دراسات وبحوث

نزار حنا الديراني: صورة المسيح بين الآيات المكية والمدنية

قبل كل شئ لا بد من الاشارة أن القران يتكون من (114 سورة) موزعة كالاتي:

- السور المكية (التي قيلت في المكة وهي على جزأين –

51 سورة قبل الهجرة، و35 سورة بعد الهجرة)

السور المدنية (التي قيلت في المدينة ـ يثرب) 28 سورة.

وهناك خلاف في ذلك حيث 82 سورة مكية و20 مدنية متفق عليها والباقي 12 سورة غير متفق عليها.

وكذلك هناك خلاف في عدد الايات فالترقيم الاولي كان 6000 آية ولكن الترقيم المكي عدها 6219 آية والترقيم الكوفي 6236 آية والترقيم العثماني أعتبرها 6344 آية وهناك ترقيمات أخرى مقاربة كالترقيم البصري والشامي والألماني.

هناك العديد من الايات ورد ذكر المسيح فيها سواء بصورة مباشرة او غير مباشر، حيث هناك ما لا يقل عن 93 آية تناولت شخصية المسيح، وهي موزعة بين الايات المكية والمدنية.

ومن الملاحظ عن هذه الايات ان الايات المكية (وخصوصاً قبل الهجرة) هي الأكثر تعاطفا وانسجاما مع الانجيل مما عليه مع الايات المدنية التي تبدوا انها تتعارض في أغلبها مع ما جاء في الانجيل وخصوصا في موضوع الألوهية مما دفع بالبعض من شيوخ المسلمين ان يتهموا المسيحيين بالشرك في الله. فعلى سبيل المثال كل سورة فيها الحدود والفرائض فهي مدنية وجميع الآيات التي فيها ذكر (إذن بالجهاد، وبيان لأحكام الجهاد) هي مدنية وكل آية فيها ذكر المنافقين فهي مدنية وهكذا.

لذا لا بد لنا أن نتساءل عن سبب ذلك، ومن أجل الوقوف على حقيقة ذلك لا بد لنا من دراسة الأرضية التي ولد فيها القران، لنتمكن من فهم الموضوع، لأن المشكلة عند الكثير من المسلمين أنهم يحفظون القران حفظا كونه حسب اعتقادهم منزل غير قابل للدراسة والنقاش لذا لا يعطون للارضية اهتماماً.

إلا أن دارسوا القرآن بحيادية يقولون جزء كبير من القرآن اعتمد على نصوص ومصادر يهودية ومسيحية، وخاصة المنتحلة منها، ولكن المصادر اليهودية تزيد بكثير عن المصادر المسيحية فضلا عن كتب أخرى حيكت حول أحكام وشخصيات وأحداث وأساطير نجدها في العهدين القديم والجديد وأيضا في القرآن. ومن أبرز اليهود الذبن اعتمد عليهم في المرويات الاسلامية هم:

كعب بن احبار 2- واهب بن منبه 3- عبد الله بن سلام

وإن أردنا أن نكون منصفين لقلنا إن الثقافة اليهودية والمسيحية والإسلامية مرتبطة بصورة وثيقة بالثقافات الدينية الشرقية التي سبقتها مثل الفرعونية والزردشتية والبابلية والأشورية والسومرية والمندائية والمانوية، ناهيك عن المعتقدات والطقوس الوثنية التي كان يتبعها العرب قبل الإسلام، نذكر منها على سبيل المثال طقس الحج والطواف حول الكعبة.

فلا بد من معرفة كل تلك الروافد الشرقية حتى نفهم القرآن، بعيدين عن الهواجس الدينية والتطرف والمغالاة.

وعلى هذا الأساس يمكن القول ان القرآن وكما هو في الانجيل والعهد القديم يحوي على خليط من المعتقدات التي سبقته وهذه الكتب تحاول اصلاح المجتمع بموجب ما يراه صاحبها، وكان محقاً الشيخ أحمد القبانجي، (وهو شيخ شيعي عراقي ينتمي إلى مدرسة العرفاء) حيث قال القرآن يعكس ثقافة النبي محمد، والنبي كان يجلس مع اليهود والنصارى وهو حتمًا سمع قصص الأنبياء لذا ووفقاً لكلام الشيخ أحمد القبانجي، فإن القرآن هو نتاج ما سمعه الرسول محمد.

واستناداً الى طبيعة القرآن حصل جدال بين المدارس الاسلامية الفقهية إن كان القرآن مخلوق أو منزل، حيث ذهب البعض منهم كونه مخلوق من بينهم الحلاج وآخرون ويقال ذهب ضحية هذا الفكر ما لا يقل عن الف مجتهد تم قتلهم. وذهب بالبعض الاخر من بينهم المفكر السوداني محمود محمد طه – والذي كان أحد أساتذة الازهر والذي بنى فكرته في إصلاح المجتمع الإسلامي وإخراجه من جدل تقسيم القرآن إلى قسم مكي وقسم مدني، مطالبًا بالرجوع لقرآن وإسلام مكة المسالم وترك قرآن وإسلام المدينة العنيف الذي يخالف حقوق الإنسان كما في كتابه الشهير: (الرسالة الثانية من الإسلام). إلا ان دعوته هذه لاقت رفضًا تامًا من قِبَل الأزهر والهيئات الدينية الإسلامية الأخرى فحكمت عليه السلطات القضائية السودانية بشنقه في 1985.

وبطبيعة الحال، يرفض رجال الدين من المسلمين عامةً القول بأن القرآن ليس كلام لله ومنهم من اتهم احمد القبانجي بالزندقة.

الحالة الاجتماعية في الجزيرة العربية

كان العرب في الجزيرة يعيشون نوعين من الحياة وهي:

1- الحضر المتمثلة في المدن

2- البدو الرحل

وكانت القبائل العربية المنتشرة في شبه الجزيرة تشكل مجموعتين متنافستين وهما:

عرب الجنوب ـ- اليمنيون - ينتمون الى قحطان

عرب الشمال ـ- النزاريون - ينتمون الى اسماعيل

ثم تفرعوا الى عدة مجموعات من بينهم العدنانيون

الحالة السياسية في الجزيرة

كانت الجزيرة العربية تحيطها ثلاث امبراطوريات تحكم المنطقة وهي:

البيزنطية: التي كانت تسيطر على القسم الشمالي من الشرق، وكانت ديانتهم مسيحية كاثوليكية.

الفارسية: كانت تسيطر في الشرق وكانت تدين بالزرادشتية

الحبشية: في الجنوب وكانت تدين بالمسيحية الارثودكسية.

والصراع الدائر في المنطقة كان على الاغلب بين البيزنطيين والفرس، وكانت شبه الجزيرة العربية بعيدة عن هذه الصراعات عكس بلاد النهرين.

الحالة الدينية في الجزيرة

كانت تهيمن على الجزيرة اشكال متنوعة من الوثنية الشرقية المرتكزة على عبادة الشمس والقمر والكواكب، ثم تطورت الى عبادة القوى الخفية المتمثلة بالحجارة التي ترمز الى آلهتِها، وأصبح الحجر الأسود كعلامة للحفاظ على الوحدة بين القبائل المختلفة وشعورهم بالانتماء الى عرق مشترك. فضلا عن المسيحية واليهودية.

في البداية حاول اليهود ان يقضوا على الوثنية والمسيحية في الجزيرة من خلال جاليات يهودية نشطة انتشرت في خيبر وتيماء واليمن ونجران. الا انهم عجزوا عن ذلك مما دفههم للاعتماد على المسلمين لتحقيق مآربهم لذا في البداية احتظنوا المسلمين ودعموهم.

المراكز المهمة في الجزيرة

كانت في الجزيرة العديد من المراكز المهمة وهي:

اليمن: كانت ديانة اهل اليمن يهودية في البداية وكان أميرها من المتعصبين إلا أن المسيحية دخلت اليمن في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع. البعض يعتقد انها جاءت من الحبشة وآخرون يعتقدون أنها جاءت من سوريا وبلاد النهرين إلا أنها لم تصبح قط كنيسة منتظمة تشمل جميع القبائل العربية. واللغة السائدة في الكنيسة اليمنية يقال كانت السريانية.

بعد ذلك احتل الفرس اليمن مما ادى الى تغلغل الفكر النسطوري فيها.

نجران: كانت تدين بالمسيحية ومن اتباع الفكر النسطوري، دخلت المسيحية اليها من بلاد النهرين وبلاد فارس. بعد ذلك زحف اليها مسيحيوا المناطق البيزنطية أي المونوفيزيين (الجماعة التي كانت تؤمن بالطبيعة الواحدة للمسيح)، نتيجة للاضطهاد الذي شنه الامبراطور يوستينس الاول (518-527) ويوستنيانس (527-565) فاصبحت المونوفيزية هو المذهب السائد في نجران، الا ان المسيحية تعرضت الى اضطهاد من قبل والي اليمن ذو نواس (ملك الحميريين) اليهودي ويقال انه قتل 20000 مسيحي من مسيحيوا اليمن ونجران، وجاء ذكرهم في الاية 85/4 من سورة البروج باسم اصحاب الاخدود كما تقول الاية:

(قتل اصحاب الاخدود)

وكانت نجران جالية يهودية نشطة.

الحجاز: كانت اغلب مناطق حجاز مسيحية وقد حضر اسقفها مجمع نيقيه عام 325م ومن مدنها:

ايلة (عقبة)، دومة الجندل، وادي القرى، تيماء، تبوك، عمان، قطر، جزيرة البحرين، كويت، حضرموت (دخلتها المسيحية قبل الاسلام).

يثرب (المدينة): كانت شبه مستعمرة يهودية (رغم ورود في تقويم قديم للكنيسة الشرقية، انهم أقاموا في يثرب مطرانا وكان لهم ثلاث كنائس)، كما فرضوا سيطرتهم على خيبر وفدك.

المكة: كانت تحكمها قريش، وكانت مركزا تجاريا مهما، حيث كانت تتعايش جماعات عرقية ودينية مختلفة في المكة، أهمها العرب الوثنيون، والذين يذكرهم القرآن باسم المشركين أو الكفار، والأحناف. فيها الكعبة القريبة من بئر زمزم، وكانت تنتعش كحركة اقتصادية من القرن الثاني قبل الميلاد. ثم اصبحت مركزا دينيا مهما للبلاد العربية قبل وبعد الاسلام. وفي القرن السادس اصبحت الكعبة زاخرة بالاصنام، كل قبيلة وضعت فيها آلهتها.

والالهة الكبرى في الكعبة هي:

1- اللات - الشمس 2- العُزى - نجمة الصبح، 3- افروديت (مَناة - ابنة اللات، الهة السعادة)

حيث ورد ذكرهم في سورة النجم 53 (افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى).

بعد ذلك تطورت الفكرة فاصبح هناك اله واحد يجمع هذه الالهة وهو الاله (هبل) الذي أبقاه الرسول محمد في حينه، وان عبارة (لا اله إلا الله) جاءت من فكرة سيطرة الاله الأوحد الذي كان هبل في البداية ومن ثم سيطرة إلاه ابراهيم على الالهة الحجرية الموجودة في الكعبة.

وكان هناك ايضا أتباع الديانة اليهودية، وطوائف مسيحية منها من كان يؤمن بألوهية المسيح كأهل نجران، أو من كان يرى فيه نبيًا بشريًا مثل الطائفة التي مثلها القس ورقة بن نوفل، وخديجة التي تزوجها محمد على مذهبهم، وسماهم القرآن جميعهم بـ (النصارى).

ووفقا للمصادر الإسلامية، ولد الرسول محمد حوالي سنة 570 في مكة (المذكورة في القرآن باسم أم القرى)، وهي مدينة تجارية في شبه الجزيرة العربية وفي حوالي عام 610، بدأ بتلقي رسالته من الملاك جبريل كما تذهب المصادر الاسلامية، وهي الظاهرة التي سميت بنزول الوحي. وأمام اضطهاد أهل قبيلته ومدينته بسبب مواقفه الدينية المتشددة، هاجر عام 622 مع بعض رفاقه إلى يثرب، مدينة خواله بني النجار من الخزرج، والتي أصبحت تدعى المدينة. وكانت هذه بداية التقويم الهجري الموافق سنة 622 الذي يقابل أول يوم من شهر محرم.

وقد عاد محمد إلى مكة عام 630 على رأس جيش ففتحها وأخضعها لسلطته. وتوفي في المدينة عام 632.

وكانت هناك منافسة شديدة بين المكة والمدينة، فبالرغم من ان أهل مكة هم عدنانيون وأهل مدينة هم قحطانيون، كان غالبية أهل مدينة يهود والمكة مزيج من الوثنيين والمسيحيين، مما دفع أهل المدينة لمساعدة الرسول محمد من أجل القضاء على مكة وأصنامها.

وكان للمسيحيين في مكة دور هام تجاه طبقات المجتمع القريشي كلها، ولكنهم لم يكونوا منتظمين، ولم يكن لهم مؤسسات فاعلة خاصة بهم فكانوا ينتمون الى أصول عديدة منتشرين بين جميع الطبقات القريشية، (أحباش، اقباط، تجار من نجران، ورعايا من الحيرة والمناذرة والغساسنة وأنباط سوريا، فضلا عن جماعة من علية القوم الذين اعتنقوا المسيحية امثال عثمان بن الحويرث وورقة بن نوفل) هؤلاء جاءوا من مختلف الاماكن، يمارسون عدة مهن، الا انهم لا يملكون مؤسسة كنسية او سياسية تنظم امورهم الدينية ـ عكس اليهود.

وكانت المسيحية كما يقول الاب الحداد الرومي في كتابه القرآن والكتاب ص988-989 (كانت المسيحية في مكة هي المونوفيزية السائدة في اليمن والحبشة وفي دولة الغساسنة وفي مشارف الشام كلها).

فكانوا يمتزجون بالعرب الوثنيين في مكة حول الكعبة، كانوا يجتمعون عند الكعبة اسوة بالآخرين، الى حد كان بعض الشعراء المسيحيين من امثال عدي بن يزيد والاعشى، يقسمون أمام الحجر الاسود في آن واحد كقولهم (برب الكعبة والصليب). كان الجميع حتى اليهود يكرمون الحجر الاسود (اليهود يرجعونه الى جدهم ابراهيم الخليل). الا ان الرسول محمد بعد ذلك منع لغير المسلمين دخول الكعبة. ومن الجدير بالذكر بأن محمد كسر جميع الأصنام باستثناء الحجر الاسود.

وكان المسيحيون في الكثير من الاحيان يتجادلون فيما بينهم (أصحاب المذهب النسطوري ضد المونوفيزي، الملكيون ضد أتباع أفسس وخلقدونية، بالاضافة الى شيع يهودية مسيحية).

فقد أدت النزاعات والجدالات القائمة بين أصحاب هذه المذاهب المسيحية وعدم وجود رئاسة دينية موحدة قادرة على سبك العرب في الجزيرة في قالب مؤسسات كنسية واجتماعية منتظمة الى جعل المسيحية في حالة ضعف وعجز. والمشكلة الاخرى هي ان العقلية العربية لم تكن مهيئة وقادرة لاستيعاب هذه الجدالات المعقدة حول طبيعة المسيح.

بمعنى اخر ان المسيحية لم تستطع ان ترسخ بعمق في نفوس عرب الجزيرة فكانت مسيحيتهم سطحية وضحلة.

والحاقا لما قاله الاب حداد الرومي وما يؤكده الاب البير أبونا كان من بين الذين جاءوا الى الجزيرة اصحاب النظريات المتطرفة والمرفوضة من قبل رؤساء الكنيسة والمؤمنين مما حذا بمسؤولي الكنيسة، سواء اكانوا من اتباع نسطورس او قورلس ومن الذين يسكنون بلاد الرافدين او بزنطية، بنفيهم الى خارج ديارهم فكانوا على الاغلب يقصدون شبه الجزيرة، لذا انتشرت في الجزيرة بدع باسم المسيحية وهي مرفوضة ضمن تعاليم الكنيسة من بينها البدعة القائلة (الله، مريم، المسيح) هم الثالوث المقدس بدلا من (الاب والابن والروح القدس) وبدعة اخرى تقول (ان مريم العذراء هي إلاهة وان الله اتخذ منها صاحبة فانجبا المسيح) وهذه البدعة ترفضها جميع الكنائس الشرقية والغربية والاسلام وبدعة الغنوسيون الذين انكروا فكرة التجسد بالمعنى المتداول بين المسيحيين.

فتقول الاية المدنية 73 من سورة المائدة:

﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

جاء ذكر اصحاب هذه البدع ضمن كتابات احمد المقريزي في كتابه (القول الابريزي ص26) وابن حزم في كتابه (الملل والاهواء والنحل ص48)، واصحاب هذه البدع كانوا في السابق وثنيين فعوضوا بآلهة الزهرة بمريم، فجاءت الاية 116-118 من سورة المائدة (مدنية) كرد فعل لذلك:

﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾

نقاط الخلاف والتقارب بين الانجيل والقرآن

اولا:التقارب

الولادة:

تقول الاية 91 من سورة الانبياء (مكية):

(ومريم ابنة عمران التي احضنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القائلين)

وهناك عدة تفاسير في عملية النفخ منهم من قال (ان النفخ كان من الله) واخرون قالوا (النافخ هو جبريل) إلا ان الطرفين أجتمعا على ان النفخ كان في عيسى، لان عيسى كان في بطن امه.كما تقول الاية 45 في سورة ال عمران:

﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾

وهذا ما تؤكده الاية 19-20 من سورة مريم (مكية) بقولها:

(إنما انا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا، قالت أنى يكون لي غلام ولم أكن بغيا، قال كذلك قال ربك هو على حين ولنجعله اية للناس ورحمة منا وكان امرا مقضيا).

وقال المفسرون عن:

الزكي: الطاهر من الذنوب، أي النزاهة والطهارة

اية للناس ورحمة: بمعنى ولد من غير ذكر

وهذا يتفق مع الانجيل من حيث النفخ أي حلت روح القدس على مريم وهذا ما يؤكده الحوار الدائر بين مريم والملاك جبرائيل.

كما ان الاية 171 من سورة النساء (مدنية) تؤكد كون المسيح مؤيدا بالروح القدس حيث تقول الاية:

(المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسوله..)

لروح القدس عدة تفسيرات عند علماء الاسلام نكتفي بتفسير ابن العباس ربما هو الاصح والاقرب الى مفهوم الانجيل، حيث يقول:

انه الروح الذي نفخ فيه، والقدس هو الله، فهو اذن روح الله

رفعه عند وفاته

تقول الاية 55 من سورة ال عمران (مدنية):

﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾

هذا يعني ان المسيح قام وصعد الى عند الله بعد الوفاة مثلما يذهب الانجيل.

المعجزات

تقول الاية 110 – 111 من سورة المائدة (مدنية):

﴿اذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾

كذلك ان القرآن يتفق مع ما ذهب اليه الانجيل من قدرة المسيح على احياء الموتى وشفاء الاكمة والابرص و.. فجاءت الاية 48- 49 من سورة ال عمران (مدنية) تأكيدا على ذلك، فتقول الاية:

﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

الا ان القرآن يذهب الى ابعد من ذلك من حيث قدرة المسيح على النطق عند الولادة كما في الاية 29-30 من سورة مريم (مكية):

(فاشارت اليه قالوا كيف تكلم من كان في المهد صبيا، قال اني عبد الله اعطاني الكتاب وجعلني نبيا)

وكذلك من حيث العلم بالغيب كما تقول الاية 49 من سورة ال عمران (مدنية):

(وانبئكم بما تاكلون وما تدخرون في بيوتكم)

هاتين الايتين تؤكدان نبوءة المسيح

التكثير

يتفق الانجيل والقرآن على قدرة المسيح على تكثير الخبز عندما قال الحواريون للمسيح ان ينزل عليهم مائدة من السماء فجاءت الاية 112-113 من سورة المائدة (مدنية):

﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾

وكذلك الاية 253 من سورة البقرة (مدنية) تؤكد كون المسيح مؤيدا بالروح القدس فضلا عن قيامه بالعجائب. تقول الاية:

(واتينا عيسى بن مريم البينات وايدناه بروح القدس)

وهذه الآية لها علاقة بما كان يدور من نقاش بين الفرق المسيحية ان كانت مريم أم المسيح أم أم الله.

ثانيا: نقاط الخلاف

البنوة: رغم ان القران يتفق مع الانجيل كون المسيح هو روح الله وكلمته حلت على مريم فولد المسيح، ويذهب المسيحيون على ان المسيح هو ابن الله من حيث الروح، اعني الروح القدس الا ان بعض البدع التي ظهرت في الجزيرة شوهت الصورة وكأن المسيحية تريد ان تقول ابن الله جسديا في الوقت الذي يؤكد الانجيل على ان الله واحد لم يلد ولم يولد.. فجاءت بعض الايات معارضة لهذه البدع لا الانجيل.

قبل كل شئ علينا ان نعي ليس في عبارة (ابن الله) أي تضمين جسدي على الاطلاق في المسيحية، فلا اشارة الى ان الله اتخذ زوجة، واولد منها ابنا، هذه العبارة (ابن الله جسديا) جاءت لدى اصحاب بعض البدع، فرفضتها المسيحية رفضا قاطعا، لان المسيحية تؤمن من خلال الانجيل ورسائل الرسل وتعاليمهم، ان الله واحد، هو روح لا جسد له، لم يلد ولم يولد، فعبارة ابن في المسيحية لا تشير الى علاقة جسدية بل روحية، وهي تشير مع مفهوم الكلمة بخط متواز (في البدء كان الكلمة..) علينا أن نفهم شخصية المسيح كونه الانسان المولود من إمراة وفي الوقت ذاته كونه ابن الله روحيا أي من خلال الروح القدس، لانه من الله، كلمة الله وروحه المولود بقوة روح القدس وهذا لا خلاف فيه بين المسيحية والاسلام.

فالاية 35 من سورة مريم (مكية):

(ما كان لله ان يتخذ من ولد سبحانه اذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون)

وكذلك الاية 101 من سورة الانعام (مكية):

(انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة)

جاءت معارضة لهذه البدع لا للمسيحية. لان القرآن يقر بان المسيح هو كلمة الله وهو روح منه، الا ان هذه الايات وغيرها تعاملت مع البنوة على اساس مادي. فعلى سبيل المثال ان البيضاني يفسر الاية 101 من سورة الانعام (مكية) بقوله:

(ان المعقول من الولد هو ما يتولد من ذكر وانثى متجانسين والله تعالى منزه من التجانس.)

من المؤكد ان البدعة القائلة ان مريم العذراء الهة، وان الله اتخذ منها صاحبة وغيرها من البدع كانت السبب في ظهور هذه الاية. وكذلك الاية 75 من سورة المائدة:

﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾.

لاهوت المسيح:

ايضا يختلف القرآن والانجيل في مفهوم لاهوت المسيح، حيث يؤمن المسيحيون بالوهية المسيح كونه روح الله وكلمته كما يتفق الانجيل والقرآن بذلك، الا ان القرآن في بعض اياته كالتي سنذكرها يتعامل مع الموضوع من كون المسيح انسان والله روح. فتقول الاية 72 من سورة المائدة (مدنية) ما نصه:

﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾

رغم ان الانجيل يؤكد وعلى لسان المسيح كل ما يفعله هي من ارادة الله.

وكذلك الاية 73 من سورة المائدة (مدنية) تقول:

(لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله إلا واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمس الذين كفروا منهم عذاب أليم)

وكذلك في الاية 116 من سورة المائدة (مدنية):

(وقال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس إتخذوني وامي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما نفسي ولا اعلم ما في نفسك إنك انت علام الغيوب)

وكذلك في الاية 171 من سورة النساء (مدنية):

(يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله اله واحد)

من المؤكد ان هذه الايات جاءت مصححة ومعارضة لاهل البدع الذين رفضتهم الكنيسة فالتجأوا الى الجزيرة كي يبشروا بمعتقداتهم فرفضتهم الاسلام واليهودية.

ناسوت المسيح:

ان كانت المسيحية نفسها وبعد عدة قرون من التنظيم والتبشير قد دخلت دوامة الجدالات فيما يخص ناسوت المسيح الذي كان في مقدمة الاسباب للانشقاق فكيف في شبه الجزيرة (مكة والمدينة) وحيث المسيحية غير منضمة وبلا مؤسسات ومدارس والبدع منتشرة هنا وهناك، فجاءت الايات لمحاربة هذه البدع اولا ومفهوم الاقنوم وشخص المسيح ان كان قد ولد انسانا وتأله بعد مماته وانبعاثه او منذ ولادته وهذا كان من بين الجدالات التي شهدتها المجامع الكنيسة والتي أدت بهم الى الانشقاق فضلا عن المفهوم اليهودي للمسيح.

فالاية 30-34 من سورة مريم (مكية) تقول:

(اني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا).

أي ان المسيح ولد انسانا نبيا متواضعا مباركا ولم يكن انسانا شقيا كما صوره حديثا نيتشه وبرنادشو وغيرهم من فلاسفة القرن العشرين بانه كريندايزر. وان عبارة عبدي التي وردت في الاية هي نفسها التي ترد في لغة الانبياء كاشعيا مثلا (هوذا عبدي يعقل يتعال ويرتقى ـ اشعيا 52-53). وفي لقاء اهل نجران بمحمد جاء في الحديث على ان المسيح هو عبد الله فقالوا له هل يستطيع العبد ان يفعل العجائب؟

وكذا الحال في الاية 59 من سورة ال عمران (مدنية) حيث تقول الاية:

(ان مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال كن فيكون).

هذا يعني ان النص تعامل مع المسيح كانسان من لحم ودم مجرد من هذه النفحة التي جاءت في الايات التي ذكرناها سابقا من ان المسيح هو روح الله وكلمته ولم يرد اسم ادم بهذه الآيات لذا، فالمسيح لا يمكن ان يكون مثل آدم.

الفلسفة الاسلامية تعتمد على برهان الطعام ـ طالما ان المسيح يأكل ويشرب هذا يعني انه ليس اله ـ وكذلك على برهان المنفعة والضرر ـ طالما ان المسيح لا يستطيع ايقاع الضرر بمن كانوا يعادونه (اليهود مثلا) او ايصال النفع لمن كانوا يحبونه اذن هو ليس اله ـ كما جاء في الاية 76 من سورة المائدة (مدنية):

(قل اتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضررا ولا نفعا والله هو السميع العليم).

وهكذا في الاية 57 من سورة المائدة:

﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾

متناسين ان مفهوم المسيح والمسيحية يعتمد على نظرية العطاء والحب، الله محبة، من احبني احب الله، من لطمك على خدك الايمن فدر له الايسر، كلما اجتمع اثنان كنت ثالثهم..

الصلب:

يعارض الاسلام مفهوم الصلب عند المسيحيين من خلال الاية 157 من سورة النساء (مدنية):

(وقولهم أنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الضن وما قتلوه يقينا)

وياتي تفسير الجلالين للاية:

وكان اليهود هم الذين زعموا بذلك (إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) قال تعالى تكذيبا لهم في قتله (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) المقتول والمصلوب وهو صاحبهم بعيسى، أي ألقى الله عليه شبهه فظنوه إياه (وإن الذين اختلفوا فيه) أي في عيسى (لفي شك منه) من قتله حيث قال بعضهم لما رأوا المقتول الوجه وجه عيسى والجسد ليس بجسده فليس به وقال آخرون بل هو هو (ما لهم به) بقتله (من علم إلا اتباع الظن) استثناء منقطع، أي يتبعون فيه الظن الذي تخيلوه (وما قتلوه يقينا) حال مؤكدة لنفي القتل.

وقوله في الاية 155-158 من سورة النساء:

﴿بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾

الاية جاءت انسجاما مع ما ذهب اليه بدعة الغنوسيين الذين انكروا[6] فكرة التجسد بالمعنى المتداول بين جمهرة المسيحيين. فهؤلاء اقروا لاهوت المسيح ولم يعترفوا بناسوته. وقد قالوا ان المسيح ظهر في هيئة انسان، دون ان تكون له حقيقة جسد الانسان. وانه لم يولد، ولم يتألم، ولم يمت بالحقيقة. لان جسده كان طيفا او خيالا، تراءى. قال فريق منهم ان جسد المسيح لم يكن ماديا كباقي اجساد الناس، ولكنه كان من جوهر خاص سماوي.

خلاصة القول:

ان الاختلاف الحاصل بين مفسري الانجيل والقرآن في فكرة الثالوث جاء كنتيجة للجدالات الحاصلة بين اصحاب المذاهب الكنسية في تفسير بعض المفاهيم اليونانية الاصل كالاقنوم والشخص والمفاهيم الاخرى فضلا عن قصر لدى المفسرين من الاسلام، الا ان هذه الفكرة صححت لدى بعض المعاصرين من فلاسفة الاسلام، حيث اتفقوا على ان عقيدة الثالوث لا تتعارض مع فكرة التوحيد، فليست الصيغة (الاب والابن والروح القدس) عبارة عددية بل انها تشير الى شكل وجود الله، فالله واحد بفكره الخلاق وكلمته المنطوقة وروحه الفعال. فليس باستطاعتنا فصل الله عن كلمته أو ابنه (المسيح) وروحه (روح القدس)[7].

***

نزار حنا الديراني – ملبورن - أستراليا

....................

المصادر

1- شخصية المسيح في الانجيل والقرآن، عبد الفادي، دار الهداية.

2- الانجيل ـ قراءة شرقية / اعداد نخبة من المختصين، دار الجيل ـ بيروت 2004

3- تاريخ الكنيسة الشرقية / البير ابونا

4- محاضرات في الدورة اللاهوتية

5- القطر البحري / بنيامين حداد، منشورات مركز جبرائيل دنبو 2006

[6] شخصية المسيح في الانجيل والقرآن / عبد الفادي ص42

[7] الانجيل ـ قراءة صوفية / اعداد نخبة من المختصين / دار الجيل ـ بيروت 2004

 

في المثقف اليوم