دراسات وبحوث

الصياغة المرنةSOFT LAW وأثرها في اتفاقية فينا لقانون عقد المعاهدات لسنة 1969 (1-2)

mohamad thamerالمقدمة: يواكب هذا البحث اخر التطورات في ميدان القانون الدولي العام، بشكل عام، واخر التطورات في ميدان قانون المعاهدات الدولية، بشكل خاص، .

لقد حظيت الصياغة المرنة او بالاحرى القواعد الواردة بصياغة مرنة ٍٍSoft Law باهمية كبيرة جدا متأتية من عدة جهات، الاولى، إن المصطلح برمته حديث نسبيا يعود بالتحديد إلى سنة 1980 وهي السنة التي اكتشف فيها القاضي باكستر هذا النوع من القواعد الواردة بهذه الصياغة Soft Law والثانية، تزايد الاستعمال الدولي لهذا النوع من الصياغة املا في استثمار نطاق المرونة الذي توفره هذه القواعد خصوصا المؤتمرات والاعلانات التي رافقت المظاهرات في الدول العربية والتي اطاحت بانظمة الحكم فيها والتي كان اخرها مؤتمر اصدقاء سوريا في اسطنبول، والثالثة، إن هذه القواعد ترد بصيغ مختلفة فقد ترد بصيغة اتفاقيات دولية أو بصورة مبادئ عامة أو حتى بصورة قرارات قضائية والقرارات الصادرة من المحكمة الاوربية لحقوق الانسان هي المثال الابرز على ذلك، والرابعة، انها قد تشكل البداية الطبيعية لابرام معاهدات دولية أو الخطوة الاولى في ابرام هذه الاتفاقيات وهو ما حصل بالضبط مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي بدء بصياغة مرنة Soft Law تمثلت في المواد الثلاثين التي تشكل منها الاعلان وانتهى إلى اتفاقيتين دوليتين ملزمتين هما العهد الدولي للحقوق المدنية السياسية والعهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لسنة 1966.

لم يكن يسيرا على الفقه إن يركن إلى القول الفصل في تحديد هوية هذه الصياغة، وسرعان ما انقسم ازاء هذا الامر مدعيا، جانب منه،إن تلك الصياغة ترفع عن القواعد القانونية الدولية وصف الالزام في حين ذهب جانب اخر إلى إن تلك القواعد تحظى بالالزام ولكن لايمكن الاحتجاج بها امام القضاء، وايا كان الامر، فان هناك اجماع في الفقه على إن تلك القواعد لاتحظى بمعاملة ملزمة من قبل الدول ولا تهملها، أو بعبارة أخرى لا تسير عليها الدول على سبيل الالزام ولا يمكن لها ان تنتهكها على سبيل الجواز بل هي تحظى باحترامها وهي تعكس رغبة لدى الاجماع الدولي أو على اقل تقدير رغبة لدى الاغلبية فيه ازاء امر معين وبناء عليه لا يمكن اطلاقا تجاهلها . كما انها وسيلة للحد من النزاعات الدولية عبر ما توفره من اتفاق في وجهات النظر ازاء قضايا فكرية وعقائدية واقتصادية محل نزاع .وان كان جانب من الفقه الدولي يؤشر إلى سلبية هذه الصياغة باعتبار انها قد تكون وسيلة للتخلص من الالتزامات الدولية بادعاء الدول إلتي ترغب في التخلص من التزاماتها الدولية بانها جزء من الصياغة المرنة وانها لاترتب أي التزمات دولية

ان تبحث في هذا النوع من الصياغة في القانون الدولي العام، بما تمتاز به من ندرة، فان هذا بحد ذاته لا يخلو من مشقة، اضف إلى ذلك، حداثة الموضوع ثم تجاهل الفقه العربي له لا على سبيل الايضاح والشرح ولكن حتى على سبيل الاشارة اذ ليس هناك أي اشارة وان كانت موجزة لقواعد الصياغة المرنة Soft Law في اغلب المؤلفات العربية – إن لم يكن في كلها - التي تحدثت عن القانون الدولي العام سواء اكانت قديمة أو حديثة أو معاصرة وسواء اتناولت القاعدة القانونية أو المصادر أو اختصت بقانون المعاهدات، مع انه ليس هناك مؤلف عربي يختص بقانون المعاهدات الدولية، كل ذلك باستثناء تعليق موجز نشره استاذنا الاستاذ الدكتور رشيد مجيد الربيعي في المجلة المصرية للقانون الدولي اطلق عليها تسمية (القانون الميسور) وللاسف لم يتسنى الاطلاع عليه وعبارات موجزة ذكرها استاذنا الدكتور صلاح الحديثي في اطروحته للدكتوراه لم تتطرق للصياغة المرنة ولكن ركزت على علاقتها باتفاقيات المناخ الدولي، وان الاشارات القليلة لهذه القواعد اما إن تكون قد وردت في المعاجم الاجنبية أو في كتب اجنبية تضم بحوث معاصرة وهو ما يؤدي بالتالي إلى عقبة أخرى تتمثل في الاعتماد على الترجمة اعتمادا كليا بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر سبر اغوار علم لم يتسابق اليه الباحثون، وتنتهي سلسلة الصعوبات في هذا البحث في محاولة اسقاط فرضية الصياغة المرنة Soft Law على نصوص اتفاقية فينا لقانون عقد المعاهدات لسنة 1969 في تحديد مفهوم الاتفاقية أو في تحديد اثرها وهذه هي ميزة هذا البحث، حيث تضمن محاولات ايجاد فرضيات تطبيق قواعد الصياغة المرنة بما تمتاز به من مميزات على مواد معينة من الاتفاقية وبشكل خاص المواد الثانية، والرابعة عشر، والثامنة عشر، والحادية والثلاثين، التي شكلت مركز فرضيات التطبيق في هذا البحث .

ان الفرضيات التي انتهى لها البحث في عد نصوص معينة من اتفاقية فينا لقانون عقد المعاهدات لسنة 1969 بمثابة صياغة مرنة Soft Law أو حالات لم تشر اليها النصوص صراحة ولكن البحث افترضها في ظل وجود هذه النصوص، سبق إن درستها بحوث ودراسات وانتهت إلى نتائج تؤيد ما انتهى اليه ولكنها لم تصنفها على انها جزء من الصياغة المرنة Soft Law وهذه ايضا تحسب للبحث فالمعاهدات الغير مسجلة هي معاهدات صحيحة وملزمة ولكن لايمكن الاحتجاج بها امام القضاء وهذا راي معروف سلفا ولكنها وهي بهذا الوصف بالتحديد تقترب كثيرا من قواعد الصياغة المرنة Soft Law التي يذهب جانب كبير من الفقه إلى انها قواعد ملزمة ولكن لايمكن الاحتجاج بها امام القضاء وكذلك الحال مع المواد الثالثة و المادة السابعة والثلاثين من اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982.

إن بكارة البحث في موضوع مثل هذا الموضوع تحتم ايلاء مزيد من الاهتمام بتحديد مفهومه وادراك مميزاته وخصائصه والاشارة إلى اهميته ومن ثم التطرق إلى اثر القواعد الواردة بهذه الصياغة من جهتين الاولى تحديد هذا الاثر بالنسبة لتعريف المعاهدة وبقية المصطلحات التي تطلق على المعاهدات الدولية واستكشاف إن كان بعضها يخضع لهذه الصياغة أو الامكانية المتوفرة لهذه الصياغة في إن تحد من الاثر الملزم لهذه المصطلحات والتعرف على الاراء الفقهية التي قيلت بصدد ذلك الاثر ومن جهة أخرى تحديد الدور الذي تؤديه الصياغة المرنة في تحديد اثر المعاهدات بشكل عام والاستعانة باراء الفقهاء وقرارات التحكيم والقضاء الدولي وقرارات المنظمات الدولية وبشكل خاص التوصيات الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة وبناء على هذا فقد جاء البحث بمحثين الاول للتعريف بقواعد الصياغة المرنة Soft Law وقد تضمن ثلاثة مطالب الاول لتعريف قواعد الصياغة المرنة والثاني لتحديد اهمية الصياغة المرنة والثالث لتحديد خصائص الصياغة المرنة اما المبحث الثاني فقد تناول تحديد اثر الصياغة المرنة وذلك في مطلبين الاول لتحديد هذا الاثر عل تعريف المعاهدات الدولية والثاني لتحديده في موضوع اثر المعاهدات .

 

ماهية الصياغة المرنة Soft Law

سوف نتناول في هذا المبحث تحديد مفهوم الصياغة المرنة عبر إعطائها تعريفا محددا ثم ندرس أهمية هذا النوع من القواعد ثم نتناول أهم سمات ومميزات الصياغة المرنة وذلك في مطالب ثلاثة وكالاتي:-

 

تعريف الصياغة المرنةSoft Law

تاريخيا يرجع الفضل في اكتشاف قواعد الصياغة المرنة في القانون الدولي العام إلى القاضي باكستر الذي اكتشفها منذ فترة ليست بالوجيزة بالتحديد سنة 1980 حيث عرفها في حينها بأنها (مجموعة من القواعد التي لا تفرض التزام حقيقيا على أطرافها) .

كما أن الفقه قد بذل عدة محاولات لتصنيف التصرفات التي تندرج ضمن الصياغة المرنة (soft law) ولكن المحاولتين الأكثر أهمية قد بذلهما الفقهيان مايكل اسمان في مقال له نشره في مجلة القانون الدولي تحت عنوان اتفاقيات الجنتلمان، والفقيه مايكل فيرلاي في مقاله المعنون التمييز بين النصوص الدولية ذات المضمون القانوني والنصوص الدولية المجردة من المضمون القانوني .

ويطلق جانب من الفقه مصطح (LAW – MAKING) بدل (SOFT LAW) ويعرفونه بأنه مجموعة من القواعد العامة تحكم تصرفات الأطراف في المستقبل في أطار نصوص قانونية مقترحة، ومن أمثلة ذلك أعلان باريس لسنة 1856 بشأن الحرب البحرية وكذلك اتفاقية لاهاي لسنة 1899 و 1907 حول قانون الحرب وكذلك بروتوكول جنيف لسنة 1925 حول الاسلحة المحرمة والاتفاقية العامة لسنة 1928 واتفاقية التمييز العنصري لسنة 1948 .وكذلك اتفاقيات جنيف المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني أو حتى في اتفاقية فيينا نفسها ويعرفون قواعد هذا القانون على الرغم من الاتفاق أن المبدأ هو ذاته في جميع أنواع المعاهدات بأنها التزامات تطبقها الدول في تصرفات معينة ولكنها لا تفرض عليها التزامات بحكم القانون .

ويعرفها جانب أخر من الفقه بأنها القواعد الواردة بصيغة مرنة (SOFT LAW) والتي تتعارض مع القواعد الواردة بالصيغة الحاسمة (HARD LAW) التي هي ببساطة مجموعة من القواعد الملزمة . ويعرفها قاموس القانون الدولي والمقارن بانها (سمة أو صفة تطلق على بعض قواعد القانون الدولي الصورية بسبب الغموض الذي يكتنف اساسها الملزم)

وتعرف موسوعة القانون الدولي العام الصياغة المرنة (SOFT LAW) بأنها مجموعة من القواعد الخالية من الالتزام القانوني ولكن يتوفر فيها الالتزام السياسي أو الاخلاقي .

ويعرف أخرون القواعد الواردة بالصياغة المرنة بأنها قواعد غير ملزمة أو خالية من وصف الالزام القانوني تنظم العلاقات الدولية المعاصرة بين الدول والمنظمات الدولية أو بين الدول وحدها من خلال مؤتمرات أو من خلال صور عديدة منها الاعلانات الدولية .

وتحاول طائفة من الفقهاء المعاصرون اعطاء وصف أدق للقواعد المرنة في القانون الدولي العام فتعرفها بأنها مجموعة من القواعد القانونية التي لا يمكن عدها بوصفها قواعد ملزمة أو بوصفها قواعد يمكن العمل بخلافها أو يمكن تجنبها .

أن من الثابت في العلوم القانونية خصوصا في العلوم القانونية التي ترتبط بميدان السياسة الدولية أن هناك ثمة علاقة بين التغيرات السياسية العالمية والتغيرات الحاصلة في اللغة التي تستخدمها لتصف بها تلك المتغيرات . كما أن هناك علاقة بين الكلمات وتعبير المعاني الأمر الذي يحدث تغييرا في المعاني ويثير شكوك عند أستخدامها وشكوك حول مفاهيمها الايدلوجية خصوصا أذا ما صادف استخدام هذه المصطلحات تطورا مضطرد ومعاصرا كما هو الحال في القواعد المرنة في القانون الدولي العام .

ويؤكد جانب من الفقه على أن القضية الجوهرية التي تقوم عليها القواعد المرنة (SOFT LAW) هي التمييز بين القواعد التي تتضمن التزامات واضحة ومحددة وتشكل قانون صارم (HARD LAW) مثل القاعدة التي تقول (لا يمكن لأي دولة أن تباشر سيادتها على أي جزء من اعالي البحار) من جهة وبين المبادئ (PRINCIPIES) والأحكام (NORMS) التي تصاغ بصيغ عامة في محتواها ولفظها والتي يمكن أن تسمى قانون مرن (SOFT LAW) .

لذلك فانعدام الالتزام الرسمي والعمومية والغموض والابهام وانعدام التحديد هو الذي اخرجها من دائرة القانون الصارم (HARD LAW)، لقد أعطت اتفاقية الأطار المناخي لسنة 1992 نموذجا يدعم وجهة النظر هذه حيث ثم تم تبنيها بالاتفاق في مؤتمر ريو اذا فرضت هذه الاتفاقية بعض الالتزامات على أطرافها ولكن المواد التي تشكل صلب الاتفاقية تعاملت مع الإجراءات والترتيبات المتعلقة بالحد من الانبعاثات بشكل حذر يكتنفه الغموض والضعف بحيث لا توحي أبدا أنها بصدد ترتيب التزامات محددة وحقيقية على الدول الأطراف فيها .

وتعد تصرفات الدول في ميدان القانون الدولي للبيئة- كما اسلفنا - المثال الواضح على قواعد الصياغة المرنة Soft Law بما تتضمنه تلك التصرفات من ممارسات واعلانات ومؤتمرات مثل اعلان استكهولم لسنة 1972 وبرنامج الامم المتحدة للبيئة واعلان ريو لسنة 1992 الخاص بالبيئة والتنمية والقرارات الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة مثل الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 واعلان سنة 1970 الخاص بمبادئ الامن والسلم بين الدول أو القرارات التي تعاملت مع الفضاء الخارجي واعماق البحار والمصادر الطبيعية، وكذلك التوصيات التي تصدر من المنظمات الدولية مثل الارشادات الصادرة عن UNEP بخصوص البيئة لسنة 1987 ومجموعة الارشادات الصادرة عن منظمة FAO بخصوص الصيد أو بقية الاعلانات الصادرة عنIAEA، IMO، . كما يورد جانب من الفقه بعض النصوص الواردة في اتفاقية الجات GAAT خصوصا المادة الاولى بفقراتها الثانية والثالثة والرابعة التي سمحت بمعاملة خاصة لاغراض التجارة مع الدول الخاضعة للاستعمار في الوقت الحاضر أو في الماضي أو الدول الموضوعة تحت الحماية بعد تلك النصوص تكريسا لاهم ملامح الاتفاقية التي تتمثل بنسبية التطبيق واختلاف هيكل القيود الكمركية ومنح امتيازات خاصة للدول النامية وادخال مجالات جديدة ضمن الاتفاقية .

ومن امثلة الصياغة المرنة كذلك مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة وبريطانيا بخصوص مساهمة بريطانيا في ستراتيجيات الدفاع، وكذلك اتفاقية التجارة والاستثمار بين كندا والهند .

ويميل الدكتور حامد سلطان ومعه جمهرة من فقهاء القانون الدولي العام العرب إلى استبعاد احكام قواعد الصياغة المرنة من قواعد القانون الدولي العام ويبررون ذلك على اساس إن كل قاعدة من قواعد القانون الدولي تقوم على اساس الرضا الذي يعبر عنه المخاطبون بحكمها تعبيرا صريحا أو ضمنيا فالمشرع في القانون الدولي هو نفسه المخاطب بالاحكام التي يضعها ويترتب على ذلك نتيجة حتميةهي إن الدول التي تنشاء قاعدة قانونية برضاها تستطيع ايضا إن تلغيها أو إن تستبدلها أو إن تعدلها متى شاءت وبناء على ذلك لاتستمر القاعدة القانونية الدولية قائمة الا اذا استمر الرضا باحكامها ويؤدي هذا الوضع إلى استبعاد تقسيم القواعد الدولية إلى قواعد امرة واخرى مرخصة والتقرير بان قواعد القانون الدولي كلها قواعد مرخصة تقوم على الرضا ويستطيع الرضا إن يفعل بها ما يشاء بشرط إن يقوم الرضا بين جميع الدول التي أنشأت في الاصل القاعدة الدولية، اما قواعد الصياغة المرنة فتاخذ شكلين فتارة تتفق الدول على بعض المواد تكفل الحد الادنى من الحرية القانونية وتترك للدول الاطراف الحق في إن تعقد بين بعضها البعض معاهدات أخرى تكفل هذه المصالح، وتارة تعمد الدول الاطراف في المعاهدة إلى وضع تنظيم معين لمسألة معينة وتسمح لاطراف المعاهدة بان لا تطبق احكام هذا التنظيم تطبيقا كاملا ومثال ذلك المادة الاولى من اتفاقية لاهاي 1905 المتعلقة باجراءات المرافعة المدنية .

إن محاولة اعطاء تعريف للقواعد الواردة بالصيغة المرنة Soft Law في القانون الدولي العام لن تكون يسيرة اذ إن معضم التعاريف التي سيقت سابقا ركزت على جانب الالزام من جهة أو ركزت على التسمية أو المصطلح الذي يطلق على تلك القواعد ومما لا شك فيه إن مسالة التنفيذ والالزام ومسالة التسمية مسالة بعيدة نسبيا عن التعريف أو لاحقة له في حين يتطلب الامر الوقوف على حقيقة تلك القواعد قبل انتظار موقف الاطراف منها أو من تنفيذها ولذلك فالتعريف الارجح هو انها (مجموعة من القواعد العاملة في القانون الدولي العام والتي تحكم سلوك الدول دون إن تشكل مصدرا مستقلا من مصادر هذا القانون) . وهي بهذا المعنى تقترب كثيرا وبالتحديد من مصادر أخرى بدء الفقه يطرحها كمصادر اضافية لم ترد في المادة 38 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية مثل الاعتبارات الانسانية والمصالح المشروعة حيث تعني الاولى مجموعة من القيم الانسانية المحمية بموجب مبادئ قانونية مرعية وان كانت ترتبط ارتباطا وثيقا مع مبادئ القانون العامة أو اعتبارات العدالة الاانها تختلف وتتميز وتستقل عنها بانها لا تحتاج لممارسة تبرر اسباغ وصف الشرعية عليها . إن الاعتبارات الانسانية سواء اكانت مبادئ أو حتى قواعد قانونية وردت في العديد من ديباجة الاتفاقيات الدولية كما وردت في توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة ووردت ايضا في الممارسات الدولية ولكن المثال التقليدي عليها ورد في احكام القضاء الدولي كما في الاعتراف بحق المرور في قضية مضيق كورفو . كما تضمن الميثاق نصوص تتعلق بحماية تلك الاعتبارات مثل احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية والتي عدت فيما بعد اساسا صلبا برر ظهور وتعزيز مبادئ انسانية أخرى مثل حق تقرير المصير أو مناهظة التعذيب، اما المصالح المشروعة فهي تصطف مع غيرها من المعايير مثل(حسن النية) و (المعقول) لتشكل اساسا لنصوص اتفاقيات دولية ولكن المصالح المشروعة بما في ذلك المصالح الاقتصادية ادت دورا ملحوضا في التقدم المضطرد للقانون الدولي كما انها تبرر من جهة أخرى مبادئ قانونية مسلم بها مثل الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة .

ويبرر اخرون وجود هذا النوع من الصياغة بانه يشكل حاجز دون انتهاكها ولذلك قيل إن الغرض من وجود الاعلوية في قواعد حقوق الانسان هو اقامة موانع اخلاقية وقانونية للحيلولة دون الخروج عن بعض هذه الحقوق أو انتهاكها وقيل كذلك ان وصف حقوق معينة بانها اساسية يعبر عن تصميم المجتمع الدولي عن رفض أي تعديل أو انتهاك لهذه الحقوق وانها تساعد الان كما في الماضي على تثبيت المبدا القاضي بامكان شمول الالتزامات الناشئة عن معاهدة دولا ليست اطرافا فيها (erga omnes) .

 

اهمية الصياغة المرنة

تكمن اهمية قواعد الصياغة المرنة Soft Law في موضوع المعاهدات في إن بعض قواعد Soft Law مقدمة طبيعية أو بالاحرى الخطوة الاولى من الاجراءات أو المرحلة التي تمهد في الغالب إلى ابرام اتفاقيات دولية في نفس المجال وهو ما حدث بالضبط مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 الذي كان مجرد مجموعة من القواعد الغير ملزمة وتحول سنة1966 إلى اتفاقيات دولية ملزمة تناولت نفس الموضوع .وكذلك الحال مع العديد من الامثلة مثل القرارات الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة في مجالات عديدة مثل الفضاء الخارجي والمنطقة الدولية والتغير المناخي . مع التسليم بإن الجدل لازال يثور حول عد قرارات المنظمات الدولية بمثابة مصدر مستقل من مصادر القانون الدولي ونشير بهذا الصدد إلى جملة من قرارات محكمة العدل الدولية التي نصت على إن مجرد اعلان الدول اعترافها بقواعد معينة لا يكفي لعد تلك القواعد جزءا من القانون الدولي العرفي وان تلك القرارات تعكس من وجهة نظر المحكمة رغبة جزء كبير من المجتمع الدولي تجاه قضية أو موقف معين دون إن يرقى إلى مستوى الالزام .

واذا كانت التوصيات الصادرة من المنظمات الدولية ليس لها قوة ملزمة فان سلوك الدول احيانا يكشف عن الحرص على تنفيذها ومن هنا فان محاولة اطلاق وصف قانوني واحد بشان جميع تلك التوصيات هي محاولة تجانب الصواب وان المعيار الاصوب بشان مدى الزامية تلك التوصيات يقوم على مدى حرص الدول على تنفيذها أو الخطوات والاجراءات التي عملت الدول على اتخاذها بغية تنفيذ تلك التوصيات كما إن افتقار التوصيات إلى صفة الالزام القانوني لايعني تجريدها من أي اثر قانوني حيث تتمتع هذه التوصيات بصفة الالزام الادبي عند المخاطبين بها على الاقل وان قبول الدول الاعضاء في المنظمة قرار التوصية عند التصويت عليه لابد إن يعني الرغبة في تنفيذه وبذلك تزداد قيمة هذه القرارت بازدياد عدد المصوتين عليها وخصوصا عند صدورها باجماع اصوات الاعضاء أو بما يقارب من ذلك حيث تدنو عند ذلك قوة نفاذ تلك القرارات كثيرا من تلك التي تتمتع بها القرارات الملزمة بل وقد تتطابق معها واذا كانت التوصيات الصادرة من الجمعية العامة غير ملزمة بذاتها فان المبادئ التي تشملها يجب إن تلتزم بها الدول نظرا لانها تاسست على نصوص الميثاق، لكن الجمعية العامة ميزت منذ البداية بين اختصاصاتها الداخلة ضمن المادة 14 من الميثاق وبين اختصاصاتها التي تستدعي القيام بعمل والتي يلزم على الجمعية احالتها إلى مجلس الامن بموجب المادة 11-2 وحيث لايوجد إشكال بصلاحية الجمعية العامة بالتوصية بموجب المادة 14 فان النقاش قد احتدم بين الدول الاعضاء حول مدى صلاحيتها للقيام بعمل بموجب المادة 11-2، واظهر التعامل في داخل الجمعية كيفية الاستفادة من المبادئ المنصوص عليها في الميثاق في تفسير نصوصه بما يمكن هذا الجهاز من القيام بعمل غير مقترن باستخدام القوة المسلحة وذلك كما في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية ومن توصيات الجمعية العامة التي تندرج في هذا الاطار والتي من جهة أخرى شكلت تقدما ملحوضا في قواعد الصياغة المرنة SOFT LAW حتى بالنسبة للدول التي تسلم بانها لاتشكل اكثر من مجرد مبادئ عامة فانها مع ذلك تعد بمثابة الاساس للتطور المضطرد للقانون الدولي، والممارسة السريعة التي قد يتشكل منها العرف الدولي، ومنها على سبيل المثال . ميثاق نوندمبرغ و تحريم استخدام الاسلحة النووية للاغرض الحربية وقرار منح الشعوب والدول غير المستقلة استقلالها وقرار منح السيادة للشعوب على ثرواتها الطبيعية واعلان المبادئ القانونية التي تحكم نشاطات الدول في اكتشاف واستعمال الفضاء الخارجي، ويستثني جانب من الفقه بعض التوصيات الصادرة من الجمعية العامة استنادا إلى مؤتمر سان فرانسيسكو الذي منح فروع الامم المتحدة صلاحية تفسير الميثاق والمقصود بها التوصيات التي انشات الجمعية العامة بها اوضاع سياسية جديدة الاصل فيها انها تتطلب في مرحلة الاقرار أو التنفيذ اكثر من محض توصية وهي غاية ما تملكه الجمعية مثال ذلك ما اوصت به الجمعية العامة سنة 1948 بتقسيم فلسطين واقامة دولة يهودية في الشطر الاكبر منها رغم الاعتراضات الكثيرة وكذلك توصيتها بشان ايجاد دولة كوريا الجنوبية ومن جهة أخرى تؤكد المحكمة في قضية التجارب النووية بين استراليا ونيوزليندا ضد فرنسا سنة 1974 إن الاعلانات التي تصدر من دولة بمفردها قد تكون ملزمة اذ إن العبرة ليست بالصيغة وانما بالعبارات والمصطلحات الواردة في هذه الاعلانات والتي تكرس قصد تلك الدول من وراء اصدار هذه الاعلانات مشيرة في ذلك إلى الخطاب الذي القاه وزير خارجية فرنسا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25- ايلول 1974 والمؤتمر الصحفي الذي اعقب هذا الخطاب والذي اكد فيه إن التجارب النووية الفرنسية وصلت إلى مراحل متقدمة وانها قد تتوقف في السنة القادمة، كما عادت المحكمة لتؤكد في نفس القضية انه ليس كل الاعمال الانفرادية التي تصدر من الدول تكون ملزمة ولكن الدول قد تختار موقف معين بخصوص قضية معينة أو موضوع معين بحيث تبدي رغبتها بجعل هذا الموقف ملزم لها وان قصد الدولة يؤكده تفسير هذه الاعمال، لقد قررت المحكمة في قضية الوضع القانوني لكرينلاند الشرقية بين الدنمارك والنرويج سنة 1933 بخصوص اعلان ايهلين Iheln Declaration الذي احتجت به الدنمارك على اساس انه اتفاق ملزم اعترفت بموجبه النرويج بالسيادة للدنمارك على الجزر والصادر والمسمى ايضا باسم وزير خارجية تلك الدولة والتعهدات التي قطعها بانه لا يثير هذه القضية في مؤتمر السلام. لقد قررت المحكمة انه لا يمكن قبول هذا الادعاء لان التدبر والتمعن بدقة في عبارات هذا الاعلان والظروف التي رافقت اعلانه والتطورات اللاحقة له توضح إن السيد ايهلين وزير خارجية النرويج لا يقصد من ذلك، التصريح بهذا الاعتراف، أو الزام دولته بذلك، بل حتى بالنسبة للدولة التي صدر لمصلحتها وهي الدنمارك لم يكن يفهم من قبلها بانه اتفاق ملزم . ويلاحظ إن مجلس الامن تصرف ذات التصرف تجاه الاعلان المنفرد الصادر من وزير الخارجية السوري في 7-8-2006 والمتضمن اقرار بان المزارع تشكل جزءا من الاراضي اللبنانية واكتفى في قراره المرقم 1701 في 11-8-2006 بعد منطقة مزارع شبعا من المناطق المتنازع عليها أو غير مؤكدة الملكية،على الرغم من إن هناك اتجاه في الفقه الدولي يذهب إلى إن الممارسة الدولية تعترف لوزير الخارجية بصلاحية اجراء معاهدات الدولية معينة ابتداء من المفاوضات وحتى التوقيع وهويحتفض بهذه الصلاحية حتى لو كان دستور دولته لم يصرح بمنحه مثل هذه الصلاحيات أو لم يصرح بحجب هذه الصلاحيات عنه، وكانت لجنة القانون الدولي قد شرعت منذ عام 1997 بدراسة الاعمال المنفردة الصادرة عن الدول وتلقت في عام 2000 تقارير المقرر الخاص بذلك والذي اشار فيه إلى انه يعمل بشكل اساسي على التمييز بين السمة القانونية والسمة السياسية لهذه الاعلانات وما يترتب على ذلك من كونها ملزمة ام لا . .

وتشير المادة 249 من اتفاقية الاتحاد الاوربي وتقابلها المادة 189 من اتفاقية الشراكة الاوربية التي حددت بعض من صلاحيات مؤسسات الاتحاد الاوربي وبشكل خاص في موضوع الصلاحيات التشريعية إلى إن تلك المؤسسات لها الحق في إن تصدر اربعة انواع من التشريعات تختلف من حيث طبيعتها الملزمة وهو ما يشكل بالتالي جزءا من قواعد الصياغة المرنة Soft Law وكالاتي :-

1- التعليمات والتي تمتاز بالتطبيق العام

2- الاوامر والتي تكون ملزمة لكل دولة صدرت بحقها

3- القرارات والتي تكون ملزمة ايضا بخصوص القضية التي صدرت بصددها

4- التوجيهات والاراء والتي لا تتمتع باي وصف للالزام استنادا للفقرة الخامسة من المادة 249 المشار اليها انفا .

ويضيف جانب من الفقه الدولي اهمية أخرى لقواعد الصياغة المرنة Soft Law تتمثل في انها قد تكون وسيلة للحيلولة دون اندلاع نزاعات فكرية وايدلوجية أو لوضع حد لتلك النزاعات سواء اكانت تلك النزاعات نزاعات فكرية عقائدية محضة أو نزاعات ومواقف ذات ابعاد اقتصادية، الا إن واحد من اكثر سلبيات الصياغة المرنة هي انها قد تكون وسيلة لتشجيع الدول على التحلل مما التزمت به دوليا من التزامات وردت ضمن قواعد القانون الحاسم Hard Law مدعية انها لاتنشاء التزامات دولية وانها جزء من الصياغة المرنة Soft Law ولذلك يشير بعض الفقهاء إلى إن وجود قواعد الصياغة المرنة في بعض الانظمة القانونية الاوربية كالنظام الانكليزي والالماني والفرنسي ولد رد فعل ايجابي في ذروة التنازع بين القوانين الوطنية الداخلية وقواعد الصياغة المرنة Soft Law وادى في النهاية إلى ازدهار الدراسات القانونية المقارنة.

 

مميزات الصياغة المرنة Soft Law

تمتاز الصياغة المرنة Soft Law بجملة من المميزات منها :-

1- إن نصوص هذه الاتفاقيات في الغالب لا يمكن انتهاكها وفي هذا المعنى بالخصوص يرى باكستر إن هذا هو الذي يبرر تسميتها SOFT LAW فهي تتضمن التزاما سياسيا اكثر من كونها تتضمن التزاما قانونيا وهذه التسمية تعكس فقط مدى المرونة الذي يمكن إن تتسم بها ولا يمكن القول مطلقا انها تنشئ التزامات قانونية وهوعين ما اقرته محكمة العدل الدولية في قضية الجرف القاري في بحر الشمال (عندما حددت واحد من شروط المعاهدات لكي تكون منشاة للالتزامات القانونية .......... )

2- انها تتضمن مبادئ وليس قواعد أو التزامات ومع ذلك فهي ليست جزء من قواعد القانون الدولي الغير ملزمة، وهذه مسألة في غاية الاهمية والدقة لان عملية صياغة النصوص هي التي تحدد كون هذه النصوص جزء من الصياغة المرنة ٍSoft Law أو Hard Law وليس الشكل لذي وردت فيه سواء اكان اتفاقية أو أي مصدر اخر من مصادر القانون الدولي، إن مثل هذه المبادئ تتضمن ايضا مغزى قانوني دفع الفقيه (دوراكن) لاستخدام مصطلح جديد هو مصطلح المبادئ الدستورية سنة1977 وعرفها بناء على ذلك بانها المبادئ التي تؤثر على المحاكم عندما تتصدى للنظر في قضية معينة وتؤثر ايضا على المؤسسات الدولية وهي تمارس اختصاصاتها فيمكن لها مثلا إن تضع ارشادات أو تجد الحلول في تنازع القوانين والقواعد وهي اذ تقوم بكل ذلك فانما تقوم به وان جاء خاليا من معنى الالزام فانه لايمكن استنادا إلى القانون تجاهلها بالمرة وبناء على ذلك فهي تؤسس شكل مهم جدا من إشكال القانون فهي مرنة ولكن لا يمكن إن تتداخل مع قواعد القانون الغير ملزمة .

3- انها متعددة الصور فقد ترد بصورة اتفاقيات دولية أو اعلانات أو توصيات أو قرارات لمنظمات دولية أو جزءا من المبادئ العامة للقانون أو حتى في صورة قرارات قضائية، فميثاق الحقوق الاساسية للاتحاد الاوربي الموقع من خمسة عشر دولة فقط اعضاء في الاتحاد الاوربي في كانون الاول 2000 اثناء انعقاد اجتماع المجلس الاوربي في مدينة نيس في فرنسا ليس له أي قوة ملزمة على الرغم من الميثاق تضمن وفي نص واحد مجمل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية المعترف بها صراحة من قبل المواثيق الدولية أو الاتفاقيات الاوربية أو حتى على مستوى التشريعات الداخلية ولكن وعلى الرغم من اعتراضات المملكة المتحدة فان هناك احتمال كبير بان محكمة العدل الاوربية ستعمد اليه عندما تكون بصدد تطبيق أو تفسير اتفاقيات الاتحاد الاوربي . هذا من جهة ومن جهة أخرى وعلى الرغم من إن القرارت التي تصدرها المحكمة الاوربية لحقوق الانسان قد تسفر عن دفع تعويضات من قبل الحكومة البريطانية لضحايا انتهاكات حقوق الانسان ولكن قرارات المحكمة ليست ملزمة للحكومة البريطانية وليست ملزمة ايضا للمحاكم الداخلية في بريطانيا واحيانا يتم تجاهلها ببساطة اما القرارات الصادرة من محكمة العدل الاوربية فان قراراتها تعد ملزمة كانها قرارات صادرة من المحاكم الداخلية ولكن محكمة العدل الاوربية والمحاكم الداخلية من جهة أخرى تاخذ في الحسبان قرارات المحكمة الاوربية لحقوق الانسان عندما تتصدى لتفسير نصوص تلك الاتفاقيات .

كما إن محكمة العدل الاوربية دابت على معاملة الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان لسنة 1950 بوصفها مصدر من المصادر الاصلية للاتحاد الاوربي وهي في مسلكها هذا تختلف عما تسير عليه المحاكم الداخلية، ولكن وعلى الرغم من هذا الاعتراف من قبل محكمة العدل الاوربية الا إن اهمية تلك الاتفاقية بقيت قاصرة على مجرد الاستعانة بها فقط عند تفسير اتفاقيات الاتحاد الاوربي أو عند تطبيقها .

4- انها ليست خالية تما ما من وصف الالزام، اذ إن الاراء الافتائية والتوصيات التي تصدر بصدد معاهدة ما أو قرار صادر من منظمة يجب إن يؤخذ في الحسبان من قبل المحاكم الوطنية أو الاقليمية أو حتى المحاكم الدولية اذا ما تصدت لتفسير نص من نصوص تلك المعاهدات أو فقرة من فقرات ذلك القرار.

5- إن الالتزام بها والعمل على هديها ومراعاة احكامها لا يتوقف على مشيئة أو رغبة اطرافها كما لا يتوقف على المصطلح أو التسمية التي يطلقها طرفا بعينه على تلك القواعد حتى وان جاءت بهذه الصياغة

6- انها قواعد ذات طابع اعلاني، وهو الامر الذي يجعل قواعد هذا القانون من القوة بمكان بحيث تخلق تاثير واضح بوصفها ممارسة ترقى إلى المستوى الذي يجعلها تساند قواعد العرف الدولي أي تساهم بتشكيل الركن المادي من ركني العرف حيث تفسر اعتياد الدول على ممارسة تصرف معين في شان محدد رغم تاكيد هذه الدول إن تلك الممارسة لا تمثل ابدا قاعدة قانونية ملزمة وهذا ما حدث بالضبط مع اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907.

7- انها تتعلق في اغلب الاحيان بالجانب الاقتصادي دون إن يعني ذلك انها لاتدخل في ميدان العلاقات الدولية الاخرى أو في الميادين السياسية التقليدية وخاصة في مجال الامن . ولعل هذا ما يبررلجوء اغلب المؤسسات الاقتصادية الدولية لمثل هذا الاسلوب فقد لجاء صندوق النقد الدولي إلى اعتماد هذا الاسلوب سنة 1974 في اطار محاولات تحديد التدابير التي تضع قيودا على المبادلات وقد لجات إلى الاسلوب ذاته منظمةالتعاون والتنمية الاقتصادية وكذلك الحال مع اعلان باريس في 30 ايار الصادر من حكومات الدول الاعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وكذلك الاعلان الصادر من لجنة حكام صندوق النقد الدولي المتضمن التزام الدول بازالة التدابير والاجراءات التي من شانها الحد من حرية التبادلات وحصر سلطان الدولة بفرض المزيد منها بصورة فردية . واعتمدته ايضا اتفاقية الجات بوصفه نظاما عالميا يتولى ادارة العلاقات الاقتصادية بين دول العالم ويتمثل بسلسلة من الاجراءات وسلسلة من المعايير تشكل اساس التوافق الدولي فيما يتعلق بواجبات الدول بانجاز تلك المهام

ويعطي بعض الفقهاء تسويغا لان يكون الميدان الاقتصادي هو الميدان الرئيس لقواعد الصياغة المرنة SOFT LAW مبررين ذلك بان مثل هذه القواعد مهما كانت طبيعتها ودرجتها من الخطورة فانها ذات تاثير مباشر في سلوك الافراد الامر الذي يحتم صياغتها بطريقة مرنة .

 

تطبيقات الصياغة المرنة في اتفاقية فينا لقانون عقد المعاهدات لسنة 1969

بعد إن حددنا المقصود بمفهوم الصياغة المرنة في المطلب الاول نحاول في هذا المبحث دراسة اثر الصياغة المرنة في اتفاقية فينا لقانون عقد المعاهدات لسنة 1969، من البديهي إن هذا المبجث لا يمكن إن يلم بكل هذه التطبيقات ولكنه سيحصرها في اتجاهين الاول تحديد اثرها في تعريف الاتفاقيات الدولية والاتجاه الثاني تحديده في اثر المعاهدات وذلك عبر مطلبين :-

 

التطبيقات المتعلقة بتحديد مفهوم المعاهدات

يمكن اجمال الاراء التي قيلت بصدد تحديد اثر الصياغة المرنة Soft Law في مفهوم الاتفاقية، أو في تحديد اثر التسميات التي تطلق على الاتفاقيات والمصطلحات على مفهوم الاتفاقية ذاته وفيما اذا كانت هذه التسمية تنقل هذا المفهوم من قواعد القانون الحاسم Hare Law إلى قواعد الصياغة المرنة Soft Law باتجاهين هما :-

الاتجاه الاول – ويرى إن هذه التسميات يمكن إن تنقل الاتفاقية الى مفهوم الصياغة المرنة Soft Law فاذااجرينا مراجعة للقوانين المتعلقة بابرام المعاهدات في ثلاث عشر دولة هي (استراليا، كندا، الصين، تشيلي، كولومبيا، مصر، المانيا اليابان، مكسيك، هولندا، روسيا، سوسيرا، المملكة المتحدة) فإنها سوف تؤكد أنه ليس هناك فرق يذكر بين التعريف الوارد في المادة الثانية الواردة في اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 وبين التعريف الذي ورد في هذه القوانين أن لم يكن بعضها يقتبسه اقتباسا صريحا . ولكن الممارسة الدولية لهذه الدول ولغيرها من الدول تثبت أن هناك فرق واضح في استخدام المصطلحات المرادفة للفظ الاتفاقية وأساس هذا التمييز هو رغبة الدول في الالتزام بموضوع المعاهدة والغرض منها أم غياب رغبة الالتزام هذه . وهو الأمر الذي عبر عنه وزير الخارجية الأميريكي هنري كيسنجر في مقولة له مفادها (أن الشئ المهم في دبلوماسية الولايات المتحدة هو أن تتم بحسن نية ...... ولكن الولايات المتحدة غير ملزمة بذلك) . حيث يميل الفقه في كندا وبريطانيا إلى عد العنوان أو المصطلح المستخدم في تحرير الاتفاقية دليل يوضح تلك الرغبة أذ أن الرغبة شئ داخلي لا يمكن الوقوف عليه وبالتالي لابد من دليل يوضحه ويظهره والدليل هنا هو الأسم المستخدم أو المصطلح المستخدم فأذا كان المصطلح المستخدم كعنوان هو معاهدة أو اتفاقية (Treaty) فأن رغبة الأطراف تكون قد أنصرفت إلى الالتزام باحكام تلك الاتفاقية أما أذا كان العنوان هو مذكرة تفاهم فأنها غير ملزمة وأنها جزء من قواعد الصياغة المرنة وأحيانا لا تسمى حتى معاهدة .كما إن اللغة المستخدمة والصياغة تكشف ايضا عن هذه الرغبة فاذا استخدمت الدول مصطلحات مثل يجب (Shall) ويتفق (Agree) ويتعهد (Undertake) وحقوق (Rights) والتزامات (Obligations) والدخول في دور النفاذ (Enter Into Force) فانها تقصد من وراء ذلك انصراف نيتها للدخول في معاهدة، اما اذا ارادت ابرام مذكرة تفاهم (MOU) فانها تلجئ لعبارات بديلة فتستخدم (Will) (سوف) بدل (Shall) (يجب) وتتجنب مصطلحات مثل اتفق وتعهد، وتستخدم عبارة (تدخل العمل) أو (تكون فاعلة) بدل تدخل دور النفاذ هذا بالاضافة إلى الاستغناء عن شروط المراسيم النهائية التي ترافق عادة ابرام المعاهدات الدولية مثل تبادل التوقيعات بين ممثلي الدول . ويمكن تعزيز هذا الرأي بالقول إن الذي منع وصف الالزام عن قرارات المحكمة الاوربية لحقوق الانسان هو صياغة المادتين 53 و54 من الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان لسنة 1950 حيث جاءت بالصياغة التالية (تتعهد الاطراف السامية المتعاقدة بان تتقبل نتائج قرارات المحكمة في أي دعوى تكون طرفا فيها) ثم جاءت المادة 54 لتؤكد نفس الصياغة حيث نصت على (يحال حكم المحكمة إلى لجنة الوزراء التي تتولى الاشراف على تنفيذه) .

ويساند الفقه الانكلوسكسوني هذا الرأي بشكل عام حيث يرى انه وفي نطاق الاتفاقات المختصرة تحتل اتفاقات الشرف أو اتفاقات الشرفاء (gentele men agreements) مكانا خاصا . وهي اتفاقات دولية مجردة من النتائج القانونية الإلزامية تعد التزامات شرف لا تنطوي على أي إلزام قانوني مباشر بالنسبة إلى الأطراف، غير أنها تربط هذه الأطراف معنويا، مثل : الاتفاق الأمريكي ـ الياباني في العام 1917 لتسوية الهجرة اليابانية إلى الولايات المتحدة، وميثاق الأطلسي أو الإعلان الأمريكي ـ البريطاني الموقع من قبل روزفلت وتشرشل في 14 / 8 / 1941، والمتضمن المبادئ المشتركة لسياسة الدولتين والتصريح المشترك الصادر سنة 1945 بين كندا وبريطانيا والولايات المتحدة الخاص بحقل استخدام الطاقة النووية .

وهذه الاتفاقات هي اتفاقات ذات طابع سياسي تبرمها دولتان أو أكثر وتعلن فيها عزمها على اتباع منهج سياسي معين، أو اتخاذ موقف معين من إحدى القضايا الدولية، وذلك دون أي التزام قانوني من جانبها . فهي، إذن، اتفاقات لاتخضع لحكم المعاهدات ولا تقيد الدول المشتركة، ولا يترتب على عدم احترامها أو تنفيذها أي التزام قانوني . وكل ما تحدثه في العلاقات المتبادلة بين هذه الدول هي ربطها برباط أدبي بحت . كما انها في العادة تتم بين القائمين بالشؤون الخارجية لدولتين أو أكثر يثبتون فيها المنهج الذي يرون أن تنهجه دولهم بالنسبة لأمر دولي معين، لكن دون أي ارتباط قانوني بينهم . والظاهر أن مثل هذه الاتفاقات، لخلوها من الصفة الالزامية، لاتعتبر من قبيل المعاهدات ولا تخضع لحكمها، فهي لاتقيد في شئ الدول التي تمت بين ممثليها، ولا يترتب عليها أي التزام قانوني، وكل ما هناك أنها تربطهم برباط ذي طابع شخصي .

. .وفي ظل هذا الاتجاه هناك اجماع على استثناء المعاهدات النافذة من قواعد الصياغة المرنة Soft Law لان المعاهدات التي تدخل حيز النفاذ تشكل جزءا من (Hard Law) على أقل تقدير بالنسبة لأطرافها . وتدعم بعض القرارات الصادرة من التحكيم الدولي هذا الاتجاه ففي قضية رسوم المستخدم في ميناء هيثرو التي عرضت على التحكيم بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والتي تتعلق بنصوص اتفاقية لتنظيم الخدمات الجوية بين الولايات المتحدة وبريطانيا . وكان الطرفان قد اعقبا هذه الاتفاقية بتوقيع مذكرة تفاهم في عام 1983 تتضمن توضيح كيفية أعادة تقيم ما تم تقيمه سلفا وكذلك الإجراءات المناسبة لوضع نظام لا ستحصال رسوم المستخدم . وقد رفضت محكمة التحكيم الحجة القائلة أن مذكرة التفاهم تتمتع بما تتمتع به المعاهدة من وصف الالزام استنادا إلى التعريف الوارد في المادة 2 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 وقد قضت المحكمة أن مذكرة التفاهم ينحصر دورها في أنها تشكل (ممارسة رضائية مستمرة في تطبيق الاتفاقية بين الأطراف) وأنها (يمكن أن تساعد في تفسير اتفاقية الخدمات الجوية ويمكن أن تساعد أيضا في تطبيقها عن طريق توضيح معنى المساهمة في التعبير والمصطلحات المستخدمة في الاتفاقية وفي أزالة أي غموض) .كما أن هذا المصطلح قد يطلق أيضا على المعاهدات التي تتميز بأنها خالية من وصف الالزام أو أن الفكرة بذاتها وجدت من خلال تلك المعاهدات .لا بل إن جانب اخر من الفقه الحديث لايقف عند هذا الحد بل يرى أن استخدام مصطلح إتفاق كمناظر لمصطلح معاهدة يشوبه عدم الدقة . إذ لمفهوم إتفاق مضمون أكثر إتساعا وشمولا . فيفيد في بعض الأحيان تقارب فكرى حول نقطة بعينها أو مسألة . فيقال إتفقنا بمعنى أن لنا ذات الفكرة . وهو بهذا المنظور عمل ذهني . كما أن للإتفاق مفهوما آخر بمعنى التصرف الذي يتم بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي بإرادتهما المشتركة مستهدفا ترتيب الآثار القانونية المبتغاة .

وفي فرنسا يجد مصطلح الصياغة المرنة Soft Law اكثر تطبيقاته في تعدد المصطلحات التي تطلق على الاتفاقيات الدولية يطلق مصطلح الترتيبات الأدارية على الاتفاقات التي تعقدها مؤسسات الدولة مع دول أخرى ولكنها لاتخلع عليها وصف الالزام ضمن أطار القانون الدولي وبشرط أن تكون تلك الاتفاقات عبارة عن ترتيبات لتنفيذ معاهدة سبق أن أبرمتها الدولة وأن يكون الاتفاق برمته يدخل ضمن اختصاص المؤسسة التي أبرمته كما أن هذا الاتفاق لايلزم فرنسا ولكن يلزم فقط المؤسسة التي أبرمته . وفي عام 1991 شرعت المكسيك قانونا لابرام المعاهدات يسمح لمؤسسات الحكومة على كافة المستويات (الفدرالية والداخلية) بتوقيع معاهدات يحكمها القانون الدولي ولكن هذه المعاهدات لاتلزم الا الوكالات والمؤسسات التي وقعتها ولاتلزم المكسيك نفسها . ويمكن هنا إن نورد تطبيقين للمجلس الدستوري الفرنسي بصدد التمييز بين ما يعد اتفاقية دولية ملزمة وما لايعد كذلك استنادا إلى إن المجلس قد اقر قاعدة للتمييز مفادها إن الاتفاقية الدولية تتميز بامرين :-

1-إن تعقد بين شخصين من اشخاص القانون الدولي العام .

2- إن تنتج اثار قانونية معينة .

وبناء على ذلك عد المجلس قرار المجلس الاوربي المؤرخ ي 5 كانون الاول 1978 حول النظام النقدي الاوربي هو اعلان ذو طابع سياسي، أي ورد بصياغة مرنة SOFT LAW، وليس اتفاقية دولية ذات اثر قانوني وقد استند المجلس في ذلك إلى إن (غياب الاجراءات الدستورية المتعلقة بالاتفاقيات الدولية كتدخل البرلمان ورقابة المجلس الدستوري هو ما يخرج تلك الاعمال من الاطار الدستوري، كما عد المجلس قرارات مجلس وزراء المجموعة الاوربية المتعلقة بانشاء مصادر خاصة بالمجموعات وبانتخاب الجمعية العامة للمجموعات الاوربية بالاقتراع العام المباشر تصرفات لاترقى إلى مستوى اتفاقيات دولية وقد برر المجلس ذلك بالقول إن (إن قرار ممثلي الدول الاعضاء المجتمعين في المجلس قد تضمن بندا نهائيا بضرورة مراعاة الصيغ الدستورية الداخلية الخاصة بالدول لكي يكون ملزما) ولكن المجلس تراجع عن الاستناد إلى هذا المبداء عندما قرر إن الاعمال والتصرفات الصادرة من هيئة تابعة لمنظمة دولية بموجب معاهدتها التاسيسية وممارسة لاختصاصاتها كما هو حال مع القرار المتخذ من قبل مجلس المحافظبن بادخال تعديلات على انظمة صندوق النقد الدولي بانها اتفاقيات دولية ملزمة ويبرر المجلس مسلكه هذا بالقول إن اساس التزام فرنسا نجده في المعاهدات التاسيسية التي تجيز استبدال القواعد الدستورية بالقواعد الدولية لانها نفسها قد ادرجت ضمن النظام الداخلي .

 

الأستاذ المساعد الدكتور محمد ثامر السعدون

كلية القانون جامعة ذي قار

في المثقف اليوم