تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قراءات نقدية

خليل مزهر الغالبي: القصيدة اليومية ونباهة التدبير الشعري لمجموعة "وساوس الظهيرة " لأمير ناصر

خليل مزهر الغالبيبصمة الشاعر "أمير ناصر" واضحة في تجربته الشعرية، وتًظهر جلياً هنا في مجموعته الشعرية الأخيرة "وساوس الظهيرة" المجموعة الصادره عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عام 2021.فهو شاعر لا يتكلم قصائدة بل يهمسها واحيانا يوميها باشارة ياخذ بها للورقة بحرف او تنقيط شعري شفيف يقارب الكتابة اللامرئية وهي تملأ بياض الورقة بالشعر، ومرات بفراغات تملك كل اسباب إنوجادها الجمالي للشعر.

ويتضح اسلوب الشاعر بمستعمله البسيط اللابسيط بعمقه الشعري واغواراته، وبمعنى العميق اللامقعر واللاغامض، وقد سطع شعره وفق لغة الشاعر اليومية المكتنزة بجمال احضاره للمفردة المتداولة في الحياة والبعيده عن الرتابة والملول ومن خلال تجليس الشاعر لها تجليس تعبيري مائز بجمالية البناء الشعري الماخذ بالقاريء للانتباه و الدهشة والتلذذ .كما في نص -انهارص133

(بدون الانهار ...تبدو المدن ضمأى/وصوتها جاف../فهي المائدة التي يتحلق حولها الناس والاشجار...والبيوت /حيث تربط الفكرة والاغنية).

ومن تعريفه هنا للانهار بمثل مائدة يجلس بدوارها الناس كما الشجر وهي تلم السكان جنبها وهم يبنون ويعمرون حياتهم وبمؤثر علاقاتي للفكرة وتجميلها بترنيمة الاغنية.

كما تميل نصوص المجموعة الى البساطة اللامسطحة والقبولية اللانافرة لتأملات التلقي اللذيذ، فهي قصائد مريحة لاتسمعنا الطنب والطبل اللغوي الرسمي المزخرف القاتل لروح الشعر.

وقد إتخذ الشاعر "أمير ناصر"هذا التوجه متسلحا بتوظيفات جاذبة و فاعلة مؤثرة القبول وهي تجاذبك في تلاقيك عند الشارع او تجالسك المقهى بدون رسميات او تعالي فارغ كما في نص (يرضيك –ص7).

3302 وساوس الظهيرة(يُرضيكِ أهيمُ في رمضاء ظهيرةٍ /غادرها حتى باعةُ الثلج، /وبقيتْ وحدَها، /تطالعُ دموعي اليابسة / وحيرةَ عيوني).... لنرى تجسد اليوم العراقي بدلالات مستعمله اللغوي في –اهيم بمعناه الهروب المابعد التعب الذي يوحي باليأس، ويروح به الشاعر ليوقته في الوقت الاكثر ضجرا حيث حر الظهيرة الاكثر ضرب له بلفح حرارتها له، حتى أخره في النص...

(ما بكِ / وكلّ ما أبغيه / كسرةَ كلام / أملأ بها طاستي، بكلِّ ما يحملُ المُحِبُّ من هوانٍ)ص8. وهنا تتجلى ماهية الشاعر المتماثلة مع النص بوضوح ومن موائمتها اللغويه بمفردات التعبير الملاصقة للانسان في تعدد وجوده وتنوعه كما في دالة مفردة (كسرة) وتعبير (أملأ بها طاستي) فهو المحب الزاهد والمتجلي جدا بطلبة (كسرة) ومن الكلام الدارج والمرتبط بملفوظ (كسرة خبز) وما للخبز من رمز لعنوان لدائم العيش الحياتي المتسم بالبساطة والقناعة والتي حمل معناها ما يحمل المحب من هوان كما في اتون النص...ويظهر الشاعر اليائس من العثور على اولقاء المحب وبصورة تعكس مدى كونية انتظاره الذي يعكس يأسه .

وتمتلك نصوص قصائده "وساوس الظهيرة" للشاعر الكثير من التبصير الممكن والجاذب للقراءة وبالمعني العام لمتفق التلقي المقيس لقيمة عطاء المنتج الشعري.وهي نصوص بعيدة عن السريات الخاصة والنخبويات، وفي ترديد شعري يتعالق مع حياة الشاعر اليومية، ترديدات تميل لترميزات ودلائل اقرب لاشياء الشاعر في مثاقفته الادبية البعيدة عن الهلامية والتقعير المتخبي.

وتبقى نصوص المجموعة هادءة بإضطرامها لماهيتها الاجتماعية الحياتية ونبوعها من خضم التفاعل الاجتماعي وانعكاساته على الشاعر.

و من نص "وساوس الظهيرة" كان له السطوع الشعري في ...

(لا أظنني ركضت الى الحياة /في يوم ما /كطفل يهرع لابيه /وهو عائد بعد الرابعة ظهرا/وطلبت من العمر...أن يمضي / او يعود بي /فحتى لو عاد/ ساجد نفسي في حرب / أو مع طاغية ...)ص116

ويمكن ان نستقرأ المابعد في ايمائية مقطعه الشعري المسمى " الثامنة والثلث"ص112...

(كم بودي/ أن تستريح عقارب الساعة /بعد عناء /الثامنة والثلث) حيث الساعة المابعد ضجيج التفكير المقلق المهموم وهو يطلب سكينة الاغفاءة له .

ومن مقاصير الصوص ايضا في نص "سقوط" ...

(هناك مثابة /أذكرها./ وأذكر .../سقوط قلبي /مثل دلو / في بئر)ص118 وهنا تأكيدنا على اشاراته الشعرية في وصف سقوط قلبه بسقوط دلو في البئر وصف أتم فيه مراده الشعري المعبر بلا مطاولة وتقرير شارح.

في قصيدة – يوسف الغيب-ص134( أحكم الضمة على (سين) اسم الفتى يا رياض /ونادهُ ملء الفم (يوسُف)/ واوصي أخوته به خيرا /لا تخبره عن معنى اسمه / حتى لايجلله الحزن، ولايكون شقيا....)...

ليذهب لاحضار يوسف بدالة الانية العراقية المنتفضة الرافضة للظلم والمطالبة بحقوقها الوطنية كما في (...ولاتصحبه الى نصب الحرية بعد الان، ويقف حائرا / تحت بقرة تزن اطنان من البرونز/او جندي وأد حريتنا يوما) وكان بخطاب المابعد المعنى الظاهر والمقروء – لاتصحبه الى نصب الحرية..) لما فيها من تداعي اخر للمعنى ارتبط بخطابه الشعري...

ولم ينسى الشاعر "أمير" تذكره لشعراء له اصدقاء او زملاء يكن لهم القيم النبيلة والاخرى الشعرية وفق فكره الحان لما مضى من زمن طيب راحت تخدشه حواضر ايامنا و تحديداً منهم الشاعر الراحل "سرجون بولص "واخريين...

(في المانيا ايضا، كنت اسألُ الفتيات / وعمال الحانات، عن شاعرٍ وسيمٍ مرَّ من هنا / لا أحد يجيب.....) و ...(في الصورة امرأةٌ بمئزرٍ / تخبي أثداها بيديها الحمامتين / فمها فاغرٌ، والقطارات تمرُّ وتزعقُ)ص11.

ونرجع لنقول ان اسلوب الشاعر " أمير ناصر" اعتمد المثاقفة الشعرية المعبرة والقادرة على مسك جمال الشعر البعيد عن الفجاجة الرخيصة، فنراه يأخذ بتلابيب القاريء ليريه عذب الشعر ولذيذه.

 

خليل مزهر الغالبي

 

 

في المثقف اليوم