قراءات نقدية

تأملات سريعة في قصص زينب ساطع

صالح الرزوقزينب ساطع عباس من الأسماء الواعدة في مجال القصة القصيرة. ولكن هذا لا يعني أنها تكتب قصة بالمعنى المعروف الكلمة، إنما هي تقتحم دائرة طالما انتشرت في الستينيات من القرن الماضي، وأبرز معالمها غياب الشخصية الواضحة، اختصار الأحداث والفعل الجمالي، تكثيف اللغة واعتمادها على المجاز، وزيادة جرعة القلق دون موضوع محدد ومباشر.

تأتي زينب ساطع كجزء لا يتجزأ من معنى القصة النسوية. فهي تمتلئ بالعاطفة وتنظر بعينيها إلى داخل شخصية افتراضية نادرا ما يكون لها اسم أو صفات. ودائما تكون في حالة مخاض وشك إما بالذات أو الموضوع.

وهنا يطيب لي تقديم مداخلة عابرة.

الذات في هذه القصص هي مجاز أو إحالة، لأنها تدل على فكرة أكثر مما تدل على موضع نفس شخصي من الوجود. بمعنى أنها لا تعكس موضع القاصة من مجتمعها ولا معنى هذا الوجود كما تراه وتعايشه وإنما تركز على المحرضات والدوافع. مثلا لماذا يرفض الرجل المرأة المطلقة في قصة (قراران). ولماذا تهرب بطلة (شمعدانات من رسائل) من شريك حياتها وهكذا..

وهي تؤجل الشرح والتبرير إلى النهاية لتلعب بمثابة:

١- خاتمة مباغتة، و ٢- فلاش باك يذكرنا بأسلوب بداية الحكاية، و٣- نقطة تنوير توضح و تنقل العقدة أو الحبكة إلى معنى إدراك.

بوجيز العبارة إنها تبني قصصها بشكل معكوس مثل كل الأساليب الحديثة. تضع العقدة أولا، ثم المقدمة، لتبرير ضرورة الحدث، ودور كل شخصية من الشخصيات، ثم تنتهي بنقطة تنوير.

أما الموضوع فهو أشبه بخيال، لأن الواقع عند زينب ساطع إدراك وليس تصورات أو محاكاة. وإذا كانت هناك سطوح عاكسة فهي مجرد عدسة موجهة للداخل، لمتابعة الهياج النفسي والمعاناة مع الوجدان، وليس لرؤية الظاهر فقط (كما في قصة عدسة الأمل). إن الموضوع في المجموعة هو أي شيء يتحرك بحرية ونعتقد أنه موجود بذاته وبشكل مستقل عن إرادتنا، وكمثال على ذلك البيت والأب ورموز وعلامات المجتمع الميتافيزيقي أو القهري.

وتحمل زينب ساطع كل بصمات دستويفسكي في معالجة الموضوعات والعقدة. فهي تنفصل عن واقعها الخارجي وتوفر لنفسها عزلة نسبية من شروط الحياة والواقع، وتدخل إلى داخل شرنقة حياتها الخاصة.

ولذلك تكتمل شروط بناء الشخصية من خلال مونولوج فردي، ويعلو صوت النفس المفكرة وانعكاسات تلك الأفكار على الحواس. وهذا أسلوب متبع ومعروف عند النساء أكثر من الرجال.

وفي أدبنا الحديث مجموعة نماذج من هذا النوع. وإذا كانت البداية من غادة السمان وليلى بعلبكي وكوليت خوري (فلسفة الأظافر الطويلة التي تعادي المجتمع وتعلي من شأن الذات وألمها وصراعها ضد الواقع) فإن هناك نماذج منضبطة وأليفة تعيش لحظة الفاجع من خلال تنمية ورعاية الأسباب. فالمرأة تحمل صخرة سيزيف لأنها أنقى

وعليها فروض تستوجب الطاعة، وليس لأنها إنسان مكتوب عليه الاستسلام لمصيره وأقداره.

وهذا يضاعف من عذابها.

من رموز النمط الثاني أليس إلياس القاصة الشابة التي لم يمهلها القدر لتقديم سوى تجربة يتيمة صدرت في دمشق، وقمر كيلاني مؤلفة (اعترافات امرأة صغيرة) و(امرأة من خزف) وسوى ذلك. وفي هذه القصص لا نرى أي نوع من الاحتجاج أو التمرد، ولكن ما يشبه سلوك تضميد الجراح والتعايش مع المحنة وانتظار اللحظة المناسبة لإلغاء الأثر. لا توجد هنا أطافر طويلة ولا سياسة تكسير واحتجاج، ولكن عتاب صامت فقط.

وأعتقد أن زينب ساطع من هذا النوع أيضا مع جماليات أخلاقية شفافة فرضها فهمها لمعنى اللغة والمرأة وفن القصة.

وربما هي على أبواب تقديم أفضل خلاصة ممكنة لهذا النوع من الكتابة.

 

صالح الرزوق

 

في المثقف اليوم