قراءات نقدية

عصام شرتح: دراسة في المتحولات الجمالية لقصيدة (قريتي) لوهيب عجمي

الملخص: تهدف الدراسة إلى الكشف عن البنى الشعرية الجمالية التي تحكم فاعلية الرؤيا الجمالية  في قصيدة (قريتي) من حيث القيمة والفاعلية والتأثير؛ لاسيما إذا أدركنا أن القصيدة – عند العجمي- حقل جمالي من المتغيرات الجمالية التصويرية التي تجعل القصيدة نقطة فاعلية المثيرات الجمالية في الشكل اللغوي والإيقاعي، والموسقة الجمالية التشكيلة في ربط الكلمات وتوليفها واستثارة إيقاعاتها الجمالية، وهذا يعني أن المتغير الجمالي في قصائد العجمي متغير بؤري تحفيزي يستثير الرؤيا الجمالية من العمق من خلال بلاغة التوليف الجمالي الشاعري وربط الأنساق الشعرية بروابط تفاعلية استثارية تجعل النص الشعري لحمة متكاملة جماليا من خلال حنكة الشاعر الجمالية  في الانتقال من صورة جمالية إلى صورة تحقق إيقاعها الجمالي ومتحولها الشاعري المميز.

ولهذا، فإن البحث في الشعرية هو أولاً وأخيراً بحث في المؤثرات الجمالية التي تنبني عليها القصيدة  في حركتها ومتحولها الجمالي، لاسيما إذا أدركنا أن اللعبة الشعرية لعبة مؤثرات ومتحولات جمالية في قيمها وبناها ومؤثراتها الجمالية؛ والشاعر المبدع أو المتألق جمالياً هو الذي يشكل اللغة تشكيلاً انزياحياً خلاقاً  في إنتاج التفاعلات النصية الآسرة التي ترتقي برتم الشعرية من نسق جمالي إلى آخر. لتغدو الشعرية ذات قيمة استثارية تجاذبية ترتقي بالمتخيل الجمالي لقصائده على المستوى الإبداعي والقلقلة الجمالية.

ومن هنا سيكون منطلقنا الجوهري الرئيس انطلاقاً من شعرية الكلمة، وإيقاع متحولها الجمالي إلى إيقاع الجملة ومتغيرها الجمالي المثير على المستوى النصي، ومن ثم إلى الفضاء النصي ككل الذي يحكم جمالية الرؤية الكلية التي تطرحها القصيدة في متحولها ومتغيرها الجمالي الشاعري. ووفق هذا التصور، فإن جمالية الرؤيا الشعرية تنطلق من فاعلية البنى والمتغيرات والمؤثرات الأسلوبية التي تنقل القصيدة من متغير اسمي إلى متغير  فعلي، تبعاً لغنى الشعرية ومعطياتها الجمالية. لأن الشعرية كتلة تفاعلات وتجاذبات نصية استثارية تربط الأنساق الشعرية، وتحرك المخيلة الجمالية لتزدهي القصيدة وتنتشي بإيقاعاتها التشكيلية كافة.

نص القصيدة:

قريتي من ذِكرياتٍ وَحجَرْ

ورسومٍ من خيالاتِ البشرْ

 *

وحنينٍ في جدارٍ لم يزلْ

حاملاً من سقفِهِ بعضَ الأثرْ

 *

وبُيوتٍ في البراري سَرَحَتْ

لفَّها في حُضنِهِ قلبُ الشَّجرْ

 *

وسماءٍ يسبحُ الطَّيرُ بها

غيمُها الأبيضُ قطنٌ وَصُوَرْ

 *

قريتي حبٌّ وأنسٌ فائضٌ

وليالٍ من حكاياوَسَمرْ

 *

ونجومٌ كصبايا شَعْشَعَتْ

تطلقُ النّورَ فيصْطافُ النَّظرْ

 *

وربيعٌ صدحَ الغُصنُ بهِ

علَّقَ العُشَّ بأكتافِ الزَّهَرْ

 *

كمْ خريفٍ كَشفَ السِّرَّ لها

وغدا يغسلُ رِجْليها المَطَرْ

 *

وجهُها شمسٌ حقولٌ ودُررْ

صيفُها الحُلوُ سِلالٌ وثَمرْ

 *

قريتي زرعٌ وخيرٌ دافقٌ

وكنوزٌ بترابٍ تُدَّخرْ

 *

وجدودٌ سِدرةُ المجدِ لهمْ

شأنُهم عالٍ وفيهِمْ يُفْتَخَرْ

 *

قريتي من سنديانً شامخٍ

يَجْبَهُ الرِّيحَ ويجتازُ الخَطرْ

 *

وَقَفَتْ فوقَ الرَّوابي عالياً

لَثَمَتْ عندَ المسا ثَغْرَ القمرْ

 *

وجمال وصفاء قريتي

لرضاها مبدعا غنى الوتر

***

البحث:

 تعد الشعرية ذروة ما تسعى إليه النصوص الشعرية المؤثرة في خلق متعتها واستثارتها الجمالية،لأن قيمة الكلمة لا تتأتى شعرياً إلا من خلال تضافرها وانسيابها الجمالي وتوليفها الشاعري المثير في النسق الشعري الذي تدخله؛ ووفق هذا التصور، فإن قيمة النص الشعري جمالياً لا تظهر إلا من خلال بناه اللغوية المثيرة وبنائه الفني المعماري المثير، وغناه بالتشكيلات اللغوية المنزاحة التي ترتقي فاعلية عليا في التركيز والتفعيل الجمالي.

والواقع أن الشعرية في قصائد وهيب عجمي هي شعرية رؤية فنية تشكيلية تعتمد بلاغة الصورة وقوة الجاذبية الفنية بين الأنساق الشعرية، لدرجة أن قصائده تشد بعضها بعضاً من خلال قوة التوليف الجمالي الشاعري، وشعرية متحولها الفني الجمالي المثير، ناهيك عن بلاغة اختيار الكلمات الشعرية في موقعها المثير لاسيما في القافية، وتوابعها في الأسطر الشعرية، مما يدل على أن العجمي يهندس قصائده هندسة جمالية في إيقاعها ومتحولها الجمالي المثير، كما في قوله في فاتحتها الاستهلالية الموفقة التالية:

قريتي من ذِكرياتٍ وَحجَرْ

ورسومٍ من خيالاتِ البشرْ

 *

وحنينٍ في جدارٍ لم يزلْ

حاملاً من سقفِهِ بعضَ الأثرْ

 *

وبُيوتٍ في البراري سَرَحَتْ

لفَّها في حُضنِهِ قلبُ الشَّجرْ

 *

وسماءٍ يسبحُ الطَّيرُ بها

غيمُها الأبيضُ قطنٌ وَصُوَرْ

 *

قريتي حبٌّ وأنسٌ فائضٌ

وليالٍ من حكاياوَسَمر"(1).

هنا، يبني الشاعر القصيدة بناء وصفياً استثاريا من خلال قوة الرابط الجمالي بين الصور والجمل الشعرية، وكأن الشاعر ينحت الصورة الوصفية  نحتاً جمالياً استثارياً من خلال قوة الرابط الجمالي في نقل الصورة من قيمة جمالية إلى قيمة وفق متغيرها الفني المثير، كما في التوليف الشاعري المتتابع الذي يرصد فيه الشاعر معالم قريته الجميلة وآثارها وطيورها وطقسها ومشاعره المحمومة حباً لكل صورة من صورها وأثر جمالي من آثارها، كما في بداعة الصور التالية:[ وبيوت في البراري سرحت لفها في حضنه قلبُ الشجر]، وهذا الأسلوب الاستثاري الذي اعتمده العجمي دليل قوة المخيلة الشعرية، ودهشة الالتفاف بالقارئ من صورة إلى صورة، ليحرك الايقاعات الجمالية التي تنبني عليها القصيدة في زوغانها التشكيلي المثير وانزياح متغيرها الجمالي.

ولو تأمل القارئ فاعلية التوليف الجمالي على مستوى اختيار الكلمات وتنسيقها واختيار إيقاعاتها الجمالية لخلص إلى  حقيقة مهمة في شعرية العجمي، وهي أن شعرية العجمي تؤسس إيقاعها الجمالي على حراك البنى الشعرية، وتوليف الكلمات المموسقة الغنائية التي تجعله الشاعر الغنائي الأول في بناء الإيقاعات المموسقة في اللفظ وبلاغة التنقلات المموسقة على مستوى الصورة ، من ناحية الحبكة الجمالية في ربط الكلمات وإبراز متغيرها الجمالي المثير، كما في قوله:

ونجومٌ كصبايا شَعْشَعَتْ

تطلقُ النّورَ فيصْطافُ النَّظرْ

 *

وربيعٌ صدحَ الغُصنُ بهِ

علَّقَ العُشَّ بأكتافِ الزَّهَرْ

 *

كمْ خريفٍ كَشفَ السِّرَّ لها

وغدا يغسلُ رِجْليها المَطَرْ

 *

وجهُها شمسٌ حقولٌ ودُررْ

صيفُها الحُلوُ سِلالٌ وثَمرْ"(2).

هنا، يثيرنا الشاعر بالانسيابية الجمالية على مستوى الصور، وبالألق الجمالي في  تصوير المشاهد التعبيرية الحية لقريته الجميلة من خلال وصف الفصول التي تمر عليها لتنقلها من صورة جمالية إلى صورة ، فهي في الخريف لاتقل جمالاً وجاذبية في الفصول الأخرى عن  الربيع أو الصيف أو الشتاء، فهي دائماً في اطلالة جمالية و خلق جمالي ومشاهد براقة بمعطياتها ومؤشراتها الجمالية، وهذا ما يظهر لنا من خلال بلاغة الصور والمحفزات الجمالية التي تثيرها في إيقاعاتها الجمالية، كما في قوله:[وربيع صدح الغصن به/ على العش بأكتاف الزهر- كم خريف كشف السر لها/ وغدا يغسلُ رجليها المطر]، ولو تأمل القارئ فاعلية الصور من ناحية قيمة الوصف ودقته لأدرك أن شعرية الوصف شعرية انتقالية علائقية البنى ، متحولة الدلالات من دلالة إلى دلالة، ومن رؤية إلى رؤية ليحقق جوهر شعريته في بنية الصورة المركز أو الصورة المبئرة لجوهر الرؤية الجمالية في القصيدة، كما في قوله:[ وجهها شمس حقول ودرر/ صيفها الحلو سلالٌ وثمر]، وهذا الوصف الجمالي يؤكد ولع الشاعر وتعلقه التام بقريته بكل ما تمثله من مشاهد ورؤى ومثيرات بصرية ترتد من مشهد جمالي إلى آخر، ومن صورة جمالية استثارية إلى صورة أخرى، وهذا ما يجعل الشعرية تفاعل قيم جمالية بكل ما تفيض على القارئ من رؤى ودلالات جمالية تبرز في قوة رابطها الجمالي التفاعلي على مستوى الأنساق الشعرية، وغنى القصيدة بالمعطيات والمؤشرات الجمالية الخلاقة.

 والمثير كذلك على المستوى الفني أن كل صورة ترفع درجة وتيرتها الجمالية، لتنتقل بالقارئ من قيمة جمالية إلى قيمة بكل حراك الرؤى الجمالية ومتغيرها الأسلوبي الشاعري المثير، كما في الإيقاع الوصفي التتابعي المتألق في بوح الشاعر الذي ظهر في الأبيات التالية:

قريتي زرعٌ وخيرٌ دافقٌ

وكنوزٌ بترابٍ تُدَّخرْ

 *

وجدودٌ سِدرةُ المجدِ لهمْ

شأنُهم عالٍ وفيهِمْ يُفْتَخَرْ

 *

قريتي من سنديانً شامخٍ

يَجْبَهُ الرِّيحَ ويجتازُ الخَطرْ

 *

وَقَفَتْ فوقَ الرَّوابي عالياً

لَثَمَتْ عندَ المسا ثَغْرَ القمرْ

*

وجمال وصفاء قريتي

لرضاها مبدعا غنى الوتر"(3).

هنا، تظهر حنكة  الشاعر الوصفية وبلاغة إيقاعات الصور الوصفية الترسيمية الدقيقة في وصف مشاهد قريته بكل ما تختزنه قريحة الشاعر المبدعة ليخلق لغة شعرية انسيابية تضع الشاعر في شعرية العاطفة أو شعرية البث العاطفي لما يدور في خلد الشاعر وقريحته الشعرية لينتج لغة جمالية تؤكد انسيابها الجمالي وإيقاعها الشاعري الذي تزدهي به وتبرز بكل معطيات الرؤيا الشعرية ومتغيرها الشعري الجمالي التحفيزي المثير. وهذا يعني أن فاعلية الصورة الشعرية في هذه القصيدة تبرز من خلال جمالية الوصف وبلاغة الترسيم الشاعري لمشاهد قريته الجميلة التي تزدهي بكل معطياتها ومؤشراتها الجمالية، وهذا يدلنا على أن الشعرية في قصائد العجمي تظهر من خلال قوة الروابط الجمالية التي تربط الصورة بالصورة ، والكلمة بالكلمة، والجملة بالجملة، لبرز الشعرية وتنتشي بقوة الرابط الجمالي التوليفي بين الأنساق.

وصفوة القول: إن اللعبة الجمالية في قصائد العجمي لعبة توليفات بليغة واختيارات نسقية جمالية غاية في الاستثارة والدهشة الجمالية في تنقلاتها الشعرية المفتوحة وحراك البنى الشعرية التي ترتكز إليها، وهذا لايمكن أن يحظى به إلا الشاعر المتمرس الذي يملك أقصى درجات الاستثارة والجمالية في ربط الأنساق الشعرية واستثارة إيقاعاتها الجمالية.

تعليق على القصيدة:

 القصيدة كتلة تفاعلية استثارية على مستوى القوافي، وبلاغة الجمل، وغنى مخيلة الشاعر بالصور الاستثارية التي تحرك الشعرية عبر مشاهدها الحية، وصورها الطازجة بجمالياتها وبناها الشعرية، وهي رغم اعتمادها الإيقاع الوصفي المتتابع إلا أنها جاءت قمة في التموج الجمالي الاستثاري العاطفي، وكأن الشاعر يبني (القصيدة – اللحمة) أو (القصيدة- ذات البناء الجمالي الموحد)  عبر إيقاعية انسيابية بعيدة المدى، غنية ببناها ومتغيراتها الجمالية، لدرجة أن هذه الانسيابية الرشيقة  جعلت القصيدة سريعة في مداها التحولي الجمالي وتنقلات الشاعر الانسيابية من صورة وصفية استثارية إلى صورة وصفية بإيقاعات جمالية تبدأ من شعرية الاستهلال إلى بلاغة الاختيار والتوليف الجمالي الشاعري على مستوى الكلمات وقوة الروابط الجمالية ليأتي حرف العطف هنا ليس ليعطف الكلمات والجمل وإنما ليشكل اللحمة الانسيابية بين الجمل، وهذا دليل أن غنى الشعرية في بنية القصيدة العجمية يظهر من خلال قوة الرابط الجمالي ودفق الشاعرية بإيقاعاتها المكثفة وغنى مؤشراتها بالصور البليغة التي ترتد إلى جاذبية الرؤيا الجمالية وفاعلية المتغير الجمالي في خلق إيقاعاتها النصية المتفاعلة.

نتائج أخيرة:

1- إن شعرية العجمي شعرية استثارات جمالية في الرؤيا، والقيم الجمالية، وقوة الروابط الجمالية التي تربط  بين الصور، والكلمات، والأنساق الشعرية، فلا تجد خلخلة، أو وهناً في الروابط النصية، وهذه قيمة جمالية من القيم البؤرية التي ترتكز عليها قصائد العجمي في تحقيق شعريتها وعنصر استثارتها الجمالية أن كل كلمة تشد الأخرى، وكل جملة تحقق تكاملها وترابطها الجمالي مع الجملة الأخرى، ليزدهي النص الشعري ويتألق جمالياً، وكأن العجمي يهندس قصائده بأشكال نصية تبرز في قوة الدفق الشاعري الرومانسي وإيقاعات القصيدة بمتغيراتها النصية كافة.

2- إن فضاء المخيلة الشعرية – عند العجمي- فضاء جمالي استثاري الرؤيا، لدرجة تجد النسق الشعري الواحد منسجماً جمالياً مع النسق الشعري الآخر، وكأن التركيبة الجمالية والتوليفة الشعرية واحدة في متغيراتها التشكيلية كافة، وهذا ما يجعل شعريته انسيابية تكاملية في رؤاها ومساحتها الشعرية  على امتداد الأبيات والأسطر الشعرية كلها ، ابتداءً من الفاتحة النصية وصولاً إلى القفلة النصية التي تربط الأنساق الشعرية بكل متغيراتها وبناها الشعرية. وهذا يعني أن القيمة الجمالية في قصائده قيمة تكاملية في استثارة الأنساق الشعرية المتآلفة التي تشد بعضها بعضاً مما يجعلها لحمة متماسكلة من بابها لمحرابها وكأنها قطعة من نسيج تفاعلي متكامل، وهذا جوهر إبداعها وتألقها جمالياً.

3- إن  شعرية الكلمة في هذه القصيدة تتأتى من قوة الروابط  النصية المتلاصقة، أي من قوة شعرية الروابط النصية الداخلية المتلاصقة أو المتجاورة في نسقها ، كما في قوة الروابط التي تربط ( المضاف/ والمضاف إليه) و(الصفة/ والموصوف) وبلاغة الروابط النصية العلائقية الأخرى التي تربط الأنساق الشعرية في تنقلات الشعرية من قيمة جمالية استثارية إلى قيمة جمالية استثارية أكثر استثارة وشعرية، وهذا ما يحسب لها إبداعياً على المسار التآلفي النصي.

4- إن حراك البنى الشعرية – في قصيدة العجمي- يتأتى من شعرية التوليفات الجمالية بين الأنساق الشعرية بكل ما تشكله من قيم استثارية  في نسقها الجمالي، والتلاعب النسقي بإيقاعات القصيدة من متغير جمالي اسمي إلى متغير جمالي فعلي، وهذا ما يجعل الشعرية عند العجمي شعرية استثارات جمالية توليفية موفقة في نسقها منسجمة مع حجم الدلالات العاطفية المفتوحة التي تبثها عبر شعرية الصورة وانسيابها التشكيلي الآسر. مما يدلنا على الكتلة التفاعلية الجمالية التي تربط الأنساق الشعرية، وتحقق غايتها الجمالية.

5- إن غنى الشعرية  في – قصائد  العجمي لاسيما هذه القصيدة- ينتج من المخيلة الشعرية المتوهجة التي يمتلكها الشاعر، وحساسية المنظور الجمالي في ربط الصورة الشعرية بالصورة الشعرية الأخرى، على نحو تفاعلي استثاري الرؤية، والمؤشرات الجمالية في القصيدة. ووفق هذا الانسياب الشاعري المثير يرتقي الشاعر بمتواليات قصائده النسقية على المستوى الإبداعي، لدرجة أن الصورة تباغت القارئ بالصورة الانسيابية الأخرى، وتخلق مؤشرها الجمالي البليغ.أي ثمة  تفاعل مثير بين الإيقاعات التشكيلية والروابط التي تربط الأنساق الشعرية، وتخلق تناميها الجمالي الشاعري بالانتقال من صورة إلى صورة، ومن رؤية إلى رؤية، وهذا دليل غنى الشعرية وغنى المتحولات الجمالية بالصور الخلاقة التي ترفع درجة الحساسية واللذة الجمالية في تلقيها.

6- إن الحنكة الجمالية التي يمتلكها العجمي دليل مراس شعري إبداعي متألق في تشكيل القصائد اللوحة أو القصائد البانورامية المفتوحة، أو القصائد الوصفية الطازجة في متخيلها الجمالي وحراكها الشاعري المثير، وهذا يعني أن البنية اللغوية أو الملكة اللغوية في استثارة الأنساق الشعرية تعد علامة أيقونية في خلق الصدمات التشكيلية المثيرة وقلقلة الرؤى الشعرية المرتبطة بها في قصائد العجمي، ووفق هذا التصور، فإن غنى الشعرية يبدو في هذا الاحتفاء اللغوي في هندسة القوافي وترسيمها جمالياً لتنشي الصورة وتزدهي إبداعياً في نسقها الشعري.

7- وأخيراً: إن المتحولات الجمالية في قصيدة ( قريتي) للعجمي- متحولات نسقية رؤيوية فنية في استثارة الصور التعبيرية الوصفية الآسرة، وخلق متغيرها الجمالي الشاعري الانسيابي، وهذا دليل الفضاء الجمالي الرؤيوي المفتوح الذي يمتلكه العجمي في بناء القصيدة، واستثارة إيقاعاتها الجمالية المتنوعة على مستوى قوة الروابط الجمالية الشاعرية وبلاغة الإسنادات الشاعرية التي تربط  الصور الشعرية جمالياً على مستوى شعرية الأنساق الشعرية وتجاذباتها النصية  الآسرة. مما يدلنا على أن القيمة الجمالية في قصائد العجمي قيمة متحولة في مجاذباتها النصية وحراك البنى الشعرية المتمردة في شكلها الشاعري وقوة الدفق الشاعري الذي يحكم الأنساق الشعرية لتنتشي الشعرية وتزدهي بألقها النصي الشاعري.

***

د. عصام شرتح

.......................

الحواشي:

(1) عجمي، وهيب- قصيدة قريتي، صفحة الشاعر على الفيس بوك.

(2) المصدر نفسه، صفحة الشاعر على الفيس بوك.

(3) المصدر نفسه، صفحة الشاعر على الفيس بوك..

في المثقف اليوم