قراءات نقدية

الإنتاج السينمائي والإبداع الفني.. القدرات الإبداعية للمنتج السينمائي

لا يرتبط الإبداع السينمائي بواقع ملموس يمكن تحديده بواسطة وصفة جاهزة، ولكن يرتبط بمجموعة من القراءات المحتملة التي تتميز بتعدد مصادرها الفنية وبتباين مرجعياتها الفكرية والمعرفية والإيديولوجية، وعلى الرغم من ذلك يظل الإبداع السينمائي فعلا فنيا وملمحا جماليا ورؤية فكرية، تتولد عن عملية انفتاح دينامي واستراتيجي بين المبدع السينمائي والفيلم الجيد والمشاهد المتذوق، لذلك يمكن القول انه إذا كانت السينما عبارة عن صناعة متعددة الجوانب فإنها في جوهرها عبارة عن فكر وإبداع على أساس أن الفكرهومسالة تأملية والفيلم السينمائي هو إنتاج إبداعي مادي يتوسل بوسيط تعبيري هو الصورة السينمائية، ويعني أن هذا الخطاب الفيلمي هو الخطاب الذي يجمع بين الفكر الأدبي السردي والفكر المرئي المسموع، حيث يتم عرض هدا المزيج الفكري المركب من خلال الصورة المتحركة  والأداء التمثيلي  وما يصاحبهما من أشكال وألوان وإيقاع موسيقي ومؤثرات صوتية.

إن إبداعية السينما وشعريتها الخاصة تتمثل في وسمها للعصر بطابع متميز له خصوصيته التي تتجلى في كونه عصرا يتعامل مع الصورة ويتواصل بواسطتها وبفضلها عن غيرها من وسائل التعبير لذلك أصبح الإنسان المعاصر يتعامل مع السينما باعتبارها رؤية للعالم، تعبر عن آماله وطموحاته وانتظاراته وتصوراته الثقافية[1]، هذا فضلا عن اعتبارها تسويقا وترويجا لوقائع فيلمية تحيل على مستويات حياتية يومية وتاريخية وتراثية، من خلال أبعاد جمالية ورمزية وأسلوبية وفكرية وجودية.[2]

إن السينما تعد من الفنون السمعية البصرية التي تتميز بمهارات فنية وإبداعية خاصة، الشيء الذي يتطلب من المبدع السينمائي استعدادا وتفهما كاملين لأساليب العمل السينمائي ولمقومات اللغة السينمائية، لأن الفيلم السينمائي يعد عملا فنيا معقدا ومتشابكا، ولعل دلك  هو ما جعل الفن السينمائي متميزا بخاصية مهمة وهي “التخطيط”، أي وضع مخططات إنتاجية للفيلم بشكل تفصيلي، ودلك لضمان الشكل الذي ستظهر بموجبه الفكرة أو الحكاية أوالقصة في صورتها المرئية المعبرة والنابضة بالحياة، التي تتضمن كل العناصر الفنية التي يتطلبها إبداع صورة سينمائية مثيرة للفيلم أوالشريط السينمائي[3].

على الرغم  من وجود خصائص وضوابط مقيدة للإبداع الفني السينمائي، فإن الدراسات تشير إلى إن الإبداع السينمائي غلبا ما يرتبط في أجزاء كبيرة منه بالقدرة على تجاوز القيود الإنتاجية، وذلك على أساس أن التخلص من هذه القيود هو الذي يوفر حافز الإبداع، خصوصا وأن الإنتاج الإبداعي السينمائي هو عبارة عن نشاط مشترك يضم عددا كبيرا من الناس المبدعين الذين يبدعون كل منهم في مجال اختصاصه .[4] ويفهم من هذا أن السينما فن صناعي وتجاري يرتبط بمجموعة من الموارد البشرية والمالية والمادية المعقدة، ويتطلب مهارات  وتقنيات عالية الجودة على المستوى الإبداعي، وبناءا عليه فان تحقيق الفيلم السينمائي الجيد لا يشترط السيطرة فقط على الجوانب لإبداعية، ولكن يجب أن تأخذ عملية الإنتاج السينمائي بعين الاعتبار في هذا التحقيق، وهذا ما أكده جورج لوكاس (George Lucas)- بقوله”:إنني واع باعتباري شخصا مبدعا أن أولائك الذين يتحكمون في وسائل الإنتاج يتحكمون أيضا في الرؤية الإبداعية”[5]، ويعني هدا أن المنتج السينمائي الذي يمتلك مواهب فنية لا يختلف عن كاتب السيناريو أو المخرج أو الممثل،  وفي السياق ذاته يعتبر دافيد دريغ(David Draig) -  أن المنتج المبدع هو الذي يشارك بفاعلية في الإشراف على الكاستينغ والكتابة والتصميم والمونتاج، ويؤثر بشكل كبير على محتويات وأسلوب الإنتاج السينمائي النهائي، هذا في الوقت الذي يركز فيه المنتج غير المبدع فقط على المسئوليات الإدارية والمالية.[6]

إن مفهوم الإنتاج السينمائي لا يمكن تحديده إلا إذا تمت موضعته  في إطار المنظومة التي يتشكل منها القطاع السينمائي، وهي المنظومة التي  تشتمل على ثلاث مكونات أساسية هي:  الإنتاج والتوزيع والاستغلال، وفي هدا السياق يمكننا تعريف الإنتاج السينمائي بكون تلك العملية التي تقوم بجمع ودمج العناصر الضرورية لإنتاج الفيلم وضمان استمراريته، أي أنها العملية التي تضطلع بجمع الوسائل البشرية والمالية والتجارية والفنية والتقنية الكافية، والعمل على تدبيرها بشكل فردي أو جماعي لضمان نوع من الانسجام  والتنسيق القادر على إنجاز مشروع الفيلم السينمائي وذلك على ساس نوع من التكامل والتواصل بين مجموعة من المتدخلين كالمنتج والسيناريست والمخرج والممولين ،  ليمر مشروع الفيلم إلى اللحظة الواقعية بعد رصد كل الوسائل المالية والتقنية والفنية والبشرية الأساسية،[7] ويعني هذا أن عملية إنتاج الفيلم السينمائي تنطوي على ثلاث أنواع من الممارسة يمكن إجمالها في ما يلي:

الممارسة الاقتصادية التي تشمل جميع المعاملات المالية اللازمة لصناعة الفيلم كالاستثمار والقروض والاعتمادات المختلفة التي قد توفرها الدولة أو القطاع الخاص.

الممارسة التقنية التي تشمل كل العمليات البصرية والميكانيكية والفيزيائية  والكيميائية التي يتطلبها إنتاج الفيلم.

الممارسة الفنية التي تستهدف تحقيق مضامين إبداعية فنية ودلالات جمالية راقية على مستوى التلقي والمشاهدة.

إن المشروع الفيلمي يخضع لما يسمى بخط الإنتاج السينمائي الذي يتمثل في الترتيب الدقيق الذي تخضع  له عملية  صناعة وإنتاج الفيلم السينمائي، انطلاقا من الفكرة والسيناريو تم  التصوير والمونطاج والميكساج والطباعة النهائية لنسخة الفيلم، إلى الوصول  في النهاية  إلى منتج فني كامل، وهذه المراحل تقتضي وضع برمجة إنتاجية خاصة بها ليتم تنفيذها بناءا على مخططات وجدولة عملية، تستوجب الإشراف الإداري بهدف جعلها تحترم الخطوات المرسومة لعملية الإنتاج السينمائي، وهي العملية التي تشتمل على العديد من العمليات الفرعية المتلاحقة  والمتسلسلة، بشكل يتطابق مع المفهوم الحديث لخط الإنتاج، الذي تتفرع فيه العملية الإنتاجية إلى عمليات  متنوعة، تتميز كل واحدة منها بقدراتها الإنتاجية سواء على مستوى الأجهزة والمعدات، أو على مستوى نوعية الخبراء والعاملين الدين يقومون بانجازها[8] .إن المتأمل لخط الإنتاج السينمائي يدرك أن عملية إدارة الإنتاج السينمائي هي في الوقت ذاته علم وفن، وهي سمة تنفرد بها هذه الإدارة التي تعرف نماذج وتطبيقات متعددة ومتنوعة، فالمنتج السينمائي قد يكون فردا أو مؤسسة عامة أو شركة خاصة، على أساس أن لكل منهم أساليبه التنظيمية التي يشتغل بموجبها، هذا فضلا على أن كلا منهم يعمل من خلال مجموعة من الأنشطة التي تتكامل مع بعضها البعض من أجل تحقيق منتج سينمائي جيد وناجح على مستوى التسويق من جهة وعلى مستوى تحقيق الاعتبارات الإبداعية فنيا وجماليا من جهة أخرى.

إن تصميم الفيلم السينمائي باعتباره منتجا فنيا وصناعيا، يتطلب درجات من المعرفة والحرفية، لدلك فإن شركات الإنتاج تأخذ بعين الاعتبار انتقاء كتاب السيناريو والمخرجين والمنتجين المبدعين الذين لهم إلهام واسع  في مجال تخصصهم، والمسألة ذاتها تنسحب على باقي أعضاء الطاقم الذين يشتغلون في المشروع السينمائي،  لذلك فان نجاح أي فلم سينمائي يرتبط بطبيعة القدرات المتوفرة والمهارات المتخصصة في مجالات محددة من الإبداع الفني والتقني والإداري، والتي يجب أن تعمل في وقت واحد وبتنسيق مشترك، يعزز المناخ الفني للفيلم السينمائي، ويضمن نجاحه ويحقق المقومات الإبداعية المنشودة من لدن كل من المؤلفين والمنتجين الإبداعيين.[9]

و في هذا السياق تشير بعض الدراسات السينمائية إلى مجموعة من الخصائص التي تؤثر في الإنتاج السينمائي يمكن إجمالها في ما يلي:

المادية: وترتبط بكيفية صنع الفيلم، باعتباره عملا إبداعيا وذلك لأن المعدات المادية تؤثر على طريقة العمل وعلى الشكل النهائي لهذا العمل.[10]

الزمنية: ويتعلق الأمر بالوقت الذي له أهمية كبرى في الصناعة الإبداعية السينمائية، حيت يكون للسوق تأثير كبيرعلى التخطيط للمنتج السينمائي وعلى عملية تنفيذه، هذا فضلا عن تأثيره على تحديد المواعيد النهائية لهذا المنتج والوفاء بها، وبناءا عليه يمكن القول أن لكل منتج فيلمي ضوابط الزمنية، انطلاقا من تصوره وتوزيعه ثم تلقيه في سياقه التاريخي، ومن تمة فإن أي استبعاد لقواعد الهيكل الزمني للإنتاج قد يعطي معاني جديدة وقيما مختلفة للفيلم السينمائي.[11]

المكانية: وتعني أن للفضاء ثأتيرا على الإنتاج السينمائي، حيت يكون هذا الثأتير ماديا وتقنيا في الآن ذاته لذلك فإن تحرك شركات إنتاج الأفلام من الأماكن المغلقة إلى الهواء الطلق يقتضي استعمال تقنيات تصوير جديدة ومبتكرة.

الإجتماعية :التي يمكن تحديدها في ثلاث عناصر هي:  علاقات الاتصال والتواصل بين العاملين في المشروع السينمائي،  وتكاليف هذا المشروع، ومحتوى المخرجات الإبداعية للفيلم السينمائي، هذا فضلا عن عامل الثقة التي تفرضها الطبيعة السوسيولوجية للعمل السينمائي بين العاملين في هذا المشروع وبين شركة الإنتاج وغيرها من الجهات أو المؤسسات الداعمة للفيلم.[12]

الإقتصادية  : حيت يكون للميزانية تأثير كبير على المنتج السينمائي وعلى شكله النهائي،  ويدخل في هذا الإطار التعاقد مع ممثلين عالميين أو مع تقنيين أجانب محترفين لأن ذلك يكون له وقع كبير على الجمهور المتلقي، مع العلم أن هذه الخاصية الاقتصادية تخضع دائما لاعتبارات أخلاقية وقانونية.[13]

لقد ارتبط الإبداع لدى المنتجين السينمائيين، بشكل دائم، بمواهبهم وبقدراتهم الشخصٌية على المشاركة الفعالة فًي جمٌيع المراحل الإبداعٌية للفٌيلم السينمائي، ومع ظهور التطورات التكنولوجية فًي مجال الصناعة السينمائية ستتبلور أفكار ورؤى المنتجٌين على المستوى الإبداعٌي، إلى درجات ٌيمكن معها مقارنتهم بمؤلفًي الأفلام وبغيرهم من أعضاء الفرٌيق الإبداعٌي فًي أي فٌيلم سٌينمائي، وفًي هذا السياق ٌيرى جل المنتجين والدارسين للحقل السينمائي أن التكنولوجيا الرقمٌية قد أحدثت تغييرا كبٌيرا فًي مفهوم الإنتاج السٌينمائي، حٌيث مكنت السٌينما من الوصول إلى عصرها الذهبًي وخصوصا السٌينما المستقلة التًي مكنتها التكنولوجيا الرقمٌية من إحداث ثورة على مستوى طرٌيقة إيصال أفلامها إلى الجماهير العريضة والواسعة[14]. إن التكنولوجيا الرقمٌية قد ساهمت فًي حدود الإبداع لدى كل من المخرجٌين ومدٌيري التصوٌير ومصممًي الإنتاج ومصممًي الصوت والمؤثرات البصرٌية، لذلك ٌيمكن القول إن هذه التكنولوجيا قد مكنت المنتجٌين، على وجه الخصوص، من العمل بشكل أكثر فعالٌية على المستوى الإبداع، وعلى الرغم من ذلك فإن تأثيٌر التكنولوجيا الرقمٌية لا ٌينبغي أن ٌيقتصر على معالجة الجوانب الإبداعٌية، لأنها ٌيجب أن تنصب أٌيضا على معالجة متغيرات الإنتاج كالتكلفة والوقت والجودة، وعلى معالجة المراحل القياسٌية للإنتاج أي ما قبل الإنتاج والإنتاج وما بعد الإنتاج[15]، لذلك فإن هذه الثورة الرقمٌية فًي صناعة السٌينما أصبحت تفرض على المنتجٌين التزود بمعرفة كافٌية حول العملٌية التكنولوجية لفرٌيق الإبداع السٌينمائي حتى ٌيتمكن المنتجون من السٌيطرة الكاملة على هذا العالم الجدٌيد من الاحتمالات، وذلك على أساس أن أولائك الذٌين ٌيسٌيطرون على وسابل الإنتاج هم الذٌين ٌيسٌيطرون على الرؤٌية الإبداعٌية للفٌيلم السينمائي وٌيعملون على تعزٌيزها.

وإذا كانت هناك علاقة وثيقة بين الجماليات الإبداعيات وعملية الإنتاج، فانه يمكن القول إن الإنتاج يعد استثمارا للوقت  وللطاقة البشرية وللرأسمال في المنتج النهائي، مما يؤثر بأشكال متعددة ومتنوعة على جماليات الفيلم السينمائي ومستوياته الفنية والإبداعية، وفي هدا الصدد يرى باردو أليخاندرو(Pardo ALIJINDRO) -  أن الإنتاج السينمائي هو نوع من الخلق، لأن إنتاج الأفلام السينمائية في نظره يسمح بالعمل الإبداعي، ليس باعتباره إضافة مصطنعة أو متعالية، ولكن باعتباره جزءا لا يتجزأ من طبيعة هدا الإنتاج[16]، ويعني هذا أن مسؤولية المنتج السينمائي لا تنحصر فقط في التنظيم والتخطيط والرقابة المالية، ولكنها تشمل أيضا الجوانب الإبداعية التي تؤثر على النتيجة النهائية للفيلم السينمائي، وبناءا عليه فانه إذا كان بعض النقاد والدارسين السينمائيين يتفقون على أن هناك دوما أفلاما لمخرجين معينين، فان الكثيرين منهم يعترضون على هذه الوضعية الإبداعية باعتبارها نظرية عامة للأفلام السينمائية، وذلك على أساس أن التكوين الإبداعي للفيلم يكون أحيانا عديدة أكثر تعقيدا من أن ينسب لشخص واحد هو المخرج السينمائي، لان العديد من الأفلام الجيدة تحمل طابع الاستديو الذي أنتجها أكثر من طابع أي شخص آخر، وبناءا عليه فإننا نجد أن مجموعة من الأفلام السينمائية هي في حقيقتا ناتجة عن تصورا لمنتج  وليس المخرج، فالمخرج مثلا الذي يعزى إليه فيلم “ذهب مع الريح  ” Gone with the wind  هو “فيكتور فليمنغ “Vector Fleming، لكن النقاد السينمائيين يذهبون إلى أن هذا الفيلم هوالمولود الفكري والفني للمنتج “دافيد سلزنيك         “David O. SELZNICKوإذا كان المخرج السينمائي “مايكل باي “Michael BAY- يعتبر هو الذي أخرج فيلم “بيرل هاربور-  “Pearl Harborفان النقاد يرون أن المنتج جيري “بروكهايمر- “Jerry Bruckheimer هو الذي يرجع له الفضل في إخراجه إلى النور، ويفهم من هدا أن عملية الإنتاج حينما تتسم بالإبداع الفني، تكتسب أهمية اكبر من عملية الإخراج السينمائي.[17]

إن المنتج السينمائي لا يمارس عمله الإبداعي بطريقة مباشرة من خلال القرارات التي تؤثر على الإنتاج الفعلي للفيلم كما هو الشأن بالنسبة للمخرج السينمائي  ولكنه يمارس هذا الإبداع بطريقة غير، مباشرة أي من خلال الاختيار والإشراف على الموظفين المبدعين الذين يشاركون في الفيلم، الشيء الذي يقتضي منه قدرا كبيرا من التدخل في بداية العملية السينمائية ونهايتها، وأثناء مرحلة ما قبل الإنتاج، وعلى الرغم من ذلك فإن مهمة الإبداع لا تكون إلزامية بالنسبة لجميع منتجي الأفلام السينمائية، وهذا ما أكدته “ أديلينا فون فيرشتنبورغ – von Fürstenberg, Adelina -  “ حينما ذهبت إلى أن مدى الإبداع الذي يمارسه المنتج للمشروع السينمائي غالبا ما يعتمد على قدراته الإبداعية التي يكشف عنها في كل مرحلة من مراحل إنتاج الفيلم السينمائي، لذلك فانه يجب الحكم على إبداع المنتج  بقدر أهمية مساهماته وقراراته التي يتخذها في كل مرحلة من مراحل الإنتاج السينمائي[18]، وفي هذا السياق كثيرا ما نطرح الأسئلة حول طبيعة العلاقة بين الإبداع الفني والإنتاج السينمائي، وحول مدى قدرة المنتج السينمائي في المحافظة على مستوى لغة المتخصصين والمبدعين السينمائيين، وحول مدى تنازله عن هذه اللغة بشكل كلي أو جزئي، استجابة لمتطلبات إنتاج العمل السينمائي، ونزولا عند رغبات فئات وشرائح من الجمهور، وللحسم في هذه المسألة، ذهبت بعض الدراسات السينمائية إلى أن الإبداع الفني السينمائي يجب أن يأخذ طابعا مخصوصا، وأن يتسم بسمات مميزة وفارقة، دون أن يتخلى عن شروط إبداعية، وبناءا عليه فإنه يجب على الإنتاج السينمائي أن لا يقع في فخ التعميم والسطحية، بدعوى الاستجابة للجماهير العريضة، وان يتقيد بلغة المتخصصين والنقاد السينمائيين بدعوى الأمانة والمصداقية، لذلك يفترض في الإنتاج السينمائي المبدع أن يتسم بالملائمة على مستوى المفاهيم الفنية وعلى مستوى تيسير المراحل الإنتاجية المحققة للإبداع السينمائي[19]، كما يفترض في المنتجين السينمائيين امتلاك قدرات ومهارات تمكنهم من العمل بشكل جيد مع جميع أعضاء الطاقم الفني للفيلم، من خلال تقديم كل المساعدات في تفسير وتحقيق الرؤية الفنية الإبداعية للمشروع الفيلمي من جهة، وتوفير كل الضمانات المادية والبشرية لنجاحه على المستويين الفني والتسويقي من جهة ثانية[20].

إن الإبداع في الإنتاج السينمائي لا يقتصر على تغطية الجوانب المادية والجوانب الإبداعية، من خلال البحث على التجديد في المجالات التقنية والفنية، لأن المطلوب أيضا هو أن يمثل المنتج الإبداعي السينمائي همزة وصل بين عملية الإنتاج وما ينتظره ويترقبه الجمهور المتلقي، ويعني هذا أن شروط الإنتاج السينمائي لا تتحقق إلا من خلال تدبير الكيفيات والسبل التي يمكن بواسطتها تأهيل الأعمال السينمائية، مهما كانت متفردة وخصوصية وعميقة الأثر، ومن هنا تظهر أهمية المنتج المبدع في تقريب الجمهور وتمكينه من إدراك مكامن الإبداع في الفيلم السينمائي وذلك من خلال توظيف الأساليب الفنية الجديدة والتقنيات السينمائية المبتكرة، ولكي يتمكن المنتج من القيام بذلك، يجب عليه أن يفهم أسرار الإبداع الفني السينمائي وأن يدرك عمقه وأصالته.

إن النجاح والاستمرارية التي حققتها الصناعة السينمائية ترجع بالأساس إلى الأداء المتميز لمجموعة من المنتجين السينمائيين المبدعين الذين اتسموا بخبراتهم وقدراتهم الفائقة على التوظيف الاقتصادي الأمثل لجميع عناصر ومكونات الإنفاق، دون الإخلال بمستويات الجودة الفنية والفكرية للفيلم السينمائي، وبعوامل إثارة المشاهد/المتلقي، التي تقوم بدور أساس على مستوى تحقيق الربحية تستهدفها الصناعة السينمائية بالدرجة الأولى، ويفهم من هذا أن المنتج السينمائي المبدع هو ذلك الشخص الذي يهتم بتدبير كل الموارد المادية والخدماتية والبشرية المتخصصة، بشكل يضمن إنتاج أفلام سينمائية تتميز بجودتها الفنية والفكرية بأقل تكلفة ممكنة، وذلك دون التأثير السلبي على العناصر والمكونات الإبداعية للفيلم السينمائي، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه يفترض في المنتج السينمائي المبدع أن يمتلك خبرات مهنية وقدرات فنية إبداعية، تمكنه من إيجاد الحلول العملية المناسبة لكل المشاكل أو العوائق التي تحول دون إنتاج أفلام سينمائية ناجحة، وذلك من خلال مراعاة الأبعاد الاقتصادية والفنية، وتعميق التكامل بين المؤلف والمخرج والممثلين وفريق العمل الفني/التقني، وكذلك التركيز على إبداعية العمل السينمائي، يعد هو المؤشر الحقيقي على نجاح العملية الإنتاجية في الصناعة السينمائية.

 

الباحث إدريس موعنى

.............................

لائحة المراجع

المراجع العربية

فواد الكنجي:أهمية السينما في المجتمع-الحوار المتمدن-العدد: 5102 - 2016 / 3 / 13 - محور: الادب والفن- http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=508986&r=0

زهرة المنصوري: سيميوطيقا التواصل في الخطاب السينمائي: ميكانيزمات تمفصل المعنى بين الإنتاج والإدراك ـ منشورات جامعة ابن زهر ـ أكاديرـ (2001(

محمد علي الفرجاني: تعريف بالمصطلحات الفنية المستخدمة في فن وصناعة السينما ـ الحلقة الدراسية في مجال كتابة السيناريوـ المنشأة العامة للنشروالتوزيع والإعلام ـ طرابلس ـ ليبيا ـ (1986(

عبد المعين الموحد - إدارة الإنتاج السينمائي - منشورات وزارة الثقافة –(2006)

اليزا هانسل: جماليات سينمائية جديدة . تأثير الثورة الرقمية فى بناء الحقيقة -دراسة - ترجمة: ممدوح شلبى - 10‏/07‏/2012 -

http://mamdoughshalaby2.blogspot.com/2012/07/blog-post.html

المراجع الأجنبية

Wolf Janet - the Social Production of Art- communication & culture-Palgarve-London-(1993)

Kevin Brownlow: Critiques de David Lean: une vie de cinéma - Éditeur: CINÉMATHÈQUE FRANÇAISE (1996)-

Claude Forest: L'argent du cinéma: Introduction à l'économie du septième art- Editeur: Belin-France –(2002)-

Hospers John: Artistic creativity journal of aesthetics and arts- Phenomenological research- University of Illinois Press – (1979)

Beker Howard: Art worlds  – University of California press- California USA- (1982)

Hauser Arnold: The Sociology of Art – Routledg and kegan Paul-Chicago USA- (1982)

Alen Casty: The Dramatic Art of The Film - harpen , Row - Publisher S. London , (1975)

ALEJANDRO PARDO: THE FILM PRODUCER AS A CREATIVE FORCE-Wide Screen 2- (2010)- www.widescreenjournal.com (18 Janvier 2018)

David Thomson: The Alien Quartet: A Bloomsbury Movie Guide: The Missing Author Film Comment-  (Bloomsbury Publishing)- 1999

SHEKHAR DESHPANDE: ANTHOLOGY FILM. THE FUTURE IS NOW: FILM PRODUCER AS CREATIVE DIRECTOR –Wide Screen2-  http://widescreenjournal.org/- (von Fürstenberg, Adelina. (2009), Producer, Stories on Human Rights (2008). Correspondence.)

[1] فواد الكنجي: أهمية السينما في المجتمع-الحوار المتمدن-العدد: 5102 - 2016 / 3 / 13 - محور: الادب والفن- http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=508986&r=0

[2] زهرة المنصوري: سيميوطيقا التواصل في الخطاب السينمائي: ميكانيزمات تمفصل المعنى بين الإنتاج والإدراك ـ منشورات جامعة ابن زهر ـ أكاديرـ (2001) ـ ص26

[3]  محمد علي الفرجاني: تعريف بالمصطلحات الفنية المستخدمة في فن وصناعة السينما ـ الحلقة الدراسية في مجال كتابة السيناريوـ المنشأة العامة للنشروالتوزيع والإعلام ـ طرابلس ـ ليبيا ـ (1986) ـ ص.55

[4]   Wolf Janet - the Social Production of Art- communication & culture-Palgarve-London-(1993)-p.24

[5]  Kevin Brownlow: Critiques de David Lean: une vie de cinéma - Éditeur: CINÉMATHÈQUE FRANÇAISE (1996)- p.125

[6] Ibid-p.81

[7] Claude Forest: L'argent du cinéma: Introduction à l'économie du septième art- Editeur: Belin-France –(2002)-p.68

[8]  عبد المعين الموحد - إدارة الإنتاج السينمائي - منشورات وزارة الثقافة -(2006)- ص.31

[9] Hospers John: Artistic creativity journal of aesthetics and arts- Phenomenological research- University of Illinois Press – (1979)- pp.237/249

[10] Beker Howard: Art worlds  – University of California press- California USA- (1982)- p.29

[11] Hauser Arnold: The Sociology of Art – Routledg and kegan Paul-Chicago USA- (1982)- p.400

[12] Beker Howard-op.cit-.p.77

[13] Wolf Janet- op.cit.p24

[14] اليزا هانسل: جماليات سينمائية جديدة. تأثير الثورة الرقمية فى بناء الحقيقة -دراسة - ترجمة: ممدوح شلبى - 10‏/07‏/2012 -

http://mamdoughshalaby2.blogspot.com/2012/07/blog-post.html

[15] Alen Casty: The Dramatic Art of The Film - harpen , Row - Publisher S. London , (1975).-p.55/58

[16] ALEJANDRO PARDO: THE FILM PRODUCER AS A CREATIVE FORCE-Wide Screen 2- (2010)- www.widescreenjournal.com (18 Janvier 2018)

[17] David Thomson: The Alien Quartet: A Bloomsbury Movie Guide: The Missing Author Film Comment-  (Bloomsbury Publishing)- 1999-, p.78,

[18] SHEKHAR DESHPANDE: ANTHOLOGY FILM. THE FUTURE IS NOW: FILM PRODUCER AS CREATIVE DIRECTOR –Wide Screen2-  http://widescreenjournal.org/- (von Fürstenberg, Adelina. (2009), Producer, Stories on Human Rights (2008). Correspondence.)

[19] Beker Howard-op.cit-.p.50

[20] Hospers John- Op.Cit- pp.237/249

 

 

في المثقف اليوم