قراءات نقدية

شعرية المجاز وسحرية الإستعارة في نصوص الشاعرة ياسمينة حسيبي

ظاهر حبيب الكلابيتتشكل الصورة الشعرية عند الشاعرة ياسمينة حسيبي من خلال بناء الأستعارة المتقنة والمجاز القائم على صنعة اللغة المدهشة والعلائق الموحية التي تمكن النص الشعري من فعلية التواصل

والتأثير مع المتلقي فكثيرا ماتميل الشاعرة في نصوصها في التعويل على الأستعارة المخاتلة

والمجاز الذي لايغادر الحقيقة بل تكون الحقيقة متماهية في صورة المجاز وأنزياحاته الدالة التي لايمكن الغور في تفاصيلها وتموجاتها الدلالية الا عبر وجود مستويات متخيلة من البديهيات والنمطيات والفرضيات التي تعوٌل الشاعرة عليها بأعتبارها المتكأ والمشترك الإدراكي بينها كونها صانعة جمال ونص ابداعي وبين المتلقي الذي إعتاد عند قراءة نصوص الشاعرة ياسمينة حسيبي على الوقوف عند نسق لغوي مجازي ينطلق من سلطة الأنا الشاعرة متقنة النص في انزياحاته

وفي تجاذبات الجدل القائم بين طرفي كونية النص في جمال البوح بين الحقيقة والمجاز عبر لغة ضمير المتكلم حيث كانت السيادة في أغلب نصوص الشاعرة عبر ضمير المتكلم بأعتباره ضميرا ساردا كلي العلم

في نصوصها الشعرية ومنها هذا النص لكون التعويل على هذا الضمير يشير الى هيمنة الرؤية الذاتيةومدى قدرة الشاعرة بل حاجتها الضاجة بالصراخ ومن قدرتها على الكشف والبوح والتغيير لأنها متأكدة من صدقية

رؤيتها ورجاحة يقينياتها الروحية والمعرفية فهي لاتقترب بلغتها الشعرية من اليومي الساكن الذي يفترضه نسق التقرير والمباشرة فمن خلال عتبة العنوان القصيدة ..فساتين الروح ..الذي يشي ان الشاعرة صنعت قوالب جاهزة لمفردات الكون الوجودية والمتخيلة ولكن هل من السهل والمتيسر للشاعرة ان تقولب الروح وهي من أمر ربي وسر مطوي عن الخلق ومع ان الملفوظ الأول هو فساتين والأنثى كثيرا ماتنشغل بمظهرها الخارجي وفساتينها بألوانها الزاهية وتصاميمها الرائعة وهي فساتين للجسد فما يكون شغلها الشاغل لو كانت تلك الفساتين للروح وقد غابت عن إدراكنا ماهية هذه الروح فكيف تمكنت الشاعرة من صياغة فستانا يليق

بالروح وهي مستغرقة في ضبابيتها وتمردها تقول الشاعرة.......

سافرة القلب لما أزل أتزين بدمي

فالشاعرة أدمنت في صنعة المجاز المتقن الذي تتكأ عليه في إلباس ملفوظاتها علاقات جديدة تتسم

بالأشراق والأضاءة والدهشة فبعد ان عرجت في متخيلها الشعري من فساتين الروح الى أنها كاشفة النقاب عن جوهرها وسافرة القلب لما تزل تتزين بدمها حيث القلب مضخة الدم في الجسد النامي وان زينتها تكتمل بحركة الدم ونبض الوجود ودفق الحياة فالقلب بديمومة دفقه ونبضه يموج الجسد بالحركة والحياة والدفق فالشاعرة تتشاغل بالحركة الداخلية وجمالياتها حيث عملت على إظهار الباطن الجواني في اشتغالات الجسد وهي تعمل بسلطة الروح وليس للكائن من سلطة على مافي أحشاء جسده

وماعلينا الا ان نتزين مع الشاعرة

بجوانيات حياتنا الدافقةبالحركة والنماء لتنتقل صور المجاز الى المقطع الآخر لترسم بقولها صورة ..كعروس القش تزفني دخنة الحريق ..

فذا جسدي قيد شرط يكبلني ..

حيث تواصل الشاعرة سردياتها الشعرية وعبر ضمير المتكلم الذي يسرد لنا تحولات الذات الراصدة لعوالمها الباطنية والظاهرية فهي اليوم كعروس تمنحها دخنة الحرائق غواية الجسد الذي تعاني منه قيدا

للسلب يمنعها من الخروج للأتحاد بالروح ...

وذي أضلعي لاتستقيم الا في الميل .. ولو صح أمري

لأمسكت بيد الجمر في محاريب الرهبان ....

وتلمست صوت امي في رجفة الشفاه....

ولكن هيهات وقد تصدع زجاج الروح ... .

تعاود الشاعرة ارتياد جماليات

الأستعارة بمجازاتها في مشاكسة الجسد ومراودة تمايلاته في صورة الأضلاع المائلة حيث تتمنى الشاعرة ان تثنى لها الوسادة لتخرج ثائرة على هشاشة الواقع وبلادة اليومي وتحديها اي الشاعرة في كسر قوالب الجمود وان دفعت الى مسك الجمر في محاريب الرهبان ودخناتهم الروحية

وتمكنت بسطوتها الروحية من

إستعادةصور الماضي ومنحه

طاقة الكشف في تلمس صوت الأم عبر محاريب الشفاه ولكنها رغبات تصدعت بتصدع زجاج الروح حيث تعاود الشاعرة تشييء الروح وتجسيمها وقولبتها لتتمكن من تصويرها وإلباسها فساتين البوح أو جعلها مرايا للكشف تتصدع قواريرها

بفعل الألم والجدب والخواء بفعل الجدب الزاحف من صناع الفشل والعقم في أركان المعمورة ثم تقول الشاعرة........

وغدا القلب أبكماً منعقد اللسان

وقالوا.. خيامه الهوى .

قلت أكدس فاخر الوهم في جيوبي ....

وأتغسل نحوب الشعر لأغرق من أحداقي ...

وبما يكفي من الصبر

أتلبسني جلدا وجلدا

وأتوسع ملء رئتي في السعال.

تعاود الشاعرة تجلياتها الباطنية

فضمير المتكلم هو الذي تكفل شجون الحكاية الشعرية بوصف مسهب وتدرج يتقمص محنة الروح والجسد فترصد القلب أبكماً قد انعقد لسانه وحيثما يعقد لسان القلب يعقد لسان الحياة عن التعبير بالنبض والجمال والأنتماء فالقلب له دلالة الوجود والديمومة وللشاعرة وخيالها الشعري نصيب

في رصد ذلك الشحوب والجدب في الجسد واليابسة التي تشكل بصمة الوطن والأنتماء عبر مجازاتها الشعرية وأنزياحاتها التي تتشرنق حول محورين الروح المتصدعة في الجسد

والوطن المباع في مزادات المصالح والمفاسد فالوطن هو الجسد في محنة الفقد والوطن هو الذكرى في محنة الغربة والمتاهة والجسد هو السجن الصغير للروح المكتنز بالسعال والغثيان حيث تعود الشاعرة الى حوارية مع الآخر عبر دوال

قالوا...وقلت عبر حوارية لأجل إضفاء حركية مشهدية تتماهى لأشراك من هم هناك في لعبة الكشف والتفسير .

قالوا خيامه الهوى ..في نعت القلب والشاعرة تجيب بقناعة

المستبصر العارف الذي سبر حقائق الوجود بقولها ...

أكدس فاخر الوهم في جيوبي .

فحين يكون القلب معقود اللسان

بسبب القرف والخواء فأنه لايمنح تجليات البوح الجمالي فهو عند الشاعرة محطة لتجميع

الأوهام وتصٌيد الفراغ والتعويل

على غرف الآلم والمواجع من جمر المدامع وتغتسل نحوب الشعر وان الشاعرة تلبست مايكفيها من الصبر الذي غلف الروح جلدا وجلدا فكان الصبر

الفساتين المفروضة بألوانه الداكنة بالسعال والغثيان الذي طاف على رئتيها زفرات توجع ومرارة وأسىً لتواصل زحف توجعاتها

المحكية بوهج الشعر وكثافة الدلالة المتخمة بالرؤية الشعرية

عبر دلالات الصور العابرة للواقع

يقول باشلار . .الخيال ليس ملكة تشكيل صور الواقع انما هو ملكة تشكيل الصور التي تتجاوز الواقع التي تغير الواقع .انه ملكة

تتجاوز وتفوق الطبيعة الأنسانية.

حيث عملت الشاعرة على اعادة

انتاج تلك الصور بتجديدها وإملاكها صيرورة تتجاوز مفاهيمها الواقعية وتمتلك قدرة جديدة في التأثير وتخليق الدهشة .

ان سعال الشاعرة في تجاويف الألم يكفي لفطامها وعزلتها وان العشق الحقيقي والأنتماء الحقيقي في تشبيه محازي كحليب الأم فمن ثدييها ..الأم...الحقيقة النقاء.

فهي تذرر الضوء في عيوب الكون تظهير . الكون هش كالحلوى . . ورخو كنسج العنكبوت ...حتى المرايا المتلونة

 فخاخ عين للوجوه ..وبين الحسك والحرير ..تدلى صوت الضمير من مشنقة ..فقالوا ثورة تحللت جثتها قبل الدفن ... ووطن تساقط من ثقوب الجيوب ..ومازلت وقد بلغت مني عتيا .. أطوف حول كعبة الجسد ..عارية النبض .. أستدفيء على جمرة القلب..

أتعلم كيف أخيط من ساف الريح خياما للآجئين .

من السطور المقتبسة من نص الشاعرة تتجلى حالات الأنزياح عبر مسارب المجاز وإشتغال دلالات الصور الجديدة التي ألبستها الشاعرة بمهارة مسمياتها

عبر نسق الكشف والتعريف فالكون هش كالحلوى ورخو كنسج العنكبوت الصورتان متطابقتان بالدلالة الجوانية والبرانية بالضعف والخواء فالصور اختزلتها الشاعرة من إنعكاسات الهشاشة على الفرد وعلى الشاعرة الذي لم يشغلها شاغل سوى السؤال الوجودي الذي يؤرق الشاعرة وجودا ومصيرا من خلال كتاباتها الشعرية فهي لاتدعو لمصالحة

جوفاء مع تداعيات السؤال الوجودي بقدر مشاركتها الوجدانية في الكشف والتغيير لمواجهة زحف الفراغ وإنعقاد القلوب عن الحب والرغبة والأنتماء اذ أضحى هذا الوجود

بمراياه المتلونة بتلون الرغبات والمصالح الى فخاخ للضياع والمتاهة والقطيعة حيث تطيح بالوجوه في فخاخ المجهول ويبقى صوت الشاعرة الراصد للزيف يترنح بين مرارة هذا الواقع ونعومة جلده كجلد الأفعى وشفيف الحرير فأنساب صوت الضمير يجتاز قنطرة المشانق كدلالة للصمت وخنق الحرية ولكن الشاعرة متصالحة

مع ذاتها متوافقة مع يقينياتها الجديدة وقد تمثلت المصالحة على تلمسها دلالات الخواء والجدب والسؤال عن الموت حينما يكون شاهدا بوصفه تجليا

ملموسا لصور الخواء والعقم في

كينونة الكون وإندفع هذا الخواء نحو الكائن

لينكشف عبرضمير الشاعرة العليم بخفايا الأمور بقولها... ثورة تحللت جثتها قبل الدفن فهي رحلة الشاعرة في بحثها عن وطنها الذي تساقط من ثقوب الجيوب وهي صورة مؤلمة حينما يودع الوطن ويختزل كمصالح ومغانم تحصدها جيوب الفساد والمصالح الضيقة .ولكن الشاعرة تواصل تحديها ورحلتها وطوافها عبر كعبة الجسد عارية النبض ولكنها تستمدالحياة والدفء من وهج القلب وجمرة العشق للحياة والوطن والأنسان

فهي تعلمت كيف تراود الخوف

وأن تدفع بالموت الى مثواه الأخير تشتاق لوجودها المكتنز بالدفء والحركة والنبض المفجر لطاقات البقاء والنقاء في غربتها وعزلتها . تظهير . وأشتاق ليدي قبل إقترافها للتلويح . .وأشتاق لأنا التي كنت قبلي .. قبل ان تنصب الثورة شباكها لأحلامي ..

وقبل ان يبيع الوطن وقاره في المزاد .. أشتاق لأنا المأخوذة بجذوة النار تحت الثلوج .

ان تأمل المقاطع السابقة للنص الشعري يشير الى إشكاليتين أساسيتين أسهمتا بشكل واخر في تحولات الرؤية القاتمة عند الشاعرة ياسمينة حسيبي أولهما الشوق والعودة للماضي والتمسك بماضي الأنا قبل الفجيعة ووقوع الزيف وحصول الخديعة بالتلويح للفاسد و قبل الوقوع في مخالب الحيتان الجائعة للثراء والترف والخواء

 وثانيهما العودة والحنين لخلاص الوطن من المتاهة وقبضة الزيف اليومي ومتاهات المصالح وتفصيل الأوطان على مقاسات المصالح والسياسة والجيوب الخالية من حب الوطن والولاء للأنسان والقضية

فمع الشاعرة بأحلامها الشرعية او لنقل أحلام يقظتها قبل المتاهة والضياع فمع حلم اليقظة تصبح العلاقة بين الشاعر وعالمة علاقة أئتلاف وتمهي حيث تنصهر الشاعرة بأحلامها وعالمها ووطنها في بوتقة واحدة ويصير كل منهما مرآة لتجليات الآخر كما يؤكد باشلار نقلا عن كتاب جماليات الصورة د غادة الامام ... بقوله ان الصور الشعرية ترتبط بأفق أحلام اليقظة المادية التي تسبق التأمل . وفي مقطع جديد تواصل الشاعرة إستعارات الأدانة

لواقع القرف والزيف حيث تلوح للقاريء عبر سيناريو صوري متخم بالمأساة والفجيعة .تظهير

عن سبات يستحي أهل الكهف

عن إياد أدمنت غدر التصفيق

وعن ضوء تعفن من رطوبة المكان ... أقف خلف مضارب دمي لأخيط جرحا بجرح

أهرقني في العمر وأضع التعب شالا على أكتافي ..

واينما وليت وجهي تلفحني جروحي... أمشي على مجرى دمي لا أهتدي لا أصلني لا أصلني .. وفساتين الروح احترقت كلها في الأنتظار ..  .

عبر مرثية التوجع ورثاء الروح والجسد حيث تعمل الصورة بأتصالها االفني والجمالي على الغور الى المعنى الخفي والمتجلي عبر مراثي الروح والوطن والأتصال الحالم للشاعرة بصنعة الخيال لكي تنفذ

بحلم يقظتها الى باطن الصورة لدرء الفجيعة وخياطة الجراح بالجراح فهي تسرد حكاية اهراقها وجودا وكينونة في مخالب العمر والحياة القاسية لتصنع من المتاعب شالاً للرفعة والسمو للمكابرة وان لفحتها نيران الجراح ستمضي بعزيمتها على دروب دمها المراق لعلها تصل أولا تصل تهتدي أولاتهتدي فالأمر سيان عند الشاعرة بعد حلول غاشية الألم وسعير الجراحات بالأسى والمرارة لأن فساتين الروح احترقت من سعير وهجير الإنتظار الذي لم يشكل مروره خلاصا ولادوامه ملاذا من الفقد والألم والحرمان.

 

الناقد ظاهر حبيب الكلابي

 

في المثقف اليوم