دراسات وبحوث

حبطيش وعلي: إشكالية الهوية والإختلاف عند داريوش شايغان

وعلي حبطيشداريوش شايغان Daryush Shayegan مفكر إيراني معاصر بارز ومنظر اجتماعي مختص في الفلسفة المقارنة. اشتهر بكتاباته عن الحضارات الشرقية وعلاقتها بالحضارة الحديثة. ولد 2 يوم فيفري 1935. في تبريز شمال غرب إيران في وسط ثقافي متنوع دينيًّا وإثنيًّا ولغويًّا.كانت والدته جورجية تنحدر من عائلةالأمراء وسلاطين جورجين فرّت هربا من الثورة الروسية عام 1917. ورغم ذلك فقد أصابهم شيء من تلك النكبة التي أدت إلى إعدام العديد من أفراد عائلته وشرد البعض الآخر في تركيا. هذه الحادثة الأليمة كان لها وقع شديد على في نفسيته الوجدانية طوال حياته ولقد عبر عنها في كتابته حيث كان يعبر عن هذه المأساة العائلية بقوله:" امرأة في منفى باطني " ولكن في نفس الوقت نتلمس فيه تلك المفخرة العائلية التي يعود بها إلى السلالة الملكية التي حكمة منطقة جورجيا أين يقول عن أمه:" سيدة جورجية بنت ملك".، أما أبوه فكان من آذربيجان ويعمل تاجرا تركيا إيرانيا شعيا ينحدر من الأقلية الآذرية في إيران، كان يعيش في البيت العائلي لهذا المفكر عمته وخالته وزوجها لهذا وجد نفسه في طفولته بين " أمين " و"أبوين". أما العنصر الذي ساهم في إثراء شخصيته هوتنوع الفضاء اللغوي المتداول، فأُسرته كانت تستخدم اللغة الروسية، والفارسية، والقوقازية والجورجية، فالوالدة والخالة يتكلمان الجورجية والروسية وأبوه يتكلم التركية والفارسية،كما كانت تعتنق أشكالًا مختلفة من الاعتقادات: الإسلام والمسيحية والزرادشتية[1]. حتى المحيط الخارجي كان مدرسه للموسيقى أرمنياً وطبيب العائلة زارادشتي والسائق مسيحي آشوري.[2] وهكذا فان كل مكونات الفسيفساء الإيرانية الاثنية والدينية والقومية، كانت الجزء الحيوي من حياته اليومية وقد طبع هذا التنوع اللغوي والديني والإثني شخصية "شايغان واهتماماته بطابع لا يمحى. وهو ما جعل شخصيته متعددة كما لو كانت مسكونة بأربعين هوية، هكذا كما لو أن جماعة من الناس قرروا أن يقيموا داخل شخصيته.وهذا ما يجعل من "شايغان" واحدًا من أكثر المثقفين المعاصرين تأهيلًا للاضطلاع بهاتين المهمتين الكبيرتين: وصل الحضارات التقليدية فيما بينها من جهة، ووصلها بالحداثة من جهة أخرى.

مرحلة التكوين العلمي:

التحق بمدرسة "سان لوين" saint louis" " للآباء الفرنسين بطهران هي مدرسة مفتوحة لأولاد الجماعات الإثنية والعرقية من الآرمن والآشورين واليهود. تعلم هنالك الموسيقى من طرف معلمته الولونية. تعلم في هذه المرحلة الفرنسية وكان يطالع كتب بالفارسية في نفس الوقت.

1949 سافر إلى بريطانيا وهو ابن الخامسة عشر من عمره واصل دراسته في " كولدج بادينكاهم" في لندن وبعد 4 سنوات تحصل على الشهادة الثانوية.

1954 غادر إلى جنيف برغبة من أهله لدراسة الطب لكن لم يواصل بل كان يميل إلى الآداب والفنون فالتحق بكلية العلوم السياسية فهي الحل الوسط حسب رأيه. في هذه الفترة تعرف على مجموعة من الشخصيات الهامة في ميدان الفلسفة وعلم النفس:

"جون بياجيه"""Jean Piagetمؤسس نظرية التطور المعرفي "la théorie du développement cognitive ".

"كارل غوستاف يونغ""Carl Gustav Jung"، ومحاضرات هذا الأخير كانت سبب في تعرف " داريوش شايغان" على العديد من المفاهيم:" اللاشعور الجمعي " "" inconscience collectif و" اللغة " " langage " " و"النماذج المثالية الأزلية" " les modales idéaux éternels" [3]

جان هربر أين حضر دروسه في الأساطير الهندية "les mythes indes ".

رنيه غيون سبب تعرف " شيغان" على "الحكمة الخالدة" أو " الفلسفة الخالدة" "la sagesse éternelle" " la philosophie éternelle".

تخرج من جامعة جنيف بعد عامين ثم تزوج " فريده زنديه " وهي زميلته كانت تدرس علم الجمال، وبعد ستة سنوات عاد إلى طهران أين درس " اللغة السنسكريتية"، كانت أداة استكشافية لأعماق الفلسفات الشرقية القديمة والديانة الهندية.[4]

الالتقاء بالمستشرق الفرنسي " هنري كوربان " سنة 1961. وذلك عن طريق صديقه " حسين نصر " في منزل " ذو المجد السيد الطباطبائي ". كانت هذه الحلقة الفكرية تسمى " أصحاب التأويل ". وكان " "هنري كوربان" يستعمل الفرنسية و"الطباطبائي" يستعمل الفارسية، أما مهمة الترجمة كان يتولها " حسين نصر " وفي الأحيان " شايغان". والموضوعات المناقشة هنالك هي: العرفان والتجارب الصوفية والفلسفية.

غادر طهران سنة 1965 إلى فرنسا والتحق بجامعة السوربون أين تحصل على الماجيستير والدكتوراه بعنوان:" العلاقة بين الديانة الهندوسية والتصوف بإشراف " هنري كوربان ".

ثم عاد إلى طهران وعمل كأستاذ في جامعة العلوم الإنسانية كان يدرس:

الدراسات الهندية والفلسفات المقارنة

اللغات العامة واللغات القديمة

اللغات والآداب السنسكرتية والعقائد الهندية

الفلسفات القديمة، الأوبانيشاد، البوذية، اليوغا والحكمة العرفانية. إلى غاية 1985 أين هاجر بعد نجاح الثورة الإسلامية إلى فرنسا. حيث كان مدير الشعبة البارسية في مؤسسة الدراسات الإسماعلية. [5]

توفي المفكر الإيراني" داريوش شايغان" في طهران بتاريخ 23 مارس 2018، عن عمر ناهز 83 عاما.

المرجعيات الفكرية لفلسفة داريوش شايغان:

هنالك العديد من العوامل التي ساعدت في تكوين الشخصية الفكرية والفلسفية "لداريوش شايغان" وسنحاول أن نذكرها على شكل نقاط.

المحيط العائلي الذي ترعرع فيه حيث كان فضاء هوياتي وثقافي ولغوي متنوع صقل شخصيته الفكرية منذ الصغر وساعده في اكتساب ملكة لغوية متنوعة مثل الفارسية، الروسية، الجورجية، التركية والفارسة وقابلية التعايش الثقافي والهوياتي حيث كانت المنطقة التي يعيش فيها منطقة إثنية وعرقية.[6]

الاحتكاك بالمدارس الغربية منذ دخوله للمدرسة الآباء الفرنسية أين بدأ يتعرف على الثقافة الفكرية الغربية مثل الموسيقى، اللغة الفرنسية واللغة الانجليزية.[7]

الانتقال إلى أوربا الغربية أين تكون في المعاهد والجامعات مثل جينف وباريس، والتقى بأهم روادها الذين أخذ عنهم العديد من الأفكار والمفاهيم أمثال " جون بياجيه " و" كارل غستوف يونغ.[8]

التكوين اللغوي المتنوع فهو يجيد اللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية، وملهم باللاتنية والسنسكريتية والعربية والتركية.[9]

النقاشات الاستشرافية مع جماعة أصحاب التأويل أمثال: " هنري كوربان" ا هذه الشخصية التي ربطته به علاقة وثيقة واستفاد منه حيث وصفه بأنه " جسر بين إيران السهروردي وغرب هيدغر" لقد شجعه على دراسة العلاقات بين الديانات والثقافات الهندية والاسلام  والاطلاع على الترجمات الفارسية للنصوص السنسكريتية الكلاسيكية وبفضله تعرف على أفكار مارتن هايدغر وكان على وفاق تمام معه حول فكرة أن " العلوم والتقنية والتكنولوجيا " ليست أدوات والتقنيات محايدة إنما هي نوع من الميتافيزيقا التي أعطت قيمة وقوة فائقة لاكتساب فحكمت بذلك على الانسان بسجن وقهر. و" سيد المجد الطباطبائي " حول الموضوعات التصوفية والعرفانية التي عبدت له الطريق للتعرف على التراث الإسلامي العرفاني والعقلي وإلى هذا التمكن من فعل الترجمة. [10]

التأثر بالثقافات الشرقية القديمة والديانة الهندوسية والآسيوية والكتابات القديمة مثل الفلسفة الفدائية والأبانيشاد والبوذية واليوغا والحكمة الشرقية.

التصوف الإسلامي مثل الشيخ الأكبر ابن عربي والسهروردي والعرفان الشيعي. وتأثر بآخر حكماء الموروث الايراني وهم:

محمد حسين الطباطبائي

جلال الدين آشتياني

أبو الحسين رفيعي قزويني

مهدي إلهي قمشهاي.[11]

الانتاج العلمي:

لقد خلف "داريوش شايغان" العديد من الأعمال الفكرية والمقالات بلغات متعددة وهذا يظهر في ما يلي:

"الأديان والمدارس الفلسفية الهندية": هو في مجلدين صدر سنة 1967. وهو يتناول المنظومة الدينية القديمة في الحضارة الهندية والسبب الجوهري في اعتكافه على هذا النوع من الموضوعات هو تمكنه من اللغة السنسكريتية. [12]

ترجمة كتاب "الأبانيشاد"[13]من السنسكريتية إلى الفارسية [14]

الأصنام الذهبية والذاكرة الأزلية سنة 1976وظف في هذا الكتاب نظرية بيكون وهي " أصنام الذهن" ولكم بطريقة معكوسة. بيكون كان يدعو إلى الثورة على الأصنام في التفكير العلمي وهو مناهض لذاكرة لكن شايغان يعتبرها بمثابة الأمانة في الفكر الشرقي التي تحمل رسالة مضمرة التي تدل على الذاكرة القومية.و لا يمكن للشرق أن يحافظ على هذه الأصالة إذا لم يتواصل مع تلك الذاكرة الأزلية ويحافظ على مفاتحها. وهنا دعوة إلى الحفاظ على مستودع الصور الأسطورية التي تشكل الحكمة الخالدة الفياضة والانقطاع منها يؤدي بنا الى الاغتراب الذي يقذف بصاحبه إلى هاوية العدمية.[15]

آسيا مقابل الغرب 1977.جمع فيه بعض دراساته حول أهم التحولات الاجتماعية والثقافية التي عرفتها المجتمعات القديمة الأسيوية وكيف ها أن تواجها الغرب ؟.[16]

العلاقة بين الهندوسية والتصوف وهي عنوان مذكرة الدكتوراه في السربون عام 1965 [17]

ما الثورة الدينية: الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة سنة 1989 [18]تناول شايغان فكرة أساسية وهي "العلمنة اللاواعية والتغرب اللاواعي"، والذي يرى فيه أن من يقول بعدم تعارض الدين مع القيم الحديثة هو في الحقيقة يقول بعلمنة الدين، موضحاً أنه "عندما نقول إن الدين لا يتعارض مع العلم أو مع الديمقراطية فهذا معناه أن الدين أصبح يستمد مشروعيته من هذا الانسجام مع الحضارة الكونية وليس من الإيمان بصدقه بالغيب، كما ظلّ على الدوام في تاريخ هذه المجتمعات قبل الصدمة مع الحضارة الحديثة".

النفس المبتورة هاجس الغرب في مجتمعاتنا:

الهوية بأربعين وجه:

أوهام الهوية:

الهوية والوجود: العقلانية التنويرية والموروث الديني: يتناول في هذا الكتاب كيف نفكّر اليوم في عالمنا بين العقلانية التنويرية والموروثات الدينية والمتطلّب الديموقراطي؟ ما الاهتمامات الوجودية التي تسكن الوعي في الشرق والغرب؟ يسعى "داريوششايغان"في هذا الكتاب إلى تحليل أثر الغرب وقيمه الكونية في شرقٍ فقد بوصلته، في محاولة لتحديد الوجه الجديد لفكر لا يقوم على صراع الحضارات، بل على الاحتفاء بالهويّات المتعدّدةيرسم هذا الكتاب المسيرة الفكرية الاستثنائية لقطب من أقطاب الفكر الذين درسوا العلاقة بين الشرق والغرب، وقد صاغ منذ أكثر من ثلاثين سنة مفهوم "أدلجة الدين" الذي يرى أن الممارسة الفكرية لا تقتصر على الفلسفة والتاريخ والتصوف، وإنما تشمل جميع أنواع الإبداع، ولاسيما الأدب.

la lumière vient de l’occident

ciels du monde

La Conscience métisseيحاول" شايغان" في هذا الكتاب أن يقدم أجوبة عن كيفية تفكير الإنسان المعاصر في ظل عقلانية عصر الأنوار والتقاليد الدينية والحتمية الديمقراطية ؟ وماهي دول الوجودÉtats d'êtresعندما نكون شرقيا أو عندما نكون غربيا ؟

l’Asie face à l’occident [19] تناول في هذا الكتاب فكرة وجود تعارض وتناقض كبير بين الحضارة العالمية الحديثة وبين الحضارات القديمة التي وصفها بأنها "لم تشارك التاريخ أعياده"، قاصداً بذلك أنها لم تدخل المنعطفات الكبرى التي غيّرت الحضارات الحديثة؛ السيكولوجية والكوزمولوجية والبيولوجية

الموضوعات الأساسية في فلسفة "داريوش شايغان":

لقد تحدث " داريوش شايغان " على العديد من الموضوعات التي مست التراث والحداثة، آسيا   والغرب، الماضي والحاضر، التخلف والتنمية، الهوية والثقافة، الدين والمعنوية، دين العرفان  ودين الشريعة، الأيديولوجيا والتراث، الحوزة العلمية ورجال الدين، العقل والأسطورة، الانحطاط الثقافي، غروب الآلهة وموت الآساطير، العلمانية والغرب، انهيار النزعة المعنوية، العدمية    الشيزوفرينيا الثقافية... إلى أخره[20]. هذه ماهي إلا عينة عن الموضوعات التي تكلم عنها هذا المفكر وسنحاول أن نتعرض إلى بعضا في هذا العنصر.

نظرية الهوية الأزلية والأصنام الذهبية " الحداثة والتراث ":

في هذه النظرية يحاول أن يبرز لنا أهمية العودة إلى الذاكرة القديمة ومستودع الأصالة في سياق حديثه عن الحضارات الشرقية القديمة بحكم انتمائه القومي والجغرافي لها. ولقد برر ذلك أن الإنسان الذي لا يمتلك خلفية ثقافية قديمة فهو إنسان معرض لدخول في ما يسميه بمتاهة العدمية.[21]وهو انطلق من فكرة الفيلسوف التجريبي بيكون الذي قال بضرورة هدم أصنام الذهن لكن شايغان رفض هذه الفكرة بل ذهب إلى أن أطلق عليها اسم "الأمانة " في الفكر الشرقي القديم وهذه الأخيرة تحتوي على رسالة مضمرة هي الهوية القومية. وكان لزما على الإنسان الشرق أن يحتفظ بهذه الأمانة عن طريق صون مفاتح هذه الأمانة ويتواصل مع ذاكرته الأزلية. ودعوة بيكون اجتثاثها يعني اجتثاث جزء من الهوية الإنسانية.أي تدمير مستودع الأساطير التي تشكل مستودع الحكمة الخالدة الفياضة الانقطاع عنها يعني الانقطاع عن الجذور والاغتراب الذي يقذف صاحبه إلى العدمية. [22]

إشكالية آسيا والغرب:

هذه النظرية يمكن أن نجدها في كتابه " آسيا مقابل الغرب" أين يتكلم فيها عن المسار التنازلي التراجعي للحضارة الغربية حتى وصلت إلى مستوى منحط ومتدني يسميه " بالعدمية ". وهذا الهبوط يكون من الأعلى إلى الأسفل أي بعارة أخرى من الرؤية الكونية الشهودية الروحية إلى الرؤية الكونية التقنية. أي من الآخرة والمعاد إلى تمجيد التاريخ. هل يعني هذا التقدم أم الانحطاط ؟ [23]. الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة بالتاريخ ومصر البشرية وحاول في نفس السياق دراسة المكونات والخصائص التي يتمتع كل من الحضارات الشرقية القديمة التي تعتمد على المكاشفة والإيمان والحضارة الغربي التي تعتمد على العقلانية.فهو يرى من جهة أخرى أن العلوم في الحضارات الآسيوية والإسلام مرتبطة بالدين والفلسفة ولكن في سياق الفكر الغربي فهو العكس تماما إنه حالة من التمرد وربط كلي بالإنسان والاقرار بأنه المالك الوحيد للعالم.[24]

إشكالية العديمة الغربية:

و لقد استفاد من فكرة هايدغر حيث يقول بنفس موقف بأن العدمية هي الثمرة الطبيعية للتكنولوجيا الحديثة، وهي لم تظهر صدفة بل هي متغلغلة في مضمون الحضارة الغربية، النواة الجنينية لفكرة العدمية كانت مع ميلاد الفكر الغربي وأما الانعكاس العدمي للفكر التقني هو نبذ وإقصاء كل المعتقدات الشرقية [25]. يرى من جهة أخرى يرى أن العودة الموضوعية والمتفائلة للحضارات الشرقية تكون عن طريق الاحتراس من أربعة مسارات هابطة وهي:

تقنية الفكر

علمنة العالم

تطبيع الانسان

نبذ الأساطير [26]

الثقافة والحضارة:

يربط شايغان بين المفهومين وينطلق من فكرة أن الحضارات الآسياوية إذا أرادت تحقيق مفهوم العودة والحضور من جديد لابد لها من الاحتراس من التبعية الثقافة الغربية [27]، وهنا نفهم أن الأصالة عنده هي عبارة عن دعوة إلى المحافظة على المكونات الثقافية الأصلية فهي التي تحقق مفهوم الحضارة. وفي سياق آخر يبدي تأسفه من الانبهار الأعمى لفئة من المثقفين الآسيويون بالمنتوج الحضاري الغربي الذين يتصورون أنفسهم أكثر ثقافتا وانفتحا من بقية المثقفين من بني جلدتهم وأيضا دفاعهم القوي على ما يسمونه بالثقافة العالمية الغربية[28]، وهذا ما جعله ينتقدهم بالقول أنهم قطعوا العلاقات مع الثقافات  والأديان المحلية وهم يعيشون نوعان من الذوبان الفكري الكلي في الثقافة الغربية العالمية كما يتصورونها.[29]

خصائص فلسفة داريوش شايغان:

يتميز فكر "داريوش شيغان" بما يلي:

النزعة الإسلامية بحكم أنه ينتمي إلى مجوعة المفكرين الذين ينظرون للأفكار والموضوعات التي تتخبط فيها الاجتماعات الاسلامية.

النزعة الصوفية العرفانية التي أخذها من القراءات المختلفة لأقطاب الفكر الصوفي أمثال الشيخ والسهروردي.

النزعة الشيعية وهذا راجع إلى اطلاعه على الفكر الشيعي خاصة الطائفة الإسماعلية

النزعة العقلانية والحداثية وكانت وليدة الاحتكاك بالفلسفات الحديثة الغربية الحديثة والمعاصرة أمثال إيمانويل كانط ومارتن هايدغر وآخرون.

الاستئناس بالحضارات والأديان الشرقية التي كانت تخصص دراساته وكان دائم التوظيف لها في مقارناته وتحليلاته.

النزعة التجديدية والثورية على الأفكار التعصبية والدعوة إلى خطاب نقدي يتماشى مع روح الحداثة.

الدعوة إلى النقد وممارسته والاحتذاء بالمناهج البحثية في الفكر الغربي الذي فعاليته في تجاوز المشكلات.

الثراء في الموضوعات المتناولة التي كانت تمس العديد من الجوانب مثل، التخلف والتنمية الهوية والثقافة، الدين والمعنوية، دين العرفان ودين الشريعة، الأيديولوجيا والتراث.

الانقلاب على الخطاب الفكري التراثي الذي يدعو إلى الانغلاق والتقوقع على المكونات الداخلية للثقافة الاسلامية

المبحث الثاني: مفهوم الهوية في فلسفة داريوش شايغان

مفهوم الهوية:

تمثّل الهوية أحد إشكالات الزمان العالمي اليوم، وثمة مقاربات كثيرة للموضوع في إطار تفسير التصدعات والصراعات الجارية في العالم.ويأتي كتاب "هوية بأربعين وجهاً" للكاتب الإيراني "داريوش شايغان" صاحب الجهود العلمية والثقافية الكبيرة في تحليل السياسات والتجاذبات بين الشرق والغرب، بالتركيز على مدارك الشرق عن نفسه وعن علاقته بالغرب وحتى طبيعة السجال الراهن حول الحضارة العالمية وتأثير التقنية على الثقافة والفكر والدين وبالطبع الهوية.[30]يمكن القول أن الهوية من الموضوعات المهمة التي دخلت العالم الاسلامي وهذا وليد التحولات التي عرفها العالم وتغير موازين القوى على جميع الأصعدة. والقراءات والتأويلات التي قدمها العقل الاسلامي أولا متعددة فكل فيلسوف أو مفكر حسب مشاربه وخلفيته الفكرية ومن جهة أخرى موضوع الهوية لا يمكن التطرق إليه إلى في إطار جدلية الشرق والغرب.في ظل التأثيرات التي تحملها الحضارة الغربية في تجسداتها المختلفة لعل أكبرها التطور التقني والتكنولوجي والتأثيرات على العديد من المفاهيم وخاصة الهوية.

علاوة إلى ذلك فإن النزعات الهوياتية قد ظهرت كرد فعل لعمليات التغريب والعلمنة والحضور الثقافي والاستعماري للحداثة الأوروبية في الحاضرة الإسلامية إلا أن السياق الذي تُطرح فيه هذه الإشكالية عادةً ما يستتبع في نهاية المطاف ضرورة تجاوز "أوهام الهوية" بتعبير "داريوش شايغان".[31]العودة إذا إلى تاريخ مشكلة الهوية يبرز لنا أن هذا المفهوم لم يتحول إلى تيار ونزعة وإرادة فلسفية إلا بعد المحاولات الغربية المختلفة للسيطرة على الثقافات المختلفة وطمسها ومحوها وإدخال كل الشعوب في هوية عالمية واحدة وكانت الأدوات مختلفة مثل العلمانية والعولمة. لكن هذا لا يعني أن هذه المنتوجات الغربية لا طائل منها. ونحن لا نحاول اظهار " شايغان " أنه معارض للغرب أو أنه أصولي بل العكس. فهو يرى أن التحولات العالمية التي ظهرت مع الحضارة الغربية تستوجب منا أن نتجاوز في تصوره أوهام الهوية وهذا المصطلح يعني الأفكار السابقة والموروث الثقافي المنغلق التقليدي والأفكار الدينية المتعصبة. والاقبال بنهم على القيم وومبادئ الهويات المتنوعة والمنفتحة التي ليس لها حدود دينية ولا ثقافية والتخلي عن هذا الميكانيزم الدفاعي والتصالح مع الجرح النرجسي بتعبير طرابيشي الذي خلفته الحداثة في الشخصية المسلمة والمضي قدماً في هذه الحتمية التاريخية. [32]

قبل الخوض في مناقشة مفهوم "شايغان" للهوية، علينا أن نوضح عنوان الكتاب، وهو بالأساس عنوان لأحد الفصول، و"أربعون وجهاً" أو "قطعة" تعبير يستعيره الكاتب من المسرح أو الفلكلور الإيطالي حيث يرتدي البطل ملابس مؤلفة من أربعين قطعة مختلفة الألوان.يتناول المحور الأول "فوضى البحث عن هوية" حيث تصطف أشد صور الوعي الإنساني بداوة إلى جانب لعب أنتجتها أعقد التقنيات الحديثة من دون أي منافسة ذلك أن "كل الأشياء حاضرة في زمن واحد". [33]ونفهم أن شايغان كانت له قراءات واطلالات على الفكر الغربي ويمكن أن نفهم أيضا أنه استعان بالرمز والمجاز من أجل تبرير فكرة فلسفية هذا متعارف عند الفلاسفة منذ زمن فنجد أفلاطون في محاورة الكهف يحذو نفس الحذو. من جهة أخرى فالإنسان هو حبيس ظروفه وهذا الكلام يتوافق مع فكرة الهوية فهي متنوعة بتنوع الثقافات والمشارب الفكرية خاصة وهذا العصر الذي يعرف ويعيش فيه أفكار متنوعة.و الانسان المعاصر في رحلة تنقيب مستمرة في هذه الهويات المتنوعة المبعثرة هنا وهناك. وهكذا لا توجد حضارة متجانسة في العالم. وعلى الرغم من وجود فروق واختلافات ثقافية عديدة، إلا أننا نشهد بروز حضارة عالمية كبرى، فيها فائض للتقنية وخواء أو فقدن للمعنى، كما لو أن عالم اليوم "ما عاد أمامه من هدف سوى العودة الى الوراء" [34]. وإعادة النظر فيما كان، مع هستيريا التقدم والتقانة، والتدقيق في محطاته وثوراته وعلومه وتمركزاته، ومن إعادة الاعتبار للماضي والخرافة والثقافات الأخرى الخ..ويرى في سياق أخر أن احتفاظ الذاكرة الإنسانية بمختلف صور الوعي والتاريخ، ويصف ما يعيشه العالم الراهن بالفوضى الصاخبة في الأفكار والصور، ويجد أن هذا العالم الصاخب ذو وجهين في وقت واحد، من ناحية نعايش اندلاع حرب ثقافات وخطابات تنتظم حول محور الهوية، ويهيمن الصخب والانفعال بحيث قد تتحول إلى ضرب مما يسمّيه فوضى البحث عن هوية، ومن ناحية ثانية نشهد بروز نسخ مما يصفه بائتلاف قوس قزحي، ونعاين سلسلة من الأواصر المتقابلة تنحت شخصية الإنسان الحديث وتصوغها عنوة.ينتقد "شايغان"بشدة فكرة صدام الحضارات الخاصة "بصموئيل هنتنغتون"، ويرى أن ثمة صعوبات في رسم ملامح وتعيين الحضارات على طريقة هنتنغتون، ذلك أن "الحداثة تركت آثارها على جميع الحضارات"،[35]. وفي اليابان مثلاً ليس ثمة معاناة بخصوص الهوية، وهم يدركون أنهم جزء من عالم الحداثة، عالم أبدعه الغرب[36]. هنا يضع شايغان يده على نقطة أساسية، يقول إن البلدان الآسيوية مثل اليابان وكوريا وغيرها "يحسبون أنفسهم موفقين، على أن توفيقهم أشبه بنجاح التلميذ المجد الذي يقدم إجابة جيدة في امتحان بلغة أجنبية"[37]. وهكذا فإن وضع العوالم غير الغربية يقع "بين حداثة تتكرس لكنها لم تستوعب تماماً، وتراث آيل إلى الانهيار ولن يعود لصورته الأولى إلى الأبد.

مفهوم الهوية من المفاهيم الأساسية التي شغلت فكر "شايغان" وناقشها في عدة كتب منها أوهام الهوية وهوية بأربعين وجهاً، ووصف الهوية بالريزوم[38]"Rhizome"نسبة إلى نبات "الريزوم" الذي يتميز بامتداد جذوره بشكل أفقي تحت التربة، لتظهر فوقها بشكل متواصل ومستمر، بحيث يكون من الصعب التخلص منه، ويتميز بأنه لا مركزية له ولا تراتب، وهو بلا بداية أو نهاية، وأن أي جزء صغير منه يمكن أن ينمو وتجدد بشكل مستمر، وهذا التوصيف الأخير يطلقه شايغان ليوضح به مفهوم الفكر المتحرك والهوية الريزومية، هي التي تستقبل جذور اخرى بغض النظر عن نقائها، لأن الأمر المهم في هذا النقطة هو الأسلوب الذي يتم به هذا الاقتراب من الجذور الأخرى.

و في الكلام عن "الريزوم" تشبيه بليغ لمعنى الهوية فالجذمور متعدد بطبيعته، وتعدديته متحررة من كل قيود الوحدة والمركزية، فالنظام القائم على تعدد القطع يمثل ریزوما يختلف عن الجذور وتفرعاتها. فهو عامل الترابط والتوليد، وبمقدوره صناعة شبكة غير متناهية، فكل نقطة منه بإمكانها التلاحم مع أي نقطة أخرى منه، حتى لو كسر أو تمزق بوسعه استئناف حياته والنمو في جهات أخرى. ومع أنّه متكون من طبقات وبحاجة إلى مكان إلا أنّ بمقدوره الانفصال عن الأرض والسير عليها، وإيجاد شبكات ارتباط جديدة، باستطاعة الجذمور أن يربط بين أنظمة جد متفاوتة بل وغير متجانسة، فهو لا يتشكل من وحدات مختلفة، بل من تجمع جهات متباينة، أي إنه بلا بداية ولا نهاية، وهو في الطريق دوما، فماهيته تتغير بلا توقف، فهو إذ يعيش استحالة أبدية، ويختلف عن الشجرة في أنه ليس من نتاج التلاقح، إنما هو عدو الأنساب، ذاكرته قصيرة، بل يمكن القول إنه ضد الذاكرة أيضا. وفق تسميات وتعابير يستعيرها من جان بودريار وبول فيريليو."[39]

ويستند شايغان في تحليله للهوية الريزومية على اطروحات جيل دولوز(1925- 1995) ولقد أخذ مه هذا المصطلح [40]، وفيليكسغاتاري(1930- 1992). ونقد شايغان مفهوم الهوية النقية الأبدية الساكنة، وأحادية البعد المغلق، فعمل على تفكيكه ونقضه وتقويضه ثم صاغ مفهوماً آخر للهوية، مشتقاً من عصرنا وما تسوده من انطولوجيا مهمشة وتزامن للثقافات المتنوعة وكيف أمسى العالم في هذا العصر شبحاً، اصطلح عليه الهوية بأربعين وجهاً، وهي هوية مركبة ومنسوجة من شبكة من الترابطات الدقيقة، وكأنها ثوب يخاط بأربعين قطعة من قماش ذي ألف لون، ذلك أن التعددية الثقافية واختلاط القوميات وتمازج الأفكار والتهجن المضطرد، كلها ظواهر تجعلنا مستعدين لهوية مركبة، وأن الهوية النقية لم يعد لها وجود موضوعي بسبب انهيار العوالم المؤسسة لها، ثم أنها تكبلت بقيود ثقافية نقية وخالصة كما تسمى، فستؤول غالباً إلى تحجر الهوية وكل هوية على كل حال تركيبية وكيان هجين، يحمل ترسبات كل الأشكال والطبقات النفسية، وكلما كانت هويتنا الأولى عرضة للتمزق، كلما لذنا بقوقعتنا أكثر، ويعتقد شايغان أن الإنسان المعاصر ما عاد قادر على حفظ كينونته داخل حدود هوية معينة، فكلما شددنا على هويتنا، وكلما رفعنا اصواتنا بالانتماء لهذه الجماعة أو تلك الأمة، أفصحنا عن هشاشة هويتنا أكثر من ذي قبل، إن معاناة الإنسان اليوم من أزمة هوية مردها إلى أن الهوية لم تعد مجموعة رتيبة من القيم الثابتة المطلقة، فالهوية الفرنسية مثلاً تجاوزت اليوم حدود فرنسا، وتمددت على كل المساحة الاوربية ومن يدري ربما اتسعت غداً في كل كوكب الأرضي، والهوية النقية الرتيبة، ومثالها الهوية المنبثقة من شعب أو دين منغلق، لا تتكرس إلا بإلغاء الآخرين، وطبعاً لا يعني هذا الكلام أن شخصيتنا ذائبة في مركب لا شكل له ولا عنوان، إنما معناه أن اختزال شخصيتنا إلى فردية خاوية، لم يعد يلبي حاجة واقعنا الفردي المعاصر الذي غدا مركباً ومعقداً بخلاف بعض الطروحات الساذجة التي تؤكد بساطته ونقاءه، فكلما هيمنة الايديولوجيات بعثت الروح في الاصوات الماضية، وانتشالها من اعماق التاريخ، كذلك تنقل كل مستويات الوعي المتواجدة في دواخلنا بالقوة إلى مرحلة الفعل وتعبر عن وجودها إلى جانب بعضها، وتنبئ عن هويات كنا ذاهلين حتى عن وجودها.

يعتقد شايغان أن الهوية ما هي إلا مجرد وهم ويمكن القول إن جميع القيم التي تراكمت عبر الآلف السنين وكل الجهود التي بذلت في سبيل تثقيف الروح، قد غدت فجأة مجرد أوهام، وأن الحقيقة ليست سوى أرادة القوى هذه المرتسمة على وجه الإنسان التكنولوجي. أن الهوية في عالم اليوم مفتوحة على كل ضروب التلاقح والاختلاط والانشقاق والتشظي والاندماج والتخليق والتعبير وبروز مضامين جديدة بما يظهر وهمية العالم.[41]أشار شايغان كذلك إلى أن معاناة الإنسان اليوم من أزمة هوية مردّها أن الهوية لم تعد مجموعة رتيبة من القيم الثابتة المطلقة، ووجد أن الهوية النقية الرتيبة، ومثالها الهوية المنبعثة من شعب أو دين منغلق، لا تتكرس إلا بإلغاء الآخرين. تراه يقول إن الهويات متداخلة ومتعايشة ومتكاملة، وإننا نضمر في دواخلنا كل ملاحم الأجيال، وهي ملاحم وأساطير متواجدة في أعماقنا بكافة طقوسها وصورها وأحلامها الجماعية. كما يقول إننا في العصر الحديث نقطن مفترق طرق التأويل، ونمد أذرعنا بكل اتجاه، وإننا خارطة تمتد من ماضينا المعرفي إلى مستقبلنا المزدحم بالمتغيرات.

أوهام الهوية:

مصطلح أوهام الهوية من بين المصطلحات الأساسية التي نجدها في قاموس "درايوش شايغان" التي وظفها في تناوله لمشكلة الهوية. ومن جهة أخرى نجده قد ألف كتابا يحمل هذا العنوان الذي تناول فيه فكرة الهوية حيث وصفها ب"الريزومية"، نسبة إلى نبات الريزوم، الذي تمتدّ جذوره أفقياً لا عمودياً، لا مركزية له ولا طبقات فهو ينمو ويمتد في اتجاهات أفقية متجدّدة[42]،و الذي يرى فيه أن الثورة الإسلامية في ايران عام 1979 فتحت مسارا جديدا في تعيين الهوية الجديدة القائمة على الدين بديلا عن الهوية القومية الفارسية السائدة في ايران منذ قرون. هذا التوجه لم يقتصر على ايران "الجديدة"، بل شكّل المنطلق الايديولوجي للحركات الاصولية الاسلامية في معظم البلدان العربية والاسلامية التي طرحت الهوية الاسلامية في وصفها الاساس الموحد والجامع لمجمل الامم التي تدين بالإسلام. اتخذت الهوية الاسلامية حجما اوسع مع التفسخ الذي شهدته ولا تزال المجتمعات العربية وانهيار المشروع القومي ولحمته العروبية، وصعود العصبيات العشائرية والطائفية لتحتل موقع الدولة. وهذا ما اعطى مفهوم الهوية الدينية زخما لكونه اتى يملأ فراغا ناجما عن فشل المشروع القومي والعروبي. هذا الواقع طرح اشكالية الهوية، فهل يعتبر الدين عنصرا موحدا وجامعا، ام انه بحكم موقعه الفئوي والعصبوي والانغلاقي على سائر المجموعات المخالفة، يشكل معضلة وليس حلا؟[43]

ينتقد شايغان الوهم المزدوج، لمثقفين آسيويين تحدثوا في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، عن إمكانية اقتباس التقنية الغربية، مع المحافظة التامة على الهوية الثقافية. فيقول: "ليس بوسعنا احتضان التكنولوجيا والبقاء في أمان من تبعاتها الاستنزافية، فالتكنولوجيا بحد ذاتها حصيلة تحول فکري ونتيجة نهائية لمسيرة عدة آلاف من السنين؛ التقنية بالضرورة تعبر عن غاية ومضمون التفكير الغربي وخصائصه، وهي عبارة عن اختزال الطبيعة إلى شيئية الأشياء، والعقل إلى أداة ووسيلة، والإنسان إلى الغرائز، وتفريغ الزمان من أي معنى للمعاد، وبالتالي اختزال الإنسان في بعد واحد[44]." نفهم من هذا الكلام أن شايغان يعترف بضرورة الخروج من دائرة التبعية والوقوف على الحقيقة التي مفادها أن التطور التقني والتكنولوجي هو وليد التفكير الذكي العبقري للعقل الغربي وتجسده عبر سلوكيات عملية أداتية تمخض عنها تشيء الظاهرة الإنسانية. يریشایغان أن مهمة المثقفين الآسيويين من أجل مقاومة وباء الغرب، يتمثل بصيانة هويتهم الثقافية عبر العودة إلى ذاكرتهم الأزلية، وإعادة اكتشاف الرسالة المضمرة في تلك الذاكرة، ويعني بالذاكرة الموروث الذي لا يرتبط بشخص معين، بل هو ذو طابع جماعي، يشكل الذاكرة القومية لكل مجتمع، وهذه الذاكرة تكون أنساب وجذور ذلك المجتمع، وهي التي تمكنه من التواصل مع الأحداث الأزلية والأساطيرية. لذلك تنعت بأنها "أزلية". الذاكرة الأزلية في مفهوم شايغان مستودع للكينونات، متعالية على الماضي والحاضر والمستقبل، والرسالة المشتقة منها هي التي تصوغ إنسانية الإنسان.[45] ويستهجن شايغان وصف الشرق، بأنّه ساكن متحجر، يقدس الماضي، لأنّ ذلك يعني لديه وفاء الشرق للذاكرة الأزلية. كذلك يرفض ما يسميه فرنسيس بيكون "الأصنام الذهنية"، لأنها هي "الأمانة" الأبدية في ذاكرة المجتمعات الشرقية. ويحاول تبعا لأحد العرفاء- محمد اللاهيجي- صياغة تأويل لمفهوم "الأمانة" الوارد في الآية الكريمة في قول تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولً"[46]" يتلخص في أنّ المقصود بالأمانة هنا هي الأمانة الجامعة الشاملة لجميع الأسماء والصفات الإلهية، وما الإنسان إلّا مرآة لكافة الأسماء والصفات الإلهية[47].. أما المقصود ب "السماء" في الآية فهو عالم الجبروت أو عالم الأرواح. و"الأرض" فيها تشير إلى عالم الملك والشهادة. بينما"الجبال" هي المظهر لعالم المثال، الكائن بين عالمي الجبروت والشهادة، عرض الله هذه الأمانة على العوالم الثلاثة فرفضت حملها، ذلك أنّ قابلیتها الذاتية قاصرة ولا تتسع لحملها. غير أنّ الإنسان استجاب للعرض، لأنّه "ظلوم جهول"، وظلوم هنا، بحسب ابن عربي، بمعنى الظلمات وليس الظلم، باعتبار الإنسان في نهاية قوس النزول والظهور، فإنّ أحد مراتبه مظلم عدمي، أما "جهول"، فتعني الجهل بما سوى الحق، فهو عالم بالحق جاهل بغيره، وهذه غاية المدح وإن تبدت على شكل ذم في الظاهر[48].فالهوية الذاتية، والذاكرة القومية، والحكمة الخالدة، والودائع أو الأمانات والمآثر التاريخية، كلمات تحيل إلى ما اصطلح عليه شایغان"الأصنام الذهنية والذاكرة الأزلية". والمضمون المشترك بينها هو الموروث أو الميراث أو المأثورأو التراث.

الهوية في الحضارات التقليدية:

يستند شايغان في تحليله لمشكلة الهوية على الحضارات الشرقية القديمة أين يتصور شايغان أن الاصطدام الذي وقع بين الحضارات الشرقية بفكر الحداثة والحضارة الغربية. حاولت أن تحافظ على المكونات الأصلية لثقافتها وأن تبقر على قالبها الحضاري التقليدي لكن بآت هذه المحاولة بالفشل، إذ أنها تأثرت بها في نفس الوقت الذي كانت تحاربها وتقاومها. وخير دليل وشاهد على ذلك يثبت ذلك هو تلك الحركات الدينية الإصلاحية التي تتكلم على الدين أنه عنصر صالح في كل زمان ومكان وأنه لا يتعاكس مع العلم والقيم الحداثية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، هي في الحقيقة تعلمن الدين وتفرقه من محتواه الروحي التقليدي، بمعنى أنه عندما نقول أن الدين لا يتعارض مع العلم، أو مع الديمقراطية فهذا معناه أن الدين أصبح يستمد مشروعيته من هذا الانسجام مع الحضارة الكونية وليس من الإيمان، وهذا العملية يسميها شايغان العلمنة اللاواعية والتغرب اللاواعي.[49]نفهم من هذا أن الهوية في الشرق أخذت طابع غربي وأنها تأثرت بأفكار الثقافة الغربية الوافدة برغم أنهم يحاولون أن يبنوا هوية توفيقية بين أفكار الماضي والأفكار الغربية التي جاءت بسبب التحولات العميقة التي مست كل العالم وأعطت مشعل الريادة والقيادة الثقافة للغرب.

ويرى شايغان أن الحضارات التقليدية قد انهارت بسبب الحداثة، ونتج عن هذا الانهيار حالة من التخبط لرعايا الحضارات التقليدية في تعاملها مع الأفكار الحديثة التي لم يشاركوا في انتاج اسسها النظرية. من جهة أخرى حصر تأثيرات الحداثة في العالم الإسلامي في ثلاثة نقاط هي:

التشبث بالماضي والتراث، واعتبارهما مكمن الحلول للأزمات المعاصرة.

قبول الحداثة من دون الالتفات إلى الفوارق الحضارية، أو من دون استيعابها بالشكل اللازم

رفض مواجهة تحديات الأزمة الجديدة.

وردود الأفعال تعرب عن عدم استيعاب الدرس الحداثي وفهمه " فالحداثة في معناها الواسع جدا تأخذ كما هي في الحسبان، أبدا أي موضوعيا في دلالتها الفلسفية الخاصة، بل كانت تؤخذ دائما وفقا للتحولات الأليمة التي ألحقتها بتقاليدنا وموروثاتنا، في طرق معيشتنا وتفكيرنا "[50]

ويعتقد شايغان أنه لا توجد حضارة كونية واحدة غير الحضارة الغربية وقيمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن المجتمعات التقليدية لا تستطيع مقاومة هذه الحضارة وخلق نموذج حضاري جديد وكل مقاومة أو فكر مقاوم لهذه الحضارة الغربية لا ينتج عنه إلا مزيداً من التغرب اللاواعي، وأن قيم الحضارات التقليدية قد انتهى زمنها كأرضية سياسية أو اقتصادية، ولكن بقي فقط دورها الروحي. وأن الهوية في البلدان الإسلامية على جانب كبير من التعقيد، بسبب وجود هوية جديدة على الهوية القومية الدينية في المجتمعات. هذه الهوية ولدت من رحم الحداثة، أي أنها كانت حصيلة مجموعة ن الآراء والمفاهيم، على كل حال راح العالم يتخبط من دون إرادة منه في عالم لا تمت مفاهيمه الوافدة بأي صلة حقيقة للمفاهيم المحلية المألوفة.

المبحث الثاني: مفهوم الاختلاف عند درايوش شايغان

مفهوم الاختلاف والتعددية الثقافية

مفهوم الاختلاف لا نجده مصطلح قائما بذاته بل يفهم في سياق حديثه عن فكرة التعددية الثقافة  وهذا الأخير أخذه من كتاب أزمة الهويّة الأمريكية "لدني لاكورن " أين يرى صاحبه بأن الولايات المتحدّة تتأرجح بين مفهومين هما حُلم ” قِدر الخلْطة المغْلي”، وهو المصطلح الذي أطلقه "إسرائيل زانغويل" عام 1908، ومفهوم ”طبَق السَلَطة” الذي ابتكره "هوراس كالين[51]. "التعددية الثقافية ظاهرة تنتمي لعصر ما بعد الحداثة، إنها ظاهرة تقترن بزعزعة شرعية السلطة الوطنية وعولمة الاقتصاد، ففي مثل هذا الإطار الواسع، تغدو الثقافة أداة ايديولوجية للمقاومة بوجه تنشيط الاقتصاد العالمي، بموازاة انتشار الرأسمالية، وجاءت إلى السطح عبارات ومصطلحات تعبر عن الهوية ومنها أسلوب الحياة والسياسة والثقافة والحرية في كل اتجاهات الأفكار التي تفرضها العولمة، ولم يعد هدف التعددية الثقافية توطيد الوشائج بين الثقافات الموجودة، وإنما تحرير وتعبئة قوى فاعلة قادرة على إنتاج هويات جديدة، والتعددية الثقافية هي قدرة إنسانية عامة على ابتداع قيم جديدة[52]. نفهم من هذا أن الاختلاف هو جوهر التعددية الثقافية الذي تقدم لها الحياة في ظل هذه الحتميات الإيديولوجية الغربية. فالاختلاف بخدم الثقافة العالمية بالدرجة الأولى وهي تقاوم وتحارب الانتماءات الوطنية الضيقة وتجعل الشعوب تتفاعل من التحولات والتغيرات الجديدة في العالم وهي أداة تصنع قيم وأفكار جديدة.

الاختلاف يلعب دورا آخر فهو الذي يقدم النشاط الحيوي للهوية من أجل أن تتجسد في أشكال أخرى تتماشى مع المنظومة الفكرية والثقافية التي يتأسس عليه المجتمع العالمي الحديث الاختلاف الذي يتجسد في التعددية الثقافية هو مقترن بالحرية التي تنظمها قوانين وأطر تنظيمه. وفي ظل التعددية الثقافية وانشطار الهوية يعتقد شايغان، أن الاختلاف ممكن ولكن لابد أن يلتزم بعدة شروط:

1- يجب العزوف عن التطرف الحاقد والخطابات المعادية، وهي خطابات تحترف اللعن والتفكير بسبب افتقارها لاستدلالات متماسكة.

2- يجب أن نتقبل عدم وجود ثقافات مستقلة بالمعنى الحقيقي للكلمة وإنما نحن دائماً حيال انساق لا يمكن أن تقاوم الحداثة.

3- أن الأواصر بين أنساق الوجود هذه ومستويات المعرفة تأتي على شكل حوار الإنسان مع ذاته ومع الآخر لا في صورة فعل ثوري للغاية منه قلب السلطة وينبغي أن نقتنع كذلك أن الحوار ممكن على مستوى الأفقي.[53]

يشرح لنا "شايغان" العناصر التأسيسية للبنى الاجتماعية والهوياتية في أي مكان في العالم بالقول أنها تتأسس على مبدأين هما:

الاندماج والهوية الواحدة،

التعدد والهويات المتعددة،

وتجد في العديد من البلدان محاولات محمومة للتأكيد على حدي الثنائية المذكورة بصورة متزامنة، ذلك أن مجتمعاتها موحدة ومتعددة في آنٍ واحد.وتمثّل التربية والتعليم أساساً في سياسات الهوية والاندماج أو التعدد الاجتماعي، ويسوق ملاحظات البرازيلي باولو فريري ومدرسة فرانكفورت ومفكرين مثل جاك دريدا وميشيل فوكو في هذا المجال. ويبدو أن مطالب الملوّنين في الولايات المتحدة الأميركية بالاعتراف تطرح تحديات متزايدة على معنى الهوية والاندماج الاجتماعي[54].وهنا نلمس أن الخطاب الاختلافي عند شايغان عبارة عن نظرية تقوم على عناصر ومكونات فرعية أخذها من الاحتكاك بالأنساق الفكرية الغربية وفهم طريق عمل الأنظمة الغربية في سياقتها الثقافية والإيديولوجية وفي هذا السياق نجد أنه يفرّد حيزاً كبيراً لمناقشة النزعات القومية وأوهامها القريبة غالباً من الهذيان، والمفضية أحياناً إلى الجمود وتحجر الهوية. ويرى أن الهويات الحدودية أو الهجينة[55] تمثل ظاهرة متزايدة في عالم اليوم. ويتحدث عن نقد أعمى للمركزية الغربية[56]، ودعاوى كاذبة عن مركزيات   أو أصول أفريقية للحضارة الغربية. ويصف تلك الدعاوى بأنها "مجنحة فارغة" وفجة ومتحجرة[57]، وشكل من أشكال الرجعية وتحمل "وصمة الوثنية الأولى"[58]. ونفهم أنه انتقد شايغان بشدة نقاد المركزية الأوروبية وحراس الهويات كما لو أنه يدعو إلى التمسك ب"المركزية الغربية"، ومن الواضح أنه لا يقصد ذلك بالتمام، وإنما يحاول أن يضع الأمور مواضعها، ولو أن ذلك محفوف بمخاطر كثيرة في عالم تغيرت فيه مفاهيم المكان والزمان.

يقول شايغان إن الغرب هو الداء وهو الدواء، وهو المُعوّل عليه في إبراء الجراح، إن كان بإمكانه ذلك. ويتقصى مجازياً "أربعين وجهاً" للهوية، ولكنه يدرك أن الهوية "جذمورية"، كما في استعارة بليغة له، ويمكن لها (الهوية) أن تتجلى بألف وجه ووجه، وأن تتخفى بألف طريقة طريقة، أو بتعبير أدق إن ثمة عدداً لانهائي من وجوده الهوية واحتمالاتها وتشكّلاتها وتمثّلاتها في عالم اليوم.[59]

وطالما أن شايغان يُعوّل على الغرب في التوصل إلى حل لمسألة الهوية، فإن ذلك يحيل إلى نوع من العدمية تجاه ما هو غير غربي، الذي يغيب ليحضر بوصفه احتمالاً أو فولكلوراً أو تهويمات بلا ذاكرة، وأساطير، وأدلجات فجة، وأشكال وطقوس ورموز لكن من دون القدرة على أن تقوم بأي دور فعال في عالم اليوم.[60]

الاختلاف والإيديولوجيا:

لقد تناول شايغان مفهوم الاختلاف في سياق حديثه عن مفهوم الإيديولوجيا أين أعتبرها مزيجا من الفكر الديني والفكر الفلسفي، فهي تستمد من الدين الخاصية الروحية ومن الفلسفة الخاصية العقلية والاستدلالية.  وأما الطابع العام لها فهو الدغمائية وهذا يرجع إلى أنها تنطلق من مسلمات تعتبرها حقائق مطلقة لا يمكن تكذيبها أو التشكيك فيها. فالإيديولوجيا لا ترادف معنى الفلسفة لأن هذه الأخيرة تهتم بالإنسان ووضعياته المختلفة والوجود وتمظهراته، أضف إلى ذلك فالاختلاف جوهره أين نجد الأطروحات والرؤى في المشكلة الفلسفية متعددة ومتنوعة وهذا ما يخلق فيها الحيوية والحركية والسيرورة والديمومة. عكس الأيديولوجيا فهي نسق فكري منغلق على ذاته تنعدم فيه الخاصية الجدلية والاختلافية.[61]

وفي سياق آخر يؤكد شايغان أن الأيديولوجيا عكس الدين تماما فهي ترفض المفاهيم المتعالية والخارقة. هي من المفاهيم التي خرجت من عصر الأنوار ومنه لا يمكن أن تؤثر على عالم الدين ولا على عالم الفلسفة من جهة أخرى. يؤكد أن فاعلة ونجاعة الإيديولوجيا تكون فقط عندما تكون فكرة التحجر الفكر وغياب فلسفة الاختلاف في مجتمع معين. ومهمة الأيديولوجيا تتمثل في مهمتين هما:

حاجة الإنسان للاعتقاد

وحاجة الإنسان لتفسير هذا الاعتقاد[62]

لأن الأيديولوجيا تقدم شروحات وفق منظورها فقط ونمط تفكيرها الذي يتسم بالانغلاق فهي ترفض فكرة الاختلاف وتعدد الآراء في المجتمع الذي تسود فيه وهي تعتبر التنوع الفكري تهديدا لحيتها لجودها، لهذا تسعى دائما لمحاربة الفكر المعارض المتمرد عليها.إما بالتهميش أو ضمهم إلى تيارهم أو إلغائهم تماما أو الدعاية المغرضة. ولهذا فالفكر الايديولوجي فكر لا جدلي ومضاد للتاريخ، والايديولوجية تقع عند تخوم الوعي واللاوعي، فهي تستمد مقولاتها السحرية اللاعقلانية من الوظيفة الرمزية للاشعور، وتستمد جهازها العقلي من كونها تعتمد كأداة على عقل هو شكلي النزعة، أن لا عقلانية الايديولوجية تنبع إذاً من كبتها للإسقاطات، أي من لا شعور محروم من رموزه الطبيعية، من لا شعور تترتب فيه جميع بقايا المزايا المهمشة، أن الايديولوجيا ثنائية النزعة بالمقارنة مع البنى الكبرى للفكر التقليدي التي كانت ثلاثية ومندمجة في النظام الانطولوجي للعالم وحافظة لكل تناظرات العالم الصغير والعالم الكبير.[63]

يحذر شايغان من أدلجة المأثور الديني، فتخرجه من مجاله الخاص إلى حل مشكلات العالم، وتحويله إلى ايديولوجيا فيكون عرضه لشتى الآفات، لأن الايديولوجيات جميعها معرضة للآفات والأخطار، ويحذر من ايديولوجية "دنيوية الدين"، بمعنى إهدار الطاقة الرمزية في الشعائر والطقوس والممارسات الدينية، وبالتالي إنهاك الدين وتفريغه من محتواه المعنوي، أن المفاهيم الدينية في غاية الدقة، وإذا ما خرجت عن حدودها الخاصة، فقدت قابليتها وإمكانيتها، مثال يعتبر الوضوء ممارسة تهدف إلى النظافة والصحة، قد يكون للوضوء أثر صحي ولكنه أولاً أثر ضئيل المساحة جداً لدى المسلمين، وثانياً الوضوء ممارسة دينية صرفة، إنه ليس فعلاً صحياً، وإنما هو فعل رمزي وبمجرد أن نجعله صحياً، تكون قد أسقطنا عنه طابعه الرمزي الديني.[64]لأن الدين وفهمه وتأويله سلاح ذو حدين والاختلاف في تفسيره للعوام قد تكون نعمة ونقمة في نفس الوقت. ومن هذا المنطلق كان لزام أن تكون مهمة فهم الدين تخضع لعملية موضوعية يكون فيها التحديث وروح العصر متوفران فيها من أجل أن لا نترك المجال لأصحاب العقول المتعصبة. والعنصر الذي سيضمن هذه القراءة المنفتحة للنصوص الدينية هو حضور عنصر قبول الاختلاف وزرع فكرة جدلية الأنا والآخر والتعايش المذهبي والفكري. فالاختلاف كما يقال لا يفسد للقضية ودها.

حاول شايغان من خلال تناول مفهوم الأيديولوجيا أن يهدم فكرة الدوغمائية ويحاول بناء عقل فاعل يرغب في تحقيق اليقظة والاعتدال ولبناء وعي نهضوي عبر التواصل اللامرضي مع الغرب اللاكولونيالي " من خلال تشخيص العلاقة بين الأنا والآخر. هو يحاول من جهة أخرى زرع فكرة الاختلاف والرؤية المتنوعة التي تدل على حيوية العقل وفعاليته.وهو يتكلم عن أن الأيديولوجيا التي انبهر بها الحضارات الشرقية ولدت التبعية وركود العقل الشرقي. وتلك هي من مشاكل الإنسان الشرقي الذي تمكنت منه الأيديولوجيا وطغت بحضورها الآسر على عقله، فغيبته، وجعلته أسير مقولاتها الدوغمائية ومُسلماتها الغيبية القائمة على الاعتقاد بمقدماتها على أنها حقائق قبلية من دون أن يُخامره شك في مدى صحتها تجريبياً. إنها وعي زائف بعبارة الماركسيين، لأن كل رؤاها مُقدمات ونتائج إنما هي مُسلمات لا عقلانية، لا ارتباط لها بعوالم الاستنباطوالاستقراء، إنما هي ترتبط بعوالم "التعصب" الذي لا معرفة في سوى معرفة الذات ونُكران لحضور الآخر، وكل ما فيها من أفكار تبدو أنها "واضحة ومُتميزة" بعبارة ديكارت، إنما هي من قبيل المنطق الحُلمي لا المنطق العلمي. ولذلك تجد أنها أكثر قُرباً من الأسطورة واليوتوبيا بعبارة "كارل مانهايم"، مُهمتها تدجين العقل وتعليمه إتقان فن الإصغاء والتلقي السلبي للمعرفة بطابعها العقائدي المبني على الإيمان لا التعقل الذي يسعى من خلاله الأيديولوجيون إلى التماثل والتطابق، وإلغاء الاختلاف بعبارة عبدالله إبراهيم في كتابه "المُطابقة والاختلاف" التي يسعى من خلالها المؤدلجين "إلى "مثلنة" الجماعة و"أبلسة" الخصم" كما يقول شيغان في كتابه "ما الثورة الدينية.[65]هو يربط دائما هذا النسق الأيديولوجي المنغلق بالتصورات الدينية والسحرية التي تستمد منها طاقتها وهو يمثل بالحضارات الشرقية، ويرى أن كل ما عانت وستعاني منه حضارات الشرق هو هذا الإصرار على التمسك بالروح الباطني والسحري المؤسس لبنائها الفكري، وعداؤها المُفرط لكل سُبل التحديث الذي جاءت بها الحضارة الغربية، وإن ظهر لنا بعض حضور وتأثير لهذه الحضارة فهو يُعد في المخيال الجمعي "غزو فكري" لا بد لنا من مُحاربته والخلاص منه ومن أتباعه "أذناب الاستعمار". حتى غاب العقل النقدي عن حضاراتنا الشرقية بما فيها الشرق الأقصى "الهند والصين واليابان وكوريا" التي كانت محط اهتمام شايغان، ورغم ما تشهده هذه البلدان من نهضة تقنية نجاح مُلفت إلَا أنه "نجاح يشبه نجاح التلميذ الذي يُقدم إجابة ناجحة جيدة في إمتحان بلغة أجنبية".[66]ومن هنا نفهم الأيديولوجيا هي مرادفة لمعنى الدوغمائية التي تحارب الفكر الاختلافي وتحاول إزالته لأنه يمثل خطر عليها. وهي من جهة أخرى سبب تراجع الدور الضاري للحضارات الشرقية بسبب أخذها التمسك بها.

أهمية النقد والاختلاف

يعتبر شايغان أن النقد هو الذي قدم القوة الحضورية والطاقة الوجودية للثقافة الغربية من أجل أن تحتل هذه الريادة وهو يلح عليه في العديد كتابته. وهو يربط النقد بالاختلاف من حيث أنهما لهما دور أساسي في مواجهة المنظومات الفكرية المغلقة الدوغمائية التي تجعل العقل في جمود وركود، ولقد استشهد بحالة الحضارات الشرقية من أجل إثبات ذلك. كما أن غياب الفكر النقدي يدخلنا في اختلالات غير معقولة ويمنع عنا مساءلة المنجزات التي تصاب أي مجتمع بالركود.[67]نفهم من هذا الكلام أن هنالك تداخلية بين النقد  والاختلاف وهذا يكون متجسد من خلال أن عملية النقد للأفكار والأنظمة الفكرية المنغلقة هي التي تأجج وجهات نظر متنوعة وتغربل الساحة الفكرية من الأفكار المغالطة وتطور العقل وتجعله أكثر إنتاجا وفعاليتا. والاختلاف يضمن الجدلية التي يتأسس عليها النقد ويجد فيها حيويته وووجوده. فالنقد هي الأداة   والاختلاف هو النتيجة التي تتولد عنه. فالخطر الكبير الذي يحمله غياب النقد وخيم على البنية الثقافية إذ أنه يدخلها إلى حالة في الأدلجة المنغلقة التي تمنعها من الحركية والتطور ويتحول هذا إلى إيديولوجية متعصبة مدمرة تساهم في رفض الآخر والدعوة إلى إلغائه جملة وتفصيل.

عندما يتحدث شايغان عن الدين فهو يتناول نقد الموروث الديني أو الدين على وجه الخصوص باعتباره  كأحد مكونات الهوية الثقافية طفرة في طريقة التفكير، وفهما لدور التجديد الديني في البناء الحضاري، للحفاظ على دور الدين نفسه في حياة الفرد أو المجتمع، باعتباره مصدرا للتجارب الميتافيزيقية، التي ساهمت في الحفاظ على فاعلية الدين والتغير الذي صنعه في مراحل تاريخية مختلفة. كما أن ثقافتنا الغنية، ذات البناء القروسطيلا تسمح لنا بفهم الانقطاعات والانكسارات في الأزمة الحديثة، كما أنها لا تأذن لنا بالاستفادة منها، فمنذ قرون لم نصبح نرقص على إيقاع. ولم نعد نحتك ونتفاعل مع التحولات العظمى التي هزت العالم. وإن هذه المفارقات جعلتنا أكثر تبعية واستلحاقا بالعلم الغربي، والتبعية ثقافية قبل أن تكون اقتصادية وسياسية.[68]ويمكن القول أن شايغان يريد أن يخرج الفهم الديني من خلال النقد من دائرة الفهم النقلي والتراثي والتقليدي إلى دائرة الفهم العقلي الحداثي المعاصر وهومن جهة أخرى يبرز لنا أن المكون الديني من بين المكونات الأساسية في المنظومة الثقافية للمجتمعات الإسلامية والتي لا يمكن الاستغناء عنها، ومن هذا القبيل أصبحت مهمة التأويل الصحيح الموضوع من بين الحتميات المعاصرة. وهذا التأويل عنوانه الاختلاف رحمة، فالاختلاف لا يفسد للقضية ودها. إنه في هذا السياق يدعو إلى الدين المتسامح المنفتح لا يتماشى والقيم والأطر الثقافية التي تسيطر عالم اليوم. وهذا كله سينجر عنه خروج من التبعية الثقافية للغرب.

يؤسس شايغان لمفهوم النقد بالنظر إليه كأداة مهمة لتشخيص المشاكل والتنقيب عن الأفكار الهدامة التي تهدد الكيان الثقافي لحضارة معينة. ربط مفهوم النقد بالفكر الغربي الذي وصفه أنه يعتمد على النقد من أجل تشخص أمراضه وإيجاد اللقاح ولقد وصف النقد بأنه لقاح أمراض الحضارة. وينوه إلى فكرة أخرى قوامها أن عصرنا هذا هو عصر النقد أين وجب إخضاع كل شيء إلى النقد. وحسب تصوه غياب النقد في المجتمعات الآسيوية الشرقية هو السبب في عدم قدرتها في تجاوز المشكلات الكبرى.[69]ومن هنا نجد أن شايغان أخذ فكرة النقد من الفكر الغربي وهذا الاقتباس لم يكن هكذا بل بعد أن رأى وتيقن من أنها أداة حققت المردود الإيجابي للعديد من الدول الغربية.فالنقد هي الأداة التي نحدد بها التشخيص الدقيق للمشكلة. وانعدام النقد في الحضارات الآسياوية هي التي جعتها تعيش حالة الركود والجمود.

النقد البناء هو الأداة والوسيلة والاختلاف الفعال والايجابي هو الغاية. والاختلاف مؤشر على وجود جدلية حيوية في الفكر ويمكن أن نقول أن الفكر الغربي يمكن أن يكون نموذج لهذا ويمكن تلخيص أهمية النقد والاختلاف حسب " داريوش شايغان " في مايلي:

التشخيص الدقيق للمشكلات الفكرية والثقافية وتحديد مواطن العطب فيها وهذا يسهل عملية البحث عن الحلول.

خلق وعي فاعل وتنويري يهام في تحقيق مشروع نهضوي يتماشى مع القيم العالمية والمفاهيم التي توجد في عالم اليوم.

محاربة الأيديولوجيا الدوغمائية والموروث الديني التقليدي الذي كان سبب جمود الحضارات الشرقية القديمة.

الخروج من الفكرة الواحدة المسيطرة إلى الفلسفة الاختلافية التي تؤمن بالآخر.

خاتمة:

درايوش شايغان من المرجعيات الفكرية المعاصرة كان تأثير التعدد الثقافي براز في شخصيته الفكرية ومنتوجه الفلسفي وخاصة تمكنه من لغات عديدة ونشأته في محيط عائلي وجغرافي ذو ألوان إيديولوجية ودينية ولغوية زاخر.

الهوية في سياق فهم درايوش شايغان مرتبط بمكون التعددية الثقافية فهو لايربط مفهوم الهوية بحضارة معينة وإنما يؤكد على الخاصية التنوع الهوياتي، فمفهوم الهوية حسب تصوره مططي ومرن.

الاختلاف مفهوم يتمظهر في مدلول التنوع والتعدد الحضاري الذي يجمع بين التراكمات المعرفية التي أبدعها العقل الشرقي القديم والتراث الديني وهو يمثل الأصالة والتحولات الحديثة والتقدمات المعاصرة التي أبدعتها الحضارة الغربية وهي تمثل المعاصرة.

الإيديولوجيا المنغلقة والأفكار الوثوقية هي الأمراض التي تهدد قيام الحضارات الشرقية وهو يدعو إلى الممارسة النقدية البنائة التي بفضلها يخرج الفكر الإسلامي من بوتقة التعصب ومسايرة روح الحداثة الغربية.

 

إعداد الأستاذ: حبطيش وعلي

ماستير مهني و ماستيرأكاديمي في الفلسفة العامة - الجزائر

...........................

قائمة المصادر والمراجع:

أولا: المصادر:

داريوش شايغان: هوية بأربعين وجهًا، ترجمة: حيدر نجف،مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد،ط1، 2016

درايوش شايغان: النفس المبتورة " هاجس الغرب في مجتمعاتنا "، دار الساقي، 1999

درايوش شايغان: ما الثورة الدينية، دار الساقي، لندن، ط8،1998

ثانيا: المراجع:

جورج طرابيشي، من النهضة إلى الردة: تمزقات الثقافة العربية في عصر العولمة، دار الساقي، 2000

ثالثا: المراجع باللغة الفرنسية:

. Gilles Deleuze et Félix Guattari, Mille Plateaux. Minuit, Paris, 1980.

Ehsan Shakeri Khoei1 & Zohreh Arabshah ,Tradition in Seyyed Hossein Nasr and Dariush Shayegan’s Thought, (International Research Journal of Applied and Basic Sciences, Vol

G,Deleuze: différence et répétions ,éd PUF 7 édition , 1993

رابعا: المواقع الإلكترونية:

أمير غلامي: داريوش شايغان.. رحيل صاحب "أوهام الهوية"، 23 مارس 2018، العربي الجديد،

 https://www.alaraby.co.uk/%D8%AF%D8%A7%D8%

خالد غزال: كتاب "أوهام الهوية" لداريوش شايغان: 3 يوليو 2011،

 مكتبة الشعب الكريم،

 http://maktabat-ach3b-alkarim.blogspot.com/2011/06/blog-post_1835.html

خديجة زتيلي: دارْيوش شايْغان ومَسْألة الهويّة في الحَضارة العالمَيّة المعاصِرة: قراءة في كتابه ”هويّة بأرْبَعين وجهاً”، 4 مارس 2019، https://couua.com/2019/03/04/%D8%AF%D

عقيل سعيد محفوض: داريوش شايغان وفوضى الهوية، المصدر موقع الميادين، 21 حزيران 2017، نشر على الساعة 15:14

https://www.almayadeen.net/books

الهوامش

[1]Ehsan Shakeri Khoei1 &Zohreh Arabshah ,Tradition in Seyyed Hossein Nasr and Dariush Shayegan’s Thought, (International Research Journal of Applied and Basic Sciences, Vol. 7 (7), 2013), p.400.

[2] داريوششايغان:هويةبأربعين وجهًا،ترجمة: حيدرنجف،مركزدراساتفلسفةالدين، بغداد،ط1، 2016، ص 06.

[3] المصدر السابق، ص 6.

[4] المصدر السابق، ص 10.

[5] المصدر السابق، ص 11.

[6] المصدر السابق، ص 6.

[7] المصدر نفسه، ص 6.

[8] المصدر السابق، ص 7.

[9] المصدر السابق، ص 7.

[10] المصدر السابق، ص 8.

[11] المصدر السابق، ص 12.

[12] المصدر السابق، ص 17.

[13] هي كلمة سنسكرتية تتقسم إلى مقطعين هما: " أوبا" تعني " قريب " و"نيشاد" تعني "جلوس بقرب" ومعنها العام هو "يجلس بقرب المعلم " هي نصوص روحية وتعاليم دينية تتناول موضوع التأمل في ما يتعلق بطبيعة النفس والواقع ولقد ألفت حوالى 800 ق م و500 ق م.

[14] [14] المصدر السابق، ص 10.

[15] المصدر السابق، ص15

[16] المصدر نفسه، ص15

[17] المصدر السابق، ص 11.

[18] [18] المصدر السابق، ص 22.

[19] خديجة زتيلي:دارْيوششايْغان ومَسْألة الهويّة في الحَضارة العالمَيّة المعاصِرة: قراءة في كتابه ”هويّة بأرْبَعين وجهاً”، 4 مارس 2019،https://couua.com/2019/03/04/%D8%AF%D

[20] داريوششايغان: الهوية بأربعين وجها، المصدر السابق، ص 13.

[21] المصدر السابق، ص 15

[22] المصدر السابق، ص 16

[23] داريوش شايغان:: ما الثورة الدينية الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة،، ص 28

[24] داريوششايغان: الهوية بأربعين وجها، المصدر السابقص 17.

[25] المصدر السابق، ص 18.

[26] المصدر نفسه، ص 18.

[27] داريوش شايغان: الهوية بأربعين وجها، المصدر السابق، ص 18

[28] المصدر نفسه،ص 18.

[29] المصدر نفسه، ص18

[30]  عقيل سعيد محفوض: داريوش شايغان وفوضى الهوية، المصدر موقع الميادين، 21 حزيران 2017، نشر على الساعة 15:14 https://www.almayadeen.net/books

[31] داريوش شايغان، أوهام الهوية، دار الساقي، سلسلة بحوث اجتماعية، 1993.ص 33.

[32] جورج طرابيشي، من النهضة إلى الردة: تمزقات الثقافة العربية في عصر العولمة، دار الساقي، 2000،ص9

[33] داريوش شايغان: الهوية بأربعين وجها، المصدر السابق، ص35

[34] المصدر السابق، ص46

[35] المصدر السابق، ص54

[36] المصدر السابق، ص56

[37] المصدر السابق، ص 57

[38] Rhizomatique الساق الدفينة في التراب من بعض النباتات والمسؤولة عن نمو النباتات. ينمو الريزوم كل عام بمقدار معين في الاتجاه الأفقي، فتظهر منه أجزاء جديدة لذلك لن يموت الريزومحتى لو قطع بالات زراعية وذلك خلافا للجذور، وانما تتولد عنه عدة نباتات.

[39] المصدر السابق، ص35.

[40] Gilles Deleuze et Félix Guattari, Mille Plateaux. Minuit, Paris, 1980.

[41] داريوش شايغان: هوية بأربعين وجهاً، المصدر نفسه، ص27- 29- 107- 108

[42] أمير غلامي:داريوش شايغان.. رحيل صاحب "أوهام الهوية"، 23 مارس 2018، العربي الجديد

https://www.alaraby.co.uk/%D8%AF%D8%A7%D8%

[43] خالد غزال: كتاب "أوهام الهوية" لداريوش شايغان: 3 يوليو 2011، مكتبة الشعب الكريم،

http://maktabat-ach3b-alkarim.blogspot.com/2011/06/blog-post_1835.html

[44] المصدر السابق، ص 18

[45]  المصدر السابق، ص19

[46] سورة الأحزاب،آية72

[47]  المصدر السابق، ص19.

[48]  المصدر السابق، ص 22.

[49] المصدر السابق، ص121

[50] داريوش شايغان: النفس المبتورة، المصدر السابق، ص 50

[51] خديجة زتيلي: دارْيوش شايْغان ومَسْألة الهويّة في الحَضارة العالمَيّة المعاصِرة: قراءة في كتابه ”هويّة بأرْبَعين وجهاً”، 4 مارس 2019، https://couua.com/2019/03/04/

[52]  درايوش شايغان: النفس المبتورة، المصدر السابق، ص93- 94

[53] المصدر السابق، ص 101

[54] عقيل سعيد محفوض: داريوش شايغان وفوضى الهوية، لمصدر: الميادين نت، 21 حزيران

2017.https://www.almayadeen.net/booksAF%D8%AF8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1.

[55]  درايوش شايغان: النفس المبتورة، المصدر السابق، ص88

[56] المصدر السابق، ص90

[57] المصدر السابق، ص98

[58] المصدر السابق، ص101

[59] عقيل سعيد محفوض: المراجع السابق

[60] المرجع نفسه

[61] درايوش شايغان: المصدر السابق، ص ص 217 218

[62] المصدر السابق، ص ص 219 223

[63] المصدر السابق، ص 227

[64] المصدر السابق، ص 24.

[65] درايوش شايغان: ما الثورة الدينية، المصدر السابق، دار الساقي، لندن، ط8،1998ص 220.

[66] درايوش شايغان: الهوية بأربعين وجها، المصدر السابق،ص 57.

[67] درايوش شايغان النفس المبتورة: المصدر السابق، ص 39.

[68] المصدر السابق: ص 147.

[69] درايوش شايغان: الهوية بأربعين وجه، المصدر السابق، ص 23

 

 

في المثقف اليوم