قراءات نقدية

طالب عمران: المرأة الأنثى "في قلبي وطن وجسدك غابة" للشاعر سعد جاسم (1)

للشعر طريق مختلف في فهم الوجود ومنحى آخر في ملامسة وتحسس الموجودات والتفاعل معها، وفق رؤية فنية تساير الحياة في حركة دؤوبة، مما لاشك فيه ان المرأة مكون رئيسي في هذا الوجود، يعد دور الامومة أهم الادوار في حياة المرأة ودورا اساسيا في قيام المجتمع والحضارات فضلا على الادوار الاخرى الزوجة التي تساند زوجها وتمسك بيده وتشدّ عليها في وقت المصاعب..

ومع حركة الحداثة في الشعر التي تنشد الجديد ومحاولة لتجاوز كل ما هو تقليدي التي تناولت صورة المرأة، نبلها وانسانيتها وعفتها وكرامتها والمرأة الاخت والحبيبة وصور أخرى ورؤى واجراءات حداثية، فهي المرأة الانثى،والمرأة الفاتنة، أو المرأة الجسد، والمرأة الغريزة، والمرأة الراغبة والمرأة الممتنعة ..

وأنا أقف عند مجموعة (قلبي وطن وجسدك غابة) للشاعر سعد جاسم في طبعتها الاولى الصادرة عن دار لوتس للنشر والتوزيع القاهرة،2023 .

نجد الشاعر مصورا المرأة الانثى بجمالها وجاذبيتها وانوثتها مالكا لها قلبا وروحا وجسدا، تثير المرأة الانثى فيه شعور القوة وشعور الجمال ومصدر الوحي وطاقته الشعرية فهي الوطن والارض الذي لا يغيب عن ذهنه مهما ابتعد عنه، حاضره في القلب فكما يشعر بالإحساس والامان والدفء كذلك المرأة هي وطن .

غلاف المجموعة بغلافها الذي زين بلوحة فنية للفنان ستار كاووش عتبة ومدخلاً موحياً ومفتاحاً إجرائياً في التعامل مع النص في بعديه الدلالي والرمزي للولوج الى أغوار النص يتربع اعلا اللوحة العنونة الشعرية (قلبي وطن وجسدك غابة) كعتبة أولى التي تمتلئ بقيم النص مادام النص كما يوضح جيرار جينيت" مدخل له اهميته،يدفع القارئ الى حث الخطى والسير قدما نحو اكتشاف عوالم النص الشكلية المعنوية". فالعنوان هو النص المكثف،او نص قصير يختزل نصاً طويلاً1

جاءت المجموعة بإضمامة ثلاثة وعشرين عنوان: 

(قلبي وطن وجسدك غاب ) عنونة شعرية لافتة و بمثابة استهلال فني يحمل تصورات الحداثة حيث يعد من العناصر المهمة، لعل العنوان يعد اولى العتبات المفضي للنص ومن مناصاته المهمة وعلامة دالة تختزل عالما من الدلالات وهو مفتاح تأويلي يسعى الى ربط القارئ بنسيج النص الداخلي، عنوان استنبطه الشاعر من مضمون المجموعة مباشرة:

أما على مستوى النصوص فان اللغة،عند الشاعر سعد جاسم، ففيها من الجمال والصور الشعرية مليئة بالإنزياحات اللغوية ومن استعارة ومجاز واضداد وأنسنه للأشياء والامكنة ومفارقات لفظية تبهر المتلقي كما في بعض العنونة التي وردت في المجموعة: أغنية خضراء/ الإقامة في كتابك/ سرك في مراياه/ حالات غرائبية / عاشقان في طوفان/ امرأة تشبه القصيدة/ أنجز بعيدا/ قطط المواسم والطقوس / إشراقات عشقية / في مديح الأنوثة / ثنائية الفحل والأنثى/ حب في الأعالي/  حب بلا أقنعة/  قبلة موقوتة / أرسمك بالقهوة والقبلات/ أميرة الفصول وسيدتها القزحية/ امرأة الشهقة الأخيرة / أنوثة عطر/  غزالة الأبدية

قصائد المجموعة الشعرية تتنوع عتباتها العنوانية الا انها ذات مناخ شعري واحد يكاد يهيمن على تجربة قصائدها مناخ العشق للمرأة والوطن:

ان ما جاء به الشاعر نصوص حداثوية من حيث انها تتماشى مع روح العصر واعتماده في اشتغالاته تكثيف الجانب الدلالي لتحقيق الايقاع الداخلي من خلال جملة الانزياحات فضلا عن شعرية نصوصه تتجلى في العديد من قصائده:

أغنية خضراء

أنت الآن

تسكنيني قصيدةَ شغفِ

وقُبلةَ ولعٍ

وضحكةَ فرحٍ كوني

وأغنيةً فيروزيةً خضراء

دائما تترددُ أصداؤها

في صباحاتِ الله

(أنا لحبيبي...

وحبيبي إلي)

وتبقى تتصادي وتتلألأُ

في غاباتِ الوحشة

وفي حقول الخزامى

يرسم لنا الشاعر بلغة ابداعية نابعة من هواجس نفسية صورة المرأة الانثى وصور متعددة أمام المتلقي صورة لغوية تجديدية تعطي للقصيدة دلالاتها بعيدا عن السطحية المملة كما في قصيدته (الإقامة في كتابك)ص6

كمن يقيم في فردوس

أنا أقيم في كتابك

مشغولا بقراءةِ سيرتكِ

وتاريخ جسدك المليء

بالأساطير والوقائع والحكايات

والمكتنز بينابيع العطر والعسل

ومياه الخلقِ

والمكتظ بالرغبات

ونوتاتِ اللذّة

وقصائد الشغف

ياااااه كم هو شاسعٌ

وباذخٌ وممتلئ بالأسرار

أظهر الشاعر جماليته اللغوية في التصوير الشعري في التعبير عن العشق يتجلى ذلك في مقطع من قصيدته (عاشقان في طوفان) ص15:

أنا بارع في الحب

وأنت بارعة في الغواية

وأنا شاسعُ القلب

وأنت كثيرة ُ الاحلام

وكلانا عاشقان بسيطان

فتعالي كي نطير

بعيداً

فهذا العالم الجاحد

قد ضاق بنا

ولم يعد يستوعب أحلامنا

وبياض ارواحنا الرهيفة

اذ احسن الشاعر في اختيار المفردة كون الاختيار مبدأ من مبادئ المقاربة الاسلوبية وهو اختيار واع للكلمات يتجاوز حدود الكلمة المفردة الى التركيب او الجملة، يصوغ الكلمات المختارة ويركبها لتؤدي صورتها الادبية ووظيفتها الجمالية..

وعلى هذا النحو للشاعر سعد جاسم له طريقته في الكتابة واسلوبه في استخدام الادوات التعبيرية من اجل ايصال رسالته الى المتلقي.

***

طالب عمران المعموري

 

في المثقف اليوم