قراءات نقدية

عصام البرام: الرواية العالمية والرواية العربية.. الأثر والتأثير

كان ظاهراً منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث بدأ الكتّاب والمثقفون العرب يتعرفون على الأدب العالمي، وترجمة أعمال أدبية مهمة من لغات أخرى إلى اللغة العربية، تأثراً واضح المعالم في الكتابات الأولى للأدباء العرب. وكان تأثير هذه الروايات العالمية واسع النطاق، إذ أحدث تغييرات كبيرة في الرواية العربية وتطورها بشكل كبير، وكانت من بين التأثيرات الرئيسية التي أحدثتها الرواية العالمية على الأدب العربي والرواية العربية، تقنيات الكتابة والسرد، إذ أثرت الرواية العالمية على التقنيات السردية والأساليب الكتابية في الأدب العربي،  وقدمت أساليباً جديدة في السرد وبناء القصة وتطور الشخصيات، كما كان انتقال المواضيع أيضاً له دوره هوالآخر في التأثر، حيث عرّفت الرواية العالمية المثقفين العرب على مواضيع جديدة ومختلفة عن تلك التي كانوا يعتادون عليها في الأدب التقليدي من كتب التراث، مثل التحولات الاجتماعية والتغيرات النفسية والفكرية التي تتعلق بالوجود وماهيته.

لقد تأثرت الرواية العربية بالأدب العالمي، مما أدى إلى توسع مجال المواضيع في الكتابة العربية، وتعامل الكتّاب العرب مع مواضيع مختلفة، واستكشفوا قضايا جديدة بفضل التأثيرات المتنوعة، منها الأحداث والصراعات والاكتشافات المتسارعة وانتشار الايدلوجيات المتوزعة بين اليسار واليمين والحداثة وغيرها. كما كان توسع الآفاق الثقافية تأثيره هو الآخر، إذ ساهمت الترجمة وانتشارها في توسيع آفاق المثقفين العرب وزيادة تعددية المدارس الأدبية.

ومع انتشار الرواية العالمية، كان لتنوع الأصوات الأدبية فعله الكبير، حيث أصبح هناك تنوع كبير في الأصوات الأدبية العربية، وظهور مؤلفين جدد يمثلون تيارات فكرية ووجهات نظر مختلفة، بفعل الاطلاع والتلاقح الفكري أو ربما التقليد من البعض لينحو بالأسلوب الغربي الجديد الذي أطلعوا عليه، وسعي الكاتب العربي لأكتشاف أفكار جديدة يمكن أن تساعده في كتابة منهج جديد، أو سعيه نحو أتخاذ أسلوب يميزه عن غيره من مجايليه من الكتّاب.

لقدعرّفت الرواية العالمية المثقفين العرب على التراث الأدبي العالمي وأدخلتهم إلى عالم الأدب العالمي بشكل واسع، وذلك من خلال الانفتاح على التراث العالمي وتفاعله معه والأخذ بالعديد من سلوك الكتابة الفكرية والفلسفية والاجتماعية والنفسية.

ومن نافلة القول؛ إن التأثير كان شاملاً وأحدث تحولات هامة في الأدب العربي، حيث أثرت على المحتوى والشكل والأسلوب، وأدخلت تنوعاً جديداً وإلهاماً للكتّاب والقراء على حد سواء، وعليه فإن تأثير الرواية العالمية على الرواية العربية، كان ظاهرًا وملموسًا على مر العقود السابقة، وتتعدد هذه التأثيرات وتتنوع حسب الحقبة الزمنية والتحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي مر بها العالم العربي.

إن تبادل الثقافات بين الشعوب كان عمقه وتأثيره بلا شك،  فعندما يقرأ الكتّاب العرب روايات من جنسيات وثقافات مختلفة، يتم تبادل الخبرات والتجارب الإنسانية، وبالتالي فأن هذا التبادل يساهم في التعرف على الآخر، وفهم تفاصيل حياتهم وتقاليدهم، مما ينعكس على الرواية العربية ويثريها، والعكس صحيح، لذا فإن الرواية العالمية عملت على تعزيز التواصل الثقافي بين الشعوب وساهمت في تبادل الخبرات والمعرفة، ليس من خلال ترجمة الروايات العالمية إلى اللغة العربية فحسب، إنما كما اشرنا  الى التفاعل بين الشخصية العربية وأعني الكاتب والأديب العربي مع روح النص الغربي، مما جعل الأديب العربي أن يتمكن للوصول الى القراء العرب وآطلاعه على ثقافات وعادات وقيم أخرى.

كما شكل التطور العالمي والثورة الاتصالية أهمية بالغة، إذ أصبحت الرواية العالمية والأدب العالمي بشكل عام، أكثر توافراً للقراء العرب، حيث يمكن للقاريء الآن الوصول إلى الأعمال الأدبية العالمية بسهولة عبر الترجمة والانترنت في الوقت الراهن. مما يسهم هذا في إثراء المشهد الأدبي العربي، فعندما يتعامل الكتّاب العرب مع الرواية العالمية، يمكنهم استيعاب أساليب أدبية وهياكل قصصية جديدة ومستجدة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة التنوع والأبتكار في الرواية العربية، ويمكن للكتّاب أن يطوّروا أساليبهم الكتابية من خلال الاستفادة من الخبرات الأدبية العالمية.

لقد شهدت الرواية العربية بعد الحرب العالمية الثانية تأثراً أكبر، وذلك لزيادة الترجمة من الأعمال الأدبية العالمية، مما أثر في تطور المشهد الأدبي في المنطقة العربية، وبدأ الكتّاب العرب في نهج أسلوب قصصي وروائي يقترب كثيراً من ازمات الحروب وانعكاساتها الاجتماعية السلبية، ومدى تأثيرها على الفرد مع الأخذ بتعزيز ثيمة النص بالجانب الرومانسي، فكانت اصدارات عديدة غزت الاسواق العربية ومكتباتها.

فكانت هذه الاحداث؛ مصدر إلهام للكتاب العرب والروائيين، مما شجعهم ذلك على التعبير عن آرائهم وقصصهم بطرق جديدة ومبتكرة، والذي يعتبرجزء من تحفيز الابداع والتنظير بتعدد اساليب الكتابة لدى الكثيرين من الكتّاب العرب.

كما استطاعت الرواية العالمية معالجة قضايا حديثة ومعاصرة تهم الإنسان المعاصر بشكل عام، وتدفع الكتّاب العرب للتعامل مع هذه القضايا وتناولها بأسلوب جديد وحديث، بما يناسب الواقع البيئي والاجتماعي والسايسي العربي.

فضلاً عن ذلك،  فقد شجعت الكتّاب العرب على تحدي القوالب التقليدية وتجاوز الحدود الأدبية المعتادة، مما يمكن أن يؤدي إلى تحفيز وإلهام الكاتب العربي بظهور تجارب أدبية مبتكرة وجديدة في الرواية العربية، أضافة الى اسهامها في تحسين مستوى الترجمة، إذ أصبحت الترجمة لهذه الروايات ذات أهمية كبيرة، من خلال مراعاة المستوى العالي في دقة الترجمة الادبية.

ومن الجدير بالملاحظة، أن هذا التأثير ليس بالضرورة دائمًا كان إيجابيًا، فهناك مخاطر لإحتمال تأثير الرواية العالمية على الأدب العربي بطرق تؤثر في تراثه وموارد تأريخه الانساني، وهوية الأدب العربي التقليدية، من خلال التلاعب بالنصوص التراثية القديمة وتأويلها الى النص الروائي الغربي. لذلك يعتمد الأمر على الكاتب في كيفية استيعاب هذه التأثيرات والاحتفاظ بالأصالة الثقافية والأدبية العربية في الوقت نفسه.

ومما لا شك فيه، فأن الرواية العربية اليوم لها موطيء قدم في التنافس الابداعي مع الروايات العالمية على مستوى الانتشار وجذب القراء، هذا التنافس يحفّز الكتّاب العرب على تطوير أعمالهم لتكون في مستوى المعايير العالمية، وقد احتلت مساحة واسعة بين الترشيح الى الجوائزالعربية والعالمية كجائزتي البوكر ونوبل، وقد تصدر منها الكثير بالفوز وجعلت لها موضع قدم عند ادباء العالم وباهتمام شعوبها وفضولهم بالقراءة والاطلاع عليها.

مع ذلك، ينبغي أن نلاحظ أن تأثير الرواية العالمية على الأدب العربي قد يختلف من كاتب إلى آخر، وقد يكون هذا التأثير إيجابيًا أو سلبيًا بحسب التعامل الفردي للكتّاب مع هذه التجارب الأدبية العالمية، كما ينبغي الأشارة أن تأثير الرواية العالمية على الأدب العربي لم يكن دائمًا إيجابيًا، فقد تسببت بعض التأثيرات في فقدان بعض العناصر الثقافية التقليدية والتراثية في الرواية العربية.

***

د. عصام البرام

في المثقف اليوم