أقلام حرة

فاضل الجاروش: تطبيع الانحراف: الجينز المُمزق مثالا

أنه عملٌ احترافيٌ موجه وليست صيرورة اجتماعية، لأن حركة المجتمع الطبيعية مرتكزة علىٰ تحقيق المصلحة العامة، بمعنى أن العوامل الاجتماعية المؤثرة في صناعة محتوى اجتماعي تعمل بدوافع المصلحة العامة دون النظر إلى حدوث ضررا خاصا، لذلك تجد مثلا في العراق في مرحلة من المراحل كانت تقام مجالس التأبين للميت لمدة أسبوع تقدم فيها مآدب الطعام يوميا للمعزين مما يُحَّمل كاهل اهل الفقيد حِملا ثقيلا. على مستوى الجهد النفسي والبدني وكذلك على مستوى النفقات، ولكن هل كان من الممكن لأحد أن يتخذ قرارا بمنع تلك التقاليد رغم إقرار الناس بأنها غير معقولة لذلك تكفلت العوامل الموضوعية التي تصنع تصورا عاما جديدا بتغيير تلك المفاهيم تدريجيا دون الحاجة إلى تدخل صارم يشبه التداخل الجراحي، لذلك ستجد أن السبعة ايام تحولت إلى ثلاثة ومآدب الطعام تحولت إلى مأدبة طعام واحدة في اليوم الأخير ومن ثم الثلاثة أيام أصبحت يومان وفي حالات كثيرة يوما واحدا وصلى الله وبارك، على ان هذه المتغيرات تحدث في مجالات لاحصر لها دون أن نشعر بها شعورا صارخا يؤجج حالة الرفض النفسي، في الواقع أنها تشبه عملية انتخاب يقوم بها المجتمع لافضل الخيارات المتاحة والتي تؤدي في النهاية إلى تقليص الأضرار وتعظيم الفوائد، من هنا فإن أي تطور أو تحول دراماتيكي لايدخل ضمن هذا الفهم انما هو مُنتج اصطناعي مدفوع بعوامل مصطنعة يراد منها إحداث ضررا عاما وتحقيق مصلحة خاصة لأن التحولات الاجتماعية الطبيعية تأخذ منحىٰ انسيابي يستغرق  وقتاً طويلاً نسبيا ولايُحدِث ضوضاء لأنها تحدث تدريجيا دون أن تخلق قبولا أو رفضا، اذن كيف يكون ممكنا أن تصطنع مرحلة جديدة من خارج السياق الاجتماعي الطبيعي !؟

اول الأمر أن ترمي حصاةً في الماء

لاحظ أن من يرمي حصاةً في الماء الراكد يعرف جيدا أن هذه الحصاة لن  تحدث تغييرا كبيرا أو مباشرا على طبيعة الماء ولكنها بالتأكيد ستنتج.

حركة ولو بسيطة، اذن فأن المطلوب دائما أن يكون المتغير الاجتماعي المصطنع مسبوق بحصاة تُرمى في الماء الراكد أو لنقل أنها عملية تحريك المُستقِر الاجتماعي وخلق حركة متعاقبة من الأمواج بفعل فاعل

الجينز المُمزق بين ليفي ولافي

لا أدري كيف تصادف هذا التشابه في الأسماء بين مخترع بنطال الجينز  (ليفي شتراوس) المولود في المانيا 1829 والمهاجر إلى أمريكا رفقة والدته وشقيقتيه 1847 وبين مصممة وعارضة الازياء (ميشيل لافي) المولودة في فرنسا 1944 وهي ماسونية من عبدة الشيطان والمتزوجة من مصصم الازياء الأمريكي الثري (ريك اوينز) والتي حولت اختراع ليفي شتراوس شراكة مع الخياط (جاكوب) الذي تم تصميمه بدوافع اقتصادية ربحية يحمل في طياته مغزى انساني وهو خدمة عمال المناجم بسبب قوة تحمل نوعية القماش للأعمال الشاقة بعد مرحلة طويلة من استخدام الخيش «قماش مصنوع من القنب» يتميز بالمتانة وقوة التحمل يسمى في العراق بـ [الجُنفاص] عن أصلها الانجليزي: [canvas]: حيث حولته هذه الشيطانة إلى مشروع اقتصادي اخر يحمل في طياته مغزى  يتناسب مع توجهاتها الشيطانية فكان أن أطلقت تلك الحصىٰ الشيطانية في بِركَة المجتمع المستقر على حدود الصيرورة الطبيعية حيث لم يكن مُتصَورا لأحد أن يمشي في الشارع ببنطال ممزق الا إن كان باليا يستر به فقره أو أنه قد قُدَ من شائك عَرَضاً، ! حيث ستكون ردة الفعل الطبيعية أن تشعر بالحرج من أن يرى أحد ماحصل لبنطالك من عطب لتضع يدك على موضع التلف لا إراديا ومن ثم قد تُسرع الى أقرب مكان يمكنك فيه معالجة الأمر أو استبداله بملبس لائق قبل أن يشاهدك أحد، هذا ماحصل عندما تجرأت أو تجرأ اول انسان على مخالفة الطبع البشري ليرتدي ملابس لم تكن بالية ولا قُدت من دُبرٍ ولا قُدت من قُبُل بحجر حاد في مناجم الذهب ولكنه فقط التدخل على الشأن الاجتماعي لإحداث مُتغير اجتماعي قسري ينتج عنه خلايا سرطانية انشطارية تشبه ماينتج عن ارتداد الأمواج من أثر رمي الحصى من زبد ومايحمله من نفايات إلى حافة الشاطئ، من الطبيعي أن مشاهدة رجل أو امرأة في الشارع بملابس ممزقة من دون علة سيكون مُستغربا ومستنكرا ومستهجنا في بادئ الأمر ولكن ذلك الاستنكار والاستغراب لن يستمر طويلا قبل أن تعتاد العين على هذا المشهد الغريب ومن ثم بتكرار  انطباع هذه الصورة في بؤرة العين تبدأ مرحلة الاعتياد ومن ثم  يتحول الاستنكار إلى استفسار عن المغزى من ذلك ومن ثم استحسان البعض ممن يختزن في نفسه طبعا لايستطيع البوح به لأنه طبع يخالف السائد ومن هنا ستبدأ نقطة شروع اجتماعية موازية لتدخل في صراع فكري لنسف الحركة الطبيعية للتحولات الاجتماعية واستبدالها بتحولات ليست طبيعية وانما هي انتقالات سريعة تدار من أفراد وجهات وفق سيناريوهات ترتكز على تحقيق المصالح الخاصة ثمنها تدمير التعاقب الزمني المنضبط للأمواج بافتعال إعصار يضرب البنى التحتية الاجتماعية المرتكزة على محورية الطبع البشري في مايُعقل وما لايُعقل من السلوك الخاص والعام ..

***

فاضل الجاروش

في المثقف اليوم