ترجمات أدبية

أولغا زلبيربورغ: أحلام سعيدة

بقلم: أولغا زلبيربورغ

ترجمة: صالح الرزوق

***

حينما بلغت عامي الـ 55 فكرت الوالدة بالتقاعد. لكنها لم تتوقف عن الكدح - ولم تحرز أي تقدم على هذه الجبهة - مع ذلك قررت أن تذهب باتجاه آخر، وانتسبت لدورة لغة إنكليزية متقدمة بعد العمل. وكانت أختها الأكبر بالعمر تتبع نفس الدورة. ولم تكن الوالدة ترضى أن تتخطاها أختها بأي شيء. وفي هذا الأسبوع، كلفهما المدرب بترجمة كلمات بعض الأغاني. وعزمت والدتي أن تحتل مرتبة A، فأرسلت لي رسالة قصيرة تستغيث بها لأشد من أزرها.

كتبت: "هل معك أحد؟".

أخبرتها: بينك فلويد من "الجدار". كانت فرقة بينك تشاهد في التلفزيون برنامج "دخان المسدس"، والجدار الذي في الرأس انتهى تقريبا، ولم يكن بمقدورهم أن يتوقفوا عن التساؤل إن كان هناك أحد يستطيع المساعدة بهدمه من الخارج.

"هل من أحد معك؟". سؤال يحتمل الشعور بالقلق.

قالت الوالدة: "آه. من الافضل أن أرسل إليك كل التمرين. فقد أخطأت بالفهم".

قلت لها: حسنا. أنا أتقن اللغة الإنكليزية.

ردت أمي وكتبت بسرعة: "لا تكوني أمريكية جدا". كنت أتابعها بصعوبة.

ثم سألت:"الحب يبدل كل شيء، ماذا يعني هذا الكلام؟".

كان الفرق بين بطرسبورغ وسان فرانسيسكو أحد عشر ساعة. والساعة 9 مساء بتوقيتها يقابله الساعة 10 صباحا بتوقيتي، وكنت للتو قد تناولت قهوة الصباح وبدأت أستعرض بريدي الإلكتروني. وكان لدي واجبات ملحة، ولذلك لن يتوفر لي وقت مناسب للكلام. حينما يكون الوقت عندي مساء، ستكون مشغولة بواجباتها، ولن تجد بدورها الفرصة لتكلمني حين تكون مشغولة بالعمل.

"الحب يبدل كل شيء". لم أجد احتمالين للتعبير. سألتها كيف فهمته؟.

قالت: "عليك أن تحبي كل ما يطرأ عليك من تحولات".

ولم تلاحظ أن "الحب" في هذه الجملة جاء بصيغة اسم، و"تبديل" جاء بصيغة فعل. ولكن في تفسيرها أصبح الحب كالأمر، شيء مفروض. "أحبب التبدل". من الواضح أنها بحاجة لمساعدة. كنت أهيب بها أن تتعلم الإنكليزية ومنذ سنوات - وبين حين وآخر كانت تكلمني عن إنهاء إجراءات تقاعدها، لتنضم لي في أمريكا - وتعلم اللغة الإنكليزية سيفيدها حتما.

سألتها: "ما هو الفاعل في هذه الجملة؟".

كتبت على الفور تقول: "لا يوجد فاعل في الجملة. إنها جملة بلا فاعل".

ذكًرتها أن هذا غير وارد، وفي اللغة الإنكليزية، لكل عبارة خبرية كاملة فاعل، وحينما تفكر بهذا الافتراض، لا بد أن تصل إليه.

كتبت: "الحب يبدل كل شيء. آه - هذا تفكير سلفي ومتخلف". 

وتساءلت كيف تتعامل خالتي مع هذا التمرين، وهل طلبت من ابنها الذي يعيش في السويد المعونة. يمكن للأختين التعاون، والتمرن على مهارات الكلام، كلما اجتمعتا معا على عشاء أو تقابلتا في البيت الريفي لتقليم أشجار التفاح أو لجني الفريز، ولكن كلا. اعترضت الوالدة على الاقتراح. وقالت " "أنا أفضل منها باللغة الإنكليزية، ثم لماذا يجب أن أساعدها؟. دعيها تهتم بنفسها. هي أنانية وتتصرف بهذا الأسلوب". كان من السهل لي، وأنا في الجهة الثانية من المحيط، أن أتخيل الحياة الاجتماعية الضيقة في مسقط رأسي. ولكن حوارا من هذا النوع ذكرني فورا كيف هي الأمور في الحقيقة. كل شيء بين الأختين عرضة للتنافس. وحتى حينما تجنيان الفريز معا، تحرصان على تحديد وزن محصول كل منهما للتأكد من أنجز أكثر. وكل من أمي وخالتي تدبرتا أمر نقل أبنائها للجانب الآخر، حيث العشب أكثر نضرة، والآن بقيت إحداهما أمام الأخرى. ولم يكن لدى الوالدة وقت للاستمتاع بنجاحها، وهي متحمسة للمتابعة.

"الجميع يبحث عن شيء؟" - ما معنى هذا؟. هذا إيقاع. ماذا تفهمين من 'أحلام سعيدة'؟.

ردت: "أعتقد أنها تعني أن كل إنسان يتجسس على غيره".

ولكن هذه ليست ترجمة، وإنما تشخيص، وبوضوح لا يوجد شيء يمكنني عمليا أن أعينها به.

كنت على وشك إغلاق بريدي الإلكتروني. ولكن وصلتني رسالة من ابن خالتي. ورد فيها: "كل إنسان يبحث عن شيء؟ ترجمي من فضلك".

كتبت أرد: "يجب أن تفهم المقصود. هذه لغة إنكليزية بنسبة 101".

رد: "أنا في وسط اجتماع ولا مجال عندي للدردشة".

وكان هذا أطول عبارة سمعتها من ابن خالتي خلال ما يزيد على شهر. ورغم خشونة رسالته، جلست في كرسيي وقهقهت أمام، شاشة الكومبيوتر. كانت الساعة 11 ظهرا، وصباحي قد مر وانقضى، ولكن لم أكن مهتمة. ماذا لو تعلمت أمهاتنا اللغة الإنكليزية بهذه الطريقة، ثم أتين إلى قربنا؟. يجب أن أتدرب على المرونة في جدول أعمالي، لأحب التغيرات وأنسجم معها.

***

.....................

أولغا زلبيربورغ Olga Zilberbourg كاتبة أمريكية من أصول روسية.

في نصوص اليوم