قراءات نقدية

الدهشة.. قراءة في رواية: شبيه الخنزير لوارد بدر السالم

انحصر مفهوم الأسطورة ضمن نطاق المجتمعات البدائية، من دون السعي الى مزجها بالحاضر، وأسس الحاضر بناء اسطورته من نتاجات الماضي، وافكاره، ليغدق نصه الجديد بتناصات الماضي .

 وعمدت الكثير من النتاجات المعاصرة الى استيراد مضمونها-الأسطورة- ودمجها ضمن نتاجاتهم، وحقق الأبداع الكتابي امتيازه عندما استمد هذه الثيمة المثمرة الواهبة، التي تعطي من دون مقابل، ليشع نتاجاً مثمراً عن طريقها.

 ولم يعد المتن الروائي ذاك المتن المقيد بقواعد وأسس ثابتة، وهذا التغيّر في الخروج عن القيود اسس له هوية ذاتية، تناقش وتتمرد على الظواهر والسلوكيات الضاغطة عليها كمتن كتابي اولاً، وعلى المجتمع ثانياً، فاذا تحرر المؤلف من القيود الضاغطة وتمرد عليها، انتج نصاً بعيداً عن الرتابة، من هنا تحول المتن السردي المحامي المجاني لقضايا المجتمع والكاتب، واصبحنا لا نحتاج الى محامي قانوني، ولانحتاج الى اعمال ميزانية لتسديد اقساطه-المحامي-، وتحمل اسلوب المدعي العام ؛لأن الرواية هي الحقل الفكري الناطق بلسان الغيّر.

 يؤسس العنوان، توقفاً مفاجئاً، ويحقق الدهشة والغرائبية؛ لإنه لم يقل (الخنزير)، انما (شبيه الخنزير)، وهذا يفسر أنه لم يخص الحيوان-الخنزير- المذموم، والناهي النص القرآني عن اكله، انما خص شيء يشبه الخنزير، أي أن هناك حالة تحول من والى.

 وهذا يعني أن الرواية قد حققت جانباً من الأسطورة ؛ لأنها صيغت بعنونة تحقق التعجب والأستفهام، وهي-الأسطورة- الباعث الأول للغة الأعمال الأدبية؛لأنها تحمل الجزء الأوفر من عنصر المتخيل .

 نكتشف أن (لازم) البطل الراوي هو من حقق مطابقة العنونة، إذ تحول من الإنسان الى (شبيه الخنزير)، بمعنى انسان بهيئة ومواصفات حيوان، و(لازم) صورة مطابقة لـ (غريغور) بطل رواية (المسخ) لـ (كافكا)، فالروائي أسس تناصاً مباشراً مع الرواية في الفكرة فقط؛ لأن (غريغور) كان يعاني من ظلم الأسرة بالدرجة الأولى، بينما(لازم) عانى من اشكاليات عدّة، منها سياسية، وتقلبات المجتمع، لتتكبد الرواية مسؤولية النقد المبطن لجُل الممارسات الضاغطة.

 وحدد المكان في (الأهوار) جنوب العراق، وهي مباشرة من الروائي؛ لأن جنوب العراق عشائري بأمتياز، يمنع مثل هذه التشبيهات، لكن هناك رغبة ذاتية مبطنة للروائي عندما خص الجنوب والأهوار من دون محافظات العراق، التورية تكمن في النقد السياسي المبطن الرافض للمارسات الضاغطة، وكل ثورة تنبع من الجنوب، وهي اشارة اذاً الى شجاعتهم .

 اما الزمان فجاء بعكس المكان، فقد جاء مفتوحاً وممتداً الى ما لانهاية، بمعنى انهم اهل ثورات ومن غير الممكن حصر زمان ثوراتهم وانتهائها.

والشخصيات (سليمة - زوجة لازم)، و(الملا ناصر)، ...الخ، هؤلاء شخصيات اعتيادية لم تنل التحول الذي ناله (لازم).

 الفنتازيا، والفانتاستك، والعجائبية، سيطرت على بنية النص السردي، اضافة الى الدهشة والمفاجئة من بداية العنوان، والى نهاية المتن السردي.

اما النقد السياسي المبطن فقد كان له الحظ الأوفر في الكتابة .

أضيف، الرواية العراقية حققت امتيازها على كافة الأصعدة والنتاجات الكتابية، وتسلمت مهمة شاقة، عندما خصصت متنها السردي لمناقشة الواقع وقضايا المجتمع، والتمرد على الممارسات الضاغطة جميعها.

 

بقلم: وسن مرشد

 

 

في المثقف اليوم