قراءات نقدية

ثنائية متناقضة.. قراءة في رواية: الذباب والزمرد لكريم العبيدي

جاء المتن السردي لرواية (الذباب والزمرد) مفسراً، وشارحاً لعنوان الغلاف الروائي؛ لأن العنوان كالجاذب المانع، أي بمعنى انه ملفتاً للقراءة، ومانعاً لها.

الزمرد: مفردة باعثة للقراءة، ومشجعة لها، أما الذباب: فجاءت مفردة متناقضة مع الزمرد، ولم يكتف بذلك فقط، بل جعل الغلاف الرئيس للرواية يحمل ايقونة الذباب، بهيئة ذبابة سوداء كبيرة، محاطة باسلاك شائكة، تحت خلفية خضراء، وهذا الخضار هو صورة للأرادة، للأزدهار، للحياة، التي سنكتشف معناها من قراءة الرواية، ورمزية كل من (الذباب، والزمرد).

فـ ( الذباب) : هو الشعب المنكوب،وهو رمز العبيد،وهو ماعمدت الرواية إلى تأكيده بالقول: " يأتي المساء إلى هناك هرماً قبيحاً، يتوكأ على عكاز يتلمس له الوحشة والضجر كي يقشطها بخبث عن كل أماسي مدن الدنيا وينثرهما على رؤوسنا" .

اشار لخلفية الغلاف باللون الأخضر؛ لأنه شعب محب للحياة، ومقاوم للظلم والطغاة، على الرغم من كثرتهم" وها أنا يا ازيريه في اتون الحصار أعاصر السموم واليورانيوم والسرطانات والتشوهات الخلقية واشهر هجرة إلى بلاد المهجر . أنا ابن مفردات الحصة التموينية الشحيحة، انا خطية يا ازيرية مزقتني الحروب والسواتر وعيون القتلى "، فالجوع، والفقر هو من حول العالم -الإنسان- إلى صورة مطابقة لصورة الذباب..

و(الزمرد): الحجر الكريم الراقي، ذا الشأن المرتفع، وهو صورة السلطة الطاغية، التي اتخذت لوجودها مركزاً  موازياً، لقيمة الزمرد.

الرواية نسيج مترابط مع بعضه، لينتج نصاً سردياً متكاملاً، منها الصوت، والصورة،و القضية، والنقد،و الكاريزما، والشخصيات، والسيرة الذاتية، والذاكرة، جاء فيها" كل قوارب نجاتنا مازالت مشغولة بالصدمة، والنهر يجري سريعاً يا ازيرية، والضفة الاخرى تبدو بعيدة. بعيدة جداً".

خص االسرد بمحافظة (البصرة)، وهي  عنصر اساسي في تقديم الحدث الروائي، وهو من الاساسيات التي لايمكن أن يتخلى عنها اي متن سردي؛ لأنه- المتن السردي- المحيط الذي تعيش فيه احداث الرواية، وهو السارد الاول للشخصية، وتبعاتها النفسية، فالمكان يختلف من منطقة لأخرى، فاذا جاء المكان راقياً نشأت الشخصيات موازية لرقية مكانها، والعكس هو الصحيح، لذا لا يمكن الاستغناء عن المكان في اي متن سردي، والذي يشكل مع الفضاء، والحوار، والصور، والقضايا السردية، شبكة متكاملة، لنسج قضية سردي، اتخذت من الواقع الأجتماعي اساساً لبناء حاضنها السردي.

الشخصيات جاءت بمسميات غير متداولة بكثرة في واقعنا المعاش، وهي مسميات موازية لمسمى المتن السردي، وهم (اوسم الشهيد، شفيق الخصيباوي، كمرة ضحية الزمرد، نيرون)، وهذا الأخير رمز الطغاة الذي يتسلى بمشاهدة عبيده وهم يتقاتلون حتى الموت، اي بمعنى أنه صراع للمتعة الذاتية .

اول صراع سجلته السردية هو صراع الشرطة مع الحرامية، ليشكل هذا الصراع مفتاحاً اولياَ لقراءة المتن السردي، وليعرض أحداث الرواية جميعها، بزمان ومكان معلومين.

منزلة الشرطي كانت في الأسفل دائماً، ويرتفع الحرامي عليها، وهي لعبة انقلابية معاشة بحقيقتها في واقعنا المعاش، وبالاخص عندما قدمت صورة الوطن الجحيم المنقلب على ابنائه، وقميص (أوسم) تناص رمزي مع قميص النبي (يوسف)، فكلاهما شاهد إدانة لظلم معاش، وصورة للحث على احياء حياة من دون(ذباب)، بلغة شعرية وسردية عالية.

أضيف، أن الأمل هو المفتاح الذي ختمت به الرواية متنها؛ لأن الظلم إلى زوال .

 

بقلم: د. وسن مرشد

 

في المثقف اليوم