دراسات وبحوث

بدر العبري: مراجعات في تنمية إيرادات أموال الزّكاة والصّدقات

مراجعات في تنمية إيرادات أموال الزّكاة والصّدقات وكيف تساهم في دوران المال

نجدّ إجمال القرآن لتفصيلات ومصاديق الزّكاة له ثلاث حكم – في نظري -، الأول توسعة الإنزال الظّرفيّ – الزّمكانيّ – في التّعامل مع النّص، والثّاني أنّ مدار الإنزال هو الظّنّ لا القطع، وبالتّالي سعة الرّأي والاجتهاد في التّعامل مع تطبيقات النّصّ قديما وحديثا، والثّالث إعطاء مساحة واسعة ليس للإنزال فحسب؛ بل لتنمية هذه المصادر ذاتها حسب الزّمكانيّة، لهذا ارتأيتُ أن اقرأ قضيّة: "تنمية إيرادات أموال الزّكاة والصّدقات"، من خلال سعة مصاديق الزّكاة وإنزالها زمانا ومكانا، وكيف نتعامل معها مع مركزيّة الدّولة وتدافع المفاهيم الجديدة كالضّرائب مع الزّكاة، مع مستجدات قضايا الباحثين عن عمل [البطالة]، وقضايا المسرحين، وكثرة الغارمين والمحابيس بسبب الدّين، مع تدني الرّواتب، والتّأمينات الاجتماعيّة، لهذا حاولتُ الإجابة عن الإشكاليّات التّالية؟

- كيف نقرأ "المال العام" ومسؤوليّة جمع الزّكاة وتنميتها وتوزيعها: من دولة الأمّة إلى دولة المواطنة؟

- كيف ننمي مخرج "وفي سبيل الله" في ضوء الدّولة القطريّة؟

- كيف نجمع في تنمية المال العام بين "الزّكاة" و"الضّريبة"؟

- ما الجانب العمليّ المقترح في تنمية أموال الزّكاة والصّدقات؟

"المال العام" ومسؤوليّة جمع الزّكاة وتنميتها وتوزيعها: من دولة الأمّة إلى دولة المواطنة.

أكبر إشكاليّة – في نظري – تعانيها الزّكاة لأجل تنميتها بعد الجمود على التّطبيقات العمليّة إشكالية عدم وجود حاضنة واحدة في الدّولة القطريّة تتولى أمر الزّكاة، مرتبطة بالمال العام، وإن وجدت حاضنة فعملها أقرب إلى الشّكل، ولهذا يصاحبها العديد من الفساد الإداريّ والماليّ، ووجود جمعيّات خيريّة حالة طبيعيّة في ضوء غياب المؤسّسة الواحدة الحاضنة، لهذه الجمعيّات ذاتها – مع حسناتها – إلا أنّها لا تفي بالغرض المراد من الزّكاة وتنميتها.

ولمّا صدر قانون الجزاء العمانيّ في نسخته الجديدة بعد الإضافة والتّعديل، نصّ في المادّة 229 "أنّه يعاقب بالسّجن مدّة لا تقلّ عن شهر ولا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقّل عن ثلاثمائة ريال عمانيّ، ولا تزيد عن ستمائة ريال عمانيّ، أو بإحدى هاتين العقوبتين كلّ من وجّه دعوة تبرع، أو جمع مالا من الجمهور بأيّ وسيلة دون ترخيص من الجهة المختصّة"[1]، وفي المادّة 300 "يعاقب بالسّجن مدّة لا تقلّ عن ثلاثة أشهر، ولا تزيد على سنة، أو بغرامة لا تقّل عن ألف ريال عمانيّ، ولا تزيد على ألفين ريالا عمانيّا، أو بإحدى هاتين العقوبتين كلّ من جمّع مالا من الجمهور بأيّ وسيلة كانت، وأرسله إلى خارج السّلطنة دون ترخيص من الجهة المختصة"[2]، بينما اللّائحة التّنفيذيّة للزّكاة التّابعة لوزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة تنصّ على أنّه من جمّع الزّكاة عن غير لجنة الزّكاة المرخص لها من الوزارة يغرم بعقوبة أقصاها ألف ريال عمانيّ، وبطبيعة الحال ينطبق عليه قانون الجزاء السّابق.

لا إشكاليّة مع هذا التّنظيم المدنيّ، وهو ضرورة من حيث الابتداء، لما يلحق من تجميع المال دون تنظيم من عشوائيّة واستغلال وأكل أموال النّاس بالباطل، مع سوء توزيع، وقد يتطوّر إلى تجميع المال لحركات أو تنظيمات سياسيّة واجتماعيّة تؤثّر على السّلم العامّ، وإنّما الإشكاليّة في التّرهل الّذي تمارسه الجهات المختصة في تشجيع العمل المدنيّ تحت مظلّتها، كمثل وزارة التّنميّة في أخذ التّراخيص، ممّا يجعل الشّراك المدنيّ ضعيفا جدّا، فيجرّ بعضهم إلى العمل بدون ترخيص، كما أنّ الجمعيّات لا تفي بالغرض المراد من تنمية الزّكاة والصّدقات لتطوّر مفهوم الدّولة، والحقوق المتعلقة ويحتاج لها مركزيّة موحدة من جهة، لكن هذا لا يعني بحال عدم وجود شراك مجتمعيّ من خلال الجمعيّات الخيريّة، لهذا يجب أن نمايز بين أمرين: بين مسؤوليّة الدّولة المركزيّة من خلال المال العام، ومسؤوليّة الشّراك المجتمعيّ المتمثل في الجمعيّات التّطوعيّة، والمؤسّسات الأهليّة من خلال الصّدقات والنّفقات المندوبة.

ولدراسة القضيّة وفق سياقها النّصيّ الأول ثمّ التّأريخيّ؛ نجد في القرآن الكريم تعليق أمر الصّدقة الواجبة – أي الزّكاة - لمن له الأمر، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[3]، يقول السّالميّ [ت 1332هـ/ 1914م]: "قولهم إنّ الزّكاة للإمام في زمانه، وهو المتصرّف بها ولا يجزئ أداؤها إلا له، ما دليله؟ الدّليل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}[4]، وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}[5]، وقوله – صلّى الله عليه وسلّم -: "أربع إلى الولاة: الفيئ والصّدقات والحدود والجمعات"[6]، وقد مضت السّنة بذلك قولا وفعلا، وأجمعت الأمّة على ذلك، حتّى قال أبو بكر [ت 13هـ]: "والله لو منعوني عقالا كانوا يعطونه رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – لقاتلتهم عليه"[7]، ووجه الاستدلال بالآية الأولى أنّه أمر نبيّه أن يأخذ من أموالهم الصّدقة، وهي الزّكاة، وإذا لم يؤدّها إليه لم يحصل الأخذ الّذي أمر به، وما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب على الأمّة أن يسارعوا إلى ذلك، والإمام العادل خليفة للنّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم -، ووجه الاستدلال بالآية الثّانية أنّه لو لم يكن الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – هو المتولي لإنفاذ الصّدقات لم يكن للمز المنافقين معنى - أخزاهم الله -، ووجه الاستدلال بالآية الثّالثة أنّ أمر العاملين عليها، والمؤلّفة قلوبهم، راجع إلى إلى الإمام، فلا يدري عامّة النّاس المؤلفة من غيرهم، والعامل من غيره، ولا مقدار ما يدفع لكلّ واحد منهم مع اختلافهم في مراتب التّأليف، والله أعلم"[8]، وبنحو الاستدلال الثّالث عند السّالميّ يقول رفيق يونس المصريّ [ت 2021م]: "فلو ترك الأمر للأفراد [في توزيع مال الزّكاة] لأعطي الفقراء والمساكين، والغارمون وابن السّبيل، وحرم منها إلى حدّ كبير مصرف المؤلفة قلوبهم، ومصرف في سبيل الله، وهذا المصرف يتعلّق بالأمن والدّفاع، وهما من أهم وظائف الدّولة"[9].

وحول توحيد مركزيّة الزّكاة الواجبة اتّفق الفقهاء سابقا، حتّى اختلفوا في ضمان من أخرجها بنفسه مع وجود مركزيّة لها، قال أبو سعيد الكدميّ [ت 361هـ/ 972م]: "معي أنّه يخرج من معاني قول أصحابنا أنّه إذا كان على المصر أمير عادل، أو إمام عادل؛ كان قبض الزّكاة إليه وإلى عمّاله، ويخرج في معنى الاتّفاق أنّ ذلك يجزي للدّافع إليهم إذا دفعها إليهم وهم أهل لذلك من العدل والأمانة عليها، ومعي أنّه يختلف في قولهم: إن لم يدفعها دافع إلى الإمام وعمّاله، وهو أهل العدل، وسلّمها إلى أهلها من السّهام، فقال من قال لا يجزيه ذلك وهو ضامن، وقال من قال: يجزيه ذلك، لأنّها صارت إلى أهلها"[10].

أمّا تأريخيّا نتيجة تطوّر الدّولة وامتدادها في عهد عمر بن الخطاب [ت 23هـ] كان "سببا في إقدامه على إنشاء بيت المال؛ ليتولى مهمّة الإشراف على إحصاء الأموال وتوزيعها في مصارفها، والاحتفاظ بما تبقى لحين الحاجة"[11]، ويعلّل الجوينيّ [ت 478هــ/ 1085م] من أسباب ذلك وتعلّقه بالإمام لأنّ "الإمام يكلّف الأغنياء من بذل فضلات الأموال ما تحصل به الكفاية والغناء"[12]، وهذا الإلزام لا يتحقق مع الأفراد، أو بمفهوم الجمعيّات الأهليّة ومؤسّسات العمل المدنيّ اليوم،

واليوم تطوّرت الدّولة إلى مفهوم دولة المواطنة، فدولة المواطنة تندرج ضمن ثلاث مصطلحات متداخلة: الوطن والمواطنة والوطنيّة، والمدار هو المواطنة، أمّا الوطن فهو الرّقعة الجغرافيّة تحت مسمّى الدّولة القطريّة، هذه الدّولة تحوي هوّيّات وانتماءات متعددة، يسوسها نظام ودستور واحد خارج هذه الانتماءات، ويعلو عليها، وأمّا الوطنيّة فهو شعور وجدانيّ، قد يكون صادقا، وقد يكون كاذبا، فهناك من يرفع شعارات الوطنيّة، ولكنّه في الواقع تهمّه مصالحه الشّخصيّة، أو مصالح قبيلته وعشيرته، أكثر من الوطن ذاته.

فدولة المواطنة اليوم تجعل الجميع سواء بعيدا عن انتماءاتهم الدّينيّة والمذهبيّة، وهذا يتطلّب رفع الحساسيّة إذا كان المخرج يستفيد منه غير المسلم كذلك، ومثال هذا قديما فقراء أهل الذّمّة قال أبو سعيد الكدميّ: "معي أنّه لا يخرج في معاني قول أصحابنا معنى الاتّفاق على معنى تسليم الصّدقة إلى فقراء أهل الذّمة؛ بل يخرج في معنى قولهم الاختلاف في ذلك، ومن قال بذلك يحتج بقول الله تبارك وتعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ}[13]، بمعنى الصّدقة على ثبوت معنى الصّدقة، وقوله: {مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[14]، وكان الأسارى يومئذ لا يكونون إلا مشركين، لا نعلم غير ذلك"[15].

خلاصة ما سبق؛ من تنمية أموال الزّكاة ربطها بمركزيّة الدّولة من حيث الإلزام على أصحاب الحقوق من جهة، ومن حيث حسن توزيع الزّكاة والقضاء على على تركز المال بين الأغنياء من حيث الكنز {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[16]، ودوران المال بين الأغنياء فحسب {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}[17]، وهذه من أكبر أسباب ضعف اقتصاد الأمم: الكنز السّلبيّ خصوصا إذا كان خارج الوطن في مصارف خارجيّة، وكذلك تولد الطّبقيّة؛ لأنّ المال يدور بين شريحة معينة، وقديما تضرّرت مملكة جوسون الكوريّة بسبب الارتشاء والفساد الحكوميّ وتعاونهم مع التّجار، فتجمّع الفقراء في الجبال، وقاموا بثورات، فأدرك المصلحون أنّ المال كلّما تمدد ودار في الطّبقات الفقيرة، سيؤدّي إلى نمو الاقتصاد، وتحقّق الأمن، والقضاء على الفقر، وهذا ما أكدّه القرآن: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}.

تنمية مخرج "وفي سبيل الله" في ضوء الدّولة القطريّة

حدّد القرآن الكريم ثمانية أصناف تصرف لهم الزّكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[18]، وهذا وفق إشكاليات زمان نزول النّصّ، وسبق أن تحدّثنا أنّ القرآن أعطى مساحة واسعة للإنزال العمليّ، وهذا ما فعله عمر بن الخطّاب [ت 23هـ] مثلا أنّه وقّف سهم المؤلفة قلوبهم لارتفاع الحاجة إليه، كما أنّ اليوم ارتفع سهم {وَفِي الرِّقَابِ} لعدم وجود مصاديقه أصلا لتحرير العبيد، هذا إذا تعاملنا مع الاستعباد بالمفهوم التّراثيّ التقليديّ.

واليوم أصبحت الدّولة القطريّة معقدّة جدّا، والاقتصاد تطوّر بشكل كبير جدّا أيضا، والتّفاوت الطّبقيّ أكثر تمدّدا، فظهر لدينا قضايا الباحثين عن عمل [البطالة]، وقضايا المسرحين، وكثرة الغارمين والمحابيس بسبب الدّين، مع تدني الرّواتب، والتّأمينات الاجتماعيّة، ووجود الضّريبة المضافة، وغيرها، مع محاولات العلاج على مستوى الدّولة كمنفعة الأمان الوظيفيّ مثلا، وأهليّا كصندوق فك كربة، إلا أنّ المسألة اجتماعيّا واقتصاديّا لا زالت معقدة بشكل كبير.

وقد كانت الدّولة قديما ليس بذاك التّعقيد وتعددّ المهام، فكانت أقرب إلى الهوّيّات القبليّة أو المناطقيّة، فهي المعنية من حيث التّعليم والصّحة والطّرق والزّراعة والتّجارة وغيرها من المهام والوظائف الخدماتيّة خصوصا، وأمّا مركزيّة الدولة مع اتّساعها قديما فكانت معنيّة بشكل كبير بالأمن والجيش والخراج والجباية والقضاء والدّواوين، فلهذا غلب قديما تأويل {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي في الجيش والجهاد.

وأمّا اليوم فتمركزت جميع المهام الأمنيّة والخدماتيّة في مركزيّة واحدة، مع شراك مبنيّ على عقد اجتماعيّ وفصل للسّلطات، وأصبجت الهوّيّات القبليّة أو المناطقيّة أقربَ إلى الجانب الرّمزيّ، وتلاشت قوّتها خدماتيّا وأمنيّا يشكل كبير جدّا، لهذا يجب تأويل {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} متناسقا وفق دولة المواطنة، أي الدّولة القطريّة المعاصرة، لا وفق نظريّة الدّولة سابقا، يقول محمّد عقلة [معاصر]: "وأمّا مصرف في سبيل الله فبمقدور الدّول الإسلاميّة استغلالها في الإنفاق العام على المصالح العامّة من إقامة المستشفيات والمدارس والمساجد والملاجئ والجسور"[19].

ولئن كانت قضايا الباحثين عن عمل [البطالة]، وقضايا المسرحين، وكثرة الغارمين، والمحابيس بسبب الدّين، والمتدنية رواتبهم، والتّأمينات الاجتماعيّة ونحوها أقرب إلى {وَالْغَارِمِينَ}، لهذا كان للغارم نصيا غير نصيب الفقير، ولو كان في مبتدأه غنيّا، ".... لو كان لا يجوز له في غرامته إلا ما يجوز له في حال فقره لما كان لقوله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} بعد ذكر الفقراء معنى، فلمّا ذكر الغارمين مع ذكر الفقراء علمنا أنّ للغارم نصيبا غير نصيب الفقير"[20].

ولهذا الفقر ليس شرطا مطلقا في إعطاء الزّكاة؛ فقد يكون غنيّا، ولكن يعطى منها، "المذهب عندنا أنّ الزّكاة لا تحلّ لغنيّ، واستثنوا من ذلك من كان له في الإسلام غناء أو عناء، فأمّا ذو الغناء في الإسلام فهم العاملون على الزّكاة، وهم سعاة الإمام، فإنّ الإمام يدفع إليهم منها، وإن كانوا أغنياء، وذلك لهم حلال بنصّ الكتاب في قوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}، وأمّا ذو العناء في الإسلام فهو من يستعين به المسلمون بعلمه، ويرجعون إلى إفتائه، فإنّه قد قيل إنّ لمثل هذا العالم أن يأخذ من الزّكاة وإن كان غنيّا، ورخّصوا له أن يحج منها أيضا، مع أنّهم قالوا لا يحجّ بالزّكاة، وكأنّهم أخذوا من ذلك من قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وذلك في آية الصّدقات، ويدخل الغارم على قول تحت ذي العنا، وهو الصّنف الأول من المستثنى، فقد قيل إنّه يأخذ من زكاة الغارمين، وإن كان غنيّا"[21].

لهذا يمكن تنمية الزّكاة كمصرف مهم في القضاء على الأمراض المجتمعيّة والاقتصاديّة، وفي توفير الخدمات كالطّرق والمستشفيات والمدارس والجامعات وغيرها، بحيث تساهم في رفد المال العام، وهذا لا يتحقّق إلا من خلال مركزيتها، وحسن تنميتها، بما يحقّقّ مصارفها، وخصوصا تسبيلها {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}.

تنمية المال العام بين "الزّكاة" و"الضّريبة"

يرى بعض الباحثين الاجتماعيين أنّ الزّكاة اليوم لم تعد تحقّق ذاك الجدوى الّذي كانت تحقّقه بالأمس، خصوصا مع وجود فلسفة "الضّريبة" ودورها في رفد المال العام، ولهذا ظهرت قضيّة الضّريبة في أبحاث الزّكاة من جهتين: جهة هل الضّريبة تقوم مقام الزّكاة، فلا عبرة بالألفاظ وإنّما بالغاية والمعاني، ولا تشغل الذّمة مرتين في أمر واحد مشترك ظاهرا، ومن جهة أخرى إذا قلنا لا تقوم، فهل يخرج منها الزّكاة لرفد مال المال العام؟ أم هي كالمال مطلق النّفع لا زكاة فيها؟

ابتداء المال العام هو "المال المرصد للنّفع العام، دون أن يكون مملوكا لشخص معيّن، أو جهة معينة"[22]، ومن أهم عوامل رفد المال العام اليوم الضّريبة، وسابقا كانت أقرب إلى الخراج المتعلق إمّا بالإتاوة أو بالجزية أو بالزّكاة، وأصبحت الإتاوة اليوم تقريبا غير ملزمة كالضّريبة، وتكون الإتاوة مقابل منفعة لها اعتبارها كحقوق الملكيّة، وأمّا الضّريبة فهي ملزمة إمّا بسبب كسب كدخل الشّركات، وضريبة الشّراء، ومنها القيمة المضافة، وضرائب الامتلاك، ويمكن إضافة ضرائب المنفعة كالطّرق والكهرباء والماء ونحوها، ويجمل بعضهم الضّريبة في نوعين رئيسين: "مباشرة وغير مباشرة، والضّرائب المباشرة هي الضّرائب المفروضة على رأس المال أو الدّخل كالضّرائب على الأرباح أو الأجور، حيث تراعى فيها المقدرة التّكليفيّة والظّروف الشّخصيّة، والضّرائب غير المباشرة هي الضّرائب المفروضة على الاستهلاك والانتاج أو الاستيراد والتّصدير، مثل الرّسوم الجمركيّة والطّوابع الماليّة ورسوم تسجيل السّيارات، بحيث لا يمكن مراعاة المقدر التّكليفيّة للمول، ولا ظروفه الشّخصيّة والعائليّة"[23].

ومع دولة المواطنة اليوم من خلال فلسفة الدّولة القطريّة أصبحت الضّريبة مطلقة لها اعتباران: اقتصادي وتشاركي، أمّا الاقتصادي فكما أسلفنا لرفد المال العام في تحقّق خدمات أمنيّة وتعليميّة وصحيّة ونحوها، وأمّا التّشاركيّ فيدخل في العقد الاجتماعيّ، أي يصبح كلّ فرد بذاته له الحقّ في الشّراك في الدّولة، من حيث حرّيّاته الشّخصيّة، وتعليمه وصحته وأمنه، ومن حيث معرفة أين ينفق المال العام، مع المحاسبة فيه، ومن حيث له شراك سياسيّ في القرارات والرّقابة بشكل عام، إمّا عن طريق الأحزاب، أو مؤسّسات العمل المدني، أو النّقابات العماليّة مثلا.

لهذا يظهر التّمايز بين الضّريبة والزّكاة من جهة، وبين الاشتراك من جهة أخرى، فجهة التّمايز أنّ من غايات الضّريبة تحقّق الشّراك السّياسيّ والرّقابيّ بين الجميع، تحت مظلّة الدّستور المشترك من جهة، وفصل السّلطات من جهة ثانية، وأمّا الغاية من الزّكاة عدم كنز المال، وتدويره في المجتمع، إلا أنّ المشترك بين الضّريبة والزّكاة هو القضاء على الطّبقيّة، وتحقّق المنفعة والعدالة الاجتماعيّة بين الجميع، كما تشتركان من حيث الإلزام، "فالضّريبة بصفة عامّة أداء إلزاميّ غير قابل للرّد لمبلغ من المال على عكس القرض، وهذا القول يمكن تطبيقه على الزّكاة، فدفع الزّكاة شأنه شأن الضّريبة الحديثة"[24].

بيد أنّ المتأمل في بعض أقسام الضّرائب، وخاصّة القسم الأول - أي ضريبة الكسب – يجد التّشابه بينها وبين الزّكاة، لهذا يحدث الجدل في مثل هذه المسائل، فيرى أغلب الفقهاء المعاصرين أنّ "الأصل أن يكون تمويل ميزانيّة الدّولة من إيرادات الأملاك العامّة وغيرها من الموارد الماليّة المشروعة، فإذا لم تكف هذه الموارد جاز لوليّ الأمر أم يوظف الضّرائب بصورة عادلة لمقابلة نفقات الدّولة الّتي لا يجوز الصّرف عليها من الزّكاة، أو لسدّ العجز في إيرادات الزّكاة عن كفاية مستحقيها"[25]، والضّريبة تدخل في باب النّفقات العامّة كما في آيات الإنفاق من جهة، وفي رواية "إنّ في المال حقّا سوى الزّكاة"[26] من جهة ثانية، حيث هناك "النّفقات الواجبة الّتي لا تقدّر إلا بقدر الحاجة، وهي أيضا تدخل في ضمن المفروض مع عدم سداد العوز بدونها، كما يدلّ على ذلك قوله تعالى: { وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ}[27]، حيث ذكر الزّكاة من بعد ذكر إيتاء المال لذوي القربى إلى آخره معطوفة عليه، ومن شأن العطف التّغاير بين المعطوف والمعطوف عليه، وفي هذا ما يكفي دليلا على أنّ الحقوق المالية المذكورة في هذه الآية قبل الزّكاة خارجة عنها، وهو الّذي يدل عليه حديث فاطمة بنت قيس عند التّرمذيّ أنّ الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – قال: إنّ في المال حقّا سوى الزّكاة"[28].

وأرى من أسباب تقاعس الشّركات بأنواعها، خصوصا الكبيرة والمتوسطة مثلا عن الزّكاة للضّرائب المترتبة عليها، وما يفرض لها من نسبة في الخدمات الاجتماعيّة، فمثل هذه إذا وجدت الحركة التّصحيحيّة والمنمية للزّكاة يمكن الجمع بين الأمرين؛ لأنّ المشترك والغاية بينها واحد، وإن اختلف المصطلح، إلا أنّ الذّمة تبرأ بهما لتحقّق المصلحة والغاية، وإلزامها يحرّك المال العام، ويحقّق منفعته الاقتصاديّة والاجتماعيّة والخدميّة في تنمية الزّكاة، وهذه هي الغاية.

وأمّا الأنواع المختلفة للضّريبة فلا تحمل على الزّكاة لوقوع الاختلاف بينهما، ويستثمر المنبعان لذات الغاية، وهذا يساهم في تنويع رفد المال العام من جهة أخرى، وبالتّالي تقوية اقتصاد البلد من خلال منع كنزه، وتدويره، واستثماره.

وتبقى مسألة هل في المال العام زكاة أم لا؟ فقد "رأى أكثر الباحثين المعاصرين أنّ المال العام لا يزكى، واحتجّ بعضهم بأنّ ليس له مالك معين، فلا زكاة فيه"[29]، واعتبر رفيق المصريّ [ت 2021م] أنّ "هذه الحجّة غير مسلمة؛ لأنّ المال في الإسلام ثلاثة أنواع: مال خاص يملكه الأفراد والشّركات، ومال عام مشترك تملكه الجماعة، ومال حكوميّ تملكه الحكومة، وقد يكون المقصود بالمال العام هو المال الثّاني الّذي يشترك فيه النّاس شركة إباحة، فعلا هذا لا يزكى، لأنّه ليس له مالك معيّن، ولا ننازع فيه، أمّا إذا كان المقصود هو مال الحكومة فهذا فيه تفصيل، فأموال الحكومة المجموعة من الزّكوات مثلا ليس فيها زكاة، لأنّ حصيلة الزّكاة إذا صارت هي وعاء للزّكاة (مالا للزّكاة)؛ فإنّ ما يؤخذ عليها من زكاة سيعاد ضمّه إلى حصيلة الزّكاة، فتبقى الحصيلة ثابتة، أمّا أن لا تؤخذ الزّكاة على أموال القطاع العام النّامية فلا أوافق عليه بسهولة؛ لأنّ المال نام، ولا تأثير لكونه عامّا أو خاصّا، ولا يقال لا مال له؛ لأنّ المالك هو الدّولة نيابة عن الأفراد"[30].

وفي نظري كلام رفيق المصريّ فيه نوع من التّكلف، لأنّ أموال القطاع العام النّامية تنصبّ في تحقّق الجانب الخدميّ في المجتمع، وهي تدخل في غاية الزّكاة كما أسلفنا في مخرج {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فالغاية واحدة، فلا معنى للزّكاة هنا، ولو كانت مستثمرة.

لهذا أرى أنّ توحيد مركزيّة هيئة الزّكاة، وربطة بالمال العام، إدخالا وتنمية واستثمارا وتوزيعا سيضيّق الخناق بين الضّريبة والزّكاة، كما سيخفف وضع ذلك مستقبلا على الضّريبة بشكل عام في ضوء التّضخم وضعف السّيولة وارتفاع الأسعار.

الجانب العمليّ في تنمية أموال الزّكاة والصّدقات

بعد هذه المقدّمات نصل إلى الغاية من المقالة، وهو تحقّق الجانب العمليّ في تنمية أموال الزّكاة والصّدقات، والّذي أرى من أكبر أسباب عدم تحقّقه هذه العشوائيّة من خلال جمعيّات جلب وتوزيع الزّكاة والصّدقات، والّتي هي حالة طبيعيّة لعدم وجود هيئة مركزيّة في ذلك، لأنّ "الأصل في زكاة الأموال الظّاهرة أنّها للدّولة، لكن الدّولة إذا لم تقم بجمعها لأيّ سبب من الأسباب؛ لم تسقط عن الأفراد"[31].

لهذا اقترح كخطّ عمليّ لحسن تنمية الزّكاة في عُمان أو الوطن العربيّ عموما، يتمثل في إنشاء هيئة مستقلة تماما، مرتبطة بالمال العام أي وزارة الماليّة من حيث الابتداء، لها ثلاثة أجنحة رئيسة: الجناح الأول جناح الدّراسات الشّرعيّة والاقتصادية والتّنمويّة في آلية حسن تنميتها، والجناح الثّانيّ جناح الاستثمار من حيث وضع أصول لها تجرّ منفعة دائمة، وتعالج القصور بشكل إيجابي، والجناح الثّالث جناح إخراجها عن طريق وزارة المالية في دعم المؤسّسات والوزارات ومؤسّسات العمل المدنيّ في القضاء على الفقر والبطالة وتوزيع المال والرّقيّ بالتّعليم والصّحة والخدمات العامّة، وهذا مثلا ما يحدث في الولايات المتحدّة الأمريكيّة من خلال مركزيّة الحكومة الفدراليّة ودعمها للجمعيّات بشكل منظّم في علاج قضيّة المشردين، ممّا ساهم بشكل إيجابيّ في الحدّ من القضيّة، وتوفير البديل من خلال العلاج.

ووجود مركزيّة يخفف من حالات الفساد الماليّ من جهة، وسوء استثماره وتوزيعه من جهة ثانية، كما أنّه أيضا لا يعني إلغاء الشّراك المجتمعيّ من خلال الجمعيّات الخيريّة، بل هي تدعم هذه الجمعيّات من جهة، لما تحقّقه من شراك مهم في تخصّصها في علاج القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة، كعلاج قضايا التّسوّل والغارمين وتعليم الدّخل المحدود وعلاجهم، وتعليم الصّم والعمي ونحوهم، كما تُعطى مساحة واسعة من الصّدقات بشيء منظم ومشترك وواضح، بعيدا عن الاستغلال الماليّ باسم الصّدقات أو الأعمال الخيريّة، فيحق للجهة المخوّلة من قبل الدّولة (وليّ الأمر) بجمع الصّدقات وتوزيعها واستثمارها وتنميتها "لمراعاة مبدأ النّيابة العامّة الشّرعيّة، وأن يسند الإشراف على الاستثمار إلى ذوي الكفاءة والخبرة والأمانة"[32].

بهذه الأجنحة الثّلاثة في نظري نستطيع علاج قضيّة سوء استغلال الزّكاة، وسوء تنميتها واستثمارها وإخراجها وفق الزّمكانيّة.

***

بدر بن سالم بن حمدان العبريّ

باحث وكاتب عمانيّ

...................

[1] قانون الجزاء العماني الجديد، نسخة الكترونيّة.

[2] المرجع نفسه.

[3] التّوبة: 103.

[4] التّوبة: 58.

[5] التّوبة: 60.

[6] ذكره الزّيلعيّ في تخريج الكشّاف، وقال حديث غريب.

[7] أخرجه البخاريّ في صحيحه من طريق أبي هريرة، حديث رقم: 7284.

[8] السّالميّ: عبد الله بن حميد، جوابات الإمام السّالميّ؛ مرجع سابق، ج: 2، ص: 263 – 264.

[9] المصريّ: رفيق يونس، بحوث في الزّكاة؛ ط دار المكتبيّ، الطّبعة الأولى، سوريّة – دمشق، 1420هـ/ 2000م، ص: 224 – 225.

[10] زيادات أبي سعيد الكدميّ على كتاب الإشراف لابن المنذر النّيسابوريّ؛ تحقيق إبراهيم بن عليّ بولرواح، ط وزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة، سلطنة عمان، الطّبعة الأولى، 1432هـ/ 2011م، ص: 466.

[11] عقلة: محمّد، بحث التّطبيقات التّاريخيّة والمعاصرة لتنظيم الزّكاة ودور مؤسّساتها؛ منشور ضمن كتاب أبحاث وأعمال الزّكاة المنعقدة بدولة الكويت، 1404هـ/ 1984م، ص: 235.

[12] المصريّ: رفيق يونس، بحوث في الزّكاة؛ مرجع سابق، ص: 292.

[13] البقرة: 272.

[14] الإنسان: 8.

[15] زيادات أبي سعيد الكدميّ على كتاب الإشراف لابن المنذر النّيسابوريّ؛ مرجع سابق، ص: 469.

[16] التّوبة: 34.

[17] الحشر: 7.

[18] التّوبة: 60.

[19] عقلة: محمّد، بحث التّطبيقات التّاريخيّة والمعاصرة لتنظيم الزّكاة ودور مؤسّساتها؛ مرجع سابق، ص: 238.

[20] السّالميّ: عبد الله بن حميد، جوابات الإمام السّالميّ؛ مرجع سابق، ج: 2، ص: 268.

[21] المرجع نفسه، ص: 294.

[22] أحكام وفتاوى الزّكاة والصّدقات والنّذور والكفارات؛ بيت الزّكاة؛ الكويت، الإصدار الثّامن، 1430هـ/ 2009م، ص: 101.

[23] المصريّ: رفيق يونس، بحوث في الزّكاة؛ مرجع سابق، ص: 298.

[24] ضيوف: مختار، بحث الزّكاة وميزانيّة الدّولة والضّرائب؛ منشور ضمن كتاب أبحاث وأعمال الزّكاة المنعقدة بدولة الكويت، 1415هـ/ 1995م، ص: 295.

[25] أحكام وفتاوى الزّكاة والصّدقات والنّذور والكفارات؛ بيت الزّكاة؛ مرجع سابق، ص: 107.

[26] أخرجه التّرمذيّ من طريق فاطمة بنت قيس، حديث رقم: 660.

[27] البقرة: 177.

[28] الخليليّ: أحمد بن حمد، جواهر التّفسير أنوار من بيان التّنزيل؛ ط وزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة، سلطنة عمان، الطّبعة الثّانية، 1433هـ/ 2012م، ج: 2، ص: 151 – 152.

[29] المصريّ: رفيق يونس، بحوث في الزّكاة؛ مرجع سابق، ص: 79 – 80.

[30] المرجع نفسه، ص: 80 – 81.

[31] المرجع نفسه، ص: 227.

[32] أحكام وفتاوى الزّكاة والصّدقات والنّذور والكفارات؛ بيت الزّكاة؛ مرجع سابق، ص: 107.

في المثقف اليوم