قراءات نقدية

الثورات العربية ونسق الهايكو العربي

عباس محمد عمارةفي المقدمة سوف نفترض أن مايجري على الساحة السياسية العربية من ثورات وانتفاضات بين فترة وأخرى. مذ بداية الألفية الثالثة هوعبارة عن نسق هايكوي، نسبة إلى قصيدة الهايكو العربية . وما يحتويه هذا النسق من مكونات أساسية في بنية القصيدة وبنية الحراكالسياسي والاجتماعي والثقافي في المجتمعات العربية. لعل أبرزها المشهدية (الصورة) والمجاز والإنسنة وفصول السنة والزمن والألوانوالتلاص (التناص). أغلب ما يحدث في ساحات الاعتصام والانتفاضات والثورات مشاهد متنوعة ومكررة احيانا. هنالك مشهد أو  مشهديةتتكون من فكرتين (صورتين). المشهد الأول يتضمن جيل الشباب والموظفين والمسحوقين والأدباء والفنانين والطلاب وأغلب شرائح المجتمعالفقيرة والمهمشة في الحياة والحرية. الحركة هنا تضم اللوحات التالية :رفع الإعلام، حرق الإطارات، هتافات، شعارات مناهضة للحكومات،غاز مسيل للدموع، حجارة، خراطيم مياة ساخنة، سيارات إسعاف ومكافحة الشغب، اسلاك شائكة.حواجز أسمنتية...إلخ والمشهد الثانييحتوي على الوعود الحكومية، خطابات السلطة، حظر التجوال، اعتقالات، قطع الانترنيت، إعلان حالة الطوارئ. العقلية العربية تحب وترفعمن قيمة المجاز والاستعارة والخطابة هذه الوظيفة يقوم بها طبقة رجال الدين الموالين للسلطة من خلال فبركة مجرى الأحداث لصالح طبقتهمالبرجوازية والراسمالية بإمكانهم تحريم شئ تافه (مثلا لعبة إلكترونية) وفي نفس الوقت الدفاع عن الطغاة والحكومات بما يخدم مصالحهمالاقتصادية والدينية الضيقة.استغلال الظمأ الديني عند الإنسان من قبلهم. يقابله الظمأ الأدبي (الشعري) ورفض الانساق المغلقة لا تعبر عنمعاناة ووجود الإنسان الفعلي (القصيدة العمودية رمز للسلطة المركزية، قصيدة النثر انفتاح على الاخر (الغرب، الهايكو العودة المتأخرةللشرق).السلطات والحكومات تحاول في كل الأحوال أحداث قطع أو قطيعة بين مطالب المواطنين (الشعوب) وبين التشكيك بهذه المطالب(مؤامرة خارجية، مخربين، عملاء، مندسين، تجاوز القوانين). عملية القطع الهدف منها التلاعب والتشويش عن الصورة الحقيقية للمتظاهرينوالثوار . فصول السنة عنصر غير ضروري في قصيدة الهايكو الحديثة. الثورة والمعارضة والتغيير  تحدث في اي وقت من الأوقات. لكنهاربما تتاجج في فصل الصيف بسبب حرارة الطقس المرتفعة والتي تزيد من انفعالية وغضب الإنسان ضد الظلم والفساد والطغيان. أمابالنسبة للإنسة في قصيدة الهايكو، فهي فعل غير مرغوب فيه  من الشاعر. تدخل غير مشروع ومبرر  ولا عفوي في بناء القصيدة الهايكوية. مايقابل كل ذلك في السياسة القنوات الفضائية والصحافة الحكومية والإعلام الرسمي والأدباء والفنانين الموالين للسلطة. وظيفتهم بناء وترقيعوتزييف المشهدية (الواقع المتمرد أو الصورة الموضوعية) لصالح الطبقة الحاكمة (مصدر القوة).الزمن في الثورة لتغيير الحاضر(السيء). وفي قصيدة الهايكو للأحتفاء بالحاضر (الطبيعة والطبيعة الإنسانية). تلعب الألوان دور مهم عبر دلالات مختلفة. الألوان الطاغيةفي الثورات، اللون الأحمر (الدم والنار) واللون الأسود (دخان الإطارات والحرائق). واللون الرمادي (الغازات المسيلة للدموع، حواجزكونكيرتية). اللون الأصفر (وجوه المتظاهرين، الشوارع، أوراق الأشجار).كما توجد الوان مخفية منها الألوان الخضراء (المناطق الآمنة) واللونالأبيض (اكفان الشهداء، الضمادات اليدوية) واللون الوردي (لون الأحلام التي لم تتحقق). السرقات في الحكومات يقابله (التلاص فيالأدب). فالحكومات ومن يمثلها هي التي تقوم بعملية السرقة والنهب وهي التي أوصلت أوطانها إلى مرحلة الفقر والبطالة والجوع. ما يقابلهفي الأدب ومنها نصوص الهايكو، سرقة النصوص وتدويرها إلى ما لا نهاية. لكن في نهاية المطاف يوجد نص نواة، بنيت عليه  وأستنسختعليه بقية النصوص. الشعوب تعرف من يسرقها وينهب خيراتها. في الختام هنالك بنى تحتية تقف في طريق التقدم والازدهار أمام نجاحالثورات العربية. كذلك الهايكو العربي يعيش مرحلة تجريبية يقل فيها الوعي المعرفي بتقنيات هذا النوع الشعري الجديد في عالمنا العربيالآن.

 

عباس محمد عمارة

 

في المثقف اليوم