قراءات نقدية
قراءة أدبية في كتاب: شهياٌ كفراق للروائية الكبيرة أحلام مستغانمي
آخر ما أبدعت الروائية الكبيرة سيدة الرواية العربية الأديبة أحلام مستغانمي: (شهيا كفراق) كتابها الجديد، تحكي أحلام مستغانمي قصة رجل لوّعه الفراق، ففقد ثقته في الحب من الأساس. رجل غامض يتقرب من الكاتبة، بطلة القصة، ويخاطبها بكلماتٍ ليست سوى كلماتها. جملٌ سبق وقالتها لكاميليا، ملهمة كتاب (نسيان كوم) الذي حقق أعلى المبيعات... والاهتمام من طرف القراء .
من هو هذا الرجل وماذا يريد منها؟
كالعادة، تحملنا أحلام إلى كالعادة، تحملنا أحلام إلى عوالم العشق المثيرة وألاعيب القدر الخبيثة.
تقول احلام: (أحلام مستغانمي عن رواية شهيا كفراق: إن كتابى الجديد شهيا كفراق موجه للعقول، ويحمل حبًا، وأوجاع الوطن العربى؛ لأننى لم أشْفَ من عروبتى، كما أشارت الكاتبة إلى أنها كتبته حتى تتخلص من أوجاعها)
كيف لا وهي من كتبت عن الحب واستطاعت ان تملك قلوب الملايين، ويعقل اننا نزرع الحب ونحصد الوجع، هي اوجاع الوطن التي لا تغادرنا، ولا تترك مكانا للحب في قولبنا، تتطرق احلام الى هذا العالم الافتراضي الذي اصبح يسطوا على بيوتنا ويجبرنا ان نتجه نحوا العولمة، في كل شئ،حيث تقول:
(هذا زمان الوصفات الجاهزة: كيف تصبح ثريا، كيف تغدو سعيدا، كيف تتقن الطبخ، كف تتعلم الانجليزية، كيف تقوي جهاز مناعتك، كيف تدير وقتك، كيف تفوز بقلب حبيبتك، كيف تختار وجهتك، وتوظب حقيبة ذاكرتك. كيف تكون شخصا محبوبا. كيف تكسب جبالا من الحسنات في دقائق، وتخسر كيلوغرامات من الدهو في أسبوع، كيف تكسب المزيد من الأصدقاء في حسابك، وكيف تستعد لآخرتك ويوم حساب.. وكيف تغدو خبيرا في شؤون القلب وشجونه، وتقلباته وجنونه، ولا تبكي ولا تشقى بعد اليوم بسبب أحد.)
هنا يجد الانسان نفسه يجري وراء الدنيا، وربما لا يمكنه أن يتذوق حلاوتها الحقيقة،جسما توصلوا اليها العلماء، سياتي يوماً أن يسافر الانسان الى لعالم يجلس على طاولة الغداء مع اصدقاء افتراضيين، ويستمتع بالمكان وهو جالس أمام حاسوبه ....
في هذا الكتاب أيضًا صفحات من ذكريات أحلام الكاتبة والإنسانة، تسردها لأول مرة على القارئ. ذكريات طريفة عاشتها مع قامات عاصرتهم مثل نزار قباني وغازي القصيبي، وأخرى عائلية خصة فيه أيضًا أبطال رواياتها، علاقتها بهم وبالكتابة، فراقها لهم بعد كل، كتاب، ولقاؤها المتجدد مع الكتابة بعد كل حين.
كل ذلك بالأسلوب الممتع المكثّف سريداً الذي عوّدتنا عليه، وبالمحتوى الزاخر بقصصها وقصص الآخرين وهمومهم وهواجسهم إن كانت عاطفية أو اجتماعية أو وطنية.
عوالم العشق المثيرة وألاعيب القدر الخبيثة، حيث تحاكي لنا عن ابطال في اشهر الروايات التي كان لها تاثيراً كبيراً ونجاحا عبر العالم كقصة، {زوربا اليواناني} للكاتب الكبير الامريكي ارنست إمينغوايا } والتي انتجت فلم هلويديا لقى نجاحا كبيرا، الى فيلم، كان من اشهر الافلام عبر التاريخ،
في هذا الكتاب أيضًا صفحات من ذكريات أحلام، وخاصة تجربتها الرائعة مع قرائها عبر صفحتها على الفيس بوك ...
{شهّياً كفراق} هو ايضا عنوان متناقض يثير الدهشة والتطفل والتطلع لما يحمل عمقه من رسالة طويلة لهذه الحياة التعيسة المفرحة الظالمة القاسية، الشائبة الوارفة في القلوب، الخائنة للعواطف، التي تتعلق بها القلوب، تفرعها الى سابع سماء من الحلم الجميل والحب والحياة الجميلة الشهية المليئة بالملذات، فتغدر بالقلوب فتهوا بها إلى سابع أرض من الظلمات، حياة المرأة بعد الستين حين يخونها الحب ويغيب الشباب عن ربيع العمر، ويبقى القلب متعلقا الا بالذكريات الحالمة التي تغر القلب فرحاُ ...
(شهياً كفراق) كل ليلة أقرأ منه بعض الصفحات فتقول لي أحلام لا تتوقفي واصلي القراءة، غوصي بعمق في قلب الانثى القوية التي كتبت تاريخا من الصمود، في وجه الاعاصير التي تضرب القلب العاشق، الخائف من الزمن، المتناقض للحياة الرافض للظلم تلك هي الاشياء الخفية الذكية التي نقراها في مرآة احلام التي تعكس لنا حياة انثى بعمر الضياء، تهزم الالم وتفرش الدروب فرحاً، حتى لا يقال عنها انها الانثى الضعيفة التي تستسلم في اول وهلة لعاطفة الرجل، ذكرني هذا العمل الرائع بنضال الاديبة الكبيرة غادة السمان، التي حاربت الظلم وقهر الرجال للمرأة، استمتعت بهذا العالم الجديد من الابداع الذي تعتبر الروائية أحلام مستغانمي أبدعت فيه وأتقنت وتفننت في خلق نوع جديد من الادب العربي، الذي سيكون ميلاده يحمل افكاراً جديدة فريدة من نوعها عبر تاريخ الادب العربي، رغم أن سبقتها اليه الروائية الاديبة الكبيرة غادة السمان بنفس السخرية، والجرأة الكبيرة في وصف حقائق المجتمع الرجولي والتهميش والتخلف الذي تعيشه المرأة العربية،في صراعات عقائدية وأعراف لا يريد المجتمع الخروج منها، بحجة اننا نعيش في بيئة عربية مسلمة لا فرار منها، الا أنهما يختلفان في الكثير من الاتجاهات والأفكار والزمكان الذي يمد للأخر وجهة نظر محايدة ومستقلة في فنيات الإبداع.
الكتاب عبارة على أنثروبولوجيا لحياة الانسان الذي يتعلق بقشة هشة فارغة اسمها الحب، هذا الحب الذي يدوم حسب تحليلات الروائية احلام مستغانمي وينشأ هذا الحب بين قلبين وحقيقة عمره الا ثلاثة سنوات فقط ؟ حسب تعبيرها، و تقول أحلام في الصفحة 11: (انتبه أيها المسافر، قد يأتي الحبّ كرفيق مصادفة، ثمَ تفاجأ به يلازمك . اترك له مقعداً شاغراً جوارك، كي يستدلّ عليك وسط الزحام . ذالك أنهُ يصل عندما نكون مزدحماً بكل شيء عداه) ... هكذا هو الحب يأتي للذين منشغلين بأشياء أخرى، وللذين لا ينتظرونه لكنه يغيب عن القلوب المشتاقة اليه ... هو تحليل منطيقي صحيح يعبر لحظات الحب العابرة كما كنا نشاهدها في افلام هوليود، وقصص الحب العربية التي يبقى فيها البطل بلحم بلفاء حبيبته وفي النهاية يموت البطل، ويخلد الحب في قصص ليس لها نهاية، الحب الذي يلد بين قلبين عبر رحلة طويلة في القطار أو الطائرة، والكل يتعلق بقلب الاخر ويحلم بأن يستمر هذا الحب، لكنه ينتهي بمجرد انتهاء الرحلة، والكل يذهب الى حياته الخاصة، حيث يستنتج القارئ من هذا الكتاب أن الحب طفلٌ يلد صغيراً ويموت صغيراً وتبقى الالام في القلوب ونبقى نبحث عنه وهو يهرب منا، وأحيانا يأتي والقلوب مثقلة بالآهات والآلام والاحتياجات لحياتنا اليومية، وأحيانا الفقر هو من يكون السبب في موت الحب العصري، لان متطلبات الحياة أصبحت جد مكلفة وباهظة الثمن،فنظرة الحب اليوم اختلفت، تبحث فيه المرأة عن الماديات قبل الاحاسيس المرهفة التي تثقل القلب، وتهينه لأنه حب بصدق، فيهرب الحب من الفقر، كما كتبت أنا ذات يوما قصيدة عنوانها {للفقراء حبٌ مؤجلُ} والتي أثارت جدلا كبيراً بين النقاد والقراء كيف للفقراء أن يؤجل حبهم ..
تقول احلام : (لست هنا لأنني أمتلك وصفة أو أجوبة، بل لأنني كاتبة، فالكتابة هي ما أتقنه حقا. لطالما على مدى عمر، كتبت كثيرا عن العواطف في تضادها، وفي ذهابها وإيابها، عن علو الأحاسيس وانهياراتها، عن النفس البشرية وتناقضاتها بين واحب الحكمة ونوازع الأهواء، عن تلك الأسهم النارية التي ترافق ميلاد الشاعر، وعن انطفاء حرائق اللهفة، ورماد النهايات وموت الكلمات، واحتضار الأمل على مرأى من الأمنيات..
أصبت غالبا وحد أن أخطأت، وما زلت أتأمل في دهاليز النفس البشرية ومتاهاتها. فللكاتب واجب تأملي تجاه المشاعر، ما دامت العاطفة هي ما يحكم الناس في الحياة، وما يحرك الأبطال في الروايات… المصدر: رواية شهيا كفراق للكاتبة أحلام مستغانمي.
كتاب يستحق الاهتمام فهو جدير بالقراءة لما يحمه من عمق في الابداع،وتقرى الفكرة الجدية ف يذهن احلام انها عندما تريد الكتابة تعود الى قاعدة الابداع وتغلق كل صفحتها على شبكة التواصل الاجتماعي، كي ترتب ابجديات الحروف وتبدع أكثر بعيدا عن التكنولوجيات الحديثة، وتسامر ابطال روايتها الجدد، هنا ندرك أن الابداع روحي وواقعي ينبع من عمق الذات .
- شهياً كفراق، للكاتبة أحلام مستغانمي
- نوفمبر 2018
سليمة ملّيزي