دراسات وبحوث

استفتاء الخوف والخيانة!

mutham aljanabiالفرضية التي أحاول البرهنة عليها تقوم في ان الاستعجال بما يسمى بالاستفتاء من اجل الانفصال عن العراق هو بأثر الخوف من الحساب المستقبلي الشديد للبرزاني والبرازانية والحركات القومية الكردية بشكل عام. وسوف تكشف الأحداث والوثائق والمحاكمات ما بعد القضاء التام على داعش الإرهاب والسياسة، وهو أمر حتمي ومحسوم، عن دور البرزاني والأكراد، إلى جانب قوى أخرى عالمية وإقليمية، في الغزو الداعشي للعراق، من اجل إدامة حالة الفوضى والتحلل فيه. وما ترتب عليه من "صيد ثمين" متمثلا بالاستيلاء على الأراضي العراقية الأخرى خارج "الإقليم"، شأن داعش. فقد عمل كلاهما على السرقة والابتزاز، اي بنفسية وذهنية العصابة.

ان سلوك البرزاني والقوى الكردية جميعا، كشف عن انعدام الوطنية العراقية، بل على العكس. نراه يعمل جهد الإمكان من اجل إضعاف الدولة والسلطة السياسية. وهنا ظهرت عبارة "حدود الدم". وما اخذ من الأراضي لن يجري إرجاعه إلى الدولة العراقية، اي إننا أمام قوى ليست عراقية ولا علاقة لها بالدولة العراقية، اي عصابات بكل ما للكلمة من معنى. الأمر الذي يترتب عليه معاملتها على هذا الأساس بعد القضاء النهائي على داعش. بمعنى معاملتها معاملة داعش، بل وأقسى واشد. لان داعش عدو علني، بينما هذا معك في الوطن والدولة والسلطة والثروة! وهذا معنى الخيانة.

ان هذه المقدمة تستخرج في اغلبها مما توصلت إليه في مجرى دراسة حالة الأكراد والحركات القومية الكردية من استنتاجات واقعية ودقيقة وهي

• ان الكرد شعب ليس عراقيا.

• ان أصولهم من المناطق الشمالية الغربية من إيران والمتاخمة لدول القوقاز.

• ان دخولهم الأراضي العراقية والعيش فيها جرى على شكل دفعات زمن السلطنة العثمانية في مجرى القرون الثلاثة الأخيرة.

• ان كافة الأراضي التي يطلق عليها اسم كردستان هي أراض عراقية أصيلة كان يقطنها الآشوريين، ليس داخل العراق الحالي بل وداخل تركيا الحالية أيضا. (وأنا أرى ضرورة العمل من اجل إرجاع الآشوريين إلى أراضيهم المسروقة من جانب الأكراد. ان رجوع الآشوريين إلى أراضيهم يعني الرجوع إلى عراقهم، فهم عراقيون بالأصل، بينما الأكراد ليسوا عراقيين، فالعراقي لا ينفصل عن عراقه، وهم يصرحون بذلك دوما).

• ان اسم كردستان ليس كرديا بل تركيا، أطلقه السلاجقة في القرن الثالث عشر على المنطقة التي تسمى اليوم أيضا كردستان في إيران

• ان اسم كردستان حديث في العراق، قبل عقود فقط، بأثر تلاحم أفكار "القوميين" الأكراد والشيوعيين العراقيين(أقرء أيضا الأكراد).

• ان احتلالهم التدريجي لبعض مناطق الشمال العراقي جرى بأثر تهجير الآشوريين والقضاء عليهم لأسباب سياسية وحربية ودينية من جانب الأتراك العثمانيين وبمعاول الارتزاق الكردي، إضافة إلى أسباب اجتماعية واقتصادية مثل الهروب من الأغوات والفقر المدقع والمجاعات شبه الدائمة.

• ليس للأكراد وجود في كركوك إلا بعد ثلاثينيات القرن العشرين، بأثر اكتشاف وأهمية النفط. بحيث تحولت كركوك إلى منطقة استقطاب "المساكين"(الأكراد) للعمل فيها في مجال الأعمال الرثة، بل ونرى انتقالهم إلى وسط العراق وجنوبه والاشتغال بالأعمال الرثة، اي التي لا تحتاج إلى تأهيل مهني مثل الحمالة والإسكافية.

• العراق هو الذي جعل من الأكراد قوما وشعبا لحد ما بالمعنى الحديث للكلمة، وإلا فأنهم معاشر قبلية.

• ليس للأكراد تاريخا قوميا ذاتيا ولا وعيا تاريخيا، من هنا فساد وهشاشة "الفكرة القومية".

• انعدام تاريخ الدولة، من هنا محاولة التشبث بكل قشة من اجل "إعلان الدولة". فالأكراد لم يعرفوا الدولة بالمعنى الدقيق للكلمة. وليس مصادفة على سبيل المثال ألا يعلن التركمان أية مطالب أو مساع عن الحكم الذاتي والدولة وما شابه ذلك في العراق رغم إنهم أقدم واعرق من الأكراد بأكثر من ألف سنة، ولهم فيه دويلات ومآثر، وذلك لان لهم مركزهم القومي والتاريخي والثقافي والسياسي(تركمانستان الحالية) بينما لا شيء عند الأكراد لا قديما ولا حديثا، شان الكثير من الأقوام. من هنا ترديدهم الفج والغبي عما يسمى بتشكيل بريطانيا للعراق الحديث وحدوده الدولية، التي كان يقول بها الشيوعيين بغبائهم المعروف بهذا الصدد. وهو قول صحيح ولكن ليس بالمعنى الذي تقصده ببغاوات الأحزاب وما يسمى بالقوى السياسية الكردية. ان جغرافيا العراق الحالية هي ليست جغرافيته التاريخية الثقافية السياسية، أنها اصغر ومقطوعة ولا وجود للأكراد فيها بالمعنى الاجتماعي والثقافي والسياسي. من هنا انعدام أثرهم الفعلي بالنسبة للعراق وسوريا. وليس تكالبهم العنيف الحالي المخلوط بالاستعداد للخيانة والعمل كمرتزقة تحت القيادة الأمريكية الحالية والمجاهرة بالتحالف مع إسرائيل سوى احد الأدلة الدامغة. الأمر الذي يجعل من الحركات الكردية حركات مخربة وتخريبية وخطرة.

• الأكراد قوة ضعيفة ذاتيا، من هنا استعدادهم للارتزاق، وهو أمر جلي يمكن رؤيته في تاريخ المنطقة ومفاصلها. وتأصله في سلوك "القيادات السياسية والقومية" الأمر الذي جعل منها مطيات للارتزاق والخدمة في مجرى صراعات الدول في المنطقة. وتبرز هذه "الخصال" في الحالات التي تتعرض فيها الدولة للضعف أو الانهيار بأثر أسباب داخلية أو خارجية، بينما القوى الوطنية ترمي بكل ثقلها في مثل هذه الظروف للحفاظ على وحدة المجتمع والدولة.

• أنهم أول من يهرع للاحتماء بأية قوة خارجية كانت حالما تحين الفرصة، والسبب هو ضعفهم الذاتي التاريخي والطابع البدائي للفكرة القومية وهيمنة النفسية العنصرية الجبلية والقبلية.

• كل ذلك يبرز في محاولاتهم "بناء دولة" بمساعدة الأجنبي (مهاباد في إيران بالدعم السوفيتي) والآن في العراق بأثر احتلال العراق والدعم اليهودي الصهيوني (وفِي كلتا الحالتين ستتعرضان إلى الفشل) إضافة إلى "دول" عابرة وسريعة في أذربيجان وغيرها. وهي على العموم ليست دولا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل إمارات جبلية، أي دولة قرية وليس مدينة..

كل ذلك يقدم الأساس للاستنتاج القائل، بانعدام معنى وجودهم في العراق، كما ان العراق ليس بحاجة إلى قضية كردية، بل وحتى إلى أكراد. ان قوما لا يريد العيش معك فلا معنى للعيش معه. ولا يمكن تصحيح هذا الخلاف. فقد أدخلت "القيادات السياسية" الكردية الأكراد في مضيق الفكرة القومية المزيفة. اذ ليس للأكراد فكرة قومية ولا يمكنها ان تكون. فاستتباب الفكرة القومية وتأسيسها يفترض في البداية الانتقال من حالة المعشر إلى القوم ومنه إلى الشعب وبعدها يمكن النضال من اجل القومية في ظل وجود دولة وجغرافية محددة. وهذا كله معدوم. فالعالم العربي له دوله وجغرافيته السياسية وتراثه العميق والعريق في صنع القومية والأمة والإمبراطوريات والثقافة الكونية، لكنه عاجز لحد الآن بعد تحلل مراكزه السياسية الثقافية عن إعادة اللحمة القومية بمعايير الدولة والمؤسسات. أما بالنسبة للأكراد فهذا اقرب إلى المستحيل، إلا من وجهة نظر الوجدان البسيط أو الغباء السياسي. وهي الصفة السائدة عند "السياسيين" الأكراد و"مثقفيهم".

والسؤال الواقعي حول كل هذه "الطبخة" السياسية والدعائية المفتعلة للبرازانية في الظروف الحالية التي يمر بها العراق، هو لماذا يصر البرازاني على الاستفتاء والانفصال؟

الجواب هو ان البرازانية على الدوام حركة انفصالية جبلية عائلية قبلية. ومن ثم تباع وتشترى ومستعدة للخيانة لانها ليست حركة اجتماعية سياسية بالمعنى الدقيق للكلمة. وتاريخ العائلة وشخصية الأب ملا مصطفى البرزاني هو زمن مزيف ومفتعل لشخصية عادية جدا ولا تخلو من خفة وسفاهة. ويمكن الرجوع إلى ما كتبه بريماكوف في مذكراته بهذا الصدد. 

أما الوزن المفتعل للأكراد والبرزاني بعد الغزو الأمريكي فقد كان نتيجة احتلال وليس نتيجة حالة ذاتية. ونحن نعرف كل حيثيات هذه الظاهرة ما قبل الاحتلال وبعده. فقد قضت الدكتاتورية الصدامية على الحركة القومية الكردية المسلحة وتمردها بصورة نهائية في غضون أيام أو سويعات. وهكذا هو الأمر على الدوام في حال المواجهة العسكرية مع الدولة العراقية حالما تكتمل وتتكامل، أيا كان شكل نظامها السياسي.

فالأكراد قوة جبلية اطرافية تسعة بالمائة من عدد السكان، أي قوة صغيرة جدا بالنسبة للعراق، دون التقليل من نوعية البشر والأقوام. فالحديث يجري هنا عن صراع سياسي للدولة وليس عن تقييم الأقوام والشعوب.

فالسرقة الجائعة ما بعد الاحتلال أدى بالأكراد إلى الانتفاخ الهائل، الذي أعطى لهم وزنا يتجاوزهم وزنهم الحقيقي في العراق عشرات ان لم يكن مئات المرات. وهذه خطيئة ومجازفة ومغامرة بنفس الوقت. ولم يكن ذلك معزولا أساسا عن طبيعة النخبة السياسية العربية الضعيفة والهشة آنذاك ورذيلة الصراع السني الشيعي، وانحلال الدولة ومؤسساتها رغم طابعها الخرب. أما الآن فالصراع من اجل الدولة والأمة، وإعادة بناء القوة الذاتية سوف يجعل من القوى السياسية والعسكرية (الكارتونية) للأكراد لا شيء مقابل القوة العراقية.

فما قبل تدمير داعش العراقي، الذي هو صناعة برازانية أمريكية صهيونية سعودية قطرية، لم تكن هناك أية دعوة للاستفتاء والانفصال، لانها كانت مفيدة لسرقة الأرض. فالقوات العراقية والعراقيون مهتمون ومنهمكون بتحرير العراق من قوى التخلف والهمجية. بينما سيستعيد العراق الأراضي المسروقة، لأنه سوف يتعامل مع من سرقها كسارق لا غير، ومن ثم سيسحق الحركة الكردية وخونتها بصورة تامة هذه المرة. سوف لن يحولها إلى ورقة كما كانت على الدوام بل إلى وقود تحريك العراق والقضاء على كتلة الرذيلة والخيانة عند الجميع والكردية بشكل خاص والبرازانية بشكل اخص.

فحالما تنكشف مؤامرة البرازاني مع داعش، عندها سيتحول إلى مجرم متهم بخيانة الدولة وليس الوطنية، لأنه لا وطنية عراقية عند الأكراد، لأنهم ليس شعبا عراقيا ولهذا أيضا لا اندماج حقيقي لهم فيه وبه. وعندها سيجري حساب شديد له باسترجاع كل ما جرى نهبه إضافة إلى القضاء التاريخي الشامل على البرازانية ومختلف مظاهرها العلنية والمستترة في العراق. من هنا يمكن فهم هذا الإصرار الآن على استفتاء الانفصال، اي استباق الزمن من اجل الحفاظ على المسروق! وهذه حيلة كردية تعكس الدهاء الغبي والبليد للبرزاني. الأمر الذي يجعل من الضروري القول، بأنه لا ينبغي التفاوض مع الخونة. والمهمة الأولية بعد تنظيف العراق من داعش الإرهاب والسياسة، تقوم في تحرير أربيل والقضاء على التشكيلات العسكرية الكردية داخل الدولة. ونقل البرزاني وزبانيته ومن على نهجه إلى بغداد للمحاكمة، وتصفية أية مقاومة بصورة تامة. فالدولة بحاجة إلى الإفراط بالقوة أحيانا في بعض مفاصل تطورها حفاظا على أرواح الأغلبية المطلقة، والاستقرار السياسي، والتأسيس للمستقبل.

ان البرازانية وقياداتها وأتباعها ومن هو خاضع لها، قوى جبانة، والقضاء عليها وسحقها فضيلة بمعايير المستقبل، كما أنها مهمة ليست معقدة وليست صعبة بالنسبة للعراق الآن. فالقوى السياسية الكردية ليست سياسية بالمعنى الدقيق للكلمة، بل حزبية وقبلية وعائلية وجبلية. والسياسة بالنسبة لها مراوغة ومؤامرة. الأمر الذي يجعلها أكثر واقعية أمام القوة. وهذه نفسية وذهنية أهل الجبل في كل مكان. ومن تتبع، على سبيل المثال، حالة الصراع بين الشيشان وروسيا يستطيع فهم هذه الحالة، مع الفارق الكبير بين الشيشان والأكراد، اي فارق الفروسية والارتزاق.

ان الكردي يعاني من إشكالية ثقافية نفسية فيما يتعلق بالأقوام التي يعيش معها أو بالقرب منها. ولا يمكن تذليل هذه العقدة ما لم يجر تذليل نفسية وذهنية الجبل. والكردي يقول بان لا صديق له غير الجبل. الأمر الذي يضع أمام العراق الحالي والمستقبلي مهمة إرجاع الأكراد إلى حاضنتهم التاريخية، أي إلى الجبل، بوصفه صديق الروح والجسد في حال استحالة تذليل هذه النفسية والذهنية. والمهمة الأولى تقوم بإرجاع القوات المرتزقة الحالية (البيشمركة) إلى حدود ما قبل الغزو الأمريكي ثم تفكيكها اللاحق باستعمال مختلف الأساليب الاقتصادية والسياسية والقانونية. وإذا استحال ذلك فعبر استعمال القوة. وهذه مهمة لا تحتاج إلى دعوات وطلبات وما شابه ذلك. أنهم يفهمون هذه اللغة على أنها دليل ضعف، لهذا من الضروري استعمال لغة الإنذار والقوة العسكرية المفرطة. بعدهما من الضروري إعادة إحكام السيطرة على الحدود والقضاء التام على أية حركة تمرد عسكري أيا كان مصدره وشكله ومستواه. وبدون ذلك سوف تنمو نفسية وذهنية الارتزاق ومن ثم الخيانة الدائمة، اذ لا صديق للكردي غير الجبل. بمعنى انه لا مجتمع ولا دولة ولا قيم حديثة تحكم سلوكه بوصفها مرجعيات جوهرية للبدائل. وتجربة العراق الحديثة دليل على ذلك. فقد كان القادة الأكراد مستعدين لتقبيل حذاء صدام بلا مقابل! بينما نرى سلوكهم المشين في السرقة والخيانة و"الاستعلاء" بعد ان ضمن لهم العراق (الشيعي) ما لم يكن يحلموا به. لقد كانت ميزانية الأكراد زمن صدام 11 مليون دولار، بينما يدفع العراق الحالي 11 مليار دولار غير السرقة المتنوعة والامتيازات التي يتمتع بها أكراد السلطة مثل رئاسة الدولة (وهو خزي بالنسبة لي لانها ليست مبنية على أساس انتخاب عراقي عام) ووزراء ونواب وسفراء ومدراء اغلبهم لا يستحق وظائف عادية جدا. وقد قالت المتصوفة، من باب الحكمة العقلية، بأننا لا نطعم الرضيع اللحم ليس بخلا وما شابه ذلك، بل لان اللبن انفع إليه. وهي حقيقة عملية ومفيدة ينبغي الاستفادة منها باختيار الطرق والسبل المناسبة والمفيدة بالنسبة للأقوام التي لم تنضج بعد، اي تلك التي مازالت في طور الطفولة.

وما هذه الأيام إلا صحائف لأحرفها، من كف كاتبها بشر

** *

 

ميثم الجنابي

 

في المثقف اليوم