبية عامة، وانتجت ادباً رفيع المستوى، بثقافة سردية امتلكت الموهبة والقدرة على احتضان الأحداث اليومية وتنسيقها بلغة سردية، ربطت احداث الماضي مع الحاضر، لنستنتج انه-الماضي- صورة مطورة لحاضر معاش، بأختلاف الحساب الرياضي لعدد السنوات.

سميائية (الليل)، دلالة مشحونة بالرموز، تحقق مفهوم التواصل بين طبقات المجتمع عامة، وتحقق المقصدية التي تدل عليها (دال، مدلول، قصد)،عنونة مباشرة وحدية، ولم يكتف بهذا فقط انما سعى الى ربطه بـ(الحزين)، ليحمل من الشجن الشيء الكثير.

 تعرض الروائي الى مناقشة قضية (العراق بين احتلالين)، ليحصد مطابقة الصورة بين كليهما بأختلاف الزمن.

 يسرد سيرة العراق الذاتية، منذ الأحتلال البريطاني وسعيه الى الدمار والتخريب والنهب، والأثارخاصة،الى عراق الحصار والجوع، وكيفية بيع اثاث المنزل، لحصد لقمة العيش، والتحولات للشخصيات من والى، فـ(يحيى) اسست الحرب له تجارة رابحة على حساب مصلحة الغير ونهب الثروات (الحواسم)، و(نجيب) تحول الى الأستاذ نجيب، (رياض) من الزي الزيتوني الى الزي الأسلامي،بعدما كان متخصص بتهريب الأثار الى ايران عن طريق (مغارة علي بابا)، (مي) و(بهجت) المتقلب الأزدواجي، كان ينقد النظام السابق، وعلاقته بالحزبين،وانتهاء العلاقة بينهما؛لأنها لاتتحمل منظر المدرعات .

 ناقشت ايضاً واقع هجرة الطائفة المسيحية، واشكالية الهوية التي شتت اوصال هذه الطوائف العراقية، والتي تمثل جزء من ثقافته وحضارته.

ايديولوجيا الثقافة العراقية، وماحصل لمكتبات شارع الرشيد،وهي صورة لماضي العراق عندما تحول الماء الى سيميائية اللون الأزرق بعدما رميت جُل المؤلفات في المياه، عمليات التخريب لأي بلد تبدأ من تهشيم الثقافة والتراث الحضاري له.

اتقن الروائي مثلثه المتساوي الأضلاع:

الأول: الخروج من المغارة، سقوط بغداد واحداث النهب والسرقة.

الثاني:افتح ياسمسم،ارشيف طويل يسرد فيه حكايات الماضي والحاضر، وهذا مايفسر تناصه مع (علي بابا)، وهي حكاية قديمة يعرفها القاصي والداني.

الثالث: مذكرات (هارولد أكس وزير الداخلية في عهد الرئيس الأمريكي روزفلت)، وكشف الخطط التي كانت تدبر للعراق منذ نشوب الحرب العالمية، والى اليوم، فقد ابتلى بسلسلة حروب طويلة.

 وأتقن الروائي عنونته ؛لأنه عمد الى ربط الماضي والحكاية المعروف (علي بابا والاربعين حرامي)، و(علي بابا الجديد) الذي اطلقه الأحتلال الأمريكي على عمليات مايعرف بـ(الحواسم) والنهب والسلب الذي فتت ومزق الكثير من حضارات ومؤسسات العراق عامة، بعملية حسابية ذكي مزج بين الأسمين ليوظف عنونة روايته(ليل علي بابا الحزين)، وخصه بـ(الليل+الحزين)؛ لأن الحزن يشتد في الظلام والليل؛ وانتمائه لبلاد الرافدين فحزنه على سكون دجلة والفرات، وليالي ابو نؤاس، وقصص الف ليلة وليلى، وقصائد السياب، ونازك الملائكة...الخ، اجده عمد الى هذه السيميائية –الليل-المكبدة بالدلالة على الشجن، وشدة استأصال الحزن.

 أخيرأ، أن ماكتب ويكتب من نتاجات سردية هي هوية كاتبها اولاً، والمجتمع ثانياً؛ لأنها خطت متنها من واقعه المعاش، واسس الكاتب عن طريقه-الواقع المعاش-لغة سردية ناطقة بتحولاته السياسية، والأجتماعية، ومناقشة اوضاعه عامة، وهذا دليل على اننا قليلاً مانرصد روايات تحاكي سيرة ذاتية؛ لأنها-الرواية- وظفت متنها لخدمة غاية المجتمع اولاً، وقد ابدعت الروايات العراقية بمناقشة المجتمع وقضاياه.

 

 بقلم: وسن مرشد

 

في المثقف اليوم