قراءات نقدية

غربة الوطن وغربة الروح في حب شديد اللهجة

اشرف الخريبيهذا وطني، محمد أصبح ً شيخا في خيمة َ شاب ُ عمرُه َ وانسلب.. عائدة َ لأفتح َ شباك بيتي للنور للفرح لكل ِ مناضل، للثرى مهري وثوب زفافي المزركش بالذهب

عداله جرادات، تنهي ديوانها البديع "حب شديد اللهجة" بهذه العبارة الأثرة التي تلخص مشكلة أجيال من المغتربين الفلسطينيين الذين يريدون العودة الي أوطانهم بعد كل هذه السنوات من الغربة والاغتراب، قضية تحمل طيات الديوان الذي يعالج قضايا الواقع بتشكيلها الشعري ولغتها الخلابة بموقف انساني كى يبرز جمالها من خلال الصورة الشعرية المحلقة في فضاء الغربة والاغتراب فترى الكتابة تتحرك عند حد التوجه بالخطاب الأدبي إلى موقفها السياسي تتحد فيه مع لغتها وموقفها من الواقع أو تقفز فوق هذه اللحظات أحيانا بصورها وصوتها الرومانسي المشع بالبراءة والعذوبة وتتجادل مع وقائع ما يدور في معزوفة الجدائل أو حناء القيود ، بينما تعود مرة أخري لقضاياها الرئيسية (اتركوا الشعب) هنا في وحدة للنص تعلو فوق المشهد الشعري اعتمادا على آليات الفن بالإيحاء والغموض والرمز وباعتبار التدفق الشعري رابط بين المادي والمعنوي يقيم تشكيلات الشعور ويحيل الألوان الى أحاديتها ويصنع من عودة الزمان والمكان بعدا قياسيا جديدا لحالة النص كى يبقى مُتوهجا مليئا بالدهشة.

ولعل ذلك الحصار (حصار الغربة في المكان وحصار الروح) يبقي بكل أبديته وانفعاله وجبروته وتظل الشاعرة تحاول الخروج من دائرة ذلك الحصار الواقع\ اليوم \ المأزوم لتخرج لنا معان وقيم إنسانية نبيلة متفقة مع اطروحاته وأفكارها في تحولاتها الشعرية ومواقفها الانسانية لتطرح أزمته بوضوح في (شباك للفرح) فتسعى النصوص مع رومانسية الاداء إلى تحقيق موقف صدامي مع الواقع بأزمته وقضاياه العالقة في مواجهة الذات الحاسمة وفي إعادة ترتيب هذا الواقع بعنوان صادم يحمل النقضين (حب ..شديد اللهجة) ليجمع بين الانساني في مشاعر الحب بكل هدوئها وروعتها والغضب من العجز في تحقيق حلم العودة الي الوطن وشديد اللهجة كموقف سياسي ساخر ، ليس مجرد رصد للتجربة الحياتية بل اعلاءً للموقف الفكري مع تتبع المفردات والجمل والصور الشعرية التي تحيل لقضيتها الاساسية، متسقة مع دلالة الطرح التي تنسجم مع المفردات في ماديتها وهمسها دون صخب، كي يتسلل إلى نفوسنا بحميمة وصدق. مليء بالانفعال عبر صورة شعرية هادئة كهدوء الموسيقى الناعمة، ترصد صورة ثرية الدلالة هادئة الإيقاع عذبة المفردات،

تعمل عناصر هذا الديوان علي تشكيل مشهد شعري مكتمل الجوانب، مُهتم برسم صور حية ونابضة للواقع و للذات باغترابها ضمن منظومة كاملة من العلامات والاشارات التي تبقي في مواجهة مُستمرة مع الواقع ومع الفعل الإنساني، تصنع الشعرية موجات متتالية من التدفق الشعوري، مرتبطة بعتبات النصوص دوما تخلق منها مساحات مضيئة عبر تشكيلها الشعري " لغتي تعاتبها الأبجدية تنهش ربيع أصفر الخدين غبي الملامح تتعثر على عتباتِه سمرة طفل ينطق حروف الضاد"، فيظل النص منذ عتبة العنوان يكشف طوال الوقت هذه الأعماق الدلالية ويقدم صورة شعرية بلغة ثاقبة شديدة اللهجة ولكنها انسانية المعني رغم إيقاعها وصوتها الصارخ لصالح قضاياها الانسانية والسياسية

هذه النصوص الشعرية ترفض القيود المرصودة للسيطرة عليها، وكأنها في ثورتها الدائمة ترفض هذه النمطية فتفرز نصوص (قرابين الحنايا – للنيل عشق الروح – حضور- القدر- حناء القيود ...الخ) للثورة على نمطية الشعر والثورة على نمطية الحياة، غير أنها رغم ذلك تعتمل بمشاعر جياشة تفيض بعذوبة الشاعري والانساني في مواجهة مستمرة مع السياسي وقضايا الواقع العالقة بلا حلول نهائية

تمنح النصوص هذا الألق الشعري بعيد الأثر، في حين تشير بلغة شديدة اللهجة إلي موقف الذات المترقب للحظات الممكنة وحلول ممكنة واحلام ممكنة، والمتشابكة مع قضايا الواقع، لقد شكلت المواقف السياسية باستمرار الفعل الشعري وأعطته أبعادا دلالية بما توحي من تحرر وحركية دائمة في النصوص، تمنح مزيدا من المحاولات للخروج من بوتقة الغربة والاغتراب، من منطقه الثابت إلي تحولات شعرية تحمل مزيجا من المراوحة لكون الشعر حالة من التعبير عن هموم الانسان والذات \ النواة التي ترتكز عليها في بناءها الشعري عبر كل قصائد الديوان، ، وبما يحيل من أبعاد ها الرمزية والإيحاءات الدلالية وهي تطمح إلي التدفق الخيالي والتشكيل البلاغي والرمزي علاوة عن توظيف المكون السياسي والذات الانسانية في الجمل الشعرية ، وتشكل الأبعاد الرمزية على كافة المستويات، فتتسم الرؤيا الشعرية في هذا الديوان بحضورها الانساني عبر تفعيل عنصر الذات بشكل مكثف متداخلا مع الواقع وقضاياه، عبر ديوان، (حب شديد اللهجة)

 

اشرف الخريبي - روائي وناقد مصري

 

 

في المثقف اليوم