قراءات نقدية

شجن لجغرافيا السرد

محمد يونس محمدغني الرمل والمانجو لزهير كريم

ايقاع الجغرافيا وحس المرئي - تشكل الطبيعة الجغرافية مردودا حسيا عادة لدى المرئي المعاين لها بصريا، هذا اذا كان بعلاقة محددة، حيث يكون هناك توازي بين الحس والطبيعة في الجانب الذهني وليس فقط في الجانب البصري، وتكون العلاقة الحسية تنمو لتصل الى حد التأويل، حيث تخرج من مدار الحقيقة الى مدار التصورات، وهنا تختلف الطبيعة الجغرافية وتتحول الى مظهر اخر، تكون فيه حسب الحس المعنوي، فأما تكون فردوس يصل في تطور التفكير به الى يوتيبيا، او قد تكون في حالة معاكسة كجيم في صفات متعددة من ابعاد الدسيوبيا، وهذا التناقض موجود في التفكير البشري، ولدينا خطاب يؤد على ذلك، هذا كتاب – اغاني الرمل والمانجو – لزهير كريم والصادر من منشورات اتحاد الادباء العراقي، تؤكد به الوحدات الدلالية أن الشخصية المركزية والتي هي شخصية المؤلف، ونجد عدة مستويات للدلالة، ولك مستوى طبيعته وايقاعه، وهناك فارق نسبي واضح في الاختلافات البصرية الذهنية، وقد زادت توثيقا الانتقالات السيميائية للمستوى الدلالي في جانب اختلافات ايقاعية، واغلب ايقاعات النشاط الحركي والمشترك بالجانب البصري، يحيل الينا وجود ايقاعي خارجي، وهو مرتبط بحركة الشخوص وافعالهم، والاخر هو ايقاع داخلي مرتبط بشعورهم النفسي واحاسيسهم الغريبة، وللطبيعة الجغرافية المسرودة تأخير على تفكير الشخوص الغرباء، حيث تتميز تلك الجغرافية برمزية حساسة لاتدرك بيسر وسهولة .

ابدى لنا الكتاب وجود علاقة بين حس المكان وحس الشخوص التي تسعى الشخوص في اكتشاف رمزيته ووحدود دلالته، وكما شكل البعد الجغرافي والتاريخي للمكان همزة وصل مع الرغبة عند الشخوص للتعرف على كينونة المكان، لكن سرعة ايقاع الحركة احيانا يؤجل تلك الرغبة، حيث عدة عين السارد تتحول بسرعات متباينة بين وحدة جغرافية واخرى، ولكن تمز الوعي هنا في اللغة التفكيرية اكثر من تميزه في اللغة المقيولة صوتيا، فكان هناك خطاب نثري ابي مثير للعواطف والوجدان، وبه ادخل السارد الكتابة في حالة من النشوة والشجن ايضا، وهناك بلاغة في ذلك الخطاب النثري وبصفته الادبية، حيث لامست تلك البلاغة مواطن شعور التلقي المقابل لها في الحدود التواصلية بينهما .

2031 المانجوالنص لايفترض جنسا – قدمت لنا تجربة زهي كريم في كتاب – اغاني الرمل والمانجو -  نمطا من الكتابة المستحدثة الجديدة، حيث تجد أنك اما نص هائل يشترط على الكتابة التعريف الجغرافي ومناغاتها ايضا، مثلما يتشرط وجود حس ادبي غير مجنس، وكانت لعبة تبادل الابعاد مستمرة بين الجغرافية المسرودة والحس الأدبي المقابل لها، وزادت الكتابة على ذلك حسا اخر هو حس المتاهة والاغتراب، فكان هناك مثلث من جهة يمثل حقيقة المكان وم جهة اخرى يمثل الحس الادبي به ومن ثالثة يمثل وجود بعد نفسي متغيرالإيقاع لدى الشخوص، حيث تلمس كل شخص يفسر الامور نفسيا حسب طريقته، لكن لن تجد من يفرض تفسيره على الاخرين الا السارد المركزي ولضرورات قصوى .

قدمت لنا تجربة زهير كريم في كتابه المشوق والمثير، نمط كتابة مختلفةعن السائد، حيث لغة الكتابة كانت تراكبية وليست في افق معين لسانيا، وهذا ما اغنى الكيان النصي المشترك بوحدات عدة،فقد   استثمر زهير كريم شخصه الخارجي من جهة التعيين التاريخي للجفرافية والامكنة، ومن جهة اخرى استفاد من وعي الكتابة لديه لتجاوز البعد الاشاري والعلاماتي الى بعد دلالي ادبي يميز الوحدات الجغرافية ويمنحها أن تكون صورة غير مطابقة للاصل الا مضمونيا، وقد نجه في تمييز مقصده الأدبي في جمل عديدة حملت ملامح النثر الادبي، وقد استلهم مضمون لغته الأدبي في تفسير بعض المواقف حسيا، وتنقلت عدسته الحسية بين الامكنة لنقل المشاعر المتعددة، فمن جهة الغرابة والاكتشاف الى جهة الخوف والقلق، ومن جهة المعاينة والاستدلال الى جهة التصنيف الروحي، خصوا استذكار جحيم الحرب وبشاعتها، وقد زاد من قيمة بعض الامكنة ميثولوجيا واركلوجيا، وقدم صورة مثلى غير معتادة في الكتابة عن الجغرافية، فلم يكن هناك بعد جغرافي نمطي ابدا، ولا كان هناك ابعاد اشاية فقط تلامس الجغرافي المكانية وما مثل من وحدات طبيعة، وتقف عند ذلك الحد، بل تطور افق الكتابة كثيرا وابتعد في مضامين ادبية نحو جهة الوجدان والمشاعر، وقدم لنا لوحات تعبيرية اذا جاز التوصيف ليست تقف عند الحدود الانطباعية، بل تتوغل كثيرا نحومعاني غامضة لتسعى الى كشف مضامينها سلبا او ايجابا .

 

محمد يونس محمد

 

في المثقف اليوم