تجديد وتنوير

ثورة الاصلاح الديني اللوثري

لم يكن لوثر في القرن السادس عشر في المانيا هو من فجر ما يعرف بثورة الاصلاح الديني كان هناك ما يجري تحت السطح وفوقه وان ببطء.

قبل لوثر بمائة عام ظهر جون هس في بولندا الذي اعترض على الكنيسة وانتقد امورا في العقيدة الكاثوليكية وتعرض للادانة والقتل علىيديها وتكونت بعده جماعة الهسيين نسبة اليه، كان هناك ايضاً علماء الانسانيات المتنورين الذين تأثر بعضهم بالارث الحضاري الاسلاميوكتابات ابن رشد وقد لعب هؤلاء دوراً كبيراً في نقد العقيدة الدينية والكنيسة وترجمة العهدين القديم والجديد الى اللغات المحلية بعد انكانا باللغة اللاتينية التي لا يجيدها الكثيرين.

كما ساهم انفتاح التعليم على الاشخاص العاديين بعد ان كان محصوراً برجال الدين بفتح افاق جديدة من التفكير خارج نطاق الدين الذيكان يتحكم بكل مفاصل الحياة ويغّيب اي لحظة تحاول الخروج من هذا الآسار.

كان الصراع بين الكنيسة والامراء والدوقات على الاراضي والثروات عاملاً مهماً ساهم في ايقاظ روح الثورة والتمرد لدى اولئك المغلوبينعلى امرهم والذين كانوا يدفعون الضرائب للكنيسة وللامراء والملوك .

كل ذلك ساهم في ظهور لوثر الذي كان قساً المانياً قام بتسجيل اعتراضه على صكوك الغفران وكتب رداً على العقائد الكاثوليكية المحمية منقبل كنيسة روما ومزق الحرمان الكنسي الذي صدر بحقه وخاض منازعات ونقاشات علنية مع مبعوثي البابا .

استمر لوثر بكتابة المقالات والرسائل والكتيبات وطباعتها ولقي تفاعلاً شعبياً كبيراً وساهم ظهوره في تسونامي هز فرنسا وانكلترا وسويسرا وهولندا فضلا عن بعض دول شرق اوربا التي كان بعضها يدين بما دان به جون هس سابق الذكر .

توسعت حركة لوثر كثيراً وحدثت نزاعات ولكن لوثر بدأ بشيء وانتهى بنقيضه لقد بدأ بحرية الضمير وانتهى بفرض البروتستانتية علىالكاثوليك المقيمين في مقاطعات تخضع لمذهبه وهكذا فعل كالفن الذي سيطر على جنيف وصنع مملكة بروتستانتية متطرفة ضمت اولئكالمضطهدين الدينيين الهاربين من ايطاليا وفرنسا فضلاً عن السويسريين المؤمنين بالمذهب الجديد.

يخيل الى من يقرأ ذلك التاريخ ان بني الانسان حين يثورون ضد الظلم سرعان ما يمارسون ذات الظلم ولكنه هنا سيكون مدفوعا ومشرعناًبقوة الثورة الجديدة، تلك سنة سيئة تتكرر كلما حانت فرصتها .

يقارن ول ديورانت بحذاقة بين منهجية ارازموس وهو عالم انسانيات وجه نقداً للكنيسة وتعرض على اثره الى محاكمات واستدعاءاتومضايقات ولكن البابا كان متعاطفاً معه لأن اسلوبه في النقد كان معتدلاً، يقارن الكاتب بين منهجية ارازموس هذا ومنهجية لوثر المتشددةو المتعنتة التي وجهت سباباً وشتائم مقذعة للبابا والمؤسسة الدينية التابعة له.

يبقى ان نقول ان الاصلاح الديني الذي منح السلطة الزمنية للامراء صلاحيات اعلى رتبة من السلطة الدينية دشن عصر الدولة الحديثة كمايقال وكان هذا ما اغرى بعض الامراء بدعم البروتستانتية وتبنيها كما اثرى الاصلاح الديني وعمّق نقاشات حول مفاهيم التسامح الدينيو الضمير الانساني والتعامل مع المختلف وفتح ابواباً لم يكن ليتخيلها كما كان له تأثيرات اقتصادية واجتماعية وحتى تربوية فالفردانيةتدين للاصلاح الديني وحتى الشيوعية ومذاهبها وجدت اولى نقاشاتها لدى ما يعرف بالمعمدانيين الذين ظهروا ابان فترة الاصلاح الديني وتوسعوا ولاقوا مصائر مؤسفة نتيجة عدم التسامح .

ان تجربة الاصلاح الديني تجربة مليئة بالعبر والامة الاسلامية بحاجة الى قراءتها والاعتبار بدروسها لاعادة ترتيب اوراقها واخذ مكانهابين الامم التي سارت شوطاً كبيراً في الحضارة، وما اكثر العِبر وما اقل المعتبرين.

 

اياد نجم

 

في المثقف اليوم