قراءات نقدية

صورة الأرهاب في رواية المرايا.. لنجيب محفوظ

لا يشكل الأرهاب صورة حديثة، نهضت الروايات  على استيعابه، وقراءة اضراراه، ومعوقاته  السلبية على المجتمع، أنما هو صورة قديمة، ومتشعبة في تراثنا الأدبي، والذي يمثل وثيقة رسمية لكل قارىء،وهذا ماسعت رواية  (المرايا) التي صدرت عام 1972 على تجسيده، ولم تكن هي الروا ية الوحيدة لمحفوظ من جسد هذا الفعل المشين، أنما روايات عدّة له مثل (الباقي من الزمن ساعة) التي صدرت عام 1982، و(يوم مقتل الزعيم) التي صدرت عام 1985،حلل الروائي عن طريقها  صور الإرهاب، والتطرف الديني في المجتمع العربي، فضلا ًعن تحليل  أصول الإرهاب الإسلامية .

فالرواية العربية كانت ومازالت تسعى  لتكون مرآة عاكسة  للمجتمع عن طريق بحثها  عن أسباب الإرهاب، والتطرف متنبئة بما سيحدث  في المستقبل  القريب للشعوب.

الرواية قارئة لمشاهد الحياة العابثة، وعقما، والتي حفرت في مخيلة الإنسان العنف، والأضطهاد النفسي العميق؛ لأن الإنسان كيان، وليس آلة في يد المجرم الأرهابي، وهو ماصورته الرواية، عندما نقلت كيف بابطالها آن لهم الأندفاع اللا طوعي إلى مصائر مجهولة، ومروعة، ولغز الحياة المظلم.

هذه الضغوطات المسلطة على الإنسان تهيىء للكاتب القدرة في ابراز قلمه للتحري عن الشخصيات المضطهدة، وتجسيدها، وجعلها تنطق الواقع بطريقة سردية اقرب إلى الحياة اليومية، بل صورة فنية بريشة مبدع نطقت عقم الحياة المعاشة، وهي اقرب إلى القصة، بل وسيرة ذاتية شاهدة على عصر مظلم؛ لأنها تبقى خالدة في الأذهان على الرغم من سردها، وشخصياتها الروائية المطولة .

شخوص الرواية ملونة، وقارئة  للمجتمع بأكمله بطريقة سردية واعية للفعل السياسي المشين، وساردة داخلية لشخوها الآخرى، أي بمعنى أن الحياة تجمعهم في المأساة،والأفراح، ليجتمعوا في هذه المناسبات، والأحزان، ومعرفة بعضهم البعض، ومن ابرزهم الطبيب (سرور عبد الباقي)، وزميله سيد المخدرات (سيد شعير)، أما (رضا حمادة) فقد اتسمت شخصيته بالنضال، والزهد ؛ كونه متقشفاً، وهو عل العكس تماماً من (خليل زكي) الذي كان يسيطير على بيوت دعارة منطقة السكاكيني جميعها.

وصورة الحياة الجامعية التي صورتها الرواية، امتازت بالأرهابي الذي يكتب التقارير عن زملائه.

وتقدم الرواية وجوه انتهازية، وهي صورة موازية للأرهاب، فالأرهاب ليس صورة دماء، وقتل، أنما هو صور متعددة، ومن ضمنها صورة المخبرين الذين

يكتبون التقارير عن زملائهم.

وفى هذا الجو المكفهر يقدم لنا نجيب محفوظ وجه سعاد وهبى ليرطب به الوهج السياسى اللافح.

والرواية شارحة لمعناها ؛لأن المرايا تعرف بكونها أداة لها القابلية على عكس الضوء، ومن هذا المفهوم انطلق نجيب محفوظ لأستثمار الثيمة، وجعلها هوية روايته، وعنوانها، عندما عكست شخوص الرواية وقرأت الوجوه المختلفة للبشر، وتلوناتهم، وقراءة صور الأرهاب بطريقة تحافظ على الكثير من الصفات الأصلية قبل ملامسة سطح الواقع المبعثر.

وكأن الروائي استعار  المرايا المنحنية لتكوين صورة مكبرة أو مصغرة أو لتركيز الضوء أو تشتيت الصورة المعكوسة على الواقع.

وتحمل الرواية النفس الثقافي العالي، والذي يمثل الصورة الحقيقية لكاتبها، وعرضت قراءة مستقبلية للوسط الثقافي المعاش، وكيف تحول إلى وسط يتخلله النفاق، والأنتهاز، بل وتجارة بشعة، إذ تحولت الثقافة  إلى وسيلة لكسب العيش، لا وسيلة لكسب الثقافة، والمعرفة.

 

د. وسن مرشد

 

في المثقف اليوم