دراسات وبحوث

بنو اسرائيل

بنو اسرائيل هم الاسباط من ذرية يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام جميعا. وهم اثنا عشرة سبط (يوسف او منسى – ابنه -، بنيامين، لاوي، روبين، يهودا، شمعون، زبولون، ياساكر، دان، نفتالي، جاد، عشير) .

ان مجتمع بني اسرائيل كان مجتمعا موحدا لله، خاضعا لتعاليم دين ابراهيم الخليل . لكن القرآن الكريم يكشف لنا ضعف النفس الانسانية في ذلك المجتمع – مع ايمانها -، وكان الداء الاول الذي تسبب في انهيار هذا المجتمع لاحقا هو (الانا) . حيث تنافس ابناء النبي يعقوب في التقرب الى ابيهم والحظوة عنده، فسوّلت لهم نفسهم قتل اخيهم النبي (يوسف الصدّيق) . وهذا الامر يثير فينا تساؤلا اكبر: كيف كان تعاملهم مع الاخرين من بني اسرائيل الذين لم يكونوا من ذرية يعقوب النبي ؟!، {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ }يوسف9، {قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }يوسف10، وكما هو واضح لم تكن نفوسهم خالية من الايمان ابداً، بل نراهم خلف هذه الآيات قوما مؤمنين تدغدغهم (الانا).

ان (الانا) التي توّلدت في ذلك اليوم جعلت من بني اسرائيل مجتمعا (مغلقا) في الغالب، وهذا ما يتعارض مع مبدأ هجرة الهداية الابراهيمية . ومع ذلك كان ليوسف ان يصل الى مراتب دنيوية عالية بالاضافة لمقامه في الاولياء، وقد كاد الله له من خلال وصوله الى ارض مصر في زمن الهكسوس، وَقَالَ ٱلَّذِى ٱشْتَرَىٰهُ مِن مِّصْرَ لِٱمْرَأَتِهِۦٓ أَكْرِمِى مَثْوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدًۭا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمْرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الجزء: ١٢ | يوسف (١٢)| الآية: ٢١]، وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦٓ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌۭ [الجزء: ١٣ | يوسف (١٢)| الآية: ٥٤]، قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌۭ [الجزء: ١٣ | يوسف (١٢)| الآية: ٥٥] .

لكن رغم ذلك كان لوجود اسحق ومن بعده يعقوب دورا هاما في التأثير الاخلاقي والسلوكي على المجتمعات المحيطة، التي رأت في المجتمع الاسرائيلي الاول مجتمعا صالحا، يختلف عمّا رأته من مهاجرين سابقين .

ان مساهمة اسحق في حفر الكثير من الآبار في الارض الكنعانية، وفتحها امام كل الاقوام اوجد تصورا آخر لدى الاقوام المحيطة بالمجتمع الابراهيمي، يقوم على اساس المقارنة بين الصالحين والطالحين من قادة الاقوام المتجاورة، وشكّل سهما مهما في نظرية تولي الصالحين للقيادة .

ان المجتمع الفرعوني المصري كان يشكل اخطر العقبات التي تواجه نشر العقيدة الايمانية الابراهيمية، لان ذلك المجتمع كان في الواقع يتعبد بالشريعة السحرية، ويمارس طقوس السحر الاسود ، لذلك كان بحاجة (الهجرة الايمانية)، التي تزيل عنه الدنس وغبار الاوثان، وتوقظه من غفلة الجهل بالرب الحقيقي . لذلك كان على بني اسرائيل ان يهاجروا، وسنة الهجرة البلاء، فحدث القحط في كنعان، وتوجه اخوة يوسف الى ارض مصر كباقي الاقوام المحيطة، فعرفهم يوسف، وخطط لتنفيذ مهمة الرب، ونجح عبر استغلال (دين الملك) ان يثبت حقوقه التي صادرها القريب قبل البعيد، وتاب اخوته، فطلب الى الملك الهكسوسي ان يستقدم بني اسرائيل الى مصر، فرحب الملك باولياء الله من آل يعقوب، واسكنهم احسن ارضه، واكرم مثواهم .

كان يعقوب النبي يستشرف المستقبل ويدرك القادم، وهو يعلم مقدار تأثير سحر المعتقدات الفرعونية في حال انهار الهكسوس وعاد الفراعنة للحكم، لذلك جمع بنيه واوصاهم وبيّن حقيقة الرب الخالق، لماذا ؟، فهي خطوة قلّما فعلها احد الانبياء، ذلك انه ادرك مقدار الشبهة التي سيوجدها مفهوم الرب الفرعوني على العقل الاسرائيلي .

{ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (القرآن الكريم : البقرة، 127 – 134)

لكن من الطبيعي ان يدفع المجتمع الاسرائيلي ضريبتين عند انتصار الفراعنة على الهكسوس، الاولى لأنهم كانوا موحدين يدينون بعقيدة تجرّم عقيدة الفراعنة، والثانية لأنهم كانوا جزءاً من المجتمع الهكسوسي ذاته .

كان الفراعنة هذه المرة اقوى لسببين انهم عرفوا العربة الحربية من الهكسوس وانهم اسقطوا اهم القوى المنافسة في المنطقة، فكان على بني اسرائيل (يعقوب) ان يدفعوا ثمن علاقتهم بالهكسوس،فاستعبدهم الفراعنة واذلوهم .

توفرت في بني اسرائيل صفتان مهمتان يحبهما الشيطان هما : (الانا) و(امراض الاستعباد النفسية)، فتأثروا كثيرا بالمجتمع الفرعوني المصري ووجد البعض فيه ضالتهم،وكذلك وجد الشيطان جنودا ورجالا كان يبحث بجهد عن مثلهم .

ان العالم الجديد الذي يخدم رغبات الشياطين هو القائم على تحالف الفرعون وهامان وقارون، وهو ثلاثي كان فيه فرعون هو السلطة المتواصلة مع العالم الآخر، وهامان هو الاداة التنفيذية والعلمية، وقارون هو الكيان المادي الشره للمال والثروة واللذات . لقد تم اختيار قارون لهذه المهمة لاسباب ذاتية وموضوعية، فهو يحمل خصائص (الانا) التي انحدرت بالمجتمع الاسرائيلي، كما انه عنصر داخل المجتمع الايماني المعادي للمجتمع الفرعوني، وهو ايضا قريب من العائلة الابرز والاهم في مجتمع بني اسرائيل الموحد، هو اذاً ابن المجتمع الديني والمرجعية الدينية لمجتمع بني اسرائيل .

قال تعالى : (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين (76) وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين (77))

(فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم (79) وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون (80)) (القصص).

لقد كان قارون احد اهم الاسباب لاختراق المجتمع الايماني الاسرائيلي، وقد كان تملكه من قبل الشيطان هو الباب الذي خرج منه المئات بل الآف الذين يحملون صفة قارون في المجتمع اليهودي المعاصر، والذين يؤدون ذات الدور .

من لطيف الروايات التي تربط اساليب القارونيين قديما باساليبهم حديثا هي : (عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما أتى موسى قومه أمرهم بالزكاة، فجمعهم قارون فقال لهم : جاءكم بالصلاة وجاءكم بأشياء فاحتملتموها، فتحملوا أن تعطوه أموالكم . فقالوا : لا نحتمل أن نعطيه أموالنا فما ترى ؟ فقال لهم : أرى أن أرسل إلى بغي بني إسرائيل فنرسلها إليه، فترميه بأنه أرادها على نفسها، فدعا الله موسى عليهم فأمر الله الأرض أن تطيعه، فقال موسى للأرض : خذيهم . فأخذتهم إلى أعقابهم، ...) (المستدرك على الصحيحين) .

وكانت الفترة بين نزول يعقوب مصر وظهور موسى عدة قرون، تغير خلال ذلك المجتمع الاسرائيلي بصورة كبيرة وانحرف، الا انهم لازال فيهم الكثير من المؤمنين، ولازالوا المجتمع الايماني الاكبر في العالم، فكان من الضروري ان يستنقذهم الله من براثن فرعون وهامان وجنودهما ويريهم ويري بني اسرائيل من آياته،فبعث فيهم موسى عليه السلام،الا ان مهمة موسى كانت صعبة ومضاعفة، لانه سيواجه فرعون ومن خلفه الشياطين، وكذلك عليه ان يبين لبني اسرائيل حقيقة ما يجري، لأنّ العقائد المصرية الفرعونية اقترنت بالسحر وكانت معقدة جدا، لذلك انبهر لها طائفة كبيرة من بني اسرائيل في ظلّ غياب الجو الاجتماعي المناسب .

كتب الباحث محمد حسن المبارك ما نصه : (لا شك أن بني اسرائيل خلال وجودهم في مصر تأثَّروا كثيرا بالثقافة الوثنية التي كانت سائدةً هنالك، إلاَّ أنهم وبعد خروجهم من مصر استرفدوا الكثير من المعطيات الوثنية لدى المصريين القدماء، محاولين بذلك إدخاله على دينهم اليهودي الذي اختلطت به وثنيات وأساطير كثيرة، فقد عرفوا تقاليد كابالا المصرية القديمة ونقلوها من جيل إلى جيل كتعاليم شفوية .

فالحضارة الفرعونية المصرية تعد من أقدم الحضارات الإنسانية، وكان الفراعنة على رأس السلطة،حيث يحكمونها بمطلق القسوة والدكتاتورية، ثم يأتي فريقان مهمان كانا يحيطان بفرعون، وهذان الفريقان هما "الملأ" المذكور في القرآن الكريم . وهما:

ـ الجيش والذي يمثل القوة المادية لفرعون.

ـ السحرة أو الكهان، والذين كانوا يمثلون الفكر والفلسفة التي يعتمد عليها فرعون، مع اشتغالهم بالسحر أيضاً وتأديتهم لطقوس سحرية معينة من السحر الأسود، بالإضافة إلى اشتغالهم ببعض العلوم الطبيعية كعلم الفلك والرياضيات والهندسة .

و قد تكونت خلال هذه الحضارة الطوطمائية قاعدة هائلة من الثقافة السحرية السوداء، وقد انتقلت تلك الثقافة تدريجياً الى بني اسرائيل من خلال إقامتهم عدة قرون في مصر، وتشكَّلت في تعاليم كهنوتية وفلسفية وسحرية عُرفت في التاريخ اليهودي فيما بعد بثقافة الكابالا، والتي قاموا من خلالها بنقل التراث الوثني لمصر القديمة إلى الأجيال الأخرى ...) .

لقد كانت بعثة موسى ضرورة تحتمها الحاجة الواقعية المركبّة، حيث الطغيان الفرعوني وشريعته المعقدة السحرية، وكذلك الانبهار الذي عاشه المجتمع الاسرائيلي امام هذه القدرات المادية الخارقة لهذه الشريعة . فالمجتمع الاسرائيلي عانى ضغطاً نفسياً وفاقة للمادة، بسبب الاستعباد والاستغلال الفرعوني، لذلك صار معيئاً في جزء واسع منه للدخول في عالم المادية الظلموتية .

بعث الله تعالى موسى كسفينة يركبها من يريد النجاة من بني اسرائيل، وكذلك كدليل يري فرعون وجنوده وملأه وشعبه انّ القدرات الخارقة لشريعة الفراعنة ليست حكراً عليهم، ولا تعني انّ المنتج لها اله، لكنها تلاعب بفيزياء الطبيعة، التي أوجدها الخالق الأكبر، وهو الله جلّ شأنه .

من هنا كان لموسى مهمة كبيرة، تدعمها المعجزات الكبرى، الموافقة لما عليه ذلك المجتمع من اعتقادات وممارسات، لكنها في الطرف الاخر الصالح . وقبل خروج موسى بشعب بني اسرائيل ومن معهم اظهر امام الملأ الحقيقة كاملة .

[ وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الجزء: ١ | البقرة (٢)| الآية: ٥٣]، [ثُمَّ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِىٓ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًۭا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًۭى وَرَحْمَةًۭ لَّعَلَّهُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ [الجزء: ٨ | الأنعام (٦)| الآية: ١٥٤]، [كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ [الجزء: ٣ | آل عمران (٣)| الآية: ١١] .

وفي سورة يونس : (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ بِـَٔايَٰتِنَا فَٱسْتَكْبَرُوا۟ وَكَانُوا۟ قَوْمًۭا مُّجْرِمِينَ * فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوٓا۟ إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌۭ مُّبِينٌۭ * قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَٰذَا وَلَا يُفْلِحُ ٱلسَّٰحِرُونَ * قَالُوٓا۟ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِى بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٍۢ * فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلْقُوا۟ مَآ أَنتُم مُّلْقُونَ * فَلَمَّآ أَلْقَوْا۟ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ ٱلسِّحْرُ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُۥٓ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ * فَمَآ ءَامَنَ لِمُوسَىٰٓ إِلَّا ذُرِّيَّةٌۭ مِّن قَوْمِهِۦ عَلَىٰ خَوْفٍۢ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ * وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوٓا۟ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) .

وفي سورة الاعراف : (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ فَظَلَمُوا۟ بِهَا ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ * وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰفِرْعَوْنُ إِنِّى رَسُولٌۭ مِّن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَىٰٓ أَن لَّآ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ * قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِـَٔايَةٍۢ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ * فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌۭ مُّبِينٌۭ * وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّٰظِرِينَ * قَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٌۭ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ ۖ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوٓا۟ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِى ٱلْمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٍۢ * وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوٓا۟ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَٰلِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا۟ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا۟ ۖ فَلَمَّآ أَلْقَوْا۟ سَحَرُوٓا۟ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍۢ * وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا۟ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُوا۟ صَٰغِرِينَ * وَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سَٰجِدِينَ * قَالُوٓا۟ ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌۭ مَّكَرْتُمُوهُ فِى ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا۟ مِنْهَآ أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَٰفٍۢ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوٓا۟ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنْ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا ۚ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًۭا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ * وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُۥ لِيُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِۦ نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ * قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا۟ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۖ إِنَّ ٱلْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۖ وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوٓا۟ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِنۢ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ * وَلَقَدْ أَخَذْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍۢ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُوا۟ لَنَا هَٰذِهِۦ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌۭ يَطَّيَّرُوا۟ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ ۗ أَلَآ إِنَّمَا طَٰٓئِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَقَالُوا۟ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِۦ مِنْ ءَايَةٍۢ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٍۢ مُّفَصَّلَٰتٍۢ فَٱسْتَكْبَرُوا۟ وَكَانُوا۟ قَوْمًۭا مُّجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُوا۟ يَٰمُوسَى ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰٓ أَجَلٍ هُم بَٰلِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَٰهُمْ فِى ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُوا۟ عَنْهَا غَٰفِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُوا۟ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلْأَرْضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَٰرَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُوا۟ ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُۥ وَمَا كَانُوا۟ يَعْرِشُونَ) .

وهذه الآيات من سورة الاعراف القرانية كاشفة عن عدة نقاط :

١ - جهل فرعون بحقيقة اله موسى، واختلاط اللاهوت في ذهنه، نتيجة للتلاعب التاريخي الكبير الذي اصاب عقيدة التوحيد والخلق في مصر .

٢ - إيمان المصريين بالسحر تماما، لذلك جعلوا كلّ أية خارقة يرونها فرعاً عن السحر، وبالتالي استخدموا لمواجهة موسى كبار السحرة في مجتمعهم .

٣ - انّ السحرة لم يكونوا يمارسون طقوسهم دجلا، بل كانوا يَرَوْن ما يفعلون جزءاً من شريعة صادقة تربطهم بالإله، لذلك آمنوا عند اللحظة الاولى التي اكتشفوا فيهم انهم كانوا مخدوعين، وحين عرفوا حقيقة وجود عوالم كانت تؤثر فيهم، وانّ الله الخالق اكبر من ذلك كله .

٤ - انّ المادية وحبّ الملك والدنيا طغت في نفس فرعون، ما جعله في هستيريا منعته من اتبّاع رأي المختصين - السحرة -، وصار يتوعد بالقتل والابادة .

٥ - انّ المنتفعين من ملأ فرعون واصحاب رأس المال والنفوذ كانوا يريدون إبادة كل الذي يتعلق بموسى قبل انهيار منظومتهم النفعية .

٦ - كان على المجتمع المؤمن ان يمرّ بابتلاءات وامتحانات متعددة، تستلزم الصبر والاستعانة بالله الخالق .

٧ - وهي نقطة مفصلية، حيث كشفت الآيات انهيار النفس الإسرائيلية في بعض جوانبها، نتيجة الضغط والمادية، وبالتالي تذمّرها، وبداية الانشقاق داخل المجتمع الإيماني التوحيدي . لذلك جائت الآيات اللاحقة من سورة الاعراف لتعرّفنا مدى المادية والتشوه الفكري والعقائدي الذي اصاب هذا المجتمع : (وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْا۟ عَلَىٰ قَوْمٍۢ يَعْكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصْنَامٍۢ لَّهُمْ ۚ قَالُوا۟ يَٰمُوسَى ٱجْعَل لَّنَآ إِلَٰهًۭا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌۭ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌۭ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ مُتَبَّرٌۭ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَٰطِلٌۭ مَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًۭا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ * وَإِذْ أَنجَيْنَٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوٓءَ ٱلْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ۚ وَفِى ذَٰلِكُم بَلَآءٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌۭ * وَوَٰعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيْلَةًۭ وَأَتْمَمْنَٰهَا بِعَشْرٍۢ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرْبَعِينَ لَيْلَةًۭ ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِى وَلَٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّۭا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًۭا ۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ * قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّى ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِى وَبِكَلَٰمِى فَخُذْ مَآ ءَاتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ * وَكَتَبْنَا لَهُۥ فِى ٱلْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ مَّوْعِظَةًۭ وَتَفْصِيلًۭا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍۢ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا۟ بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُو۟رِيكُمْ دَارَ ٱلْفَٰسِقِينَ * سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَٰتِىَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْا۟ كُلَّ ءَايَةٍۢ لَّا يُؤْمِنُوا۟ بِهَا وَإِن يَرَوْا۟ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًۭا وَإِن يَرَوْا۟ سَبِيلَ ٱلْغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًۭا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُوا۟ عَنْهَا غَٰفِلِينَ * وَٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا وَلِقَآءِ ٱلْءَاخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ * وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعْدِهِۦ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًۭا جَسَدًۭا لَّهُۥ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا۟ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُوا۟ ظَٰلِمِينَ * وَلَمَّا سُقِطَ فِىٓ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا۟ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا۟ قَالُوا۟ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ * وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوْمِهِۦ غَضْبَٰنَ أَسِفًۭا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِنۢ بَعْدِىٓ ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى ٱلْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا۟ يَقْتُلُونَنِى فَلَا تُشْمِتْ بِىَ ٱلْأَعْدَآءَ وَلَا تَجْعَلْنِى مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ * قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِى وَلِأَخِى وَأَدْخِلْنَا فِى رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌۭ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌۭ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُفْتَرِينَ) .

ولسنا بحاجة الان لمعرفة حقيقة عقيدة (العجل) ومن أين جاء بها بنو اسرائيل، بعد ان عرفنا عمق هذه العقيدة في الديانة الفرعونية القديمة . ومن هنا وَمِمَّا سبق نعرف مدى تأثير الحضارتين السامية والفرعونية إحديهما في الاخرى، وبالاتجاه المعاكس .

لكن مع ذلك فالمجتمع الاسرائيلي تضعضع وانشقّ، لكنّه لم ينحرف بالكامل، بل ربما بقيت الأغلبية على ايمانها في الجملة . الا انّ الملاحظة المهمة هو انّ الانحراف دبَّ في الكهنوت الرجالي الاسرائيلي، حيث كان صاحب بدعة (العجل) احد مساعدي موسى ذاته، وهو (السامريّ)، (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنۢ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِىُّ * فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوْمِهِۦ غَضْبَٰنَ أَسِفًۭا ۚ قَالَ يَٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ۚ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِى * قَالُوا۟ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَارًۭا مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِىُّ) كما في سورة طه . لكنّ موسى مع ذلك لم يكن شديداً في مخاطبة السامريّ، ربما لانه من اصحاب التاريخ الكبير في حركة بني اسرائيل (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَٰسَٰمِرِىُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا۟ بِهِۦ فَقَبَضْتُ قَبْضَةًۭ مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى * قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى ٱلْحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًۭا لَّن تُخْلَفَهُۥ ۖ وَٱنظُرْ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًۭا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِى ٱلْيَمِّ نَسْفًا * إِنَّمَآ إِلَٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًۭا) كما في نفس السورة السابقة .

 

علي الإبراهيمي

 

في المثقف اليوم