دراسات وبحوث

زيد العامري الرفاعي: كتاب سيبويه وتدريس النحو العربي / يشاي بيليد

تقديم المترجم

"تَرَنَمْ بِلُغَةِ القُرآنْ فَروحي عَرَبِيْة" (الشاعر: مُظَفَر النَوّابْ)

سيشهد العالم أول تجربة فريدة في انقراض اللغات في عصر التقدم العلمي، أعني انقراض العربية قبل انقراض أهلها مع كثرتهم الكاثرة.

هذا البحث منشور في مجلة JSAI (2010, 37:163-188) بالانجليزية، وفيه يعرض المؤلف أسباب ضعف التحصيل العلمي في هذا المادة عند الطلبة العرب ويقدم منهجا بديلا لتدريس العربية بعد عرض سلبيات المناهج المستخدمة.

ويدافع المؤلف عن التراث النحوي العربي مفندا بذلك مزاعم بعض من يعتقد أن سبب انحطاط وتدني التحصيل اللغوي عند الطلبة العرب وكرههم لمادة النحو، راجع الى طبيعة المادة النحوية المعروضة في مؤلفات النحاة القدماء وفي مقدمتهم سيبويه الذي جرموه بتهمة باطلة. وهذا ما دفعني لترجمة البحث لتعم فائدته أكبر عدد من القراء لمن لايتمكن من الاطلاع على النص الانجليزي، آملا أنها تمكنت في توصيل ما أراد المؤلف قوله، وهذا جهد المقل .

و الهوامش جميعها من صنع المؤلف باسثناء الأرقام (1،4،10) فهي إضافة بسيطة من المترجم مقارنة بهوامش المؤلف، علماً أن هناك حاجة لهوامش أُخرى آثرتُ عدم إضافتها لانها تثقل النص. أرفقتُ المصادر إتماما للفائدة المرجوة من الاطلاع على هذه الدراسة . الأمر الآخر هو أن الإقتباسات من كتابات النحاة القدماء موجودة أصلا في البحث. وكل ما موجود بين شارحتيّن - - هو من إضافة المترجم، أما الموجود بين قوسين()، باستثناء المقابلات الانجليزية، فهي من وضع المؤلف بما فيها إحالاته على مصادر الدراسة.

وبسبب تشارك كلمة ال (phrase) وال (clause) في التعبير العربي، تركتُ الأولى دونما مقابل - بينما ذكرت مقابل الثانية ألا وهو " العبارة" والتي تعني بصورة أدق الجملة البسيطة - خاصة عندما تأتي بصيغة مفردة، على أن المؤلف استخدم تعبير " المركب" الذي استعاره من الفاسي الفهري (1993) كما ذَكَرَ في متن البحث، فقال بالمركب الإسمي ونحوه.

 

نص البحث

1 - مثلما هو معلوم لا يفتتح سيبويه كتابه بمقدمة يشرح فيها الغرض من تأليف كتابه العظيم: فانشغال كتب النحو منصبٌ عادة على وصف تركيب لغة ما وتحليلها، حيث تتباين طرق الوصف والتحليل. والشائع في شروحات النحو هو انطلاقها من تركيب مفترض، مثلا "أن جملة س تتالف من فعل وفاعل و مفعول به ." على أن من كتب النحو ما هو مخصص للأغراض التعليمية كتعليم الطالب الإستعمال الصحيح للغة ما (اللغة الام أو سواها)، أو في حالات أُخرى، عرض تركيب اللغة لأغراض نظرية –أكاديمية-، أو لأغراض عملية لتسهيل، مثلا، فهم صعوبات النصوص المعقدة، وعلى وجه الخصوص المكتوبة منها .

ونظرة عجلى لكتاب سيبويه تكفي للتدليل أنه كتاب نظري أكثر منه تربوي تعليمي. وإن تناول سيبويه للنحو يتم في إطار مجموعة أَسس وأحكام استخدمها في صياغة نظرية نحوية محكمة ومتناسقة، ألا وهي نظرية العمل التي تشغل موقعا مركزيا في الجزء المتعلق بالقواعد (syntax) من الكتاب (Peled 2009:410). علاوة على هذا، نجد أن سيبويه في مواضع كثيرة منشغلٌ بكيفية صياغة تركيب معين أكثر من انشغاله بتحليل هذا التركيب إلى مكوناته، وتبيان وظيفة كل مكوِن. فالفصل العاشر مثلاً (الكتاب، مج1، ص 10f)، حيث يناقش مستعرضاً تتمة- تكملة- المفاعيل المختلفة في الجملة الفعلية، افتتحه بالقول : "هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله الى مفعول." لن أشغل نفسي هنا باشكالية استعمال المصطلحات (انظر في ذلك: Levin 1979، Peled 1999). ما يهمنا هنا هو نقطة انطلاق سيبويه بأن تاثير الفعل، في مثل هذه الحالات، يتعدى فاعله. فهو يشير الى عملية التعدي، بما تتضمنه من الإعراب[1]،والتي تكون نتيجتها النهائية جملة مكونة من فعل وتتمة –تكملة-، والتتمة مكونة من إسمين، أحدهما مرفوع والآخر منصوب (ضربَ عبدُاللهِ زيداً) .

وعليه فكتاب سيبويه ليس كتاباً مدرسياً وهو مايدل عليه حجمه وطريقته النظرية في المعالجة. ومع هذا، يلحظ المرء في السنوات الراهنة، بسبب القلق المتزايد عند المشتغلين بالتعليم والمتخصصين –الاكاديميين- في العالم العربي حول مستوى التحصيل المتدني لطلاب المدارس الثانوية والجامعات (فيما بعد: الطلبة العرب) في دراستهم للعربية المكتوبة (الفصحى: فيما بعد العربية)، أن هناك اتجاها يضع اللوم على النحاة وعلى وجه الخصوص سيبويه باعتباره الشخص الذي "قَعّدَ " أُسس اللغة. ونجد أزاء هذا الفهم موقفا أكثر اعتدالا وإنصافا كالذي عند رمزي البعلبكي (2004) في ملاحظاته النقدية بخصوص العلاقة بين الدراسة المعاصرة للنحو العربي من جهة،ومن جهة اخرى، الفكر النحوي العربي في القرون الوسطى. وفيه يعرض البعلبكي، من خلال تركيزه على تدريس اللغة، بعض الحلول المستمدة من نظرته الشخصية عن تعليم اللغة، وسأعود الى هذه المسالة لاحقا.

هدفي من هذا البحث يتركز على بحث الأُمور التالية:1– تلخيص رؤية المنتقدين والذين يرْثون لحال اللغة العربية الراهن والتحصيل المتردي لمتعلمي هذه اللغة، 2- استعراض طبيعة كتب النحو العربية القديمة، 3 – اعطاء وتقديم بعض الأمثلة عن كيفية معالجة الكتب المنهجية المعاصرة لتراكيب معينة للتلاميذ العرب، وأخيرا 4- اقتراح منهج بديل يعتمد بالمثل على كتابات النحويين لكنه منهج مُعدل يلائم مهمة تعليم النحو العربي ويكون تبعا لذلك أكثر جاذبيةً وتشويقاً للطلبة في دراسة اللغة.

2- يوضح رمزي البلعبكي في بحث له (2004:85) عن تدريس العربية في الجامعات "إن مقياس تمكن طلبة الجامعات من اللغة العربية [....] أخذَ بالتدهور بصورة شديدة ومستمرة خلال العقود القليلة الماضية." وغالبا ما يشير المشتغلون بالتعليم إلى نفور الطلبة من مادة النحو، وقلة اكثراتهم به، ليصل الأمر الى عدم رغبتهم بتعلم العربية. ونشأ عن هذا الوضع في السنوات الحالية نقاش جدي لبحث مسببات هذه المشكلة وتقديم الحلول التي تركز على ترغيب مادة النحو.

يرى بعض المنتقدين أن أصل المشكلة ومصدرها يكمن في اللغة العربية نفسها. فيعتقدون أن العربية، بخلاف اللغات الاوربية المعاصرة مثل الإنجليزية والفرنسية، لغةٌ معقدةٌ جداً يصعب على المتعلمين فضلا عن الإنسان العادي استخدامها في شؤون الحياة اليومية. ومَنْ هو المسؤول المذنب عن هذا الوضع المزري ؟ جواب المنتقدين واضح صريح: النحاة العرب القدماء. واللومَ يلقونه أولاً وأخيراً على عاتق سيبويه الذي وصفه بعضهم مثل زكريا أوزون (2002) وشريف الشوباشي (2004) بأنه المسبب (!) في وضع وإيجاد هذه الضوابط النحوية المعقدة التي يعاني منها العرب قُراءاً وكُتاباً الى يومنا الراهن. [2] ويعتقدون أن هذه الضوابط من أسباب مشكلات تعلم النحو العربي، فضلا عن كراهية تعلمه ولذا يتوجب إعادة صياغتها باعتبارها جزء من اصلاح شامل للغة.[3] وسيؤدي هذا، حسب منطقهم، لاستنهاض هِمَمْ التلاميذ لتعلم اللغة مما سيحسن الاداء و سيمكنهم بالنهاية من استعمال اللغة في شؤون الحياة اليومية. وبطلبهم اجراء اصلاح في اللغة، يؤكدون أن اللغة العربية ليست مقدسة ولاتختلف عن باقي اللغات، فضلا عن أن كتاب سيبويه ليس نظير القرآن. وحقا، فإن عنوانات كتبهم تنطق بتلك الدعوات (انظر قائمة المصادر) . في الفقرة الحالية سأركز على مايقوله الشوباشي وعلى نقد رمزي البعلبكي (2004) لطريقة تدريس النحو العربي الراهنة. وسأتناول في الفقرة رقم 4 بعضاً من الأمثلة التي طرحها زكريا أوزون.

يلقي الشوباشي (ff 2004:197) باللائمة، حول وضع اللغة العربية الحالي، على العناصر الدينية المحافظة في المجتمع والتي أعاقت عبر التاريخ كل محاولة لتطوير اللغة واصلاحها، بل كل محاولة توجهت نحو تيسير اللغة كي تناسب العصر. ويؤكد الشوباشي (ص 201) بأن مثل هذا الاصلاح لايعني جوهر اللغة اطلاقا، بل يجب الحفاظ عليه باعتباره إرثاً قومياً. ويقدم الشوباشي جملة اقتراحات لتسهيل اللغة من خلال ادخال بعض التغييرات والتعديلات شبيهةً بوضع اللهجات العربية (مثلما أيضاً في بعض اللغات الهندو اوربية). نقدم هنا عرضا نقديا لبعض أمثلته (الشوباشي ص 202-217): 

1.يعتقد الشوباشي محاججا أن الفهم الصحيح للنص العربي يعتمد أساساً على علامات الإعراب. وبما أن النص العربي يخلو عادةً من الحركات (short-vowel markers)، فان علامات الإعراب غالبا ما تكون غائبة، وهو الأمر الذي يتسبب أحيانا في صعوبة تحديد الوظيفة النحوية لمكوِن معين من مكونات الجملة، وعلى وجه الخصوص التفريق بين الفاعل والمفعول به. وبالإمكان حل هذه المشكلة بادخال ضابط –قاعدة- أساسه هو أن وظيفة مُكَوِنْ ما يُحَدَدْ بموقعه في الجملة وليس بعلامة إعرابه بطريقة شبيهه لما موجود في اللهجات . وبالتأكيد فإن الشوباشي يعلم، أنه في العربية المعاصرة المكتوبة، أن الجملة الاسمية (فاعل-فعل- مفعول) هي النمط الشائع في ترتيب الكلام، وفي حالة الجمل الفعلية (فعل،فاعل، مفعول/ فعل، مفعول، فاعل) هناك وسائل اخرى يتمكن من خلالها القارئ تحديد وظيفة المكون، مثلا، معنى الكلمة وحرف الالف الذي يشير للمفعول النكرة.

2.قد تعبر كلمة واحدة عن جملة كاملة، مما يصعب على القارئ فهمها. غير أن هذه الدعوى مردودة لأنه حتى في فصحى التراث يندر وجود جمل مثل جملة "ناولنيه". في لغة الكتابة العربية المعاصرة، مثلما في اللهجات، نجد أن التركيب الشائع هو " أعطاني اياه". أما التراكيب التي تتكون من فعل و ضمير المفعول فانها تكوَن جملة كاملة في العربية المنطوقة والمكتوبة على حد سواء (رَأيتهُ، شفتو). لذلك بالكاد أن يجد المرء أن هذه الخاصية تؤثر على قراءة النص العربي.

3.صيغة المثنى في العربية فائضة وظيفيا: إذ تستطيع اللغة بسهولة التعبير بالمفرد والجمع كما هو الحال في معظم لغات العالم. وبالمثل، يرى الشوباشي عدم وجود سبب وظيفي للتفريق بين المذكر والمؤنث في الأعداد، وبالمثل ليست هناك حاجة لصيغة خاصة لجمع المؤنث. والتغيير المطلوب أن يكون على غرار الموجود في اللهجات حيث أن (إللي) يعمل بكونه ضمير الوصل الوحيد بغض النظر عن عدد وجنس الاسم الرأس(head noun). رداً على هذا، نقول أن الكتاب العرب عادة مايستعملون، في حالات كثيرة، الجمع بدلا من المثنى (يكتبونَ بدلا من يكتبانِ)، وأحيانا يستخدمون صيغة المذكر بدلاً من المؤنث. ما أود تبيينه هنا هو عدم الحاجة لأي اصلاح أو تعديل: فاللغة تتغير بصورة طبيعية بهذا الإتجاه، وبمرور الوقت سيصبح الاستعمال الذي أشرنا اليه، باعتباره خاصية نحوية للعربية، مقبولاً وسيدخل فيما بعد في كتب النحو.

4.  بينما يدعو الشوباشي الى اصلاح في اللغة العربية باعتباره حلا للوضع الراهن بين مستخدميها، نجد أن رمزي البعلبكي (2004) يركز على الأبعاد التعليمية للمشكلة موضحا أن طرائق تدريس اللغة هي التي بحاجة لتغييرات جوهرية. وهو يشير الى أربعة أوجه تسود تعليم اللغة وتدريسها في الجامعات: 1-التمسك بطرق نحاة القرون الوسطى في البحث والتعليل،2 – انعدام التركيز على المعنى في دراسة النحو،3 - الاعتماد على الرسم –الكتابة- العربي في عدد من الضوابط العربية المغلوطة،4- قلة الدراسات المقارنة بين اللغات السامية.

نعتقد أن العامليَّن الأوليَّن، مع تقديرنا للعامليَّن الاخيريَّن، هما أكثر صلة ببحثنا هذا. في الفقرة رقم 4 آمل ان أوضح أن طريقة تدريس العربية في الكتب المنهجية المعاصرة للناطقين بالعربية لا تمثل في حالات كثيرة تمثيلا مَرْضِياً ومقبولا مناهج النحاة العرب في القرون الوسطى. وحقاً ليس بوسع المرء حتى أن يأمل من المناهج المعاصرة أن تقتفي أثر تعليل النحاة، ناهيك عن تعليل سيبويه. غير أنه من المنطقي أن تجد في حلقة دراسية جامعية – سمنار- مخصصة للنظرية اللغوية العربية أن يتطرق الباحث إلى الحديث عن كتابات النحاة القدماء وكذلك الكتب المعاصرة التي تهتم بالموضوع. غير أنه ليس هناك مسوغ البتة أن يشغل طالب، يدرس النحو العربي لأغراض تطبيقية عملية، نفسه بنظرية العمل مثلاً.

ونعرف أن عدداً من النحاة ألفوا كتبا لأغراض تعليمية، لكن هذا لاينطبق على غالبية كتابات النحاة، ولا على كتاب سيبويه بالطبع. كما أشرنا فسيبويه ليس إلا لغوي مجال اهتمامه إلى حد بعيد القضايا النظرية في عملية تكوين الجملة في العربية، ولم يَسْعَ لتحليل تراكيب العربية من وجهة تعليمية، ناهيك عن تقديم وتأليف دليل إرشادي للاستعمال اللغوي الصحيح. لايمكن للمرء أن "يلوم" المعاصرين من مؤلفي الكتب المنهجية لاتباعهم كتاب سيبويه أو أي من المؤلفات النظرية في التراث اللغوي. علاوة على هذا، من الصعب القول إن المناهج المعاصرة معتمدة على المؤلفات التعليمية القديمة -القرون الوسطى- : في الفقرة رقم 3 سأوضح أن المناهج النحوية القديمة -القرون الوسطى - هي أساسا تلخيص لمبادئ النظرية الأساسية المعروضة في كتابات النحاة. لذلك فكتب النحاة القدماء التعليمية، حالها حال كتاب سيبويه، لاينفع اتخاذها مثالا لإعداد دليل يرشد الطالب في معالجة الصعوبات التي يواجهها في النصوص العربية المعقدة. في الفقرة رقم 4 سأُبين كيف أن الكتاب المعاصرين أحالوا واختزلوا فعليا الكتابات النظرية للنحاة القدماء إلى مجموعة قواعد مستخدمين مصطلحاتهم دون الاشارة إلى المبادئ النظرية لهذه المصطلحات. فلا عجب إذن مما شاع عن تصوير موضوع النحو العربية انه شكلي (formal)[4]، ويبعث على البرم وصعب وماشابهه من التوصيفات[5]. فبالنسبة لطالب لايعرف شيئا عن نظرية العمل، تبدو له مصطلحات التقدير والحذف بانها نوع من الوهم (حسب تعبير أوزون- انظر أوزون 108،30 : 2002، قارن البعلبكي 267-264 :2004) . وحقا، لايُفترض بكتاب نحوي في المرحلة الإعدادية أو الجامعية أن يتطرق الى أُسس النظرية اللغوية. بل بالأحرى، يجب إعداد الكتاب المنهجي بحيث يحتوي أدوات التحليل اللازمة لمساعدة الطالب في فهم الصعوبات التي تواجهه في قراءة مقاطع معقدة في لغة غير لغته الام.

 ويشير البعلبكي ممتعضاً (86 :2004) أن مؤلفي الكتب المنهجية يتبعون كتابات النحاة، الذين جاءوا بعد عصر سيبويه، في التركيز على الامور الشكلية للنحو، وعلى وجه الخصوص الإعراب، دون إيلاء الأهمية اللازمة للأبعاد الدلالية في دراسة اللغة. وحقا، فإن كثير من المؤلفات النحوية بعد سيبويه، بالأخص تلك المُعدة للأغراض التعليمية، تعتمد أساسا على الأبعاد الشكلية للغة. ولكن أليس هذا هو جوهر الدراسة النحوية؟ وهل ان " الشكلي" بالضرورة نظير ومرادف لغير المشوق والممل وعديم الفائدة؟ في رأيي، إن دراسة تركيب لغة ما يعود على الطالب بمردود فكري رائع شريطة أن تلبي طريقة التدريس والتعليم في الاقل أحد الأمريَّن التالييَّن:(1) ان يُوَضَحَ للطالب كيف أن تراكيباً مختلفة تتبع ضوابط محددة هي ذاتها مستمدة من مبادئ أساسية،(2) ان تُقَدَمْ دراسة النحو للطالب على أنها آلية أو أداة فعالة تنفع في فهم النصوص المعقدة في العربية. ومن الواضح أن الشرط الثاني هو المهم في اعتبار الأغراض التطبيقية لتعليم العربية. وسأعود لهذه المسألة في الفقرة5 .

يُعتبر التراث النحوي العربي أحد أهم إنجازات الثقافة العربية الإسلامية بشهادة كل من متخصصي العربية من غير أهلها (Arabists) واللغويين على حد سواء. ولكن لاتثريب أن تكون مؤلفات النحاة القدماء، حالها حال أي نص أخر، محل نقد بله يجب أن تكون محل نقد. غير أن تحميل النحاة مسؤولية الواقع الراهن لتدريس العربية للناطقين بها إنما هو بلا شك لومٌ في غير محله. أضف لذلك، أن مؤلفات النحاة تقدم الكثير لتعليم العربية. ولقد أثبت علم اللغة الحديث فائدته لتعليم اللغات في أيامنا هذه ومن بينها بلا شك تعليم العربية (كتابة ونطقا). وعلى وجه الدقة، بما أن مؤلفات النحاة القدماء هي أعمال لغوية بالمفهوم المعاصر للكلمة، فيمكن تطبيق بعضاً من طرقهم، مع تعديلات تعليمية لازمة، في مناهج تعليم النحو العربي. في الفقرة 4 أدناه سأُبين أن ما نحتاج تغييره هو ليس التراث النحوي العربي بل بالأحرى المناهج الحالية للمؤلفين المعاصرين الذين ثبت فشلهم في الإستفادة من إنجازات النحاة في انتاج وتقديم كتب منهجية عملية، وفي الوقت نفسه موجهة لغويا، لدارسي العربية من أبناءها. سيتبع هذا، في الفقرة 5 بعض الإشارات المنهجية الخاصة بالمنهج المقترح لتدريس النحو العربي. ولكن قبل تناول التعليم المعاصر، دعنا ننظر في كتابيَّن من كُتب النحاة القدماء.

3 – مثلما بيَّنا في أعلاه، في العصور الوسطى شاعت الكتب التي تتناول وتعالج قضايا النحو العربي.[6] وبعض هذه الكتب ألفها نحاة كبار مثل ابن جني (ت 1002) وابن الانباري (ت 1187) الذين اكتسبوا صيتهم من اشتغالهم بالامور النظرية للغة. في مقدمته لكتاب أسرار اللغة (ص2) يُبيّن ابن الانباري :

فقد ذكرت في هذا الكتاب [...] كثيرا من مذاهب النحويين المتقدمين والمتأخرين من البصريين والكوفيين وصححت ما ذهبت إليه منها بما يحصل به شفاء الغليل و أوضحت فساد ما عداه بواضح التعليل ورجعت في ذلك كفه إلى الدليل وأعفيته من الإسهاب والتطويل وسهلته على المتعلم غاية التسهيل.

في النص أعلاه، لانجد أي إشارة الى هدف تطبيقي يذكره ابن الانباري من مثل تزويد المتعلم بما ينفعه في النصوص العربية المعقدة. ماشرع به المؤلف هو تناول نفس المسائل النظرية التي عالجها من سبقوه، وإن كان بطريقة مختصرة ومبسطة لتيسير فهمها على المتعلم. علاوة على هذا، فجهده في تقديم شرح غير مطول ومباشر لم يمنعه، مثلما هو يشير، من أن يتخذ موقفا في الأمور الخلافية، ذاكراً الدليل الذي يسند آراءً مُعينة وينقض أُخرى.

لغرض التبيين، دعنا نتناول كيفية عرض ابن السراج (ت928) للمبتدأ في كتابه المشهور" كتاب الاصول في النحو. " ومن ثم مقارنته بما عرضه ابن الانباري (الأسرار) وابن جني (اللمعة) بخصوص نفس المفهوم، أي المبتدأ.

في الأُصول في النحو(مج 1، ص 58) يقدم ابن السراج المبتدأ على الوجه التالي:

 المبتدأ: ما جردته من عوامل الأسماء ومن الأفعال والحروف وكان القصد فيه أن تجعله أولًا لثانٍ مبتدأ به دون الفعل يكون ثانيه خبره ولا يستغنى واحد منهما عن صاحبه وهما مرفوعان أبدًا فالمبتدأ رفع بالابتداء والخبر رفع بهما نحو قولك: الله ربنا ومحمد نبينا والمبتدأ لا يكون كلامًا تامًّا إلا بخبره وهو معرض لما يعمل في الأسماء نحو: كان وأخواتها .......

وانظر التالي لتعريف ابن الانباري للمبتدأ (الاسرار، ص66):

إن قال قائل ما المبتدأ قيل كل اسم عريته من العوامل اللفظية لفظا و تقديرا.

فالطالب غير المطلع على نظرية العمل، لايفهم تماما تعريف ابن الانباري للمبتدأ. ويسهب ابن الانباري في شرحه لتبيين الفرق بين العوامل اللفظية والعوامل المعنوية. ويتبعه شرح نظري اضافي (بصيغة سؤال و جواب) عن المسائل الخلافية المتعلقة برفع المبتدأ، ومفهوم التعري من العوامل اللفظية، والتقديم والتأخير، إلخ..

يبدو لذلك، ان كتاب ابن الانباري ربما قد استخدمه الطلبة في العصور القديمة، فضلا عن العصر الحالي، لفهم المبتدأ حسبما عرضه سيبويه (مج1، ص 239) وابن السراج (المذكور في أعلاه). مثلما رأينا، كان هذا هو غرض ابن الانباري من تأليفه أسرار العربية، ولم يكن غرضه أبدا أن يكون دليل (Manual) تطبيقي يرشد الطالب لفهم صعوبات النصوص المعقدة.

لنعد الى ابن جني، فنقرأ في اللمعة (ص 12) التالي:

اعلم أن المبتدأ كل اسم ابتدأته وعريته من العوامل اللفظية، وعرضته لها، وجعلته أولا لثان يكون الثاني خبرا عن الأول ومسندا إليه. وهو مرفوع بالابتداء، تقول: زيدُ قائمٌ، ومحمد منطلقٌ ف زيد، ومحمد مرفوعان بالابتداء وما بعدهما خبر عنهما.

وهكذا نرى وجود عناصر مشتركة في الإقتباسات الثلاثة في أعلاه. قارن مثلا عرض ابن جني للبمتدأ مع عرض ابن السراج، فكلاهما يتطرقان للخواص التالية: التعري من العوامل اللفظية، ولكن التعرض لها (نقيض العوامل المعنوية)، عدم الإستغناء عن الخبر، وعامل رفع المبتدأ.[7] وجملة القول، إن مؤلفات النحاة القدماء وهي تستعرض بإيجاز لا لبس فيه الأسس النظرية للنحاة، لم يكن هدفها تقديم مرشد عملي (Manual) لمتعلمي العربية الفصحى. لان هذا الأمر يكون قد تطلب آنذاك، مثلما يتطلب اليوم، منهجٌ تعليميٌ مختلفٌ.

4- نأتي الآن إلى الكتب المعاصرة مثل كتاب الانطاكي وتلك التي أشار إليها زكريا أوزون (2002)، حيث تتناول هذه الفقرة تبيان المناهج الحالية في تعليم النحو العربي للناطقين بها واقتراح خطة بديلة. سأورد ستة أمثلة متمعنا في كل حالة مشاكل المناهج الراهنة وإيجابيات النظام المقترح لطلبة النحو العربي. سأحاول أن أُبين أن الطريقة المقترحة مفيدة للطالب فضلا عن كونها متسقة مع التراث القديم بدون فرض أية مفاهيم خلافية لاتساهم بتعليم اللغة وتعلمها. استقيتُ الأمثلة من كتاب زكريا أوزون (2002) ومن كتاب الانطاكي " المنهاج في القواعد والاعراب." ويبدو أن هذيَّن الكتابيَّن يمثلان الطريقة المتبعة حاليا في تدريس النحو العربي للطلبة العرب. وعلينا ذكر أن كتاب الانطاكي هو كتاب منهجي بينما كتاب زكريا أوزون هو نقد لذلك المنهج.

تأمل الجملة التالية:

1.خالدٌ قائد ٌ بطلٌ لا يهاب الأعداء[8] (أوزون 2002:27).

خالد: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في اخره.

قائد:خبر أول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في اخره.

بطل: خبر ثان مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في اخره.

لا يهاب الاعداء: جملة فعلية في محل رفع خبر ثالث.

وقبل التمعن في التحليل التركيبي أعلاه، نلحظ إشارة منهجية بالتعاقب ألا وهي التعبير التالي: "وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في اخره." في نص خالي من حركات التشكيل، الضمة ليست ظاهرة. ويجب تعليم الطالب كيفية تقدير وتحديد الوظيفة النحوية لمكوِن ما بغياب علامات الإعراب. من الواضح أن علامة الإعراب تحددها الوظيفة النحوية للمُكَوِنْ والذي بدوره يُحددْ بواسطة عوامل اُخرى مثل ترتيب الكلمة، التطابق النحوي وغيرها. بمعنى آخر، القراءة الصحيحة للنص هي نتيجة تحليل صحيح والذي ينتهي إلى فهم صحيح- و العكس ليس صحيحاً بالمرة.

الملفت للنظر في التحليل السابق هو غياب مفهوم ال (Noun Phrase). يشيرOwens(1988:158-159) لوجود " مايدل على إدراك النحاة لل (NP) باعتباره وحدة تركيبية". وفعلا، أن تأكيد سيبويه (مج1،ص 221، وقارن أيضا الاسترابادي، مج2، ص 307-308 ومصادر Owens) أن في التركيب التالي: " هذا الرجل منطلق"، ف الرجل صفة لهذا وهما بمنزلة اسم واحد كأنك قلت هذا منطلق.

__ وهذا التأكيد لايترك مجالا للشك أن سيبويه فهم " هذا الرجل" باعتباره وحدة تركيبية حتى لو لم يتحدث عن فئة تركيبية مثل ال (NP)، مثلما يشير Owens(1988:161). وقد يحاجج أحدهم بأن سيبويه قد يَعتبر "قائد ٌ بطلٌ لا يهاب الأعداء" وحدة تركيبية حتى لو كان قد أشار احتمالا الى قائد ٌ فقط باعتباره خبر الجملة. على أية حال، أن تحليل قائد ٌ، بطلٌ، ولا يهاب الأعداء إلى ثلاثة أخبار متتالية ليس له أساس في المشهور من كتب النحو في العصور الوسطى. علاوة على هذا، فعموم النحاة القدماء يدركون أن وظيفة الخبر هو إعطاء معلومة جديدة عن المبتدأ (أنظر شرح ابن يعيش، مج1/ ص85-86، وقارن Peled 2009:111f). وحسب هذا المبدأ، يجب تعليم الطالب أن الجملة الاسمية تنقسم الى وحدتين، مبتدأ وخبر، حيث الأخير-الخبر- يتكون، بالأساس، من كل المكونات التي تقع خارج نطاق الاول- المبتدأ (بافتراض ان المبتدأ، باعتباره مركب اسمي(NP)، يتكون بالمثل من رأس تتبعه تتمة- انظر التالي). يبدو،إذن، أن تحليل بطل بكونه صفة ل قائد، و لايهاب الاعداء جملة صفة ل قائد بطل يمثل خير تمثيل موقف النحاة العرب بخصوص جمل من النوع المذكور في (1) أعلاه.

ويبدو لذلك أن التحليل المقترح في أدناه (1a) لايفترق جوهريا عن تحليل النحاة العرب. غير أن مفهوم ال(PHRASE) يستوجب إدخال بعض المصطلحات اللغوية غير الموجودة في كتابات النحاة القدماء. إن فكرة ال (phrase) تفترض مسبقا وجود مكون رأس وتتمة- تكملة-. بهذا الخصوص أقترحُ استعمال مااصطلحه الفاسي الفهري (1993) مركب اسمي مكون من رأس وصفة. في حالة الإضافة، يمكن استعمال المضاف ليشير للرأس أما المضاف اليه فيشير للتتمة . وال (adjectival phrase)، حيث الرأس هو الصفة، فنشير اليه بالمركب الوصفي. وأخيرا، يمكن استخدام المركب الحرفي للإشارة لل (prepositional phrase)، حيثالرأس هو حرف الجر الذي يعمل على العنصر الإسمي. أما مفهوم ال (verb phrase) فلا حاجة لإدخاله في نظامنا هذا لأن ال (verb phrase) في العربية المكتوبة لها موقع الclause–العبارة-، مع إمكانية أن تعمل باعتبارها جملة مستقلة.

 يمكننا الآن من اقتراح تحليل بديل للجملة (1) السابقة: 

1055-zayd1

تكمن إيجابية التحليل في الشكل أعلاه [9] في إظهاره بوضوح علاقات التركيب (constituency) علاوة على العلاقات الأفقية (syntagmatic) بين مكونات الجملة. إن هذا النوع من التحليل، الذي يوضح تركيب الجملة، يؤدي بالطالب الى فهم محتوى أو معنى الجملة. وكلما إزداد تعقيد الجملة، تَوَضَحَ أكثر دور التحليل التخطيطي (graphic analysis) في عملية التفكيك.

دعنا الآن لتحليل مثالنا التالي:

2.المدينة شوراعها نظيفة.

تحليل أوزون هو كالاتي:

المدينة: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في اخره.

شوراعها: شوراع مبتدأ ثان مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في اخره، والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.

نظيفة: خبر شوراع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في اخره.

وجملة (شوارعها نظيفة) جملة اسمية في محل رفع خبر المبتدأ الاول (المدينة).

إن التحليل(2) أعلاه، مثل تحليل الجملة (1)، يختزل الجملة الى قائمة من الكلمات، وحقا إلى قائمة مورفيمات، تُعالَجْ بصورة منفردة. وكما لاحظنا، فبينما أخفق التحليل حسب الفهم النحوي القديم للجملة (1) في النظر ل " قائد بطل لا يهاب الاعداء" باعتباره مركب اسمي noun phrase، نجد أن التحليل للجملة (2) يعتبر "شوارعها نظيفة" كونها عبارة خبرية-جملة خبر (clausal khabar) للمدينة . إن الاشارة الى (topic)[10] عبارة الخبر باعتباره مبتدأ ثاني نجدها عند النحاة القدماء (أنظر على سبيل المثال، شرح ابن يعيش، مج 1، ص 89، حيث يشير ايضا لمبتدأ كل الجملة على انه مبتدأ أول). و التحليل التخطيطي –الصورة-، كما نراه في أدناه، يوضح مصطلحات مثل مبتدأ أول ومبتدأ ثان لأنه يُظهر بصورة جلية الفرق من الناحية النحوية بين المدينة وشوارعها، بمعنى آخر يُبين التحليل أن " نظيفة" تعمل خبر للشوارع وليس للمدينة.

1055-zayd2

 

لاحظ أن التحليل (2a) لا يشير الى الضمير (ها) في شوارعها. وسبب ذلك بوضوح هو ان كل ضمير متصل بإسم يعمل باعتباره مضاف اليه، يعني، في محل جر بالاضافة. بالمثل، أرى من غير الضروري ذكر الحالة الإعرابيةلكل مكوِن من حيث الرفع والنصب والجر، لانه من الواضح أن المبتدأ والخبر يتخذان حالة الرفع. لكن الأمر مختلف حين تبتدأ الجملة بأدوات إن أو كان وإلى آخره. وفي هذه الحالات يستخدم المرء مصطلحات اسم إن، وخبر كان، والتي توضح الحالة الإعرابية. إن القول أن " شوارعها نظيفة" في محل رفع خبر، هو ترديد لصدى افتراض النحاة أن الخبر بالاساس هو phrase (مفرد) وأن عبارة الخبر-جملة الخبر (clausal khabar) هو تركيب ثانوي (فرع)، ولذلك بالقياس هو في محل رفع. غير أن لنا حق التساؤل هل من داع لإدخال هذا التفصيل في التحليل المطلوب. جوابي بالطبع بالنفي، لان الطالب غير مطلع (ولا مطلوب منه أن يطلع) على المبدأ الذي يتضمنه التعريف جملة اسمية في محل رفع خبر المبتدأ الاول.[11]

 في مثالنا الثالث، يحتل تركيب الجار والمجرور موقع الخبر:

 (3) الطفلُ في المنزلِ (أوزون2002:29).

 تحليل المنهج القديم هو كالاتي:

الطفل:مبتدأ مرفوع وعلامة رفع الضمة الظاهرة في اخره.

في المنزل: جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف تقديره(كائن).

إن جملاً مثل هذه (3) مثلت معضلة نظرية كبيرة لنظرية العمل عند النحاة القدماء: ماهي الوظيفة الحقيقيّة للجار والمجرور "في المنزل" وماهو العامل الذي يُعيّن حالته الإعرابية. في حالات مثل (1) سابقا، أن المبتدأ والعبارة الاسمية التي تليه يحيلان بعضهما على بعض coreferential، لذلك قائد يمكن تحليله على أنه خبر له نفس حالة الرفع مثل المبتدأ. أما في الحالات التي تشبه (3)، فيُلحظ أن الجار والمجرور لايحيل على المبتدأ: بل بالأحرى يحمل خاصية عن الطفل في تعيين مكان الطفل. بعض النحاة المتأخرين قالوا أنه لايمكن أن يعمل بكونه خبر حقيقي وبالتالي يستحق حالة النصب. ولأنه أستحق حالة النصب بتأثير فعل، فافُترض وجود عامل فعلي مقدر هو استقر/ مستقرٌ، ولكن أيضا كائنُ أو حالُ وغيره.[12] واعتبر النحاة هذا العنصر المقدر أنه الخبر " الحقيقي"(لمزيد من الشرح، أنظر Peled,2009:252-255).

 وفعلا، فهذه قضية خلافية بين النحاة، للحد الذي اعتبر بعضا منهم جملا مثل (3) أنها تمثل نوعا قائما بذاته.[13] ومما لا يمكن إنكاره، أن فكرة وضع عنصر مقدر لتعليل خبر منصوب (يعمل باعتباره حال) إنما تعود الى سيبويه (أنظر الكتاب، مج1، ص 223-222). ولكن في باب الابتداء (الكتاب، مج1، ص239)، يُبيًن سيبويه بأوضح طريقة ممكنة أن المبتدأ ربما يليه ثلاثة أنواع من المبني عليه[14] (= الخبر): شيء هو هو(يعني يحيل على المبتدأ)، [أو يكون في] مكان(ظرف مكان)،[أو] زمان (ظرف زمان).[15]

ووفقا لما شرحناه في أعلاه، لا أجدُ سبباً في عدم تبني التحليل البسيط التالي للجملة (3):

1055-zayd3

 ما إن يتعرف الطالب على مفهوم المركب الحرفي (prepositional phrase)، فلا مُسَوِغَ للإشارة إلى كل من الجار (في) والمجرور (المنزل) كل على حدة: في مثل هذا المركب، فالإسم مسبوقاً بحرف جر يدل على حالة الجر. الفائدة الرئيسية في مثل هذا التحليل، على خلاف التحليل الذي ذكره أوزون، هي عدم حاجة الطالب لمعرفة الخلاف الناشب بين النحاة القدماء حول وضعية المركب الحرفي في مثل هذه الجمل. إذ يجب تأجيل دراسة مثل هذه الأمور وطرحها في إطار حلقة دراسية – سمنار- حول كتابات النحاة القدماء. وعلى أية حال، كما رأينا للتو، فإن تحليلنا المقترح متفقٌ ومتسقٌ مع تحليل سيبويه ولا يمكن الإدعاء أنه يخالف التراث النحوي القديم.

 تأمل المثال الرابع:

(4) أخوك حسن وجهه (الانطاكي، ص 30). وتحليل الانطاكي كالاتي:

 أخوك: مبتدا مرفوع بالوا لانه من الاسماء الخمسة والكاف ضمير متصل في مجل جر مضاف اليه.

 حسنٌ: خبر مرفوع بالضمة.

 وجهُه: فاعل للصفة المشبه (حسنٌ) مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.

بالكاد يتفهم المرء سبب التحليل المفصل لكلمة "أخوك" بدل الاكتفاء بتبيان وظيفتها أنها مبتدأ. يمكن الافتراض أن الطالب الذي يحلل أخوك باعتباره مبتدأ قد شخص الواو أصلا في هذه الكلمة على أنها علامة الرفع. وأي إحالة للضمير"ك" (فضلا عن الضمير المتصل هُ في وجهُه) إنما يقع في خانة الفضلة والحشو، مثلما أشرتُ سابقا (قارن مثال 2a).

وما إن نقبل تعريف الخبر على أنه مكون إسنادي يمثل المعلومة الجديدة حول المبتدأ، يتوجب علينا تحليل " حسن وجهه " على أنه خبر " أخوك". ولكن ماهي العلاقة النحوية بين وجهه و حسن ؟ هنا يختلف النحاة. إدعى بعضهم أن حسن، لكونها تقابل الصفة المُشَبَهة بإسم الفاعل (active participle)، فلها معنى الفعل وعلى هذا النحو يجب فهم علاقتها بالإسم التالي على أساس علاقة فعل بفاعل . لكن بما أن "حسن" هي عنصر إسمي يحتل موقع بداية الجملة، فقد حللها بعض النحاة المتأخرين باعتبارها مبتدأ اتبعه فاعل سد مسد الخبر(فاعل يعوض الخبر— لتفصيل اكثر، أنظر Peled 2009:137-148). ويبدو أن تحليل الانطاكي قائم على هذا النوع من التعليل، والمشكلة الحقيقيّة هنا هي أن على الطلبة حفظ هذا النوع من التحليل بدون معرفة النظرية التي تقف وراءه . فلا عجب إذن أنهم-الطلبة- لا يرون جدوى من هذا التحليل الذي يبعث على البرم وضيق الصدر.

وبالإمكان تقديم تحليل أبسط وأسلس فضلا عن اتساقه أيضاً مع التراث النحوي. يستشهد سيبويه (الكتاب، مج1، ص239) بتأكيد أُستاذه الخليل أنه يمكن النظر لحالات من مثل "قائمٌ زيدٌ" على أنها جملة إبتداء حصل فيها تقديم وتأخير، يعني تحليلها على أنها خبر متبوع بمبتدأ. وبنفس التعليل، يمكن اعتبار " حسن وجهه" في مثال (4) على أنه حالة تقديم وتأخير، تقدم فيه الخبر على المبتدأ. وبتبني هذا النوع من التحليل، نقترح البديل التالي لتحليل الانطاكي:

1055-zayd44

في رأيي، أن (a 4) هو تحليل بسيط ومع ذلك مناسب للجملة (4)، وفي الوقت نفسه لايفترق عن تحليل النحاة القدماء.

لنرى الان مثالنا الخامس:

(5) إن الله على كل شئ قدير (ذكره الانطاكي، ص 206، القران 2:20).

تحليل الانطاكي كالاتي:

ان: حرف مشبه بالفعل يدخل على المبتدأ والخبر فينصب الاول ويرفع الثاني.

الله: لفظ الجلالة اسم (إنَ) منصوب بها.

على كل: جار ومجرور متعلقان ب(قدير).

شئ: مضاف اليه مجرور.

قدير: خبر(إنَ) مرفوع بها.

مايتوجب توضيحه ابتداءً هو أن السطر الاول من التحليل حشو بالمطلق. ويتوجب أيضا تعليم الطالب كيفية تحديد "ان" باعتبارها إنَّ المكسورة الهمزة (وليس إنْ،أنْ أو أنً) من خلال موقع الكلمة في الجملة ونوع الكلمة التي تتبعها. في مثالنا هذا نعرف أنها مكسورة الهمزة (إنَ) لورودها في بداية الجملة ويتبعها إسم. وهذا يعني أن قسم الجملة الذي يبدأ بكلمة الله يتوجب تقسيمه إلى جزأين: اسم إنَ وخبر إنَ.

لكن القضية الإشكالية في تحليل الانطاكي هو تحليله ل "على كل شئ قدير" . بما أن التركيب واقع بعد اسم إنَ، يتوجب تحليله على أنه خبر لله. يبدو أن الانطاكي يعتبر أن "على كل شئ قدير" يشكل (phrase) واحد "رأسه" قدير— لكنه يخفق في توضيح هذا الامر وتبيينه. فعلى العكس، متشبثا بطريقة معاملة الجملة بكونها قائمة مفردات كل منها تتطلب بطاقة خاصة بها،[16] يعتبر كلمة "قدير" فقط هي خبر إنَ. ولأننا دعونا وروجنا لإدخال المركب الاسمي في نظام التحليل، فندخل الان المركب الوصفي (adjective phrase) الذي رأسه هو الصفة (قدير في مثالنا الحالي) وليس الإسم .واضعين نصب أعيينا هذا الأمر، لنتأمل التحليل التالي باعتباره تحليلا بديلا للجملة (5).

1055-zayd5

 لاحظ أن " قدير" تعمل، مثل بقية الصفات، بصورة مشابهة للفعل. لذلك فالمركب " كل شئ" قد يُحلل على أنه مفعول غير مباشر ل" قدير". لكن بدلاً من ادخال مصطلح غير مألوف في كتابات النحاة القدماء، قد نختار لنشير (كما في (5a) اعلاه) فقط لوظيفة " على كل شئ" بكونها متمم ل"قدير".

 لنتجه الان لمثالنا السادس:

(6) من جاء بالحسنة فله عشرُ أمثالِها (استشهد فيها الانطاكي، ص100، من القران 6:160) .

 يحللها الانطاكي على الوجه التالي:

 من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

 جاء: فعل ماضي مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط . والفاعل مسستتر تقديره(هو).

بالحسنة: جار ومجرور متعلقان ب(جاء).

فله: الفاء رابطة لجواب الشرط، (له) جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف.

عشر: مبتدأ مؤخر.

أمثالها: مضاف اليه مجرور و(ها) مضاف اليه.

مجموع جملتي الشرط والجواب في محل رفع خبر (من).

تناول النحاة القدماء باسهاب "ما" و"من" باعتبارهما أدوات وصل وشرط. وفي هذه السياقات نُظِرَ إليهما على أنهما من الأسماء (أكثر من اعتبارهما من الأدوات). يشير سيبويه (الكتاب، مج1، ص389) أنها " الاسماء التي يجازى بها وتكون بمنزلة الذي". ويضيف قائلا:

"إذا جعلتها بمنزلة الذي قلت ما تقول أقول فتصير صلة لما حتى تكمل اسما فكأنك قلت الذي تقول أقول."

واضح إذن أن سيبويه يعتبر ما / مَنْ اسماءً تعمل في سياقات الشرط عمل أسماء الوصل. ولذلك لايمكن اطلاقاً تحليل "مَنْ" في المثال (6) على أنها مبتدأ وبقية الجملة خبر لها مثلما فعل الانطاكي. وحقا، فمثل هذا التحليل سينتج عنه سوء فهم للجملة وتفسير خاطئ لها. على أية حال، فلا يتفق التحليل بالمجمل مع رؤية سيبويه.

أضف لهذا، لِمَ الاشارة ل"مَنْ" باسم شرط جازم وللفعل "جاء" في محل جزم؟ يوضح سيبويه (الكتاب،مج1،ص386) أن "حروف الجزاء تجزم الافعال". ولكن مثلما أشرنا سابقا في الحالات التي يكون فيها الشرط إسماً عاملاً عمل "الذي"، فهذه القاعدة لاتنطبق. علاوة على ذلك، فإشارة الانطاكي إلى الجانب الصرفي للفعل "جاء" أنه (فعل ماضي مبني على الفتح) إنما هو حشو لاطائل منه لأنه في معظم الحالات هذا أمر واضح بذاته. حقا، أن صيغة الماضي للفعل "جاء" هي التي تجعلنا نعرف "مَنْ" باعتبارها عنصر شرط في هذا المثال. وإن تحليل الجملة الى شرط وجواب يوضح طبعا تبيان عمل "مَنْ".

ضمن اطار شرحنا للجملة (4) بَيْنَا أن الجملة / العبارة المتكونة من صفة متبوعة بإسم يمكن تحليلها على أنها خبر مقدم+ مبتدأ مؤخر. وهذا ممكن التطبيق أيضا على الحالات التي يتقدم فيها مركب الجر على الإسم كما في جملة (6): "له" يمكن تحليله على أنه خبر مقدم و "عشرُ أمثالِها" مبتدأ مؤخر. ليس هناك حاجة لافتراض عنصر محذوف. وحقيقةً، اعتبر بعض النحاة حالات مثل "له عشرُ أمثالِها" أنها تمثل نوعاً من الجمل قائمٌ بذاته (جملة ظرفية— قارن شرحنا لجملة (3) في أعلاه). وهناك حقا بعض الأسباب الوجيهة لتبني التقسيم الثلاثي للجمل في العربية (بدلا من التقسيم الثنائي). لكن هذا ليس ضروريا: بامكان المرء الإلتزام بالتقسيم الثنائي الشائع للجملة وتحليل "له عشرُ أمثالِها" على أنها جملة إسمية فيها تقديم وتأخير.[17]

وما إن نعتبر الجملة أنها جملة شرط، فالخطوة القادمة هي أن نميز الشرط والجواب. في مثالنا هذا، الحرف "ف" في "فله" يعمل مفتتحا للجواب، وهي حقيقة يوضحها الشكل التخطيطي (6a) بأفضل من إشارة الانطاكي بكون الفاء رابطة لجواب الشرط. ومن ثم، تحلل كل من العبارتيَّن-clause- بصورة مستقلة، مثلما أشرنا سابقا، حيث يبدو التحليل النهائي كالاتي:

1055-zayd6

  5.مثلما رأينا في الفقرة رقم 3، أن كُتب النحو العربي المنهجية موجودة منذ العصور الوسطى، لكنها لم تكن أكثر من كونها ايجازاً وتبسيطاً للمؤلفات النحوية النظرية، وبعضها كتبه نفس النحاة. وهي مثلها مثل كتاب سيبويه لم تكن غايتها أن تكون مرشدا عمليا لتدريس المتعلم كيفية تحقيق الفهم الصحيح لجملة ما عن طريق تحليلها.

وحين ننظر للكتب المنهجية المعاصرة ككتاب الانطاكي نجد أن غايتها هي، من ناحية، عرض طريقة للتحليل النحوي معتمدة على التراث النحوي القديم. ومن ناحية اخرى، سعيها، وهو ما يأمله منها الباحثون المعاصرون (قارن الفقرة رقم 2)، لتعليم الطلبة تركيب –بنية- العربية المكتوبة عبر توفير أداة تساعدهم لقراءة الفصحى وكتابتها، القديمة منها والمعاصرة. وعلى وجه الخصوص، يتوجب إعداد طريقة التحليل بحيث تساعد على تدريب الطالب التعامل مع صعوبات لغة ما مكتوبة أساسا وليست لغته الام. ولكن مثلما أوضحنا في الفقرة رقم 4، لم يتحقق أياً من تلك الأهداف: لأن هذه الكتب المنهجية لاتتعامل بصورة صحيحة مع الأسس النظرية التي وضعها النحاة (وأحيانا تُسيء تفسيرها)، وهي لا تُبسط قطعا هذه الأُسس، خلافا للكتب القديمة مثل اللمعة لابن جني أو أسرار اللغة لابن الانباري. من الناحية الأخرى، تخفق هذه الكتب بتقديم أداة عملية و فعالة لتدريب المتعلم نحو مهمة القراءة والكتابة بالفصحى.

لغرض توضيح القضايا المتعلقة بطرق التدريس، لنضرب مثلا عن موضوع الرياضيات. في التعليم الجامعي يُعَلمْ الطالب المنطق –الأساس- المعتمدة عليه الصيغة الرياضية المطروحة أمامه. في المقابل، عند تدريس أساسيات الرياضيات، تكون الصيغة معروضة عادة دونما محاولة من طرف المُعَلِم لتسويغ أو تفسير قاعدتها. لكن التعليم الجيد يتطلب تبصير الطالب بكيفية استعمال الصيغة لحل المسائل الرياضية المرتبطة مباشرة بحياته اليومية. بمعنى آخر، يتوجب أن يرى الطالب ويلمس فائدة تعلم الرياضيات.

في رأيي، يتوجب اتباع نفس المنهج لدراسة النحو العربي. بافتراض أن النحو العربي لم يعد أساسا أكثر تعقيدا وصعوبة من أنحاء (grammars) معظم اللغات الاخرى، فلدينا مايدفعنا للإعتقاد أن تعليم وتدريس النحو العربي يتطلب منهجية مطبقة ومستخدمة في تعليم اللغات الاخرى. إن نظرية العمل، مثلا، بكل عللها (وعلل العلل) ليست ضرورية لطلبة يتعلمون تركيب اللغة. بافتراض أن الهدف هو تعليم اللغة المكتوبة، فيتوجب أن يُعرض للطلبة استعمال الظواهر والتراكيب النحوية المطلوبة في التعامل مع النصوص المعقدة. ومن ثم يتوجب تعليمهم كيفية تشخيص وتحديد،في مثل هذه النصوص المعقدة، الظواهر التركيبية التي تعلموها بحيث سيتمكنون، مسترشدين بنتائج عملية تحليل مكونات الجملة (parsing)، من الوصول لفهم كامل للنص. وهذا، بالمقابل، سيجعل الطالب يدرك فائدة ونفع تعلم النحو العربي ويزيد تحفيزه له.

إن الطريقة الشائعة في دروس تعليم العربية هي الطلب من الطلبة قراءة جمل بالتشكيل الكامل للكلمات (مع اهتمام خاص بالإعراب). لكن هنا غالبا ما يشعر الطالب أنه واقع في حلقة مفرغة :" كيف لي أن أتلفظ – مستخدما الحركات - بصورة صحيحة جملة لا أ فهمها، وكيف لي أن أفهم جملة قبل تلفظها؟" في رأيي، الوسيلة الوحيدة لكسر هذه الحلقة المفرغة هو تعليم الطلبة فن تحليل مفردات الجملة parsing))، المعتمد على نموذج المُكَوِّنات الحالي، آخذين بنظر الإعتبار كلتا العلاقات العمودية والافقية بين مكونات جملة ما (قارن الفقرة رقم 4). يتوجب توجيه الطلبة للبدء بكل العملية مع التحليل، وأن يلمسوا بأنفسهم، باتباع طريقة تحليل تركيبي معينة، كيفية التعامل مع الجمل التي تبدو بداية أنها صعبة، وصولا للمرحلة التي يستطيعون بها في النهاية قراءة الجملة بصورة صحيحة فضلا عن فهمها. وهنا يجب التأكيد على أن القراءة بإعراب وفهم صحيحيَّن هي ناتج عملية التحليل السليم، و ليس العكس. إذا تمكن الطالب من قراءة الجملة وفهمها بصورة سليمة، فما فائدة عملية تبيان مكونات التركيب parsing)) إذن؟ بالتأكيد هذه الطريقة لتعليم النحو ليست باليسيرة بسبب عدم ثقة الطلبة بقابليتهم على تحليل جملة -إلى مكوناتها- لا يفهمونها. لكن مع صبر القائم بالتدريس والإصرار على اتباع كامل العملية بالترتيب الصحيح للخطوات، وطرح الأسئلة الصحيحة عند كل مرحلة، سيعتاد الطلبة في النهاية على هذا اللون من التعلم. وسيدركون ان الطريقة " الشكلية " لاتعني بالضرورة انها "مملة" و"معقدة". وما إن يتم ذلك، ستجدهم يُقدرون هذه الطريقة كونها أداة كفء للتعامل مع الجمل المعقدة في لغتهم، وحقا، في أي لغة.

إن نظام التحليل المقترح في البحث الحالي مختلفٌ جوهريا عن الموجود عند الانطاكي والذي أستشهدَ به زكريا أوزون(2002). وفضلا عن ذلك، آمل أنني وضحته، فهو متسق مع معظم كتب التراث النحوي العربي الرئيسية. وحقيقةً، فهو يعرض ويقدم النحاة القدماء بأفضل (وأحيانا بأدق) من ذلك المعروض في كتب ككتاب الانطاكي. فضلا عن ذلك، فهو-أي النظام المقترح-أكثر كفاءة، من خلال تجربتي، وأكثر تقبلا من قبل الطلبة. بمعنى آخر، بَيَنَ امكانية الجمع بين القديم والحديث ليقدم لمتعلم النحو العربي وسيلة عملية وذات مردود فكري عالي.

 

يشاي بيليد- جامعة تل ابيب

ترجمة وإعداد: زيد العامري الرفاعي

.......................

[1] يشير الى حالات الاعراب من الرفع والنصب والجر في أواخر الكلمات (المترجم).

[2] يذكر البعلبكي (2008:267-268) ان القرون الوسطى قد شهدت ايضا الشكوى من وعورة النحو العربي.

 [3]في مسالة تجريم سيبويه ضمن سياق ايدولوجية اللغة واصلاح اللغة، انظر سليمان (2006).

[4]يعني يهتم بالصرف والتراكيب اكثر من اهتمامه بالدلالة (المترجم).

[5] غالبا ما تسمع مثل هذه الشكاوى عن دراسة النحو من طلاب يدرسون لغات اخرى. ولكن هذا في معظم الاحيان من جراء فشل توعية الطلبة بالابعاد التطبيقية لدراسة النحو(انظر الفقرة 5). وليس بالضرورة تخص تراث نحوي معين بذاته.

[6] عن المنهج التعليمي في القرون الوسطى، انظر Owens (2005) وعلى وجه التحديد ص 106-107 والمصادر المذكورة .

[7] يمكن من مقارنة هذه النصوص الثلاثة ملاحظة بعض الفروق الدقيقة واذكر التالي: لايشدد ابن الانباري على عدم استغناء الخبر، وابن جني لايثير قضية العامل الذي يرفع الخبر، في كتاب الاسرار نوقشت هذه المسألة في "باب خبر المبتدأ"(ص75).

[8] كل علامات التشكيل في الامثلة موجودة في النص الاصلي.

[9] لمزيد عن التحليل التخطيطي للجمل العربية، راجع Peled (1998)، وبالاخص الفصل الاول والثاني.

[10]مصطلح يشير للمبتدأ باعتباره مايدور عليه الحديث ويستخدم سويا مع مع مصطلح ال (comment) للتعبير عن المبتدأ والخبر في مقابل مصطلحي ال (theme) وال(rheme) (المترجم).

[11] وبالفعل أن النحاة انفسهم لم يعتبروا هذا الاساس انه مفسر بذاته. أنظر مثلا، ابن جني (الشرح، مج1،ص88) لمزيد عن اعتبار clausal khabarمختلف عن (phrasal khabr) من حيث المنزلة.

[12] يسخر أوزون (29-30 :2002) من الافتراض القائل ان الخبر المقدر في مثل هذه الحالات هو على وجه الخصوص كائن(أو موجود) وليس اسم فاعل اخر او صفة اخرى مثل مشجون، حزين أو سعيد. وحيث ساناقش لاحقا، ان تقدير خبر مقدر في مثل هذه الحالات يس بالضروري حتى من وجهة نظر (بعض) النحاة. على اية حال، ان اختيار استقر\مستقر\كائن وغيره قائم على دلالة هذه العناصر الحاملة لفكرة الوجود التي، في ذاتها، يسهل استرجاعها من السياق ولا تحتاج، لذلك، ان تكون معجمية في مثل حالة (3). إذا خص الخبر ليحمل خاصية معينة\ حالة معينة لايمكن استرجاعها من السياق، فعليه ان يتم التعبير عنها بفعل\اسم فاعل\ صفة(أنظر أيضا Peled 2009:154 n. 24 والمصادر المذكورة هناك).

[13] بالنسبة للجملة الظرفية، أنظر شرح ابن يعيش، مج1، ص f.88، وقارن تحليلنا للجملة رقم (6).

[14] لمزيد من التفصيل حول مصطلح المبني عليه، أنظر Levin 1985 .

[15] يقترح البعلبكي (89-86 : 2004) أن يعطى الطلبة عددا من الامثلة لغرض اقناعهم ان النظرية النحوية ربما " تخطئ أو يمكن استبدالها بطرق تحليل اخرى". واح الامثلة التي يوردها (ص 88) هي " اصرار[...] النحاة على استعادة خبر محذوف بدلا من الاعتراف بان حرف جر او ظرف مع مجرورهما ممكن ان يسد مسد هذه الوظيفة".ومثلما راينا، لايمثل هذا "الاصرار" موقف اتفاق او قبول بين النحاة.

[16] من الغريب حقا أن يعامل الانطاكي "على كل" باعتباره مكون واحد مفصولا عن "شئ". ونتيجة لذلك، فتحليله يقدم "شئ" على انه مضاف اليه ولكن ليس "كل شئ" باعتبارها اضافة (معمول للحرف على) وفيها يعمل " كل" باعتباره مضاف.

[17] لمزيد من المعلومات عن الجملة الظرفية،أنظر 9Peled 2009:172-17

 1055-zayd7

 

في المثقف اليوم