قراءات نقدية

غسان عباس: جَمَالِيّاتُ التّـنَاصِّ في شِعْرِ يحيى السّمَاويّ

ديوانُ (التّحْليْق بأَجْنِحَةٍ مِنْ  حجر) أُنموذجًا

المُستخلص: إنمازَ التناصُ بصفاتٍ مُلهمةٍ للنصِ،  قادرةٍ على سَبْرِ أغوارهِ والتّغلغلِ إلى عُـمقِ طبقاتِهِ، فالمتحسّسُ لهذه الظّاهرةِ يُدرِكُ الغنى التناصِّي فيه، والذي يَستحقُ التوقْف عندَهُ للبحثِ والدّراسةِ والتّحليل، وإنْ أشارتْ بعضُ الدّراساتِ الأكاديميةِ بإيماءاتٍ لا تُغني عن تناولِ الظّاهرةِ على نحوٍ مُتخصّصٍ في شعرِ يحيى السّماوي، ومحاولةً منا لرصدِ ملامحِ هذه التّجربةِ الجديدةِ وتقديمِ رؤيةٍ تناصيةٍ تنبعُ من ملاحقةِ الشكلِ وتتبُّع مراحلِ تطوّرهِ، كما نقفُ عندَ المضمونِ، متأملينَ تشكيلَ اللّغةِ الشّعريةِ لديه، ومدى تعبيرها عن المفهوماتِ الاجتماعيةِ والفكريةِ والعقائدية والآيدلوجية الثقافية.

يُقدّمُ هذا البحثُ قراءةً عن جمالياتِ التّناصِّ في شعرِ السّماوي، إذ جاءتْ الدراسةُ في مقدمةٍ ومبحثين : تضمّنَ المبحثُ الأولُ: مفهوم التناصّ، مبينًا إيّاهُ لغةً واصطلاحاً، فيما عرضَ المبحثُ الثاني مستويات التناص الدّيني (القرآني) في شعرِ السّماوي، مع عيناتٍ اجرائيةٍ تطبيقيةٍ مُختارةٍ من شعرِهِ، أعقبهُ التّناصُّ الأدبيُّ (الشّعري) في شعرِه، ومن ثَم  التّناص التّاريخي، والذي تناصَ فيهِ بإشارةٍ أو إيحاءٍ مع أبرزِ الشعراءِ، مع ذكر الشواهد التناصية المحكمة، تلتهُ ثمارُ النّتائج والمصادر والمراجع.

الكلماتُ المفتاحيةُ: السّماويُّ، التّناصُّ، التّناصُّ القرآنيُّ، التّناصُّ الشّعريُّ، التّناصُّ التّاريخيُّ.

مُقدِّمة

تنوّعت مصادر التناص لدى الشّعراء بتعدّد الثقافات التي احتكَّ بها كلُّ شاعر، فإذا ما تتبعنا مفهومه ونشأته في تراثنا العربي القديم، نجده مُصطلحاً جديداً لظّاهرةٍ أدبيةٍ ونقديةٍ قديمةٍ، وكانوا يُسمّونه بأسماء أُخرى، مثل: (التّضمينُ، التّلميحُ، الإشارةُ، الاقتباسُ،....)، فالتأملُ في طبيعةِ التّأليفاتِ النّقديةِ العربيةِ القديمةِ وخاصة البلاغية يُعطينا صورةً واضحةً لوجودِ أصولٍ أو جذورٍ لقضيةِ التّناصِ فيه، ولكن تحتَ مُسمياتٍ أخرى وبأشكالٍ تقتربُ من المصطلحِ الحديث.

وقد ازدهرت مصادرُهُ عندَ السّماوي[1]. بحكم العصر والمكان الذي عاش فيهما  إذ جاء عصرهُ مزيجاً متعددًا من الحضارات والثقافات التي انصهرت معاً في وعاء الحداثة، وتجلّى في شعره تنوّعُ هذه المصادر المعرفية. إنَّ أهمَّ ما يُثيرُ في هذا النوعِ (التناص) عـندَ الشّاعر هو أسلوبُهُ المُميزُ والتّعبيرُ السّاحرُ والقُدرةُ الفائقةُ في استدعاءِ النّصوصِ القديمةِ ومحاكاتهِا تاريخياً، مما شكّلت وحدةً موضوعيةً ناهضةً لديه، حيثُ رسمت نسيجاً معرفياً وتاريخياً وجمالياً في إنتاج النصّ، فشعره يتجذّرُ امتدادًا لخنادقِ التاريخِ وكهوفِهِ، لِما عاصر من حقبة زمنية مضمّخة بالمتغيرات التاريخية والانقلابات السياسية، فاحتواء النص السّماوي للتاريخ ينطلق من رؤيته ومنهجه الساميين، فضلاً عن قراءاته المحضة للواقع المحيط به، غير أن الذي زاد التّناصَّ جمالاً هو تخييله الشعري الوقّاد، الذي لم يكن ليتجاوز رؤيته المعهودة، ويلاحظ أنَّهُ يولجنا في نصٍّ جديدٍ من خلالِ سكبهِ في نصٍ تليدٍ، ويتكرّر هذا الاستدعاء ليولد من رَحِمِهِ تناصٌ جديدٌ.

وقد أثرى السّماويُّ في تناصاته المتنوّعة ومخياله الحسّي المرهف آفاقًا واسعةً وعوالمَ مُعصرنة من أساليب التعبير وتجلّيات التلقّي المرتبطة بهوية وطابع الشعر العربي القديم، والذي يستمدُّ مضامينه من ظلاله الغنية الوارفة، كالإشاراتِ التّناصيةِ التي تتضمن في تركيبها اللّغوي الشعري تضميناتٍ لُغويةً مجردةً أو اقتباساتٍ حسيةً محضةً، وجدت طريقها المباشر دونَ تكلّفٍ أو اقحامٍ في مستوى التّناصِّ الشعري للشاعر. ومن خلال هذا المهادِ التقديمي سنسلطُ الضوءَ على مباحثِ الدّراسةِ الآتية.

المبحثُ الأولُ: مفهومُ التّـناصِ

لـجماليات التناصِ في شعر السّماوي أثرٌ واضح، فإذا ما تأملنا في مفهومه ونشأته في تراثنا العربي، نجده مصطلحاً جديداً لظّاهرةٍ أدبيةٍ ونقديةٍ قديمةٍ موروثةٍ، فالقِراءةُ المتأنيةُ للنتاجِ النّقدي العربي القديم، تُعطينا تصورًا ناضجًا لوجود أصول التّناص فيه، حاملاً عنواناتٍ مختلفةً تداني المصطلح الحديث.

وقد تطوّر التناص لديه لتطوّر عصره ثقافيًا وفكريًا، وكذا البيئة التي نشأ  فيها ؛ إذ جاء عصره مزيجاً من الحضارات والثقافات التي انصهرت معاً في وعاء الحضارة والثقافة، مما دعا إلى تنوع أشكال التناص فكان (دينيًا، أو شعريًا، أو أسطوريًا، أو رمزيًا، أو تاريخيًا)، كما نقف عندَ تعريفهِ لغةً واصطلاحًا.

يُعدُّ التّناصّ من المصطلحات الغربية الحديثة، التي دخلت على الأدب العربي مبكّرًا، إذ أنَّهُ من الأساليب الشعرية الزاخرة والتقنيات الفنية  المؤثرة التي لجأ إليها السّماوي في خطابه الشعري، معتمداً اللّغة وعناصرها النّصية ومقدرتها الشّعرية، ومستغلاً هذا الإرث بما فيها من سماتٍ إيحائيةٍ ورمزيةٍ ودلاليةٍ؛ لأنَّها ضربٌ من تقاطع النّصوص، يُفضي على النّص ثراءً ونضجًا، ويُسهم في البناء الجمالي وخلق الأثر في المتلقّي بما يتّجهُ من أبعادٍ دلالية، إذ تكمن" قدرة المبدع في توليدِ تراكيبٍ  وصورٍ جديدةٍ لم تكن مألوفةً في الاستعمال، تُفاجئ المتلقّي وتهزُّ كيانَهُ وتحققُ متعةً له"[2].

ويمثّلُ التّناصُ انفتاحاً على الأعمال الأدبية وتنوّعها ليفسح المجال لأقوال أُخر، وتأويلاتٍ أُخر تعيش التجديد مع أقواله وتأويلاته حالة من التعدّدية التي تتناقض وتتعاضد من دون أن تصل إلى مرحلة المواجهة والسّعي إلى إلغاء الآخر، لهذا فالتّناص" جزءٌ من استراتيجيةِ الانحرافِ القائمةِ على مغايرة اللّغة الشّعرية للخطاب الاتصالي – النثري" [3]. وهنا تكون العملية تواصلية بين (الشّاعر والماضي والمتلقّي)، فبالإضافةِ إلى مخزونِ السّماوي الثقافي، فإنَّ إدراكَ أبعاد النّصِ التّاريخية واللّغوية والنّفسية تتوقف على معرفة المتلقي وذاكرته الحفظية، وطريقة ترشيحه المتداخل في النّص، وعليهِ فالتّعالقُ النّصيُ ظاهرةٌ لغويةٌ معقدةٌ في نظرِ بعضِ الدّارسينَ، ويصعبُ ضبطها؛ لأنّها تعتمدُ على ثقافةِ المُتلقّي– كما قلنا – وقدرته على التّرجيحِ[4].

وانبثقت فكرة التناص" لتبعث الاضطراب في كلِّ أنواع التّرسيمات الابيستيمية المعرفية الاتجاهية الذاهبة من المُؤلِّف إلى العمل ومن المرجع التجريبي إلى التعبير(اللّغوي) ومن الينبوع إلى التأثير بالمتلقّي – من الجزء إلى الكل – ومن الرّمزِ إلى التّجليةِ، ولكي تضع في النّصِّ خطيته وسياجه موضع التساؤل، من الحرف الكبير إلى نقطة النهاية"[5]. وهناك من يرى أن التناصَ ارتبطَ في الدّرسِ اللّساني الحديث بالتّعالقِ النّصي بينَ نصٍ وآخرٍ أو بتداخلِ النّصوصِ بما يعنيه من حضورِ نصٍ في نصٍ آخر، استدعاءً أو تأثراً[6].

مَفْهُوْمُ التّـناصِّ (لُغةً واصطلاحاً)

التّـناصُ لُغةً

للمعاجمِ العربيةِ أثرٌ جليٌ في تبيانِ معنى التـناصّ لغةً، حيثُ جاءَ في لسان العرب: " النص رفعه الشيء، نص الحديث ينصه نصّاً: رفعه، نصّ الحديث ينصه: رفعه ونصّ المتاع، جعله بعضًا على بعض[7]. أما القاموسُ المحيطُ فيرى أنَّ التّناصَ من: نص الشيء، حرّكه ونصّ العروس، أقعدها على المِنَصة [8].

وحينما بحثنا عن معنى التناص في بطون معاجم اللُّغة العربية، وجدنا أن كلمة (تناصّ) هي فعلٌ في تصريفهِا اللّغوي من (تناص، يتناصُّ، مصدر تناصّ)، أي تناص الناس تزاحموا، والتناص في الأدب العربي مصطلح نقدي يُقصد بهِ وجود علائق وتشابه أو تقارب دلالي بينَ نصين أحدهما قديمٌ وآخرهما حديثٌ، أو بينَ عدةِ نصوصٍ بينهما فارقٌ زمنيٌّ.

التّـناصُ اصطلاحًا

إنَّ التناصَ بتغيراته غير المتناهية مقترن بالتطوّرات الجذرية لهذا المصطلح، إذ أغدق دلالاتٍ ذات ظلال حافة استجلت ثيمة النّصّ الشعري وآزرته، وهذا الشَّكل التّعبيريُّ وظّفّ تقنيةً مائزة داخل النص، إذ أنَّ التّناصَّ المقصود يُثير ضباب الدلالة ويفتح التأويل، فهو استرجاعات فنية لنصين مختلفين زمانًا ومكانًا.

و(لرولان بارت) بصمةٌ في استراتيجية مفهوم التناص، إذ انطلق في مشروعه التناصي هذا من ثراء مشاريعه النقدية لمفهوم التناص، فيرى أنَّ" كلَّ نصٍ ليس إلّا نسيجاً جديداً من استشهادات سابقة"[9]. أي أن هذا النسيجَ تُحْبَكُ خيوطهُ النقدية بشكلٍ مُحكمٍ من رَحِمِ النصّ التليد حتى يستقرَّ به بعد تعالق متين تناصاً مُكتنزًا.

ولعلَّهُ من المفيد أن نؤكد أن فكرة جماليات التناص جاءت" لتبعث الاضطراب في كل أنواع الترسيمات الابيستيمية الاتجاهية الذاهبة من المؤلف إلى العمل، ومن المرجع التجريبي إلى التعبير اللّغوي، ومن الينبوع إلى التأثير بالمتلقّي – من الجزء إلى الكل- من الرمز إلى التجلية، ولكي تضع في النص خطيته وسياجه موضع التساؤل، من الحرف الكبير إلى نقطة النهاية "[10]، ولكنه اضطراب تخليقي انتاجي جديد.

وفي هذا الإطار فإنَّ الناقد الروسي ميخائيل باختين ينظر إلى التناصِّ على أنَّهُ بؤرة تواصل في ضوء حزمة من العلائق التي تنتج بينَ المُرسلِ(الكاتب) والمُرسلِ إليهِ (المتلقي)، لذا عرّفَ التناصَ بأنَّهُ، " عبارة عن وسيلة تواصل لا يمكن أنْ يحصل القصد من أيّ خطاب لغوي بدونه، إذ لا يمكن أن يكون هناك مرسل بغير متلقٍّ مستوعبٍ مُدركٍ لمراميه"[11]. ويؤكدُ باختين هنا على العلاقة المبرمة بين المرسل والمتلقي،  فهي علاقة تشعرنا بعمق هذا التعالق وتواصله معَ النصينِ القديم والحديث.

وعلى وفقِ ذلك فإنَّ النَّصَّ لا يتفاعل كثيراً مع جزئيات النص السابق، بقدر ما يسعى الإشاري إلى إنشاءِ علاقةٍ فريدةٍ بينَ النّصينِ تبدأُ بــ" الإشارة العابرة اللَّاواعية، وتنتهي عندَ إحاطةِ القارئ بمُناخٍ دلاليٍ يدفعُ بهِ نحوَ قراءةٍ تأويليةٍ تقومُ على التّفكيكِ وإعادةِ البناءِ"[12].

هذا وأنزل د. جبّار ماجد البهادلي النَّصَ" بمنزلة الابن الشرعي الذي يستمدُّ خصوصيتهُ الثقافية واستقلاله الذاتي من رَحِمِ آبائه النصوص الأصلية السابقة دون أن يفقد ميزاته اللُّغوية والجمالية؛ كونه نصّاً قائماً بذاته الاستقلالي، تمنحه نظريات القراءة وجماليات التلقي الحديثة وضعاً قرائياً تأويليّاً جديداً يسبرُ أغوار وحدته الموضوعية، ويفكُّ شفراتِ هُويته اللُّغوية ويجلو سياقات مستوياته الدلالية، فيُحقّقُ بذلك النّصِّ أبجديتَهُ التي تؤمِّن له من أن النّصَّ يُشكّلُ فضاءً واسعاً رحباً قابلاً للتأويل بقراءاتٍ فاعليةٍ مُتجدّدةٍ كثيرةٍ تجلو صفحاته المتنوّعة المتعدّدة الرؤى، سواء أكانت الرؤى الفلسفية المتجليّة والخفية منها، مرئيةً بصريةً، أم غيرَ مرئيةٍ بصريةٍ "[13].

المبحث الثاني: مُستوياتُ التّـناصِ في شعرِ السّماويِّ

يمتاز التناص - من بين جماليات الخطاب الشعري ـــــ بأنَّ له مستوياتٍ متعددةً ومصادرَ متنوعةً تعضدها فنياً في رسم البنية النصية، وتغذيها تنوّعاً وثراءً لغوياً وجمالياً، له الأثر البالغ في هندسة  التناص لدى المتلقّي.

إنَّ البحثَ في الخطاب الشعري لدى السماوي قد تضمن اقتباساً شعرياً يؤكّد فيه أنّ النصَّ هو محاكاة ومتواليات لنصوص أُخرى، مجتمعة وموحّدة في نصٍ موازٍ آخر، انماز بلغته الرشيقة وشكله التناصي الذي وقع في أصفاده الشاعر؛ كونه من الوسائل اللّغوية المتطوّرة، وقبساً لغوياً من تناصات الشاعر المتلونة في الشعرية النقدية المستحدثة، فالتناصُ يمثّلُ مهمةً استذكاريةً واسترجاعيةً تستعيدُ نَصاً سابقاً؛ مُعيدةً إيَّاهُ بلباسِ ثوبٍ جديدٍ آخر، والغاية منها استحضار الرصيد السابق للنصوص التليدة الناهضة، فضلاً عن استنهاض الخزين المعرفي واستثماره للنص الأول، من أجلِ قراءةٍ تفاعليةٍ بينَ المُرسلِ والمُرسلِ إليه، وهذه المتغيراتُ النّصيةُ وتحولاتُها في شعر يحيى السّماوي، تجلّت ملامحُها في تناصاتهِ الشّعريةِ المُتباينة، فـ" النّصُ الإبداعيُّ ينبغي أن يكونَ منتجاً يكسرُ شكلَ النّصِ القديم"[14].

ينقسم التناصُ القرآنيُّ لدى الشّعراء على قسمينِ: تناصٌ كُليٌ لآيةٍ من القرآن الكريم مع محاكاة يسيرة عند توظيفها، أو إعادة هيكلة النص المتناص معه، وعادة يكون هذا التناص بعيداً عن سَبر الوزن، أمَّا الثاني فهو محاكاة المعنى وصياغته بلغةٍ رشيقةٍ، مع البقاء على قرينة تدلُّ عليهِ في سياق النص، فالأول عُرف بالنُّدرةِ والنُزُر القليل، أم الثاني فقد ذاعَ صيتُهُ وحسنُ استخدامُهُ.

التّناصُ الدّينيُّ (القُرآنيُّ) في شعرِ السّماويِّ.

تُعد ظاهرة استدعاء النّص القرآني أو معناه من الظواهر المهمّة البارزة في الساحة النقدية والإيحائية، التي تُؤدي إلى تَدعيم الخطاب وتكثيف دلالته بين النصين القديم والحديث، لينتج بحثاً لغوياً تنويرياً إبداعياً جمالياً مناسباً لواقعة الحدث الموضوعية والجمالية التي وهبته تعبيرية هذا الثراء الفني التقني، والمُتلقي لنصوص النهج يجد نفسَه إزاء هذه الأنواع الاقتباسية التي تَتَمحور حول (استحضار) مُفردةٍ، أو تركيبٍ، أو آيةٍ، أو بعضٍ منها، أو أكثر، أو استحضارِ لمعانيها، أو مَبانِيها.

وجديرٌ بالذكرِ أن الاقتباسَ ظاهرةٌ ملحوظةٌ في البلاغةِ العربيةِ القديمة، وهي أقربُ ما تكونُ لظاهرةِ التناصِ في النقدِ الحديث، مع تمظهر بعض الفروقات، منها أنَّ الاقتباسَ كان يَرِدُ في النصِّ لفظًا ومعنى، وقَـلَّما يوظّف الشّاعرُ اللّفظ والمعنى توظيفاً جديداً، بينما في التناصِّ نرى أن الشَّاعرَ في أغـلبِ الأحايين يُعيد إنتاجَ المعنى ويسُوقه وفقاً لرؤيته وتحقيقاً لأمانيه ووصولاً لغرضه ومقصدياته الفنية.

لشعر السّماوي تجلّياتٌ تناصيةٌ مع القرآن الكريم بشكلٍ واضحٍ وجليٍّ؛ لأنَّهُ مقومٌ أساس من مقومات ثقافة الشّاعر المُسلم، لذلك نراه يتناص معه بوصفه شاعراً؛ لأنَّ القرآنَ الكريمَ بحرٌ من الدّلالات لا ينفد معينُهُ، لِما يحتويه من قصصٍ وعبرٍ وأحداثٍ، وهكذا اتكأ الشاعرُ على مفرداتِهِ ومعانيهِ واقتبسَ بعضاً من آياتهِ، ليعكسَ بذلك مدى ما يشعرُ بهِ اتجاهَ العصر وما شهده من تطور حضاري وفكري وعقائدي،  وإذا أمعنا النّظرَ في ما بينَ أيدينا من ديوانه (التّحليقُ بأجنحةٍ من حجرٍ) وإلى محاكاتِهِ معَ القرآنِ الكريم، فإنَّهُ يثبت مدى تأثره به، فنجدُ في بعضِ أبياته كأنَّهُ يصوغ تلك الآيات قلائدَ من جُمان، إذ تميّزَ بقدرتِهِ على استيعابِ معاني القُرآنِ وصياغتها شعرًا، فضلاً عن هذا كلِّهِ أنَّ ثقافة السّماوي القرآنية المكتسبة تؤهلهُ شِعريًا إلى التّناصِّ مع آياتهِ وسورهِ التي تدبّرها شكلاً ومضمونًا.

فالقارئُ لشعرهِ يستطيعُ أن يميّزَ من أيِّ آيةٍ استقى هذا البيت، فعند اطّلاعنا نتصور أنفسنا أنَّ شعره يعكس تماماً شيئاً عن الحالة العقلية والمخيالية التي كانت تُسيطر عليه، والتي يذود عـنها شاعرنا ويدعمها بكلِّ ما أوتي من بيان، فيحتاج إلى ذلك صوراً قرآنيةً يستشهدُ بها ويستدعيها لتُضفي على دلالةِ نصهِ دلالةً سَماويةً أخرى، وبهذا تمثّل آلية فاعلة لإحياء التراث العربي واستحضاره تاريخياً من خلال نصوص مرآته التناصية العاكسة للتراث، واستحضار النص الغائب، وإنشاء الصلة بين الحاضر والغائب، عندئذٍ يتسع الأفق الدلالي للنص الناتج عن تعالق النصين أو التركيبين.

وثمةَ مزيةٌ أخرى للتناص القرآني لدى السّماوي، هي تفخيمُ شأنِ نصِّ الشّاعر وتعظيمه فنيًا وجماليًا، وتزيين سبكهِ على وجه لا يشعر بأنَّه منه،   وهذا ما اعتمده الشاعر في تناصاتهِ لترقية أبعاده اللّغوية والفكرية، فالتّناص القرآني يجعل الشّاعر يميل بلغته صوب آفاق دلالية عميقة لها أثرها ووقعها الدلالي والجمالي على ذائقة المتلقي.

فمن روائع التناص القرآني عند يحيى السّماوي قولهُ في قصيدة (تَبتُّلٌ)  [15] :

مــا عــــادَ لـــيْ إلآ هـــــواكِ

بُـــراقَ مِــعـــراجِ الــتـّــــمـنّـي

*

لـولاكِ مـا عـــرفـــتْ صَـدىً

لـلـشـدوِ حـــنجـرةُ الـمُـغـنّـي

*

ولَمّا اهتديتُ إلى الصّراطِ

وكــنــتُ ذا شـــــكٍّ وظــــــنِّ

في هذا المُناخ القرآني وما يحويه من شحنةٍ تناصيةٍ طافحةٍ بالمعاني الدلالية في مخيال السّماويِّ؛ كونه مرتكزًا ذاتيًا خاصًا من جهة وفكرياً من جهةٍ أخرى، إذ انبثقَ النصُّ بمحاكاته التضمينية والاقتباسية وهو إنشاء لنص مُغاير، راسمًا علاقته التصاعدية مع النصِّ الدّيني ومسرحته تناصياً، إذ ذكر الشاعر في تفاعله مع النص الديني السابق دلالةَ: (الصّراط)، وقد تفاعلت تناصيًا مع الآيةِ القرآنية، ولكنهُ في تعامله النصي التصاعدي هذا، أراد أن يعكس التناص الديني بشكلهِ التّفاعلي مع أجواء مفعمة بالحبِّ منشودة بالعهود. فنلمح اشهارَ تناصه مع قوله تعالى: ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ))[16]. وأشار السّماوي هنا إلى (الصراط) فصرّحَ جهاراً إنْ كانت العلاقة لا تصلح في أحد من الناس إلا بيننا؛ لأنَّكِ لن  تبرحي قلبه وجفنه. مستثمراً الرصيد التناصي للأبيات من أجلِ قراءةٍ تناصيةٍ تفاعليةٍ مع المتلقّي، وهذه المحاكاة التناصية في شعره ظهرت آثارهُا في تناصاته الشعرية ذات المظهر الديني الذي جادت به قريحته وذائقته الشعرية. فضلاً عن هذا التناصِّ استخدمَ السّماويُّ في هذه الدّفقةِ الشِّعريةِ لبعضِ الألفاظِ والرّموزِ الدّينيةِ في القُرآنِ الكريمِ، مثل: البُراق، الدّابة التي حملت الرّسولَ(ص) من مكةَ إلى المسجدِ الأقصى ولفظة (المعراج) التي هي ليلة الإسراء والمعراج، وتعطي الاهتداءَ إلى الهدايةِ والظن، كلُّ هذه الألفاظِ أسهمت في تلاحمِ النصِّ القرآني التناصي.

أنتجت التناصاتُ السّماويةُ مع النصِّ القرآني قيمتين مائزتين؛ الأولى جمالية زادت من سبكهِ، والثانية دلالية أضفت إلى المضمون قوةً؛ إذ عضّد هذا التناص ما قصد إليّه الشاعر من عذابات حبه التي لم يذقها من قبل أحد، ومحبوبته قد سمت وارتقت في الوجدان حتى أصبحت صورةً لافتةً في حياته، مُنزلًا إيّاها منزل الوجد مشفعًا ومقدسًا ومطهرًا في يوم رغيدٍ، هي لن تبرح قلبه وجفنه، ولم يرَ المحبوب أمام ناظريه سواها. وهنا لم يخرج الشّاعرُ بالتّركيب المقتبس من معناه الأصلي، بل جاء التناص الجزئي متوافقاً وسياق النّص. ولا شكَّ في أن " التراكيب اللغوية لها قيمة وأهمية نسبية  متفاوتة بحسب ذلك التركيب وصياغته، وهذا ما يُكْشَفُ في ضوء دراسات الشكل والمضمون، ومعايير كلٍّ منهما، ووفقاً لِمَا حُدِّد في علوم البلاغة، وما يُظهرهُ النقدُ في ميادينه المختلفة، وليس القرآن الكريم بعيداً عن ذاك"[17].

وما زاد استخراج هذا الجمال التناصّي روعة ما تمتّع به يحيى السّماوي من حذاقةٍ ومخيالٍ وقدرةٍ على الغوص في بطون النصّ الديني واستخراج مفاتنه الساحرة، هذا وانماز في تناصه بأنَّهُ ميالٌ إلى الإيجاز والإشارة والتلميح دون التفصيل، وهذه الخاصية الفريدة لا تأتي أُكُلها إلا عند المقتدرين من الشعراء  ذوي الحظ العظيم، والسماوي في طليعتهم وشاخصهم الأميز في الشّعرية.

ويقول في قصيدته (قَسمٌ) [18]:

أَقسِمُ

بالتُفاحةِ المُقدَّسَةْ

*

وبالنّدى النّاضحِ مِنْ زَهرتِهَا

واللّذةِ المُحْتَبَسَةْ

*

أنَّ طقوسي كلَّها قبلكِ

كانتْ

نَزوةً  مدنَّسةْ

ولعلَّ النظرةَ الفاحصةَ لجمالياتِ النصِّ الشّعري الغزلي الشّفيف لمعشوقتهِ الرّوحيةِ، تُؤكّدُ أنَّ التناصَّ القرآنيَّ الإشاري أُبرمَ مع قصةِ آدم (عليه السلام) في القرآن الكريم ما تؤكّد إشارته ودورها في صقل الروح وتهذيبها، وهو قوله تعالى: ((وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ }البقرة35))[19]. وهكذا وُفـقَ السّماوي في هذا التلوين التناصّي مع الآية المباركة، إذ نقله إلى المتلقّي باستلهام النَّص القرآني، ولا سِيّما إشارته إلى (التفاحة المُقدسة)، إضافة إلى ذلك أنَّهُ استخدم رمزيةَ اللّذة ودلالتها التناصية. وهكذا يستمدُّ من قوة هذه اللّفظة (اللّذة المحتبسة) أثرها في النصِّ لكي يُثري بها أسلوبَهُ، لِيوفق في أن يبثَّ روحَ الإيمان والحماسة عند القارئ، مُحققًا في ذلك أمانيه. ولا شكَّ أنَّ محاكاةَ القرآن والتناص معه يُعدُّ فـنًا جماليًا زاهرًا ومؤثرًا في النّص الشعري، وما يترتّبُ على هذا التناصِّ من أيديولوجيات ناهضة. إذ يقول في قصيدته (لي فيكِ ما لا تعرفينَ وأعرفُ)[20]:.

أستعطفُ الأيامَ حمْلَ حقيبتي

نحوَ الفُراتِ  ونخلَهُ أستعطِفُ

*

لا والذي حجَّ الحجيجُ وكبّروا

في بيتهِ واستغـفروهُ وطـوَّفـوا

أفادَ السّماويُّ في رحلتهِ الإسرائيةِ نحوَ الفراتِ من جمالياتِ تفاعلِهِ التّناصّي التّحوّلي من خلالِ تعالقِ هذينِ البيتينِ معَ لفظتي (الحج والطّواف) في قوله تعالى:((وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)[21]، إذ استحضر مستنطقاً في ذات الوقت الآية القرآنية بما تحمله من رمزية وظّفها لخدمة غرضه، في مقام إعلانه عن استعطافه للأيام، فنلحظ في الفضاء النصي التناصّ القرآني السّماوي استدعاءه نصوصًا دينيةً متنوعةً متمثلةً في سُور(الحج) ومنها قوله تعالى: ((وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ))[22]. وتمثّل إشاراتٍ تناصيةً لمقدّمات متناسقة، وفي هذه المتوالية التناصية أحكم الشاعر التناص برمزيتها الدينية، إذ تجلّت من خلالها دلالتا (حج) لدى الشاعر، وكان السّماوي يروم من هذا التناص سلطنة المعنى واستحكامه دلاليًا، متكئًا على فرضية (التـأمَّــل)، لتبقى فرضية حضوره داخل أروقة النص شاهدًا مائزًا على ذلك، معتمدًا على ما أثارته بنية التناص الشعري دينيًا وفكريًا.

يُجدُّد السماوي تناصَّهُ مع آيةِ أخرى وفضاءات تناصية متنوعة كقوله: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ))[23]. ففيها دعوةٌ لنقاء بياض الروح والسريرة من خلال الانغماس في صومعة بيت الله والطّواف في كنهه وعظمته، فالشّاعرُ هنا يميل إلى توظيف النّص القرآني بشكلٍ جليٍّ.  وثمةَ مزيةٌ أخرى للتناص من القرآن، ومزيةُ هذا التّناص الدّيني هو التّعالقُ الرّوحيُّ والجماليُّ الذي يسعى إليهِ الشّاعرُ، من خلالِ الارتقاءِ فنياً وتناصياً ببناءِ نصوصهِ الشّعريةِ ومنحها قوةً دلاليةً مغايرةً للمألوفِ الاعتباري.

وفي رؤيةٍ فلسفيةٍ عميقةٍ في قصيدةِ (تسبيحة في محرابِ النّدم)، يقولُ[24]:

هـيَّأتُ قـبري يا طـهورُ فَهَيِّئي

كَـفَـنـاً مـن الصّلَـواتِ لِلـمُـتـفـــــــاني

*

عطفاً عليكِ كتمتُ ما أدماني

كيّ لا يضرَّكِ من لـظايَ دخــاني

*

ولقـدْ  يُبرَّأ قـاتـلٌ من جُـرمِـــهِ

ولـربّـمـا كـان الـقــــتـــيــلُ الـجــــاني

وبما أنَّ الشّاعرَ هائمٌ بحبّه الروحي الجمالي بالوجود وما يحمله من أسرار قاهرة وكنه خفاياه وتراتيل عظمته الدالة على قدّرة الصّانع والمدبّر، إذ تتوارى خلفه يدٌ جبارةٌ مقتدرة، لذا أصبحَ هذا الخيالُ الصّاخبُ يُشكلُّ مكوّنًا مُهماً لافتاً من مكونات أشعاره، إذ يمكنُ القولُ: إنَّ التناصَ يؤدِّي دورًا فاعلياً بنّاءً عندَ السماوي؛ كونه تناصاً جمالياً للغةِ الشّعر.

إنَّ ما يمكن أن نستشفَهُ من هذه الأبيات المشحونة بموحياتِ الشّعورِ بالزُهدِ هو أنَّ القصيدةَ جاءت تُصوِّرُ خاتمة الإنسان وفناءه، حيث " لِلـمُـتـفـــــــاني" . إنَّ المُدققَ في هذه الأبياتِ السّابقة يكشفُ التناصّ الديني الذي شكّلَهُ السماوي، إذ جاء النصُ متناصًا مع الموقفِ القرآني الذي استلهمه الشاعرُ مّن قــولــه تــعــالى: ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ))[25]، وإنَّ مثلَ هذا النصِّ الشّعري الذي بين أيدينا، يشهد بأنَّ الشّاعر ركّزَ تركيزًا مباشرًا على الخبر  (فَانٍ) والذي جاء مرفوعاً بالضمة على الياء المحذوفة وهو اسم منقوص، ليظهر من خلاله استمراريته وديموميته وثباته، وموسيقاه التي جاءت متوافقةً ومتناسقةً ومنسجمةً مع مبتغاه، فهذا النصُ يشيرُ بوضوحٍ إلى تأثرِ الشّاعر بالنّص القرآني، والسّماويُّ لا يتأثرُ باللّفظِ والموسيقى فحسب، بل تأثّرَ بالأسلوب واللّفظ والمعنى على حدٍ سواء، حيث استخدمَ التناص في النصِّ الشّعري بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ (الرمز والإشارة). ونخلصُ إلى القول: أنَّ التناصَ القرآني (الديني) يكادُ يكونُ هو المهيمنُ عددًا وعُدةً على سيميولوجيا الخطاب الشعري السّماوي، فضلاً عن جمالياتِ الجناساتِ البديعيةِ التي حفلت بها ألفاظُ الدفقةِ الشّعوريةِ المُحتدمةِ بآياتِ السّمو الرّوحي.

التّناصُّ الأدبيُّ (الشّعريُّ) في شعرِ السّماويّ

يُشكّلُ التّنَاصُ الشِّعريُّ موروثاً أدبياً آخرَ، ومصدرًا من مصادر الثقافة لدى السماوي، والذي عُرف باهتماماته الفكرية والثقافية؛ إذ اعتمدها بوصلةً يلجأ إليها في نصه الشّعري التناصي موظفًا دلالات معمقة في بنيته الشعرية، ومكوَّناً لغوياً ودلالياً غنياً، فيه من توثيق أواصر العلاقة بينه وبين المجتمع ما لا يُنكر، فهي تعكس نباهته وفطنته وخبرته، وغالباً ما يكون هذا التناص يحمل صوراً شعريةً ورمزيةً وإشاريةً وإيحائيةً، منحت نصَّهُ قيماً جماليةً بالغةَ الرّوعة.

إنَّ البحثَ في ديوانِ السّماوي -والذي تضمن محاكاةً واضحةَ المعالم- يُدلي بأنَّ النّصَّ هو متوالياتٌ متناسقةٌ لنصوصٍ موروثةٍ سابقةٍ، توحّدت بمعالم نصٍ آخرَ لِيُولَدَ نصٌ جديدٌ لغةً وشكلاً وانزياحًا، وبدوره يمثّل محاكاةً تطوريةً وثوبًا لغويًا مائزًا من التناص الشعري في شعره، فضلاً عن أنَّ التناصَ بأشكالهِ المُتعدّدةِ يُمثلُ وسيلةَ استدعاءٍ لنصوصٍ سابقةٍ لاعادة إنتاجها بمخيالٍ ونصٍ آخرين، وبذلك يتمُ التناصُ مع نصوصٍ سالفةٍ واستثمار شحناتها الفكرية والثقافية والعاطفية، لرسم ملامحها في النص الجديد قائم على التفاعل والانسجام بين المُرسل والمُرسل إليه. وهذا التناصُ الانزياحيُّ التّحوليُّ في شعرِ السّماوي بزغت ملامحُهُ في تناصاتِهِ الشّعريةِ الناصعةِ الخيال، وهذا ما جادت به قصائدُهُ.

إنَّ هذا التكرارَ لدوال نصيّةٍ تناصيةٍ في أكثر من موضعٍ لشعرِه لا يعني اجتراراً لأفكار سابقةٍ مُستهلكةٍ، بقدر ما يُفصح عن مخياله المُتقـد في خطابه الشعري، مُعبرًا عن التوأمة بين نصهِ والنّصوصِ الأخرى، رغم نظرته الحداثوية وهي نظرة ثابتة لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة. وبتلك المحاكاة السّماوية انبرى عمّق تواتر الدوال النصية ببعدها العلامي لعملية التناصّ، وابتعد بها عن التكرار والاجترار ليقترب من حركية الدوال التناصية، التي رَسّخت وأكّدت على النسق الثابت في الرؤية التي لا تميل إلى التغيير. فاستدعاءُ النّص ومجاراته صوريًا وصوتيًا " ليست شيئاً ثانوياً في الشعر يمكن الاستغناءُ عنه، بل هي وسيلةٌ لإدراكِ نوعٍ متميزٍ من الحقائق، تعجزُ اللّغةُ العاديةُ عن إدراكه"[26].

إنَّ هذه العلامات الرئيسة التي تكوّنت عبر التفاعل التناصّي بينَ نصِّ السّماويِّ وأشعار القدامى، لا تنغلق أسوارهُا عندِ هذا الحدِّ، بل تنفتحُ في آخرِ هذه المحاكاةِ على علاماتٍ أخرى تُعزّزُ من الثنائياتِ السّابقة، وبذلك تتوافقُ هذه العلاماتُ مع العلاماتِ السّابقة، لتؤكْدَ على الثنائياتِ التناصيةِ عبرَ تواترٍ نصّيٍّ يتّحدُ فيهِ التسلسل التناصي مع المخيالِ الشّعريِّ في التّعبيرِ عن تلك العلاماتِ؛ إذ " يكشف العمل الأدبي عن طاقة المبدع، وقدرته على تحويل تفاصيل الحياة التي تثير اهتمامه إلى عملٍ فنيّ، تظهر فيه الكثير من تجلّيات الذات المبدعة ونظرتها في الكثير من القضايا"[27].

ومن الدفقات التناصية الشعرية لدى السّماويّ قوله[28]:

ما مُنقذي مني سوايَ إذا جَنتْ

نفسي ولا غيري لجرحي مُسْعِفُ

*

لولا هدى الروح انتهيتُ خطيئةً

تـلهـو بها ريـحُ الضّـلالِ وتـقـذفُ

*

والنفـسُ ناصِـحَـةٌ إذا ناصَـحْـتـها

وإذا تُـــــرَدُّ إلى الـغـرائـــز تُـقـــــــرِفُ

إنَّ السّماويَّ في هذا التناصِ لا يُمكنُ الاعتقاد بأنَّهُ يقومُ بإعادةِ معاني الشّعر التليد الذي تراكمَ في مخياله، وتجديد صياغة نص كان قد تأثرَ بهِ مسبقاً فاستقرَّ في مهجتهِ فحسب من دونِ توظيفِ تلكَ النّصوص أو مغازلتها، بل أنّ تضمينَ التناص الشّعري هو انتقالٌ دلاليٌ يتحاورُ فيه المتناصُ مع تجربةِ الشّاعر الآخر، كاشفًا موقفاً شعورياً دعا إلى استذكاره؛ وذلك يتطلب إثارة القيمِ الجماليةِ المكنونةِ فيه، فلاشكَّ أنَّهُ يُجاري فيه الشّعور والأفكار، فقد تناصَ السّماويُّ في هذه الأبياتِ معَ الشّاعرِ المُخضرمِ أبي ذؤيب الهذلي، من قصيدةٍ حكميةٍ لهُ، رثى بها أولادَهُ الذينَ ماتوا بالطّاعونِ، بقوله[29]:

والـنـفـسُ راغـــــبـةٌ إذا رغّـــــبـتـهــــا

وإذا تُـــردُّ إلى قـلـيـلٍ تـقـــــنعُ

*

كم من جَميلِ الشَّملِ ملتئمِ الهوى

باتوا بعيشٍ ناعمٍ فَتَصَدَّعوا

ومنَ الواضحِ فإنَّ من يطالعُ ويتفحّصُ شعرَ السّماوي يُدركُ أثرَ الشّعرِ الإسلامي واضحًا في الشكلِ والمضمون، فإنَّهُ قد تأثّر في هذا المقطع من القصيدة أكثر من غيره، إذ نجحَ في إيتاء الدّلالات السّاحرة، مستثمرًا جماليات النّص الموروث، ومستدرجًا إيّاها إلى صومعته الشعرية. فالشاعرُ يَستثمرُ ثقلَ حاضرهِ وما يحملهُ من نضجٍ فكريٍ وحضاريٍ، فيدعو بذلك ما يشاء من النصوص الشعرية، ليتناصَّ معها بطريقته المُثلى، وخاصةً إذا كان المتناصُ شعراً ذا أهميةٍ كبيرةٍ ومؤثرةٍ على ذائقةِ ونفسِ المتلقي القارئ.

وهنا يُعْلِنُ السّماوي مدى تأثّرهِ  بشعرِ أبي ذؤيب الهذلي، فهو لا يتأثرُ باللّفظِ والموسيقى فحسب، بل انطلق من رونق الأسلوب وجمال السّبك، لذا اعتمدَ البيتَ بِرُمّتهِ مُغيرًا القافيةَ وبعضَ الألفاظ، فقد استبدلَ لفظةَ (راغبة) مكان لفظة (ناصحة) وكذلك (رغّبتها) مكان لفظة (ناصحتها)... ، والتي تُصوّر ملامح الرّأفة والرّقة والتهذيب. لا ريبَ أن توظيف المتناص، وبعثه من جديد في سياقاتِ نصوصهِ التّعبيريةِ الحاضرةِ، يَكسبهُ قالباً جديداً من منطلق رؤيويٍ جديدٍ أضفى عليهِ واقعَ عصره في تواصلهِ مع التّراثِ العربيِّ الشّعريِّ القديم.

يَكشفُ النّصُّ السّماوي اتصاله بالتّراثِ التّليدِ من ناحيةٍ ومحاكاتهِ واهتماماته الفكرية والثقافية والعاطفية من ناحيةٍ أخرى، إذ عبّرَ من خلالِ هذه الشّخصيةِ عن تجاربهِ المنشودة، وأعطاها دلالةً تناصيةً جديدةً  لتكون شاهدةً لهذه المتناصات، في توصيفِ سفرهِ خلال جائحة كورونا والذي تعثّر مرات عديدة بسببها الحائل، وذلك في قصيدتهِ الدالةِ على عنوانهِا (أنا وحقيبتي وخيباتُ الوجعِ) حيثُ يقولُ[30]:

أمشي

ولكن الحقيبة لا تريد المشيَ

ها أنذا توسّدت الحقيبة أستحثُّ الشمسَ

واسعةٌ هي الصحراء

لا ماءٌ ولا شجرُ

سوى قمرٍ خجولٍ خلفَ غيمتهِ سَجا

إذ جاءَ ذلك التّوافقُ الشّعوريُّ الذّاتيُّ مُتناصاً معَ ما قالهُ الشّاعرُ الأُمويُّ الحُطيئةُ بقولهِ[31]:

مــاذا تــَقـــولُ لِأَفــراخٍ بِــذي مَـــرَخٍ

حُمْرِ الحَواصِلِ لا ماءٌ وَلا شَجَرُ

*

غَيَّبتَ كـاسِـبَهُم في قَـعــرِ مُظلِمَةٍ

فَاِغفِر عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ يا عُمَرُ

*

أَنتَ الأَمينُ الَّذي مِن بَعدِ صاحِبِهِ

أَلقَـت إِلَيكَ مَقـاليدَ النُّـهى البَشَرُ

*

لَم يـوثِــروكَ بِها إِذ قَــدَّمــــــوكَ لَها

لَكِن لِأَنــفُـسِـهِــم كانَت بِـكَ الخِـيــَرُ

وقد نجحَ  السّماويُّ وهو يتناصُ معَ الحطيئةِ في هذا البيتِ مع استدعاءِ عبارة (ماءٌ وَلا شَجَرُ) إذ كساها شحنةً تناصيةً شعرية، مُغنيًا في ذات الوقت تجربته الشّعرية، معتمداً في تناصه الأدبي مع الحطيئة على محاكاة بعض الألفاظ في النص، وهذا ما كان حافزاً مُثيراً في أن يتخذ من تقنية (ماءٌ وَلا شَجَرُ)، أسلوباً شعرياً متفشياً في تجسيد تناصاته الشعرية وتضمينها محاكاةً سلطويةً رمزيةً متموضعةً في النّص، قائمًا على بثِّ شحنةِ التّناصِ الشّعري بتحولاتهِ المقبولةِ في تقنيةِ النّصِ، لتكوين لوحةٍ تشاكلية انسجامية إشهارية فنية رائعة في بنيةٍ تناصيةٍ واضحة، وهذا التّناصُّ لمسناهُ مبثوثاً في شعره، إذ حلّقَ فيه بعيداً في مخياله الشعري، موصلاً إيَّاهُ إلى دولته الشعرية المنشودة، وما تحمل من عشق متـقـد. ورُغمَ ذلك يبقى السّماويُّ مُتفردًا مائزًا في ديوانه، ولا نكاد نرى بريقَ الشّعراءِ الذين أثّروا فيه إلا نزراً، لِمَا تمتّعَ بهِ من إتقانٍ ونضجٍ لقصيدته، وإنَّ المُعادلَ المَوضوعيَّ بينَ الشّاعرينِ هو الشّعورُ بغربةِ الذّاتِ الشّاعريةِ وتوحدها معَ نفسهِ المهجوسةِ بالحنينِ والفراقِ والاغتراب.

وكما تناصَ السّماويُّ معَ الحطيئة فإنَّهُ يتناصُ معَ الشّاعر نصير الدين الطّوسي في عدةِ مواضع،

حيثُ يقولُ السّماويُّ [32]:

ولَرُبَّ صَوَّامٍ أضرُّ على الورى

من راغِبٍ في الطّيشِ لا يَتَحَنَّفُ

*

ليْ موقفانِ: معي بسِلْمِ  تبتّلي

وعـليَّ في حـربِ الـلـذاذةِ موقِــفُ

*

وأمرُّ أنـواعِ البكاءِ على امـرئٍ

جَـلَـدُ العيونِ وليسَ دمعـاً تَذرِفُ

ونرى التناص الشعري مع الطّوسيِّ متجلّيةً في قوله [33]:

لو أنّ عـبــداً أتى بالصّالحاتِ غـدًا

وودّ كـلُّ نـبـيٍّ مـرسـلٍ ووليِ

*

وصـامَ ما صـامَ صـوّامـا بـــلا مـلـــلِ

وقـامَ ما قـامَ قوّامًا بلا كسلِ

إنَّ استعمالَ السّماويّ لطرائق شعريةِ حكميةِ سابقة آلفَ بين التاريخي والمتخيل الشعري، فهناكَ الأشعارُ العربيةُ الفصيحة، كان مهمًا وضروريًا لاثراء اللّوحة الدقيقة والصادقة التي عبرت عن أمانيه، لذلك كان الاعتمادَ على أكثر من نصٍّ يرتبطُ بوشائج مختلفةٍ ومتعددةٍ. وهكذا يدورُ النّصُّ معَ المتلقّي في ترتيل مخيال هادر يوصل بعضه ببعض، إذ يقومُ السّماوي بطرحِ المعاني تشاكلياً، فقد جاءَ تناصُهُ طافحاً مشعاً في دلالاته، إذ دأب في هذه الأبيات إلى كسر أفق التوقع، مبيناً تناصه (ولَرُبَّ صَوَّامٍ) مع (صامَ صوّام)، وبيان ما افترق منهم من هيام النقاء، فتناصه مع الطوسي يكشف لنا عن استدعاء السماوي لهذا النص بالذات، لِمَا يتمتعُ بهِ من نقاءِ الوجدِ والسّريرةِ، ليوشجَ بها نتاجه الشّعوري الإبداعي، بصورٍ وانزياحاتٍ لغوية جديدة تُمتّعُ المتـلقي وتدهشهُ جمالياً.

ويقول السماويُّ [34]:

أزِفَ الوداعُ وما تزالُ سفينتي

في الغربَتَينِ حَبيسَةَ الخلجانِ

*

عينايَ عيناها عليَّ وليسَ ليْ

عـينٌ عليها وهْي عـقـدُ جُمانِ

ويتناصُّ معَ النابغةِ الذبيانيِّ بقوله[35] :

أَفِــدَ التّـّرَحـلُ غــيـرَ أنَّ ركـابَنا

لَمّا تَــُزلْ برحالنا وكأنَّ قـَـــــدِ

أجرى الشّاعرُ في تناصهِ هذا تداخلاً جزئياً مع النابغة (زياد بن معاوية بن ضباب)، حيث استدعى  بيته وتحديداً قوله: (أَزِفَ التّرحلُ) لتوظيفها في سِياقٍ آخر، وأراد بذلك دنو الفراق والرحيل، حيثُ استلهم من ذلك التراث الثر التميز والمحاكاة والتماهي، من أجل إنتاجه من جديد، بطريقة تمكنه من مد جسور الوصال مع الموروث لبعثه من جديد، لأنَّ الشّعرَ يؤسس لصدى تجارب متنوعة، لها من جذور الأصالة ما تفتخر به الأمم، بوصفه رافداً معرفياً وسجلًا لتاريخها الشامخ، وعلى الرّغمِ من ذلك، فإنَّ قافيةَ الشّاهدين الشّعرية قد اختلفتا، فقافيةُ السّماويِّ العينية مُطلقة متحركة في حين قافية النابغة العينية مقيدة ساكنة، وجاءت شاهداً على الترنّمِ الموسيقي.

3- التّناصُّ التّاريخيُّ في شعرِ السّماويُّ

لم يخلُ الخطابُ الشِّعريُّ السّماويّ من استدعاء التاريخ واستلهامه في مختلف منعطفاته المكانية والزمانية والإنسانية، لذا حاولَ الشّاعرُ أن يتخذَ من التاريخ فناراً لبيانِ المُناخ السياسي لتلك الفترة، ما أُسدل الستار عن الحراك السياسي المتلوّن، وبيان زيف المتخاذلين المتواري خلفَ السُحبِ، فعكف على قراءة التاريخ بعين باصرة، باحثًا عن نقاطهِ السّوداويةِ المفـتعـلةِ، والتي يمكنُ أن تكونَ سببًا لمعاناتهِ ومطاردتهِ في تلك الحقبةِ الحرجة.

ويرى الباحثُ أنّ شعرَ السّماويّ يمثّل المجال الأرحب في التناص التاريخي وانسجام النصوص وتجاورها، وإذا ما أيقن بهذا القدر من الانسجام والتجاور فلا بدَّ من قراءةِ شعرهِ قراءةً مكثفةً، تُمكِّنُ من سبرِ أغوارِ النصِّ، وهذا ما يتطلّبُ قارئاً حاذقاً واعياً قادراً على الكشف عن هذه الأنماط المتناصة، لأنَّ النّصَ المقروءَ تناصياً يخبّئ خلفه نَصّاً آخر. كما يُلاحظُ أنّ التّناصَّ التّاريخي يمثلُ شكلاً مفتوحاً على قيمنا النقدية والتاريخية معاً، حينما نستدعي هذه القيم في ضوء المعطيات التناصية، فيستدعي الماضي  ليترجمه في الحاضر بوعي شديدٍ، يمنح القارئ تمثّلاً مباشراً للخطاب التناصي.

كما يستغلُ الشّاعرُ المنعطفَ التّاريخيَّ وقابليتَهُ للتأويلِ أثناءَ التّعبيرِ عن تجربتِهِ الشّعريةِ؛ كي يمنحَ عملَهُ الفنيَّ نوعاً من الشّموليةِ، مُسترعيًا فكرَ المُتلقي ووجدانَهُ، ومحققاً تواصلاً وتفاعلاً مع العملِ الفني الجديد[36].

يجنحُ السّماويُّ في هذا التناصِّ للاستفادةِ من التّراثِ التّاريخيِّ الدّيني التّليد والشّخصيات المركوزة  في ذاكرة الأمة، فقد تألقَ الحوارُ في مقصديةٍ حواريةٍ تناصيةٍ في قصيدتِهِ (شُقي من الأمامِ يا زُليختي ثوبي)، إذ نلمحُ الحضورَ مع مرموزته الحبيبةِ في علاقةٍ وثيرةٍ، مُستدعيًا نصاً تراثياً دينياً خالداً، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقصة نبي الله يوسف(ع)، وتحديداً مع زليخا زوج عزيز مصر، في ترجمان قوله تعالى في سورة يوسف: ((وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ))[37] ، يقول[38]:

سيدةَ الأمطارِ والسّلامِ والجمالِ والحبِ

شُقي من الأمام يا زُلَيختي ثوبي

واقـتـربـي أكـثـرَ من  جفنٍ إلى هُـدبِ

يتجلَّى التضمينُ النصّي للخطاب الشعري في هذه الدفقةِ الشّعوريةِ المُزهرةِ للسماويّ، فهذا القلبُ أضحى مرتعاً للإنسانية، وهذا التّحولُ التّاريخيُّ المعهود أضفى على البؤرةِ التّناصيةِ الشّعوريةِ التّاريخيةِ صوراً جماليةً متتابعةً للحدث، في أجواءِ الحبِّ السّرمدي، إذ استمدَّ الشاعرُ ثيمتَها الدّينيةَ والفكريةَ والعاطفيةَ وأسقاطها على شعريتِهِ الحاليةِ بتناصهِ التّاريخي الرمزي. إذ عبّرَ في هذه العلاقةِ التّناصيةِ دلالةَ       الاشتياقِ المعتقِ بالألمِ، التي وثــقــت رمزيتُها التّاريخية والتّناصية مع بؤرةِ النصِّ (زُلَيختي)، إذ جعلَ تلكَ الصّورةَ مرآةً لحبيبته، ولا يكترثُ لِمَا تؤولُ إليهِ الأقدارُ.

إنَّ العلاقةَ بينَ الّلغة والتّناصِ علاقةُ تفاعل وانسجام، يُعْرَفُ من نمطيتها التناص عبر الرّمز والإشارة، فالتناصُ مخاضُ اللّغةِ ونتاجُها، وهو مزاوجةُ نصينِ ينتجُ عنهما نصٌ جديدٌ ناهضٌ باللّغةِ وتراكيبهِا، وكلاهما يسموان من خلال رؤيتنا للواقع وترجمتنا له.

وتأسيسًا على ذلك، فإنَّ مقدرةَ السّماويّ تجلّت فيما يُشكِّلُهُ من تناصٍ تاريخيٍ معَ الشّعراء، إذ يتناصُ مع جزءٍ من قصيدتِهِ، ليرسم ذلك الجزء ممتداً على طول قصيدته في حراك تاريخي تصاعدي، فلم يكتفِ باستدعاءِ النصِّ فحسب، بل أذابهُ مع واقعهِ الفكري، فقد أنزلَ  السّماويُّ التاريخَ على واقعهِ الآيديولوجي السّياسي الراهن، لينضحَ بإبداعاتهِ المُتدفقةِ، فيصبحُ نصاً تناصياً تاريخياً متماسكاً منسجماً مع تطلعاته الفكرية.

لخزين الثقافةِ التّاريخيةِ المكانيةِ أثرٌ واضحٌ في شعرِ السّماويّ وفي شخصيتهِ الأدبية أيضاً، إذ تنوعت معطيات هذا الأثر من أمكنة وأحداث رافقته في تلك الحقبة، فكان لكلِّ جانبٍ من تلك الجوانب بصمته المتدفقة في شعره، كما مثل البعد المكاني جزءاً رئيساً من ماهية التّناصِ التّاريخي، لِما يحمل من رؤيةٍ خاصةٍ للشاعر، فقد تداخلت بالمَعْلم المكاني المحدث. كانت (السّماوة) بالنسبةِ للشاعر يحيى السماويّ حقلاً ثرياً بالموضوعاتِ والرّؤى والرّموز؛ لِمَا تختزنه في وجدانه من دلالاتٍ تثيرُ الذات وتهيج الذاكرة. وقد أفادَ الشّاعرُ من الرقعةِ الجغرافيةِ المكانيةِ هذه أيّما إفادةٍ، فهذه البقعةُ بكلِّ ما تثيرهُ من إحساسٍ بالحدثِ وتراكماتِهِ الوجدانية والعاطفية والتّاريخيةِ، كانت صدىً لانفعالاتِ السّماوي وتصوراتِهِ المُنبثقةِ من زمكانيةٍ لا تنفصلُ عن ذاتِهِ، إذ يقول عن السماوة[39]:

وبأنَّ آخرَ ما رأى  الحلاّجُ قبلَ الصلبِ

بَدرُ العشقِ مُكتمِلاً بوَجهِكِ..

والسّماوةَ

سوفَ تلبسُ  بُردةً ضوئيةً من

أنجمِكْ

وفي قصيدةٍ أخرى يقول[40]:

فأنا ومولاتي

يُسافرُ في جنائِننا السَّفرْ

نطوي خِيامَ الغربتينِ إلى السّماوةِ

فهْيَ نِعمَ المُستَقَرْ

إنَّ التّناصِ التّاريخي في شعره يُمثّلُ حقلاً مرجعياً لرؤى الشّاعر مُكتنزاً بالإبداع؛ لأنَّهُ يتكئُ على كثيرٍ من المعطيات المركوزة في حقوله التناصية، ولذلك برزت سمته الاجتماعية داخل نصه الشعري، فبإدامةِ النّظرِ في صورةِ السّماوة وأديمها السّامق استطاعَ أن يصلَ بخطابِهِ ونصّهِ الشّعري إلى تجسيد ذلك الواقع بصورة تتجدّد فيها الإثارةُ والحزنُ والولاءُ. هذا وتكرر لفـظ (السّماوة)  عشر مراتٍ في ديوانه، ثم انفتحت فيما بعد قصائده اللّاحقة على التناصِ في إشاراتهِ التّاريخية لذلك المكان. لقد جاءَ استحضارُ هذا المكان في شعره بتجلٍ للفظةِ ولِما راقته من أحداثٍ تاريخيةٍ وسماويةٍ مُقدسة، وكلُّ ذلك لا ينفكُ عن الأحداثِ المُرتبطةِ بها. هذا " وإنَّ أقدمَ إشارةٍ عن السّماوةِ في العصرِ الحديثِ وردت عام 1394م في الوثائق العثمانية، والتي وصفتها بقريةٍ زراعيةٍ تقعُ على شط العطشان والذي يعني نهر الفرات الاصلي"[41]  .

نخلصُ مما سبقَ أنَّ التّناصَ لدى السّماويّ على اختلاف ألوانه كانت قرآنية أو أدبية (شعرية) أو تاريخية، تحاكي التراث التليد لتنتج من جديدٍ بعدَ مرورهاِ بمتغيراتٍ فنيةٍ متعددةٍ، مُعتمداً في تركيبِ هذا التناصِّ على مخيالهِ الوقّاد، بعدَ أن يحاكي شعرياً دلالتها الموضوعية؛ لإنتاجِ نصٍ انزياحيٍ رمزي جمالي، فقد أدغمَ النصُّ السّماوي مفاتنَ إبداعِهِ لإنتاجِ تناصٍ راكزٍ مُفعَّمٍ بالإبداع، يختلفُ عمّا سبقهُ من نتاجٍ تناصيٍ ، لِما يحملُهُ من رموزٍ وإشاراتٍ نضّاخات، وما يقتضيه من تكثيفٍ دلاليٍ، يمازجُ فيهِ بينَ الشّعرِ الجاهلي والأُموي.

ويبدو أنَّ استخدامَ التقنيةِ المُثيرةِ للتناصِّ الشّعري في تتبعِ الأبياتِ المُكتنزةِ في النّصِ، مهدَ لاستنطاقِ دوالِ النصِ السّماوي، بعدة ثنائياتٍ متناصةٍ سواءٌ أكانت كليةً أم جزئيةً.

نتائجُ البحث

إنَّ الدّراسةَ اتّجهت إلى بيانِ شعرِ السّماويّ واستنطاقه تناصياً من خلالِ كشفِ علاقاتِ محاكاتهِا معَ النّصوصِ الموروثة، والسعي إلى ربطِ تلكَ العلاقاتِ بالنّصِّ الكُلي، وعلاقته بالمتناصِ معه، وهو البؤرة التي دارت حولها الدراسةُ، معتمدين في ذلك على التناص نفسه- والتي شكّلت مرجعياتٍ هذه الدراسة- لا بوصفهِا منهجًا إجرائيًا وحسب، بل بوصفهِ ممارسةً إنتاجيةً متمظهرةً في النصِّ، ولا نعني بالإنتاجية إقصاء الذات المبدعة للنصِّ، ويرادُ بها إعادة إنتاج النص الشعري، بوصف الذات خالقةً له متخلقةً. وعلى وفقِ ذلكَ نخلصُ إلى ايجاز أهمِ النتائج التي توصّلنا إليها قطافاً مثمرةً في البحثِ:

يُعَدُّ الشّاعرُ يحيى السّماويُّ امتداداً لشعراءِ العصرِ الحديث، كـ (الجواهري، ومصطفى جمال الدين، وعبد الرزاق عبد الواحد) وغيرهم، إذ مثْلَّ بمنجزهِ عطاءً زاخراً تتدارسَهً الأجيالُ، معتمداً على جمالِ لغتِهِ، وعُلو أسلوبهِ، ومخيلتهِ المُتوهجةِ التي جعلت تناصَهُ ناضجاً متماسكاً.

تجلّى من ماهية التناص أنَّ ثقافةَ السّماوي انمازت بالشّموليةِ، مما جعلَ شعره يحاكي مختلف الثقافات والأزمان، إذ كان للتناصِّ الأثرُ الواضحُ على شعرِهِ، وهذا ما يشي بثقافته المتنوعة المـتـقــدة، التي تجمعُ بينَ آثارِ الماضي وقيمِ الحاضرِ الراهنِ المعيش.

ترسّخت الألفاظُ الدّينيةُ في تناصهِ القُرآني بشكّلٍ واضحٍ، حتّى كوّنت جزءاً مهماً من معجمهِ الشّعري، إذ تكررت في شعره ألفاظٌ معينة، وتركّزت في إشاراتِهِ ورمزيتِهِ ومحاكاتِهِ التّناصيِةِ.

أفادَ الشّاعرُ من قصصِ وأحكامِ القرآن الكريم مُضمنًا إيَّاها في نتاجِهِ التّناصي، كقولِهِ تعالى: ((إنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً))[42]، ومن قصصه السّردية الحكائية.

انمازَ تناصُهُ القرآنيُّ بالجودةِ والكثرةِ إذا ما قورن بالتناصاتِ الأخرى، لأنَّ السَّماويَّ كان واضحًا في رسمِ ملامحِ تناصهِ، وتحقيق مآربه بلوحةٍ جماليةٍ شاهقةِ الجمالِ برؤاها وصورها التي عكست حبّه الجمّ لدينهِ وعقيدتهِ الإسلامية السّمحاء.

تميّزَ التّناصُ الأدبيُّ (الشّعري) بأنَّهُ استدعاءٌ لنصٍّ تليدٍ، وإعادة إنتاجه من جديد، من خلال استحضار مهارته الشعرية، لتولد قراءات منتجة ومؤثرة بينَ المُرسَل والمُرسل إليهِ.

أسهمَ التّناصُ التّاريخيُّ في نضجِ مخيالِ السّماوي من خلالِ وقوفهِ عندَ أبرزِ المعالمِ المكانيةِ كالسماوة، وبابل، وأوروك، أو محاكاته لأبرزِ الشّخصياتِ والرّموزِ التّاريخيةِ في الوجودِ كالنبيِّ الأكرمِ محمد (ص) وأميرِ البّلاغةِ والبيانِ عليٍ (ع).

لم ينحصرْ التّناصُ عندَ السَّماويِّ بالقُرآنيِّ (الدّيني) والأدبيِّ (الشّعري) والتاريخي، بل يحتوي على تناصاتٍ كثيرةٍ أخرى، مثل: الرّمزيُّ والأسطوريُّ وغيرُ ذلكَ من التّناصات، ولعدمِ سعةِ المقامِ البحثي لم نسلطْ الضّوءَ عنها في هذه الدراسة البحثية.

***

م. غسَّان عـبَّاس عبد الزّهرة السَّاعـدي : ناقد عراقي / ماجستير نقد حديث، يتهيّأ لمناقشة أطروحة الدكتوراه .

...................

الهوامش

[1]- هو يحيى عبّاس عبُود السّماويُّ، الشّهيرُ لقباً بـ(يحيى السماوي)، ولِدَ في مدينةِ السّماوةِ بالعراق في السادس عشر من آذار/ مارس عام 1949م، شاعرٌ وأديبٌ عراقيٌ معاصرٌ من شعراءِ العصرِ الحديث. (البهادلي: د. جبار ماجد، تمثلاتُ شعريةِ الآيروتيك الحسي في غزلياتِ يحيى السّماويّ،9.

[2] - فلحي: علي غانم، ظاهرة الانزياح في بائية عنترة بن شداد (بحث)، مجلة ميسان للدراسات الأكاديمية، العدد 42،  مجلد 21.

[3] - الموافي: عبد العزيز، قصيدة النثر من التأسيس إلى المرجعية، 220.

[4] - ينظر: مفتاح، محمد: تحليل الخطاب الشعري(استراتيجية الخطاب)، 121-122.

[5] - البقاعي: محمد خيري، آفاق التناصية المفهوم والمنظور،83.

[6] -  ينظر: ياسر عبد الحسيب رضوان، الاقتصاص القرآني والتناص ابن فارس نموذجاً،(بحث)، ع 146، 1.

[7] - ابن منظور: 1418هـ-1990م، ن ص ص .

[8] -  القاموس المحيط، ص 122.

[9] -دهنون: إبراهيم مصطفى، 2011م، 15.

[10] -ينظر: مفتاح: محمد، 1992م، (121-122).

[11] - سماح رواشدة: 1999م، 119.

[12] - إبراهيم، خليل: 2006م، 163.

[13] -البهادلي: د. جبار ماجد، 2022م، 140.

[14] - الشمالية: معتصم سالم، التناصُ قي النقد العربي الحديث، رسالة ماجستير، ص43.

[15] - ديوان السماوي (التحليق بأجنحة من حجر)،  2022م، 178.

[16] -سورة الفاتحة :1/6.

[17] - عبد علي، ناصر حسن،2022م، الدلالة الصوتية في ألفاظ المثل القرآني، مجلة ميسان للدراسات الأكاديمية، مجلد: 21، 42/321.

[18] - ديوان السماوي (التحليق بأجنحة من حجر)،  2022م، 63.

[19] - سورة البقرة :2/35.

[20] - ديوان السماوي (التحليق بأجنحة من حجر)،  2022م، 102.

[21] -سورة البقرة: 2/196.

[22] -سورة الحج:27.

[23] -سورة البقرة: 197.

[24] - ديوان السماوي (التحليق بأجنحة من حجر)،  2022م، 76.

[25] - سورة الرحمن: 26.

[26] -(نعيمة، علي مطشر) و (جابر، كريم قاسم)، التشكيل الصّوري لخاتمة القصيدة في عهد بني الأحمر،

(بحث)، مجلد :21، العدد: 42/ 147.

[27] -نجيب: نجيّة فتحي عبد الرحمن الحاج، قصيدة السيرة في الشعر الفلسطيني المعاصر، محمود درويش،

فدوى طوقان، مريد البرغوثي، نموذجًا، رسالة ماجستير، ص27.

[28] - ديوان السماوي (التحليق بأجنحة من حجر)،  2022م، 103.

[29] -ديوان الهذليين، 1965م، ص3.

[30] - المصدر نفسه: 86.

[31] - ديوان الحطيئة برواية وشرح (ابن السكيت)، (1413ه- 1993م)، 107.

[32] - ديوان السماوي (التحليق بأجنحة من حجر)،  2022م، 96.

[33] -العلاّمة الخواجة نصير الدين الطوسي حياتُهُ وآثارُهُ ، (1419هـ ق)، 442.

[34] - ديوان السماوي (التحليق بأجنحة من حجر)،  2022م، 73.

[35] -ديوان النابغة الذبياني: (1416هـ- 1996م)، 105.

[36] -  ينظر: أبو زيد، شوقي أحمد يعقوب، تواصل الشعر الفسطيني الحديث بالتراث، رسالة دكتوراه، ص184.

[37] - سورة يوسف :25.

[38] - ديوان السماوي (التحليق بأجنحة من حجر)،  2022م، 93.

[39] -المصدرُ نفسه: 19.

[40] -المصدرُ نفسه: 67.

[41] -عبد سالم: لطيف، 2019، 21.

[42] -سورة النساء / 103.

المصادرِ والمراجع

القرآنُ الكريمُ

إبراهيم: خليل، 2006م، من معالم الشعر الحديث في الأردن و فلسطين، ط1، عمّان، دار مجدلاوي.

ابن منظور: 1992م، لسان العرب، د ط، دار صادر، بيروت، مادة (ن ص ص).

البقاعي، محمد خيري: 1998م، آفاق التناصية المفهوم والمنظور، د ط، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

البهادلي: د. جبار ماجد، 2022م، تمثلاتُ شعرية الآيروتيك الحسي في غزليات يحيى السماوي الجمالية، ط2، سوريا- دمشق، دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع.

دهنون: إبراهيم مصطفى، 2011م، التناص في شعر أبي العلاء المعري، ط1، أربد - عمّان، عالم الكتب الحديثة للنشر.

ديوان الهذليين، 1965م، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر.

رضوي: محمد تقي مدرّس، 1419ه، العلاّمة الخواجة نصير الدّين الطّوسي(حياتُهُ وآثارُهُ)، ط1، مشهد- ايران، مؤسسة الطبع والنشر.

رواشدة: سماح، 1999م، فضاء الشعرية، د ط، عمّان، المركز القومي.

السّماويُّ: يحيى، 2022م، ديوانُ(التحليق بأجنحةٍ من حَجرٍ)، ط1، سوريا- دمشق، دارُ الينابيع.

عبد السّاتر: عباس، (1416ه-1996م)، ديوان النابغة الذبياني، ط3، بيروت-لبنان، دار الكتب العالمية.

عبد سالم: لطيف، 2019، مرافئُ في ذاكرة يحيى السّماويّ، ط1، سوريا- دمشق، تموز ديموز للطباعة والنشر.

الفيروز آبادي، 1993م، القاموس المحيط، د ط، بيروت، تحقيق: مكتب تحقيق التراث، مؤسسة الرسالة.

قميحة: د. مفيد محمد، (1413هـ - 1993م)، ديوان الحطيئة برواية وشرح ابن السكيت، ط1، بيروت – لبنان، دار الكتب العالمية.

مفتاح، محمد:1992م، تحليل الخطاب الشعري(استراتيجية الخطاب)، ط3، بيروت، المركز الثقافي العربي.

موافي، عبد العزيز: 2004م، قصيدة النثر من التأسيس إلى المرجعية، ط1، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة.

الرسائلُ والاطاريحُ الجامعية.

نجيب: نجيّة فتحي عبد الرحمن الحاج، 2003م، قصيدة السيرة في الشعر الفلسطيني المعاصر، محمود درويش، فدوى طوقان، مريد البرغوثي، نموذجًا، رسالة ماجستير، الجامعة الهاشمية.

أبو زيد: شوقي أحمد يعقوب، 1995م ، تواصل الشعر الفسطيني الحديث بالتراث، اطروحة دكتوراه، الجامعة الأردنية، عمّان.

الشمالية: معتصم سالم، 1999م ، التناص قي النقد العربي الحديث، رسالة ماجستير، جامعة مؤتة، مؤتة.

المجلاتُ والدّورياتُ.

رضوان، ياسر عبد الحسيب: 2011م، الاقتصاص القرآني والتناص ابن فارس نموذجاً، مجلة الرافد، تصدر عن دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، ع146، 1.

المصادر الاجنبية

Falhi: Ali Ghanem، 2022 AD، the phenomenon of displacement in the epidemiology of Antarah bin Shaddad، Iraq - Maysan، Maysan Journal of Academic Studies، No. 42، Volume 21.

Abd Ali، Nasser Hassan، 2022 AD، Phonetic Connotation in the Words of the Qur’anic Proverb، Iraq - Maysan، Maysan Journal of Academic Studies، No. 42، Volume 21

(*Naima، Ali Mutashar) and (Jaber، Karim Qassem)، 2022، the pictorial formation of the conclusion of the poem in the era of Bani al-Ahmar، Iraq - Maysan، Maysan Journal of Academic Studies، No. 42، Volume 21

في المثقف اليوم