تكريمات

شهادات حية: الدكتور عبد الرضا علي باحث دؤوب... وإنسان نبيل

حاملين معهم لوعتهم وألمهم وحلمهم الذي لا يتبدد.

في بداية التسعينات كان هناك نزوح كبير للعراقيين الى الخارج، وبعد ثمان سنوات من الحروب وسنوات من الحصار امتدت فيما بعد لأكثر من عقد، بحث كل منا عن وجهة يجد نفسه فيها، فكانت وجهتي صنعاء حين حللت بها، وجدت فيها من سبقني ومن جاء بعدي من الاساتذة الجامعيين والأطباء والمبدعين وكل التخصصات التي ضاقت بهم سبل الحياة في أرض السواد، فغادروها مكرهين، فكان هناك شاكر خصباك، وحاتم الصكر، وسهيل نجم، وعبد الرزاق الربيعي، ومحسن أطيمش، وطارق نجم، ونوري الهيتي، وعبد علي الجسماني، وغيرهم، وكان بينهم أيضا الدكتور عبد الرضا علي وهو من سأتحدث عنه، اعترافا بأخوته ونبله وسعة علمه، محاولا تذكر بعض ما كان عليه الدكتور وما أظن أن الأيام غيرته إلا نحو الأفضل.

يتميز الدكتور عبد الرضا علي بأنه صاحب حضور طاغ سواء في الفعالية الثقافية أو في الدرس الأكاديمي، كان عراقيا صميميا في علمه وفي سلوكه، فلم تبعده جديته بالعلم وشغفه بالشعر وعروضه، عن ممارسة حياته الاجتماعية اليومية التي كانت تمثل امتدادا لحياته بالعراق، من تفقد لأحوال أصدقائه وتفاعله معهم فيما هم به منشغلون.

عرفت الدكتور عبد الرضا علي قبل خروجي من العراق، وإن كنت لم التق به، فقد كنت أقرأ له مداخلات مهمة في الصحافة تشهد على تميزه في البحث والتتبع، مثلما كان استاذا جامعيا متميزا في جامعة الموصل. وما إن التقيت به بصنعاء حتى وجدت فيه إنسانا كريما محبا للآخرين، صاحب معشر يجعلك تدرك عمق العلاقة الانسانية من خلال كلامه الحلو وتعليقاته اللطيفة التي تنم عن حذاقة وأدب جم. وجدته في صنعاء باحثا لا يمل البحث والتقصي في الثقافة وحسنا فعل حين أوقف نشاطه باتجاه اختاره لنفسه مبكرا، يتمثل في تصديه لظاهرة الشعر الحديث، ما يتصل به من جهود الشاعرة نازك الملائكة التي خصها بدراسة تعد مرجعا مهما في أدبها، وركز كذلك على محاور أخرى في الشعر الحديث ألف عنها بحوثا مهما كالقناع والتوليف وغيرها.

اقتربت من الدكتور عبد الرضا علي حين تشرفت بأن وافق على رئاسة لجنة المناقشة لرسالتي لنيل الماجستير في موضوع (الشعر اليمني في الهصر الأموي – دراسة موضوعية فنية) شاركه فيها الدكتور محمد حسين خاقو مناقشا والدكتور نوري الهيتي مشرفا ومناقشا، وما إن بدأت المناقشة التي استمرت لقرابة ثلاث ساعات، حتى أخرج الدكتور عبد الرضا علي بطاقات (جذاذات) كثيرة كان أعدها قبل المناقشة، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وأشار اليها او توقف عندها أمام الحاضرين، وفي نهاية المناقشة حصلت على تقدير امتياز مع توصية بطبع الرسالة التي طبعتها فيما بعد المؤسسة العربية للدراسات والنشر وليس الجامعة. بعد انتهاء المناقشة سألت الدكتور علي عن سبب هذه الشدة وكثرة المناقشة، فقال لي: ستتذكر ذلك لاحقا، كانت رغبتي ابراز علميتك أمام الحاضرين لا المحاباة بيننا ونحن أصدقاء، وها أنا أتذكرها بعد أكثر من ثلاثة عشر عاما.

وهنا لابد من الحديث عن كرمه، أذكر أنني دعوته واللجنة الى عشاء في مطعم بعد المناقشة، فقال لي : أن أم رافد (زوجته) أعدت العشاء وهي بانتظارنا. وما إن دخلت البيت حتى نادى بصوته الجهوري: أم رافد نحن لم نناقش باسم الياسري اليوم وإنما زففناه. هذا الكرم وهذا النبل لا يمكن أن تجده عند الكثيرين، وهو ما اشعر بامتنان إزاءه، مهما امتد بي العمر.

ومما انتجه الدكتور عبد الرضا علي هذه الكتب التي أثرت المكتبة العربية منها: في كتابه (نازك الملائكة الناقدة) يركز على جانب في شخصية الشاعرة نازك غير الذي اشتهرت به، وهو النقد، فجاءت دراسة غاية بالاهمية، وقد نشرت قراءة لهذا الكتاب في جريدة الوطن القطرية (19 مايو 1998).

وكتابه الآخر (دراسات في الشعر العربي المعاصر – القناع- التوليف- الأصول) الذي درس فيه الشعر الحديث، وقد كتبت عنه في جريدة الاتحاد الإمارتية قبل عدة أعوام، ولهذا الكتاب أهمية في أنه منح القصيدة الجديدة دفقها وديمومتها وقدمها على أنها أدب رفيع لا يقل عن شعرنا القديم من حيث الصورة واللغة الشعرية، وهو كتاب جدير بالقراءة لكل شاعر وباحث ومتذوق.

يبقى أن نتمنى للدكتور عبد الرضا علي الصحة والسلامة والعطاء المستمر.

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم ا. د. عبد الرضا علي من: 17 / 8 / 2010)

 

 

في المثقف اليوم