قراءات نقدية

بناء النص وموجة التجريب الشعري في: اختفي وتلاحقني المرايا للشاعرة ليلى عبد الامير

طالب عمران المعموريتنوع التجريب في المنتج الادبي بجميع أجناسه وتعددت اتجاهاته على المستويين التجريب في الاسلوب من حيث نفي الحدود الفاصلة بين الانواع او مبدأ اللعب باللغة، والتركيز على الدلالات اللغوية او على مستوى التشكيل البصري للنص وآخر على مستوى الموضوع، كل ناص يحاول أن يضع بصمة مغايرة.

وانا أقلب المجموعة الشعرية التي أمامي (أختفي وتلاحقني المرايا) للشاعرة ليلى عبد الامير في طبعتها الاولى الصادرة عن دار ابجد لسنه 2022، ومن مبدأ محاورة النصوص كمتلقي وقارئ اخوض التجريب ايضاَ ابحث عن تشكيل جماليات النص،احاول أن أدرك ذلك المدلول باستعمال الذوق، والقراءة بعين القلب معتمدا على قرينة السياق الحالية والمقامية، وارى انه لابد من قارئ مختلف يتزود بوسائل تمكنه التواصل من فك شفرة هذا النمط،والافق الجديد الذي تحمله النصوص والوضع التخيلي للشاعرة في اطار التجريب الحداثي لقصيدة النثر .

(أختفي وتلاحقني المرايا)1عنونة شعرية وهي احدى مفاتيح النص الشعري التي تساعد كشف مدلولاته وهي عتبة النص باعتبارها الاهم لمقاربته، وذلك " الوهج البصري الاول الذي يستثير مخيلة القارئ ويوقظ شعوره من السبات الى الحيوية المفعمة"2، اتسم بقدرته على تكثيف دلالة النص والوصول اليه مرتبطاً به، لهذا يدفعنا الفضول الى غور عمق النصوص بحثا عن دلالة العنوان وامتداده، استنبط العنوان من المجموعة وقد ورد صريحا كبنية في احد نصوص المجموعة (سألتزم الصمت حتى اكتمال قصيدتي) ص60

ارى ان الشاعرة قد اعتمدت مبدأ التجريب على مستوى الاسلوب البنائي للنص نراه واضحا من تلك العنونة الشعرية على ظهر الغلاف والعنونة الفرعية التي تضمنت 70 عنونة وتعالقها مع نصوص المجموعة .

التشظي:

التشظي من السمات التي ظهرت على النصوص الشعرية في مجموعة (اختفي وتلاحقني المرايا) أرى ان الشاعرة اعتمدت التجريب في تشظية النص الذي يعد نوع جديد الذي اعتمده شعراء ما بعد الحداثة الذي يتميز بالتنافر والتضاد والاختلاف، و التشظي الحاصل على المستوى اللغة الشعرية في بنيانها اللغوي الذي اثر على منتوجها الدلالي منعكساً على تشظي الدلالة نرى ذلك جليا في عدد من قصائد المجموعة الا انها في حقيقتها ترتبط بالعنوان الرئيسي .لانقصد بذلك المؤدي الى الفرقة على حساب وحدة الموضوع بل التشظي الذي يساهم في انتاج النص الشعري، وبعث الشحنات في توليد آفاق جديدة من الدلالات وفتح باب التأويل للوصول الى تعدد المعاني وبذلك يكون النص متشظياً .4000 ليلى عبد الامير

جاءت بعض من العناوين الفرعية وكأن مضامينها متشظية من المعنى الدلالي للعنوان الرئيسي للمجموعة

أنا ظل يخشى الظهور ص11/ صرخة في وجه أبكم ص31 / ملتصقة بظلي ص45 / سألتزم الصمت حتة اكتمال قصيدي ص60 / عالقة في جسد غيري ص68 / خلف جدار نفسي ص69 / اختبئ خلف نفسي ص110 /

(تشظي الانا) تشظي الذات في المكون الشعري ومنه الى تشظي الدلالة التي يسعى القارئ للقبض عليها:ترجع الشاعرة تبحث عنه الذات الشاعرة في عولمها بمنولوج داخلي محاولة الهرب والاختفاء متجنبة الخوض في المجتمع موظفة آليات التشظي وهي الاستفهام او لغة السؤال كما في نص (صرخة في فم أبكم) ص 31:

أشير الى ظلٍ مرتبك

أسأله:

هل جربت الهروب من نفسكَ؟

أنا عالقة في سرة الجدار

هل جربت الهروب من الارقام؟

أنا وحمةٌ في خدِ التاريخ

هل جربت الهروب من الصور؟

أنا جثةُ مؤطرةٌ بالزيف

هل جربت الهروب من الفنِ؟

أنا تقلقني الحقيقة الجافة

هل جربت الهروب من الاماكن؟

أنا تيه يتوسد الطرقاتِ

كسر الافة المعتادة:

التجريب بالاعتماد على المفارقة بما يحمله من الانحراف الدلالي الذي يعمد الشاعر اليه لكسر المألوف تكاد لا تخلو قصيدة من مجموعة (اختفي وتلاحقني المرايا) من اعتماد بنية المفارقة سواء في البناء النصي او في نهاية النصوص:

كيف أرثيك.؟ ص64

وحِبرُ ألواني دفنتهُ في خزائنك

وفي نص (طرد بلا عنوان) ص32

من منّا أخلف الوعدَ

وتركَ بعضهُ في كفِّ الضياعِ

ها قد رحلتَ تاركاً سركَ الثقيل

في طرد بلا عنوان

وظفت الشاعرة المفارقة في بعض نصوصها على ابنية المقاطع التي جاءت مكثفة ومختزلة والتي تنتهي بخواتيم (قفلة) مفارقة، لا تزيد على الصفحة او مقطع واحد على شكل النص الوجيز او الومضة الشعرية بمفارقات لغوية التي تعتمد على الدلالات اللغوية والمجازية في تعالقها مع النصوص والتي تعد مكمن الشعرية فيها،ومفارقات ضدية، لتكشف عن وعي الشاعرة بالتجريب تتجلى هذه البنية (بنية المفارقة) في النصوص التي تحمل العنونة التالية: امام وجه المرآة / قافيتي/وطني/ أحبك كما يحلو لي /انثيال /أرق / غرق،نلمس من سياق بناء النصوص انها تصنع مفارقة شعرية:

ففي نص (أحبك كما يحلو لي) تتشكل المفارقة عبر النص ومفارقة في خاتمة النص:

على ناصيةِ قلبي

تلوتُ أهازيجَ الصُلح بحفاوةٍ

كانت الفراشاتُ

الغيومُ

الهواءُ

البساتين والارضُ

شهوداً لمراسيم أولِ قبلةٍ

سُرقت بسريةٍ تامةٍ

ذات حُلمٍ

شعرية الاثر المفتوح:

ومن التقنيات الاخرى التي قد لمستها في بعض نصوص الشاعرة ليلى عبد الامير التجريب في تقنية شعرية النص المفتوح ، انفتاح النص وتعدد تأويلاته من حيث توظيف بنية المجاز لقبولها تعدد التأويل وتتيح للمتلقي ان يشارك في بناء النص،وبهذا تحولت الشعرية في تركيزها على المعنى المتعدد او الدالة الغامضة:

لقد بعت الفكرة ص98

في سوق مزدحمة بالأقاويل

عرضتُ بضاعتي

رزمتُ مشاعري بأكياس الذهول

بأقدامٍ تفيض نُدباً

ومن أعلى قامتي صرختُ

من يشتري رأسي

او يقايضهُ بحفنةِ جنونٍ

هرب الجميع من رأسي

وأنا أركض أركضُ

أركضُ

نفي الحدود:

اعتمدت الشاعرة نمطا تجريبا هو نفي الحدود الفاصلة بين الشعر والنثر اتخذت هذه التقنية اسلوباً في بناء بعض نصوصها نراه جليا في العنونة الفرعية التي استهلت المجموعة (أنا كل تلك الحكايا) ص7 وكأنها تنوه بالحكي (السرد) بطريقة الصور الارتدادية (الاسترجاع)عن طفولتها:

مثل قصاصات ورقيةٍ

يلهو الاطفال في بعثرة وجهها

تحلم بتمزيق العناوين الهشةِ

من ذاكرةِ الموائد الثقيلةِ

والازمنة البائدةِ

وفي نصها (مذ كنت طفلة) ص 79

منذ عصور عجاف ٍ

وقبل معاهدات الصُلحِ

ولدتني أمي

كان المخاض عسيراً

وأنا أنتظرُ قدومي بين الحاضرين

هاربةً من حكايا جدتي

وأساطيرها الماكرة

أبحث عن فراغٍ

يلتقط كركرات الارض

لأدسها في بكائي

ونلمس في هذا الصدد التقريب بين الشعري والسردي، حيث يلعب السرد بآلياته في هذه النوع من التجريب بإبراز عنصر المكان والزمان والوصف وكذلك المونولوج الداخلي كما في النص (كابوس ليس الا) ص 151

بالأمس تحديداً

تمنيتُ أن يكونَ بلدي سويسرا

فززت مذعورةً خائفةً

تتطاير الشهبُ من عيني

كنثيث الثلج الحارق

أغلقت صالات العنادِ

وشباك سرائري

خلعتُ الابوابَ

وأوصدت الجدران على مخدعي

أسدلتُ الليلَ على عُزلتي

أخفيت وجهي بأصابع أمي

خوفاً من البعوض الملتصق بشهيق الوشايات

أيقنت أني ارتكبت جريمة الاحلام

نرى في النص اعلاه حالة التواشج، فقد مزجت الشاعرة بين الشعرية (قصيدة النثر) من حيث هدم الموروث اللغوي التقليدي وخلق دلالات لغوية المتمثلة بالانزياح وجماليته وبين تقنيات السرد وآلياته المتنوعة بدأ بضمير السرد وحركة الفعل الذي يكشف عن الذات الساردة " وقد جاء حضور الذّات ببعدها الانساني الشخصي ووقائع حياتها اليومية واشيائها الصغيرة وتفاصيلها .."3

اللعب باللغة:

تلجأ الشاعرة في نصوصها الاهتمام باللغة الشعرية والتكثيف الدلالي والتركيز العالي واللغة الايحائية مبتعدة عن اللغة المعيارية المباشرة " لتصبح هي غاية في ذاتها، حيث لا يمكن للنص أن يقول شيئاً على المستوى الافرادي للكلمة، ولا على المستوى التركيبي لسياق الجملة،وانما تظل دلالة النص متعالقة حتى نهاية العمل" 4 يتضح ذلك في استخدام بعض البنى الغرائبية والكابوسية كما في نص (وما الحلم بصيراً) ص100

هل رأيتم حلماً يؤرق وسادة

أو أشجاراً تمارس الحب

أو أشباحاً عاريةً

أنا رأيتُ

هل رأيتم ناسكاً يمضغ كأساً

أو أمطاراً تموت عطشاً

أو فراشةً تطير في رأس فرعون

التجريب في الموضوع:

تنوع التجريب على المستوى الموضوع لدى الشاعرة ليلى عبد الامير فمن خلال الخبرات الحياتية الشخصية والتفاصيل اليومية وتحويلها الى موضوع شعري فمن الفقد اتخذت موضوع لرثاء الاحبة، او حبها للوطن وقد تجسد مواقف الحياة او ما يمارسه البشر، فهذ ما يسمح لها بتعدد الرؤى التي ترصد هذه المواقف .

كنت طفلةً ص108

أغفو قبل أمي

قبل بزوغ الفجرِ بيقظتين

اترقبها بعناية تامةٍ

وهي تصلي خلف أبي

كان حُلمي أن تعرفَ

غايتي المبيّته في دهاليز مكريي

أن أكون فراشةً

تؤدي مناسك الرقص

رقص البجع مثلا

المجموعة في مجملها كتجربة غنية بالسمات الجمالية والتي تعبر عن تجربة ابداعية تجذب المتلقي وفيها من المتعة الفنية والابداعية .

***

طالب عمران المعموري

.......................

المصادر

1- ليلى عبد الامير، أختفي وتلاحقني المرايا، ط1 دار ابجد للترجمة والنشر والتوزيع، العراق، بابل،2022 .

2- المعموري، غانم عمران، الذات والوجدان في القصيدة، ط1، منشورات الاتحاد العام،العراق،2021 .

3- المعموري، طالب عمران، الهاجس السردي في قصيدة النثر،ط1، منشورات الاتحاد العام، بغداد، 2021.

4- د. محمود الضبع، غواية التجريب، ط1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2014 .

 

في المثقف اليوم