قراءات نقدية

المألوف واللامتوقع في: "زوجة تنين أخضر لروعة سنبل"

اسراء العكراويتخلق الإشارات التي تتقدم النصوص الأدبية توقعات يضمرها القارئ، ويظل باحثاً عنها وهو يتفحص المجموعة القصصية أو الشعرية، فمن منا لم يبحث عن ظلال العناوين في الكتب في محاولة لبلوغ الغور الذي يريد الكاتب اطلاعنا عليه بطريقته؟

وبين يدي مجموعة (روعة سنبل) القصصية (زوجة تنين أخضر وحكايات ملونة أخرى) لا أخفيكم سرّاً أني توقعت أن تحدثنا القاصة عن معاناة زوجة التنين الذي يشكل رمزاً مرعباً التصق بذاكرتنا ونحن صغار عبر مشاهدتنا لصورة هذا الكائن في أفلام الكارتون أو أفلام الخيال والأساطير، ولكن (روعة) أدهشتنا بكسر أفق التوقع بإضاءتها عالماً لم نفكر بوجوده، يكون فيه التنين المخيف ذو الرؤوس الثلاثة عاشقاً ومعشوقاً أيضاً، ويكون الفارس المخلّص قاتلا وغاصبا!

أما الجزء الثاني من العنوان وهو (وحكايات ملونة أخرى) فتوقعت أن الكاتبة تقصد ب(ملونة) منوعة، لكني فوجئت بهيمنة اللون على هيكلية المجموعة كلها وأن هذا العنوان لم يأتِ للتجميل بل للإيضاح كلافتة تشير إلى شيء أو مكان لا نتنبه له حتى لحظة وقوفنا عليه.

وقد احتفظ كل لون في المجموعة بخواصه التي يوحي بها والتي انطبعت على شكل حكايات ملونة تندرج ضمن خانة ألوان (اسود، احمر، اخضر، ازرق، ابيض) جاءت مشابهة لعناوين فصول داخل هذا الكتاب .

في سرد روعة سحر خاص فهي تجذبنا باحتفاظها بذهنية طفولية ربما، ترتسم فيها الأشكال والأشياء على نسق حكايا الجدّات التي تملأ خيال الأطفال بالصور، ولم تخفِ (روعة) ذلك إذ ظهر تعلقها بالرسوم المتحركة وما فيها من سحر باستحضارها لشخصيات من مثل (علاء الدين، وريبانزل)، وتتخذ من الأحلام جسراً لتمزج هذه الصور بالواقع فكثيرا ما كان (أبطال القصص) يعيشون أحلاما أو يسردونها علينا، واستطاعت عبر هذا الجسر أن تظهر الواقع جلياً، وتضع أصابعها على نقاط حرجة في ذهن كثير من البشر وحاجاتهم، إذ إن الأحلام في غالبها _كما يؤكد علماء النفس_  مرآة تعكس صورا في العقل اللاواعي للإنسان!!

لكنها ما أن تحملنا معها في كل حلم محلقين عاليا حتى تسقطنا على صخرة صلدة من صخور الواقع، فتفجر الصدمة أو تفتح ثغر الدهشة فينا بمنظر موجع هو الحقيقة التي يعيشها مواطن هذه الأرض، رجلاً، امرأة، طفلاً.

فحمّلت فنّها رسالة الم وحزن كتبتها بحروف مدوية كدوي القنابل وبانحناءات شاحبة كأوجه الجياع والضائعين.

بالنسبة لي كانت هذه الدهشة في قصص (زوجة تنين أخضر) مؤلمة جدا في البداية، لكنها كانت تضعف تدريجيا مع كل قصة لأني كنت أتوقع نهاية مؤلمة استلها من ارتجافٍ دفين يسكنني وأنا أتابع الأحداث والصور، فكل قصة ستنتهي بالتلاشي أو الموت حتماً، أو بما هو أكثر كسرا للتوقع بإثبات وهم السارد أو البطل وبانقلاب القصة رأسا على عقب.

ومع إن هذه المجموعة القصصية ناجحة جدا، وأسلوبها السردي من أكثر الأساليب تميزا وسلاسة وعمقا، إلا إني احمل عتبا للكاتبة نطقته عفوا وأنا اقرأ خاتمة قصة (بعيداً عن هذا البلد) التي أعدت قراءتها مرتين أملاً في أن تغير (روعة) رأيها وتبقي ذلك الكيان البريء حياً، لكنها وبكل مرارة وجرأة قتلت ذاك الطفل، فوجدتني أقول دون إرادة، (لمَ يا روعة ؟؟ّ!) وكشفت بفعلها هذا عن يأس عميق يسكنها، وكنت أتمنى أن يبقى الطفل ليكون رمزا للأمل/ الخيط الذي إن فلت من بين أصابعنا لن نستطيع الاستمرار في هذه الحياة، وبهذا النص حصراً وجدت أنها لم تفلح بتقنية خلق الدهشة بكسر أفق التوقع دون أن تمهد له.

في النهاية هل يمكن القول عن (زوجة تنين أخضر وحكايات ملونة أخرى) مدهشة؟ نعم، وبكل جدية فأسلوب الكاتبة وتنقلاتها بين الواقع والحلم أو بين الحلم والواقع، وبين ما يُرى ويُبصر، وبين الماضي والحاضر وبين الجزء والكل، أساليب رسمت الدهشة وأتقنتها بألوان طاغية.

 

د. إسراء العكراوي

 

في المثقف اليوم