دراسات وبحوث

شعر الثورات العلوية في العصر الأموي بين الأرخنة والفن (2-3) / محمد تقي جون

 

شعر الثورات العلوية كثير مبثوث في كتب المقاتل والكتب التأريخية والأدبية وغيرها، وعانى من التزيد والاختلاف ما عانته الثورات نفسها، وقد قمنا بترجيح رواية واحدة للشعر المروي بروايات مختلفة، وكان اختيارنا للأشعار انتقائياً؛ إذ أن غرض الدراسة تسليط الضوء على شعر الثورات العلوية بكشف ماهيته وتحديد فنيته وإلحاقه بالشعر الإسلامي والأموي.  وقد دار شعر الثورات العلوية في الموضوعات الآتية:

 

أولا- المبدئية

وهو الذي يشرح المبدأ الذي قامت عليه الثورات، ويرجع أولية هذا الشعر إلى زمن استشهاد الإمام علي، فقد أكد الشعر أحقية أهل البيت بالخلافة والإمامة، وانه حق مستمر فيهم كما في أبيات أبي الأسود الدؤلي(119) (وتنسب لغيره) في رثاء الإمام علي:

 

فلا تشمت معاوية بن صخرٍ           فإنَّ بقية الخلفاء فينا

وأجمعنا الإمارة عن تراضٍ           إلى ابن نبينا والى أخينا

ولا نعطي زمام الأمر فينا             سواه الدهرَ آخر ما بقينا

وانَّ سراتنا وذوي حجانا               تواصوا أن نجيبَ إذا دعينا(120)

ويتوضح هذا الشعر في ثورة الحسين الذي نهض لتصحيح مسار الخلافة، فقد ذكر علي بن الحسين (الأكبر) حق أهل البيت بالخلافة وادعاء الأمويين لها وهو يرتجز في حومة المعركة:

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن، ورب البيت، أولى بالنبي

تاللهِ لا يحكمُ فينا ابنُ الدَّعي(121)

فإنما نهض الحسين لأنه أولى بالخلافة من الدعي والغاصب يزيد بن معاوية. وجعل خالد بن عفران(122) الحسين بمنزلة رسول لأنه امتداده في الهداية والرشاد، وهو معادل للتهليل والتكبير:

جاؤوا برأسك يا ابن بنت محمد                 متزملا بدمائه تزميلا

وكأنما بك يا ابن بيت محمدٍ           قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولم يترقبوا             في قتلك التنزيل والتأويلا

ويكبرون بأن قتلت وإنما               قتلوا بك التكبير والتهليلا(123)

وشرح الشعر مبدأ التوابين المتلخص بالتوبة من الذنب والثأر من قتلة الحسين في قول الشاعر عبد الله بن عوف بن الأحمر(124):

صحوتُ وودعتُ الصِّبا والغوانيا         وقلت لأصحابي: أجيبوا المناديا

وقولوا له إذ قام يدعو إلى الهدى       وقتل العدى: لبيك لبيك داعيا

وسيروا إلى القوم (المحلِّين) جنة         وهزوا حراباً نحوهم وعواليا

ألا وانعَ خير الناس جَداً ووالداً         حسيناً لأهل الدين إن كنتَ ناعيا

وأضحى حسينٌ للرماح دريئة         وغودِرَ مسلوباً لدى الطفِّ ثاويا

فيا ليتني غودرتُ فيمن أجابَهُ         وكنتُ له من مقطع القتل واديا

فيا أمة ضلَّتْ وتاهتْ سفاهة           أنيبوا وأرضوا الواحِدَ المتعاليا

وفتيانِ صدق صرعوا حول بيته                كراماً وهم كانوا الولاة الأكابيا

أصابهُمُ أهلُ الشقاوة والأذى           فحتى متى لا تبعث الخيل شاميا

وحتى متى لا أعتلي بمهند             قذالَ ابن وقاص وأدركُ ثاريا

وإني ابن عوفٍ إنَّ راحة منيتِي                بيوم لهم منَّا يشيبُ النواصيا(125)

فقد استوعبت الأبيات فكرة التوابين كلها وهي: الندم على ترك نصرة الحسين، والتفجع عليه واستذكار الطف، والدعوة إلى التوبة من فعل الخذلان، والثأر من قتلة الحسين (المحلِّين).

ويستوعب الشعر ظاهرة المختار بن عبيد الثقفي، فيتناول شعاره الكبير الذي رفعه وهو (يا لثارات الحسين) في قول الشاعر:

ولما دعا المختار جئنا لنصره                   على الخيل تردى من كميت وأشقرا

دعا (يا لثارات الحسين) فأقبلت                 تعادى بفرسان الصباح لتثأرا(126)

كما تناول الدعوة إلى إمامة محمد بن الحنفية التي رفعتها (الكيسانية)، قال عبد الله بن همام السلولي(127):

فمنَّ وزيرُ ابن الوصيِّ عليهمُ                   وكان لهم في الناس خيرَ شفيعِ

وآب الهدى حقا إلى مستقره                     بخير إيابٍ آبه ورجوعِ

إلى الهاشميِّ المهتدي المهتدى به     فنحنُ له من سامعٍ ومطيعِ(128)

فقد أراد بوزير ابن الوصي: المختار الثقفي، وابن الوصي الذي به رجع الحق إلى مستقره وأهله: محمد بن الحنفية، الهاشمي المهتدي والمهتدى به، لأنه الإمام الذي يجب سماعه وطاعته.

 

ثانياً- التأريخية

لابدَّ من الاعتراف بأن شعر الثورات العلوية في العصر الأموي تحمّل التأريخية فضلا عن الفنية، فهو أدب تأريخ وأدب فن، لأنه كتبه الشاعر بتأريخية، وغير الشاعر ممن حركه الموقف أو ترجى في الكتابة الأجر والثواب، كحال كثير من شعر الفتوح والغزوات. وقد أشَّر هذا الشعر حقائق يستفيد منها المؤرخ أكثر من رواية الخبر؛ لأنه اغتنى فكرا وروحاً وتخطى جهد المؤرخ الذي لا ينقل إلا الخبر السطحي ولا يستطيع أن يتوغل إلى التفاصيل النفسية لتلك الثورات ومن ذلك قصيدة عبد الله بن الزبير(129):

إن كنتِ لا تدرينَ ما الموت فانظري           إلى هانئ في السوق وابن عقيلِ

إلى بطلٍ قد هشَّمَ السيفُ وجهَهُ                           وآخرَ يهوي في طمار قتيلِ

أصابهما أمرُ الإمام فأصبحا                     أحاديثَ من يسري بكلِّ سبيلِ

ترى جسداً قد غير الموت لونه                           ونضحَ دم قد سالَ كلَّ مسيلِ

فتى هو أحيى من فتاةٍ حييَّةٍ                      واقطعُ من ذي شفرتين صقيلِ

أيركبُ أسماءُ الهماليجَ آمناً                      وقد طلبتهُ مذحَجٌ بذحولِ

تطيفُ حواليهِ مرادٌ وكلّهُم                       على رقبةٍ من سائلٍ ومسُولِ

فإنْ انتُمُ لم تثأروا بأخيكُمُ                                  فكونوا بغايا أرضيتْ بقليلِ(130)

فهي تصف حال هانئ بن عروة ومسلم بن عقيل بعد قتلهما وعرضهما في السوق، وقد هشم وجه هانئ والقي مسلم من فوق القصر، ويذكر الشاعر أسماء بن خارجة الذي سعى بمسلم، وذحل مذحج قبيلة هانئ بن عروة بقتل زعيمها، فكان هذا الشعر تأكيداً وعرضاً أدبياً لحقائق عرضتها كتب التاريخ بشكل مسهب.

وقال أعشى همدان(131) في عين الوردة حيث خاض (التوابون) بقيادة سليمان بن صرد معركة ضارية مع الأمويين بقيادة عبيد الله بن زياد أتت عليهم:

فاني وان لمْ انسهنَّ لذاكر               رزيئة مخباتٍ كريم المناصبِ

توسَّلَ بالتقوى إلى الله صادقاً                    وتقوى الإلهِ خيرُ تكساب كاسبِ

وخلَّى عن الدنيا فلم يلتبسْ بها                  وتابَ إلى الله الرفيع المراتبِ

تخلَّى عن الدنيا وقال اطرحتها                  فلستُ إليها ما حييت بآيب

 

وما أنا فيما يُكبرُ الناس فقده           ويسعى له الساعون فيها براغبِ

فوجَّههُ نحوَ الثويَّة سائراً               إلى ابن زيادٍ في الجموع الكباكبِ

بقومٍ همُ أهلُ التقية والنهى             مصاليت أنجادٍ سراة مناجبِ

مضوا تاركي رأى ابن طلحة حسبةً            ولم يستجيبوا للأمير المخاطبِ

فساروا وهم من بين ملتمس التقى    وآخرَ مما جرَّ بالأمس تائبِ

فلاقوا بعين الوردة الجيشَ فاصلاً     إليهم فحسُّوهم ببيضٍ قواضبِ

يمانية تذري الأكفَّ وتارة بخيلٍ عتاق مقرباتٍ سلاهبِ

فجاء‌َهُمُ جمعٌ من الشام بعدَهُ            جموعٌ كموج البحر من كلِّ جانبِ

فما برحوا حتى أبيدت سراتهم                  فلم ينجُ منهم ثمَّ غيرُ عصائبِ

وغودِرَ أهلُ الصبر صرعى فأصبحوا          تعاورُهُمْ ريحُ الصَّبا والجنائِبِ

وأضحى الخزاعيُّ الرئيسُ مجدَّلاً     كأنْ لم يقاتلْ مرَّة ويحاربِ

ورأسُ بني شمخ وفارس قومِهِ                  شنوءة والتيمي هادي الكتائبِ

وعمرو بن بشرٍ والوليدِ وخالدٍ                  وزيدِ بن بكر والحليس بن غالبِ

وضاربَ من همدانَ كلِّ مشيَّعٍ إذا شدَّ لم ينكلْ كريم المكاسبِ

ومن كلِّ قوم قد أصيبَ زعيمُهُم وذو حسبٍ في ذروةِ المجدِ ثاقبِ(132)

فالأبيات تفصل في قائد التوابين (سليمان بن صرد) ومنزلته، ثم نهوضه ومسيره من (الثوية) في الكوفة إلى قتال ابن زياد في (عين الوردة)، وعدم استجابته وأصحابه لرأي (عبد الله بن يزيد) أمير الكوفة لعبد الله بن الزبير بترك المسير أو تأجيله، ثم يصف اشتداد وطيس المعركة وكثافة الجيش الشامي الذي يأتي أفواجا بعد أفواج، فأبيد جيش التوابين إلا (عصائب)، ثم يسمي الشهداء: الخزاعي  الرئيس (سلمان بن صرد)، ورأس بني شمخ (المسيب بن نجبة)، والتيمي (عبد الله بن وأل)(133)، ثم يذكر رؤساء آخرين فمن كل قوم أصيب زعيمهم؛ وهذا يؤكد أن المعركة وقع ثقلها على الأشراف لتبرئة ذممهم أمام الله.

ثالثاً- رجز المعركة

يحتل رجز المعركة مساحة واسعة في شعر الثورات العلوية، وذلك لأنها ثورات مسلحة مكانها حومة الوغى، وطبيعي أن يرتجز المقاتلون فالرجز إرث عربي استعمله الجاهليون في معاركهم لأنه يحدث فيهم تهيجاً للقتال وتبعهم فيه المسلمون. إلا أن رجز الثورات العلوية حمل معاني مختلفة تماما تجعله لا يشبه رجز المعركة العربي المألوف لأنه مبدئي بطولي فدائي بدرجة صارخة.

تميز رجز ثورة الحسين بوجود الشخصية المركزية (الإمام الحسين) مما يؤشر ثقلها وصدق الإيمان بها كرجز عمرو بن قرظة:

قد علمت كتيبة الأنصار               أني سأحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شاري         دون حسين مهجتي وداري(134)

 

أما زهير بن القين فقد جعل رجزه خالصاً للحسين حين نزل للقتال فقال ملتفتاً (إليه):

أقدِمْ هُديتَ هاديا مهديَّا                  فاليومَ تلقى جدَّك النبيا

وَحَسَنَاً والمرتضى عليَّا                وذا الجناحين الفتى الكميَّا

وَأسَدَ اللهِ الشهيد الحيَّا(135)

وجعل حبيب بن مظاهر رجزه احتجاجا ومناظرة:

أنا حبيبٌ وأبي مُظاهِر                 فارسُ هيجاءٍ وحربٍ تُسعَرُ

انتم اعدُّ عدَّة وأكثرُ            ونحن أوفى منكم واصبرُ

ونحن أعلى حجةً واظهر               حقاً واتقى منكم واعذرُ(136)

 

وارتجز مسلم بن عقيل وهو يقاتل حتى الموت رافضا الاستسلام:

أقسمتُ لا أقتل إلا حرا                           وان رأيت الموت شيئاً نكرا

كل امرئ يوما ملاق شرا              ويخلط البارد سخنا مرا

رد شعاع الشمس فاستقرا              أخاف أن اكذب أو اغرا(137)

وضرب العباس بن علي المثل الأكبر في البطولة والفداء والطاعة، فارتجز عند تمكنه من الماء متذكراً أخاه ومولاه الحسين:

يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني

هذا الحسين وارد المنون  وتشربين بارد المعين؟(138)

ثم جعل يضربهم بسيفه وهو يقول:

لا ارهب الموت إذ الموت زقا                  حتى أدارى في المصاليت لقى

إني أنا العباس أغدو بالسقا              ولا أهاب الموت يوم الملتقى

فضربه حكيم بن طفيل الطائي السنبسي على يمينه فبراها فاخذ اللواء بشماله وهو يقول:

والله ان قطعتموا يميني                 إني أحامي أبداً عن ديني

فضربه زيد بن ورقاء على شماله فبراها، فضم اللواء إلى صدره (كعمه جعفر بمؤتة) وقال:

ألا ترون معشر الفجَّار قد قطعوا ببغيهم يساري(139)

واتجه رجز التوابين في خطابيته إلى الله (Y)، معلنين توبتهم إليه مما سلف منهم، ولم يدر حول شخصية مركزية أو يعلن عن غاية أخرى. كقول سليمان بن صرد مرتجزاً:

إليك ربي تبتُ من ذنوبي     فقد أحاطت بي من الجنوب

وقد علا في هامتي مشيبي   فاغفر ذنوبي سيدي وحوبي(140)

ومثله رجز عبد الله بن سعد بن نفيل الازدي:

ارحم إلهي عبدك التوَّابا                ولا تؤاخذه فقد أنابا

وفارق الاهلين والاحبابا                يرجو بذاك الأجر والثوابا(141)

وإذا خلا رجز ثورة المختار من الشخصية المركزية أيضاً، فانه عبر عن أهدافه الثورية المتمثلة بالثأر للحسين من الأمويين ورؤساء أهل الكوفة. كقول إبراهيم بن ملك الأشتر في رجزه وهو يهجم على حشود أهل الشام في معركة (الخازر):

أما ورب المرسلات عرفا             حقاً وربّ العاصفات عصفا

لتعسفنّ بالعدوِّ عسفا                    حتى نسومَ القاسطين خسفا

زحفاً اليهم لا نملُّ الزحفا                        حتى نلاقي بعد صفٍّ صفَّا

وبعد ألفٍ في النزال ألفا                         فنكشف الظالم عنا كشفا(142)

وأعلن المختار عن أخذه بالثأر من قتلة الحسين وخذلته، وهو يهجم مستميتاً خارجا من حصاره في القصر بعدما أيقن بالموت مرتجزاً:

إن يقتلوني يجدوني جَزَرَا         محمداً قتلته وعُمَرَا

والأبرص الكلبي لما أدبَرَا(143)

 

رابعاً- رثاء الشهداء

من الأغراض التي طرقها شعراء الثورات العلوية رثاء الشهداء، وقد استحوذ رثاء الحسين وآل بيته على النصيب الأوفر، كقول سليمان بن قتة(144) يرثي الحسين بعد ثلاث سنوات من الفاجعة(145):

 

وإن قتيل الطف من الآل هاشم         أذل رقاباً من قريش فذلت

مررت على أبيات آل محمد           فألفيتها أمثالها حيث حلت

وكانوا لنا غنماً فعِادما رزية         لقد عظمت تلك الرزايا وجلت

فلا يبعد الله الديار وأهلها         وإن أصبحت منهم برغمي تخلت

إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرها         وتقتلنا قيس إذا النعل زلت

وعند غني قطرة من دمائنا         سنجزيهم يوماً بها حيث حلت

ألم تر أن الأرض أضحت مريضة         لفقد حسين والبلادُ اقشعرت(146)

وقالت أم البنين تنوح على العباس:

لا تدعُوَنِّي ويكِ أم البنينْ  تذكِّريني بليوثِ العرينْ

كانت بنونٌ ليَ ادعى بهم  واليومَ أصبحتُ ولا من بنينْ

أربعة مثلُ نسور الربى قد واصلوا الموتَ بقطع الوتينْ

تنازعَ الخرصانُ أشلاءَهم فكلهم أمسى صريعا طعينْ

يا ليتَ شعري أكما أخبروا بأنَّ عباساً قطيعُ اليمينْ(147)

وقال احد الشعراء يرثي سليمان ابن صرد:

يا عينُ بكِّي ابنَ صردْ                  بكّي إذا الليلُ خمدْ

كان إذا البأس نكد             تخاله فيه أسدْ

مضى حميداً قد رشدْ          في طاعة الأعلى الصمدْ(148)

 

ورثى فضل بن العباس(149) زيد بن علي قائلاً:

ألا يا عينُ لا ترقي وجود              يبدمعكِ ليس ذا حين الجمودِ

غداة ابن النبي أبو حسينٍ     صليب في الكناسة فوق عودِ

يظلُّ على عمودهم ويمس    يبنفسي أعظم فوق العمودِ

تعدّى الكافرُ الجبارُ فيه                 فأخرجه من القبر اللحيدِ

فظلوا ينبشون أبا حسينٍ                خضيباً بينهم بدمٍ جسيدِ

فطال به تلعّبهم عتوَّاً                   وما قدروا على الروح الصعيدِ

فكم من والدٍ لأبي حسينٍ               من الشهداء أو عمٍّ شهيدِ

ومن أبناء عمٍّ سوف يلقى     همُ أولى به عند الورودِ

دعاه معاشر نكثوا أباه                  حسيناً بعد توكيد العهودِ

وكيف تضن بالعبرات عيني وتطمع بعد زيدٍ بالهجودِ

وكيف لها الرقاد ولم تراءى  جياد الخيل تعدوا بالأسود

تجمَّعُ للقبائل من معدٍّو                 من قحطان في حلق الحديدِ(150)

وممن رثاه حبيب بن جدرة الهلالي(151) بقوله:

يا با حسين والحوادث جمة         أولاد درزة أسلموك وطاروا

يا با حسين لو شراة عصابة         علقتك كان لوردهم إصدار(152)

وقال أبو نضلة الأبَّار يرثي يحيى بن زيد ويهجو ليثاً قبيلة نَصْرِ بن سيَّار والي الأمويين:

ألم تر لَيثاً ما الذي خَتَمتْ بهِ         لها الوَيْلُ في سُلطانِها المتخاذلِ

كلابٌ تعاوَتْ لاهَدَى اللَّه سُبْلَها         فجاءتْ بصَيدٍ لا يحلُّ لآكل

بنفسي وأهلي فاطميٌّ تقنَّصوا         زَمانَ عمًى مِنْ أمَّةٍ وتخاذل

لقد كشفت للنّاس ليثٌ عن استهِا         وغابَ قَبيِلُ الحقِّ دُونَ القبائِل(153)


رابعاً- الندم على القعود:

رافق الثورات العلوية خذلان وتراجع انعكس في الشعر، ولاسيما بعد ثورة الحسين بن علي، فثمة شعر كثير من كثيرين أعلنوا ندمهم وأسفهم على خذلانه، ومن أمثلته قول عبيد الله ابن الحر(154) نادماً على عدم نصرة الحسين:

يقول أمير غادر حق غادر         ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه

ونفسي على خذلانه واعتزاله         وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي ألا أكون نصرته         ألا كل نفس لا تسدد نادمه

وإني لأني لم أكن من حماته         لذو حسرة ما إن تفارق لازمه(155)

 

خامساً- المدح:

وسجل شعر الثورات ظاهرة المدح في ثورة المختار الثقفي فقط، ولكنه مدح وان جزي عليه فهو غير تكسبي بالمعنى الجاهلي، فقد مدح عبد الله بن همام المختار بقصيدته العينية فقال المختار لأصحابه: أحسنوا جائزته فصلوه(156)، وأتى عبد الله بن الزبير إبراهيم بن الأشتر النخعي فقال له: إني قد مدحتك بأبيات فاسمعهن، فقال: إني لست أعطي الشعراء، فقال: اسمعها مني وترى رأيك، فقال: هات إذاً فقرأ:

الله أعطاك المهابة والتقى              واحل بيتك في العديد الأكثرِ

واقر عينك يوم وقعة خازر            والخيل تعثر بالقنا المتكسر

إني مدحتك إذ نبا بي منزلي           وذممت إخوان الغنى من معشري

وعرفت أنك لا تخيب مدحتي         ومتى اكن بسبيل  خير أشكر

فهلم نحوي، من يمينك نفحة           ان الزمان ألحَّ يا ابن الاشتر

 

فقال له إبراهيم : كم ترجو أن أعطيك؟ فقال: ألف درهم أصلح بها أمر نفسي وعيالي، فأمر له بعشرين ألف درهم(157).

 

سادساً- الهجاء:

وحفل شعر الثورات العلوية بالهجاء دون الإقذاع، وهو أمر بديهي فالمساحة الواسعة التي أخذها الصراع بين القوى المتحاربة حتى الموت تجعل الهجاء والتشفي منطقياً، ومن الأمثلة على ذلك قول ابن مفرغ الحميري(158) يهجو عبيد الله بن زياد بعد قتله:

إنّ المنايا إذا حاولن طاغية            هتكن عنه ستوراً بعد أبوابِ

إنّ الذي عاش غدَّاراً بذمته             ومات هزلاً، قتيل اللّه بالزابِ

ما شقّ جيب ولا ناحتك نائحة                   ولا بكتك جيادٌ عند أسلاب

هلا جموع نزار إذ لقيتهم              كنت امرءاً من نزار غيرَ مرتابِ

أو حمير كنت قبلاً من ذوي يمن               إنَّ المقاويل في ملكٍ وأحبابِ(159)

 

وقال سراقة بن مرداس البارقي(160) يهجو المختار وينسب اليه خزعبلات:

ألا أبلغ أبا اسحاق إني                           رأيتُ البلق دهماً مصمتات

كفرتُ بوحيكم وجعلتُ نذراً           عليَّ قتالكم حتى المماتِ

أري عينيَّ ما لم تبصراه                         كلانا عالم بالترهاتِ

إذا قالوا أقولُ لهم كذبتم                          وان خرجوا لبست لهم أداتي(161)

 

ثانياً- القراءة الفنية

يمكننا تسجيل ظواهر فنية  مهمة في شعر الثورات العلوية هي:

1- الاختلاف في الرواية:

وهو أمر لافت للنظر، وسمة مميزة في هذا الشعر، ويشمل القصائد الطويلة، والمقطوعات القصيرة، والرجز. ويكون الاختلاف في رواية الأبيات وعددها وترتيبها. وقد يكون الاختلاف كبيراً؛ فقصيدة سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت(162) في رثاء عمرة بنت بشير مروية بروايتين لا يكادان يتفقان إلا في الوزن والقافية(163)، وأوردت المصادر قصيدة عبد الله بن عوف بن الأحمر في التوابين باختلاف في كل الأبيات تقريباً فضلا عن الزيادة والنقص والترتيب في الأبيات. ولا نعدم شعراً منحولا كأن يكون قصائد أو مقطوعات أو أبياتاً، ودليلنا هذا البيت من قصيدة تنسب للحسين بن علي:

مَن له عمٌّ كعمِّي جعفر                 ٍوهب الله له (أجنحتين)(164)

فـ(أجنحتين) على صيغتي التثنية والجمع معاً، ولا يقول ذلك عربي مطلقاً، فكيف الحسين وهو من أمراء البلاغة؟ وربما رجح الكاتب الرواية التي تلائم وجهة نظره؛ فرواية الخوارزمي لهذا البيت:

فيسعَد فينا في القيام محبنا              ومبغضنا يوم القيامة يخسرُ(165)

تقابلها رواية المجلسي:

فشيعتنا في الناس أكرم شيعةٍ                   ومبغضنا يوم القيامة يخسرُ(166)

فالأول سني عمّم في الحسين، والثني شيعي خصّص فيه. وجاء رجز المختار ثلاثة أشطار في رواية (البرصان والعرجان) كما مرَّ، وأورده الخوارزمي في ثلاث روايات بثلاثة أبيات وخمسة وستة وهي:

لما رأيتُ الأمر قد تعسَّرا                        وشرطة الله قياماً حسَّرا

شددتُ في الحرب عليَّ مغفرا                   وصارماً مهنَّداً مذكَّرا

معتقدا أني سألقى القدرا                          أن يقتلوني ويروني المنكرا

فقد قتلتُ قبل هذا عمَرَا                          ونجلَه حفص الذي تنمَّرا

وابن زيادٍ إذ أقام العثيرا                         والأبرصَ القيسيَّ لمَّا أدبرا

وقد قتلتُ قبل هذا المنذرا              من كلِّ حيٍّ قد قضيتُ وطرا(167)

والتزيد واضح، والمرجح رواية الجاحظ؛ فان الراجز يكفيه لتحفيز نفسه وإلقاء الرعب في عدوه أبيات قليلة قوية المعنى صارمة القافية، وأفضل له أن لا يطيل فتضعف القافية وترتبك الفكرة فيقل تأثيرها في نفسه وفي الأخر ومن ثم ينتفي الهدف منها.

وممكن ردّ هذه الظاهرة إلى سببين: الأول: إن هذا الشعر ظلّ مكتوماً طيلة العصر الأموي مقتصرا حفظه على القلة المخلصين؛ وقد جاء في تقديم قصيدة أعشى همدان العينية "وهي إحدى المكتَّمات كنَّ يكتمن في ذلك الزمان"(168)، فكان عدم إشاعة وتدوين هذا الشعر جعل أكثره يتفلت من الذاكرة وما سقط منه عوِّض عنه، فجاءت روايات مختلفة، وهذا السبب الأقوى والأقرب إلى الحقيقة. والثاني: لم يكن أغلب هذا الشعر ذا خصوصية فنية عالية كالشعر الراقي الذي يكتبه الفحول كزهير والمتنبي والمعري، حيث تكون للكلمة مركزها الفني الذي تتزحزح الشعرية بإبدالها بغيرها، لعظم الانسجام بين اللفظة والفكرة، وهذا جعل شعر المتقدم غير قابل للتبديل والتعديل؛ فكلما أتقن الشعر صعب أو استحال إبدال ألفاظه أو أفكاره أو زحزحة أبياته، وهذه القضية أشَّرها المعري في شعر المتنبي(169).

 

2- التنوع:

جاء شعر الثورات العلوية متنوعاً؛ فهناك القصائد الطويلة التي جارت القصيدة العربية كقصيدة ابن عبد الحر وأعشى همدان، إذ ابتدأت بالغزل المعتاد ثم تخلصت إلى الغرض وهو نصرة الثورة العلوية، وثمة قصائد قصيرة تناولت غرضاً واحداً بلا مقدمات كالقصائد التي نسبت إلى الحسين ومنها قوله:

فَإِن تَكُنِ الدُنيا تُعَدُّ نَفيسَةً                         فدار ثَوابَ اللَهِ أَعلى وَأَنبلُ

وَإِن تَكُنِ الأَبدانُ لِلمَوتِ أُنشِئَت       فَقَتلُ اِمرئ في الِلّهِ بِالسَيفِ أَفضَلُ

وَإِن تَكُنِ الأَرزاقُ قسماً مقدَّراً         فَقِلَّةُ حِرصِ المَرءِ في الكَسبِ أَجمَلُ

وَإِن تَكُنِ الأَموالُ لِلتَركِ جَمعُها       فَما بالُ مَتروكٍ بهِ المرءُ يَبخَلُ

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى إذا في سبيل الله يمضي ويقتلُ(170)

وهي في الزهد وفلسفة الشهادة. وتوجد مقطوعات شعرية كثيرة، هي كالقصائد القصيرة ذات الموضوع الواحد كقول بعض الشعراء في المختار وإبراهيم ابن الأشتر:

فجزى إبراهيمَ ثمّ أبا إسحاق عنَّا الإلهُ خيْرَ الجَزاءِ

وجزى اللهُ (شرطة الله) خيراً          عن بني هاشمٍ بحسن البلاءِ

إذ تعشَّوا منهم بسبعين ألفاً             أو يزيدون قبل وقت العشاءِ

قتلوا الفاسقَ اللعينَ جهاراً              في فريقٍ من سائر الأحياءِ

وشفوا منهمُ غليلَ صدور              وعلى ربِّنا تمامُ الشفاءِ(171)


 فضلا عن رجز المعركة الذي تناول معاني مختلفة كما مثلنا.

 

3- ملاءمة الشكل للمضمون:

إن قراءة هذا الشعر بتأنٍّ يفصح عن انسجام واضح بين الآلية والأداء أي: غرض الشعر والأسلوب الشعري؛ ففي قصائد الحماس لجأ الشاعر إلى وزن طويل وقافية مشبعة النغم ممتدة النفس وألفظ ومعان رصينة كقصيدة أعشى همدان وعبد الله بن عوف بن الأحمر وغيرهما. وجاءت قصائد الرثاء مؤثرة، دالة ألفاظاً ومعاني على الحزن مع ضبط النفس، بينما جاء شعر النواح بقافية ساكنة ووزن منسجم مع فعل النواح كمجزوء الرجز أو السريع، مصحوبا بحزن عظيم وانهيار نفس، مؤكدا أنه شعر نيح به نواحاً ولم يرث به رثاءً كقول أم العباس تنوح عليه:

 

يا من رأى العبَّاسَ كرْعلى جماهير النقدْ

ووراه من أبناء حيدر كلُّ ليثٍ ذي لبدْ

أنبئتُ أنَّ ابني أصيب برأسه مقطوعَ يدْ

ويلي على شبلي أمالَ برأسه ضربُ العمدْ

لو كان سيفك في يديك لما دنا منه أحدْ

 

وقد ذكر أبو مخنف أنها كانت تذهب كل يوم إلى البقيع وتحمل معها ولد العباس عبيد الله وترثيه فيجتمع لسماعها أهل المدينة فيبكون لشجو الندبة(172)، وهذا يدل على النواح وليس الرثاء الاعتيادي. ولاءم رجز المعركة في ألفاظه وأفكاره حالة الثورة العلوية، فهو يختلف عن رجز الجاهليين بدلالته على الثورة العلوية ومبدئيته وفدائيته ونفسه الإسلامي الواضح كما مثلنا لذلك.

 

4- الألفاظ والمعاني:

جاءت ألفاظ شعر الثورات العلوية في الغالب  سمحة غير متكلفة، فكانت إسلامية في السهولة والانتماء بعيدة عن خشونة الألفاظ الجاهلية وانغلاقها؛ فهي قادرة على حمل الأفكار الإسلامية والفكرة الثورية الدينية التي أرادت إيصالها. وقد اشتهرت ألفاظ بعينها من هذه الأشعار مثل: (المحلِّين) قتلة الحسين، (التوابين) جماعة سليمان بن صرد، (شرطة الله) جيش ابن الأشتر، فضلا عما نعت به الحسين وآل بيته من ألفاظ ومصطلحات كثيرة تناقلها الشعراء بعدهم مثل: (ثارات الحسين)، (آل محمد)، و(قتيل الطف) وغيرها.

ويكثر في هذا الشعر التكرار التوكيدي كقول الفضل ابن عبد الرحمن بن العباس مكررا كلمتي (أرجعوا) و(ردوا) في قصيدته التي قالها بعد استشهاد زيد بن علي:

أين قتلى منا بغيتم عليهم                        ثم قتَّلتموهمُ ظالمينا

(ارجعوا) هاشماً و(ردُّوا) أبا اليقظان وابن البديل في آخرينا

و(ارجعوا) ذا الشهادتين وقتلى                  أنتمُ في قتالهمْ فاجرونا

ثمَّ (ردوا) حجراً وأصحاب حجرٍ               يومَ أنتم في قتلهمْ معتدونا

ثمَّ (ردوا) أبا عميرٍ وردوا             لي رشيداً وميثماً والذينا:

قتلوا بالطفِّ يوم حسينٍ                          من بني هاشمٍ، و(ردوا) حسينا

أين عمرو وأين بشر وقتلى            معهم بالعراء ما يدفنونا

(ارجعوا) عامراً و(ردوا) زهيراً               ثمَّ عثمان، فارجعوا عازمينا

و(ارجعوا) الحرَّ وابن قينٍ وقوماً               قتلوا حين جاوزوا صفِّينا

و(ارجعوا) هانئاً و(ردُّوا) الينا                  مسلماً والرواع في آخرينا

ثم (ردُّوا) زيداً إلينا و(ردُّوا)           كلَّ من قد قتلتمُ أجمعينا

لن تردوهمُ إلينا ولسنا                            منكمُ غير ذلكمْ قابلينا(173)

 

 

وقد جاء سس هنا لتعداد الشهداء وتأكيد الإصرار على طلبهم من قاتليهم كما لخًّص ذلك البيت الأخير. وقد يذكر الشاعر الكلمة ويكررها بمرادفها وهو كثير كقول أعشى همدان:

وأضحى الخزاعي الرئيس مجدلا              كان لم يقاتلْ مرة ويحاربِ(174)

 

فكرر كلمة (يقاتل) بمرادفها (يحارب) لتوكيد حالة القتال التي تركها الشهيد.

وجاءت المعاني إسلامية أيضاً وغير مغلقة، وقد أكدت الأخلاق الإسلامية التي سعت إلى تحقيقها الثورات العلوية، كما انها شهَّرت معاني سامية كالتضحية والبطولة والصبر كما في قول سليمان بن قتة الذي استشهد به مصعب بن الزبير مسليا نفسه ومستقوياً على الثبات:

وإن الألى بالطف من آل هاشمٍ                  تأسَّوا فسنّوا للكرام التأسِّيا(175)

 

وقد عبر الشعراء بالمعنى ومعنى المعنى (الكناية) كقول حبيب بن خدرة الهلالي يرثي زيداً:

(أَولادُ دَرزَةَ) أَسلَموكَ مُكَبَّلاً       يَومَ الخَميسِ لِغَيرِ وِردِ الصادِرِ(176)

فأولاد درزة كناية عن السفلة(177)، وأصل (درزة) من الدرز وهو الخياطة في اللغة الفارسية والكردية؛ فأولاد درزة هم الخياطون، أراد أنهم من أصحاب المهن وليسوا من أصحاب السيف، فتخلوا عنه هرباً.

5- الصور الشعرية:

تقل الصور الشعرية في هذا الشعر وذلك لطبيعة ثوراته الحربية التي لا تترك مجالاً كبيراً للتأمل الشعري، ألا أنها موجودة وحيوية بشكل لافت، ولاسيما عند الشعراء المبرزين لعلمهم أن الصور هدف الشعر وضرورة فيه. وقد جاءت الصور مختلفة الموارد فهي في قول أعشى همدان:

فجاءَهُمُ جمعٌ من الشام بعدَهُ                     جموعٌ كموج البحر من كلِّ جانبِ(178)

 

صورة تشبيهية مكملة، وجاء توظيف كاف التشبيه موفقاً أفاد المسارعة والحدة.

وفي قول عبد الرحمن بن الحكم:

أبلغ أميرَ المؤمنين فلا تكن            كمُوترٍ أقواسٍ وليس لها نبلُ(179)

نجد صورة كنائية عن الوهن والضعف.

وفي قول سكينة بنت الحسين:

إن الحسين غداة الطف يرشقه                   ريب المنون فما إن يخطئ الحدقه(180)

 

استعارية مكنية ومتصاعدة في تخييلها. وقد أدت الصورة الشعرية وظيفتها التعبيرية، كما أنها سمت بشعر الثورات العلوية وميزته بالفنية والشعرية على غيره من الشعر الذي تبنى أيدلوجية دينية أو كان سانداً ثورياً.

 

6- قيمته:

شعر الثورات العلوية إيجابي في ثوريته؛ لأنه جسَّد إيمان أبطاله بالحياة والتفاعل معها لتحقيق الدين، فهو على الضد من شعر الخوارج، نظيره، الذي كان سلبياً في ثوريته؛ لأنه جسَّد إيمان أصحابه بأنَّ الموت هو الدين الحقيقي(181) فصاروا خارج دائرة الفعل.

وهو شعر راق رائق وافر الأدب والفن؛ فقد كتب جزءَه الأكبر شعراء مرموقون فأعشى همدان عده الأصمعي من الفحول(182)، وعبد الله بن همام جعله ابن سلام في الطبقة الخامسة من الشعراء الإسلاميين(183)، وكان الكميت شاعرا بارزا دافع عن أحقية أهل البيت بالخلافة ورثى الثوار دون أن يشاركهم في الثورة . بينما تميز أكثر شعر الخوارج باعتيادية اللفظ وسطحية المعنى، ولم يكن شعراؤه مبرَّزين في المشهد الشعري والنقدي؛ فقطري بن الفجاءة زعيم سياسي أكثر منه شاعراً، وعمران بن حطان لم يفكر بالتحليق في أشعاره، أما الطرماح فمشكوك في خارجيته(184)، وقد تفرغ للأدب فهو كما وصفه صديقه الكميت: شاعر وخطيب وراوية(185).

وشعر الثورات العلوية يمثل الظهير والساند الفكري والأدبي للثورات العلوية، فقد حمل بأمانة قضية الإمامة والخلافة ودافع عنها، ونجح في تجسيدها، وأبقاها في ضمير الزمن؛ فللآن يرثى وينعى ويمدح الحسين وأصحابه ويقتدى بثورته، وتذكر في المحافل الشعرية والفكرية ثورة التوابين، ويثنى على آخذ الثأر المختار(186)، ويدافع عن ثورة زيد بن علي وابنه يحيى، وهذا دليل خلود هذا الشعر وإسلاميته.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2170 الثلاثاء 03/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم