آراء

آراء

قديما كان اليهود متواجدون في الأناضول، وهي منطقة قريبة من شرق آسيا، وتعتبر شبة جزيرة جبلية موجودة غرب آسيا، وهي محصورة ما بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، حيث كان توجدهم قريبا كان في القرن الرابع قبل الميلاد، وهذا أول تواجد لليهود كما هو مذكور في التاريخ تقريبا.

بيد أن تاريخ وظهور اليهود بشكل كبير جدا في كتب التاريخ كان مقرونا بالدولة العثمانية والتي أسسها عثمان بن أرطغرل سنة 1299 م، حيث كانت الحياة السياسية والاقتصادية لليهود كانت تسير يخط متوازي مع المراحل المختلفة بطبيعة الحياة داخل الدولة العثمانية.

ولقد استطاع اليهود اختراق الدولة العثمانية في تلك الفترة، وذلك من خلال تفوقهم في مجالات مختلفة، فمثلا تمكن اليهود من دخول أول مكينة طباعة للأراضي العثمانية، وبذكائهم وتفوقهم تمكنوا أن يحتلوا مكانة مهمة في أنظمة الحكم العثماني.

أما في فترة الركود التي تعرضت لها الدولة العثمانية في القرن السابع عشر الميلاد، تعرض يهودي الدولة العثمانية لحالة كبيرة من الانهيار على المستوى الثقافي والاقتصادي، إلى جاءت الحرب العالمية الأولى، وأنهت الدولة العثمانية.

واليهود عموما عاشوا آمنين ومطمئنين في ظل الدولة العثمانية المسلمة مقارنة باليهود الذين عاشوا في ظل حكم أوروبا مع الدولة المسيحية.

قبل قيام الدولة العثمانية وفي عهد الدولة البيزنطية كان يوجد احتقان شديد ما بين اليهود وما بين الديانة المسيحية.

وفي هذا المقال نود أن نوضح سر العلاقة ما بين اليهود وما بين الدولة العثمانية كيف حدثت؟

أول لقاء جمع بين اليهود والأتراك كان ذلك في بلاد الرافدين، وهي منطقة جغرافية وتاريخية تقع في جنوب غرب آسيا، وتقع حاليا في العراقـ وسوريا، وتركيا، ومكان يتواجد ما بين نهري دجلة والفرات، حيث سمح الأتراك لليهود في اللقاء الذي تم بينهم بحرية العقيدة والدين، سواء لليهود الذين التقوا بهم في الأراضي التي فتحوها، أو من اليهود الذين هربوا من ظلم البيزنطيين، وهذا مقابل ضريبية يدفعها اليهود، وكانت توجد ثقة كبيرة جدا بين اليهود والأتراك في تلك الفترة، لدرجة أن وزير أحد الحكام السلاجقة كان يهودي، واليهود الذين كانوا قد هربوا من بلاد ما بين الرافدين والذي تم فيه أول لقاء تم بين اليهود والأتراك كما قلنا وهي سوريا وتركيا والعراق، وهذا كان بسبب الحرب الذي افتتحها " أورخان غازي" وهو ابن عثمان بن أرطغرل، وهؤلاء قد عادوا إليها، وذلك انتهاء الحرب، وأظهر " أورخان غازي  "، و" علاء الدين " – أخوه، اهتمام خاص جدا تجاه اليهود الذين كانوا متواجدين في بلاد ما بين الرافدين، حيث كان اليهود يضمنوا مكانتهم في تلك الفترة بسبب نجاحهم في الصناعة والتجارة وزكاة المال.

وبدأ العديد من اليهود في الدولة البيزنطية وهي امبراطورية مسيحية امتدت من العصور القديمة المتأخرة وحتى العصور الوسطى، وكان ذلك حوالي 1395-1453م، واليهود في عهد الإمبراطورية البيزنطية عانوا من اضطهاد كبير جدا، ومن أشكال هذا الاضطهاد مثلا أن الدولة البيزنطية قامت بإبعاد بعض اليهود من المناصب الحكومية في عام 404م، حيث منعوهم من الحدمة المدنية، ومن جميع المناصب العسكرية في سنة 418 م، كما استبعدوهم من جميع المناصب العامة المتبقية سواء المدنية منها أو العسكرية في سنة 425م، وتم حظر بناء معابد يهودية جديدة داخل الإمبراطورية البيزنطية.

وكان عموما الإمبراطورية البيزنطية تحاول قد الإمكان أن تضيق على اليهود كي يتركوا أراضي الإمبراطورية البيزنطية.

في تلك الفترة وفي ظل كل الاضطهاد وجدنا أورخان باشا بت عثمان برغبة اليهود في امتلاك حي خاص بهم، وهذه كانت أول نواة تمكن من خلالها اليهود أن يمتلكوا منطقة خاصة بهم، وهذه المنطقة تقع في بلاد ما بين الرافدين والتي كانت آنذاك تتبع الدولة العثمانية، ولاشك أن اليهود قد رحبوا بتلك الفرصة كي يتمكنوا من أداء ممارساتهم الخاصة بعاداتهم وشعائرهم الدينية بسهولة.

وفعلا تم تأسيس حي لليهود خاص بهم في تركيا، وتمكن اليهود من امتلاك الممتلكات والحقول في أي مكان للدولة، وكان يعفى من تلك الضريبة جميع اليهود المشتغلين بالحكومة في الدولة العثمانية، وكذلك تم إعفاء اليهود الذين كانوا يعملون في مناصب دينية، وتم منح اليهود حق في أنهم ينشئوا مدرسة لتعليم الدين اليهودي، وهذه كانت أول مدرسة تمكن اليهود من أن ينشئوها، وقد كانت موجودة في " أدرنة" وهي أحد المدن التركية والتي أصبحت مركز ثقافي وتعليمي لليهود في جميع أنحاء البلاد.

وهنا بدأ يتوالى قدوم اليهود للدولة العثمانية، وذلك لأنه بخلاف الهجرة الجماعية والتي كانت تتم إلى الأراضي العثمانية في عام 1492م من إسبانيا، كانت هناك لليهود هجرات جماعية أخرى، مثل اليهود المطرودين والهاربين من المجر عام 1376م، ومن فرنسا سنة 1394م وصقلية في بداية القرن عشر الميلادي، وفينسيا سنة 1420م.

وكل هؤلاء اليهود قد وجدوا خلاصهم الوحيد وملجأهم الوحيد إلى الأراضي العثمانية والتي كانت ترحب بهم في ذلك الوقت ، وهنا بدأت فترة النمو والازدهار لليهود، وفي عهد السلطان محمد الفاتح والذي كان خلال 1451 حتى 1481م كان يثق جدا في اليهود، ولهذا فقد أرسل حطابا للجماعات اليهودية في الأناضول والتي كانت تمثل مقر التواجد اليهودي في العصر القديم، حيث يدعوهم للقدوم إلى استانبول، وذلك لكي يزيد من عدد اليهود الذين موجودين في تلك المدينة.

وبالفعل استقر اليهود في استانبول وأقاموا حي خاص باليهود، وأعلن السلطان محمد الفاتح خلال الفرمان الذي أصدره أثناء حصاره للقسطنطينية، إلى أنه في حالة تعاون اليهود فسوف يتم لهم السماح بحرية الدين والعقيدة، وكذلك سبتم ترميم المعابد اليهودية القديمة، وكذلك سوف يأذن لهم بتحويل المنازل إلى معابد، وذلك نظرا لأن بناء معابد جديدة كان ممنوعا.

وبوجه عام كان العثمانيون يشعرون بالقرب من اليهود عن المسيحيين والسبب في ذلك هو شعورهم بالتشابه بين الديانة الإسلامية واليهودية والحروب التي كانت تخوضها أوروبا المسيحية في هذا الوقت ضد العثمانيين ن والتي كانت تسبب عداوة ما بين الدولة الإسلامية والدولة المسيحية.

ولقد كانت هجرة اليهود نحو الأناضول بداية لتشكيل الصهيونية العالمية في نهاية القرن التاسع عشر؛ إلا أن أهم الهجرات الجماعية كانت في عهد بايزيد الثاني، الذي رغم فشله في إنقاذ مسلمي الأندلس، إلا  أنه نجح في إنقاذ يهود شبه الجزيرة الإيبيرية. وحول هذه النقطة يقول المؤرخ الأميركي ستانفورد ج. شو: “لا يستطيع أي باحث مُنصف أن يُنكر دور السلطان بايزيد الثاني في إنقاذ يهود جزيرة إيبيريا من الفناء الكامل في أفران محاكم التفتيش”.

وإذا كان عهد بايزيد الثاني هو عصر إنقاذ اليهود واستقبالهم، فإن فترة حكم سليمان القانوني اعتبرت العصر الذهبي للصهيونية اليهودية، حيث شكّلت سياسة سليمان استمرارًا لسياسة بايزيد الثاني في استقبال اليهود، الذين أدخلوا العثمانيين إلى مناطق غير  خاضعة للأتراك، كما حدث حين خرج وفد من اليهود برئاسة شخص يدعى جوزيف بن سالومون إسكنازي من مدينة بودا بالمجر، واستقبلوا سليمان القانوني خارج المدينة وسلّموه مفاتيحها بلا قيد ولا شرط، ليصدر السلطان العثماني فرمانًا يعفي سالومون وسلالته من أداء جميع أنواع الضرائب.

ولم يقف دعم سليمان القانوني اليهود عند هذا الحد، بل تعدى ذلك إلى مساعدتهم في تأسيس أول كيان يهودي لهم في مدينة طبريا، حيث تناولت المصادر اليهودية هذا الدعم بكثير من التفصيل، بينما حاولت المصادر العثمانية جاهدة نفي هذا الدعم، وتبرئة ذمة سليمان القانوني من هذه الخيانة، وهو ما يدفع إلى المزيد من البحث والتنقيب بين المصادر، لتسليط الضوء حول هذه النقطة الخطيرة، التي كانت لها إسقاطات خطيرة على التراكمات التاريخية التي أدت إلى التمهيد لهجرة اليهود نحو فلسطين.

وفي كتاب “اليهود في الإمبراطورية العثمانية.. صفحات من التاريخ”، ترصد الكاتبة الروسية إيرما لفوفنا الوضع القانوني للطوائف، وخلصت إلى أن المكانة الرفيعة لليهود دفعت الطرفين لتمسك كل منهما بالآخر لتحقيق مصالح مشتركة.

أما في القرن السادس عشر، فتم تتويج اليهود ملوكًا للمال والثراء الفاحش، وكذلك التجارة الدولية الواسعة بين السلطنة وأوروبا، وكان لمعرفة اليهود باللغات الأوروبية، وعلاقاتهم مع الجاليات اليهودية هناك، أثره الواضح على تطور أعمالهم.. والسؤال الآن: هل ساهم العثمانيون في إنشاء دولة الصهاينة على أرض فلسطين؟.. هذا ما سوف نجيب عنه في المقال القادم.

***

د. محمود محمد علي - كاتب مصري

.......................

المراجع:

1- تاريخ اليهود الاسود من البداية الى الآن عشرون دقيقة فقط.. يوتيوب.

2-“ إيرما لفوفنا: اليهود في الإمبراطورية العثمانية.. صفحات من التاريخ.

3- ستانفورد جاي شو: “يهود الدولة العثمانية والتركية”.

4-

لماذا الهرولة المريبة نحو الدفع لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية؟ توقيت اتصال أطراف خليجية بالإدارة الأمريكية من أجل لإطلاق سراح الرهائن يثير أكثر من علامة استفهام يدعونا للتأمل في طبيعة وحقيقة المواقف .

لا شك في أن طول أمد الحرب في قطاع غزة  قد أرهق الجيش الإسرائيلي وكبّده المزيد من الخسائر غير المنتظرة ولا المتوقعة  في الأرواح، أما خسائره في السلاح والعتاد فالأمر لا يهمه طالما أمريكا ملتزمة بدفع الفاتورة حتى ولو غضب أو اعترض دافعوا الضرائب الأمريكيين .. الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة لإسرائيل فالجبهة الداخلية مضطربة حيث تضغط الأسر والعائلات بشدة على الحكومة لاسترجاع أبنائهم الرهائن، والوسيط القطري يسعى بوتيرة أسرع وعلى أعلى مستوى مع الإدارة الأمريكية من أجل تحقيق هذا الهدف، إلا أن التوقيت يفضح المواقف، فالمقاومة الفلسطينية على الأرض تحقق منذ أيام انتصارات لافتة وتتبع أساليب مغايرة وتستخدم نوعيات متطورة من الأسلحة، كما أن التوزيع الجغرافي للعمليات في قطاع غزة  يشير إلى الانتشار المدروس والواسع لعناصر المقاومة وتمركزها الجيد الذي سمح لها بتغيير المواقع بسرعة هائلة أثارت اضطراب الجنود الإسرائيليين وحيرتهم، وهو مؤشر على مدى تحكمهم في الوضع على الأرض، إذن يأتي توقيت التحرك لإطلاق سراح الرهائن في شكل مريب لأنه يهدف على ما يبدو بكل بساطة إلى إسقاط ورقة ضغط هامة  بيد الجانب الفلسطيني  وحرمانه من الاستفادة منها في نيل أيمكاسب، والواضح أن الجانب الإسرائيلي ومن يدعمه يريد أن يتخلص من هاجس الرهائن لتهدئة الداخل الإسرائيلي المضطرب الذي أصبح يهدد المستقبل السياسي لنتنياهو، ثم يتملص  فيما بعد من أي التزامات للتهدئة ـ فلا شيء من بعد سيوقف تدخله العسكري الغاشم وسيواصل دفع الفلسطينيين أكثر  نحو المناطق الجنوبية لقطاع غزة حتى يضعهم بين ثلاثة خيارات إما الموت قتلا، أو الموت غرقا في المتوسط، أو الموت جوعا عطشا في صحراء سيناء، وبالطبع سيكون المحتل سعيدا لو تحرك الضمير المصري لإنقاذهم، وتوفير الملاذ الآمن لهم لاعتبارات إنسانية .

لن يكون الأمر متاحا للمخطط الإسرائيلي إن هو انتظر وقتا أطول من ذلك، وكانت الإدارة الأمريكية محقة عندما أوصت المحتل الإسرائيلي بأن ينهي الأمر في ظرف أسبوعين قد مر منهم أسبوع، فالهرولة أخذت خطى أسرع لإنهاء الأمر ولكن على أساس واحد وهو إطلاق سراح الرهائن ولا غير ذلك .

المنتظر حسب المنظور الإسرائيلي أن لا يتحقق إطلاق سراح الرهائن سوى بلي ذراع المقاومة من خلال زيادة إيلام الشعب الفلسطيني والضغط عليه بتركه يأن تحت وطأة صعوبة العيش إلى أن يبلغ حافة استحالة الحياة والموت الجماعي، والمتوقع أن لا يتعدى حدود تدخل الدول " الشقيقة " المهرولة إلا في حدود تقديم شربة ماء لحفظ ماء الوجه .

***

صبحة بغورة

عالم متوحش يدعم المجرمين ولا يسمع صراخ صوت المغدورين عبر الفضاء اطفال ومسنين في الوطن المغتصب.. انها ارواح واجساد تنبئكم بالموت.. ابناء غزة جهزوا اكفانهم قبل حين واليوم دفنوهم  بقبور جماعية في مجزرة للطفولة الفلسطينية لم تالفها البشرية جميعهم اطفال ومسنين في المشافي من خلالهم يستهدفون قتل التاريخ ليمضي مع قتل المسنين وقتل المستقبل بقتل الاطفال وتنتهي احلام الاجيال الحالمين وهكذا يقتلون الامل بين حين وحين حتى يسدل الستارعلى تحرير فلسطين الوطن المغتصب وتنتهي الجريمة وهكذا هم اعداء البشرية حلفاء النازية وبوضوح تجري وبقسوة غيرمسبوقة مجزرة ليس لها مثيل وباجحاف من دعاة حقوق الانسان والجزارين تحت خيمة الديمقراطية المزيفة وصمت الاخوة الشياطين عرب ومسلمين تركوا شعب غزة يموت دون ان يحركوا ساكنا..تركت غزة تدمر واهلها يحملون رسالتهم واطفالهم كالطيور مع مقدسهم الاقصى مقدسهم الازلي مع احزانهم واحلامهم.. تركهم العرب كما ترك كل شيئ في وطنهم المشنوق..لماذا نتجاهل هذا كله؟ ولماذا نتجاهل اسلامنا وعروبتنا عند الشدائد ؟ ولماذا نكرر السؤال دائما ولا إجابة ؟؟؟ لماذا نذهب الى الظلام من كوابيسنا بوقاحة؟؟؟؟ اسئلة واخرى تتكرر وصمت اسلامي وعربي يسكن ردود الافعال العالمية صمت وقح معتوه مظلم يتلون في كل وليمة مجازر جماعية للعروبة والاسلام.. هل قرروا العرب الهروب من المشهد فالنعرض جامعتنا العربية واخوتنا الاسلامية للاستثمارالجديد لتشمل الدولة العبرية بقانون جديد للعار والخزي وهل ثمة خزي اكثرمن ان نترك ابناء غزة واطفالها يموتون خوفا من جرح مشاعرامريكا والدول الغربية الصهيونية... مالذي سنقوله للقدس ورام الله والجليل وكل فلسطين وغزة مالذي سنقوله لاجدادنا ومن سبقونا هل فرطنا بالامانة...مالذي سنقوله لكل اطفال العرب ولكل نساء العرب مالذي سنقوله  لكل الجداريات التي تقول فلسطين عربية اسلامية ومالذي سنقوله للساحات والشوارع التي سميت باسم فلسطين والقدس في بلداننا الاسلامية والعربية..هل سنكتفي بالتفرج على اعلام فلسطين المنتشره في العالم الى متى نبقى نغش ونتاجر بالعروبة واسلام المؤمنين نضطهد ونغدر باخوتنا في العروبة والدين قادرين على غدر بعضنا البعض ونرتمي باحضان الكافرين الى متى نبقى نقتل بعضنا البعض خدمة لامن اسرائيل..هل سنكتفي بذرف الدموع على صور اطفال غزة والمجازر في المستشفيات وهل سنكتفي بالتفرج على انين الشوارع والساحات في غزة التي تنقلها الينا الشاشات.. اليس العرب والمسلمين كلهم عاقين لدينهم وعروبتهم بحق غزة والقدس وكل فلسطين..بين وجع فلسطين وغربتها بين منصة كبريائها مضى اطفال غزة المتوجين بالشهادة والبراءة مضو بصمت حناجر قتيلة وانهاء احلام المستقبل اليس موحشا هذا الموت وهذه الجرائم المتكررة لابناء غزة وهم يقتلون كقرابين لكل فلسطين والقدس..انه وجع كبيرمجزرة اطفال غزة الا توقف هذه المجزره المروعة..الا توقض هذه المجزرة احدا من تجار العروبة والدين ؟ الا يرعب انين غزة المدوي وطنيتكم وعقيدتهم ايه العرب الادعياء..يالله كم نحن وابناء غزة مدججين بالفزع تعساء سلطوا علينا حكام سفلة.. نحن المحكومين عرب ومسلمين وابناء غزة وكل فلسطين ابناء الكلمة واولاد الفطنة صناع الامل لن نفقد الامل ولم يفقده كل شعوب العرب والمسلمين.. لقد رحل الاف الشهداء من اطفال غزة وفلسطين رحلوا وتركوا الطواغيت والخونة.. وسيبقى الامل مع جيل المستقبل وكل القادمين المتفائلين وسيبقى الامل يعطي الارواح التي غادرتنا هدوء كما الاذان..فاليتغمدهم الله بواسع رحمته وستبقى ادانات المجزرة لأطفال غزة تتجدد في ذاكرة المؤمنين.. 

***

د. قاسم محمد الياسري

جمهورية الصين الشعبية هي موقع اخر "مهم" وتشكل محور "أساسي" من الصراع الامبراطوري العالمي الدائر حاليا والذي "لا" يتوقف في تحولاته على صعيد الكرة الأرضية والذي "ِشكل" نجاح عملية طوفان الأقصى والانتصار العربي الفلسطيني فيه الى التوقع الحتمي الى زيادة التغيرات المتوقعة في العالم وتسارعها الانتقالي الى عالم متعدد الأقطاب ناهيك عن القناعة الذاتية عند التي تم ايجادها عند الجميع والتي تقول ان الكيان الصهيوني العنصري المقام على ارض دولة فلسطين المحتلة هو كيان "لا" افق له، و"لا مستقبل زماني له، وانه زائل وسينتهي وهذا الرعب الأكبر الذي اصبح الوشم في الروح عند كل العرب والمسلمين وهذا الامر يعرفه ويدركه الغزاة الأجانب لذلك حصل ما حصل من هيستيريا الانتقام الوحشي البربري ضد المدنيين العزل المحاصرين في قطاع غزة.

ان علينا ان نقرأ الموقف الصيني من هكذا صراع وأيضا انتقال متعدد الاقطاب ضمن واقع مصالحنا العربية المتداخلة مع مصالح جمهورية الصين الشعبية وهي القطب الامبراطوري القادم للسيطرة وازدياد وتضخم نفوذه الدولي مع خطوط التجارة الدولية الجديدة التي يقوم بأنشائها وتطويرها على كامل الكرة الأرضية، ان هكذا قراءة مصلحية مطلوبة ضمن عقلية عربية "رسمية و"شعبية" تريد الاستفادة من هكذا تداخل وتقاطع مصلحي مشترك وهذه رسالة منا الى النظام الرسمي العربي، تطلب منه ان يعيد دراسة اتجاهاته وطرق تعامله في العلاقات الدولية وخططه المستقبلية ضمن "عقلية" و"مخ" يتفهم ويدرك ويستوعب هكذا تشابك وتناغم مصلحي مفيد نافع بيننا وبينهم، ومن هنا علينا قراءة "الموقف الإيجابي" للصين حيث شكل استخدام الصين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الأمريكي، يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أقوى انخراط صيني في الحرب الصهيونية العنصرية الاجرامية على غزة، وعلينا ان نلاحظ ان الصين لم تستخدم المصطلحات المعتادة في التعبير عن موقفها من تلك الحرب؛ بل أعلن وزير خارجيتها وانج يجي- بكل وضوح، وفي أكثر من مناسبة- أن رد الفعل "الإسرائيلي" على هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) “يتجاوز حد الدفاع عن النفس”. ويتناقض موقف جمهورية الصين الشعبية هنا هذا مع السياسة الأمريكية الحالية تجاه الحرب في قطاع غزة؛ ولهذا أيدت الصين مرتين مشروعات القرارات التي تقدمت بها روسيا في مجلس الأمن لبناء مسارات إنسانية مستدامة لقطاع غزة، مع الدعوة إلى وقف كامل للحرب، وهو موقف يختلف مع السياسة الأمريكية التي ترفض تمامًا وقف الحرب في الوقت الحالي كما يرغب بذلك ويأمرها الكيان الصهيوني.

ان هذا الموقف الصيني المختلف والجديد قد اوجد "صورة نمطية إيجابية" عن الصين ك "دولة مسؤولة" "رزينة" "لا" تدعم استمرار الحرب الصهيونية على قطاع غزة المحاصر، وتطالب بوقف هذه الحرب في أقرب وقت.

على العكس من الصورة النمطية الأخرى "السلبية" عن الولايات المتحدة الامريكية و"ِشلة الدول" التابعة لها ضمن حلف الطاغوتي الربوي العالمي الذين يؤيدون قتل الأطفال وتفجير المدنيين في الذخائر العسكرية وتدمير المساجد والكنائس واقتحام وقصف المستشفيات والإبادة البشرية ضد العرب الفلسطينيين الذي يقوم به الكيان الصهيوني بدون توقف منذ أكثر من واحد وأربعين يوما لكي ينتقم من هزيمته العسكرية المذلة في عملية طوفان الأقصى.

ضمن هذا الكلام وهذه المواقف الصينية "الإيجابية" وفي اليوم الواحد والأربعين لما بعد الانتصار العربي الفلسطيني ضد الغزاة الصهاينة في معركة طوفان الأقصى، تأتي زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" للولايات المتحدة الامريكية حيث حملت معها بالتأكيد ملفات كثيرة متعددة مهمة للبلدين ولكن يبرز المكان الجغرافي لموقع الزيارة ذاته؟! حيث يزور الرئيس الصيني مدينة سان فرانسيسكو؟! وليس العاصمة الامريكية واشنطن؟! وسان فرانسيسكو هي موقع جغرافي غريب الاطوار !؟ وليس هناك منطق نجده في هذه المكان للزيارة الرئاسية الصينية الا انه موقع يمر فوق البحر مباشرة من الجغرافيا الصينية حيث تنطلق الرحلة الرئاسية، وعلينا ان نلاحظ ان مسار الرحلة "لا" يعبر فوق أي أراضي أمريكية ولهذه الامر دلالة كبيرة وهي عدم الثقة الصينية في الولايات المتحدة الامريكية؟ ومن الواضح التوجس الأمني والاستخباراتي الصيني؟ حيث تمثل مدينة سان فرانسيسكو الطريق الأقرب، وعلينا ان نعلم ان هذه المدينة كموقع للزيارة قد اختارها الرئيس الصيني ولم يتم اختيارها من الجانب الأمريكي.

ولمن لا يعرف طبيعة هذه المدينة فأنها موقع "قذر" و"متعفن" لتجمعات اللوطيين والشواذ والمنحرفين جنسيا ودعاة ممارسة الجنس مع الأطفال وباقي اشكال الانحرافات السلوكية المريضة، مع انتشار الجريمة المنظمة المافياوية العصابية، وتراكم جيوش العاطلين عن العمل، والمشردين في الشوارع بدون مأوي و"لا" منزل و"لا" رعاية صحية، مع انتشار تجارة المخدرات وتعاطيها وتواجد أشلاء بشرية من المدمنين في الازقة والحارات وتحت الجسور ضمن جو عام بشع ليس به روح و"لا" أجواء إنسانية طبيعية تحتوي "وجود" كل ما هو "بؤس" يمثل حقيقة النظام الطاغوتي الربوي العالمي على ارض الواقع بعيدا عن أوهام المسلسلات والأفلام السينمائية والتلفزيونية.

ان المفارقة الكوميدية إذا صح التعبير انه مؤسسات الدولة الامريكية المرتبطة في هذه المدينة تحولت لما يشبه "ربة البيت القلقة" و"المضطربة" التي تتنظر قدوم الضيوف لمنزلها المخجل في نظامه وترتيبه والفضائحي في واقعه وحقيقته، حيث قامت مؤسسات الدولة الامريكية في سابقة من سوابق الزمان الطاغوتي الربوي في هذه البلاد المنكوبة؟! قامت هذه المؤسسات في تنظيف الشوارع وللمرة الأولى شاهد السكان شوارعهم نظيفة وكذلك للمرة الأولى اختفت تجمعات المدمنين ومتعاطين المخدرات والمشردين وتم تجميعهم او طردهم من الشوارع الرئيسية وتم تفعيل "منع بيع المخدرات علنيا وتعاطيها؟! على العكس من السابق؟! ما نريد ان نقوله في اختصار انه تم تلميع المدينة وإزالة القرف الطاغوتي الربوي عنها تحضيرا لزيارة الرئيس الصيني مما يعطينا أيضا انطباعا عن وجود تعمد مؤسسي امريكي لصناعة المأساة الإنسانية وازالتها حسب الطلب؟ فمن أزال كل مظاهر العفونة والقرف هي نفس المؤسسات التي سمحت فيها؟ وهذا موضوع اخر ولكن:

يما يتعلق في توقيت الزيارة فأن لها علاقة كما ذكرنا في اكثر من ملف بين البلدين، ولكني أتصور ان احد اهم الملفات الخاصة في المنظومة الأمريكية الحاكمة لها علاقة في الانتخابات الرئاسية القادمة وهي مهمة جدا للحزب الديمقراطي حيث يحاولون منع حدوث أي انهيار اقتصادي متوقع وتأجيله لما بعد الانتخابات وهذا هو السبب الرئيسي وراء استعداد إدارة بايدن لبدء تحسين العلاقات الصينية الأمريكية، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية والتجارية، وهو ضمن سياق غير مباشر عن الاعتراف "الغير معلن" بأن الولايات المتحدة الامريكية قد عانت بالفعل من حرب الرسوم الجمركية، والحرب التجارية ضد جمهورية الصين الشعبية، ما نقصده هنا ان الولايات المتحدة الامريكية هي قد تضررت من عقوباتها التي وجهتها ضد جمهورية الصين الشعبية؟!.

ويرجع ذلك إلى أن أغلب التعريفات والضرائب الإضافية التي فرضتها واشنطن على الصادرات الصينية قد تحملتها الشركات والمستهلكون الأمريكيون في نهاية المطاف، كما أدت إلى تفاقم التضخم في الولايات المتحدة. وأهم من ذلك هو إدراك إدارة بايدن أنه من أجل حل المشكلات الصعبة للاقتصاد الكلي للولايات المتحدة، بما في ذلك السيطرة على التضخم، وتمويل ديون الخزانة، فإن تدفق الأموال الصينية ضروري، بالإضافة إلى أن استقرار الاقتصاد الكلي العالمي يتطلب التعاون بين الطرفين وخاصة مع سقوط الحلف الطاغوتي الربوي العالمي في المستنقع الاوكراني وتأثيره الاقتصادي السلبي عليهم وأيضا الانتصار العربي الفلسطيني في عملية طوفان الأقصى ورطهم ماليا اكثر في دعم وامداد الكيان الصهيوني في الاف الملايين من الدولارات وتكاليف نشر الاساطيل البحرية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وتفجر العمليات العسكرية ضد قواعد الاحتلال الأمريكي ومراكز جواسيسها وخطوط سرقاتها للثروات العربية في الجمهورية العربية السورية وهذه احد نتائج ما بعد الانتصار الفلسطيني في عملية طوفان الأقصى.

لذا يمكن القول إنه قبل الدخول رسميًّا في الانتخابات العامة الأمريكية عام 2024، تم افتتاح “نافذة” لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ومنها مناقشة ملف مهم يتعلق في مسألة بيع "الصين" ما لديها من سندات خزانة أمريكية مملوكة لها مما إثر "سلبيا" على الاقتصاد الأمريكي القادم كما هي العادة على انفجار فقاعة الوهم الربوي كما حدث في العام 1928 والعام 1984 والعام 2008، من هنا وانطلاقا من هذه المعطيات والدلائل اعتقد ان هذه الزيارة لها علاقة أساسية بهذا الموضوع تحديدا؟ ضمن مصلحة أمريكية صينية مشتركة، وخاصة ان الصين يهمها فوز الحزب الديمقراطي الذي يميل تاريخيا إلى إقامة علاقات طيبة ووثيقة معها.

لذلك تفضله الصين في الحكم اكثر من عودة "ترامب" الى مواقع السلطة والتأثير والرئاسة، حيث التزم "ترامب عند وجوده في هذه المواقع في سياسة المواجهة المباشرة ضد الصين فقد ساد هذه العلاقات حالة من التوتر الشديد والاتهامات المتبادلة خلال فترة الرئيس دونالد ترامب الذي شن حربا تجاريا على الصين، واستهدف صناعات تكنولوجية صينية مهمة، وأتهمها بالتواطؤ في انتشار فيروس "كوفيد-19"، وعبّر عن فخره بإغلاق الحدود أمام القادمين من الصين.، الذي أيضا في نفس الوقت حاول "تضبيط" و"ترتيب" العلاقة مع جمهورية روسيا الاتحادية، وعلينا ضمن هذا السياق ان نذكر حقيقة مهمة حصلت وجرت اثناء فترة حكم "ترامب" السابقة حيث انه لم يدخل في حرب عسكرية "مفتوحة" "مستمرة" مع أي موقع جغرافي في العالم على العكس من باقي رؤساء الولايات المتحدة الامريكية، حيث انه يحمل "اجندة امريكية داخلية" تلتزم في رؤية ومنهجية وسياسات القادم الجديد ضمن الواقع الأمريكي المحلي الخاص في التيار الشعبي الأمريكي المؤمن بأن "المحلي" هو اهم من "الخارج "، وان عليهم التراجع داخليا للحصول على مستويات معيشية افضل والحصول على تقليل للنفقات العسكرية المليارية في إعادة توجيهها بما يخدم المصلحة المحلية الممتدة ضمن اكثر من خمسين ولاية اتحادية تمثل الدولة الفيدرالية الامريكية وهذه المسألة في التراجع والانكفاء على المحلي الداخلي تمثل شيئا "خادما" للسياسة الروسية المتجهة لتحقيق تعدد اقطاب امبراطوري دولي وإعادة توزيع الكرة الأرضية حسب مقاسات ومناطق نفوذ جديدة، تحفظ وتضمن ما تريده روسيا من انجاز انشاء "حالة اوراسية" تضمن وجودها الامبراطوري ضمن موقع نفوذها القومي السلافي الأرثودوكسي ومحيط ذلك الموقع من قوقعة حماية "اوراسية".

اذن توجهات ترامب والتيار الشعبي المساند هو على العكس والنقيض والخلاف من "بايدن" الذي يمثل المنظومة الحاكمة الامريكية "الكلاسيكية" إذا صح التعبير والتي تريد مواجهة مباشرة ضد روسيا وتكسير المحيط الاوراسي والذي هو "القوقعة" الحامية والمحيطة لموقع النفوذ القومي السلافي الأرثوذكسي، ومن هنا جائت الحرب الأوكرانية المدعومة منهم وتحرشاتهم ضد روسيا في محيطها الاوراسي التي هي قوقعتها المحيطة فيها والتي هي تاريخيا ضمن مجالها الحيوي والتي "لا" تتنازل عنه و"لا" تسمح ولن تقبل لأي نفوذ أجنبي في الاقتراب او الدخول فيه.

اذن هناك تناقض و"ديالكتيك" روسي مع المنظومة الحاكمة الكلاسيكية الأمريكية ولكن هناك "تلاقي" و"توافق" روسي مع الحالة الامريكية القومية المحلية التي يمثلها ترامب ومن ورائه من دعم شعبي امريكي ممتد متشعب رافض ومتناقض مع "كلاسيكيات" المنظومة الحاكمة الامريكية التي أيضا ترفض "ترامب" وتريد الغائه ك "شخص" لما يمثله من "تعبير" عن تيار قومي امريكي محلي.

نحن هنا علينا ان نقول: اننا لا نقرأ هذه المشهدية بين الصين والروس والامريكان من باب الترف الفكري والبحث عن لغو كلامي ننشر بها مقالة من هنا او لكتابة قراءة للعلاقات الدولية من هناك، بل اننا نريد ان ننطلق بما يفيد الحالة العربية ونجاحها في صراعها "الوجودي" ضد الغزاة الصهاينة ومن معهم من أجانب احتلوا أراضينا العربية.

ان حصول تراجع امريكي دولي يضرب الكيان الصهيوني و"لا" يفيده وخاصة ان له علاقات تجارية مع جمهورية الصين الشعبية وليست سيطرة وتحكم كما هو الحاصل مع الولايات المتحدة الامريكية، حيث الكيان الصهيوني هو من يأمر ويتم التنفيذ والولايات المتحدة الامريكية هي ليس لديها أي موقع الا ان تترجي وان تطلب وان تدعم طلبات الغزاة العنصريين الصهاينة بما يريدون.

وكذلك عندما نعرف ان الحالة الإمبراطورية الاوراسية ليس لديها عقدة من وجود حالة إسلامية امبراطورية ممتدة وأيضا ليس لديها مشكلة مع الثقافة الإسلامية فأن ذلك أيضا من مصلحتنا ولعل ان ما جاء في كلام الكسندر دوغين يمثل أهمية لمن يعيش التخطيط والتفكير في النظام الرسمي العربي وكذلك النظام الرسمي الإسلامي حيث يقول : "تحرير ارض غزة وكل فلسطين يعتمد على الإسلام العالمي، اذا كان للمسلمين أي قيمة، فستحرر فلسطين، وسوف ندعم نحن ذلك، لن يشن احد هذه الحرب نيابة عن المسلمين لتحقيق العدالة التي يريدونها ويسعون لها، أيها المسلمون، هذه هي حربكم".

"لا" اريد هنا "جلد الذات العربية و"لا" إعادة "نقد الواقع الإسلامي، بل ان أقول:

ان علينا ان نتحرك في تكليفنا الشرعي الاسلامي والقومي العربي والوطني العاشق للأرض، بأن ننطلق من مواقع قوتنا كل واحد منا ضمن قدرته ومجال عمله وضمن قدراته الفردية او المؤسسية وهذا الكلام موصول لمن هم في مواقع السلطة والقرار والحكم في النظام الرسمي العربي والنظام الرسمي الإسلامي وهم أصحاب القوة العسكرية والأمنية والاستخباراتية وبيدهم "قوة" الدولة وتأثيرها.

ان على الجميع العمل والحركة من اجل صناعة التحرير والاستقلال الحقيقي من الأجانب الغزاة وهذه مسيرة هي قدر كل عربي ومسلم يريد ان يكون له مكان في التاريخ وصناعته.

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.. سورة التوبة 105

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.. آل عمران 200

***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

 

في الوقت الذي تخاذلت فيه غالبية الأنظمة العربية، بل وتواطأ بعضها، عن نصرة غزة الذي تنزف فيه وحدها وتقاتل وحدها، ولا أحد يدفع معها ضرائب دم، برغم انقضاء نحو شهر كامل كما يقول أستاذنا عبد الحليم قنديل على حرب الإبادة الدموية للمدنيين في “غزة”، وأعدادهم تزيد على نحو فلكى كل يوم، والمجازر “الإسرائيلية” تتوالى بالعشرات، وأحدثها في مخيم “جباليا”، وما يزيد على العشرة آلاف قتلوا حتى اليوم بغارات وقصف وحشى لا يتوقف، أغلبهم من الأطفال والنساء، وكل موارد الحياة تقطع عن “غزة”، من الطعام والدواء والماء حتى الاتصالات والإنترنت، في محرقة بشرية شنيعة، يندر أن تجد لها مثيلا في مطلق التاريخ الإنساني .

وبرغم ذلك فقد ربحت غزة في تحويل مشاعر التعاطف العالمي من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الغزاوي نظراً لضخامة الفظائع التي ينقلها الإعلام العالمي مباشرة على مدار الساعة.

إن هزيمة إسرائيل المعنوية كما ذكر أستاذنا حمدي رزق لا تُتخيل، إسرائيل تنزف من كرامتها المهدرة، وكبريائها المجروحة، وغرورها الذي تهاوَى، إسرائيل الكبرى صغرت قوى في أعين العالم، باتت تتسول دعمًا ماديًّا وعسكريًّا وبشكل مهين للغطرسة التي كانت عليها قبلًا، كانت تستأسد علينا، فباتت بعد الطوفان مثل نعامة تخشى طفلًا فلسطينيًّا يحمل حجرًا. نعم لقد خسرت إسرائيل الجلد والسقط، سقطت في اختبار الأهلية الدولية، وخاصمتها الشعوب الحرة، والمنظمات والهيئات والجمعيات التي تعنى بشؤون الإنسانية وحقوق الإنسان، صارت دولة منبوذة إنسانيًّا، اسمها مرادف لكل ما في قاموس البربرية الغابرة.

لكن السؤال: هل يكفي هذا لكي نعتبر أن حماس حققت انتصاراً كبيراً أو مديداً على إسرائيل؟

اعتقد أنه من السابق لأوانه الجزم بذلك، كما أنه ليس من السهل توقع مسارات الأحداث ومآلاتها على صوت المدافع والصواريخ، فالحرب الحالية التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ردا على عملية “طوفان الأقصى” ما زالت في بدايتها، حسب ما تصرّح به كل قيادات الاحتلال السياسية والعسكرية، غير أن هول الضربة التي تعرضت لها إسرائيل خلال هذه المعركة وحجم القصف والدمار التي تستهدف به قطاع غزة في هذه الأيام، يمكن أن يعطي تصورات مبدئية إلى أين تسير الأمور، وخصوصا ماذا يسعى الاحتلال لتحقيقه من هذه الحرب.

لكن يبقى السؤال المهم هو ما بعد طوفان الأقصى ماذا سيكون؟!!!

يقول الأستاذ فراس ياغي : يبدو أن المعركة الدائرة الآن هي مصيرية ستحدد مصير كل الكيان الإسرائيلي، ولذلك إعتبر وزير دفاع الكيان "غالانت" أن إسرائيل تتعرض لمصير وجودي، وفعلا ما تم في السابع من أكتوبر هو في هذا السياق، فدولة المهاجرين والاستيطان تستند للأمن والإزدهار، وحين ينهزم جيش الأمة ويتم إذلاله وتفشل إستخباراته فوجوده لم يعد ولن يعود كما كان قبل "طوفان الأقصى"، هي ايام قليلة سيتحدد خلالها مصير هذا الكيان والمنطقة ككل، لأنه يتبين يوما بعد يوم أن كل مخططات هذا الكيان ومن معه فشلت وستفشل، لذلك على أمريكا أن توقف هذا الكيان عند حده وتبدأ في طرح تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تُحقق الحرية والاستقلال والعودة للشعب الفلسطيني وتمكنه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

إذاً نحن نقترب من مرحلة جديدة مختلفة عما سبق، ناتجة من مضاعفات عملية عسكرية كبيرة نجحت في مكان ما لكن بكلفة مهولة. وثمة من يقول إن المستقبل سيكون من دون بنيامين نتنياهو وتوليفته اليمينية من جهة، وحماس من جهة أخرى.

نعم، التاريخ سيتغيّر لأن ما قبل الطوفان ليس كما بعده، وجغرافيا القطاع التي بدأت بالفعل معالمها بالتبدّل، أقصى ما ستنتجه من تداعيات هو مزيد من التضييق على أبناء الشعب الفلسطيني المقاوم، دون أن تستطيع محو إرادة البقاء لديه ولا إطفاء شعلة العزم على استعادة كامل أراضيه التاريخية المحتلة.

والسؤال الذي يطرح نفسه من قبل بعض كبار المهتمين بما يجري: هل يمكن أن تتكرر تجربة حرب أكتوبر التي قادت إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية؟

يقول الأستاذ هاني المصري في الإجابة على هذا السؤال: إن الرد الأولي أن الظروف مختلفة، وأهداف اللاعبين مختلفة، فالسادات خاض الحرب وفي ذهنه التوصل إلى تسوية، لذلك أطُلق عليها حرب تحريك وليست حرب تحرير. فلا يمكن أن تتحقق التسوية، حتى وإن كانت مختلة، بسبب عدم وجود شريك إسرائيلي لأي تسوية، حتى إذا تشكلت حكومة وحدة في إسرائيل، ولكن يمكن أن تتحقق التصفية إذا هُزِمت المقاومة وتحققت الأهداف الإسرائيلية؛ حيث عندها يكون هناك حل استسلامي، وهذا بات أصعب الآن إن لم يصبح مستحيلًا، وحينها سيستأنف قطار التطبيع سيره، وكذلك مخطط إقامة الشرق الأوسط الجديد، وستكون السلطة ممثلة للطرف الفلسطيني. لكن، هذه أضغاث أحلام، فما حدث في طوفان الأقصى ودلالاته يثبت مجددًا الشعبية الطاغية لخيار المقاومة، واستحالة القفز على الشعب الفلسطيني وحقوقه، فهو الرقم الصعب شاء من شاء وأبى من أبى.

***

د. محمود محمد علي - كاتب مصري

 

ما علاقة اليوم بالبارحة؟

وما علاقة الأحداث الماضية بالأحداث الجارية؟

وهل أن الحاضر مولود من رحم الماضي أم أنه مولود في أنابيب الإختبار؟

هل أن ما سبق يرسم ملامح ما لحق؟

تساؤلات تستحق التأمل والنظر.

وفي الطب هناك قاعدة معروفة مفادها أنك لكي تصل إلى التشخيص الصحيح للمرض عليك بدراسة وتتبع تأريخه، ولا زالت هذه القاعدة سارية رغم التقدم التكنولوجي، ولا تخلو إضبارات المرضى من الإسهاب في متابعة تاريخ المرض، لكي يتمكن الطبيب المعالج من فهم طبيعته وسلوكه وما يقتضيه من إجراءات مناسبة.

وما يقوم به البشر من سلوك في السابق ينجم عنه ما يعانيه في الحاضر والمستقبل.

فالشخص الذي لا يميل إلى النشاطات البدنية ويأنس للسكون والأكل الكثير، سيصاب بالبدانة ومضاعفاتها وبأمراض القلب والشرايين والسكر ويموت مبكرا.

وهذه القاعدة تنطبق على السلوك الفردي والجماعي،  فسلوك أي مجتمع في السابق يحدد حالته في الحاضر والمستقبل،  وما جرى في مجتمعنا في القرن العشرين وخصوصا النصف الثاني منه يرسم حاضرنا ومعالم مستقبلنا.

فالشيء مولود من رحم شيئ ولا يمكنه أن يكون إبن لا شيء.

وإذا أخذنا الأحداث السياسية العراقية -على سبيل المثال- وقارنا ما بين الأحوال والتطورات في الزمن الملكي والزمن الجمهوري، يتبين أن السلوكيات التي أدت إلى سقوط النظام الملكي قد ساهمت في  ما تحقق في الزمن الجمهوري الذي أسس لما جرى بعده.

وبما أن السلوك ناجم عن الأفكار الفاعلة في عقل الفرد والمجتمع، فأن الأفكار المتفاعلة فينا هي التي رسمت حاضرنا وستصنع أوجاع مستقبلنا، فالعلاقة ليست علاقة رقمية أو تبدو وكأنها بسيطة ومسطحة، وإنما هي تفاعلات عميقة خفية لا واعية في دنيا الفرد والجماعة، توفرت الظروف اللازمة لإطلاقها والتعبير عنها.

فالعيب لم يكن في النظام الملكي أو الجمهوري وما بعدهما وإنما بالعقليات الفاعلة فيها.

نعم، العيب فينا وليس بنوع النظام، ولن يتغير شيئ لو غيرنا الحالة السياسية ألف مرة، لأننا لم نتغير ولم نتبدل ونتفاعل بذات العقلية ونعبّر عن السلوك الناجم عنها، ونمارس في قراءاتنا وتحليلاتنا آليات إسقاطية وإنكارية، فلا نريد رؤية عيوبنا وندعي أن المشكلة في النظام، ونتمادى في إنكار إضطراباتنا السلوكية والفكرية والنفسية الفاعلة في تقرير مصير مسيرتنا الدامية.

ففي النظام الملكي لم تكن هناك رؤى وتصورات وطنية واضحة يمكن للمجتمع  أن يلتف حولها ويصنع وجوده المعاصر، ولم تنجب تلك المرحلة قادة ومفكرين ومثقفين وطنيين لهم القدرة على توجيه سلوك المجتمع نحو الأفضل.

فلم يمتلك الوطن على مدى القرن العشرين الريادة الثقافية والفكرية اللازمة لصناعة الحياة، لأن طبيعة التفاعلات في المجتمع لا تسمح بذلك إطلاقا وتقضي عليه فورا، ويظهر ذلك بوضوح بمقارنة بسيطة مع مصر وكيف تصرف قادتها مع الملك وكيف تصرفنا مع الملك عندما تحقق التغيير، وعلة ذلك أن مصر كان فيها قادة مثقفون يؤثرون في صناعة الرأي وبناء التطلعات الوطنية ذات القيمة الحضارية المعاصرة.

أما في العراق فلم يكن عندنا تلك القدرات، وإنما كانت التفاعلات المنفعلة والعواطف الساخنة هي الحَكم والمقرر الأخير لكل خطوة ووجهة نظر وتعبير،  وإن ظهر مُصلح إجتماعي وأخلاقي بيننا أذقناه الصعوبات والمعاداة وحاصرناه وطاردناه .

فنحن  نحسب أنفسنا من النسل المقدس الذي لا يعرف الهفوات، ونميل إلى التبعية العمياء ومعاداة الأشخاص، وأن أنانيتنا الحمقاء تقتل وطنيتنا السمحاء .

ومَن يقرأ أشعار الجواهري يرى ذلك بوضوح، فالرجل قد سطر تاريخ العراق الحقيقي في القرن العشرين وبحذاقة شاعر يعيش مأساة الشعب ويتحسس آلامه وقهره.

وبهذا فأن فقدان الرؤية الحضارية الواضحة وغياب العقول المثقفة الواعية  الفاعلة في الحياة، قد أوجد حالة من التخبط والإضطراب الكامن في النفوس والمحتقن في اللاوعي، وما أن يجد منفذا حتى يعبر عن وجوده بغابية ووحشية منقطعة النظير وتكرر ذلك مرارا، وقد عشناها في السنوات الماضية بأقصى ما يمكن أن يكون عليه التعبير والفعل المحتقن المشين.

وهذا الفقدان هوالذي جعلنا وعلى لسان قادة ذلك التغيير الذي أوجد الجمهورية بدعواتهم وبياناتهم، أن نحقق الهياج الإنفعالي العالي الذي توجناه بالقتل البشع والسحل في الشوارع، ومضينا على هذا المنوال في النصف الثاني من القرن العشرين .

ولا زلنا نعيش ضبابية وطنية وغياب مروّع للرؤية والمنطق والعقل المعاصر القادر على إستيعاب التناقضات، وإكتشاف القوانين اللازمة لتحقيق صيرورة وطنية ذات تأثير وطني نافع.

ولا توجد مؤشرات على وجود نظرية سياسية أخلاقية ذات قيمة حضارية ووطنية نافعة عند الذين حققوا التغيير في النظام السياسي في جميع الأحوال، وإن وجدت فأن الإلتزام بها يكون معدوما.

وسنبقى في حالة من الترنح والتخبط، لأن أفكارنا لا تتفاعل وعقولنا لا تتلاقح وإنفعالاتنا هي السائدة وعواطفنا تتحكم بنا رغما عنا، وما فينا يجلدنا ويقرر رؤيتنا ولا يسمح لنا برؤية ما حولنا، بل دوما نحن نندفع ونناضل من أجل أن نرى ونحقق ما عندنا من إنحرافات سلوكية تتمحور حول الكرسي، الذي يرمز للسلطة والقوة والإمتهان والثراء الفاحش على حساب المساكين من أبناء البلاد الأبرياء، المحكومين بالحاجة والفقر والعوز الشديد.

وما دمنا قد دخلنا في دائرة مفرغة من التفاعلات السلبية التي بدأت بتأسيس الدولة، وتفاقمت وتعاظمت وفقا لتفاعلات الأحزاب الدامية، فأن الأمر مترابط ومتشابك، وكل مرحلة تساهم في زيادة وتعقيد عناصر التفاعل المرير .

ولن يخرج البلد من مأزق الويلات وحمى الكراسي والتحزبية والمذهبية وغيرها من أمراض المجتمعات وأوبئة الضياع والخسران، إلا بتغيير الأفكار والرؤى والنظر إلى الدنيا بمنظار العصر، وعدم التمسك بمنظار ما مضى وما إنقضى وقراءة ما جرى ويجري بواسطته.

إن مأزق الوطن الحضاري، هو أن هناك مَن لا يرى بعيون الحاضر والمستقبل، وإنما يحمل منظار كان يا ما كان ويقرأ الحياة بواسطته، ويتصرف على ضوء ما فيه من جراثيم الأفكار والتصورات، والمعتقدات الخالية من الحياة والمتعفنة في صناديق الآهات.

فلا النظام الملكي أفضل من النظام الجمهوري، ولا السابق أفضل من اللاحق، ولا اللاحق أفضل من السابق، وإنما الحالات تدور في ناعور يغرف من جهة ويصب في جهة، وفقا لمعادلة تثمير الويلات ونهب القدرات والثروات، والجميع وأكثر يساهمون في تدوير الناعور .

فلن تتغير الأحوال للأفضل ، لأن الإناء ينضح بما فيه، وما فينا لا يحقق مصالحنا ويقضي على حاضرنا ومستقبلنا، وتلك محنتنا الحقيقية التي أوجدت الصراعات واحتضنت الويلات والقهر والمعاناة.

فهل سنغير ما في أنفسنا وعقولنا لكي يتغير واقعنا ونمارس الحياة الحرة الكريمة؟!

هذه قراءة لواقع عراقي لكنها قد تنطبق على الواقع العربي بأسره، فالأوطان أجهزة حية في بدن الأمة، إذا أصيب الواحد منها بعلة يؤثر على بدن الأمة ويُعلّه!!

***

د. صادق السامرائي

23\7\2010

 

تواجه عمليات تطبيق الديمقراطية في بعض بلدان الشرق الأوسط وخاصة العراق وليبيا ومجموعة الدول التي تعرضت لتغيير أنظمتها السياسية فوقيا وبمساعدة جراحية من قبل دول عظمى، هذه الدول وفعالياتها السياسية تواجه تحديات كبيرة ومعقدة في مجتمعات تتكلس فيها عبر مئات السنين موروثات اجتماعية ودينية وامراض نفسية وسلوكية تتقاطع بل تمنع قيام مجتمع ديمقراطي على النمط الغربي.

ولعله من اخطر تلك التحديات ان النخب السياسية ذاتها من انتاج مجتمعات تعاني تاريخيا من ظواهر سلبية متكلسة وموروثات معقدة في الفكر والسلوك، ناهيك بانها ادمنت أنظمة شمولية مستبدة لعشرات السنين او ربما لمئات السنين ضمن قوقعة بدوية قبلية محافظة يحكمها الخوف المريع من السلطة المتمثلة بفرد او مجموعة، ذلك الخوف الذي عبث بسلوكيات الفرد والمجتمع وفي هذه الجزئية المهمة يتفق غالبية علماء النفس والاجتماع على أن الخوف سبب تربوي مهم في نشوء ظاهرة الكذب والعديد من أنماط السلوك غير القويم كالتدليس والانتهازية، ناهيك عن مركبات النقص التي يعاني منها الفرد أو المجموعة التي تتصف بهذه الأنماط السلوكية، وهذه الظواهر والسلوكيات تنطبق بشكل كبير على المجتمعات التي تخضع لأنظمة مستبدة تشيع الخوف والرعب بين الأهالي باستخدام العقوبات المفرطة الشدة او الاعتقالات العشوائية خارج منظومة القوانين واستخدام أساليب التعذيب والترهيب مع المعارضين او حتى مع المتهمين بمختلف أنواع الجرائم او الانحرافات.

وبسبب التشبث بالسلطة والافراط بها وبتنفيذ العقوبات وخاصة العقوبات الصارمة التي تنفذ امام الملأ انتشر الخوف والرعب بين الناس وتضاعفت ظاهرة الكذب والانتهازية والتدليس والنفاق والتزلف، وقد انعكست مظاهر الانتهازية والعدوانية على شكل التعامل بين السلطة والأهالي من جهة، وشكل البناء الاجتماعي القروي والقبلي والنظام التربوي البدائي من جهة أخرى، في التعاطي مع الفعاليات الحياتية بكل أنماطها، في السياسة والمجتمع والاقتصاد والتربية والتعليم، وحتى على مستوى العلاقات الشخصية بين الأفراد أو المجموعات، حيث تسود مشاعر الأنانية والحذر الشديد والتوجّس، إلى درجة الخوف من الآخر، بل والشعور بالعدوانية تجاهه، ففي معظم مجتمعاتنا الشرقية التي تعاني من أمية أبجدية وحضارية وثقافة قروية وسلوك بدوي، ما زال يسكن دواخل الكثير من الذين غيروا أشكالهم وديكوراتهم بإكسسوارات المظاهر دونما الالتفات إلى نوعية السلوك وتقدميته، إلا بالقدر الذي يحافظ على مصالحهم الذاتية والمظهرية، والتي تنحصر في مجملها بعقلية الربح والخسارة، يسبقها دوماً سوء النية في التعامل اليومي والتعاطي مع تفصيلات الحياة اليومية بين البشر، على خلفية البقالة المجردة من المشاعر الخلاقة.

لقد مارست الطبقة الحاكمة، سواء كانت فرداً أو حزباً أو شريحة اجتماعية، ضغوطاً هائلة على المجتمع من خلال المجموعات التابعة والملحقة بها، من المستفيدين من عطاياها وسلطنتها، الذين يشكلون خطوط حمايتها وأبواق دعايتها وسدنة حكمها ومن ثم مراكز هيمنتها وإداراتها، حيث تولّت هذه (الملحقات المعوقة) مسؤوليات إدارية واقتصادية وحتى اجتماعية مهمة في المجتمع والدولة، وخير مثال على ذلك، تلك المجاميع التي أنتجتها النظم الدكتاتورية من خلال مؤسساتها القمعية والحزبية من الأميين وأنصافهم، منذ بدء حقبة الانقلابات، في كل من العراق وسوريا والجزائر وليبيا واليمن وإيران والسودان وبقية الدول الأخرى المشابهة، وتولي الكثير منهم قيادات مهمة في الجيش وحقائب وزارية وإدارة المحافظات والمدن، وحتى في الجامعات وعماداتها، ناهيك عن عشرات الآلاف من صغار ومتوسطي الموظفين في كل مفاصل الدولة.

وبدلاً من تكريس الحياة المدنية ونقلها إلى الريف والقرية وإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية ترتقي بها من تلك الأنظمة المغلقة والمحدودة والمقيدة بنظام العبودية للشيخ والآغا، وأحياناً كثيرة لرجال الدين القرويين أشباه الأميين، إلى مستويات أعلى وأكثر تطوراً، بربط تلك المناطق بمنظومة من الطرق والاتصالات والخدمات والمناهج التربوية التي تحدث تغييرات مهمة في بنائها التحتي، عملت كل الانقلابات التي هيمنت على السلطة وادّعت تغيير النظام السياسي والاجتماعي، وأحياناً كثيرة الاقتصادي السابق لها، إلى نظام جمهوري مدني اشتراكي، لا إلى نقل المدينة إلى الريف، بل حصل العكس بنقل الريف وتهجيره إلى المدن، مما أضاع فرصة ثمينة لتطوير الريف والمدينة، بل عمل على مسخ هوية المدن وإغراقها بأنماط قروية وقبلية في السلوك والتصرّف.

وخلال عقود قليلة، تحوّلت تلك الأفواج من القرويين إلى مجموعات منقادة اخترقت كل أنظمة المجتمع والدولة، وبخاصة مؤسسات الجيش والشرطة والتعليم الأوسع انتشاراً من غيرها في الهيكل الوظيفي للدولة، هذه المجموعات التي أفرزتها تلك الأنظمة المستبدّة، سواء ما كان منها على دفة الحكم أو ما كان منها على شكل منظومة عادات وتقاليد اجتماعية استبدادية، وهي بالتالي تشكل العمق الاجتماعي للأنظمة السياسية المستبدة، حيث بساطة التفكير وسذاجته وعقلية القطيع، التي سهلت مهمة الأنظمة في السيطرة على هذه المجموعات، التي نقلت معها كل سلوكيات القرية والبداوة إلى مراكز المدن، بحثاً عن العمل أو الارتزاق خلف أنظمة سياسية استبدادية، تستغلّ سذاجتها، لاستخدامها أدوات سلطوية وقمعية في أجهزتها الخاصة، كما تفعل معظم أنظمتنا السياسية هنا في الشرق الأوسط، في الاعتماد على مجاميع من القرويين والقبليين في حماية النظام ورموزه ومؤسساته العسكرية والأمنية، حتى وصلت إلى مفاصل مهمة في مراكز القرار في الدولة والمجتمع، مما تسبب في ظهور عوق اجتماعي كبير هو ما نسميه بالنفاق الاجتماعي والانتهازية المقيتة، ويبدو ذلك اكثر وضوحا في كل من ايران والعراق وسوريا ولبنان حيث استخدم الدين والمذهب كأداة غاية في الخطورة لتخدير الأهالي واستكانتهم.

إننا اليوم في ظل أنظمة تمارس نمطا ديمقراطيا قلقا لإنتاج دكتاتوريات مرنة في مجتمعات مضغوطة بالخوف والرعب والإرهاب، نواجه تحديا خطيرا في معظم البلدان التي ذكرتها، وخاصة في بلادنا حيث أقحم الدين والمذهب في العملية السياسية وتم تفعيل النظام القبلي وتسخيره كأداة مساعدة في الحكم، مما عقد مسيرة بناء مجتمع ديمقراطي باستخدام أدوات ديمقراطية مفرغة من معانيها الحقيقية كالانتخابات المضللة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية التي هيمنت عليها قوى شمولية تمارس الديمقراطية من طرف واحد تحت مظلة دكتاتورية مرنة بعيداً عن إحداث أي تغييرات اجتماعية وتربوية جذرية، وبخاصة ما يتعلّق بإزالة هواجس الخوف المنتجة لكثير من مظاهر العوق الاجتماعي في الكذب والتدليس والسلبية في التعاطي مع الآخر، كل هذه المحاولات تصطدم بكم هائل من الصراعات التاريخية سواء كانت دينية مذهبية او قومية عرقية ناهيك عن الصراع الازلي بين الطبقات، وما لم يعاد النظر بالجغرافية السياسية للمكونات والتحول من نظام الدولة المركزية الى نظام فيدرالي حقيقي  كخطوة أولى في تقزيم وانهاء الصراعات المذهبية والقومية لن تتوفر أي فرصة لتقدم البلاد والتفرغ لتحديث المجتمع تعليميا وتربويا معاصرا بما يؤهله للانتقال الى نظام ديمقراطي حقيقي.

***

كفاح محمود

ثمة أربعة أصنام آيلة للسقوط قريباً وفى غضون سنوات أو شهور..

أعلم أن كل الذين ينتمون لتلك الأيدولوجيات سوف يخالفوننى الرأى لكن لا بأس. إننى أتوقع وأزعم انهياراً وشيكاً لأربعة تابوهات لا لأمنيات خاصة ولا لرغبة دفينة، بل هو استقراء لواقع نراه ونعايشه. تلك الأصنام الأربعة هى: الليبرالية، والصهيونية العالمية، والمؤسسات الدولية، والإعلام العالمى. وسوف يكون السقوط سريعاً ومدوياً. واستبدال تلك الفلسفات والهيئات لحظة سقوطها رهن بمن أعدوا البديل!

الليبرالية والصهيونية

إن أغرب ما كشفته لنا عملية طوفان الأقصى السابع من أكتوبر أن بين العرب أنصار وذيول للصهيونية العالمية، وأن هناك خط تماس رفيع يفصل بين الصهيونية والليبرالية المزعومة.

المدخل الفلسفى لليبرالية يبدو لأول وهلة جذاباً ملهماً كدعاوى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم تكتشف أنها قشرة رقيقة زائفة تخفى وراءها القبح كل القبح. فها هى الولايات المتحدة الأمريكية راعية الليبرالية العالمية وحاضنة الصهيونية تلقى بكل قيم الحرية وحقوق الإنسان عرض الحائط لأجل إسرائيل.

لكن دعنا من صهاينة الغرب ودعونا نلتفت لما فعلته الليبرالية بنا فى عالمنا العربي..ها هى الليبرالية الاقتصادية تشيع ثقافة الاستهلاك والجشع والتطلع للرفاهية من أى طريق وبأى شكل، هكذا سادت ثقافة الاحتيال والنصب والغش والقوادة والتسول والاختلاس، وأصبحت البطالة هى الأصل بين الشباب والعمل هو الاستثناء! وفى ظل ثقافة الحرية بات كل شئ مباح وكل المبادئ رجعية وتخلف فتسربت للشباب عادات الغرب جميعها من إباحية إلى ميوعة إلى شذوذ وخمور وميوعة ودياثة وخواء فكرى.

ثم إن فقراء الجيل القادم يأتون بيأسهم وبؤسهم ويكتشفون أن طريقهم للمستقبل المأمول مسدود، فتلتهمهم عصابات السطو أو يسقطون فى هوة المخدرات السحيقة.

إن كل ما يتعلق بالليبرالية وقيمها فاسد ملوث حتى الفنون، تلك التى هوت إلى الدرك الأسفل من الذوق، فغدت لا تقدم إلا كل ما هو ممجوج ومثير للاشمئزاز.. بدءاً من كليبات العرى وإثارة الغرائز إلى أفلام العنف إلى موسيقى عبدة الشيطان. ولم يعد لمثل هذا الطريق الهابط من نهاية ممكنة إلا الزوال والمحو.

انفراط العقد

مشهد النظام العالمى الذى اعتدناه لعشرات السنين بدأ يتفكك وينحل!

أول صور هذا التفكك بدأت منذ وباء كورونا، أى منذ 3 سنوات مضت، عندما تزعزعت الثقة فى منظمة الصحة العالمية وبياناتها الرسمية المشكوك فى صحتها، إما بسبب التدخل السياسي وإما بسبب ضعف الفاعلية بغياب الداعمين! وارتفعت أصوات عالية فى أوروبا والأمريكتين تندد بتلك المنظمة التى انكشف كذبها وافتضح أمرها. واتضح أن الدعم الصحى الوحيد النافع لأوروبا قادم من الشرق الأدنى، من الصين!

ثم جاءت حرب روسيا وأوكرانيا ثم حرب السودان ثم حرب إسرائيل ضد غزة.. وفى جميع تلك الحروب لم نرَ تأثيراً يُذكر للأمم المتحدة كأنها زالت من الوجود. وبات تأثيرها الوحيد هو كشف انشطار عالم السياسة إلى شطرين، قسم غربي تتزعمه أمريكا وحلف الناتو، وقسم شرقى بقيادة الصين ودول البريكس.. وفى حين يتقلص الحلف الأمريكى ببطء، يتمدد حلف الصين بسرعة لدرجة انسلاخ الغرب الإفريقي من سيطرة فرنسا لصالح روسيا والصين!

وها هو صندوق النقد الدولى يلعب لعبته الأثيرة فى إفقار الدول وتركيع البلاد وإغراق الشعوب فى مستنقعات الديون، ولن تكون الأرجنتين آخر ضحاياها، ولا أول المقترضين العاجزين عن السداد!

ثم تعال إلى محكمة العدل الدولية فلا عدل ولا قدرة ولا فاعلية إلا ما تراه الولايات المتحدة الأمريكية، والمنتظر لحكم محكمة لاهاى كالمنتظر لحكم قراقوش، فالقول للمحكمة والفعل لأمريكا!

حتى ناسا تكررت أخطاؤها الكارثية وتوقعاتها الباطلة، لدرجة أنها انجرت لألاعيب السياسة، وحذرت العالم من توقف الإنترنت منذ شهر ولم يحدث شئ. إنها منظومة عالمية آيلة للسقوط، وقد آن الأوان لاستبدالها بمنظومة أخرى وأيديولوجيات مغايرة وفلسفات سليمة ورؤى تقدم حلولاً حاسمة لمشاكل العالم وأزمات الدول والشعوب.

عصر الإقطاع الرقمى

وآخر الساقطين فى اختبار حرب غزة كان الإعلام العالمى، وهو سقوط تشهد عليه الحشود الرافضة للكذب، المناصرة للقضية الفلسطينية فى كل عواصم أوروبا من لندن إلى باريس إلى برلين!

وإذا كان الإعلام العالمى الرسمى متمثلاً فى الصحف والإذاعات والفضائيات الإخبارية بات لعبة فى يد إسرائيل منذ بداية معركة طوفان الأقصى، فإن مقطعاً مدته 10 دقائق يومياً تبثه المقاومة الفلسطينية ينسف الرواية الإسرائيلية نسفاً. إنها ساحة معركة بين فريقين، وهناك مشجعون لكلا الفريقين فى ساحات وميادين العالم فكم مظاهرة تؤيد إسرائيل؟ وفى المقابل كم عدد الملايين فى كل مظاهرة تدعم فلسطين فى كل العالم؟ الغريب أن المظاهرات المليونية فى قلب إسرائيل تعارض ما تفعله إسرائيل؟ فمن الفائز بالمعركة ومن المهزوم؟!

ولو ألقينا نظرة على الإعلام الرقمى والسوشيال ميديا فنحن أمام مشهد مختلف.. فالتعتيم لا يجدى نفعاً، وأعلام فلسطين تملأ شاشات اليوتيوب ومنصات فيسبوك وأكس وتيك توك وتيليجرام. ورغم كل القوانين الحاكمة تصل كلمة الحق إلى الأسماع فى كل مكان رغم التعتيم والحصار والحجب.

الفارق بين الإعلام الرقمى والتقليدى كالفارق بين السياسة والاقتصاد.. فأباطرة الإعلام الرقمى مهما تقيدوا بسياسات خاصة بفئة أو حزب أو منظمة أو حتى دولة عظمى، فإن المال فى النهاية هو الحكم وهو المرجع الأول ولا يمكن لأصحاب الإقطاع الرقمى التضحية بقطاع ضخم من زبائنهم فى العالمين العربي والإسلامى بل وحتى فى باقى أنحاء العالم من مناصرى القضية الفلسطينية الذين يزدادون كل يوم لأجل حفنة من أصحاب المصالح الضيقة!

عالم السوشيال ميديا تحول اليوم إلى ما يشبه الإقطاعيات الكبري. تركة أو كعكة تم توزيعها على عمالقة التكنولوجيا فى السيليكون فالى. وكل زبائنها من مليارات المستخدمين حول العالم ينعمون بخدمات مجانية لا لشئ إلا لأنهم صاروا هم أنفسهم كعبيد المزرعة فى إقطاعيات القرون الوسطى، يحرثون الأرض ويبذرونها ، بينما خير هذه الأرض يذهب كله لأصحاب الإقطاعية!

ما أتوقعه أن الإعلام العالمى المعلب سوف يسقط مع سقوط منظومة عالمية متهالكة متداعية تنتظر رصاصة الرحمة. والبداية للإعلام التقليدى ، وقد يلحق به الإعلام الرقمى إذا سمح للسياسة أن تطغى على حسابات الاقتصاد لدى أباطرة السيليكون فالى.

مشاهد مقلقة خارج الكادر!

أعلم أن كلامى لن يعجب البعض. وقد يكذبوه، وقد يهاجموه..لكن دعونا نتذكر بعض المشاهد التى حدثت خلال الفترة الأخيرة ولها دلالات عميقة مرتبطة بما أدعيه فى هذا المقال..

مشهد الصحفى الإسرائيلي فى أشهر الصحف العبرية يغادر الصحيفة ثم يقرر مغادرة إسرائيل كلها للذهاب لبرلين أو سان فرانسيسكو بأمريكا قائلاً: " دعونا نغادر إسرائيل وننظر لها وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة" ! ثم مشهد حزب المحافظين ببريطانيا ينقسم على ذاته بعد أن تدنت شعبيته لأقصى حد، ثم يتم تغيير بعض وزراء الحكومة وعلى رأسهم وزيرة الداخلية المتطرفة ذات الأصول الهندية، ثم ديفيد كاميرون الذى يعود للصورة مجدداً وزيراً لخارجية بريطانيا، كأن الدبلوماسية والأمن فى بلاد الغرب أصبحا على المحك!!

المشهد الأخير لمليونيات تم رصدها من السماء بطائرات إخبارية عمودية، تمتد فيها مظاهرات عارمة رافضة للمجازر الإسرائيلية وما وراءها من تعنت أمريكى وداعمة لفلسطين وداعية لتحررها من قبضة الكيان المحتل.. وعلى هامش تلك المظاهرات نقابات عمالية تمسك بتلابيب سفن السلاح الذاهبة للنازيين الجدد فى إسرائيل تعلن رفضها لما تفعله أوروبا من دعم لمنتهكى حقوق الإنسان !

وسوف يأتى الوقت الذى يخضع فيه الغرب لإرادة شعوب تحب السلام وتبغض أباطرة الحروب.

***

د. عبد السلام فاروق

لفت انتباهي تكرار اسماء اكاديميين في مناقشة الرسائل العلمية لدرجة أن احدهم تكرر اسمه في اربع لجان مناقشة خلال شهر واحد. ولأن من عادتي استطلاع الأراء في مثل هكذا ظواهر، فأنني توجهت بالآتي:

(تساؤل أكاديمي: لماذا تشكّل لجان مناقشة اطاريح دكتوراه ورسائل ماجستير من اسماء مكررة وكأنها مقاولات!.. الأقسام النفسية والتربوية بجامعتي بغداد والمستنصرية مثالا؟).

بلغ عدد الذين شاركوا في الأجابة (107) اكاديمي ومهتم بالموضوع، اليكم نماذج من اجاباتهم:

 د. ازاد علي اسماعيل: هذا حال أغلب الأقسام، استاذي العزيز.. لم تعد للاعتبارات العلمية المعيار الأساسي للاختيار، مع الأسف.

 د. عبد العظيم السلطاني: هذه ظاهرة واسعة الانتشار الآن، والأمر ليس مقتصرا على ماذكرت من مثال!.

 د. حمزة عبد الأمير: للاسف ظاهرة منتشرة ومطلوب من الوزارة وضع معايير جديدة لاختيار أعضاء اللجان.

 د. عقيل مهدي يوسف: هو وضع كارثي.. يفتح الابواب. امام.. مضاعفات غير منهجية.. لمناقشين يجهل بعضهم.. الأصول العلمية.. وربما تضر ملاحظاته.. بالرسالة.. والاطروحة.. اكثر مما تنفعها.. وانت ادرى.. من.. سواك.. بهذا.. الاختلال.. لتجربتك.. وتكليفك في عديد لجان المناقشات.

 المرواتي عمار أحمد: مظهر اخر من مظاهر الفساد الأخلاقي أيضا عند شريحة كان المفروض ان تكون الأرقى.

 د. كاظم نعمة: هذه ظاهرة ليست وليدة هذه الفترة بل بدأت في الثمانينات ولها اسباب منها أن الإشراف بدأ يضعف فما كان سوى أن يقع تفاهم ضمني على التسامح في التقييم. وإن الإشراف لم يعد بتخصص دقيق يواءم موضوع المطروحة. لم يحصل أن رفضت اطاريح ليصبح سياقا مقبولا. وإن تنوع خبرات التدريسيين تقلصت. وان بعض التدريسيين ينعتون بالتشدد فيتخطاهم المشرف اتابع اطاريح في اختصاصي فاندهش من تنوعها ودقتها حنى كدت اسال هل في جامعاتنا بيئة علمية ترقى الى بحث وتقييم مثل هذه الاشكالية. لعل من النافع ان تكون لجنة تحدد المناقشات وليس المشرف وان يكون نظام الحصص وشرط الاختصاص الدقيق.

 د. صالح مهدي: دكتور انت سيد العارفين لايريدون من يناقش بشكل جدي الاطاريح والرسائل ضعيفه جدا والمشرف ليس من ذوي الاختصاص فالقسم يريد يحافظ على عدم طهور السلبيات وليست جامعة بغداد والمستنصريه فقط بل اغلب الجامعات اذا مو كلهم.. تحياتي مثل حضرتك لايسأل بل ذكاؤك وخبرتك اعرف.

 الصحفي باسم حمودي: مضبوط دكتور.

 أ. د. محمد حسين حبيب: نعم دكتور احسنت الوصف.. مقاولات، لان الامتياز يتم الاتفاق عليه قبل موعد المناقشة لقاء رشوة متعددة الاشكال والالوان.

 د. علي نفل: دكتور المناقشات حديث ذو شجون - وانت اعرف منا بها.

 د. كاظم مرشد الذرب: المشكلة ان بعض المناقشين يستعينون بغيرهم لتسجيل الملاحظات العلمية على بحوث الطلبة لانهم يجهلون اصول البحث العلمي والتحليل الإحصائي لبيانات البحث.

 رغد السهيل: لأنها فعلا مقاولات! واذا لا تعطي طالبي امتياز لن أعطي طالبك امتياز واذا ألححت بسؤال طالبي سوف أفعل المثل.. صارت المناقشات مجرد تمثيلية!

 صلاح زنكنه: أما الأداب وقسم اللغة العربية فحدث ولا حرج.. وأخص بالذكر اطروحة أهمية الشلغم في شعر الشاعر الملهم عمار أبو بلغم.. وخصوصية الشوندر في روايات الروائي الفذ جسام ابن عنتر

 د. علي الحلو: ملاحظة صحيحة 100% وليس في هذه الجامعتين فقط وانما يمكن ان تشمل جميع الجامعات في البلد، والادهى والامر ان بعض رؤساء الاقسام يفرض شرطًا على الاستاذ المناقش بأن يعطي درجة عالية(الامتياز) والا لا يتم استضافته للمناقشة، وهذه صارت معي شخصياً.

 احمد صاحب مبارك: ضعف الطالب والمشرف يستدعي لجنة بنفس هذه الصفة لذلك هم يستدعون من يقضي المناقشة بتشخيص الاخطاء "الطباعية" والانغماس بتصحيح رقم الصفحة لاقتباس ما من مصدر معين. أما الجانب العلمي ومنهجية البحث فلا يتطرق إليها أحد!

الحمد لله الذي جعل نصيبي من كل جامعة زيارة واحدة لأنهم لا يجدوني كما يرغبون!

 عبد الكريم الكشفي: احسنت استاذنا الغالي الطبيب الكبير، اصبت كبد الحقيقة. والله كارثة كبيرة ضحيتها اصحاب الكفاءة والمهنة والمبدعين مع الاسف. اتفاق بين الكليات وفق مبدأ جيبني واجيبك على حساب العلم والمهنية.

 سها الربيعي: كل الجامعات مو بس بغداد والمستنصرية. حتى يضمنون الامتياز والجيد جدا الى طلابهم يفضلون مناقشين تربطهم علاقة صداقة ويستمر التبادل.. وللاسف الخاسر هو الطالب المشتغل وتعبان يتساوى مع الطالب الي كلشي ممشتغل برسالتة. الاثنين امتياز... اي عدالة ماكو. للعلم ثلاثة مناقشين من القسم والخارجي واحد فقط هنا تكمن الكارثة.

 احمد عبد الله: أستاذنا وقدوتنا دكتور قاسم حضرتك تعرف حالياً علاقات ترشيح الأسماء ممكن علاقة المشرف مع رئيس القسم بالنتيجة لجنة سهلة وممكن علاقات رؤساء الاقسام مع بعض لكن للأمانة هناك مناقشات ورؤساء أقسام وأساتذة علميين جدآ ومناقشات راقية وعلمية وأنا لمست ذلك حقيقة شخصيا.

 د. علي: هكذا استحالت الأمور، (عبرني وأعبرك) أين تلك المجالس العلمية، التي يتسيدها كبار الأساتذة بمناقشاتهم العلمية التي لاتجامل ولا تتحامل، توجه، وتعيد، وتؤجل ؛ حتى يستقيم البحث على الجادة العلمية. للأسف مجاملات، وموائد.. و...

تعليقات ساخرة:

 عبد المطلب محمود العبيدي: يمكن أن يكون تكرار الأسماء في هذه الأقسام عادياً لقلة المتخصصين ربما.. لكن غير العادي ما يحصل في غيرها.. مقاولات و"اعزمني وأعزمك" و"عينك على حارتنا.. الله الله"!!

 باسم الأعسم: لضمان منح الامتياز لكل من هب ودب ولتجنب كشف المستور عنه.

 جليل رهيف: في كل الكليات.. حطني واحطك. العجيب اكو البعض كل أسبوع عنده مناقشه شوكت يكدر يقراها!!

 أ. م. د. حسن فهد الأوسي: دكتورنا الفاضل.. غطيلي واغطيلك.. جيبني وأجيبك.

أ. م. د. حسن فهد الأوسي

د. عدي الخالدي: كلش عادي دكتور المهم المبالغ التي تدفع.

 د. عزيز مزعل: اصبحت الدراسات العليا (ماصخة) وصارت اللجان عبارة عن (زفة عرس).. تجمع لخليط غير متجانس، ولكن.. مدّاحات العروس.. امه وخالته، حتى لو كانت (عوره). المهم النتيجة امتياز.

مع اعتذاري لعشرات الزملاء الآخرين.

استنتاج

يتفق الأكاديميون الذين استطلعت آراؤهم على الآتي:

ظاهرة كارثية واسعة الانتشار الآن.

 لم تعد للاعتبارات العلمية المعيار الأساسي للاختيار.

 مظهر اخر من مظاهر الفساد الأخلاقي عند شريحة كان المفروض ان تكون الأرقى.

 لا يريدون من يناقش بشكل جدي.

 الاطاريح والرسائل ضعيفه جدا والمشرف ليس من ذوي الاختصاص والقسم يريد يحافظ على عدم ظهور السلبيات.

 يفضلون مناقشين تربطهم علاقة صداقة بطريقة تبادلية.

 مجاملات، وموائد، حطني واحطك، غطيلي واغطيلك، المهم النتيجة امتياز.

تــحليــل

أمضيت في التعليم العالي (48) سنة وكنت في التسعينيات عضو لجنة رأي بوزارة التعليم العالي، ومحاضر بمركز طرائق التدريس لأكثر من عشرين سنة، وعضو في لجنة تقويم أداء الجامعات العراقية، ومشارك في مناقشة مئات اطاريح الدكتوراه ورسائل الماجستير، ودرّست في ست جامعات عراقية وأربع عربية.. ما يعني أنني امتلك خبرة تخولني ان (أفتي) في هذه الظاهرة.

يعود تاريخ التعليم العالي في العراق الى عام 1927 يوم تم فيه تأسيس كلية الطب التي اعتمدت نظام ومناهج الكلية الطبية الملكية البريطانية، وقبل في سنتها عشرون طالبا (7مسلمون، 8 يهود، و5 مسيحيون). ومع ان عام 1924 شهد تأسيس اول جامعة عراقية باسم جامعة آل البيت، لكنها تعرضت الى انتقادات شديدة من الصحافة والبرلمان وتناقص في عدد الطلبة المتقدمين وانتهى امرها في العام 1930. ولهذا يعد العام 1957 الذي تأسست فيه جامعة بغداد هو تاريخ تأسيس الجامعات في العراق. ويذكر ان اول رئيس لها هو الدكتور متي عقرواي (مسيحي)، وان ثاني رئيس لها هو الدكتور عبد الجبار عبد الله (صابئي)، الذي احتج رجال الدين على عبد الكريم قاسم قائلين له: كيف تعين صابئيا رئيسا لجامعة بغداد، فاجابهم جوابا طريفا قائلا: انا عينته رئيس جامعة وليس رئيس جامع.. والكثير يعرف ان عبد الجبار عبد الله كان أحد طلبة آينشتاين.

في الصدارة.. الى انتكاسات

كان التعليم العراقي في العراق لغاية عقد السبعينات في القرن الماضي.. يتصدر الدول العربية من حيث الجودة والمعايير العلمية. وكان تشكيل لجان المناقشات العلمية يتم وفقا لكفاءة المناقش واختصاصه، وكان عدد الذين يحصلون على تقدير (أمتياز) قلّة.. وكان من يحصل على تقدير (جيد جدا) يتباهى امام اهله وزملائه، بعكس ما يحصل الآن (مع الأسف موامتياز). وتعود بدايات تراجعه الى عام 1980 سنة اشتعال الحرب بين العراق وايران.. ففي سنواتها الثمان هاجر الآف الأساتذة، فيما خضع الباقون للخدمة العسكرية ضمن ما يسمى (الجيش الشعبي). تبعها انتكاستان في تسعينيات القرن الماضي: حرب العراق على الكويت، وفرض الحصار على العراق الذي اضطر عدد من الأساتذة الى بيع مكتباتهم بأثمان زهيدة.

وجاءت الأنتكاسة الكبرى بعد 2003 حيث شهدت هجرة الكفاءات العراقية والعلماء والأكاديميين بأعداد كبيرة، نتيجة عمليات القتل والخطف والتهديد التي كانت تستهدفهم بعملية وصفت بالممنهجة.

القيم.. سبب تحول المناقشات الى مقاولات

في كتابه الذائع الصيت " To Have or to Be " شخّص عالم النفس والناقد الاجتماعي الكبير " ايرك فروم " وضع الإنسان بأنه تحول إلى سلعة تحكمه قوانين العرض والطلب والبيع والشراء، وطرح مفهوم (الشخصية التسويقية) ووصفها بأنها تقوم على ممارسة الشخص لذاته بوصفه سلعة، ولقيمته " قيمة تبادلية " وليس " انتفاعية ".

والذي حصل في العراق ان معظم من يفترض فيهم أنهم القدوة والنخبة " بعمامة أو بدونها " تهرأت فيهم القيم وصار معظمهم منافقين، فشاع النفاق، السياسي والأجتماعي والأخلاقي بين الناس.. والعلمي في الجامعات، واصبح الأنسان سلعة وقيمة تبادلية بوصف اريك فروم.

وما حصل بعد 2006 تحديدا، أن الأكاديميين في الجامعات العراقية تحولوا الى اربعة أصناف: صنف وجد ان الوضع في العراق صار طاردا لمن يبقى ملتزما بقيمه الأكاديمي.. فهاجر، وصنف حاول التوفيق بين قيمه الاصيلة و(قيم) اشاعتها سلطات فاسدة، وصنف انتمى لأحزاب السلطة وزرق قيمه الأكاديمية أبرة تخدير وصار سلعة بيد سيده السياسي الذي لا تعنيه القيم الاكاديمية، وصنف ينطبق عليه المثل الشعبي (الياخذ أمي يصير عمي.. والأم هنا السلطة).. معتبرا المناقشات العلمية صفقات ومقاولات بالحال الذي اجاد وصفه الأكاديميون الذين استطلعت اراؤهم، وصنف يجاهد على الألتزام بقيمه العلمية الأصيلة.. وهم القلّة.

ويبقى التساؤل:

هل يمكن اصلاح التعليم العالي في العراق؟

والجواب.. لا يمكن، منطلقين من حقيقية علمية.. ان القيم هي التي تحدد سلوك الانسان واعتباره الأجتماعي والاخلاقي والعلمي، وان ما حصل للقيم الأصيلة في العراق بعد 2003 من تخدير وتهرؤ شاع بين بسطاء وانتقل بالعدوى الى المثقفين والأكاديميين لا يمكن ان تعود كما كانت.. فضلا عن أن اصلاح التعليم العالي مرتبط باصلاح النظام التربوي والتعليمي ككل.. اعني المؤسسات التعليمية التابعة لوزارتي التربية والتعليم العالي، وهذا غير ممكن الآن.. فان (المقاولات) في تشكيل لجان مناقشة اطاريح الدكتوراه ورسائل الماجستير.. ستبقى.. وسيبقى معها ضدها النوعي بوجود اكاديميين لن يساوموا على مبادئهم ولن يدخلوا في مقاولات حتى لو كانت باغراءات.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

السياسة في المجتمعات القبلية لها شأن خاص تختلف عن كثير من المجتمعات المفتوحة بآفق الحريات العامة، والخاصة، والبيئات السياسية المتنوعة. وهذا الحال قد نجده له أمثلة كثيرة في بعض بلدان العالم الثالث، ومنه العالم العربي الذي يتشابه مع العراق، في كثير من الصفات والخصائص. ومع ذلك تبقى لأي بلد خصوصيته المحلية، وكذلك العراق الذي يعاني من اضطراب سياسي مزمن وذلك لعدة أسباب، منها الخصائص العشائرية والقبلية التي باتت تداخل في ما هو سياسي،حتى أصبحت بعض خصائص السياسية ذات بعد عشائري وقبلي صرف. مثل: فكرة الاستقطاب العشائري – داخل العشيرة الواحدة، والانفتاح على الأوساط العشائرية المختلفة. أو التكوين السياسي ذات البعد المناطقي والعشائري لكثير من الأحزاب. حيث خلط البنية السياسية مع البنية العشائرية وجعل مبدأ التخادم وسيط فاعل  في وجود والحضور الفاعلية العشائرية -السياسية وفي السياسية - العشائرية . كان هذا واضح منذ تشكيل مجلس الحكم وحتى تجربة الانتخابات الأولى في 2005. حيث العراق كان دائرة انتخابية واحدة. والمستهدف الأول بالتأكيد هو العمق العشائري الموحد والمتعدد مناطقياً وإنتمائياً، فالهدف كان هو التعمق العشائري الأوسع،حيث وحدة العشيرة، ووحدة الحزب، وجماهيريته في مدن مختلفة ومتعددة.

وأستمر الحال كما هو عليه، حتى بدأ تقسيم العراق إلى دوائر متعددة بحسب المحافظة، وصولاً إلى مرحلة تقسيم هذه الدائرة الواحدة إلى عدة دوائر في أنتخابات 2021 بعد تغيير القانون الأنتخابي، جراء الضغط الجماهيري في ثورة تشرين. والتي سرعان ما اكتشفت فيه الأحزاب افلاسها السياسي، والاجتماعي، والعشائري، بالبعد السياسي للعشيرة – فسارعت إلى إعادة صياغة القانون الانتخابي والعودة به إلى سانت ليغو مع أضافة بعض التعديلات التي لا تضر بهم جماهيرياً. بدأت ملامح تصحيح مسار هذه الخسارة من إعادة تشكيل القوائم الانتخابية، والكيانات، والتحالفات عشائرياً.

ولعل معترض يقول: الاعتماد على العشائرية ليست بجديد في الانتخابات ! نقول نعم، ولكن الجديد في الأمر أن الصفة السياسية للانتخابات باتت عشائرية إلى حد كبير. بمعنى أن الثقل السياسي لأي حزب، أو تحالف، لم يعد بمقدوره كسب التأييد الجماهيري، والعشائري، وتحريك بوصلة الميول السياسية !  بل باتت التوازنات المناطقية العشائرية هي من تغير طيبة الحضور السياسي لأي مرشح، أو كيان انتخابي. بل بات التخادم العشائري عابر لحدود الدائرة الأنتخابية لأي محافظة، تحت مصلحة "تحريك الجمهور" خارج الدائرة - بما هو داخل الدائرة - وهذا ما يتمثل بالمؤتمرات العشائرية الداعمة لأبنائها المرشحين في كل محافظة يتم بها  التخادم عبر هذه الآلية.

وهنا نختصر هذه المعادلة بالسؤال : كيف نؤشر الضعف السياسي لأحزاب الانتخابات التقليدية والجديدة ؟ يمكن أن نحدد الإجابة عن ذلك بعدة نقاط منها :

1- مازال شيوخ العشائر عينات إجتماعية مهمة للكسب الإنتخابي.

2- لم تكترث كثير من الأحزاب لاسيما التقليدية إلى الإنتماء السياسي والولاء، بقدر ما يتركز جهدها على أقناع واجهات عشائرية سياسية للدخول معها في قائمة أنتخابية وتحالف سياسي موقت ينتهي بعد أعلان النتائج.

3- لم نلحظ أي جهد تنظيمي لهذه الأحزاب . يفوق شعبية كثير من الواجهات الاجتماعية التي يُنظر لها كأصوات جاهزة ومضمونة، لو نجحوا في كسب تأييدها.

4- التعويل على الإنتهازية كوسيط موثر بين الأحزاب، والجماهير يسهل خداعها بالمال والمغريات.

5- العمل بآلية (الفزعة) و(الوكفة) لأبن العشيرة المرشح أنتخابياً أكثر من آلية التعريف بالبرنامج الإنتخابي وحق التصويت.

وهناك عوامل كثيرة ممكن أن نؤشرها لتعليل سبب هذا الضعف الذي تعاني منه الأحزاب السياسية. فيما يقرأ في الوقت ذاته عنصر قوة داخل العشيرة لا سيما تلك التي يحصل أبنائها على مقاعد في المجلس النيابي أو المجلس المحلي. كذلك من السهولة ملاحظة عوامل الضعف السياسي لهذه الأحزاب في سعيها لهذا التمثيل، بينما تتنافس العشائر داخل هذا التمثيل الانتخابي أو الحكومي، وتعده عنصر قوة لها، بين توازناتها العشائرية، والسياسية، والحزبية،حيث التحالفات، والعلاقات القائمة على التخادم الضامن لديمومة الحضور السياسي والفاعلية الاجتماعية .

***

د. رائد عبيس

كشف طوفان الاقصى، من بين ما ظهر وعلم واعلن، مصداقية بعض ممثلي الشعوب، اعضاء البرلمانات المنتخبين فعلا من الشعب ولخدمة الشعب، في اكثر من بلد في التصريح بموقفهم داخل قبة البرلمان الذي ينتسبون اليه، او في الفعاليات التضامنية او عبر وسائل الاعلام المختلفة، وبصوت عال وثبات واضح يعلنون موقفا صريحا ويطرحون دليلا صارخا على ما حصل في غزة بعد طوفان الأقصى. وهذه مؤشرات لها دلالتها ومعناها في ظل الظروف والاجراءات الرسمية والتحولات في المواقف الرسمية وتبعية اغلب الحكومات الغربية الى سياسات الادارة الامريكية وممارساتها الفاشية وقيادتها للمجازر الدموية للشعب الفلسطيني، وخصوصا في قطاع غزة. وهؤلاء الممثلون الفعليون لشعوبهم يقراون مزاجها ويستمعون لنبضها ويعبرون عن لسانها، واتجاه اهتمامها وخياراتها دون لف ودوران او تهرب وتملص من الوقائع والحقائق. فطوفان الغضب الشعبي العالمي بملايين الاصوات في عواصم الدول الغربية، وتحدي قوانين حكوماتهم واجراءاتها وارتكاباتها. يعطي صورة اكبر من كلماتها ويسرد رواية حقيقية  لمعاني المصداقية والنضال التقدمي والكفاح المشترك من اجل عالم انساني متحضر ومتقدم، ولعل في صورة هؤلاء المشرعين ايضا نموذجا متميزا ومثالا كبيرا ينبغي احترامه وتقدير دوره وتثمين جهده ورفع القبعة له، كما يقال في الامثلة.

 من بين هؤلاء البرلمانيين، النائب الايرلندي، ريتشارد بويد، الذي وقف في البرلمان الايرلندي وتساءل  بما لم يجرؤ كثيرون، واولهم من ابناء جلدتنا: "كم من المدنيين الفلسطينيين الابرياء، رجالا ونساء واطفالا على اسرائيل ذبحهم؟، كم عدد جرائم الحرب التي يتعين على اسرائيل ارتكابها؟، ما حجم الموت والدمار الذي ستلحقه إسرائيل بشعب غزة وفلسطين، قبل ان تطالبوا بفرض عقوبات على إسرائيل، وطرد السفير الاسرائيلي من بلدنا، وتطالبوا باحالة إسرائيل فورا الى المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب؟، لان ما حصل امام العالم وباعترافهم إسرائيل ترتكب جرائم حرب، وقد صرحوا بذلك علنا. هذه ليست مسالة راي، أعلنوا عزمهم على اخراج اكثر من مليون فلسطيني، عبر التهديد بالقصف العسكري، وهم الآن اكثر من مليون فلسطيني اخرجوا من منازلهم في شمال غزة وتم تطهيرهم عرقيا، جريمة ضد الانسانية، لقد اعلنوا ذلك على الملأ وفعلوا ذلك امام أعين العالم، نيتهم حرمان 2.2 مليون شخص من الماء والكهرباء والادوية والمعدات اللازمة للانقاذ أمام أعين العالم وهم يفعلون ذلك، وفي كل دقيقة يتم ذبح الاطفال بمدفعيتهم وقصفهم المستمر للمجمعات السكنية وللمستشفيات وللمدارس، للبنية التحتية المدنية، أنهم يواصلون ويواصلون ويواصلون وانتم لا تفعلون شيئا، عبارات قلق لكن لا إجراءات لمحاسبتهم، ومن الواضح انها جرائم حرب، ومتعمدة وإبادة جماعية لدينا يهود في الولايات المتحدة واوروبا وكندا في جميع انحاء ألعالم واسرائيل يصفون ذلك بالإبادة الجماعية، مفكرون واكاديميون يقولون هذه ابادة جماعية". وبصوته الجهوري وصراحته ينقل لاعضاء البرلمان اقوالا لمسؤولين من الكيان الاسرائيلي، تدعو الى ابادة اهل غزة وتعاملهم بالفاظ تعبر عن انفسهم وعن طبيعتهم، النازية الجديدة، في زمن الامبريالية المازوم.

في بريطانيا، بلد وعد بلفور، والتبعية للادارة الصهيو غربية، ندد عضو البرلمان المحارب من حزبه، حزب العمال، جيرمي كوربن بجرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة، معبرا عن تضامنه مع ألشعب الفلسطيني. فقد ظهر كوربن في مقطع فيديو نشره على حسابه في منصة إكس وهو يلقي خطاباً جماهيراً طالب فيه بإنهاء الاحتلال والقصف على غزة وتحقيق سلام عادل ومستقر. وشدد كوربين على أن حرمان أناس أبرياء من حقوق الحياة الأساسية كالماء والكهرباء هو أمر لا أخلاقي، فضلا عن كونه غير قانوني. وقال في كلمته: "أقول لكل قائد سياسي في هذه الدولة: لا تتغاضَ عن جرائم الحرب وعن العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، وإذا كنت تؤمن بالقانون الدولي وحقوق الإنسان فإن عليك ألا تغفر ما يحدث الآن في غزة على يد جيش الاحتلال الصهيوني".

خلافا لتلك المواقف واصوات الضمير الانساني، وبعد "طوفان الأقصى" كررت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الوزيرة الالمانية سابقا، انحيازها المعروف  وسارعت لإبراز اصطفاف الاتحاد الاوروبي مع الكيان إلاسرائيلي، وهو ما أثار حفيظة عدد من النواب المعارضين للسياسات الإسرائيلية، والمتضامنين مع القضية الفلسطينية وحقوق الشعب المشروعة.

فجاء رد النائب الأوروبي الإيرلندي مايك والاس على فون دير لاين مباشرا بقوله: "الغالبية العظمى من شعوب أوروبا لا تدعم دولة الفصل العنصري الوحشية في إسرائيل، الغالبية العظمى من شعوب أوروبا تدعم شعب فلسطين الذي تعرَّض للاضطهاد والترهيب من قِبل إسرائيل لسنوات عديدة، لو فقط كان في الاتحاد الأوروبي ديمقراطية حقيقية".

وادان ستيفان فان بارلي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب دينك في هولندا ما ترتكبه إسرائيل من "جرائم حرب" في غزة، مشدداً على أن "الوضع في غزة مروع للغاية. فالقنابل تتساقط على المستشفيات هناك، وإسرائيل ترتكب بالفعل جريمة حرب الآن، والعالم الغربي والمجتمع الدولي لا يفعلان أي شيء حيال ذلك، يجب وضع حد لهذا، إذ يتعين على هولندا أن تُدين هذا الوضع".

وفي فرنسا رفضت حركة فرنسا الأبية إدانة المقاومة الفلسطينية، وهو ما عرضها لانتقادات واسعة وتحرش إعلامي. كما اعرب زعيم الحزب الجديد المناهض للرأسمالية الفرنسي فيليب بوتو عن "دعمه الكامل لنضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أرضه، بما في ذلك نضال المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الذي تقوده دولة إسرائيل المتعطشة للحرب".

هذه اصوات أوروبية دون تحديد ولكنها بالتاكيد تمثل الغالبية العظمى من الشعوب التي خرجت متظاهرة في شوارع العواصم العالمية، والامبريالية خصوصا، تحمل الاعلام الفلسطينية وترفع الشعارات المطالبة بالحرية لفلسطين ووقف العدوان وانقاذ غزة. وهي بلا شك اصوات معبرة ولها تاثيرها ومؤيديها، ليس بين زملائهم النواب والمشرعين، بل في القطاعات المهنية الاخرى، واوسع غالبية شعبية، يحركها الضمير الانساني واحساسها بغياب العدالة وبتفشي القتل والتوحش الفاشي والتمييز العنصري من جرائم الحرب وضد الانسانية والابادة الجماعية..

اذا حاولنا قراءة النصوص التي ادلى بها هؤلاء النواب الاحرار، اضافة الى روح تضامنها الانساني والاخلاقي والفكري، سنصل آلى نتائج قاسية بالمقارنة في صورة اخرى مقابل الهدف منها، حيث تفضح دلالاتها العميقة طبيعة الاطراف الاخرى التي تنحاز بقوة الى العدوان الصهيوني ومجازر الدم والابادة الوحشية،  منها التوقف عند غياب الديمقراطية الحقيقية في الاتحاد الاوروبي مثلا، وباقي التحالف الصهيو غربي، او التبعية العمياء لسياسات امبريالية ورطت تلك الدول والعالم في حروب وصراعات ارهابية دون تقدير لابسط الشعارات التي ترفعها في بلدانها، والى عنصرية فاشية تنتهك كل حقوق الانسان ولا ترعوي امام المذابح البشرية الجديدة. وقد يكون هذا غيض من فيض الوقائع الجديدة التي تضاف الى السجلات الرسمية التاريخية. والتاريخ يرويها ويثبت ادلتها الصارخة.

***

كاظم الموسوي

 

دهاء الاستخبارات الغربية مقابل ما هو غباء حينا وما هو ديني حاف حينا آخر

أمريكا دعّمت حماس مصر في انتفاضة الربيع العربي، ثم تجنبت ما عودتنا عليه من تشويش على الانتخابات في العالم خصوصا العالم العربي، وكانت تعلم أن المرحوم محمد مرسي سيفوز رئيسا للبلاد في مصر، بعد ذلك أغرته بتجاوز الديون عن مصر ووعده بدعمها للنهوض باقتصاد البلاد، وانتشالها من أزماتها المتعددّة، وتحسين مختلف أوضاعها الاجتماعية بشرط تصدير الربيع العربي إلى سوريا وإلى دول أخرى لا يرغب فيها (المجتمع الدولي)، وقد لعبت دول الخليج المقتنعة بفكرة الشرق الأوسط الجديد دورا فعّالا في الحكاية، حيث بشكل مفاجئ استدعى الملك عبد الله محمد مرسي واستقبله استقبالا غير متوقّع، ولم يسبب ذلك إحراجا لأمريكا ولا لإسرائيل ولا حتى للمؤسسة العسكرية المصرية، بخلاف ما سببه إسماعيل هنية بعد فوزه في الانتخابات الفلسطينية.

بعد تدمير البنية التحية لسوريا اتصلت الاستخبارات الأمريكية بالسيسي ليقوم بإجراءات الانقلاب ارتكازا على وثيقة قانونية أعدّها مجلس الأمن الدولي تشير إلى أن الرئيس الجديد قد قام بمخالفة قانونية، حيث اعتدى على دولة جارة ذات سيادة، وبموجب ذلك تم تدخل الجيش وقوات الأمن المصرية وقاموا بعزل محمد مرسي كرئيس جديد وإيداعه السجن.

وكخطو ثانية شنت السعودية حربا على اليمن عملا بتقرير أمني أعدّته المخابرات الأمريكية يؤكد أن اليمن يشكل خطرا على الأمن السعودي، وأن المد الشيعي قادم للإطاحة بمملكة آل سعود على أنها غير جديرة بتمثيل الإسلام في العالم، ولم يكن من وراء ذلك سوى إضعاف اليمن كطرف موالِ للمقاومة الفلسطيني، وقوة مهمة لا تروق لها فكرة الشرق الأوسط على أساس أنه تم ترتيبها من طرف الغرب، وأنها تقوم على تهميش وعزل المقاومة الحقيقية في غزّه، إلى جانب ذلك ألهت أمريكا الرأي العام بإثارة موضوع السامية وما يحيط به من كراهية في الشرق، بناء على دفع أوكرانيا إلى استفزاز روسيا بموافقتها على إنشاء قواعد عسكرية هناك، وهي تعرف بأن الروس لن يتقبلوا ذلك وأن الخطوة ستنجر عنها حرب، وأنه أيضا لا هدف من وراء ذلك إلّا تلهية الروسية ودفعها إلى استنزاف قدراتها، فهي تعلم أنها صديقة ومتعاطفة مع الشعوب الإسلامية والعربية منذ الحرب العالمية الأولى، وأنها أيضا صديقة لفلسطين وداعية إلى تحريرها.

اشتعلت الحرب كما قدّرت لها الاستخبارات الأمريكية، وهكذا توفّرت من المنظور الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي، وكذلك الأمر للدول العربية والإسلامية من منظورها التطبيعي الإنبطاحي الذي يثق في سياسة الغرب وقناعتها بملائكية تدخلاتها لترتيب شؤون العالم، خصوصا الشأن العربي، وبوجه أكثر خصوصية نظريتها الأمنية في معالجة القضية الفلسطينية.

وعملا بكل هذه المعطيات تقرر باتفاق سري موحّد بدء إجراءات ترسيم الشرق الأوسط الجديد المنشود أصلا من طرف إسرائيل، وذلك بالقضاء على كثير من المصطلحات المرتبطة بالإسلام (المقاومة، الأقصى، القدس، حماس، الجهاد الإسلامي)، وكل ما يعني هذه المصطلحات من تفرع وتجذر يصب في وعاء القضية الفلسطينية بوجه عام، وبعادي من ثانية فكرة الشرق الأوسط، استثناء لحركة فتح التي يتشخّصها محمد عبّاس حيث هرول بدوره إلى هذا المعسكر طمعا في استلام السلطة في إجراءات ما بعد القضاء على حركة حماس، حيث تراهن إسرائيل عليه بضمانات من دول الخليج ومصر على أنه سيتعسكر أكيد بما توفره كل من أمريكا وإسرائيل من قواعد وأدوات أمنية وعسكرية للشّد بقبضة من حديد على المنطقة، كل ذلك تأمينا لإسرائيل وللأنظمة التي انبثقت على إثر انقلاب أو تزوير انتخابات أو وراثة غير شرعية للحكم، اتفاقا حول أن المقاومة سوف لن تكتفي بعد ذلك بتحرير فلسطين، ولن تكتفي أيضا بالقدس كعاصمة، بل ستتعدى ذلك إلى إبادة إسرائيل واكتساح كل الأرضي المنهوبة، والأكيد ستصبح المقاومة قدوة ومصدر إلهام في العالم، ومن يدري فقد تنطلق فتوحات واسعة النطاق ضد كثير من الأنظمة لإعادة الحكم لأصحابه، مع الأسف الأنظمة العربية و(الإسلامية) حبّا في كراسي الحكم، وتشبثا بالنعم التي يتمتع فيها أولادهم وأسرهم وذويهم هضموا الفكرة، واقتنعوا أن الخطر يداهمهم جميعا فصاروا بذلك جنودا للكيان الصهيوني تحت مظلّة مجلس الأمن الدولي وما يقرره وفق ازدواجية معاييره المعهودة التي تضطره إليها مصالحة المختلفة والمتنوعة في العالم.

في النهاية يحتّم علينا الواقع الذهاب إلى مكان تجمّع ما أتي به وادي السياسة من عجائب، فنجد أن القش المتكور حول بعضه، والأشلاء المبعثرة، والأشياء المتراكمة هناك وهناك، نجد كذلك كل ما لم يستطع مسك نفسه من كائنات حيّة وغير حيّة، عاقلة وغير عاقلة الأقوياء منهم والضعفاء، نجد كل شيء في نهاية مسار الوادي السياسي يضطرنا لنسأل: أين الجهاديون الذين فكّكت بهم أمريكا الاتحاد السوفياتي، وبعد ذلك صفّق لهم الخليج ودعّمهم لإتلاف مواعين بيت الأسرة العربية؟ أين الوعود التي وعدت بها الدول الغنية العربية منها والأعجمية الفقراء والبسطاء وذوي الرأي المتواضع ممّن ينشدون الأمن والسلام بألسنة الساحرة أمريكا وحلفائها، الذين يعلمون مآل المواقف إلّا العرب والمطبعين منهم تحديدا؟

فتفاجئنا ألسنة البسطاء الخالية من كولسترول المصالح الاقتصادية بأن الغرب ليس مخيرا أمام إحصاء وجمع ثروات الأرض ما ظهر منها وما بطن سوى بإثارة الفتن والقلاقل والثورات المزيفة، والتشويش على بوادر الخير التي لا مصلحة لديها إلّا العمل على رفاهية الشعوب، والحرص على أمنها واستقرارها، لنصل إلى قناعة خطيرة هي أن الغرب هو الذي يثير كل مصطلحات العنف عبر العالم، وكل موقف عنيف يصدر من دولة أو حزب أو جماعة أو تكتل خارج القانون إنما هو منبثق من النوايا السيئة التي يبني عليها مجلس الأمن الدولي إصدار قراراته، لنجزم بأنه مخترق من طرف جماعة لا تريد الأمن والرخاء للبشرية، همّها الوحيد هو النفوذ والسلطة والمال والثروة.

انطلاقا من هذه القناعة نستطيع القول بأن كل شعوب العالم بمختلف الجنسيات والديانات ضحايا هذه الأنانية المادية المُفرطة، بما فيهم فلسطين وإسرائيل لأنهما سيتآكلان لصالح شرق أوسط جديدة يصب في وعاء هذه التركيبة الغربية التي لا أحد يستطيع أن يتبين أيديولوجيتها السياسية ولا رمزيتها الدينية.

من الذي يستطيع أن يكبح هذه الآلة المادية التي تحص الأرواح بالآلف دون مبالاة؟ ربما بمزيد من الوعي واليقظة من طرف الشعوب جميعا، وقد يتدخل الله لترتيب ملكه من بشر وكائنات وطبيعة بالشكل الذي يقدره في ملكوت كرسيه الأعظم، فيُهلك الظالمين ويموت الصالحون والطيبون على ما ماتوا عليه ثم يُطوى الكتاب على قدمت السياسة الغربية للبشر، فعليهم أن ينتبهوا ويكفوا حتى لا يكونوا هم القوم الأشرار الذين قد يقيم بهم الله القيامة، ويختم بما يفعلون نهاية العالم.

***

عبد الباقي قبوعه / كاتب جزائري

 

احتضنت الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية اعمال القمة العربية الإسلامية الطارئة في 11 نوفمبر2023 بحضور تمثيل رفيع المستوى وبمشاركة قوية من الدول العربية والإسلامية الفاعلة استجابة للدعوة الكريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود،وبرئاسة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان آل سعود لبحث التطورات الخطيرة في غزة والأراضي الفلسطينية .

تضمنت كلمة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان آل سعود التنديد بانتهاكات اسرائيل والتهجير القسري للمواطنين الفلسطينيين من غزة والتأكيد على ضرورة الوقف الفوري للحرب وللعمليات العسكرية في غزة وفك الحصار عنها،عكست كلمة صاحب السمو الملكي حجم المكانة التي تتمتع به القيادة السعودية ومدى ما تتمتع به من الحكمة والتبصر والمسؤولية بمعالجة القضايا العربية والالتزام بواجب الوفاء لمهام دورها الإقليمي على المستوى العربي والإسلامي.

كانت كلمات أصحاب الجلالة والفخامة والسمو قوية بمعانيها ووضوحها، تبدي ٍرأيا سويا وتحدد موقفا صارما، وتوجه رسائل قوية لكل العالم مفعمة بروح المسؤولية . كعادتها أبهرت المملكة العربية السعودية الحاضرين والغائبين بقوة حضورها السياسي وفعالية نشاطها الدبلوماسي ودقة إدارتها لأعمال القمة، وحنكتها في ضبط اجراءات المراسم وجدية ترتيب التشريفات.

وجاءت مواقف الدول العربية والإسلامية التي انعكست على نص مشروع البيان الختامي في منتهى الحسم والقوة التي تناسب حساسية الظرف وتستجيب لواجب مواجهة طبيعة التحديات الخطيرة وتلبي تطلعات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية في رؤية موقف عربي إسلامي جامع يدعم صمود الشعب الفلسطيني حيث أجمع المشاركون على:

* إدانة عملية تهجير مليون ونصف فلسطيني من شمال غزة جنوبها، واعتبارها جريمة حرب.

* مطالبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بدء تحقيق فوري في جرائم الحرب الإسرائيلية والمطالبة بضرورة إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمدنيين.

* ضرورة كسر الحصارعلى غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري.

* ضرورة دعم جهود مصر لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة بشكل فوري ومستدام وكاف، وضرورة دعم كل ما تتخذه من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الغاشم على غزة.

* مطالبة مجلس الأمن باتخاذ قرار فوري يدين التدمير الهمجي للمستشفيات في قطاع غزة .

* مطالبة مجلس الأمن باتخاذ قرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان، ويكبح جماح سلطة الاحتلال.

* مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطة الاحتلال.

تميزت قرارات القمة العربية الإسلامية الطارئة بصياغة حاسمة لا تقبل التأويل ولا تقبل التأجيل ولا تطيق صبرا على التأخير وذلك من خلال تكرار كلمة " فوري"، كما امتد نطاق القرارات ليشمل تجريم مواقف سلطة الاحتلال في غزة والأراضي الفلسطينية وداعميها أيضا، وعكست القرارات الرفض القاطع لمؤامرات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة واعتبارها جريمة حرب تستدعي محاكمة المسؤولين عنها، وأكد البيان الختامي على أن السلام العادل والدائم والشامل الذي يشكل خيارا استراتيجيا هو السبيل لضمان الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة.

***

صبحة بغورة

يقينا أن العنف صفة مكتسبة وليس فطرة، وأن السلوك البشري يخضع لاشتراطات وتأثيرات أولها التربية الأسرية والمحيط الاجتماعي، ثم يأتي تأثير وسائل الإعلام التي باتت تشكل عامل حسم في الكثير من خيارات وتوجهات البشر.فلوسائل الإعلام وبالذات الأفلام والصور، خاصية فاعلة في التأثير على سلوك الأفراد. وباتت قطاعات الشباب الشريحة الأكثر ولعا من غيرها في التأثر والمشاركة والترويج لهذا النمط الإعلامي. وشكلت أفلام العنف والمطاردة والإثارة والرعب المجال الأرحب والأكبر للمشاهدة والتقليد. وأن الرغبة في مشاهدة هذه المناظر والأفلام يرتبط كليا بالموروث الاجتماعي ووضع الشخص بين أقرانه ووسطه الاجتماعي الاقتصادي ودرجة تعليمه. مما يجعل أبطال تلك الأفلام نماذج مختارة للمحاكاة من قبل المراهقين والشباب وبالذات المهمشين وذوي التعليم المتدني. فصورة البطل التي بات يفضل الشاب والمراهق تقليدها، دائما ما تكون بعيدة عن مظهر رجل عادي في سلوكه اليومي وهيئته . فهو ذو عضلات مفتولة بعيد عن الأناقة والهندام الحسن، مرن الحركة،سريع البديهية وردود الفعل، غير هياب أمام المحن والشدائد، مندفع ومغوار، ويأتي في مقدمة تلك الصورة الانطباع السحري عن البطل الباحث بضراوة عن الحقيقة ويقارع الظلم بشدة وجهادية فائقة.ولكن أي حقيقة هذه وما طبيعة الظلم الذي يحاربه، هنا يكمن الالتباس.

مع ظهور منظمة القاعدة وما تلاها من تنظيمات إرهابية اجتاحت بقسوتها وبشاعة جرائمها العديد من المناطق في الشرق، وروعت بتهديداتها وأفعالها العالم الغربي. إثر ذلك درجت معاهد الدراسات والبحوث في أغلب دول العالم على وضع قواعد بيانات ودراسات ذات طابع خاص تتعلق في البحث عن طبيعة استخدام التقنيات الحديثة لوسائل الإعلام من قبل تلك التنظيمات الإرهابية، والتي باتت تمثل في مستوياتها ومحتواها الإعلامي خطرا حقيقيا عابرا للحدود.ليصبح القلق جراءها عاما، بعد أن علمت سلطات العديد من تلك البلدان وبالذات الأوربية، بوجود أعداد ليست قليلة من مواطنيها كانوا ضمن المشاركين في عمليات القتال التي دارت رحاها ومازالت في أفغانستان وسوريا والعراق وغيرها من بقاع العالم. ووجدت تلك الدراسات أن  هناك ترويجا إعلاميا متقنا وبتقنيات حديثة، يوجه لقطاعات محددة من الشباب وبالذات الأوربي، لغرض دفعهم نحو الذهاب لما سمي بالجهاد في العديد من بلدان آسيا وأفريقيا .

ساعدت  شبكات التواصل الاجتماعي في تقديم العون الممنهج في الترويج لمغريات  تدعو الشباب للتوجه إلى أماكن القتال أو ما يطلق عليها، ساحات الجهاد والرباط. ودائما ما كانت تلك المواقع تبث صورا ومشاهدا لمقاتلي القاعدة أو طالبان وداعش والنصرة وباقي مثيلاتها، وهم فرحين بشوشين مبتسمين يتقاسمون الطعام في أماكن عامة أو وسط حلقات سمر داخل البيوت أو خلف السواتر، أو حين يخوضون غمار المعارك ويقتحمون ساحات الوغى، بقلوب صلدة وتضحية نادرة تصل حد الجود بالروح.كل تلك المشاهد تظهرهم كأبطال ملحميين في لقطات صورية من أفلام الحركة والعنف.

داعش وقبلها القاعدة وبعد أن أدركت أهمية وقدرة الصورة على تحريك الغرائز لدى الشباب المهمش والناقم، طورت تقنيات رعب لمشاهد متعددة الجوانب مثلما تتعدد

فيها طبيعة الرسائل الموجهة لجذب الشباب إلى ساحات القتال،وهي في هذا لعبت على وتر الرغبات المكنونة والمكبوتة لدى هؤلاء، واستطاعت توفير أجواء ورسائل تخاطب مزاج الشباب المتطير المتوتر المليء بشحنات الغضب والقلق ومشاعر الإحباط، والساعي لإيجاد منافذ يثبت فيها لذاته وجودها، وينفس عن نزعاتها التي تشكلت عشوائيا، وأصبحت بمرور الوقت عدوانية سادية جراء مقاربتها لأجواء العنف والجريمة التي تشاهدها يوميا في السينما والتلفزيون والألعاب الالكترونية وعلى صفحات اليوتيوب والانترنيت، وهذا ما تفصح عنه وقائع الجرائم التي ترتكبها مجاميع تلك المنظمات دون حسابات عقلية ومنطقية أو واعز إنساني وبعيدا عن أي روابط وأفكار تتعلق بالفطرة البشرية السوية.

مارشال كوري وهو مخرج أمريكي محترف للأفلام الوثائقية، أشار في مقابلة تلفزيونية مع CNN للأسباب التي تدفع المنظمة الإرهابية داعش للقيام ببث تلك الأفلام الدعائية التي تحوي دائما ما هو مرعب قائلا : أظن أنهم يحاولون إخافة الناس، فعمليات قطع الرؤوس والجرائم الأخرى، ترويجها يهدف إلى لفت انتباه الشباب والقول لهم بأنكم تستطيعون أن تكونوا جزءا من أفلام المغامرات هذه وتمارسونها على الواقع بدلا من مشاهدتها في فلم على شاشة التلفزيون، ألا تعتبرون هذا الأمر مشوقا ومدهشا؟ إذا لماذا لا تشاركون فيه؟ هيا إلى هناك.

في العديد من الأفلام كان هناك مقاتلون يطلقون النار بكثافة ويتقافزون بحركات رشيقة، في حين يقف جوارهم رفاق يلتقطون لهم الصور، وكان ليبدو هذا وكأن دافع الجميع المشاركة في فلم أكشن. ويجد المشهد هذا وبمختلف جوانبه المكانة الأوفر حظا بين أوساط الشباب، حيث يطرق بقوة على وتر رغبات هؤلاء.لذا يضيف المخرج مارشال قائلا بأن أفلام الدعائية التي تنتجها داعش تتمتع بتقنيات عالية رغم بساطة وزهد تكاليفها، ولكن هدفها عال ومهم للمنظمة إلا وهو بث الرعب لدى الخصوم وإخافة الناس وقبل هذا إغراء وتضليل الشباب.

في العديد من الوقائع أظهرت تلك المنظمات قدرات تقنية عالية في صناعة الأفلام واستخدام الفوتو شوب وعرض وترويج واستخدام وسائل، تبدو جاذبة للبعض من الشباب المرتبك المهمش القلق على مستقبله، والمحشو دماغه بالكثير من الأسئلة عن ما يدور من صراعات ومظالم في هذا العالم. ففي جانب حيوي من موضوعة المشاركة والذهاب للقتال، هناك من هو موقن بالجهاد الديني المفضي للشهادة والمثول سريعا بين يدي النبي محمد، ونيل مبتغاه من حور العين، ولكن في ذات الوقت تشير بعض الوقائع لكون العملية وفي البعض من جوانبها باتت بابا للارتزاق وصراع من أجل المصالح الدنيوية، ولا تخلو المغامرة فيها من جني مكاسب، حيث تحدث خلال تلك المعارك عمليات سلب ونهب واستيلاء على أملاك وحاجات وخطف واغتصاب نساء الطرف الأخر المخالف عقائديا.وتدار أيضا عمليات تهريب وبيع المقتنيات والموارد، مثل السيارات والآثار والنفط وباقي المعادن، وكذلك تكون للبعض فرصة نادرة لمغامرة مميزة في مواجهة الأخطار، وتجربة شجاعة يبحث الفرد من خلالها على تعزيز الثقة بالنفس وبقدراته في مواجهة مجتمعه وتحدي خصومه المفترضين.

العديد من البلدان التي تواجه  أزمات سياسية اقتصادية حادة، وتنتشر البطالة فيها بين أوساط الشباب بشكل واسع ومضطرد، ما يجعل الأفق مسدودا أمامهم وتنتابهم مشاعر انعدام الكفاءة الاجتماعية والاعتقاد بأنهم ضحايا لظروف ظالمة، عندها تصبح عوالمهم رخوة يسهل اختراقها من قبل مختلف المنظمات التي تعرض عليهم خدماتها لجذبهم نحو عالم المغامرة والشهرة والارتزاق قبل أي شيء أخر. ودائما ما كان هؤلاء صيدا سهلا واحتياطيا جاهزا للزج بهم في عالم الجريمة بمختلف أشكالها.

الكثير من الوقائع وفي العديد من المعارك أفصحت الصورة الموثقة، عن كون البعض من ما سمي  بالجهاديين، لم يكن يعني لهم الإسلام شيئا يقينيا أو طريقا للنجاة من الوضع الذي يعيشونه. ولم يكن حتى نافذة تفضي للإجابة على مجمل ما يدور في أذهانهم من قضايا ملتبسة، ولم يجدوا فيه الدافع الحقيقي لتخليصهم وإنقاذهم من الارتباك والحيرة اليومية، وإنما المغامرة وحدها كانت المحفز الأول والدافع لكسب الاطمئنان  والخلاص من القلق والتغرب،ولحظة فائقة القدرة لتفريغ شحناتهم العاطفية التي تسيطر عليهم وتربكهم ويعانون جراءها.وأن التربية الدينية أو العلاقة الروحية بالدين لم تكن دليلا مطمئنا، أو لها معنى خاصا يدفعهم للارتباط بتلك الأفكار الجهادية، وبدت تعابيرهم عبر رسائل نصية عديدة يسربونها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تنبئ عن نوع آخر لا علاقة له بالتشدد الديني . فمنهم من يعلن بأن أخر ما يفكر فيه هو الإسلام، وإن الظلم عام وليس الإسلام وحده من يُظلم. والبشرية تحتاج من ينقذها مهما كان دينه، وآخر يقول الحرب مغامرة وربح وفير.منظر الذبح والدم مفرح ورسالة إلى الحكومات لتدرك وجودنا كأنداد.

وهكذا يبدو أن هناك قائمة طويلة من أشخاص تدفعهم رغبات شخصية للذهاب والقتال في أماكن توفر لهم قيمة اعتبارية ذاتية قبل أي شيء أخر. ومثلما الحديث يدور عن علاقة بعض المقاتلين بالأيدلوجيات وقربهم أو بعدهم عنها، فأن وقائع على أرض المعارك في العراق وسوريا أظهرت حقائق توثق زيف تلك العلاقة الفكرية.

فبعد احتلال مدينة الموصل العراقية والرقة السورية من قبل داعش وحلفائها ظهر أن ليس هناك صورة نمطية للعلاقة مع الأيدلوجية الدينية والتي تدفع الشباب للقتال مع المجاميع الإرهابية،بل اتضح أن وراء الأكمة الكثير من الأغراض والمنافع، وان المشهد له مسببات مثلما احتواؤه على قناعات عديدة ومختلفة في الكثير من مظاهرها ودوافعها. فقد عثر من بين قتلى تلك المنظمات من هو غير مختون وتلك حالة جسدية بعيدة عن أعراف الإسلام وتعاليمه، وربما قوة شكيمة وشراسة هذا المقاتل جعلت منه قائدا عسكريا، لا بل صيرته مفتيا شرعيا لمنطقة من مناطق القتال. كذلك أُسر في العراق شخص ياباني الجنسية أعترف بأن لا علاقة له بالدين الإسلامي ولا يعرف عن الإسلام غير الاسم، وما كانت دوافعه غير محاربة الأمريكان وقتال الظلم والظالم في العالم حسب ما أدعى، ومثله وجد روسي وصربي وفلبيني. وعرض التلفزيونان السوري والعراقي وقتذاك مقابلات لأسرى من تلك المنظمات، كانت جملهم مرتبكة وأعلنوا ندمهم وأدانوا الأفعال التي قاموا ومجموعاتهم بها، والندم هذا لوحده دليل واضح على تورطهم وارتباكهم وبعدهم عن ما يسمى بقضية الجهاد والتضحية في سبيل الدين والمبدأ ونيل أحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.ولم تكن الكثير من هواتف قتلى داعش وقبلها القاعدة خالية من الأفلام الإباحية والعاب القوة وكذلك ألعاب القمار والمراهنات، وحظيت قوات الجيش والشرطة في العديد من مواقع القتال على كميات من المخدرات وقناني الكحول التي كان مقاتلو المنظمات الإرهابية يتعاطونها. ولذا يبدو أن روح المغامرة لدى الشباب تتقدم باقي الرغبات، ولكن في النهاية لن تكون هي ما يفضي لإيقاف الغليان الداخلي ومشاعر الاضطهاد والكبت في أرواح هؤلاء، إن لم يجدوا من يساعدهم على تجاوز محنتهم بتوفير فرص العمل الشريف ومن خلال مناخ عام سليم يرفع عن حياتهم وحياة أقرانهم ومجتمعاتهم الغبن والقهر المسلط . 

***

فرات المحسن

مشاهد تراجيدية تراها كل طلعة نهار تنقلب فيها الوقائع وتتحول المأساة لما يشبه الكابوس..

30 ألف طن متفجرات خلال شهر واحد ألقتها إسرائيل على رؤوس المدنيين فى غزة فى أسوأ مشهد إبادة عرقية فى الألفية الجديدة..ليسقط على إثر وابل القنابل أكثر من عشرة آلاف شهيد أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء!!

كل هذا والعالم يضع على عينيه عصابة، ويحشو أذنيه بالقطن، ويغلق فمه بكلتا يديه..بينما الولايات المتحدة الأمريكية لا تكتفى بمجرد التشجيع والدعم غير المشروط لإسرائيل والتغطية على جرائمها، بل تمدها بمدد لا ينقطع من السلاح والعتاد والذخيرة والدولارات بلا حساب ولا رقابة ولا وازع من ضمير..

لكن المشاهد ليست كلها على هوى أمريكا أو إسرائيل..

على الهامش وفى الكواليس هناك مشاهد أخرى قد تغير كل شئ، وقد تأتى نهاية المعركة لينسدل الستار على مشهد أخير لم يتوقعه أحد!

جحيم على الأرض

كأننا فى قلب أحد أفلام الأكشن الهوليودية، نرى فيه دبابات تنفجر وجرافات تحترق وقذائف مصورة بمشاهد حية من قلب معركة مستمرة منذ مناوشات الاقتحام البرى الأولى لغزة وحتى اليوم..

مقاتل فلسطينى يصعد على ظهر جرافة تكلفت مليون دولار ثم يحرقها بولاعة ثمنها أقل من دولار! وآخر يقترب من دبابة متطورة ليزرع على ظهرها عبوة متفجرة سرعان ما تخترق جسمها المصفح المنيع وتجبر الناجين منها على الفرار..مراسل لقناة أجنبية مرافق لفرقة إسرائيلية فى اقتحامات شمال غرب القطاع يخرج على العالم ببث حى وقد انتابه الهلع وهو يري فرقة الجنود وقد تحولوا جميعهم أمامه لأشلاء! ثم على الناحية الأخرى رجال يخرجون من قلب أنقاض المبانى فى غزة بعد الغارات الإسرائيلية يصيحون: "وكأنه يوم القيامة!"..وعلى أطراف العالم يراقب الأجانب فى ذهول واندهاش: كيف أن غزة يتم قصفها بأمطار القنابل شهراً  كاملاً ثم لا يزيد الناجون عن قولة: الحمد لله!!

البيت الأبيض حوصر بكتائب المتظاهرين ينددون بما تقترفه أمريكا فى حق غزة وأهلها..لدرجة أن عمال الموانئ تجمعوا على إحدى السفن المحملة بالسلاح لإسرائيل يبغون منع السفينة من الإقلاع! ومحطة النقل جراند سنترال فى نيويورك يتم إغلاقها بأيدى متظاهرين قرروا وقف العمل بها حتى إشعار آخر! وملايين المتظاهرين فى عواصم أوروبا وآسيا وأمريكا خرجوا بأعداد مهولة تزداد يومياً حتى أن بعضها كسر أرقاماً قياسية لما سبق من ثورات العِقد الحالى!!

مفارقات وتناقضات

بعد كل ما حدث ويحدث من ظلم عظيم ومجازر فى حق الفلسطينيين خرج وزير ما يسمي ب" التراث الإسرائيلي" فى هياج يطالب بمحو غزة بالقنابل النووية على غرار ما حدث فى هيروشيما ونجازاكى..كأن إسرائيل بكل ما تملكه من جيش ودعم أوروبى وأمريكى قد عدمت الحلول واستنفدت الوسائل كلها ولم يبقَ أمامها سبيل إلا إبادة الشعب الفلسطينى كله بالنووى. فما السبب الحقيقي وراء الهياج الإسرائيلى؟

إنهم مضغوطون منهزمون حائرون لا يعرفون كيفية التصرف مع مقاومة فلسطينية جبارة تقاتل قتال المستميت وتذيقهم ألواناً من العناء والعنت كل يوم..بحيث لا تمر ليلة إلا ويتم تدمير عدد من الآليات والدبابات، وقتل عدد من الجنود والضباط حتى وصل عدد القتلى من جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 400 قتيل. نتنياهو بات مكروهاً من المستوطنين اليهود ومن الأمريكان بل وممن حوله من المسئولين الذين تفشت فيهم "موضة" الاستقالات ،وبعضها تم على الهواء مباشرةً! المظاهرات فى الشارع الإسرائيلي امتدت حتى بيت نتنياهو نفسه، والمطالبات بتحرير الأسرى تقض مضاجع القادة الإسرائيليين، والأيام تمر بطيئة ثقيلة دون إحراز أى تقدم على الأرض، فلا تم اقتحام غزة ولا اكتشاف الأنفاق ولا إضعاف المقاومة ولا تحرير الأسرى..بينما الاقتصاد الإسرائيلي ينزف بغزارة، والهجرة العكسية من إسرائيل تجاوزت ربع مليون هارب!

هكذا تبدلت الصورة داخل إسرائيل..فالمستوطنين باتوا ضيوفاً على المخيمات والفنادق، وقائمة الانتظار فى رحلات الطيران لخارج إسرائيل محجوزة لعام كامل قادم، والعمالة تقلصت للنصف، والسياحة توقفت، ووسائل النقل شحت وأصابها الشلل، وصفارات الإنذار باتت تدوى فى كل مكان وفى أى وقت، بحيث تبدد الأمان وعم القلق والتوتر والهلع.

تلك مفارقة كبري.. أن ترى البيوت المهدمة التى سويت بالأرض فى غزة يعمها الرضا والطمأنينة فتصدح شكراً وحمداً للرحمن، بينما يسود الخوف أرجاء إسرائيل..وكلهم قلق مما سيحدث إذا طال أمد الحرب..والمفارقة الأكبر أن المقاومة هى المنتصرة على كل الجبهات رغم الحصار الخانق من البحر والبر والجو، وأن التعاطف العالمى المتزايد معها يثبت هذا الانتصار ويشجعه ويدعمه..

مآلات التورط الأمريكى

أمريكا باتت طرفاً فى معادلة الحرب، وهى تهدد إيران وتحذرها من خوضها؛ ولهذا سارعت بنشر حاملات الطائرات والغواصات النووية على السواحل..والواقع أن أمريكا تورطت فى حرب لا تريدها..

الحزب الديمقراطى انحدرت شعبيته إلى أقصى حد، وتعليقات الكثيرين تحتوى على كثير من السباب الغاضب لدرجة القول أنهم "سينتخبون حذاءهم بدلاً من بايدن!"..يحدث هذا فى الوقت الذى تتفرغ فيه الساحة لروسيا والصين أمام أطماعهما فى أوكرانيا وتايوان..والغضب الشعبي العالمى يفور بثورات عارمة تهتف ضد إسرائيل وأمريكا معاً..بينما تتعرض القواعد الأمريكية فى العراق وسوريا لضربات وتهديدات يومية من فصائل وميليشيات مسلحة مختلفة الانتماءات، بما ينذر بتوسيع رقعة الحرب وفتح جبهات متعددة ضد إسرائيل ومعها أمريكا.

وفى غياب الوجهة والمغزى من الحرب الشعواء لإسرائيل ضد قطاع غزة بدأ الأمريكيون يشعرون بمدى الحمق والغباء والخسارة من استمرارهم فى حرب لن تنفعهم فى شئ، لكنها ستضرهم فى أشياء..والاتجاه السائد فى أروقة القرار الأمريكى الآن توجه الإسرائيليين نحو ضرورة تحقيق أية نتائج سريعة على الأرض، وتحرير الأسرى ثم التعجيل بالتهدئة والهدنة ..لكن الرياح لا تسير بما تشتهى السفن..لأن إسرائيل تبدو كالكلب المسعور أو كالثور الهائج لا يريد شيئاً إلا مزيداً من سفك دماء الأبرياء.

إسرائيل ذاهبة..وفلسطين باقية

مهما كانت نتائج الحرب الحالية ، فإن إسرائيل لم تعد كما كانت بالأمس القريب.. جيشها مهزوم، واقتصادها مأزوم، وجنودها محبطون، وقادتها فى خلاف دائم، وشعبها فى انقسام واضح..وهناك قناعة لدى الكثيرين منهم أنهم يشهدون نهاية العِقد الثامن المنذر بزوال إسرائيل وعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم المسلوبة وديارهم المنهوبة.

الشعوب العربية من حول إسرائيل تبدو هادئة هدوء المطمئن إلى المآلات..فإسرائيل حتماً إلى زوال.. وفلسطين باقية، ومهما استشهد من أبطالها يأتى من أصلابهم من يستكمل مسيرة الصمود، حتى يأتى وقت يرونه بعيداً ونراه قريباً تُسترد فيه الحقوق ويعود الأقصى مقصداً لمحبيه من الجهات الأربعة..

لقد رأينا كيف أن الغضب العارم حول العالم يزداد مع كل غارة تدك فيها إسرائيل مدرسة أو مستشفى أو مبنى سكنى يروح ضحيتها مئات الأبرياء من الأطفال والنساء والكهول..وها هى الدول تطرد سفراء إسرائيل وتستدعى سفراءها منها وتقطع علاقاتها الدبلوماسية مع كيان محتل غاصب لا يحترم قانوناً دولياً ولا وازعاً إنسانياً.. ولن يطول الوقت حتى نجد كل داعمى إسرائيل ينفضّون من حولها تباعاً حتى أمريكا ذاتها، عندما يكتشفون أن مصالحهم تنهار وتتضرر فى كل مرة يدعمون فيها الظالم ضد المظلوم، ويقاتلون إلى جوار المتجبر لسحق الأبرياء.. وحينها سيأتى الدور على إسرائيل لتذوق من نفس الكأس التى أذاقتها للشعب الفلسطينى الصامد، وتعود الأرض لأهلها والأقصى لقاصديه.

***

عبد السلام فاروق

الى كهنة وشيوخ الحداثة الليبرالية، اليسارية: الديمقراطية والعلمانية والعلمية وحقوق الانسان... الخ: ها انا اشهد على صحة خرافاتكم العلمية جدا..

بفضل معيشتي في اوربا الغربية منذ عشرات السنين، اشهد يا اخوتي بصحة كل ما تقولوه في كتاباتكم وخطاباتكم لشعوبنا المسكينة المتخلفة، عن عظمة وقدسية الحداثة التي يتم تطبيقها وتنميتها في اوربا الغربية وامريكا، منذ قرون، وانا اعيش يوميا وكل ساعة الانجازات الخارقة التالية:  

1- بفضل العلم قد بلغوا الخلود والشباب الابدي، بالقضاء التام على (الموت والهرم) وجميع الامراض والاوبئة والحوادث وغيرها. ولهذا فان هذه الشعوب قد نسيت حتى كلمات مثل: موت ، مرض، هرم، عوق.. اطباء، مستشفيات، ادوية، وغيرها من الكلمات العتيقة التي لا نزلنا (نحن الشعوب) المتخلفة نستعملها!

2- بفضل الديمقراطية قد بلغوا المساواة الاجتماعية الاقتصادية، فلم يعد هنالك اغنياء يملكون المليارات وفقراء كادحين بالكاد يدبرون حياتهم. وقد تعود كل انسان في هذه البلدان على الاختيار الحر للعمل الذي يرغبه وعدد الساعات التي تناسبه. واصبحت جميع المخازن الكبرى مفتوحة للجميع ليأخذ الناس منها مجانا ما يحتاجونه من امور معيشية.

3- بفضل العلمانية وعزل الدين والروحانيات والاخلاقيات العتيقة، تمكنوا من بلوغ حالة الصفاء والسلام الانساني المطلق ومحبة الجميع للجميع ، وانتهى الادمان على الخمرة والضياع في المخدرات (العلمية التقدمية). انتهى الكبت الجنسي والمعانات الشهوانية، ولم يعد الناس يعرفون معاني كلمات: بغاء، شذوذ هلع جنسي. وانتفت الحاجة الى الاغتصاب التي كانت تحصل بعشرات الآلاف سنويا، ولم يعد الرجال بحاجة للسفر الى البلدان الفقيرة لممارسة البغاء مع الاطفال فتيان وفتياة.

4 - بفضل تطورهم الشاعري والموسيقي قد بلغوا ذروة الصفاء والسلام، بحيث انهم تخلصوا من الجيوش والمخابرات والشرطة، وحولوا مصانع الاسلحة الى مصانع اغذية لاعانة البلدان الفقيرة. وعمت المحبة وانتشر الوئام في مجتمعهم، فلا تسمع ابدا بحوادث عنف ولا قتل ولا اغتصاب، ولا 50 الف قتيل كل عام في (بلاد هوليود)، وانتهت تماما المافيات والعصابات الدولية وشركات المرتزقة والاغتيال العالمي، وانتهت المؤامرات وشبكات الخيانة والتخريب في البلدان الضعيفة.

5- بفضل روح التعددية وحرية التعبير، قد بلغوا الشفافية المطلقة، من خلال جعل وسائل الاعلام ملكا للشعب وليس لاقليات ثرية شيطانية، لهذا انتهت الى الابد حملات الاعلام والرشوة والتهديد الى حد التوريط بتهم اغتصاب وغيرها، وعمليات التشهير وغسيل الضمائر التي تحطم من يعارضها وتمجّد من يخنع لها.

6 - بفضل عقلانيتهم ونضجهم واحساسهم بالمسؤولية ازاء شعوبنا المتخلفة، تراهم يسعون باخلاص الى حل خلافاتنا ومشاكلنا، وتعليمنا مبادئ حقوق الانسان وكيف نحترم نسائنا ونحب اطفالنا، وان نقدس كلابنا ونجعلها تنام معنا في اسرّتنا.. . بالاضافة الى الكفاح لتحقيق العدالة العالمية ومنع الحروب والمؤامرات، واجبار الدول العنصرية والمغتصبة لاراضي الشعوب الضعيفة، على الخضوع للقانون الدولي وتحقق السلام وحسن الجوار.

نعم ياخوتي الحداثيين، نحن معكم نجهد للكشف عن حقيقة الانجازات العظيمة للحداثة الديقراطية العلمانية العلمية الانسانية، وان ما علينا نحن الشعوب المتخلفة الا ان نجبر حكوماتنا على استيراد مبادئ الحداثة الديمقراطية والانسانية من خلال (الامم المتحدة)، وتعليقها على الجدار في كل مكان، حتى نحفظها نحن واطفالنا عن ظهر قلب، ثم بعد ذلك سنحققها بكل سهولة، بفضل مساعدة خبراء البلدان الغربية الديمقراطية العلمانية العلمية الانسانية التي طالما عودتنا على الوفاء لمبادئها العظيمة والمقدسة.

وانّا لله وانّا اليه راجعون..

***

سليم مطر ـ جنيف

.............................

* لمطالعة موضوعنا هذا مع قسمه السابق المكمل له، اضغط على هذا الرابط في موقعنا:

https://www.salim.mesopot.com/hide-feker/155-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%91%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D9%8A%D8%B1%D9%81%D8%B6%D9%87%D8%A7-%D8%AC%D9%85%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D8%8C-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D9%84-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%9F.html

1. إعادة عائدات العملات الأجنبية يمكن أن يعزز الروبل الروسي:

وقع رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين مرسوما بشأن إعادة وبيع عائدات النقد الأجنبي للمصدرين لمدة ستة أشهر. تم اتخاذ هذا الإجراء على خلفية ضعف الروبل والذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار في سوق الصرف الأجنبي، وكذلك القضاء على إمكانية المضاربة على العملات. ووفقا لأليكسي فيديف، فإن الإجراء غير سوقي، ويمكن نقل الروبل لفترة وجيزة إلى سعر 85-90 روبلا1.

في 16  تشرين الأول/اكتوبر  2023، دخل مرسوم رئاسي بشأن الإعادة الإلزامية وبيع عائدات النقد الأجنبي من قبل المصدرين حيز التنفيذ. ومع ذلك، لم تكن هناك تغييرات كبيرة في السوق، فقد ضعف الروبل بشكل معتدل مقابل العملات الرئيسية. طوال اليوم تقريبا، كان الدولار في بورصة موسكو بالقرب من علامة 97، اليورو - 102.4. وبالتالي، فإن الانتقام من جانب العملة الروسية لم يحدث، على الرغم من وجود سبب لذلك.

وقال أليكسي فيديف: "كان من الصعب توقع أي تغييرات كبيرة في يوم واحد: ينص المرسوم على أنه يجب على المصدرين بيع ما لا يقل عن 90٪ من العائدات المستلمة على الحسابات في غضون أسبوعين". "ووفقا لذلك، لدى الشركات الوقت للمناورة. بدون شك، سيؤثر الإجراء على سعر الصرف، ولكن ليس على الفور. ثانيا، قد تكون هناك تقلبات موسمية، عندما يتم فرض بيع العائدات على مدفوعات الضرائب، والتي عادة ما تقوم بها الشركة في بداية كل ربع سنة جديد.

من الضروري تطبيع هيكل المبيعات بحيث تصبح عائدات الصادرات أكثر سيولة. على سبيل المثال، يوجد تفاوت كبير مع الهند بحدود 70 مليار دولار. الصادرات الروسية لهذا البلد تقدر بقيمة 5-6 مليارات دولار. واتحذ القرار على أساس اتفاق مبدئي مع المصدرين، والذي يشمل جميع الشركات الكبرى.  لماذا لم تفعل السلطات ذلك في وقت سابق، بينما كان بإمكانها القيام بذلك؟ على ما يبدو، توقعوا الحصول على رفع سعر الفائدة الرئيسي، لكنه لم ينجح. استمر سعر الصرف في الضعف، مما أدى إلى التضخم. ولايوجد حل آخر؟

تواصل الوفاء بالعقد الاجتماعي الميزانية الفيدرالية  في روسيا الاتحادية للعام 2024 وفترة التخطيط 2025-2026. وهي تمول كلا من المجال الاجتماعي والاقتصاد الوطني.

ومن الجدير بالذكر أن الموازنة هي أموال يتم تحصيلها على شكل ضرائب وتعيد الدولة توزيعها على شكل نفقات. للميزانية عدد من الوظائف، ولكن أهمها هو تنفيذ ما يسمى بالعقد الاجتماعي (العقد الاجتماعي هو اتفاق غير رسمي بين المجتمع وأولئك الذين يتخذون القرارات السياسية والاقتصادية حول مبادئ تنظيم الحياة في البلاد).

في أغلب الأحيان يكون فائض الميزانية سيئا. الفائض سيء لأن الدولة تأخذ أموالا من الاقتصاد أكثر مما تعطي. وبالتالي، فإن فائض الميزانية يثبط الهمة.

وتعتبر الميزانيات  ذات العجز في جميع البلدان،  إما جيدة أو مقبولة. هناك نقص في الأموال المخصصة للإنفاق، والتي يتم تمويلها من مصادر مختلفة، تتراوح من طباعة النقود إلى الاقتراض في السوق المالية. العجز في مشروع الميزانية الجديدة جيد.

و يعتمد العمل مع العجز في الميزانية على الظروف في المدى القصير، إذ يمكن أستخدام صندوق الرعاية الوطنية.  ومن الجدير بالذكر فإن الضرائب الجديدة تعمل على ابطاء النمو الاقتصادي. وأصبح الاقتراض بسبب نمو سعر الفائدة الرئيسي مكلفا للغاية في الوقت الحاضر. ان جعل سندات القروض الفيدرالية عند 12٪ هو الكثيرلأن حوالي 5-7 ٪ من جميع النفقات تذهب لخدمة الدين المحلي. وهذا كثير أيضا. ولكن مع انخفاض سعر الفائدة الرئيسي وأسعار الفائدة بشكل عام، يمكن تطوير سوق الدين المحلي2.

لقد تغيرت الميزانية من أنها تملك وظيفة االعقد الاجتماعي تغيرا هيكليا في الثلاثين سنة الأخيرة بسبب الوضع الاقتصادي. على سبيل المثال، إذا كان النفط يكلف 120-130 دولارا للبرميل، فإن الدولة لديها الكثير من المال، مما يجعل من الممكن المناورة. في حين كان وضع آخر وقتما كان سعر النفط في منتصف  تسعينيات القرن الماضي  بحدود 12-14 دولارا للبرميل الواحد، إذ أدى ذلك إلى عجز كبير في الميزانية ثم إلى أزمة الميزانية في العام 1998. ولهذا فإن ميزانية العام 2024  في روسيا الإتحادية تغيرت تبعا لأسعار النفط عالميا.

وتطورت  سياسة الدولة الاقتصادية على مدى السنوات ال 15-20 الماضية إذ توجد هناك زيادة في حصة الدولة في الاقتصاد الوطني الروسي.  كان لديها اقتصاد خاص قبل 15-17 سنة ولكن تسيطر الدولة الآن على العديد من القطاعات، فعلي سبيل المثال النظام المصرفي والصناعة النفطية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، بدأ عدد من الصناعات  في القطاع الخاص بداية جيدة وهي تتطور من تلقاء نفسها. الزراعة والصناعات الخفيفة والغذائية تظهر النمو والتطور بشكل ملفت للنظر، فبالنسبة لمثل هذه المجالات، هناك حاجة إلى قواعد واضحة لهذه العملية، لكن دعم الدولة غير مطلوب هناك. وأعتقد أنه سيكون هناك المزيد والمزيد من هذه القطاعات.

2. تفاوت الأجور في قطاع الصناعات التحويلية الروسية:

ذكرت صحيفة Nezavisimaya Gazeta، بالاعتماد على بيانات استطلاعات السوق التي أجراها معهد Gaidar، الذي كتبه رئيس المختبر، سيرجي تسوخلو، في مقالته عن نقص الموظفين في مؤسسات الصناعات الخفيفة.

تتوقع الصناعة التحويلية المحلية نموا بنحو 7٪ بحلول نهاية العام. ومع ذلك، فإن اتجاه النمو الإيجابي يطغى عليه النقص المزمن في الموظفين، والوضع أسوأ في التجهيز والصناعات الخفيفة. ووفقا لمعهد غيدار للأبحاث الاقنتصادية، فإن 80٪ من شركات الصناعات الخفيفة  أعلنت عن نقص في العمال. بالإضافة إلى ذلك، فإن إنتاج الملابس، وفقا لجهاز إحصاءات الدولة، هو الصناعة الأقل أجرا في الاتحاد الروسي. هذا العام، كانت الشركات في العام الجاري 2023 تجتذب العمال بنشاط من خلال زيادة الأجور وغيرها من التدابير التحفيزية، لكن قدراتها المالية محدودة، مما يؤدي إلى توتر في قطاع أو آخر. كما أن "النقص المزمن في الموظفين يجبر الصناعة الروسية على التخطيط لزيادة كبيرة في الأجور. في العام 2023، أصبحت الصناعة الخفيفة رائدة في هذه الخطط، حيث أبلغت 80٪ من الشركات عن نقص في العمال بسبب التغيرات المتوقعة في الطلب»3.

وفي الصناعات الأخرى، يكون النقص في الموظفين في العام 2023 أقل بكثير: على سبيل المثال، في الهندسة الميكانيكية والصناعة الكيميائية، أبلغت 43٪ من الشركات عن نقص في العمال، في صناعة الأغذية - 27٪. وسمح هذا الوضع لهذه الصناعات على الأرجح أن يكون لديها خطط أكثر تقييدا لرفع الأجور.

لكن مسألة نمو الأجور في الصناعات الخفيفة لا تزال مفتوحة، خاصة في صناعة الملابس، التي أصبحت الآن الأقل أجرا في روسيا، على الرغم من محاولات استبدال العلامات التجارية الأجنبية. وهكذا، تظهر أحدث البيانات من جهاز إحصاءات الدولة أنه في شهر تموز المنصرم كان متوسط الراتب في الاتحاد الروسي أكثر بقليل من 71 ألف روبل، في حين كان في صناعة إنتاج الملابس حوالي 33 ألف روبل4.

***

د. سناء عبد القادر مصطفى

........................

1- أليكسي فيديف: "إعادة عائدات العملات الأجنبية هي إجراء غير سوقي ويمكن أن تعزز الروبل لفترة قصيرة فقط"، معهد غايدار للأبحاث الاقتصادية، موسكو. 13/10/2023.

2- نفس المصدر السابق. 16/10/2023.

3- سيرجي تسوخلو: "النقص المزمن في الموظفين يجبر الصناعة الروسية على التخطيط لنمو الأجور"، معهد غايدار للأبحاث الاقتصادية، موسكو، 25/10/2023.

4- الجهاز المركزي للإحصاء، موسكو. 25/10/ 2023.

أجرت منظمة الصحة العالمية (WHO) منذ فترة طويلة دراسات عديدة، أكدت  ان صحة الانسان وثيقة الإرتباط بصحة النظام البيئي الذي يلبي الكثير من احتياجاتنا الاساسية، فتؤدي زيادة عدد السكان، والتطور الاقتصادي الى حدوث تغييرات سريعة في النظام البيئي العالمي، ويؤثر هذا على صحة البشر.

ونبهت WHO الى إمكانية التغلب على المشكلات البيئية، التي تتسبب بحوالي ربع الامراض والوفيات التي تحدث في عمر مبكر. وجاء في دراسة لها بعنوان "تفادي الامراض من خلال الحرص على بيئة صحية " انه يمكن سنويا انقاذ حياة 4 ملايين إنساناً اذا ما تم تفادي المشكلات الصحية المرتبطة بالمكونات البيئية، كالهواء والماء والتربة والاشعاعات والضجيج والحقول الكهرومغنطيسية والانشاءات والزراعة والسلوكيات الصحية والنظافة.وأوضحت بان عوامل الخطر البيئية تشهد تحولا كبيرا مع التنمية.

تشكل التغيرات المناخية في الوقت الراهن أبرز المشكلات البيئية الساخنة، وتُعدُ تطوراتها المتفاقمة المتسارعة من أكبر التحديات التي تواجه العالم، لا سيما وان تأثيراتها شديدة للغاية على صحة وحياة البشر في أنحاء العالم، حيث يساهم تغيُّر المناخ في تردي جودة الهواء، والمياه، والأمن الغذائي، واماكن العيش والسكن، وفي انتشار الأمراض المعدية. ويُصَعِبُ انخفاض التنوُّع البيولوجي إطعام البشرية بطريقة صحية. وقد تحولت التغيرات المناخية الى سبب رئيسي لنزوح المجتمعات الأكثر عرضة لتداعياتها ، ولنشوء أوضاع مضطربة، وقيام نزاعات، تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر..

إدراكاً لهذه المخاطر، خصص مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، الذي سيفتتح في دبي يوم 30 تشرين الثاني القادم، يوماً خاصاً لـ " الصحة، والتعافي، والإغاثة، والسلام " ضمن برنامجه الحافل. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية تخصيص مثل هذا اليوم، الذي سيكون يوم الثالث من كانون الأول. ومن المقرر ان يتم خلاله تسليط الضوء بالأدلة والقرائن على التداعيات الصحية الوخيمة للتغيرات المناخية، واستكشاف مسارات جديدة، ضمن أجندة المؤتمر الأممي، لمهمات الإغاثة العاجلة للمتضررين، ولمتطلبات التعافي، وغيرها من مهمات دعم المجتمعات الأكثر تضرراً، وتعزيز مرونتها واستقرارها .

وسيتضمن برنامج اليوم، أيضاً،عقد مؤتمر لوزراء الصحة والبيئة والمناخ،من أرجاء العالم، يناقش أزمة المناخ وتداعياتها الصحية، ووضع الحلول والمعالجات لها، لتكون ضمن أجندة الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية.

وبادرت أكثر من 200 مجلة طبية رائدة ومعروفة وواسعة الإنتشار في العالم، مثل: The BMJ، و The Lancet، وJAMA ، والمجلة الطبية الأسترالية، ومجلة شرق أفريقيا الطبية، والمجلة الطبية الوطنية الهندية، ومجلة دبي الطبية، وغيرها، ونشرت في وقت واحد، يوم الأربعاء 25/10/2023، مقال افتتاحي، لخلق زخم قبل إنعقاد (جمعية الصحة العالمية) القادمة في ربيع عام 2024. ودعت فيه قادة العالم والمهنيين من ذوي المهن الطبية والصحية إلى الاعتراف بأن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي يمثلان أزمة واحدة لا تتجزأ، ويجب معالجتها معًا للحفاظ على الصحة العامة وتجنب الكوارث.

وكتب المؤلفون إنه من الخطأ الخطير الاستجابة لأزمة المناخ وأزمة الطبيعة كما لو كانا تحديين منفصلين. وحثوا منظمة الصحة العالمية على إعلان هذه الأزمة غير القابلة للتجزئة كحالة طوارئ صحية عالمية.

وأن صحة الإنسان تتضرر بشكل مباشر بسبب أزمة المناخ وأزمة الطبيعة، حيث تتحمل المجتمعات الأكثر فقرا وضعفا العبء الأكبر في كثير من الأحيان.

ويعد ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية المتطرفة وتلوث الهواء وانتشار الأمراض المعدية من بين التهديدات الصحية الرئيسية التي تتفاقم بسبب تغير المناخ. كما أدى تحمض المحيطات إلى تقليل جودة وكمية المأكولات البحرية التي يعتمد عليها مليارات الأشخاص في الغذاء وفي سبل عيشهم .ويؤدي فقدان التنوع البيولوجي إلى تقويض التغذية الجيدة، وتقييد اكتشاف أدوية جديدة مستمدة من وفي حين أجبرت التغيرات في استخدام الأراضي عشرات الآلاف من الأنواع على الاتصال الوثيق، مما أدى إلى زيادة تبادل مسببات الأمراض وظهور أمراض وأوبئة جديدة.

وأكد المؤلفون بان المجتمعات تتمتع بصحة أفضل إذا أتيحت لها إمكانية الوصول إلى مساحات خضراء عالية الجودة تساعد في تصفية تلوث الهواء، وخفض درجات حرارة الهواء والأرض، وتوفير الفرص لممارسة النشاط البدني.

كما أن التواصل مع الطبيعة يقلل أيضًا من التوتر والوحدة والاكتئاب، مع تعزيز التفاعل الاجتماعي، وهي فوائد مهددة بسبب الارتفاع المستمر في التحضر.

ويذكر أنه منذ أن عقد أول مؤتمر عالمي للمناخ في جنيف عام 1979، اتفق علماء من 50 دولة على أن الاتجاهات المقلقة في تغير المناخ تجعل من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لها ومنذ ذلك الحين، تم إطلاق تحذيرات متكررة، منها في قمة ريو عام 1992، وفي بروتوكول كيوتو لعام 1997، وأخيرا في اتفاق باريس لعام 2015، لكنه لم يتم الوفاء بالإلتزامات الدولية..

ولذا يتوجب أن تعلن WHO أن أزمة المناخ والطبيعة غير قابلة للتجزئة، وهي حالة طوارئ صحية عالمية، وان يتم ذلك  قبل أو أثناء انعقاد جمعية الصحة العالمية في اَيار 2024.

وتتطلب معالجة هذه الحالة الطارئة تنسيق عمليات COP28، وكخطوة أولى، يجب على الاتفاقيات المعنية أن تعمل على تحقيق تكامل أفضل بين الخطط المناخية الوطنية ومكافئات التنوع البيولوجي.

ويجب أن يكون العاملون في مجال الصحة مناصرين أقوياء لاستعادة التنوع البيولوجي ومعالجة تغير المناخ لصالح الصحة، في حين يجب على القادة السياسيين أن يدركوا التهديدات الخطيرة التي تهدد الصحة من الأزمة الكوكبية وكذلك الفوائد التي يمكن أن تتدفق على الصحة من معالجة الأزمة. لكن أولا، يجب علينا أن ندرك هذه الأزمة على حقيقتها: "حالة طوارئ صحية عالمية.”

وكتب المدير العام لـ WHO، تيدروس غيبريسوس، ووزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، الرئيس المعيَّن لـ COP28، سلطان الجابر، والمبعوثة الخاصة للمدير العام لـ WHO المعنية بتغيُّر المناخ والصحة، ڤانيسا كيري، مقالآ مشتركاً، نشرته صحيفة The Telegraph البريطانية،قبل أيام، وجاء فيه:

إن التغيُّر المناخي يعدّ أحد أكبر التهديدات الصحية التي تواجه البشرية. وفي مواجهتها تظل الحاجة العاجلة إلى تنفيذ تدابير التصدي لتغيُّر المناخ هدفاً ملحاً، ولكنه غير محقق.

وأن تغيُّر المناخ يحدث الآن، وآثاره محسوسة في جميع أنحاء العالم. وتشير تقديرات WHO إلى أن حالة وفاة واحدة من كل أربع وفيات يمكن أن تعزى إلى أسباب بيئية يمكن الوقاية منها، وأن تغيُّر المناخ يؤدي إلى تفاقم هذه المخاطر.ويفرض العديد من التحديات الصحية المعقدة، بدءاً من الظواهر الجوية المتطرفة، وانتهاءً بانتشار الأمراض المعدية وتفاقم الحالات المزمنة. ولا يمكن الوقاية منه باللقاح، أو علاجه بالمضادات الحيوية. لكننا نعلم أننا قادرون على التخفيف من آثاره.

وأن تقليل الانبعاثات في جميع القطاعات يعدّ أمراً بالغ الأهمية لاحتواء تغيُّر المناخ والحفاظ على درجة حرارة الأرض في مستوى 1.5 درجة مئوية. ولتحقيق هذه الغاية، يتعيّن على العالم أن يعمل على إزالة الكربون من أنظمة الطاقة لديه، وخفض الانبعاثات بنسبة 43 في المئة على الأقل على مدى السنوات السبع المقبلة".

ونبه المؤلفون: إذا لم نتحرك، فإن تغيُّر المناخ سيطغى قريباً على النظم الصحية في العالم. وستزداد الظواهر الجوية المتطرفة، في تواترها وشدتها مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب. فعلى سبيل المثال، أدت فيضانات العام الماضي في باكستان إلى نزوح 8 ملايين نسمة وتضرر 33 مليون نسمة إجمالآ.

وأضافوا: نحن نعلم أن الأسوأ قادم. وبدون اتخاذ إجراءات جريئة وعاجلة، سيؤدي تغيُّر المناخ إلى نزوح حوالي 216 مليون شخص بحلول عام 2050، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. ويعرّض تغير المناخ حياة الناس وسبل عيشهم للخطر، ويؤدي إلى زيادة في الأمراض المعدية مثل حمى الضنك والكوليرا التي تعرّض الملايين للخطر.

والأهم من ذلك، ستكون الخسائر فادحة إذا لم نتحرك، إذ يؤثر تغيُّر المناخ بالفعل على ما يقرب من نصف سكان العالم. وبحلول عام 2050، في ظل سيناريو ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، سيتعرّض عدد مرعب قدره 1.4 مليار شخص للإجهاد الحراري، غالبيتهم لأشد أشكاله خطورة.

وإختتم المؤلون:هذا المستقبل لا يمكن أن يكون واقعنا. ولهذا السبب ندعو الحكومات والأطراف الفاعلة في جميع أنحاء العالم إلى الحضور إلى ((COP28  وتقديم حلول طموحة تقي من النتائج الصحية السلبية، وتساعد المتضررين فعلآ، مشيرين إلى أنه سيطلق في يوم " الصحة، والتعافي، والإغاثة" إعلان بشأن  "الصحة والمناخ"، سيجعل الصحة ركيزة لجدول أعمال المناخ وجزءاً أساسياً من إرث COP28، داعين جميع الحكومات إلى التوقيع عليه.

***

د. كاظم المقدادي

أكاديمي متقاعد، عراقي مقيم في السويد

هل أحسنت إسرائيل الاستثمار في هذه الأفضلية؟

بنو إسرائيل منذ قديم الزمن لا يعتمدون في توتيد2 نفوذه جنسهم على الأرض، ولا يستندون في توطين كيانهم وانتشار تجارتهم ورواجها إلّا على السحر والإشاعة والدعارة والمكائد، هذه حقيقة يعرفها الله سبحانه ويعرفها أنبياؤه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم، ويعرفها أيضا الراسخون في علم الأديان والكتب السماوية، خصوصا اليهود وسلوكهم اتجاه الله واتجاه الأنبياء والرسل من جنسهم أو من جنس غيرهم من الأمم الأخرى، ولو أعاد الله بعثهم مرة ثانية لاصطفوا رجلا واحدا لمحاربة اليهود دون غيرهم لأنهم منبع الشر والفتنة، هذا ما تصالحت عليه جميع الشرائع والأعراف من جميع البشر عربا وعجما، وهذا ما يحدث الآن امتدادا لهذا التاريخ البشع من رغبتهم في تدمير كل من ليس له صلة عرقية بالجنس اليهودي، تحت مقولة نابعة من تاريخ جاهلي قديم انطلاقا من اعتبار أنفسهم جنسا مميّزا على أنهم (شعب الله المختار) في التاريخ القديم زعما، لكنها عنصرية فاشية نازية بالمنظور السياسي الحديث، القيمة التي يقنعون أولادهم بأنها مقدسة، والتي حرفوا لأجلها الإنجيل والتوراة، وعذبوا لتحقيقها وتكريسها أنبياءهم ورسلهم، وتمردوا على الله واتبعوا ما تملي الشياطين لبناء صرحهم وكيانهم الموعود.

ما لهذا الكيان الفاسد المارد لا يفهم ولا يكف عن مكره في جر الإنسانية نحو الدمار، وهو يرى بعينيه الحيّ والجماد من البشر وهوام الأرض، أطيارها وزواحفها وما ظهر وخفي متذمرا رافضا لسلوكه في الحياة، بدليل ما انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي وحكاية الغراب الذي أسقط رايته حيث ذهبت بها الرياح إلى ما لا يعرف أحد، إضافة إلى ما يدل عليه الحديث القائل: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"3.

ليست الشجرة إلّا رمزية مكان وكائن غير عاقل كأداة يستند عليها الراغبون في العصيان والتمرد كدلالة على الشعور بالضعف كالجوع والحاجة إلى الأمن، أمّا من جانبها النفعي فهي أداة من أدوات التخفي طلبا للسلامة مما قد يلحق بالإنسان من الطبيعة كالشمس أو المطر، أو مما يمكن أن يسبب له أضرارا في جسمه، وربما في فقدان حياته مما تخلفه الحروب عادة، بدء من الشجرة التي نهى الله آدم وحواء - عليهما السلام - من الاقتراب منها، هذه الشجرة التي أشاع اليهود بأنها شجرة الخلد مبررين بها خطيئة آدم وحواء، وهم أدرى بأن هذه الحكاية غير صحيحة، فالقرآن الكريم أولى بتشخيص هذه الشجرة وتبيين اسمها، والتعرض إلى جواز الاقتراب منها أو الإبقاء على ذلك الأمر بالنهي، تجاوز النص القرآني ذلك وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة لحكمة إلهية، والسؤال عنها مضيعة للوقت لأنها الله أكمل للإنسانية دينها ورضاه لهم كما هو وارد، بخلاف بني إسرائيل الذي كيّفوا الكتب المقدسة حسب أهوائهم ومشتهياتهم.

لكن يراودني الشك انطلاقا من هذه الدلالة في أنها هي (شجرة الغرقد)، لأن اليهود أكثر دراية بعلم البدء الإنساني، وهم يعرفون بأنهم يحتكرون كثيرا من المعارف ذات الصلة بالعلوم المقدسة، إذن العلاقة التي تربطهم بشجرة الغرقد هي دلالة على أنهم حلف قديم للشيطان، وتباعا يرشدنا القرآن إلى أن بني إسرائيل هم الذين اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، فكيف فعلت ذلك قديما ولا تفعلها الآن مع تتلو الشياطين على مجلس الأمن الدولي، بدليل تفشّي الظلم في العالم وسقوط دول وعواصم دون وجه حق، إضافة إلى تفشّي وسائل وأدوات الفحشاء وتعذيب الذات من سلاح ومخدرات ومهلوسات، بدليل أيضا ما يجوب العالم من ثورات واحتجاجات مزيّفة لا غرض منها سوى خلط الأمور وإثارة القلاقل وزيادة حجم المشاكل والخلافات الإنسانية وتوسيعها في العالم، لأنهم منها ينتعشون ومنها يتغذّون ويضاعفون ثرواتهم ويقوّون نفوذهم ويُرسّمون حضورهم في كل مكان.

إن كل الدلائل التي تؤكد اقتراب انقراض هذه السلالة البشرية الشريرة متوفرة الآن، لا ينقص إلّا هبة إيمان تطوف فوق رؤوس رؤساء العالم والعالم العربي على وجه أخص، لأنهم الأكثر تضرّرا بدرجة قصوى، وهم الذين يصب عليهم اليهود جام غضبهم كحقد يمتد إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه هو من نشر الدين الذي يفضح ألاعيبهم على حساب الكتب المقدسة التي سبقت القرآن الكريم، من الدلائل اهتمامهم البالغ في غرس شجرة الغرقد، الشجرة التي ذكر الحديث الشريف أنها معهم، وصفة الإمعة هنا تدل على صحبتهم للشياطين وعلاقتهم الوطيدة به، على أن كهنتهم كذبوا عليهم إذ ادعوا بأنها هي شجرة الخلود، وأنه بسببها تاب الله على آدم وحواء وعاود الصعود بهما إلى الجنة، يعني لا يزالون يتبعون ما تملي عليهم الشياطين، وهذه ظاهرة أقبح وأشد خطرا من جاهلية قريش، لأن بني إسرائيل أهل الكتاب وهم أكثر الأمم توافدا للأنبياء والرسل، ويُعتبَرون مرجعية كبيرة للعلوم المقدسة وتاريخ الرمزية الدينية، وكانوا من قبل أمّة الله المفضلة: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}4 ولو أنهم أحسنوا التصرف بهذه الأفضلية المقدسة لاستمروا في قيادة العالم إلى وقتنا هذا، هم يعرفون أنهم أساؤوا التصرف بهذه الأفضلية، فهزؤوا بالله ورسله وأنبيائه والصاحين من جنسهم ومن غير جنسهم، وما قصّة الحواريين إلّا دلالة على حقدهم الدفين الذي يكنونه ضد الحق والحقيقة منذ سالف القرون، لأن الحواريين تلاميذ عيسى عليه السلام من بني إسرائيل، وهم الذي ناصروا الله بقيادة كل الأنبياء الذي سبقوا، فأين هؤلاء الحواريين من عصرنا الحالي، إنهم موجودون وإنهم يحتجون ويعارضون أيضا، ولكنهم مقهورون في تل أبيب وفي كل الدول الموالية لإسرائيل مثلهم المسلمين الثائرين من أجل الحقيقة، ومن المؤكد أنهم الآن في السجون على خلفية أسرار اقتحام المقاومة الفلسطينية للكثير من المستوطنات والثكنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية، وذلك ما يخفيه الكيان الصهيوني ويكتفي بوصفه ثغرات أمنية، والخبراء يفسرون ذلك بالعجز الإستخباراتي، ولله شؤون في ذلك لا يعلمها إلّا الصادقون والذين أودع الله في قلوبهم سر الإخلاص.

واستكمالا لدلائل انقراض هذه السلالة البشرية المؤذية فإن الحديث الشريف شخّص لنا الشجرة، لكنه لم يُشخص لنا طبيعة الحجرة مع أن الدلالة واضحة حيث لم يترك النص المقدس من القرآن والأحاديث النبوية الشريفة شيئا غامضا إلّا وأشار إليه بمفردة واضحة أو برمزية أو مجاز، نتوقف الآن عند المجاز والرمزية، ألا يمكن أن تكون الحجرة هي ذلك الجدار العازل، أليس ينادي المسلمين بأن وراءه يهود على أساس أن لا شيء وراءه إلّا العنصر اليهود، ولم يبق سوى أن يشمر المسلمون على سواعدهم ويذهبون ليقتلوه؟

بنو إسرائيل أنفسهم يعلمون ذلك، ومستعدون لينقرضوا لأنهم يكرهون أنفسهم بسبب جرائمهم التاريخية ضد الإنسانية وضد الأنبياء والرسل، ضد حتى الله سبحانه الذي خلقهم، وقد كتب أنه سيرميه في طغيانهم يعمهون، فهل يوجد عمي أكثر من هذا؟ إنهم يبيدون كل شيء يتحرك على وجه أرض فلسطين، لم يسلم حتى أهلهم من الأسرى وجنود البر والبحر، إنهم يضحون بمائة يهودي ليسعدوا بقتل مسلم عربي واحد، لذلك هم يضربون كل شيء ولو ظهر لهم الله الذي لا يزيد المقاومة إلّا قوّة وبسالة لضربوه، وهذا هو سر ابتكار الثالوث المقدّس، حيث يعتبرون أنفسهم روح القدس حائمة ترعى بني إسرائيل أحياء وأمواتا، فهم لا يقبلون أن يطغى أقنوم على أقنوم آخر، ويعتبرون أن الربّ الأب خانهم حين نزل ونفخ في رحم مريم العذراء، ومن خوفهم على تشتت الأفضلية وذوبان شعب الله المختار في الإنسانية جميعا صلبوا السيد المسيح، ومن مكرهم أشفقوا عليه ليعيدوا حشد الشعب المكذوب عليه في دين غير الإسلام، وأباحوا في هذا الدين كل ما حرّم الله في القرآن ليحيلوا للناس أن الدين الإسلامي دين متشددّ ويقف دون رفاهية الناس وتسليتهم ومتعتهم، وأنه ورشة لصناعة التشدد والإرهاب وكثير من العقد، وأبادوا المسيحية القديمة التي تتوافق مع الدين الإسلامية في مثل هذه المسائل الأخلاقية، لأنهم يكرهون أن تكون توبة المخطئ اتفاقا بينه وبين الله دون واسطة، لأن ذلك يسد الثغرة التي منها يكنزون الذهب والفضة، بمعنى الاستثمار في التوبة تحت مسمى "صكوك الغفران"، وبذلك لا عجب أن تحتل المسيحية الحديثة المرتبة الأولى عالميا من حيث العدد، وتجد من ينفق على توسيع رحابتها من المذنبين وأصحاب الخطايا والعابثين ومدني الخمر والفاحشة، بل وينشرون معسكراتهم في كل أنحاء العالم لحمياتها بذرائع كثيرة منها حماية الديمقراطية والمصالح العامة ونشر الحريات في العالم.

***

عبد الباقي قربوعه - كاتب جزائري

.......................

1) سورة البقرة الآية 47.

2) مولّدة من كلمة وتد.

3) أخرجه مسلم.

4) سورة البقرة الآية 47.

في السبت الماضي الموافق الرابع من نوفمبر 2023 أثار رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، الجدل بسبب خطابه الأخير عن آخر التطورات لما يجري في غزة، بعد أن ذكر بعض الفقرات من التوراة مستشهدا بها كغطاء لأفعاله الإجرامية ضد سكان القطاع المحاصر.

وتحدث نتنياهو، عن أن الجيش افتتح "مرحلة ثانية" في العدوان على قطاع غزة من خلال إرسال قوات برية إلى غزة، وتوسيع الهجمات من البر والجو والبحر، ووصف الحرب بأنها معركة من أجل بقاء بلاده. وحذر من أن الهجوم سيتكثف قبل غزو بري واسع النطاق في المنطقة. وقال: "هناك لحظات تواجه فيها الأمة احتمالين: أن تفعل أو تموت، ونحن الآن نواجه هذا الاختبار وليس لدي أدنى شك في كيفية نهايته: سنكون المنتصرين".

وأضاف: "يقول كتابنا المقدس سفر صموئيل الأول 15: 3، الآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما لهم ولا تعف عنهم، بل اذبحوا رجلا وامرأة طفلا ورضيعا بقرا وغنما جملاً وحمارا"..

والسؤال الآن: من هم عماليق؟، ولماذا يكرههم الإسرائيليون؟، ولماذا شبههم نتنياهو بأهل غزة؟، وما الوصية المتعلقة بهم في الكتاب المقدس؟، وما التفسير المسيحي لهذه النصوص الكتابية؟، ولماذا يصمم الكيان الصهيوني على الاستشهاد بنصوص من الكتاب المقدس؟، وما موقف المسلمين تجاه هذا الموقف الديني المتعمد من الكيان الصهيوني؟

ونبدأ بالإجابة عن السؤال الأول، حيث نجد أن عماليق هم أعداء اليهود الأزليين، وهم أول الشعوب التي تحدثت العربية، من أقدم وأكبر الأمم التي سكنت الجزيرة العربية، حيث خرج من بينهم ملوك ذو شأن عظيم، ونجحوا بإقامة مجتمعات اقتصادية مزدهرة، حتى أصبحوا من الأثرياء.

أما لماذا يكرههم الإسرائيليون!، ولماذا شبههم نتنياهو بأهل غزة!، فكما قلنا عقب الحرب على غزة خرج نتنياهو في خطاب شديد اللهجة، واستحضر نصا دينيا، وهو يخاطب جنوده، وقال لهم:" عليكم أن تتذكروا ما فعله العماليق بكم، مؤكدا أن جيشه وجنوده جزء من إرث جيش وشعب نون بن يوشع الذي قاتل العماليق، ولو رجعنا لابن الكلبي فنجده يقول:" إن أول من تكلم العربية هو عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، واسمه كان عربيا، وقالت العرب في أمثالها القديمة: من يطع عريبا يمسي غريبا "، وذلك لأنه تسبب بطردهم من بابل، حيث تحدث العربية.

وقد اختلف المؤرخون في أصل كلمة عماليق !، فمنهم من أرجعها إلى ضخامة أجسام هذه الشعوب، وآخرون قالوا أن أصلها يعود لاسم قبيلة عربية سكنت في العقبة، وكان البابليون يسمونها بـ" ماليق" أو " مالوق"، فجاء اليهود، وأضافوا إليها كلمة " عم"، والتي تعني " الأمة" أو " الشعب"، وبهذا الشكل تكونت كلمة " عماليق".

هناك إشارة سابقة إلى العمالقة، عندما ضرب كدر لعومر ملك عيلام وحلفاؤه (حوالي 1900 ق. م.) " كل بلاد العمالقة، وأيضاً الأموريين الساكنين في حصون تامار " (تك 14: 7)، وهي إشارة يمكن أن تكون إلى شعب آخر غير نسل عماليق حفيد عيسو، وفي الأصحاح الرابع والعشرين من سفر العدد نقرأ أنه لما رأي بلعام عماليق، " نطق بمثله وقال عماليق أول الشعوب، وأما آخرته فإلى الهلاك " (عد 24: 20).

وعبارة "أول الشعوب" قد تعني أنه أول شعب هاجم بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر (خر 17: 8، عد 14: 45)، أو أنهم أول شعب سكن تلك المنطقة (1 صم 27: 8). وكان العماليق يطلقون أسماءهم على المناطق التي كانوا ينزلون فيها، وأشهرها مدينة" "ايلا" التي نُسبت إلى " ايلا بن هوبر بن عمليق"، وهو أول من نزل فيها، وينحدر العماليق من ذرية " لاوذ بن ارم"، وسكنوا الجزيرة العربية، ثم رحلوا إلى بلاد الرافدين، وهي العراق حاليا، وعندما تكاثروا وأصبحوا أعدادا كبيرة، عاد جزء منهم إلى الجزيرة العربية، وتمركزت قبائلهم في البحرين، واليمن، وعمان، ومن قبائلهم كما ذكر ابن خلدون " بنو ليف"، وبنو سعد" و" بنو مطر" و" بنو الأزرق"، و" بنو الأرقم"، وغيرهم كثير.

وقد نجح العماليق في إنشاء مجتمع زراعي في يثرب، والتي سكنها حسب رواية الطبري "قبيلة جاسم"، وقاموا بتصدير محاصيلهم إلى المناطق المجاورة ـ ودرت عليهم تجارتهم أموالا طائلة، وجاءت إليهم الأقوام من جميع الأماكن، نظرا لازدهار أعمالهم، وكونوا فيما بعد مجتمعا موحدا.

أما عن موطنهم فقد كان العماليق شعباً بدوياً، يتجولون في المنطقة ما بين شمالي سيناء والنقب جنوبي كنعان، إلى الجنوب من بئر سبع بما في ذلك منطقة العربة إلى الشمال من إيلات وعصيون جابر، وربما إلى بعض الأجزاء الشمالية من شبه جزيرة العرب. ونقرأ أن شاول الملك ضرب " عماليق من حويلة حتي مجيئك إلى شور التي مقابل مصر " (1 صم 15: 7). ويبدو أنها نفس المنطقة التي كان يسكنها قبلاً بنو إسماعيل الذين " سكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر حينما تجئ نحو أشور " (تك 25: 18) ؛ كما مد العمالقة نفوذهم شمالاً في فلسطين وأفرايم كما نفهم من وجود جبل باسمهم في أرض أفرايم بالقرب من نابلس الحالية، حيث دفن عبدون بن هليل الفرعثوني قاضي إسرائيل (قض 12: 15).

ونقرأ في سفر صموئيل الأول أن العمالقة " قد غزوا الجنوب وصقلغ " (1 صم 30: 1, 2). وما جاء في سفر القضاة (6: 3 و 33) عن تحالف العمالقة مع المديانيين وملوك الشرق في غاراتهم على بني إسرائيل، قد يكون دليلاً على أن العمالقة كانوا في وقت من الأوقات قد زحفوا شرقاً واختلطوا بالقبائل العربية في شمالي شبه جزيرة العرب.

لهذا رجعنا لكتاب " المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم "، لخوري بولس الفغاني، يقول إن عماليق هم مجموعة من القبائل البدوية التي تنتمي إلى الأدوميين (حسب تك 36: 12-15)، وقد عاشوا في الصحراء بين سيناء وجنوبي غربي فلسطين "، وفي كتاب "قاموس الكتاب المقدس" (والذي ألفه نخبة من الأساتذة ذوي الاختصاص ومن اللاهوتيين، والذي حرره الدكتور بطرس عبد الملك والدكتور جون الكساندر طمسن والأستاذ إبراهيم مطر)، قال عن العماليق أنهم شعب من أقدم سكان سورية الجنوبية، وكانوا يقيمون في البدء قرب قادش في جنوب فلسطين، وكانوا مصدر ازعاج لبني إسرائيل في البرية، لأن العبرانيين اعتدوا على ممتلكاتهم "، ثم يستطرد القاموس:" ولكنهم وقفوا في وجه العبرانيين مرة أخرى لما أراد هؤلاء التوسع في اتجاه الشمال "، ثم يقول كذلك:" وكان العماليق يتجولون من مكان لآخر، وكان مجال تجولهم وسيعا، من حدود مصر إلى شمال العربية إلى بادية فلسطين".

أما فيما يخص الوصية الكتابية المذكورة في الكتاب المقدس وبالذات في العهد القديم، والمتلقة بعماليق، وهذه هي النقطة التي ركز عليها نتنياهو والذي يدرك جيدا أن إخواننا من المسيحيين سيفهمونها، فلو رجعنا إلى سفر التثنية من النص الذي اقتبس منه نتنياهو (25/17):"" اُذكُرْ ما فعَلهُ بكَ عَماليقُ في الطريقِ عِندَ خُروجِكَ مِنْ مِصرَ"، وعندما خرج بني إسرائيل من مصر وجدوا شعوب تعيش في الأراضي التي يريدون أن يدخلوها، فحدثت بينهم حروب والذي رأينا نتنياهو يريد تطبيقه أصلا يقول النص:" "فَمَتَى أَرَاحَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِكَ حَوْلَكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا، تَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. لاَ تَنْسَ." (تث 25: 19).

وهنا يعلق نتنياهو في خطابه " إننا لم ننسى الوصية"، وهنا يضع أهل غزة مكان عماليق، وما يجب أن يفعله إزائهم هو محو ذكر عماليق من تحت السماء حسب الرواية، وهذا ما يفعله الكيان الصهيوني الآن، وهو محو الفلسطينيين من تحت السماء.

وأما فيما الإجابة عن الموقف المسيحي تجاه هذا المحو، وهنا أقول علينا أن ندرك جيدا أن معظم المسيحيين لا يستطيعون أن يعترضوا على ما جاء في الكتاب المقدس، وذلك لأن هذا الكلام يؤمن به كل اليهود والمسيحيين على حد سواء لكون أن الله قد أمر بذلك، وتلك مسألة في غاية الأهمية، وهذه هي حقيقة خطورة الموضوع، فالكيان الصهيوني، لا يؤمن بأن تلك واقعة تاريخية لها ظروفها الخاصة، ولا ينبغي أن تتكرر، بمعني أن الله قد أمر بذلك في الماضي السحيق، ومن ثم فهذه تمثل حالة خاصة بشعب خاص بأمر من الله، وليست هذه هي أخلاق الحروب بشكل عام، ولكن في نظر الكيان الصهيوني أنه يجوز له أن يفعل هذا مرة أخرى كما فعل ذلك يشوع بن نون وهو كما نعلم أنه تلميذ سيدنا موسي عليه السلام، وأحد أهم أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام.

وهنا نجد كثير من المفكرين المسيحيين المعاصرين يتساءلون ما موقفنا تجاه نصوص دينية تقول بأنه بإمكاننا أن نبيد شعوب أخرى، ونمحوها من تحت السماء، وهنا نجد " وليم ماكدونالد (التابع لمعهد عمواس للكتاب المقدس)" يقول:" نسل عماليق كان ينبغي أن يُبادروا عن بكرة أبيهم لسبب غدرهم وقسوتهم (خر 17: 8-16). أخبر الرب إسرائيل ألا ينسى محو عماليق".

وأما وليم مارش (السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان):" كان عماليق نتاج عدم الإنسانية، فكان استئصاله من السنن التي تعتز بها الإنسانية "، وهذا الكلام في غاية الخطورة وذلك لكون العماليق في نظر مارش فيجوز إبادتها واستئصالها، وهذا الفعل أن تبيد شعب آخر هو في نظر مارش فعل تعتز به الإنسانية.

ولذلك علينا أن نتعجب حين نستمع لنتنياهو وهو يقول في خطابه أننا نحارب حرب الإنسانية، وحرب الحضارة، وحرب التمدن، ومن ثم يجب علي كل الأمم المتحضرة والمتمدنة أن تقف معنا في حربنا ضد هؤلاء البرابرة المتوحشين.. وللأسف هذا ما يحدث في غزة اليوم.. وللحديث بقية..

***

أ. د. محمود محمد علي

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة أسيوط

.........................

المراجع:

1- الكتاب المقدس.

2- قصة عماليق التي ذكرها نتنياهو وحقيقة نبوءة حماس في سفر إشعياء.. يوتيوب.

3- نتنياهو يهدد فلسطين بالعماليق أعداء اليهود الأزليين وأول الشعوب التي تحدثت العربية.. يوتيوب.

4- لماذا يحارب الرب عماليق من دور الي دور؟ خروج 17: 16.. مقال.

5- هل يستعين نتنياهو بالتوراة لتبرير الإبادة الجماعية لسكان غزة بعد تشبيههم بالعماليق؟.. مقال.

لماذا هي الأولى وما قبل الأخيرة:

القولُ إنها الحرب الفلسطينية الصهيونية الأولى، لا يعني أيَّ بخس أو استهانة بكفاح الشعب الفلسطيني وانتفاضاته وثوراته وحركاته المقاومة المسلحة طَوال قرن ما يزال مستمرا. ولكننا نتحدث هنا عن حرب كاملة الأركان والأوصاف، هي الأولى لأنها، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، انطلقت بقرار فلسطيني بحت وبتخطيط فلسطيني وقوات مسلحة فلسطينية.

أما لماذا هي ماقبل الأخيرة فذلك لأنها أعادت هذا الصراع إلى المربع الأول، مربع اغتصاب الأرض سنة 1948 وإنشاء الكيان وتهجير نصف السكان الأصليين من وطنهم، ولأنها هزَّت هذا الكيان هزّاً عنيفا وأكدت له أن لا مستقبل له في المنطقة وأن انتصاراته على الأنظمة العربية في العقود الماضية وتسلحه بالسلاح الحديث والتكنولوجيا الغربية العالية لم تحمه من الهزيمة المرة التي ذاقها يوم السابع من تشرين الأول الماضي، ولقد كانت هذه الحرب بمثابة التمرين العام والحقيقي على الحرب القادمة والتي ستكون الأخيرة معه وتنتهي بتفككه وزواله.

لقد انكشف هذا الكيان على حقيقته ككيان أيديولوجي خرافي ديني ومعه انكشف الابتزاز الذي كان يقوم به حملة الخطاب العلماني القشري المزيف والذي يناوئ فصائل المقاومة الفلسطينية بحجة أنها إسلامية سلفية كحركة حماس، قافزين على حقيقة يؤكدها القانون الدولي والإنساني العام ومعطيات التأريخ والتي تقول إن الحق في مقاومة الاحتلال الأجنبي لا علاقة لها بإيمان المقاومين ونوع الأيديولوجية التي يحملونها. هذا أولا، وثانيا فقد سقطت ورقة التوت عن الخطاب الديني السلفي الصهيوني خلال هذه الحرب الدموية التي يشنها الكيان بعد هزيمته أمام المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان.

مَن يريد تحويل الصراع إلى ديني:

لقد سقطت ورقة التوت عن جوهر الخطاب السلفي الرجعي للكيان كما قلنا، والأدلة كثيرة لعل من أهمها قيام ثلاثة وأربعين حاخاما بتوجيه فتوى مكتوبة إلى نتنياهو يبلغونه فيها بـ "جواز" قصف مستشفى الشفاء في قطاع غزة من ناحية دينية، كما نقلت القناة"14" الإسرائيلية. الحادثة الثانية في هذا السياق هي تصريحات نتنياهو شخصيا في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي هدد فيها إنه سيحقق "نبوءة إشعياء" في هذه الحرب، واصفاً الفلسطينيين بأنهم "أبناء الظلام"، والإسرائيليين بـ "أبناء النور". حيث قال: "سنمضي قدما بسرعة لتحقيق النصر، وبقوتنا الجماعية وإيماننا العميق بصلاحنا وخلود الشعب اليهودي. نحن أهل النور، وهم أهل الظلمة، سوف نحقق نبوءة إشعياء". فمن هو إشعيا وماذا تضمنت نبوءته تلك؟

إشعيا هو أحد أنبياء التوراة، عاش في القرن الثامن ق.م. وكسائر أنبياء التوراة لا توجد أدلة إركيولوجية "آثارية" ملموسة، أو أدلة تأريخية من خارج التوراة تؤكد وجوده التأريخي قط، ويقتصر وجوده إذن على الوجود الروائي ضمن السردية التوراتية.

وهذه النبوءة التدميرية، لا تتعلق بالفلسطينيين الذين كانوا قد اندمجوا وذابوا بالكنعانيين أهل البلاد الأصليين بل تتوعد المصريين والدمشقيين بالخراب الشامل الذي سينزله إله الجنود "رب الإسرائيليين القدماء" بهما، فبخصوص مصر تقول النبوءة:

" هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا.  وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا، وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا.  وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلًى قَاسٍ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ".

أما بخصوص دمشق فقد تضمنت نبوءة إشعيا الآتي: "وحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَشْقَ: هُوَ ذَا دِمَشْقُ تُزَالُ مِنْ بَيْنِ الْمُدُنِ وَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ.  مُدُنُ عَرُوعِيرَ مَتْرُوكَةٌ. تَكُونُ لِلْقُطْعَانِ، فَتَرْبِضُ وَلَيْسَ مَنْ يُخِيفُ. وَيَزُولُ الْحِصْنُ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْمُلْكُ مِنْ دِمَشْقَ وَبَقِيَّةِ أَرَامَ".

هذه هي نبوءة إشعيا التي بعثها نتنياهو "ابن النور" حيةً تسعى، وتوعد أعداءه "أبناء الظلام" بتنفيذها، فهل عرفنا الآن من هم الذين يريدون أن يجعلوا الصراع الفلسطيني الصهيوني حربا وصراعا دينيا طائفيا، ومن هم أولئك الذين يكررون أنهم يريدونه صراعاً بين حركة مقاومة ضد دولة احتلال اغتصبت الأرض وتبيد الشعب صاحبها؟

للأنثروبولوجيا كلمة:

لندع كلام السياسة جانباً لدقائق، ولنستمع لما تقوله علوم التأريخ والآثار والإناسة عن أكذوبة إسرائيل القديمة البائدة والأكذوبة الأخرى القائمة اليوم، لنتمعن بهذه الخلاصات:

-هذه الدولة التي يسمونها "إسرائيل" ليس لها حدود رسمية معلنة حتى اليوم.

-علمها الرسمي بخطيه الأزرقين يؤكد خرافة الوعد التوراتي بأن أرض إسرائيل ستمتد بين الفرات والنيل، بمعنى أنها تريد ضم نصف العراق الغربي ونصف مصر الشرقي وما بينهما.

-ليس لهذه الدولة دستور مكتوب بل ثمة مجموعة مما يسمونها القوانين الأساسية اعتبرت دستورا. "بسبب عدم قدرة المجموعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي على الاتفاق على هدف الدولة وهويتها ورؤيتها على المدى الطويل" كما تقول الوثائق الصهيونية.

- لم تحدد هذه القوانين الأساسية الصهيونية نوع الدولة، فهي "دولة" فقط، فلا هي جمهورية ولا هي ملكية ولا هي إمارة!

-وهي دولة قائمة على الانتماء العنصري الإحادي رغم أن سكانها في غاية التنوع الإثني وبينهم ملايين العرب الفلسطينيين الذين تشبثوا بأرضهم ولم يشملهم التطهير العرقي سنة 1948، وهذا الانتماء العنصري ثابت بموجب قانون صدر من برلمانها "الكنيست" هو قانون الدولة القومية لليهود الصادر بتأريخ 19 تموز 2018.

-وحين نقول إنها دولة خرافية أيديولوجية فهي فعلا خرافية لأنها قامت على أساس من مزيج قومي صهيوني وديني توراتي و"وعد إلهي" لا يُلزم أحدا غير المؤمنين بالتوراة، مثلما لا تلزم دولة داعش إلا أعضاء هذا التنظيم فقط.

-هذه الدولة التي يسمونها إسرائيل الصهيونية لا علاقة لها بمملكة إسرائيل المنقرضة إلا لجهة الترويج والبروباغندا. كيف ذلك؟

- إنَّ أورشليم القدس لم تكن عاصمة إسرائيل القديمة أبداً، بل كانت السامرة أو "سامارين" عاصمتها. وجغرافيا فإسرائيل القديمة البائدة نفسها تقع كلها اليوم في الضفة الغربية الفلسطينية.

-(أورشليم) ليست كلمة عبرية، ولم تكن مدينة يهودية، بل هي مدينة بناها اليبوسيون الوثنيون وهم قبيلة كنعانية، و"أورشليم" كلمة كنعانية مؤلفة من مقطعين "أور" وتعني " مدينة" ومثلها أور السومرية بالعراق، وشاليم أو ساليم التي تعني "السلام" كما يرى باحثون، فيما يرى آخرون منهم عالم الآثار التوراتي المؤيد للصهيونية ويليام ألبرايت أن شاليم كان إلهاً للغروب والغسق في حين كانت شقيقته الإلهة سَحَر إلهةً للشروق والسَحَر".

-إن (إسرائيل) القديمة لم تكن دولة يهودية توحيدية بل وثنية تعددية، وقد لعنت التوراةُ هذه الدويلة وملوكها من سلالة آل عُمري. ومما ورد بخصوص هذا الملك المؤسس الحقيقي لها قول التوراة (ولم يعمل عُمري الشيء المستقيم في عيني الرب. وعبد الأصنام التي عبدها يربعام. وعمل من الشر ما لم يعمله أي ملك آخر من قبله من ملوك إسرائيل (1 مل 16: 26؛ مي 6: 16).

-أما (أورشليم) القديمة، فقد كانت بلدة أو قرية زراعية كنعانية صغيرة، ولم تصبح يوما عاصمة إمبراطورية يهودية كما زعمت التوراة، ولكنَّ بني إسرائيل من العبريين أو من يُزْعَم أنهم عبريون، تسللوا إليها وسيطروا عليها وأنشأوا دويلة – أو مشيخة بمصطلحات توماس طومبسون – سمّوها يهوذا صغيرة إلى جانب العديد من دويلات المدن الكنعانية باعتراف التوراة حيث نقرأ: "فَسَكَنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، وَاتَّخَذُوا بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً، وَأَعْطُوا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيهِمْ وَعَبَدُوا آلِهَتَهُمْ" (قض 3: 5).

-إنَّ دويلة "يهوذا" أصغر مساحة من إسرائيل البائدة، وهي عبارة عن حزام من القرى حول مدينة أورشليم القدس، وأن الدويلتين المنقرضتين "إسرائيل" و" يهوذا" لا تتجاوز مساحتهما نصف مساحة فلسطين، فما معنى مصطلح "أرض إسرائيل" الذي أحيَّته الحركة الصهيونية المعاصرة وأطلقته على عموم أرض فلسطين القديمة والمعاصرة؟

-أما دولة إسرائيل الصهيونية القائمة اليوم فمن الطريف أنها تقع كلها على أراضي فلسطين التأريخية التي لم يسكنها بنو إسرائيل المنقرضون!

-وأخيراً، فإن اسم "إسرائيل" نفسه ليس لقباً عبرياً للنبي يعقوب بل هو اسم كنعاني مركب من مقطعين "إسرا" واختلفوا في معناها بين صرع الرب حسب سفر التكوين، وأسر الرب، وجندي الرب...إلخ، والثاني "إيل"، وإيل هو الإله جزيري "سامي" يقابل إله اليهود يهوه ويهوى؟ يهوه «الرب» هو الاسم الرئيسي في العهد القديم، ويتجنب اليهود عموما استخدام اسم الرب واستبدلوا به أسماء أدوناي أو إلوهيم عند قراءة الكتاب المقدس. فمن أين جاء اسم الإله الوثني إيل؟

أما كلمة إلوهيم والتي هي صيغة جمع جزيرية قديمة لكلمة (إله)، فتعكس بقايا الوعي الديني الوثني التعددي لدى اليهود في فترة ما قبل التوحيد.

إنَّ هذه المعطيات والحقائق لم يكتبها باحثون عرب ومسلمون بل باحثون متخصصون محايدون أحيانا وبعضهم إسرائيليون ويهود توراتيون وغير إسرائيليين، وسأذكر أدناه أسماء بعضهم مع عناوين كتبهم وخصوصا المترجمة إلى العربية والمتوفرة في نسخ رقمية (PDF) مجانية على الانترنيت ويمكن أن تكون مفيدة في ميدان التثقيف الذاتي لجيل الشباب العربي المعاصر:

- "التوراة مكشوفة على حقيقتها" لفنكلشتاين.

- "اختراع الشعب اليهودي" و"اختراع أرض إسرائيل" لشلومو ساند

- "التطهير العرقي لفلسطين"، و"عشر خرافات عن إسرائيل" لإيلان بابيه.

-  "اختلاق إسرائيل القديمة" لكيث وايتلام .

ما بعد الطوفان

ولأن هذه الحرب هي الفلسطينية الصهيونية الأولى، ولأنها بدأت بهذا الزخم، فقد كان رد العدو عليها دمويا استهدف المدنيين الفلسطينيين وقتل الآلاف منهم بكل برودة دم بعد أن حصل على شيك أميركي غربي مفتوح للقتل. والواقع فلم يحقق العدو شيئا. بل بدأ يخفف من سقف أهدافه من "تغيير الشرق الأوسط بشكل عميق" والقضاء على حركة حماس واجتثاثها من الجذور إلى إضعاف حماس والإطاحة بحكمها في غزة ثم جرى تخفيض هذا السقف إلى ما هو أوطأ من ذلك، وبدأ إعلامه يروج لحل "ترحيل الجناح العسكري لحماس من غزة على طريقة "بيروت 1982"، وأخيرا استقرت قيادة العدو على تهديد مضحك يقول "سنقطع أية علاقة لنا بغزة" فعن أية علاقة يتحدثون وهم يحاصرون القطاع وسكانه براً وبحراً وجواً منذ سنة 2006؟ هل يقصدون حرمان 15 ألف عامل فلسطيني من دخول الكيان؟ حسنا هم بهذا سيزودون المقاومة برصيد بشري جديد!

لكل ما تقدم من عوامل، يمكن أن نتوقع أن هذه الحرب ستطول وهي مستمرة في شكل حرب إبادة من الجو من طرف العدو، وحرب قنص والتحام من المسافة صفر من طرف المقاومة. فقيادة الكيان تدرك أن هذه الحرب هي حرب وجود أو زوال بالنسبة لها في مواجهة أصحاب الأرض الحقيقيين – وليس من الخالي من الدلالة أن ثلاثة أرباع سكان غزة هم من ضحايا التطهير العرقي الصهيوني الذين هُجِّروا من مدنهم وقراهم سنتي 1948 و1967فتجمعوا في مخيمات غزة، وقيادة المقاومة الفلسطينية تدرك أنها حرب بقاء واستعادة الوطن وسيكون ثمنها باهظا بسبب وحشية ودموية العدو وشركائه في المقتلة.

ما ينبغي الانتباه له والحذر منه في هذه المرحلة هو الطعنات من الخلف التي قد توجهها أنظمة التطبيع التي أثبتت تبعيتها للصهيونية وخصوصا في حكومات الخليج العربي والمغرب الأقصى إضافة إلى مصر والأردن اللتين لم يبدر من حكومتيهما  أي تلويح أو تلميح لإلغاء اتفاقيات السلام والتطبيع وقطع العلاقات مع دولة الكيان كما فعلت جمهورية بوليفيا غير العربية ولا الإسلامية، وفي حين اكتفت الحكومة الأردنية باستدعاء سفيرها والطلب من حكومة الكيان عدم إعادة سفيرها الى عمان ربما لأسباب أمنية تتعلق بالخشية عليه من الشارع الغاضب فإن الحكومة المصرية لم تبلغ هذا المستوى من الاحتجاج بل أن رد الرئيس المصري على الطلب الصهيوني الأميركي بالموافقة على تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء جاء صادما  ومهينا حين طرح أمام إسرائيل مقترحا بديلا بتهجير الغزيين إلى صحراء النقب بدلا من سيناء!

لقد فتحت عملية طوفان الأقصى عصرا جديدا واعدا رغم قسوته وفداحة ثمنه بشرياً لكونه أمام عدو متوحش فاشي النزعة، ولن يكون بإمكان الكيان الإسرائيلي وحماته الغربيين عكس مساره والعودة به إلى الماضي ولا الإفلات من مآلاته الحتمية، فوضعته أمام الحقيقة المرة التي هرب منها سبعة وخمسين عاماً وهي أنه كيان مؤقت، خرافي، عنصري، مفتعل ومفروض على أرض شعب آخر بقوة السلاح والمال الغربيين وتبعية وتواطؤ أنظمة الحكم العربية وإنه سيزول ويتفكك بعد أن يفقد كل عوامل بقائه الجاذبة وفي مقدمتها أمن وسلامة مستوطنيه. وسيبدأ غالبية هؤلاء المستوطنين بالعودة إلى بلدانهم الأصلية.

أختم بالقول؛ إذا ما بدأ تفكك وانهيار هذا الكيان الملطخ بدماء الأبرياء فستكون مهمة الإنسانيين وذوي القلوب الرحيمة العرب في الحد أو التخفيف من عمليات الثأر الانتقامية من الصهاينة مهمة صعبة وشبه مستحيلة بسبب الجرائم الشنيعة والهذيانية التي ارتكبتها دولة "إسرائيل"، وكأن هذه الدولة بقتلها كل أسرة فلسطينية تزرع المزيد من الأحقاد والثارات التي لم يألفها عرب المشرق في الماضي البعيد والقريب!

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

بقلم: نورمان فنكلستين

ترجمة: قصي الصافي

***

حرب لبنان 1982.

في حزيران عام 1982، شنت إسرائيل هجوماً على لبنان فقتلت ما بين 15 إلى 20 ألف لبناني وفلسطيني، معظمهم  من المدنيين. وقد بدأت الحرب بقرار إسرائيل انهاء الهدنة [مع منظمة التحرير الفلسطينية] .... تعرض مستشفى للأطفال الفلسطينيين خارج مخيم صبرا [لللاجئين] للقصف بقنبلة واحدة.  و قد تم انتشال ستين جثة من جراء القصف.  المصدر: روبرت فيسك،pitty  Nation

حرب لبنان 2006.

نقلاً عن كتاب (غزة: تحقيق في استشهادها) { كتاب من تأليف الكاتب نفسه... المترجم}

استهدفت إسرائيل سيارات الإسعاف اللبنانية التي كانت تحمل علامات واضحة بالصواريخ خلال حرب عام 2006، على الرغم من أنه، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، "لا يوجد أي دليل بأن حزب الله كان يستخدم سيارات الإسعاف لغرض عسكري".  المصدر: هيومن رايتس ووتش، لماذا ماتوا.

عملية الرصاص المصبوب 2008-2009

نقلاً عن غزة: تحقيق في استشهادها

خلال ما يسمى بعملية الرصاص المصبوب، أدت الهجمات الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة إلى إتلاف أو تدمير 29 سيارة إسعاف و ما يقدر بنصف المراكز الصحية في غزة والبالغ عددها 122 مؤسسة، بما في ذلك 15 مستشفى.  المصادر: جان ماكغيرك، "الوضع الصحي والإنساني في غزة لا يزال هشاً"، مجلة لانسيت (4 شباط/فبراير 2009)؛  منظمة العفو الدولية وآخرون،" خذلان غزة".

وثّقت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان/ إسرائيل" الهجمات الإسرائيلية على الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، فضلا عن حالات " لا تعد ولا تحصى" تعمد فيها اسرائيل لسد طريق "فرق الإنقاذ الميدانية التي حاولت إخلاء المحاصرين والمصابين".  المصدر: أطباء من أجل حقوق الإنسان/ إسرائيل، “تدني أخلاقي ”.

وخلص تقرير تفصيلي معد من قبل فريق مستقل من الخبراء الطبيين بتكليف من منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل، وجمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية إلى أن إسرائيل عرقلت عملية نقل جرحى غزة بواسطة سيارات الإسعاف"، عبر استهدافها واستهداف طواقمها.  وخلص التقرير إلى أن “ الهدف الأساسي للهجوم على قطاع غزة على ما يبدو هو بث الرعب دون رحمة لأحد”.  المصادر: سيباستيان فان آس وآخرون، التقرير النهائي: بعثة تقصي حقائق مستقلة في انتهاكات حقوق الإنسان في قطاع غزة خلال الفترة 27/12/2008-18/01/2009 (بروكسل: 2009).

وقد أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تتسم عادة بالتكتم، توبيخًا علنيًا لإسرائيل بعد الحادث الصادم حيث  أرجع الجنود الإسرائيليون  فريق إنقاذ تابع للصليب الأحمر، تم إرساله لمساعدة المدنيين المصابين، وتركوهم يموتون.  المصدر: "غزة: اللجنة الدولية للصليب الأحمر تطالب بالوصول العاجل إلى الجرحى في ظل فشل الجيش الإسرائيلي في مساعدة الجرحى الفلسطينيين"، بيان صحفي (8 يناير/كانون الثاني 2009).

أعلن مركز الميزان لحقوق الإنسان أن العرقلة الإسرائيلية الممنهجة لوصول الخدمات الطبية أثناء الغزو تسببت في مقتل ما لا يقل عن 258 من سكان غزة.  المصدر: مركز الميزان لحقوق الإنسان، تحمل العبء الأكبر مرة أخرى: انتهاكات حقوق الطفل خلال عملية الرصاص المصبوب (2009).

هل كان مقاتلو حماس يطلقون النار من المستشفيات ويلجأون إليها؟  " زعمت إسرائيل أن الكثير من المعلومات الواردة من مصادر استخباراتية وتقارير من قوات جيش الدفاع الإسرائيلي على الأرض، تؤكد أن حماس قامت في الواقع بالاستخدام العسكري المكثف للمستشفيات والمرافق الطبية الأخرى".  لكن وفقا لمنظمة العفو الدولية، لم يقدم المسؤولون الإسرائيليون " ولا حتى دليل واحد يثبت ذلك".  منظمة العفو الدولية نفسها "لم تجد أي دليل خلال تحقيقاتها الميدانية على أن مثل هذه الممارسات، حتى لو حدثت بالفعل، فانها قد تكون نادرة جداً "؛  ولم تجد منظمة (أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل) "أي دليل يدعم ادعاء إسرائيل الرسمي بأن المستشفيات استخدمت لإخفاء أفراد سياسيين أو عسكريين"؛  تقرير غولدستون "لم يجد أي دليل يدعم الادعاءات القائلة بأن مرافق المستشفيات تم استخدامها من قبل سلطات غزة أو من قبل الجماعات الفلسطينية المسلحة لأغراض عسكرية.  المصادر: مركز المعلومات الاستخباراتية والإرهاب، حماس والتهديد الإرهابي؛  منظمة العفو الدولية، عملية "الرصاص المصبوب".

عملية الجرف الصامد 2014.

نقلاً عن كتاب غزة: تحقيق في استشهادها

دمرت إسرائيل أو ألحقت أضرارًا بـ 17 مستشفى و56 مركزًا للرعاية الصحية الأولية أثناء عملية الجرف الصامد.  المصدر: مركز الميزان لحقوق الإنسان وآخرون، (لا مزيد من الإفلات من العقاب: القطاع الصحي في غزة يتعرض للهجوم) (2015).

إن الصليب الأحمر "يدين بشدة هذه السلسلة المثيرة للقلق للغاية من الهجمات ضد العاملين في المجال الإنساني وسيارات الإسعاف والمستشفيات".  المصدر: (تقرير النتائج التفصيلية.)

حققت منظمة العفو الدولية في التصريحات الإسرائيلية التي تبرر استهدافها لثلاثة من هذه المستشفيات. ولم تجد  بأي حال من الأحوال دليلاً قاطعاً على مزاعم إسرائيل.  وفي إحدى الحالات، ذكرت منظمة العفو الدولية أن الأدلة التي قدمتها إسرائيل كانت مزيفة بشكل واضح.

"هاجمت إسرائيل مراراً مستشفى الوفاء، ثم حولته إلى أنقاض، وهو المرفق الوحيد الذي اعيد تأهيله في غزة...  وعرض الجيش الإسرائيلي صورة جوية زاعما أن حماس أطلقت صاروخا من المنطقة المجاورة مباشرة للمستشفى.  ومع ذلك، وجدت منظمة العفو الدولية أن "الصورة التي نشرها الجيش الإسرائيلي على تويتر لا تتطابق مع صور الأقمار الصناعية لمستشفى الوفاء، ويبدو أنها تصور موقعًا مختلفًا".

خلال عملية الجرف الصامد، تم استهداف سيارات الإسعاف مرة أخرى:

تعرضت أو دمرت 45 سيارة إسعاف بالكامل نتيجة للهجمات الإسرائيلية المباشرة أو الأضرار الجانبية أثناء عملية الجرف الصامد.

[…]

وثقت [منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية] على نطاق واسع الهجمات المتعمدة وغير المبررة التي شنتها إسرائيل على سيارات الإسعاف الفلسطينية أثناء عملية الجرف الصامد.  المصادر: منظمة العفو الدولية، "أدلة على استهداف القوات الإسرائيلية والمرافق الطبية في غزة" (7 أغسطس/آب 2014)؛  بعثة طبية لتقصي الحقائق؛  الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان تقرير( المحاصرون والمعاقبون)

وقد وثق تقرير للأمم المتحدة كتبه قاضٍ أمريكي من ولاية نيويورك سلسلة من الهجمات على سيارات الإسعاف خلال عملية الجرف الصامد. عن كتاب (غزة: تحقيق في استشهادها)

"أصيب سطح أحد المنازل بقذائف هاون شديدة الانفجار، مما أدى إلى مقتل ثمانية أفراد من الأسرة، بينهم سبعة أطفال كانوا يلعبون تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وتسعة أعوام، إضافة إلى جدهم البالغ من العمر سبعين عامًا.  وزعمت إسرائيل أن الهجوم جاء ردا على "صاروخ مضاد للدبابات" و"انفجار قذيفة هاون" أطلق من الحي أدى حسب زعمهم إلى إصابة جندي.  ثم أطلق الجيش الإسرائيلي "جولة أخرى من القذائف" بعد عشر دقائق "بمجرد وصول ثلاث سيارات إسعاف ومسعفين إلى مكان الحادث"، والتي أصابت أيضاً "العديد من الأشخاص الذين تجمعوا حول منزل [العائلة] لمساعدة الناجين.  "  ونقل التقرير عن صحفي شاهد عيان “أصيب بالذهول من الاستهداف الواضح لسيارات الإسعاف والصحفيين الذين هرعوا لتقديم المساعدة للمصابين وتغطية الحادث”.  كما أشارت إلى أن روايات شهود العيان "مدعمة بتسجيلي فيديو"، أظهر أحدهما "مصورًا يحتضر وهو يواصل التصوير، وسيارات الإسعاف تتعرض للقصف بصاروخ".  وخلص التقرير إلى أنه “نتيجة لجولة القصف الثانية، قُتل 23 شخصاً، بينهم 3 صحفيين، ومسعف، و2 من رجال الإطفاء.  بالإضافة إلى إصابة 178 آخرين، من بينهم 33 طفلاً و14 امرأة وصحفي ومسعف.  وبحسب ما ورد توفي أربعة نتيجة للإصابات التي أصيبوا بها في هذا الهجوم.  ورغم أن إسرائيل زعمت في وقت لاحق "أنها لم تكن لديها مراقبة فورية" للهجوم المميت، إلا أن التقرير لم يصدق هذه الحجة: "تجد اللجنة صعوبة في تصديق أن الجيش الإسرائيلي لم يكن لديه علم بوجود سيارات إسعاف في المنطقة عقب الضربة الأولى، خاصة عندما وصلت فرق الإنقاذ وسيارة الإطفاء وثلاث سيارات إسعاف إلى مكان الحادث مع إطلاق صفارات الإنذار بصوت مدّوي.

الشجاعية – “تعرضت سيارة إسعاف طبية عسكرية لقصف مباشر مرتين أثناء محاولتها تقديم الإسعافات الأولية للضحايا”.

القرارة – “تعرض محمد حسن العبادلة، سائق سيارة إسعاف، لإطلاق نار أثناء إخلاء أحد المصابين….  عندما وصلت سيارة إسعاف العبادلة إلى الموقع، أمر جيش الدفاع الإسرائيلي الطاقم بالخروج من السيارة ومواصلة السير على الأقدام.  نزل محمد حسن العبادلة وأحد المتطوعين من سيارة الإسعاف واقتربوا من المريض ومعهم مصباح يدوي، حسب التعليمات. وما إن ساروا مسافة اثني عشر متراً حتى اطلق عليهم الرصاص، فأصيب محمد حسن العبادلة في صدره وفخذه.  كما تعرض فريقا إسعاف وصلا بعد ذلك بقليل لإنقاذ زميلهما الجريح لإطلاق النار أيضاً، على الرغم من حصولما على موافقة الجيش الاسرائيلي على دخول المنطقه عبر الصليب الاحمر.  وأخيراً سُمح لفريق ثالث بنقل العبادلة إلى مستشفى ناصر في خان يونس، حيث توفي بعد وقت قصير من وصوله. علماً ان تنسيق تحركات سيارات الإسعاف يتم دائماً مع الجيش الإسرائيلي من خلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

بيت حانون – " أصاب صاروخ اسرائيلي الجزء الخلفي من سيارة إسعاف تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني خلال عملية إنقاذ في بيت حانون، قُتل على اثرها متطوع في سيارة الإسعاف... وأصيب اثنان من المنقذين الآخرين داخل سيارة الإسعاف.  وعندما تم إرسال فريق إسعاف آخر استجابة للحادث، أصاب صاروخ آخر الجزء الخلفي من تلك السيارة أيضاً، مما أدى إلى اشتعال النيران فيها.   مع أن سيارة الإسعاف كانت قد أطلقت صفارة الإنذار والضوء الأحمر الوامض، وكان الشارع فارغاً وقت الغارة.

ولم تعثر لجنة تحقيق تابعة للامم المتحدة في أي من الحوادث الخمس “أي معلومات، أو أي ادعاءات تشير إلى أن سيارات الإسعاف تلك كانت قد استخدمت لغرض آخر غير وظيفتها الإنسانية”.  و أردفت اللجنة إن "التقارير عن الهجمات المتكررة على سيارات الإسعاف التي جاءت لإنقاذ الموظفين المصابين... تشير إلى أن سيارات الإسعاف والعاملين ربما تم استهدافهم عن قصد"؛  "يبدو أن العديد من الهجمات المبلغ عنها على سيارات الإسعاف، إن لم يكن معظمها، قد حدثت دون وجود أي تهديد واضح أو نشاط عسكري في المنطقة"؛  وأن "سيارات الإسعاف كانت تحمل شاراتها، وكان العاملون في المجال الصحي يرتدون الزي الرسمي، و قد تم إخطار الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر بتحركاتهم".  المصدر: تقرير الأمم المتحدة.

***

هذا الشعب العربي المنكود، عبر جغرافياته المتناثرة وتاريخه الشاسع، لا يزال يسكن جحور الخوف، ويتأبط مسالك الزمان، مندسا بين الماضي والنسيان، لا يرى دون نظارات الإخفاق، متعففا من أن يبرأ من عقدة السلف وأرق العماء؟.

في ساعة النزال، يتلمظ منساقا إلى أهواء القلب. وعند التقاء الجموع يختفي منسابا إلى الصمت، كأنه يبحث عن شيء لا مدرك، بنفس المعنى، الذي تؤوله مناقب "مقاتلي الطبقات النبيلة مثل الساموراي والفرسان"، يتشحون سرابيل الحرب ويتمنطقون بمثاقيل الكلام، لكنهم لا يفعلون شيئا، سوى الصراخ والعويل؟.

في كل الحروب الحديثة التي خاضها العرب، لا يكاد يذكر نصر جماعي توحدت فيه القيمة الحقيقية للانتصار. ولم يثبت قط، أن تسامت النظرة العربية في أسلوب المواجهة، وطريقة الاختيار، وتحقيق القوة المظفرة، التي لا غبار عليها. بل إن المصل الذي تسيل منه دماء البطولات، تحرفت فيها الخواتم إلى إخفاقات أليمة ونذوب لا تبرى. ولنكبة 67 عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد؟.

حتى في أقرب الحصون المحصنة، والسدائد التي عصفت بتيجان الاستعمار والحماية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وإلى ستينياته، ظل العقل السياسي العربي، رغم كماشات السيوف المسلطة على الرقاب، ووهن الهمم والقرارات، يشكك في الذات ويقسم وحدة المصير، فصدق فيه حديث "أمة القصعة" و "الزبد الجفاء". وتفرقت بذلك الحشود والأقطار، واشتدت الأطماع بين الإخوة، فران إلى خوارها التقطيع والحدود المصطنعة، وانجلاء العداوات والخصومات وكثرة الشنآن والأحقاد .

ويعيد الدهر نفس مشاهد الانحطاط العربي وتخاذله وزيف ادعاءاته، في كل عصفة فلسطينية منتفضة. ليس بعد اتفاقيات الذل والهوان، التي جمعته بالصهاينة، على طول الخطوط الزمنية، التي شكمت أقفالها مصر الكنانة، عبورا إلى الأردن، ثم الخليج العربي والمغرب والسودان .. وهلم جرا.

ومنذ وقيعة اتفاقية أوسلو، وإلى حدود إسدال ستار طوفان الأقصى، تكشف للعالم كيف يتنصل الحاكم العربي من قلادة هويته وتاريخه وثقافته. وكيف يلهي نفسه بمشاغل التفرقة وغوائل التقسيم وتعميق الخلافات والتباساتها. وإلى أي حد يشيح بظهره، كأنه ( يعطى الظهور على الأعادي)، ويتخلف حتى عن أداء واجب الإنسانية أو أقل من ذلك.

إن إحدى أهم تمظهرات هذا الانحطاط الداعر والتقهقر السافر، ليس فقط الإذعان إلى الصمت والتآمر إزاء الأوضاع وانسداد الآفاق، وتحولات العلاقات وتوازنات القوة، بل يتعدى ذلك، إلى تشرذم الجسد العربي وتفككه على جميع المستويات وقتامة مصيره.

ويبدو أنه بالإضافة إلى كل ما ذكر، يبقى استحضار ما أسماه فوكو باستئصال "البعد الأخلاقيّ في القيم المشتركة "، والذي انتهى بالتدريج، إلى تمكن "النّزوة الحاكمة على تصرّف الفرد المستبد". (يبقى) هو المنطق الصادم الذي يكرس واقع انسحاق صورة القرار العربي في الوعي العام. على أن العديد من المفكرين العرب المعاصرين، ومنهم محمد عابد الجابري، الذي قدم نظرية شافية لهذا الوباء العربي المأزوم، عبر "نقد أصنام التخلف والغلو والدوغمائية"، موجها سؤاله المركزي الذي أصبح مثالا صيروريا متقدا: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا..؟ ، مؤسسا فرضياته من توالي الهزائم وتضعضع الفكر الأخلاقي والحضاري للأمة، وتكدر العقلانية وانشغالها بالسفاسف والقشور، عوض التحلل من معاصف الماضي والارتهان على ضرورات الاستقبال العصري والحداثي.

فمن يستعيد ترميم هذه الخلفية الكارثية الكابوسية، في أسباب تخلفنا وانحرافنا؟ وهل تبقى آثارها الاستعمارية كابحة لكل خطواتنا وأفكارنا، لأنه بكل بساطة، سنبقى في عزلتنا الجبرية، "نتبنى إحدى الطريقتين لملء هذا الفراغ الكوني الذي ينتابنا، إما أن ننظر إلى الأرض أو أن نرفع بصرنا إلى السماء ..".

***

د مصـطَـــفَى غَـــلْمَــان

ان الاستقلال العربي "الحقيقي" غير موجود على ارض الواقع، و"لا" يوجد عند النظام الرسمي العربي "الحرية" في الحركة، واتخاذ القرار، لأن هناك "قيود خارجية" تمنعهم من ذلك، وتحرم عليهم القيام في أي دور "وطني قطري مناطقي" سليم، او تحركات قومية وحدوية جماعية، وللأسف جاء الإسلام "الأمريكي" في مناطقنا العربية ليخلق شرخا "استحماريا" بين الخصوصية القومية ومصالحنا ك"عرب" على أراضينا وبين الدين الإسلامي "الأصيل" "الاجتماعي" "المعرفي " الثقافي" "الصانع للحضارة" البعيد عن توظيف الأجانب له من خلال حركات "استحمار" امريكي مرتبطة مع الحلف الطاغوتي الربوي العالمي تم تأسيسها  لكي تتحرك مع الأجانب "وظيفيا" ك "اسلام امريكي" خادم لمصالحهم ضمن خطاب شعاراتي فارغ فاقد للنظرية الحركية القرأنية الانقلابية على الواقع في الاقتصاد والثقافة والتربية على مستوى الفرد والجماعة.

ان هكذا اسلام "امريكي" ضد الإسلام "القرأني" "لا" زال يتحرك من هنا وهناك يضرب الحالة النهضوية العربية ويؤخر حالة "الاستقلال الحقيقي" المطلوب ان يولد ويتفجر في مناطقنا العربية من خلال صناعة ثقافة حياة واقعية "ثنائية الابعاد" تعيش الخصوصية القومية العربية وهذا ما هو طبيعي لأننا عرب نعيش ونتكلم اللغة العربية وهذه أراضينا ومناطقنا وأيضا قومية ديننا الإسلامي هي العروبة إذا صح التعبير ك "رافعة لغوية معرفية" تنشر الثقافة القرأنية الحركية.

ان علينا ك "عرب" ان نتحرك في "صناعة الاستقلال الحقيقي" بعيدا عن نفوذ الحلف الطاغوتي الربوي العالمي والذي اتضح انه يقاد ويدار من الحركة الصهيونية العالمية من خلال النفوذ والتغلغل اليهودي الصهيوني في مواقع الامن والعسكر والاقتصاد ومواقع التفكير والثقافة والاعلام وصناعة الترفيه والتجارة في منظومات الحكم والسيطرة تلك الدول، ولعل المرحوم الامام روح الله الخميني قد اخطأ عندما وصف الولايات المتحدة الامريكية ب "الشيطان الأكبر" والكيان الصهيوني ب "الشيطان الأصغر" فأتصور انه ما حدث بعد انتصار عملية طوفان الأقصى جعلنا نكتشف واتضح لنا ان المعادلة هي معكوسة حيث ان الكيان الصهيوني هو "الشيطان الأكبر" وهو صاحب القرار والسيادة والنفوذ والامر والنهي على الولايات المتحدة الامريكية وباقي "شلة" دول الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.

ان من الواضح كذلك هو "عجز" النظام الرسمي العربي وانتهاء صلاحية بقائه في مواقعه اذا صح التعبير واكتمال دورة حياته الافتراضية لتصل للموت، ومنها ستبدأ دورة انقلابية جديدة ستعيشها المنطقة العربية وخاصة مع الانتقال الامبراطوري من عالم ذوو قطب واحد الى عالم متعدد الأقطاب، ومعها ستتفجر الحالات الانقلابية من هنا وهناك وأيضا سيعاد تشكيل مجمل المنطقة العربية، ومن يريد ان يخرج سالما من هكذا حالة انقلابية ...قادمة لا محالة، فأن عليه ان يكون مؤسساتيا وان يعيش الاستقلال الحقيقي في القرار والسيطرة والنفوذ وأيضا الاقتصاد وكل ما له علاقة في الاستقلال الحقيقي وحرية القرار، فهنا سيتم إيقاف تفجير التناقضات المتراكمة وستتحرك القاطرة بعيدا عن التغيير المرتقب الواقع لا محالة ولعل ان عملية طوفان الأقصى قد سرعت في هكذا عملية انقلابية تغييرية تتحرك ضمن الواقع  الحاصل حاليا في العالم ونقاط التفجير في أوكرانيا وفلسطين وقبلها في سوريا وبورما وجورجيا وأذربيجان .

وهذه التناقضات ستزداد تفجيرا خاصة مع تفعيل خطوط التجارة العالمية الجديدة المرتبطة مع الصين وروسيا بما يعرف بطريق الحرير الجديد، والتي ستلغى خطوط التجارة الدولية القديمة المسيطر عليها من الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، ومعها سيكون الكيان الصهيوني صاحب نفوذ في دول متراجعة منكفأة على ذاتها ومع كل ذلك سيتم تشكيل خرائط ومواقع لدول جديدة "لا" نعرف ماذا ستكون اسمائها الجديدة أصلا؟ ومن سيحكمها؟ وتحت أي منظومة قيم ثقافية ومعرفية وانتماءات دينية او ارتباطات نفوذ دولية ستكون مرتبطة؟

ان كل ذلك نحن "لا" نعرفه و"لا" نستطيع ان نقرأ المستقبل التفصيلي لهذا الامر الا اننا نستطيع ان نقول:

ان العالم سيتغير وسينقلب ومعه مناطقنا العربية وما نستطيع ان نقوم به ك "شعوب" ان نعمل على تعزيز مواقع دولنا الحالية مؤسساتيا وإداريا وأيضا ان نعيش القومية العربية الوحدوية منهجا وفكرا ونظرية وأيضا ان نتحرك بعقلنا مع الدين الإسلامي ك "قاعدة للفكر  والحياة"، وهي "الثنائية المعرفية" التي ستصنع لنا الشخصية الذاتية الخاصة بنا على مستوى الفرد والمجتمعات، والتي نستطيع نحن ك "شعوب عربية" ان نواجه بها  الانقلاب الامبراطوري الدولي القادم الشامل، والذي سيضرب ويؤثر على الكرة الأرضية كلها ومنها النظام الرسمي العربي الضعيف والبائس والمهلهل والضعيف والمتشرذم.

يسأل الأستاذ "عبد الوهاب ماضي": "لماذا وصل العرب إلى ما وصلوا إليه من ضعف وتشرذم؟ وهل من خيارات أمامهم لإنقاذ أنفسهم؟ 

يقوم النظام الإقليمي في أي منطقة على مجموعة من الدول تواجه خطرا أو تحديات مشتركة، وتجمعها هوية أو رؤية واحدة تنطلق منها هذه الدول في وضع استراتيجيات وبرامج عمل تحقق بها مصالحها في مواجهة فاعلين آخرين من الأصدقاء والأعداء. وبهذا قامت أنظمة وتكتلات إقليمية في الغرب والشرق وفي كل قارات العالم ما عدا منطقتنا العربية.

فمنذ الاستقلال أنشأت الحكومات العربية، بمساندة الدول الاستعمارية الكبرى -خاصة بريطانيا-نظاما عربيا مختلا، فالمنطقة التي تمتلك كل مقومات الوحدة من لغة ودين وتاريخ وثروات ومصالح مشتركة، وكانت لقرون عدة جزءا من إمبراطورية عربية إسلامية واحدة، انتهت على يد القوى الغربية الاستعمارية إلى دول متعددة، ومنظمة إقليمية ضعيفة سميت "جامعة الدول العربية"، بجانب زرع كيان صهيوني غريب بين مشرقها ومغربها." 

"كان من الممكن نظريا أن يتطور النظام العربي المختل إلى نظام عربي حقيقي برؤية واضحة واستراتيجية حقيقية لمواجهة التحديات، إذا أحسنت الحكومات قراءة الواقع واستقوت بشعوبها وامتلكت قرارها السياسي، لكن هذا لم يتم لسبب أساسي هو نوعية الأنظمة العربية التي قامت كما أشرنا على إقصاء الشعوب وقمع المخالفين في الرأي واحتكار السلطة والثروة، وتعميق خلافات عربية-عربية لا أساس لها وتغذيها دوائر خارجية.

ولهذا لن يستطع العرب القيام من سباتهم العميق إلا بمعالجة أوجه الخلل تلك، والتفكير بشكل استراتيجي ولصالح كل الشعوب العربية معا.

فلا مستقبل للعرب دون تصالح حكوماتها مع الشعوب والاستقواء بهم عبر بناء دولة القانون والمؤسسات والشفافية والتنمية، وتمهيد الأرض لتكتل عربي يقوم على المصالح المشتركة ويمهد الأرض لدولة عربية اتحادية.

ولا مستقبل للعرب إلا بإقامة قواعد إنتاجية حقيقية واستخدام كل الثروات العربية لصالح كل الطبقات في كل المجتمعات العربية، وذلك عبر برامج تنمية وعدالة اجتماعية يستفيد منها كل عربي من المحيط إلى الخليج."

"كما إنه لا مستقبل للعرب إلا بالتمسك بمقومات هويتهم الجامعة من لغة ودين وتاريخ وحضارة، بل واستخدام القوة الكامنة في كل هذه المقومات الناعمة لتقوية المجتمعات العربية ومؤسساتها وسياساتها. والإسلام واللغة العربية مقومان لا يمكن لعاقل تجاهلهما لنهضة هذه المنطقة ومد جسور التعاون مع بقية دول العالم الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء.

ولا مستقبل للعرب إلا بتحديد عدوهم الحقيقي الذي هو بلا شك الدولة الصهيونية وسياساتها العنصرية والتوسعية، وكذا كافة سياسات الهيمنة الرأسمالية العالمية. وسيجد العرب هنا حلفاء لهم في كل أنحاء العالم من المناهضين للعنصرية والهيمنة إن هم أحسنوا الدفاع عن قضاياهم العادلة."

ان محاولات النظام الرسمي العربي بائسة في تغطية خيبته وفشله امام الاجرام الصهيوني العنصري الوحشي ضد الابرياء في قطاع غزة وأيضا عدم قدرته حتى على اصدار بيانات صوتية استعراضية سطحية "لا" تسمن و"لا" تغنى و"لا" تعوض عن "كرامة مفقودة" و"استقلال غائب"، ان هكذا غياب عن "القدرة على الفعل" وحتى "الضياع التام" وسط الاهانات المتكررة التي يلقاها من النظام الطاغوتي الربوي العالمي.

وهذا النظام الرسمي العربي لم يعد مفيدا للنظام الطاغوتي الربوي العالمي الا في  حالات التصوير الدعائي مع الموظفين "الواجهات" لهذا الحلف الطاغوتي الربوي العالمي من رؤساء ووزراء خارجية اخذوا يتنقلون مكوكيا بين هذه العاصمة وتلك ويتحركون بين الكيان الصهيوني وبينهم، وهم يصرحون  تأييدا لقتل العرب في فلسطين وتصفية الأطفال وقتل النساء وذبح الرجال العزل في الصواريخ والقذائف، انهم يقولون ذلك في العواصم العربية بدون خجل و"لا" حياء و"لا" خوف ويعلنون عن دعمهم للتحركات الصهيونية العنصرية والتي بلغت الشوارعية في خطابها العنصري حين وصفت العرب ب "الحيوانات" وحتى حين وصل عداد الشهداء الأطفال المذبوحين في القصف الجوي المتواصل المستمر الغير متوقف على قطاع غزة وحتى ب أسلحة الفوسفور الأبيض المجرم دوليا، نقول انه حتى عندما وصل عداد الشهداء الأطفال الى ستة الاف شهيد من الأطفال فأن الحلف الربوي الطاغوتي العالمي لم يهتم ولم يتحرك فيه ذرة إحساس انساني ولا يكترث حتى في التعليق الإعلامي وأساسا لم يجرؤا أي من مكونات النظام الرسمي العربي حتى على المواجهة الكلامية الاستعراضية.

يذكر الأستاذ "حسام شاكر " بهذا الخصوص: "ليستِ الحربُ على غزّة عدوانًا حربيًا وحسْب؛ فهي حملة دعائية جارفة أيضًا، مكرَّسة لتبرير التطهير العِرقي وأعمال الإبادة التي تواطأت القوى الأوروبيةُ والغربية على مساندتها علنًا. تبنّت الولايات المتحدة وأوروبا السياسيةُ دعايةَ العدوان بحذافيرها، انطلاقًا من تضخيم سطوة اللحظة الأولى من حدث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وعزلها عن سياقِها، وتزييف مشهدها بعيدًا عن الوجهة العسكرية الواضحة لهجوم المقاومة الفلسطينية."

"ليستِ الحربُ على غزّة عدوانًا حربيًا وحسْب؛ فهي حملة دعائية جارفة أيضًا، مكرَّسة لتبرير التطهير العِرقي وأعمال الإبادة التي تواطأت القوى الأوروبيةُ والغربية على مساندتها علنًا. تبنّت الولايات المتحدة وأوروبا السياسيةُ دعايةَ العدوان بحذافيرها، انطلاقًا من تضخيم سطوة اللحظة الأولى من حدث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وعزلها عن سياقِها، وتزييف مشهدها بعيدًا عن الوجهة العسكرية الواضحة لهجوم المقاومة الفلسطينية."

"إنّ إدارةَ الظهر بالكامل لهذه الأفواج المتلاحقة من الضحايا المدنيين كل يوم-الذين يُشكِّل الأطفال والنساء معظمهم، لمجرّد أنهم فلسطينيون من غزة-تضافرت مع دعاية هوجاء نزعت الصفة الإنسانية عن هذا الشعب باستعمال ذخائر لفظية ونعوت مدبّبة مثل "الوحوش"، أو "حيوانات بشرية" (بالعبرية: خايوت آدام)، وهي حيلة نمطية لتسويغ الإبادة. يعني هذا، ببساطة، أنّ حكومة الاحتلال العنصرية الموسّعة-التي انتخبها في الأساس ناخبون متطرِّفون طابت لهم هتافات من قبيل "الموت للعرب" (بالعبرية: مافيت لعرفيم) -جرّت "العالم المتحضِّر" خلفها بعد أن أعربت عواصم غربية عن عدم ارتياحها لهذه التشكيلة ابتداءً."

"لم يقتصر التخندق الأميركي والأوروبي مع العدوان الإسرائيلي؛ على الدعم السياسي والعسكري، فقد تجلّى في تبنِّي مضامين دعاية الاحتلال وترويجها في المنصّات السياسية والإعلامية بصفة غير مسبوقة. يبدو أنّ حالة التلقٌّف الغربي هذه أغرَت الجهد الدعائي الإسرائيلي باستسهال التلفيق والترويج، فاتّخذت موادُّ مزيّفة وساذجة، إسرائيلية المصدر، سبيلَها بشكل انسيابي إلى منصّات سياسية مرموقة، بدءًا من البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي، وافترشت وسائل إعلام غربية مرموقة ورصينة بلا عوائق مهنية أو أخلاقية. لكنّ الإسراف في ترويج مواد مزيّفة أوقع دعاية الاحتلال ومن تواطأ معها في مأزِق جسيم؛ لأنّ هذه الحبكات المنسوجة جاءت في زمن يعلو فيه النقد الشبكي وتتنامى فيه خبرات التمحيص ومنصّات التحقّق والتثبّت من المضامين. ثمّ إنّ ترويج مزاعم مضلِّلة وموادّ مزيّفة أوقع مصادر هذه الدعاية ومروِّجيها في أزمة مع الأوساط الصحفية، كما تبيّن، مثلًا، في مؤتمرات صحفية عقدها مسؤولون غربيون بشأن الحرب، وتتعالى في غضون ذلك موجة استقالات وانشقاقات واعتراضات في وسائل إعلام أوروبية وغربية، علاوةً على مواقع حكومية ودولية ترفض الإذعان لدعاية العدوان ومواصلة تبرير الفظائع بحقّ الشعب الفلسطينيّ."

"يبدو أنّ داعمي الاحتلال المتّشحين بالشعارات الأخلاقية يسقطون في أنظار العالم إلى القاع مع كلّ يوم تتواصل فيه المجازر الوحشية في قطاع غزة، ويتواطؤون على كنسها تحت بساط التجاهل، وينهمكون في تبرئة قاعدة الاحتلال التي يساندونها من أي مسؤولية واضحة عن هذه الفظائع. يرى العالم، وترى بعض شعوبهم أيضًا، كيف يستعملون فنون المراوغة اللفظية التي تمنح برنامج الإبادة والتطهير العرقي أفقًا زمنيًا رحبًا لمواصلة طريقه دون عوائق. خسرت أوروبا سلطتها الأخلاقية، بتعبير ممثل سياستها الخارجية جوزيب بوريل، وهي الخسارة الأولية فقط في رحلة السقوط الحرّ."

ان الحلف الطاغوتي الربوي العالمي والحركة الصهيونية هم حالة من الشر الشيطاني العنصري وساذج من يعتقد ان من خلال الخطابات الإعلامية البكائية ان الشرير سينقلب طيبا وانه سيتحول الى حالة من الضمير الإنساني الطبيعي، لأن هؤلاء يمثلون حالة شيطانية ويمثلون ابليس الرجيم على الكرة الارضية.

في ظل هذه الخباثة الشيطانية كل العالم شاهد مشهد عنصري واستحقار واضح قام به الصهاينة ضد رئيس وزراء الحكومة البريطانية "سوناك" الذي تمت اهانته وتحقيره واذلاله امام شاشات الاعلام الدولية والعالمية لأنه عرقيا "هندي" ودينيا "هندوسي" ولم تشفع ل "سوناك" ملايينه الشخصية ك "ثروة" ولا "منصب" "الواجهة" الذي يحتله في رئاسة الحكومة البريطانية، و"لا" أسلوبه الإعلامي والخطابي المتكرر عندما يقول عن نفسه معتبرا نفسه انجلوساكسوني:

"They want to be like us"

"يريدون ان يصبحوا أنفسنا؟"

وهذه العبارات لمن لا يعرف هي عبارات دائما يكررها "بعض" المتجنسين بريطانيا إذا صح التعبير للإيحاء بالتعالي والفوقية ضد الذين "لا" يحملون هذه الجنسية !؟ وهو امر مضحك من ناحية ومن ناحية أخرى عليه ان يعرف هو ومن يحمل نفس ذهنيته من "بعض" المتجنسين في بريطانيا ان من غير الصحيح ان العالم كل العالم يريد ان يصبح "نفسهم"!

No body want to be like you""

"لا أحد يريد ان يكون نفسكم"

و"لا" اريد ان ادخل في تفاصيل كثيرة الا ان اذكر سوناك ومن يفكر معه بنفس الطريقة بما أمرت به المنظومة الحاكمة البريطانية رسميا وضمن وثائق منشورة معلنة لشعبها البريطاني ورعاياها في دولة الكويت اثناء وباء الكورونا ان "لا" يذهبوا لسفارة بلادهم في الكويت ليطلبوا أي مساعدة او رعاية او دعم ؟! وان عليهم ان يشحذوا المال من الكويتيين وان عليهم ان "لا" يخجلوا من ذلك ؟! ويمكن لهم ان يذهبوا ليأخذوا المساعدات من الجمعيات الخيرية الكويتية التي تساعد الفقراء، وهذا عار تاريخي ضد المنظومة البريطانية الحاكمة مسجل وموثق و"لا" اعرف بلد في تاريخ البشرية طلب من مواطنية ان يشحذوا الا المملكة المتحدة؟! خامس اقتصاد في العالم ؟! و"لا" اعرف بلد في العالم يقول انه بلد غني وشعبه في منطقة "ويلز" يأكل "اكل الحيوانات" لكي يعيش ؟! و"لا" اعرف "اعلام رسمي في العالم" يربط الوطنية وحب البلد في التقليل من النظافة الشخصية واستخدام المياه ؟! ويتم نشر تلك المطالبات في الاعلام الرسمي ونشرات الاخبار ؟! والقائمة طويلة لا تنتهي على من يقول ان العالم يريد ان يكون بريطاني "نفسهم" وسوناك أحدهم الذي تعرض للاستحقار والإهانة والاذلال وهو لم ينتصر لكرامته الشخصية وسكت وبلع الإهانة وأصبح ك " العبد العامل كخادم المنزل" وهو رغم كلامه الساقط في خدمة الاجرام العنصري الصهيوني وقبوله العمل ك "واجهة" وظيفية للمنظومة الحاكمة البريطانية الا ان ذلك لم يشفع له لكي يحصل على ذرة احترام من الصهاينة ناهيك عن الاعلام البريطاني الرسمي او المنظومة الحاكمة البريطانية التي لم تنتصر لكرامة  سوناك "واجهتها الوظيفية" في موقع رئاسة الوزراء !؟

هذا مثل على العنصرية التي ينظر اليها الصهيوني للبريطانيين المجنسين ضمن قانون هذا البلد، فكيف ينظر الينا الصهيوني نحن العرب مسلمين كنا او مسيحيين ؟! الإجابة قالوها علنا وسمعها الشعب العربي المغلوب على امره وتم ايصالها للنظام الرسمي العربي، الذي اكتفى في التصوير امام الكاميرات ؟!

يقول الدكتور نديم البيطار: "من المستحيل تقريبا تغيير أمريكا الصهيونية عن طريق الاعلام، الحوار العقلاني الموضوعي، لأن طبيعة النظام السياسي الأيديولوجي الأمريكي تحول دون ذلك"

وهذا الامر أتصور انه يمتد لتوابع الولايات المتحدة الامريكية في أوروبا وغيرها لذلك الخطاب الإعلامي العربي "البكائي" "لا" قيمة له في تغيير السياسات وما تريده منظومة الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وكذلك علينا إعادة التأكيد والاشارة الى حالة التزاحم البحري من اساطيل عسكرية وبوارج وأيضا حاملة طائرات واخرها دخول غواصة نووية !؟ الى البحر الأبيض المتوسط، مما يؤكد على ان هناك "توظيف لحدث عملية طوفان الأقصى" في سيناريوهات ومشاريع أخرى، "لا" نعرفها، وهنا يأتي دور أجهزة الاستخبارات العربية وأيضا الدولية الغير مرتبطة في الحلف الطاغوتي الربوي العالمي لكي تجمع المعلومات والبيانات والمعطيات ومنها يستطيع من يفكر ومن دوره قراءة سيناريوهات الحدث في مؤسسات التخطيط والمتابعة والدراسات ومواقع البحث ان يستنج ماذا سيجري؟ وماذا يتم التخطيط له؟ وبناءا عليه يتم اعداد خطط المواجهة والتصدي؟ والسؤال الأكبر؟ هل لدى النظام الرسمي العربي كل هذا؟ الإجابة لن اقولها ؟! لأن كل الشعب العربي من المحيط للخليج يعرف الإجابة ؟!

كما كلنا نعرف ان الكيان الصهيوني سينتهي وسيتم طرد الغزاة الأجانب من أراضينا العربية المحتلة في فلسطين كما طرد اجدادنا الصليبيون والمغول لمزبلة التاريخ، فهذه ارضنا ونحن اسياد الأرض وملاكها وهذا هو ترابنا وموقعنا وجغرافيتنا العربية.

 ***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

قارئي الكريم المستقبل هو يوم غد وبعد غد وعلمه عند البارئ عز وجل. لكن مكمن "العلة" تغدو غامضا حين يختفي ما نسميه "يوم غد" في المستقبل. بناء على المطيات المتوفرة لدينا في الوقت الحاضر يمكننا رؤية المستقبل وبوضوح. لا اخفي عليكم باني شخصيا لست متفائلا بذلك المستقبل الموعود ولا ارى نفسي سوداويا متشائما، لكني بالتأكيد متشائم من السلوك الإنساني الفوضوي والمتطرف المتزايدة بتسارع في كل أنحاء العالم يوما بعد يوم.

يسمى هذا اليوم الأخير وحسب نصوص المقدسة في الديانات السماوية "يوم القيامة " و يوم الحشر اي نهاية الحياة البشرية ولجميع الكائنات الحية في البر و البحر والجو على الثرى. تختفي النباتات والمياه والتراب على الكوكب الأرضي. ليبدأ بعدها حياة روحانية في السماء وبشقيها الجهنمي وفي الجنة. هذا "اليوم" لا يمكن لأحد ان يتوقعه لان هذا اليوم في علم الغيب. لكن المعطيات المتوفرة لدينا من القرن الواحد والعشرون توضح لنا ان ذلك "اليوم الأخير" نتاج فعالية بشرية إجرامية وسيكون بأيدي بشرية كذلك. كنتيجة لتخلف عقلي ومعرفي ولفكر متخلف لأحد الأشخاص ممن لم يتطور وبقى على حاله كرمال صحراء الربع الخالي.

هذا المعتوه والمليء بالحقد والخوف والكراهية والمتطرف الذي يرى في عمله فرضا دينيا وسيمنحه الخالق الجنة مثوى.  سينهي هذا المعتوه الحياة لجميع الإحياء على كوكبنا الأرضي. هذا النموذج من البشر الذي يؤمن بمبدأ " عليا وعلى أعدائي" التي يرجح ان تكون مقولة منسوبة لشمشون الجبار وهو يحطم المعبد الذي ادى الى زوال كل شيء والقصة التوراتية التراثية للشعب اليهودي تكرر كذلك في الإنجيل. تشبه القصة في الكثير من جزئياتها كما ورد في قصة ولادة النبي يحي القرانية لكن الفرق بان شمشون الجبار كان مجرما وقاتلا. نبينا يحيى حسب الذكر الحكيم هو ابن نبي الله زكريا، ولد كمعجزة الإلهية  استجابة لدعاء زكريا لله أن يرزقه الذرية الصالحة فجعل آية مولده أن لا يكلم الناس ثلاث ليال سويا، وقد كان يحيى نبيا ومن الصالحين، كما كان بارا و تقيا عكس شمشون الجبار.  وقد شهد الحق عز وجل لنبينا يحيى أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا.

يظهر هذا الشمشون بين فترة واخرى ويؤدي اعماله الشريرة باسم المقدس ثم يحشر مع اخرين امثاله فى صقر انشاء الله. لا يوجد ابدا منتصر في اي حرب لا في حروب الماضي ولا سيكون هناك من منتصر في حروب المستقبل والخاسر الوحيد هو البشر والشجر وهذا الثرى الذي سمم حقد هؤلاء ترابه.

قارئي الكريم، حين تدور في اروقة وصالات قصور اسبانيا التي شيدت في  فترة الحكم الإسلامي لشبه الجزيرة الليبرية ترى في كل زاويه كتب الجملة التالية:

"ولا غالب إلا الله"

هذه جملة بليغة لم يفهمها البشر لحد اليوم وبقت خالدة على الجدران بينما قائلها وكاتبها قد غادر تلك الديار قبل اكثر من دهر من الزمان.

اذا ما صدقنا بالمنجمين وان كذبهم اكثر من صدقهم. فهم كمن رمى واصاب " رب رمية من غير رامى" اي قد يصدقون احيانا ليس لمعرفتهم بمواقع النجوم لكن حدسهم لاي واقعة كتلك الرصاصة العمياء قد تصيب احيانا. لكننا لنصدقهم على الأقل لمرة واحدة في صدقهم.  اي رغم كذبهم في معرفة المستقبل الا أنهم احيانا صادقون حتى وهم يكذبون. قرأت بعض ما نشره أكاديمية كايروا للتنبؤات المستقبلية* في الجامعة قبل عقود وراعني كيف تمكن العلماء من سرد توقعات علمية لما نحن عليه اليوم من تقدم تقني وعلمي ومعلوماتي.

العملية مجرد قراءه علمية لمعطيات وإحصائيات حسابية وتخزين تلك المعلومات في الكومبيوتر وباستخدام برامج خاصة يمكن التوصل الى استنتاجات لما قد يحصل في المستقبل و قريبة جدا للواقع.  هذه الطريقة تستخدم في علم الجريمة وذلك بدراسة سلوك المجرمين وبيئتهم ونفسيتهم وأماكن وأوقات تواجدهم وتخمين ما سوف يقومون به من الخطوات تلك الدراسة تكون أساسا لاي عمل تنفيذي يوجه فيه الشرطة جهوده من اجل حماية المجتمع من فعاليات الإجرامية. اي يتوقع المحلل الجنائي ان في الساعة الفلانية وفي مكان معين وتاريخ معين سوف يقوم احدهم بجريمة ما. هذا التوقع مبني على معطيات ودراسة تعود الى سنوات وكما ذكرت إحصائيات الجريمة. حين يحضر المجرم الى مكان الجريمة يرى بان الشرطة سبقته الى ذلك المكان.  اذن الموضوع علمي وقائي بحت وليس حدسا او تنجيما نتوقع حدوث شيئ غيبي.

العالم قد ينتهي حين يكون بإمكان احد المتطرفين ممن يمتلكون الثروات او السلطة الحصول على قنبلة نووية متطورة او جرثومية او حتى كيمياوية سامة وقد يحصل ذلك بعد الف عام من الان او في أي يوم من الأيام. اليوم هناك صراع مستديم من قبل العديد من الدول للحصول على تلك الأسلحة واستخدامها كما حل في العراق وفي مدينة حلبجة الشهيدة حين قصفت بالأسلحة الكيماوية خلال الحرب الإيرانية العراقية وكانت من نتائجها إعلان وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب كما حصل قبلها مع قنبلة هيروشيما و نكازاكي في اليابان وأدت الى انهاء الحرب العالمية الثانية. هذا ليس تنجيما بل واقع يمكن معرفته مما يقوم به امثال الدكتاتور ادولف هتلر وآخرون ممن يسيرون على نهجه ولا يوجد مستقبل للبشرية بوجود أمثاله من المتطرفين. ان استخدام السلاح المتطور وصل الى درجات متطورة اليوم من الغاز السام الذي بدا استخدامه في الحربين العالميين بالإضافة الى القنبلة النووية وضرب أهداف معينة قد يؤدي الى زوال مدن بسكانها في دقائق كما هي ضرب السدود مثلا.

المستقبل ليس غامضا بل ينيرها اليوم وغدا وبعد الألف من السنين الكلمات الخالدة والتي خطها ذلك العبقري على جدران بيوت وقصور الأندلس قبل دهر من الزمان.

"ولا غالب الا الله"

***

توفيق رفيق آلتونچي - الأندلس

2023

....................

إشارات:

لفهم اعمال شمشون الجبار راجع القصة التوراتية.

(*)

https://www.kairosfuture.com/se/academy/

"وَلا غالِبَ إِلَّا الله" شعار الموحدين الذي أصبح يُنقش على الأعلام بعد الانتصار الكاسح ليعقوب المنصور في معركة الأرك يوم 9 شعبان 591 هـ الموافق ل 18 يوليو 1195 م. وتيمّنا بالموحّدين، وبانتصارهم في ذلك اليوم  تبنى بني الأحمر في الأندلس هذا الشعار، باعتبار أنّهم ورثة الموحدين، نرى الشعار اليوم في زخرفة جدران القصر الحمراء في غرناطة وفي اشبيلية ومدينة الزهراء وفي معظم القصور الإسلامية في الشبه الجزيرة الليبري (البرتغال و اسبانيا).

نجاح عملية طوفان الأقصى ضربت "أساس" وجود الكيان الصهيوني على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة، وما حدث ليس سهلا، ولم يكن بسيطا، وخاصة ان "الكيان الصهيوني" هو  "مخلوق مشوه" ومسخ غير طبيعي يتواجد ك "قاعدة عسكرية ليس فيها أي مدني" على حجم دولة فلسطين المحتلة، وهذه المسألة على كل المراقبين "المخلصين" ومن يتكلمون في الاعلام والصحافة اعادتها والتأكيد عليها، لتثبيت هذه الحقيقة في الذهنية العربية بعيدا عن الاعلام "المتصهين" الخائن الذي يعترف في الكيان الصهيوني في شكل ضمني "خبيث" عندما يشير الى الحدود على انها "إسرائيلية" وعند اشارته  للمدن الفلسطينية المحتلة على انها "إسرائيلية" ؟! وهذه خيانة واضحة للعرب والعروبة وللأسلام وحتى اذا تواجد في هكذا اعلام  "غادر" خطاب اعلامي "نقدي" و"هجومي" ضد الكيان الصهيوني فأن ذلك "لا" يعنى شيئا ما دام هناك "اعتراف" بهكذا "مسخ" صهيوني  وهذا هو المهم والأهم عند الصهاينة والحلف الطاغوتي الربوي العالمي، فهم "لا" يهتمون في الصوت و"لا" الضوضاء الإعلامية، وما يريدونه هو الاستسلام العربي والهزيمة الكاملة وان يحصلوا على "الاعتراف" وما يخافونه هو أي حالة انقلابية وحدوية حقيقية وأي حركة ملموسة تضرهم في  الامن والعسكر والاقتصاد وهذا ما فعلته عملية "طوفان الأقصى" وأيضا هم يرتعبون من أي ثقافة إسلامية "اصيلة" او نظريات قومية وحدوية ساعية للنهضة  والهادفة للحصول على "الاستقلال الحقيقي"، لذلك أي "نظرية" "حقيقية" للوحدة العربية هي "مقلقة" لهم، ونقول "نظرية علمية" وليست "شعارات" للوحدة، حيث النظرية العلمية تصنع "انقلابا" في الواقع السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري، اما "الشعارات" فأنها تتحرك في العواطف والاثارات والخيال الطوباوي، وهذا ما حدث في التجربة الناصرية للوحدة وهو موضوع فيه تفصيل كثير ولكن للعودة الى موضوع الاعلام نعيد ونؤكد ان الضوضاء في الاعلام  المتصهين الخائن هو سقوط في بئر العمالة الشيطانية للأجانب والغزاة وهذا السقوط "لا" يستثني ايضا العاملين من مذيعين ومراسلين وكادر فني في هكذا قنوات فهم أدوات للشيطان.

اذن المقاومة الفلسطينية وجهت ضربة قاصمة "وجودية" ضد الكيان الصهيوني الذي اصبح بعد هذه العملية  "زائل" لا محالة وهذه أحد تبعات الواضحة لعملية طوفان الأقصى، وهذه أصبحت "حقيقة ثابتة" سيتم الوصول اليها زمنيا اليوم او غدا او بعده، وكل ما عداها "متغيرات" وتفاصيل للأحداث وتطورات زمنية من هنا وهناك ولكن "الثابت" سيبقى وسيظل بعد هذا الاقدام والمبادرة العربية الفلسطينية والتخطيط الناجح في الهجوم ضد الغزاة الأجانب والذي لم نراه ونشاهده الا في حرب أكتوبر 1973، وهنا "الرعب الأكبر عند الصهاينة والحلف الطاغوتي الربوي العالمي، ولكن إذا حاولنا ان نقرأ المتغيرات بعيدا عن هذا الثابت ومنها السؤال:

هل هناك من يعرف الى اين ستتجه اليه "متغيرات" الأوضاع الحالية عسكريا وامنيا؟ الإجابة "لا" يوجد أحد يعرف واكرر اننا هنا نتحدث عن "المتغيرات" بعيدا عن "ثابت" الزوال الحتمي للكيان الصهيوني، ولكن ضمن قراءة المتغيرات علينا الاعتراف انه "لا" أحد يعرف الى ماذا ستنتهي اليه الأمور.

 السؤال الاخر ضمن "متغيرات" الحدث؟ لماذا تتواجد كل هذه البوارج العسكرية والاساطيل الامريكية والفرنسية والبريطانية والألمانية في البحر الأبيض المتوسط والتي أصبحت تشكل زحاما بحريا؟ هل هذه كلها فقط لنجدة القاعدة العسكرية الصهيونية التي تم اقامتها على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة؟ ام ان هناك "توظيف" ل "حدث" طوفان الأقصى" لتنفيذ سيناريوهات "سابقة" موجودة عند الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، كما حدث من "توظيف" لعملية الحادي عشر من سبتمبر لتسريع عملية غزو العراق؟ هذا السؤال مهم يحتاج الى تقييم ودراسة؟

هل ذلك "أحد تفاسير" عن أسباب عدم خروج المنظمة الأمنية الاستخباراتية التابعة للجمهورية الإسلامية في لبنان عن مسألة " قواعد الاشتباك" لمستويات جديدة مختلفة ومتطورة من القواعد الاشتباكية السابقة؟

هل هناك غياب "ضمان" موجود عند قيادات هذه المنظمة اللبنانية؟ و"لا" يوجد عندها ك "قيادة "تأكيد" على " الدخول" "الكامل" "عسكريا وماليا واستخباراتيا" للجمهورية الإسلامية ب "جيشها" ومنظمة حراس الثورة الإسلامية فيها في المعركة العسكرية الاقليمية، لذلك يتم الاكتفاء في المواجهة ضمن "قواعد الاشتباك" القديمة، حيث يفرض "الواقع" هكذا قواعد وهكذا "نمط" من العمل العسكري؟

ما هي الإجابة على هكذا أسئلة؟ "لا" اعرف؟

 وبكل الأحوال علينا القول: ان رغم كل الكلام التحليلي وطرح الأسئلة الا ان هناك عمل عسكري متواصل ومستمر وجبهة مفتوحة على مدار اليوم على حدود لبنان وهناك شهداء "لبنانيين" مضحيين من اجل فلسطين وصل عددهم لأكثر من ستين شهيد وأيضا هذه العمليات العسكرية القتالية بدأت "مباشرة" منذ الثامن من أكتوبر في ظل غياب كامل لباقي الجبهات العربية.

وهذه الجبهة العربية اللبنانية تقدم الدم والشهداء وتمارس عمل عسكري مباشر، واما مناضلين الفضائيات او جنرالات المقاهي والمتكلمين الفارغين في وسائل التواصل الاجتماعي فهؤلاء كلهم "سقط متاع بشري" ليس لهم قيمة و"لا" وزن و"لا" أهمية عند من يقدم الدم ومن يستشهد على خط القضية العربية والإسلامية في لبنان وفلسطين.

 ان من العار والخزي ان نشاهد ستين ألف عسكري فلسطيني مدربين مسلحين يعيشون في قطاع غزة لا يفعلون شيئا الا الاكل وتربية الكروش وأبناء شعبهم في قطاع غزة يتم ذبحهم يوميا، ومن العار أيضا على أكثر من مليونين ومائتين ألف فلسطيني يحملون الجنسية الصهيونية "لا" يتحركون في تحرير بلدهم؟ و"لا" اعرف اين موقع "كل" هؤلاء من المعركة؟ هم معنا ام هم ضدنا؟

ان الاحداث مستمرة وستتواصل، بين "الثابت" في "الزوال الحتمي" وبين "متغيرات" اللحظات الزمنية، ونحن نعيش في واقع عربي مأساوي ولكن من الواضح ان علينا ك "شعب عربي" على كامل جغرافيتنا القومية ان نعرف ان كل الطرق لصناعة الاستقلال "الحقيقي" والنهضة التنموية لأعادة الحالة الحضارية لواقعنا، ان كل الطرق لهكذا اهداف هي في "صناعة الوحدة العربية" ضمن نظرية علمية لتحقيقها، وفي إيجاد ثقافة ثنائية تعيش القومية الوحدوية الانقلابية العلمية ك "خصوصية جغرافية" خاصة فينا ك "عرب" وفي الدين الإسلامي ك "قاعدة" انطلاق معرفي.

وهذه هي أحد اهم المتغيرات المطلوبة على خط الوصول للثابت الحتمي في زوال الكيان الصهيوني من أراضينا العربية وطرد الغزاة الأجانب منها، وهذه المسألة أطلقتها أيضا عملية طوفان الأقصى فما بعدها ليس كما قبلها.

***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

اختلفت مواقف الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني أقليمياً ودولياً وحتى محلياً، فالدول المطبعة صارت في موقف لا تحسد عليه أمام شعوبها وشعوب المنطقة والعالم بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص، لما يجمع بين هذه الدول المطبعة وبين الشعب الفلسطيني من مشتركات باتت مستنزفة ومقتولة ومهدورة ومضيعة، وهناك اعتبارات كثيرة تجمعهم أبرزها عامل الجورة والعروبة والإسلام. وهذا مرده إلى عدم الإيمان بالقضية الفلسطينية كقضية أمة عربية وقضية أمة الإسلام . وكان يُنظر لها أي القضية الفلسطينية كقضية شأن داخلي، وأنها قضية بلد، ولم ينظر له على أنه وطن له حدود جغرافية محاصرة بأسيجة الفصل العنصري، واسيجة المقاطعة العربية والحصار!

كانت هناك مؤشرات كثيرة توحي بطوفان كبير يواجه تخبط وغطرسة الكيان الصهيوني، لما تمادا به من إجرام بحق الفلسطينيين في كل مكان.

فطوفان الأقصى يعد حركة نضال مستمر منذ احتلال الأراضي الفلسطينية، وقد تمثل بهذه الذروة وبكافة هذه الاستعدادات، لأنه يمثل تاريخ نضال ونصر وصبر وتضحيات .

فتاريخ التطبيع يمثل تاريخ مسار ذل، وركون، واستسلام، قد تحداه طوفان الأقصى، واحرج جميع من عمل عليه .

في البداية يجب أن نعرف ما هي مسارات التطبيع ؟ وهل يمكن اقتصارها على المسار السياسي فقط أو المسار الاجتماعي أو حتى المسار الديني والعقائدي والاقتصادي وغيره؟ وهل هناك ممكنات العيش والتعايش مع اليهود على أسس اجتماعية في الداخل الفلسطيني كما تصورته كثير من الفلسفات الاجتماعية في هذا المسار؟

نرى أن كل المسارات تلتقي في فكرة التطبيع وتطبيقها، لأن كل هذه المجالات يحتاجها المطبع والمتطبع،حتى يثبت في النهاية صواب قراره في التطبيع.

ولكن هل أدرك المطبع خطورة التطبيع وإندماج هذه المسارات على مصير بلدانهم ومجتمعاتهم وعقائدهم؟ هل أدرك المطبع مع الكيان الصهيوني خطورة تطبيعه على الأمة العربية والإسلامية ؟

هذه أسئلة يجب أن تطرح على كافة الأطراف المعينة والمحرجة أمام القضية الفلسطينية .

نرى أن التطبيع بدأ من داخل فلسطين، وقد بدأته التيارات السياسية والمنظمات المدنية في الداخل الفلسطيني، وأعني بذلك حركة فتح مثالاً والمنظمات المدنية المرتبطة بها وبعضها مدعوم من الكيان الصهيوني والمنظمات الدولية.

وقد ساعد ذلك على اندماج كثير من الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي على مستوى العمل والمصالح الحياتية الأخرى.

أما على مستوى الدول العربية والإسلامية في الجوار الفلسطيني، وأولها مصر والأردن، وعلى المستوى الإقليمي دولة الامارات، والبحرين، والسودان، والمغرب . وكانت دول أخرى تمهد لذلك، وأبرزها السعودية، ودول أخرى كانت سابقه لذلك، مثل : تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأندوسيا .

كان قرار التطبيع من قبل هذه الدول يفتقر إلى أدنى مقومات الوعي بما سيؤول إليه مصير التطبيع، ومخاطره على الأمتين العربية والإسلامية. فالمنطقة أمام عيونهم تشهد صراع عنيف وتجاذباته كبيرة، كانت لا تحتمل أي خطوة من هذا القبيل؛ لأنها لا تراعي به خصوصيات قضايا الأمة وموقفها التأريخي من قضية الأقصى، واحتلال الأراضي وقتل الأبرياء.

بعد طوفان الأقصى، وإدارة الحرب بمهارة، وقوة، ومواصلة، تمكنت بها المقاومة من ردع الكيان الصهيوني ومفاجئته بمستوى الهجوم والرد وإلحاق الأضرار يه . بدأ العدو الصهيوني يعيد حساباته في مسار التطبيع مع بعض الدول العربية . والحقيقة أن ليس العدو هو من يعيد حساباته بل الواقع الجديد للمقاومة هو من فرض عليه وعلى غيره التفكير بمراجعة حقيقية لهذه العلاقة المغلوطة.

هل غيرت عملية طوفان الأقصى من مسار التطبيع ؟ نقول نعم ولأسباب كثيرة منها .

أولاً: ما يخص الدول العربية والإسلامية المطبعة .

1- الاحراج الكبير الذي تتعرض له الدول المطبعة أمام حجم الجرائم الإسرائيلية وموقف الانسان المسلم الفلسطيني في فلسطين وغزة.

2- الشك والتشكيك بسلامة موقف الدول العربية المطبعة من ما يتعرض له الصهاينة من ضربات على يد المقاومة.

3- الموقف الدوني الذي تشعره به هذه الدول من عجزها تقديم أي مبادرة إنسانية ملموسة إلى الفلسطينية في غزة ومساعدتهم.

4- الموقف المخزي الذي تعرضت له هذه الدول أمام محور المقاومة المشرفة بالتضحية والبذل والدعم والبطولة.

5- الدول المطبعة تشعر نفسها محاصرة من قبل أمريكا والكيان الصهيوني لأنها تطالبها بموقف صريح أتجاه الهجوم الفلسطيني وحركة حماس.

6- بانت على الدول المطبعة معالم الذل والخنوع والتفريط بقضايا الأمة بشكل صريح.

7- الأوقاف الشرعية في هذه الدولة تعرضت كذلك لموقف لا تحسد عليه وهي لا تتمكن من اعلان موقفها الشرعي من ذلك.

8- وكذلك الحال فيما يخص المنظمات الإنسانية والمدنية التي تدعي الالتزام الدولية لحقوق الإنسان والتي انتهكت من قبل أمريكا والصهيونية والدول الأخرى الداعمة لذلك.

أما في ما يخص الكيان الصهيوني:

فقد أعلن ذلك صراحة وعلى لسان ليئوور بن دور المتحدث باسم حكومة الكيان الصهيوني،يقول: سنراجع جميع أتفاقيات التطبيع مع الدول المطبعة وسنجمد كل ملفات تطبيع جديدة في الوقت الحالي.

وعلى ذلك فعلى جميع الشعوب العربية والإسلامية التي رضت من حكوماتها التطبيع أن تنتفض بوجها وتعيد كرامتها التي سلبتها حكوماتها فأخزتها أما كل قيم ومبادئ العروبة والإسلام وحسن الجوار.

***

د. رائد عبيس

ماذا لدينا بعد سبعة وعشرين يوما منذ انتصار المقاومة الفلسطينية الساحق في عملية طوفان الأقصى، كيف نقرأ الحدث؟ ماذا جرى؟ وما هي قراءتنا للمشهد؟ وسنحاول هنا الحياد العلمي مع تصويبنا المضاد للصهاينة لأنهم اعدائنا ومن يقول غير ذلك فهو "خائن" بكل وضوح وصراحة ونقطة على السطر، وهذا الامر "لا" نقاش و"لا" جدال فيه، فالخيانة ليست "وجهة نظر" وليست رأي" وليست فكر، بل هي حالة شريرة شيطانية تخدم الأجانب والغزاة.

فماذا هناك بعد اليوم السابع والعشرين؟

تزايدت القناعات ان الكيان الصهيوني هو من يدير الولايات المتحدة الامريكية، وهذا أصبح أكثر وضوحا مع الاحداث الحالية بعد انتصار طوفان الأقصى، ولعل الولايات المتحدة الامريكية "الإمبراطورية" و"الدولة" "لا" تملك مع الصهاينة الا التمنيات او محاولات الكلام او طلب التفكير حالها حال دول اوروبا ؟! وصاحب القرار الحقيقي هنا هم اللوبي الصهيوني في تلك البلدان والقرار في الامر والنهي يقال في مدينة تل الربيع الفلسطينية المحتلة والتي يطلق عليها الغزاة الأجانب اسم "تل ابيب" ؟!

وهذه القناعة تأتي أيضا لما نشاهده من تناقض مصلحي امريكي أوروبي مع الصهاينة حيث انهم "لا" يريدون اشعال حرب إقليمية أخرى في العالم وخاصة مع صراعهم العسكري ضد الجمهورية الاتحادية الروسية على ارض أوكرانيا، حيث يعاني الامريكان والأوربيين اقتصاديا مع هذه الحرب والتي تعتبر احد اكبر الحروب داخل القارة منذ الحرب العالمية الثانية وما يجرى فيها ليس سهلا عليهم ، حيث انكشاف سوء وقلة ترسانتهم العسكرية مع الانهيارات الاقتصادية والضرر المعيشي ضد مواطنيهم، ورغم كل ذلك فأن الكيان الصهيوني قد ضرب في عرض الحائط كل تمنيات أمريكا وأوروبا للتهدئة او الـتأجيل، لذلك قلنا ان القرار الأساسي في يد الصهاينة.

علينا ان نعرف كذلك ان "الصهاينة" "لا" يختلفون عن بعضهم البعض بما يختص في مسألة غزو البلاد العربية انطلاقا من ارض فلسطين الا في المسألة الزمنية حيث جزء منهم يقول في طول النفس واخذ الامتداد المطلوب للغزو الصهيوني من النيل الى الفرات ضمن خطط وترتيبات طويلة الزمن لهذا نجد مشاريع الانفصالية السودانية والكردية مدعومة منهم وأيضا مشاريع التعطيش للعرب المشرقيين من خلال مشروع السدود في شرق الاناضول المقامة في تركيا "الحليفة لهم" وسدود النهضة في اثيوبيا لضمان اذلال الإقليم الجنوبي المصري عند الحاجة حيث يتم تحريك الاذلال التعطيشي بواسطتهم، وكذلك خلق مواقع جغرافية عربية بلا هوية و"لا" شخصية ذات ميوعة فكرية وسقوط أخلاقي وأمور أخرى.

في الجانب الاخر هناك صهاينة "لا" يريدون الانتظار الزمني هذا ويريدون حرق المراحل الزمنية للغزو والسيطرة، ولكن في المحصلة النهائية هؤلاء جميعا هم غزاة وأجانب يريدون القضاء علينا نحن "العرب" وهم اعدائنا، لذلك ان نقاومهم ونحاربهم وان نسعى للقضاء عليهم هو مسألة حياة او موت بالنسبة لنا ك "عرب" لأنهم غزاة وأجانب، ومن يعتقد انه في مأمن من غزوهم فهو واهم لأن السيف القاتل والذبح ستأتي على رقبته بعد ان ينتهي الصهاينة من الاخرين، فهؤلاء لا ينظرون الينا ك "كويتيين او سوريين او لبنانيين او يمنيين او سودانيين او تونسيين او جزائريين او مغاربة...الخ " هؤلاء ينظرون الينا ك "عرب" وفقط مسيحيين كنا او مسلمين.

لذلك حربنا معهم "وجودية" وليست "حدودية"، وعلينا ان نفهم ونعي ذلك، وان نتحرك عسكريا وامنيا وثقافيا واقتصاديا واعلاميا على أساس هذا الواقع، وان "لا" نتحرك في "سذاجة" و"حمق" ضمن خططهم التأمرية وان "لا" نستهلك دعاياتهم وان "لا" نصدق اكاذيبهم وان "لا" ان نبلع إعادة خطاباتهم الدعائية على السنة "بعض" العرب المتصهينين في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وقنوات التلفزيون الفضائي والصحف، لأن هؤلاء المتصهينين  باعوا عروبتهم ودينهم وارضهم للغزاة الأجانب.

ماذا هناك أيضا ضمن تطورات ما حدث في معركة طوفان الأقصى؟ والتي هي في كل الأحوال انتصار مهم جدا رغم الخسارة البشرية والألم الإنساني البشع الذي حصل ويحصل كل يوم يمر، لكن في حقيقة الامر ان ما حدث قد دمر "اسطورة" "الكيان الصهيوني" المزعومة من انها المتفوقة في كل شيء وخاصة الجيش والاستخبارات والامن والمتابعة السرية الدقيقة لكل تفاصيل الحياة والسيطرة الشاملة، فكل هذه الأسطورة من الهواء الساخن التي تم خلقها منذ تأسيس هذه القاعدة العسكرية على ارض دولة فلسطين المحتلة، ان هذه الأسطورة قد تم تحطيمها بواسطة منظمة سياسية عسكرية بسيطة من خلال الإرادة والشجاعة والتصميم وأيضا تم تغيير "الذهنية الفلسطينية" في التعامل مع العدو الصهيوني، وبالتالي ان هذه الأسطورة الوهمية للقوة قد تم تحطيمها وهذه الأسطورة من المستحيل ان يتم إعادة بنائها من جديد، ومعه اصبح هناك قناعة عربية من ان التحرير هو طريق من يعمل عليه ضمن الخطة والهدف والصبر والحركة ضمن مواقع القوة الموجودة.

ان هذا الامر لم يضرب القاعدة العسكرية للأجانب على ارض دولة فلسطين فقط بل امتد هذا التحطيم لتلك الأسطورة لباقي الدول الغربية و"شلة" دول الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، وكل ما نشاهده ونراقبه من ردات فعل عسكرية دموية وتصريحات صهيونية وغربية كلها تتحرك في مسألة إعادة السيطرة على الموقف ومحاولة ترقيع تدمير وتحطيم تلك الأسطورة، ولا شك ان العامل الاخر ان الحركة الصهيونية هي مسيطرة على شلة دول الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وبخاصة الولايات المتحدة الامريكية لذلك نجد ان تحركات تلك "المافيا" من الدول ليس لها علاقة اطلاقا بأي قانون دولي او بأي إنسانية او بأي فطرة بشرية سليمة وكل ما يقومون به بعد "انتصار عملية طوفان الأقصى" هو شيطاني بامتياز وشرير في الدرجة الاولي وخزي وعار تاريخي سيلاحقهم، ومواقفهم كشفت زيف ادعاءاتهم، وأيضا انهم يعيشون عقلية عنصرية نازية تريد استعباد الاخرين كما كان هتلر يعيش تلك العقلية.

في لحظة الانتصار لعملية طوفان الأقصى هناك تبعات مستمرة فضائحية يعيشها الكيان الصهيوني في أكثر من مجال ومنه الميدان العسكري حيث شاهدنا جميعا اخبار هزائم دباباته في كمائن المقاومة الفلسطينية وهروب الاطقم البشرية المشغلة وفرار الجنود.

والواقع الجديد يعطينا كذلك دلائل ان المقاومة الفلسطينية ليس لديها شيء لتخسره وان لديها قرار وقناعة بذلك وخاصة ان بلدهم محتل ومستباح من الأجانب الغزاة الصهاينة، حيث ان ربحوا فهم منتصرين وان خسروا عسكريا فأنهم لن يخسروا شيئا لأنهم أساسا قبل عملية طوفان الأقصى هم مستباحين وتحت الاذلال والاحتلال والموت المتواصل.

داخل الكيان الصهيوني أتصور ان هناك حالة انهيار نفسي وعقلي وهذيان جاء ايضا لتدمير تلك "الأسطورة" وان الغزاة هناك وصلوا لقناعة انها النهاية لما يعتبره الصهاينة "مجدا" لهم في كل الحروب السابقة، وهذا الانهيار أيضا جاء في ظل وجود اجندات شخصية للمجرم العنصري نتنياهو لكي يتجنب المحاكمة والسجن وهذه المسألة في ظل اجماع كل المراقبين وهناك اتفاق شامل تأكيدي عليها، وأيضا هناك ترقب وتأهب لتنظيف البيت الصهيوني الداخلي وهذا الامر سيفجر التناقضات الداخلية بين الغزاة الأجانب بينهم وبين البعض الاخر وهذا ما حرص رئيس المنظمة العسكرية الأمنية الاستخباراتية التابعة للجمهورية الاسلامية داخل لبنان السيد حسن نصر الله على إدخاله ونشره في أجزاء من خطابه الأول بعد عملية طوفان الأقصى، رغبة منه لزيادة التناقضات بينهم، وهذه المسألة أيضا لها تبعات وتأثيرات على الكيان الصهيوني القاعدة العسكرية التي أقامها الأجانب على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة، وهناك ترقب لمتابعة ماذا سيحدث من صراعات؟ حيث ان حالة التخبط بينهم مفيدة لنا نحن العرب من باب "فخار يكسر بعضه".

في الجانب المقابل واضح ان هناك قراءة وواقعية منطقية ان عملية طوفان الأقصى ستعمل تغييرات جوهرية انقلابية في النظام الرسمي العربي "المتخاذل" و"الفاشل" والذي لم يقدم شيئا ، وخاصة مع العالم المتعدد الأقطاب "القادم" للتأثير على الملعب العربي بأكمله، وعلينا ان نشاهد المشهد في زاوية مهمة تتعلق في ارسال الولايات المتحدة الامريكية لأساطيلها البحرية للمنطقة والتي تبعتها في ذلك جمهورية الصين الشعبية في ارسال اسطولها البحري في إشارة واضحة ان الملعب الدولي لم يعد أمريكيا "فقط" وهذا الامر يمتد الى جمهورية روسيا الاتحادية والتي لديها ليس فقط ترسانة نووية هي على اتم الاستعداد والجهوزية لاستخدامها، بل أيضا ترسانتها العسكرية الأخرى هي أيضا متطورة ومتقدمة.

يقول الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين: "الأهم اليوم هو تشكيل قطب إسلامي عالمي متمحور حول ذاته، لقد اختار الغرب الجماعي إسرائيل وتخلى عن فلسطين، فيجب أن يتحد المسلمون ضد هذا القرار الجيو سياسي، وهم كذلك، روسيا أيضاً ستبقى قوية مع فلسطين، إنه المنعطف الحاسم للتوازن الدولي، روسيا قطب، ويتعين على الدول الإسلامية الآن أن تشكل قطبا آخر، والعدو المشترك هو خير مساعد، دعونا نجتمع معًا لإنهاء العولمة وإنشاء عالم متعدد الأقطاب حقيقي وقوي."

" إن روسيا تقف إلى جانب عالم متعدد الأقطاب وضد الهيمنة الأمريكية، إن الإسلام هو أهم قطب في عالم متعدد الأقطاب، وقد دخل الآن في مواجهة مباشرة مع الغرب والولايات المتحدة اللتين انحازتا بالكامل إلى إسرائيل وإرادتها الوحشية في الانتقام من الفلسطينيين بأي ثمن والقضاء على جميع سكان قطاع غزة من على وجه الأرض، وقد حددت روسيا موقفها بوضوح: ففي حين تدين روسيا الهجمات الإرهابية الوحشية التي تشنها حماس، فإنها تعارض بشكل قاطع الأعمال الإرهابية غير المتناسبة التي تقوم بها إسرائيل، إن مصير ملايين الفلسطينيين على المحك، ولا تستطيع موسكو أن تنظر بهدوء إلى ما ستفعله إسرائيل بالفلسطينيين بدعم كامل من الولايات المتحدة، يجب إطلاق سراح الرهائن، وإلغاء العملية البرية، وإنقاذ حياة الناس على الفور."

وطبعا لا نتفق مع كل ما قاله ألكسندر دوغين ولكن ما يهمنا في هذا الكلام هي الرغبة الروسية التي تتوافق مع مصالحنا القومية العربية حيث نفهم من كلام "دوغين" ان جمهورية روسيا الاتحادية هي ساعية الى إعادة تشكيل الحالة الإسلامية الدولية ك أحد الاقطاب العالية الجديدة؟ ولكن اين المسلمين من كل هذه التغيرات الدولية وقبلها اين هم العرب؟ ماذا عن الجانب السوري البعثي؟ وجانب الجمهورية الإسلامية؟ والحركات المقاومة للصهاينة في المنطقة؟

"علميا" الى الان لا يوجد "تحرك مهم" حيث في لبنان تجرى الأمور ضمن ما يتعارف عليه في "قواعد الاشتباك" والتي بها كلام كثير وتفاصيل متعارضة إذا صح التعبير فهناك من يقول ان مسألة قواعد الاشتباك هي "تغطية لمواقف" وهي ترتيبات واتفاقات استخباراتية سرية بين الأطراف المتنازعة لمنع تغيير مسار الحدث والحفاظ على "حالة الستاتيكو" أي بقاء الحال على ما هو عليه، أي كما ذكرنا هي "تغطية لمواقف" "لا" تغير مسار الحدث، وأنها ضمن "المزايدات" التي لا تغير شيء في الواقع، حيث من الواضح ان الجمهورية الإسلامية تتنصل من "حدث" طوفان الأقصى، وتكرر ارسال الخطابات الإعلامية بهذا الخصوص على لسان مرشد الثورة الإسلامية السيد على الخامنئي، وايضا كما صرح بذلك "الموظف" تحت يافطة رئيس نظام الجمهورية "السيد إبراهيم رئيسي" وكذلك هذا ما قاله ممثل الجمهورية الإسلامية في الأمم المتحدة، وانتهاء في رئيس المنظمة الأمنية العسكرية الاستخباراتية التابعة لهم في لبنان السيد حسن نصر الله حيث أعاد التأكيد على تلك المسألة في بدايات خطابه الإعلامي الأول لما بعد انتصار عملية طوفان الأقصى.

واضح ايضا ان الجمهورية الإسلامية كما هم الامريكان والأوربيين "لا" يريدون حرب إقليمية، او على الأقل لا تريد "الجمهورية الإسلامية" ان تنتقل الحرب الإقليمية ضمن جغرافيتها الوطنية، وهي ماضية في عقلية تثبيت حالة الستاتيكو خارج أراضيها ضمن قواعد للاشتباك متفق عليها بين الاطراف والجمهورية الإسلامية أيضا من الواضح انها لا زالت تحاول فرض نفسها "قوميا" ولا أقول "إسلاميا" ك "شرطي للمنطقة" صاحب النفوذ والسيطرة، وهي تسعى للحصول على موافقة الغرب بهذه المسألة ؟! وهذه حالة من الوهم وفقاعات الامنيات الفارغة التي عاشتها الجمهورية الإسلامية منذ أكثر من عشرة سنوات والتي "لا" تريد ان تقتنع انها سياسة فاشلة واحلام، وخاصة انها تتحرك ضمن جغرافيا ليست ضمن مجالها الحيوي الطبيعي التاريخي ناهيك انها تستفز الجميع في تلك الحركة لأنها تنطلق ضمن حالة قومية استعلائية إيرانية تتحرك في مناطق "فشل الدولة العربية" وغيابها، ضمن رافعات طائفية تقدم نماذج سيئة، وهذا أيضا امر كررناه في أكثر من موقع اعلامي وتناولته في كتبي المنشورة وأحاديثي.

ولكن في الجانب الاخر هناك من يقول امر مختلفا وهو ان ما يتم تسميته ب " قواعد الاشتباك" هي امر تم فرضه لأنها هي "منتوج قوة" و"امر واقع" ضد الأعداء وخاصة ضد الكيان الصهيوني، وليس لأحد ان يزايد على تلك المسألة خاصة ان "الطفولية السياسية" والحالة الكلامية الاستعراضية والمزايدات لم تفيد العرب "سابقا" أيام المد القومي الناصري في أي شيء، وهذه القواعد المفروضة للاشتباك هي من حققت "هزيمة" الصهاينة وطردتهم من الجنوب اللبناني فالعكس هو الصحيح وان المزايدات هي في الجهة المقابلة التي تنظر لهذه القواعد في شكل سلبي، فطول النفس الزمني مع تلك القواعد الاشتباكية اذا صح التعبير أيضا هو شي مطلوب بعيدا عن الاستعراضات الخطابية.

أيضا ضمن نفس السياق هناك من يقول ان الحالة الوطنية الخاصة في الأرض الإيرانية هي الحاكمة وهي الأهم عندهم، فمن الأشياء التي تم نقلها عن أحد اقطاب الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض إيران عند سؤاله المباشر لماذا "لا" تقصفون القواعد العسكرية الامريكية بأنفسكم؟ ولماذا "لا "تردون على هجمات الصهاينة ضدكم في افتعال الحرائق والاغتيالات والتفجيرات والهجومات السيبرانية ضد المصانع والمفاعلات النووية .... الخ.

جاوب بالتالي: "بأنه لو قصفنا قاعدة أمريكية في صاروخ واحد فأن الولايات المتحدة ستتخذها ذريعة لأنهائنا، ولسنا مجانين للدخول في هكذا مغامرات تضعنا في مصير مجهول والحالة الوطنية الايرانية هي الأهم وما هو مهم".

من هذا الكلام تعود مسألة "قواعد الاشتباك" للظهور من جديد ويعاد السؤال حولها مجددا من ناحية مختلفة إذا كانت امر فرضته المقاومة او هو ترتيب غير معلن او اتفاق رتبه طرف ثالث لضمان عدم تغيير الواقع الحالي"؟ اذن من ذلك ينطلق السؤال التاريخي؟ فهل كان قصف قاعدة عين الأسد ردا على قتل الضابط التابع لمنظمة حراس الجمهورية الإسلامية "سليماني" هو ضمن اتفاق استخباراتي مباشر بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة او عن طريق طرف ثالث لأنهاء المسألة ضمن "قاعدة اشتباك" كما حدثت آنذاك؟ او ان الرد هذا كان امر حقيقي؟ هل هذه المسائل ممتدة في الواقع الحالي وخاصة كما ذكرنا ان الجمهورية الإسلامية "لا" تريد أكثر مما هو موجود وهو "حالة الستاتيكو"؟

الإجابة "لا" اعرف.

يبقي موقف الجهورية العربية السورية؟ ما هو؟ وكيف نقرأه ضمن حيادية تحليلية وقراءة علمية؟

علينا ان نقول ونثبت مسألة تاريخية أساسية، ان كل ما نراه من واقع مقاوم عسكري ممتد في لبنان وغزة وباقي فلسطين هي أفكار "قديمة" وقناعات "سابقة" زمنيا" و"قارئة للمستقبل" عاشتها الدولة السورية وبدأت العمل عليها في الثمانينات والتسعينات ممثلة في رئيسها آنذاك المرحوم حافظ الأسد ومن هم مؤدلجين قوميا في العقيدة الثقافية لحزب البعث الحاكم، وضمن عقلية وتخطيط طويل المدى عسكريا وامنيا وأيضا تحضير زمني طويل، فهذه الانفاق وشبكاتها ومعداتها ومهندسيها وأيضا الأسلحة والصواريخ ومنظومات الامن والاتصال والتدريب ...الخ أساسا من بدأها وقام بها هو "الجيش "العربي" السوري" في لبنان ضمن اتفاق مع الجمهورية الإسلامية وما تم نقله في فلسطين في العموم وفي منطقة غزة في الخصوص هذا كله ضمن الخطة الدولة السورية القومية العربية البعثية، فأساس المسألة "عربي" و"وقومي" و"مؤدلج" وضمن قناعات ايمانية تريد الحرية والاستقلال لكل العرب منطلقة من سوريا ك "قلعة العروبة الصامدة" وهذه المسألة ليست نشيدا او عبارات عاطفية او اثارات حماسية بل هي "واقع" متحرك على ارض الواقع ومسألة تراكمية طويلة الزمن لها ابعاد من هنا وهناك ك "نقطة الحبر" الممتدة والمتسعة في الماء الصافي والتي نحصد نتائجها اليوم على ارض الواقع الفلسطيني، ولولا استقبال الدولة السورية لتنظيم حماس على أراضيها لما اتسع نطاق عملها ولما تم نقل مسائل صناعة وتطوير الانفاق اليها، ولولا الودائع المالية المليونية التي قدمتها الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض ايران لمنظمة حماس، لما صار لها كل هذه المحافظ المالية الاستثمارية في أوروبا وباقي العالم ولما كان لها كل هذه الشبكات الإعلامية والإدارية والاستخباراتية والتمويل الذاتي المتواصل...الخ ناهيك على انها جزء من تنظيم دولي لجماعة الاخوان المسلمين والذي أيضا له تحالفاته وعلاقاته...الخ.

ما نريد ان نقوله من هذا الكلام: ان الفكرة تنطلق من لحظة زمنية وتتراكم الإنجازات والتطورات لكي نصل الى "لحظة زمنية" "جديدة" تصنع "تغيير" و"انقلاب" في المشهد العسكري ومعها يتم خلق واقع جديد فيه انتصار للعرب في صراعهم ضد الغزاة الأجانب، وهذه المسألة ضمن "ذهنية جديدة" وعقلية تعيش الخطة ذات الهدف الملموس على الأرض، ومن هنا جاء واتى نجاح وانتصار "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر تشرين.

ولكن ما اريد ان أضيفه ك تعليق على هذا الامر:

صحيح ان هكذا خطة قد نجحت في مراحلها الزمنية القديمة والممتدة الى "لحظتنا الزمنية الحالية" ولكن أتصور انها حاليا قد استنفذت نجاحاتها وأدت غرضها ولا يوجد لديها نجاح "قادم" يستحق ان يتم الاستمرار فيها على المستوى التطبيق العملي في "لحظتنا الزمنية هذه" حيث استنفذت ايجابياتها وتم تطوير منظمة عسكرية امنية استخباراتية داخل لبنان، ومنظمة عسكرية مشابهة داخل قطاع غزة، انتهت الى تحقيق انتصار طوفان الأقصى، وهي تاج نجاحات التخطيط البعثي السوري خارج جغرافيتها الوطنية.

وهي مسألة "اعجازية" انطلقت ضمن واقع ضاغط وحصار محكم وتأمر مستمر متواصل ضد الجمهورية العربية السورية والتي تم اغلاق منافذ الحرب العسكرية المباشرة الذي تستطيع ممارسته ضد الصهاينة بعد الغدر الساداتي عليها في حرب أكتوبر 1973 وبعد طعنها بواسطة اسقاط مشروع الوحدة العراقية السورية مرورا بفقدانها الاقليم الجنوبي المصري بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد، فاضطرت "سوريا" آنذاك الى نقل موقع صراعها العسكري الى لبنان حيث كان مضرب الحجر العسكري والأمني والاستخباراتي ضد الصهاينة وباقي الاجانب، ومع هكذا انتقال للصراع منها فهي حمت ترابها الوطني وجغرافيتها الوطنية من التدمير وفي نفس الوقت حاولت فرض سلام يعيد لها الجولان المحتل، الى ان عملت الدولة السورية "خطأها الاكبر" في الانسحاب العسكري من لبنان في العام 2005، فنجح بعدها حلف الناتو والصهاينة في نقل "الصراع العسكري للداخل الجغرافي السوري الوطني، مع تحريك اليات الثورات الناعمة...الخ وهذه المسألة حذرنا منها قبل حدوث ما يسمى "ربيع عربي" ويمكن مراجعة كتابي "ما وراء الستار" لمزيد من التفاصيل والتوثيق.

ولكن في اللحظة الراهنة أتصور ان على قيادة الجمهورية العربية السورية ومراكز تفكيرها وأجهزتها الأمنية والعسكرية وحزب البعث الحاكم ان يعيدوا النظر في خطة الدولة السورية "القديمة" والانطلاق في "خطة جديدة" لها هدف تحرير التراب الوطني السوري من الأجانب الامريكان والصهاينة والالمان والانجليز والفرنسيين والاتراك، وإعادة صناعة التوازن الاستراتيجي العسكري والأمني وأيضا إعادة صناعة منظومة ثقافية انقلابية قومية جديدة لها علاقة بما هو مستجد ومستحدث من عالم متعدد الأقطاب قادم للسيطرة والانقلاب على كل مسارات ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ان لسوريا قدر وهو ان تكون قومية عربية، وهي القلعة الصامدة والتي أطلقت خطة طويلة الأمد كلنا شاهدنا انتصاراتها في تحرير جزء كبير من جنوب لبنان ما عدا مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وقرية الغجر، وأيضا انتصار "طوفان الأقصى".

ماذا بعد؟ لا نعرف الإجابة فهذه المسألة سيجاوب عليها الزمن القادم لما بعد 27  يوم من انتصار طوفان الأقصى.

***

د. عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

لم يعد (فاقد الشيء لا يعطيه) كما جرت العادة بل صار مُدمّرا له.

الدولة حسب مفهومها الفلسفي هي سيادة قرار وإرادة تنفيذ، ولا شأن لنا في هذا المقال بمكوناتها الميكانيكية لأننا لا نستطيع بناء موقف من جمادها إذا لم تجد من يحركّها، فإذا لم تكن تملك السيادة المقصودة في فلسفة الدولة فأنت محتل أصلا، لأنك تعيش حالة من العجز لتسيير إدارة الدولة سياسيا واجتماعيا، وهو موقف أقبح من الاحتلال نفسه، على الأقل المُحتل يملك سلطة وقوة تنفيذ ولو على حساب مواطنين ليسوا من جنسه ولا هم من عقيدته على أرض ليست أرضه.. فالمحتل قد يغريك بحاجات يومية مُلحة كي لا تثور ضده، بينما إذا تسلّط عليك ابن جلدتك فإنه يقهرك بما تُدين، ويعزلك بما علّمك، ويحرمك مما تكسب، يحتكر الوطن ويسلب قوميتك ودينك فيتحدث بمفرداتهمم ويوظف مصطلحاتهم ليصفك بما يشاء، فإن ثرت عليه قمعك بقوة السلاح بدافع ما تشعر به من وطنية كمبرر، يعني يقتلك دفاعا عن وطن من المفروض مشترك بينكما وربما تُحبه أكثر منه، لكن المحتل يعرف بأنه معتد وأنه تمكن من السطو عليك وعلى وطنك وممتلكاته، فإذا نعتك المحتل بأنك إرهابي مثلا فلا غرابة في ذلك، لكن أن ينعتك ابن جلدك بما لا تحب وبما يروق لأعداء وطنك هذه هي عين الغرابة، وهو أيضا تحصيل الحاصل الكامن في تنسيق كثير من الدول العربية و(الإسلامية) مع دول غربية من بينهم إسرائيل حول اعتبار المقاومة الفلسطينية منظمة إرهابية، لأن المحتل الوافد من الخارج مثله مثل الذي ينقلب على نظام شرعي حتى وإن كان يؤمن بما تؤمن به ويدعي مثل ما تدعيه من وطنية وقومية وعقيدة، فكلاهما مخالف للقوانين والأعراف الدولية، ومن العجيب أن يكون الإرهابي في وطنه أكثر فائدة واحتراما ممن يعتبر نفسه نظاما وهو في الحقيقة منبثق من اللّانظام،  وترتب وجوده عن انقلاب أو تزوير انتخابات، والدليل على ذلك أن أمريكا كلما أرادت الإطاحة بنظام سلّطت عليه المعارضة التي تأكدت من أنها منبوذة ومُنقمعة من طرفه وربما حتى شاركته في قمعه، وبالتالي فهي جاهزة ومشحونة بالحقد والرغبة في الانتقام، بمعني محاصر وهو لا يدري.

إذن النظام الواهي الضعيف هو الذي يضع خيوط اللعبة في يد عدوّه ظنا أنه سيتلقى منه حماية كاملة، على أساس أنه يأتمن جانبه في عدم المساس بمصالحه، وهذا ما يسميه الغرب عبثا بالمصالح المشتركة، وبدافع المنفعة اقتنعت كثير من الأنظمة العربية وغير العربية بهذه الشراكة المؤذية، فأي مصالح يصف فيها شريكك شعبك بالتخلف وحينا بالشعوب النامية، وحينا آخر بدول العالم الثالث، ثم يتدنى التوصيف إلى أن يصفه بالأصولي ومرة بالإرهابي، ومرة أخرى بالتشدّد، إلى أن وصل بهم التوصيف بمناسبة اجتياح غزّه بالوحشية والحيوانية؟ أي مصالح وأن توقّع شراكات تجارية من مواد حيوية لشعبك، وموارد بشرية وطاقات خلّاقة بعقود طويلة الأمد ستكبل بها حركة بلدك قرنا أو قرنين أو ما يمكن أن يزيد عن ذلك لأنها عادة ما تكون مفتوحة؟ أي مصالح وأنت توقّع جزافا على استلام الإعانات المالية وكأنك تتوعدهم ببيع الوطن بما فيه من ثروات وحدود وبشر، وتفعل ذلك باسم شعبٍ قد نهبت حقه الانتخابي ثم طلبت حمايتك من أعدائه، وقد يكون هو من أعانك على الإطاحة بأخيك في الدين والوطنية والدم والعرق والسلالة؟

الشعوب طيبة جدّا وأحيانا نراها بليدة، وحينا آخر يدفعها الخوف على أسرِها إلى العمل والصمت، والقلّة القليلة الحامية إرادتُها إرادة في التغيير لا تملك الأدوات الكافية لذلك، والمؤسسات في شكلها الوظيفي تتكتل ضدها، فالخوف من فقدان الوظيفة سلاح في أيدي الظالمين أيضا، والوضع المعيشي قنبلة موقوتة في أيديهم، ولم يعُد هؤلاء من وراء الشعوب المقهورة ولا البحر من أمامهم كما جرت العادة، بل صارت المشانق من ورائهم والدبابات من أمامهم، لأن البحر لم يُعد مخيفا كما كان في السابق، وهذا هو دأب الحياة النفوذ فيها للأشرار دائما وأبدا، وهذا هو أيضا سر فرار الفقراء والمساكين والمغلوب على أمرهم إلى الله، وسر وقوفهم إلى جانب الأنبياء والرسل، لأن الله يرسلهم كلما تفاقم الظلم والطغيان والعبودية واستفحلت الجريمة، لكن ماذا إذا توقف الله عن إرسال الأنبياء والرسل؟ حتى التاريخ يخبرنا بأن المرسلين الذين يتحدثون بلسان الله لم يسلموا من غطرسة هؤلاء الظلمة، فهل نقول قد غُلّقت الأبواب في وجوه الجياع والعرايا والمرضى والعجزة، وهل نجزم بأنها قد تعسرت عليهم الحلول، إلى أين يفرّون والذين يدعون التفوق الحضاري، ويتصدرون العالم تنيا للعدالة والديمقراطية والحرية ملطخة أيديهم بدماء الأبرياء؟

هل هذا القرن سيكون موعدا تتعطش فيه الشعوب إلى بروز فاتح عظيم، كما جرت العادة في قرون سبقت عندما تفشّى الظلم بين الناس؟ هل من فاتح تزغرد الملائكة في أذنه لينهض بهم، ويحقق لهم العدالة والرفاهية والأمن والاستقرار؟ الله استوفى على الناس الحجّة بتثبيت الدين الحق، وقال ارجعوا إليه كلما اشتدت بكم المصائب والكروب لكن لا أحد رجع إليه، والدول التي تتحكم في العالم لا تؤمن به أصلا، لا يهما إلّا اكتناز الأموال والذهب والفضة، والله أوحي إلى نبيّه بألّا نبي بعده، فأين تفر الشعوب إذا استفحل الظلم وانتشرت العبودية بمسميات اقتصادية وسياسية وقومية وعشائرية؟ وقد تكون حتى دينية عندما يُنمِّط الظلمة الدّين ويمنهجونه خادما لمصالحهم وحاميا لهم ولأتباعهم وعملائهم، حتى الكوارث الطبيعية والصحّية لم يعد الظلمة يكترثون بها كعقاب إلهي، بل صاروا يجدون لها تبريرات علمية ويربطونها بالمناخ والجيولوجيا.

بكل هذه المعطيات الواقعية التي تراها الشعوب وتعيشها في يوميتها، كيف تقوم لأنظمتهم قائمة وهم يسيرون على خطا الغرب الذي لا يُرجع النزاعات إلى الله ولا إلى رسله؟ هنا يمكننا القول بأنه لم يعُد (فاقد الشيء لا يعطيه) كما جرت عليه العادة بل صار مدمّرا وماسخا له، وهذا هو وضع الأنظمة العربية لأنها من البدء ظالمة ومجحفة لشعوبها، وتمارس سلطة عليهم ليست من حقهم، فكيف للظالم أن يجابه ظالما مثله وفي عرف الظلمة المؤازرة والتعاون وابتكار أنماط الظلم.

***

عبد الباقي قربوعه - كاتب جزائري

في الفترة من 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري الى 12 كانون الأول/ ديسمبر القادم، ينعقد في دبي المؤتمر الثامن والعشرون لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (COP28)، والذي جرت له الإستعدادات من قبل الأطراف الحريصة على قدم وساق منذ عدة أشهر، ضمن الهدف الجماعي الطموح: تحقيق نتائج طموحة لإبقاء الاحترار العالمي بحدود 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، عبر تخفيض الأنبعاثات المسببة للإحتباس الحراري، وزيادة تمويل العمل المناخي للبلدان النامية، وتنامي الاستثمارات على وجه السرعة في التكيف مع المناخ المتغير والتخفيف من وطأة تغيراته، مع استمرار تزايد الاحتياجات وسط أزمة المناخ المتفاقمة.

وخصص المؤتمر ضمن برنامجه الحافل أياماً لمناقشة ومعالجة أزمة المناخ وتداعياتها الصحية، ضمن الاهتمام  الدولي المطلوب لمعالجة هذا التهديد ذي الأهمية العالمية. ويوم اَخر للشباب، والأطفال، والتعليم، والمهارات. ويوم اثالث ستناقش خلاله المساواة بين الجنسين ضمن قضايا أخرى.

وتؤكد التقارير أن الإستعدادات لـ"كوب 28" في دبي أصبحت جاهزة من قبل غالبية الأطراف، وقد إستعد كل طرف من الأطراف المعنية بإعلان موقفه من المشكلات الساخنة المطروحة على المؤتمر الأممي، والمساهمة في إيجاد الحلول والمعالجات المطلوبة لها.

وتنتظر الدول النامية، والفقيرة بخاصة،على أحر من الجمر، إعادة عرض مشكلاتها الساخنة، بما فيها خسائرها وأضرارها الناجمة عن تفاقم التغيرات المناخية غير المسؤولة عن الغالبية العظمى من أسبابها، موثقة إياها بدراسات  ومصادر علمية، ساعية لتحقيق طموحاتها بالحصول على دعم ومساعدات عاجلة وفاعلة للتخفيف من أعبائها.

بذات الوقت،ستنقل وفود أطراف عديدة تجاربها الناجحة في مجالات المشكلات الساخنة المطروحة على مؤتمر دبي الأممي، الى جانب زج النساء والشبيبة في المشاركة الطوعية الجدية والفاعلة في حماية البيئة ومواردها الطبيعية، وفي مكافحة التغيرات المناخية وتداعياتها، تاركة للدول المعنية خيار الإستفادة منها، مع إعادة التذكير بان النجاح في هذه المجالات الحيوية لن يتحقق بدون توفير الأسس والمحفزات والضمانات الثابتة للشرائح الإجتماعية المذكورة، وفي مقدمتها متطلبات الحياة الحرة الكريمة، الآمنة والمستقرة، المفعمة بالصحة والبيئة السليمة، وبالرفاهية والسعادة. وسيكون من حق هذه الأطراف ان تتفاخر وتتباهي أمام وفود العالم بمنجزاتها الحقيقية والملموسة والمتنامية لصالح صحة وحياة ونمو ورفاهية الأمومة والطفولة والشبيبة، من الجنسين، المبنية على واقع قائم ومعاش، ثابت ومستدام، لا مبالغة أو تزوير فيه..

فما هو موقف الحكومة العراقية من القضايا الهامة المطروحة على المؤتمر الأممي؟

وما الذي أعدته للوفد العراقي الذي سيشارك فيه ؟

بالرجوع للتصريحات الرسمية، فأن "العراق إستعد مبكراً لمؤتمر دبي"، لكن من يدقق يجد في الواقع أنه متأخر جداً، اخذين بنظر الإعتبار ان الأطراف الأخرى أصبحت مستعدة منذ نحو 9 أشهر، وأقلها 6 أشهر، وأعلنت عن أجندتها وبرامج وفودها المحددة، بعد ان تمت دراستها وإقرارها من قبل المختصين المعنيين في بلدانها..

المعلومات الرسمية المنشورة تؤكد ان (اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية) قد "عقدت أول إجتماع لها في 13/7/2023، برئأسة وزير البيئة المهندس نزار ئاميدي، وبحضور وكلاء الوزارات المعنية واعضاء اللجنة كافة، لمناقشة تحضيرات العراق لمؤتمر دبي واعداد الوفد التفاوضي الوطني له".تلكم كانت " اهم المحاور التي تم مناقشتها  بالتزامن مع تنفيذ توجيهات رئيس مجلس الوزراء بضرورة تعزيز العمل المناخي واتخاذ اجراءات فاعلة من قبل القطاعات الحكومية وغير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني كافة " .

وعقدت اللجنة إجتماعها الثاني يوم 26/7/2023 برئاسة وزير البيئة، وبحضور وكلاء الوزارات المعنية، وممثلي برنامج الأمم المتحدة الانمائي (UNDP).وحضر الأجتماع أيضاً رئيس لجنة الصحة والبيئة البرلمانية الدكتور ماجد شنكالي، وسفير جمهورية العراق في الامارات، وممثل عن هيئة حماية وتحسين البيئة في اقليم كوردستان – العراق عبر دائرة تلفزيونية الكترونية.

وناقش الأجتماع مرة أخرى، نصاً: " اهم التطورات بشأن التحضيرات للمؤتمر، وتشكيلة الوفد الوطني التفاوضي له، بالإضافة الى الاستماع الى العرض المقدم من قبل (برنامج الأمم المتحدة الأنمائي) لخطة العمل الموضوعة مع وزارة البيئة للتهيئة للمؤتمر".

ولعل أبرز ما جاء في التقرير الذي نشر عن الإجتماع هو مداخلة الدكتور أمجد شنكالي الذي نبه  فيها بكل صراحة وموضوعية الى وجود إخفاقات للوفود العراقية في المؤتمرات السابقة، ودعا الى تجاوزها، والحاجة  الماسة لفريق وطني للتفاوض، يمتلك مهارات تفاوضية عالية ويجيد اللغة الأنجليزية جيداً.

في ضوء الإجتماعين المذكورين لمسنا إرباك وتخبط في  التحضيرات، وضبابية مقصودة في عدم الإفصاح عن التفاصيل، وكأنها " أسرار دولة "!!. فقد نُشِرَ بأن: " تحضيرات هذا العام جاءت من خلال إعمام مكتب رئيس الوزراء بضرورة أن تكون هناك استعدادات بما يليق بالعراق كونه أصبح من أكثر الدول تأثراً بالتغيرات المناخية"- كما صرح  مدير "مديرية التغييرات البيئية" في وزارة البيئة، يوسف مؤيد، في 9 اَب الماضي. لكنه لم يشر الى تأريخ صدور الإعمام، الذي تؤكد توجيهاته على ضرورة الإستعدات المطلوبة لمشاركة العراق في مؤتمر دبي.

والمفارقة، هي إنشغال (اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية) في إجتماعين متتالين بتشكيلة الوفد، أكثر من إنشغالها بتحديد أجندة العراق، وبرنامج الوفد، والمهمات المطروحة عليه، ومتطلبات نجاحه بالمفاوضات التي سيجريها مع الأطراف..وهنا ينطبق المثل الشعبي:" جَلبَوا العلف قبل الحصان ". فليس من المعقول ان يجري إختيار أعضاء الوفد قبل تحدبد القضايا والمهمات التي ستناط بالوفد. وتحديد القضايا والمهمات يستلزم دراسة مستفيضة،وبعد إقرارها يتم إختيار أعضاء الوفد. ويشترط بإختيارهم ان يمتلك كل واحد منهم المؤهلات المطلوبة لينضم لفريق، لأن كل مهمة تستوجب ان ينفذها فريق، وليس فرداً.

وتواصل الإنشغال بالوفد، فبعد 6 أسابيع، وتحديداً في 13 أيلول الماضي،أعلن  السيد مؤيد:" أن الحكومة تعمل على تطوير فريق تفاوضي أساسي في المؤتمر، مكون من 13 ـ 18 شخصاً، يمثلون وزارات البيئة والزراعة والمالية والتخطيط والنفط والكهرباء والصناعة والتربية والتعليم العالي والإسكان والإعمار، للتفاوض حول مواضيع الصافي الصفري للكربون، والتخفيف، والحوض الكربوني،وسوق الكربون الطوعي، والتكيف، والخسائر والأضرار، وتمويل المناخ، ونقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، والشفافية "..

وهذه القضايا تستوجب، بلا شك، ان يمتلك كل عضو من أعضاء الوفد التفاوضي، التخصص والكفاءة والقدرة التفاوضية، الى جانب إجادة اللغة الأنجليزية إجادة تامة. وإلا، ستتكرر الأخفاقات السابقة للوفد.

فهل جري إعداد الوفد التفاوضي وفق المؤهلات المطلوبة، أم وفق مبدأ المحاصصة الطائفية والإثنية ؟

ولعل الأهم،هل تم تنفيذ ما طالب به الدكتور شنكالي اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية بتلافي الإخفاقت، أم بقي حبراً على ورق ؟

والمفارقة الثانية، هي ما أعلنه مدير عام دائرة التوعية والاعلام البيئي بوزارة البيئة، امير علي الحسون، في 11 اَب الماضي:" العراق سيشارك في المؤتمر بأكبر وأفضل وفد على مستوى  الدول في مؤتمرات الأطراف التي أقيمت سابقاً ".ولم يوضح ما هي معايير "الأفضل"، التي تم تبنيها، وكيف " تم التأكد " من ان الوفد العراقي "سيكون الأفضل" والمؤتمر لم ينعقد بعد.. أليس التقييم (ناجح،أفضل، فاشل) يجري عادة بعد إنتهاء الفعالية ؟!!

والسؤال الآخر: ما هي "المميزات" التي "برز فيها" الوفد العراقي في المؤتمرات السابقة  ليكون وفده الى مؤتمر دبي "الأفضل" ؟..أهي إمتلاكه للمهارات التفاوضية العالية، والتخصص، والكفاءة، والمقدرة، وإجادة اللغة الأنجليزية بمستوى "أفضل" من بقية وفود العالم ؟!!

والسؤال الثالث: ما ضرورة " العدد الأكبر" للوفد العراقي ؟ وما مبرراته ؟  وما فائدة الإصرار عليه، وقد شارك العراق في المؤتمر السابع والعشرين في شرم الشيخ، في العام الماضي، بوفد يتألف من أكثر من 200 عضواً ؟.. فما الذي قدمه ذلك الوفد الكبير جداً، وما الذي حققه للعراق، وما الذي ربحه العراق من مشاركته في المؤتمر السابق، حتى يتم إرسال "أكبر وفد" على مستوى الأطراف في دبي ؟!!

في ضوء الإخفاقات السابقة، نقول بكل صراحة ان الإصرار على المشاركة بأكبر عدد، غرضه: إما للتباهي، ولا نعلم ما فائدة ذلك للعراق، وإما إمعاناً بمبدأ المحاصصة وفرض الأحزاب المتنفذة للمنسوبين والمحسوبين لها في تشكيل الوفود والإيفادات للخارج، رغم علمها بأن معظمهم لا يمتلك المؤهلات المطلوبة. وهي الظاهرة المخجلة، التي تمارسها الطبقة السياسية المهيمنة منذ عقدين من الزمن، فيذهب أغلب هؤلاء لا لخدمة العراق، وإنما للسياحة والإستجمام،على حساب الدولة. ولا أحد في السلطات الثلاث يحاسب من أرسلهم، ولا حتى سؤاله عما أنجزه الموفدون للدولة أو لمؤسساتهم، لقاء المبالغ السخية التي صرفت عليهم.

وهذا ما حصل في مؤتمر شرم الشيخ، في العام الماضي. فقد أخبرني أحد الزملاء المصريين من المشاركين بالوفد المصري للمؤتمر، عندما أراد وزملاؤه الألتقاء بأعضاء من الوفد العراقي للتعارف ولتبادل المعلومات والتنسيق، فوجدوا غياب غالبية الـ 200 عراقي عن أعمال المؤتمر بعد الجلسة الأفتتاحية.وعندما سألوا عنهم قال لهم عراقي: إنهم  "في إستراحة "، وتبين ان "الإستراحة" هي التسوق والسياحة.  وتساءل الزميل: أ يليق  هذا بالعراق الذي نعرفه ؟!!

إقتراناً بذلك، نشير الى مبادرة عراقية إيجابية سيشهدها مؤتمر دبي، ألا وهي ان الوفد العراقي سيرأسه رئيس الحكومة المهندس محمد شياع- كما أعلن مدير عام دائرة التوعية والاعلام البيئي بوزارة البيئة، امير علي الحسون.

وقبل الخوض في أهمية هذه المبادرة المهمة، لابد من طرح التساؤل التالي:

هل سيسمح رئيس الحكومة ان يرافقه للمؤتمر وفد فرضه نهج المحاصصة المقيت، ولا علاقة لغالبية أعضاءه بعلم البيئة، ولا بالمناخ والتغيرات المناخية، ولا يمتلك الكفاءة والقدرة التفاوضية،ولا يجيد اللغة الأنجليزية،  فيحرجه أمام قادة العالم، ويسيء للعراق ؟

نلفت إنتباه رئيس الحكومة الى هذه المسألة، إدراكاً منا لأهمية مشاركته في المؤتمر، لا سيما وهي المرة الأولى التي يترأس فيها الوفد العراقي رئيس الحكومة بنفسه. وستتضاعف الفائدة طبعاً عند مرافقته بوفد محترم بما يمتلكه من المؤهلات المطلوبة. فمن شأن ذلك ان يعود بالفائدة على العراق لإستثمار المؤتمر  لصالح مساعيه بالحصول على دعم دولي فعال للحد من التغيرات المناخية.

من هذا المنطلق، المطلوب من رئيس الحكومة ان يتأكد بنفسه من أن جميع أعضاء الوفد المرافق له يمتلكون التخصص والكفاءة والخبرة والمقدرة، ولا علاقة للأحزاب المتنفذة في إختيارهم..ليخصص من وقته بضعة ساعات لا أكثر ليتأكد أن جميع أعضاء الوفد المرافق له هم من المتخصصين والأكفاء والمؤهلين لمؤتمر دبي.وأنهم يمثلون حقاً وفعلآ القطاعات والوزارات المعنية بالتغير المناخي، كالزراعة والموارد المائية والنفط والكهرباء والبيئة والصحة، إضافة الى منظمات مجتمع مدني وناشطين وخبراء وأكاديمين وأساتذة جامعات، من الكفاءات وذوي المؤهلات المطلوبة.

ونأمل أيضاً ان يتمخض حضور رئيس الحكومة، والكلمة التي سيلقيها، واللقاءات التي سيجريها مع قادة الدول، عن نتائج  ملموسة وجدية لخدمة المصلحة الوطنية، وبما يليق بالعراق.

وإستطراداً،عسى ان تكون كلمة رئيس الحكومة، هذه المرة، صريحة وواضحة، ولا لبس فيها- لا كما حصل في كلمته أمام الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي جاء فيها ( نقلآ عما نشر عنها): "ان الحكومة العراقية تمنح الأولوية لتمويل العمل المناخي؛ كونهُ الأكثر عرضةً لتأثيرات التغيرات المناخية "، ناسياً أو منتاسياً عدم وجود مخصصات مالية لمواجهة المشكلات البيئية، حتى الساخنة، ومنها التغيرات المناخية، في ميزانية عام 2023. وعدا هذا، قال مرة:"العراق يواجه تحديات في تمويل أهداف التنمية المستدامة"، وأخرى: "العراق أحرز تقدما في تحقيق أهداف التنمية المستدامة". وبكلامه هذا ناقض تصريحات المسؤولين العراقيين المتكررة بحاجة  العراق الى دعم دولي كبير للحد من التغيرات المناخية الحاصلة فيه من خلال "صندوق المناخ الأخضر" المخصص للدول الأكثر هشاشة وتأثراً بالتغيرات المناخية. وناقض أيضاً ما حذر منه البنك الدولي بشأن التأخر في التنمية ودعوته للحكومة العراقية، في اَيار 2023: " ان تسرع بردم فجوة التنمية، وخلق مجتمع متصدٍ لمشكلات وتبعات التغيّر المناخي". ونبه الى :" أنَّ التأخر في التنمية قد يُعرِّض الاستقرار الاجتماعي وآفاق التنمية الاقتصادية إلى الخطر"..

هذا التناقض والإرباك في الخطاب، جعل المتتبعين للشأن العراقي ان يتساءلوا بحق: ما دام  العراق  "قادر" على تخطي التحديات- كما لمحت كلمة رئيس حكومته- فلماذا إذاً يطلب المساعدة الدولية ؟

في السياق ذاته، نشير الى تصريح مدير (دائرة التغييرات المناخية) في وزارة البيئة يوسف مؤيد، الذي جاء فيه: "ان العراق يشارك العالم همومه المناخية "، الذي يوحي بتقليد نبرة خطابات حكومات الدول العظمى وهي تتفرج على معاناة الدول الفقيرة والنامية الأكثر تضرراً وخسائراً من تأثير التغيرات المناخية، معلنة كذباً بأنها " تشاركها" همومها، وهي المسؤول الأول عما تعانية من تغيرات مناخية وتداعياتها المتفاقمة.. والعراق ليس دولة عظمى لـ" يشارك هموم العالم"، وإنما  هو خامس أكثر دول العالم هشاشة تجاه التغيرات المناخية،التي تعصف به وتسحق مواطنيه، متفاقمة عاماً بعد اَخر. وهو ذاهب لمؤتمر دبي- كما أعلن المسؤولون- ليطلب المساعدة الدولية للتخفيف من وطأتها.

ونتوقف عند برنامج الوفد العراقي لمؤتمر دبي، الذي من المفترض ان يكون قد أُعِدَ بعد دراسة مستفيضة، بمشاركة علماء وبيئيين وأكاديميين متخصصين، وأن يركز على معاناة العراقيين الوخيمة  الناجمة عن تفاقم التغيرات المناخية وتداعياتها الكارثية، المهددة للأمن الغذائي ولصحة وحياة المواطنين، وأن تكون الأضرار والخسائر موثقة بدراسات وإحصائيات ومصادر علمية.

ويفترض ان يطلع الرأي العام العراقي على أجندة الحكومة ومهمات الوفد العراقي وبرنامجه الكامل للمؤتمر، طالما ليست "أسرار دولة". لكننا لليوم لم نطلع على برنامج مفصل منشور. ولا نعلم ما الضير ان تنشر (اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية) مسودة البرنامج ليطلع عليه المعنيون ويشاركوا في مناقشته وإغنائه. فهذا ما قامت وتقوم به الدول المتحضرة، طارحة المسودة للمناقشة، وتقوم القنوات التلفزيونية والأذاعة والصحف المحلية بالتعريف بها، وبكامل برامج وفدها الى مؤتمر دبي، ومثله فعلت لبرنامج مؤتمر شرم الشيخ، والذي قبله، وتجري حوارات ونقاشات بشأنه. ودائماً تطرح الكثير من الأفكار والآراء والمقترحات التي تغني البرنامج. وبعدئذ، تقوم اللجنة المعنية بتجميع كل ما طُرحَ ويُغني المسودة، وتقوم بدراسته، وتأخذ بما تراه مناسباً ومهماً، وفي ضوء ذلك تُعيد صياغة البرنامج، ومن ثم إقراره.

وتلكم عملية ديمقراطية حقيقية، مجربة وناجحة، تجسد مبدأ العمل الجماعي وتشجع المشاركة الجماعيية للمشكلات التي تستلزم معالجات وتنفيذات جماعية. والعملية تتمخض دائماً عن فوائد كبيرة للمهمة الأساسية..

المؤسف، ان ذلك لا يحدث في العراق.

وثمة مسألة أخرى هامة، ألا وهي تخوف البيئيون العراقيون، ونحن منهم، من ان يزج الوفد العراقي نفسه بقضايا جدلية ومحرجة للعراق أمام وفود العالم، مثل: تمكين الشباب والنساء والأطفال في القيادة ورسم السياسات وإتخاذ القرارات، والمساواة بين الجنسين، والتباهي بـ"نجاحات" مزعومة، الخ، متمنين عليه أن يركز، بدلآ من ذلك، على المشكلات البيئية الساخنة، وتداعيات التغيرات المناخية المتفاقمة، وحاجة العراق الماسة للمساعدة الدولية العاجلة، العلمية والتكنولوجية والفنية وغيرها التي من شأنها التخفيف من وطأة التغيرات المناخية.

مرد التخوف، هو تصريحات المسؤولين التي أطلقوها خلال الشهرين الأخيرين، ومنها:" سيشهد المؤتمر للمرة الأولى تنظيم العراق جناحاً خاصاً به، حيث بدأت الوزارة الاستعدادات المبكرة له، بعد تسلمها تأكيداً نهائياً بتنظيمه. وهنالك أجندة كاملة وتضم جميع القطاعات الموجودة في البلد، كالحكومية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وممثلين عن الإقليم، من خلال تنظيم فعاليات جانبية وثقافية تعكس قصص النجاح وتمثل الإرث الثقافي للعراق خصوصاً بمجالي المرأة والشباب".

وجرى الحديث عن "أجندة كبيرة و مشاريع و خطط خاصة تمت دراستها وإعدادها بشكل عال من قبل الوزارات الحكومية وبإشراف وزارة البيئة".

لكن المسؤولين لم يفصحوا، كالعادة، عن أية تفاصيل عن تلك الفعاليات والأجندة والخطط والمشاريع الخاصة، ولا عن ماهية قصص النجاح في مجالي الشباب والمرأة.

ونتسأءل: أهي غير ما أشار إليه رئيس الحكومة السوداني في مقر الأمم المتحدة:" العراق بدأ بتنفيذ  المساهمات المحددة وطنياً، ومنها إستثمار الغاز المصاحب لإنتاج طاقة نظيفة لتحقيق هدف ( صفر شعلة) بحلول 2030"، ولم يوضح، هو الآخر، متى بُدءَ بالمشاريع الإستثمارية ؟ وما هي ؟ وأين تقع؟ وما النتائج المتحققة منها ؟ بينما يعاني المواطنون العراقيون من إنقطاع الكهرباء ساعات طويلة يومياً، الى جانب المتاعب الصحية الناجمة عن التلوث الناجم عن عمليات حرق الغاز المصاحب .

علماً بان " المساهمة المحددة وطنياً للعراق بشأن الغير المناخي" أصدرتها وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2015، وتم تحديثها في عام 2021، وهي وثيقة لـ" مساهمة وطنية طوعية ورؤية تمثل سياسة العراق العليا في التعامل مع مشكلة تغير المناخ، وطنياً ودولياً، وتأتي الوثيقة إستجابة لما ورد في إتفاق باريس الذي أقر في المؤتمر الحادي والعشرين لأطراف الأتفاقية الإطارية لتغير المناخ(COP 21) "- كما نصت مقدمتها.

ولليوم، لم تنشر الجهات العراقية المعنية بتنفيذ المساهمة المذكورة ما الذي تم إنجازه منها خلال السنوات الثمان المنصرمة، وتحديداً ما الذي حققه العراق في مكافحة التغيرات المناخية منذ إعتمادها.

أما ما أعلنه المسؤولون عن تنظيم العراق في مؤتمر دبي لـ"جناح خاص، وفعاليات جانبية وثقافية تعكس  قصص النجاح، وتمثل التراث الثقافي للعراق بمجالي المرأة والشباب"، والتي لم ينشر أعلام وزارة البيئة ولا وسائل الإعلام الأخرى تفاصيل عنها، فيستشف من عدم الإفصاح عنها لحد اليوم ان الوفد العراقي بـ "جناحه الخاص"، وبـ"فعالياته الجانبية والثقافية" ذاهب، كما يبدو، لا ليُعَرِفَ وفود العالم بالواقع البيئي الكارثي الراهن، وبتداعيات التغيرات المناخية المتفاقمة، وبتوضيح رؤية العمل المناخي للعراق لغاية 2030 ، التي وعد بها رئيس الحكومة في كلمته التي إفتتح بها "مؤتمر العراق الأول للمناخ " في البصرة، في اَذار الماضي.. ولا هو ذاهب لإستثمار المؤتمر الأممي، والتأثير إيجاباً في مفاوضاته لصالح البلد، بما فيها المساعدة الدولية المتعددة، العاجلة والجدية والفاعلة، الذي هو بأمس الحاجة إليها ومن شأنها إعانته في معالجة مشكلاته البيئية الساخنة وبخاصة التخفيف من وطأة التغيرات المناخية على صحة وحياة وأمن مواطنيه..

وإن صح ذلك، فهذا يعني ان الوفد لم يضع القضايا المهمة السالفة ضمن أولوياته، ويضع نفسه أمام شكوك جدية بأن له أغراض أخرى مرسومة، الى جانب ذهابه للتباهي والمفاخرة بماضي العراق السحيق وأرثه التليد، ولإستعراض " قصص نجاح" مزعومة في مجالي الشباب والنساء،تقدم معالم لوحة مشوهة تُغطي على واقع حال الشبيبة والمرأة العراقية ومعاناتهما المريرة. وبذلك تكون غايته تلميع سمعة الطبقة السياسية الفاسدة، والتضليل على سجلها المخزي في مجال حقوق الإنسان وإنتهاكاتها المتواصلة بحق الشبيبة والأمومة والطفولة العراقية. وسيكرر ما قامت وتقوم به الطبقة السياسية المتنفذة المهيمنة على مقدرات البلد من ضحك على الذقون، وإستغفال عقول المواطنين البسطاء بـ " انجازاتها" الكاذبة.

على أنه إن فعل ذلك، فسيثبت أمام وفود العالم  سذاجته وجهله بما يعرفه العالم عن الواقع المزري والمعاناة اليومية المريرة للشرائح المذكورة، وهي أكثر شرائح المجتمع العراقي ضحية لمنظومة الفساد والمحاصصة الطائفية والإثنية ونهب أموال الدولة وأفقار غالبية العراقيين وأذلالهم، محولة حياة الشباب والنساء والأطفال الى جحيم لا يُطاق.

وليعلم الوفد بان الذاكرة الحية لم تنس أبدا ًشباب وشابات العراق وثورتهم المليونية  السلمية في تشرين 2019 ومطالبتهم السلمية بإستعادة وطنهم الذي سلبه منهم سياسيو الصدفة والطائفيون والفاسدون وتجار الدين والحرامية والمليشيات وعصابات الجريمة المنظمة. ولا كيف جابهتم السلطة بالقمع الدموي والقتل العمد، وسقط منهم أكثر من ألف شهيد وشهيدة وأكثر من 30 ألف جريح وجريحة، منهم 7 اَلاف مقعد ومقعدة جسدياً، وعشرت المئات من المعتقلين والمعذبين والمغيبين.

واليوم، يعيش نصف سكان العراق تحت خط الفقر.ومنهم 13 مليون في فقر مدقع.. ويعيش 6 ملايين عراقي وعراقية في 4679 تجمعاً من العشوائيات المنتشرة في العراق، التي إنتشرت بعد عام 2003، والتي تفتقر الى أبسط مقومات عيش الإنسان.

وأكدت دراسات علمية ان نسب البطالة بلغت أكثر من 40 في المائة. وثمة 35 % من الشباب العراقي عاطلين عن العمل، بما فيهم خريجوا كليات وأصحاب شهادات عالية.

وفي ظل غياب الخطط الاستراتيجية الحقيقية والبرامج العملية الداعمة للشباب في العراق،غياباً تاماً، تفاقمت حياتهم المعيشية، جنباً الى جنب تصاعد نسب البطالة والفقر،وإضطرار حتى الحريجين من الشباب العمل في أعمال لا ترتقي لمستوى تحصيلهم العلمي، ولجأ البعض الآخر الى الانخراط في أعمال غير أخلاقية وقانونية.وثمة المئات من إحتاروا الهجرة مجبرين ومغامرين بحياتهم.

بالمقابل، أصبح من كانوا يتسولون في الخارج يمتلكون الملايين والمليارات التي نهبوها من أموال الدولة. ومنهم من يستلم رواتب تقاعدية مليونية لقاء بضعة سنوات، وحتى أشهر، قضوها في مجلس الحكم أو مجلس النواب أو في الوزارات ومن أصحاب الدرجات الخاصة،إضافة لرواتب حمياتهم، مع أنهم ليسوا في الوظيفة.

ومن سرقاتهم السافرة وجود أكثر من 400 ألف فضائي في الوظائف الحكومية،خالياً، ويستلم الآلاف من المنسوبين والمحسوبين على الأحزاب والمليشيات المتنفذة 6 و 5 رواتب شهرياً، دون وجه حق. وهناك " المجاهدين الرفحاويين" وإمتيازاتهم، حيث تستلم العائلة الواحدة منهم 8 – 12 مليون دينار شهرياً. والفضيحة ان من بينهم "مجاهدين" من تجار الدين والمخدرات والتهريب والقمار والدعارة، بينما المتقاعد الذي خدم البلد أكثر من 30 عاماً يستلم 600 و 500 ألف دينار شهرياً،وتعيش عائلته الحرمان.

والسلطة التي تحتضن "المجاهدين" المزيفين تحتضن أيضاً ممارسي الظلم والجور والعنف وإنتهاك كرامة المرأة. فوفقاً لبيانات وزارة الداخلية، بلغ معدل حالات اعتداء الزوج على الزوجة ضمن ظاهرة العنف الأسري في البلاد 57 في المئة من إجمالي الحالات. ويصل العدد سنويا الى أكثر من 35 ألف حالة عنف أسري مبلّغ عنها. علماً بأن أضعاف هذا العدد لا يتم الإبلاغ عنها لأسباب اجتماعية وعشائرية. ومازال المتنفذون الفاسدون، المتشدقون بالدفاع عن “الأخلاق” و”احترام” كرامة البشر، يرفضون وبشدة، تشريع القوانين، ومنها قانون العنف الأسري، الضامنة، لقيام حياة عائلية سليمة.

وهناك حالات الطلاق المتزايدة،والتي بلغت  في شهر اَب 2023 وحده 6973 حالة ، بمعدل نحو 235 حالة طلاق يوميا، ونحو 10 حالات في الساعة الواحدة- حسب مجلس القضاء الأعلى. وقد تصدرت بغداد القائمة. علماً بأن هذه الآفة الاجتماعية  شملت أكثر من 73 ألف حالة طلاق خلال عام 2022.

وعدا المطلقات، هناك مئات اَلاف الأرامل اللواتي يعانين من شظف العيش وصعوبات إعالة أطفالهن.

وفي هذا الواقع المزري، تبرز ظاهرة عمالة الأطفال الفقراء واليتامى، التي شملت 7 في المائة من أطفال العراق الذين لم يبلغوا السن المطلوبة. وغالبية هؤلاء الأطفال يعانون من الاستغلال والإساءة.وبفضل "بركات" الطغمة الحاكمة يعيش أطفالنا على مساعدات الدول الأخرى إسوة بأفقر الدول الفقيرة، وهم يعانون من الفقر والأمراض.ووفقاً لإحصائيات وزارة التخطيط ثمة مليون و 200 ألف طفل عراقي محرومين من الغذاء والصحة والتعليم، وبقية حقوقهم، ويتعرضون للعنف والأمراض

والى جانب هؤلاء ثمة اَلاف المعوقين والمعوقات جسدياً ويعيشون في ظروف لا إنسانية.

وهنالك النازحين والمهجرين عن مدنهم وقراهم وبيوتهم وأراضيهم ويعيشون في مخيمات يعانون فيها  ظروفاً قاسية، صيفاً وشتاءاً، وتشكل لطخة عار في جبين الطغمة الحاكمة.

وأما الأمن والأمان فهما لليوم مفقودان، ويعاني المواطنون من جرائم القتل اليومي، ورمي الجثث على قارعات الطريق، وعجز الأجهزة الأمنية عن الكشف  عن الجناة.

وأخيراً وليس اَخراً، ظاهرة الإنتحار المتفاقمة، التي تحدث يومياً (بمعدل حالتين)، وقد حصدت حياة اَلاف الشباب والشابات، وهي في تصاعد مستمر وسط الشباب والشابات. ويعود سببها الرئيس للإحباط الناجم عن الإهمال المتعمد من قبل السلطة، وتفاقم ظروفهم المعيشية،وتفشي البطالة، وقلة فرص العمل، الى جانب انتشار المخدرات، والأمراض النفسية والعقلية، وعجز الحكومة عن معالجتها.

و ذلكم غيض من فيض معاناة الأمومة والطفولة والشبيبة العراقية من " بركات" الطيقة السياسية الفاسدة.

فهل سيتجاهل الوفد العراقي كل هذه الوقائع والحقائق المريرة والشاخصة ليقدم "قصصص نجاح" كاذبة ؟

***

د. كاظم المقدادي

أكاديمي متقاعد، عراقي مقيم في السويد

أظهرت حرب التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الكيان الصهيوني بحق أهلنا في قطاع غزة ـ من ضمن ما أظهرت ـ أن تحرير فلسطين، هذا الشعار اللغوي الفخم، لم يكن في الحقيقة يوماً على جدول أعمال القادة العرب - باستثناءات قليلة. ولم تكن يوماً فلسطين قضية العرب الأولى، إلا على الورق، في اجتماعات الغرف المغلقة، وفي الخطب النارية فقط.

فغزة التي تُذبح وتستغيث فلا تُغاث، والأقصى الذي يصرخ العون فما من سامع، والقدس التي تتوق للنجدة فلا مُلبي، والفلسطيني الصامد الصابر المعاند الثابت يترك اليوم وحيداً بلا عون ولا مدد من الأشقاء العرب ـ الرسميين ـ الذين بات بعضهم يتبنى الرواية الصهيونية، وبعضهم أصبح يعتبر فلسطين وشعبها وقضيتها عبئاً يجب التخلص منه.

الأخطر أن معظم الدول العربية باتت تتعمد تهميش القضية الفلسطينية، بل والتآمر عليها. وتتجاهل حقيقة أن حالة الصراع الفلسطيني الصهيوني لا يمكن بترها وعزلها عن المحيط العربي والعمق الإقليمي، فكل العواصم العربية هي في قائمة المصالح والاستهداف الصهيوني.

والمثير للشفقة قيام بعض العرب بترتيب أولوياتهم، يقول لك هذا النظام أو ذاك "نحن أولاً" لتبرير عجزهم عن نصرة فلسطين. ثم اهتدوا إلى طريق الخلاص الذي يبعد فلسطين عنهم تماماً، فزجوا بشعوبهم في صراعات داخلية ومعارك جانبية فيما بينهم، أحدثت الفوضى وقسمت المقسوم وعمقت الحالة القطرية. وفلسطين المحتلة على مرمى حجر من الجيوش العربية التي كدّست أسلحتها في المخازن.

انحدار مرعب

أخفقت معظم الأنظمة العربية الاستبدادية في تحقيق شعاراتها المرتبطة بالوحدة والاشتراكية والاستقلال الوطني والحريات، وعجزت عن إحداث أية تنمية وتطوير في البنى الرئيسية، ولم تتمكن من إحراز مهام التقدم الاجتماعي. لكن هذه الأنظمة حققت نجاحاً لافتاً في بناء المؤسسات والأجهزة الأمنية التي تخصصت وأبدعت في قمع وقهر المواطنين وسحقهم، وحلت كافة مؤسسات المجتمع المدني، وأغلقت أي إمكانية لتطور الوعي السياسي للناس، وقوّضت مفهوم المواطنة، وقضت على الحوار المجتمعي، وشجعت الولاءات العرقية والإثنية والعشائرية والمناطقية، ونشرت الفساد في مفاصل الدولة والمجتمع، وسمحت للمفسدين أن يسمنوا ويتغولوا، وقامت بإعلاء المصلحة الخاصة على حساب قيم المنفعة العامة.

أقدمت هذه الأنظمة وبطانتها على تسخير مؤسسات الدولة وخيرات الوطن لخدمة مصالحهم الخاصة ومصالح الاقرباء والموالين، وفككت الروابط الوطنية والاجتماعية والأخلاقية بين مكونات المجتمع، مما أدى إلى ظهور النزعات العرقية والطائفية والقبلية والمذهبية والعشائرية البغيضة، التي فتتت الأوطان وحولتها إلى إمارات وقبائل وطوائف.

الأخطر قيام هذه الأنظمة بتليين وتطويع معظم المثقفين والمفكرين وتدجينهم، ومن لم تتمكن منهم إما زجت بهم في السجون لسنوات طويلة، وإما أنهم تمكنوا من الهرب خارج أوطانهم إلى بلدان غربية حيث حريتهم، وإما أنهم تركوا الشأن الثقافي وانعزلوا عن الحياة العامة. لم تستثني هذه الأنظمة حتى رجال الدين والمشايخ الذين قام بعضهم بإجراء تعديلات على معتقداته لتتوافق مع خطاب المرحلة.

لقد تحولت الأوطان العربية بكل ما تحتويه من بشر وحجر وثروات إلى ملكية خاصة لبعض الحكام العرب، الذين طوعوا كل شيء وحولوه إلى أداة منفعية تخدم مصلحتهم التي أصبحت فوق الوطن والمجتمع والدولة. لذلك فإن مهام التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي التي رفعتها معظم الأنظمة العربية خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين لم يتحقق منها شيء، وأن كل الأحلام التي بنتها الشعوب العربية بعد الاستقلال الشكلي، في حياة تضمن كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، قد جرى إجهاضها ووأدها مرتين في الحقيقة، مرة عن طريق الأنظمة العربية الاستبدادية التي قتلت واعتقلت كل شيء، ومرة أخرى تم هزيمة هذه الأحلام والتطلعات بواسطة الشعوب العربية نفسها التي رضيت أن تُصادر الأنظمة العربية حقها في أن تكون شعوباً حرة، وقبلت أن تكون مجرد قطيع خانع.

عودة إلى سؤالي الأساس هنا:

هل الراهن العربي في الواقع قابل لنصرة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية؟

الإجابة قطعاً لا، فالجسد العربي في حالة من الموت السريري، قلب العرب مريض ومرهق، ورأسه مصاب بالهرم، وأطرافه مشلولة.

إن قضية العرب الأولى- فلسطين- تحتاج إلى أمة حرة قادرة على التعبير وتقديم الدعم، تحتاج إلى أمة لا تلهث غالبيتها خلف رغيف الخبز، أمة قادرة أن تختار مستقبلها، أمة لا يقرر مصيرها حزب واحد ولا عشيرة واحدة ولا زعيم واحد.

تحرير فلسطين يحتاج جسد عربي معافى ومتحرر من الخوف والقمع والفساد والمرض والفقر والأمية ومن المحسوبيات والرشوة والشللية، جسد يتمتع بحرية الحركة والانتقال، يؤمن بالديمقراطية إيمان حقيقي، ويمارس تداول السلطة، ولا يعتقل معارضيه.

لقد جعلت معظم الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية مطية لتحقيق مآربها الخاصة، وجرى استخدام القضية في الخطابات الديماغوجية التي تتشدق بها بعض النظم العربية بهدف استمالة الشعوب العربية والإسلامية إلى جانبها، ومن الدول العربية من يحارب دولاً عربية أخرى بسيف القضية الفلسطينية التي أصبحت مادة للمزايدات بين أطراف عربية كثيرة.

من العار أن يجري استغلال القضية الفلسطينية التي يعتبرها العرب قضيتهم المركزية والأولى، لتحقيق طموحات وأهداف ومآرب وأطماع خاصة لهذا النظام أو ذاك على حساب الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية وعلاقاته العربية والدولية.

إن أية قراءة سريعة للواقع العربي الراهن يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك زيف الشعارات التي رفعتها بعض الأنظمة العربية والتي استمرت لعقود وهي تعلن أن تحرير فلسطين سوف يبدأ أو ينطلق أو يمر عبر هذه العاصمة العربية أو تلك، بينما تأكد لنا أن تحرير القدس وتحرير فلسطين سوف يكون الخطوة الأولى الضرورية في طريق تحرير بعض العواصم العربية من استبداد أنظمتها ومن سطوة الاستعمار الغربي.

 وتكشف الأحداث يوماً بعد يوم أن المشروع الصهيوني فشل في احتلال فلسطين، بينما نجح في احتلال بعض الدول العربية الأخرى والسيطرة عليها، وأن الشعب الفلسطيني هو الشعب الذي يتمتع بالحرية الوجدانية النضالية، وأن غالبية الشعوب العربية أسيرة ومعتقلة في سجون تسمى أوطاناً، لذلك فإن هذه العلاقة بين العرب والفلسطينيين باتت تستوجب التصويب، فمن الظلم أن نطلب من الشعوب العربية التضامن مع القضية الفلسطينية، فلا يمكن لمريض أن يداوي سليماً معافاً ولا يمكن لسجين أن يناصر حراً.

بالرغم من أن معظم الأنظمة العربية قد وظّفت القضية الفلسطينية لغايات لا ترتبط بفلسطين لكن معظمهم تخلى عنها الآن. وفي الوقت التي اكتشفت فيه معظم الشعوب العربية بعد حوالي ثلاث أرباع القرن على ضياع فلسطين، أن لديها هموماً تشغلها عن نصرة فلسطين وأهلها، اكتشف الشعب الفلسطيني من حُسن قدره، أن مقدرات وقوة معظم العرب على دعم وعون قضيتهم ليست أكبر من قدرتهم ومن قوة الفلسطينيين على إسناد وغوث أنفسهم. كما اكتشفوا حجم كذب ورياء معظم الأنظمة العربية الذي تسبب في إزهاق أرواح آلاف الشهداء الفلسطينيين، وأن تدخّل العرب سابقاً لم يكن تأييداً للقضية بقدر ما كان بسبب دوافع ترتبط بالعرب أنفسهم، الذي لم يخجل معظمهم من إسقاط جدار العداء لإسرائيل علناً. لذلك فقد حان وقت توقف هذا النفاق، وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية. وهنا من المهم التأكيد على أن فلسطين التي سدّدت أثماناً باهظة للحفاظ على قضيتها، لن تتراجع ولن تنكسر ولن تتخلى ولن تفرط بالحقوق وبالوحدة، ولن ترهن قرارها لأية جهة مهما بلغت قيمة الفواتير.

كانت وستبقى فلسطين

فلسطين كانت قبل 7500 عام قبل الميلاد في جبل القفرة جنوبي الناصرة وسفح الرمل قرب طبريا. فلسطين الكنعانية كانت في العام 3000 قبل الميلاد. وكانت تحت الاحتلال اليوناني عام 332 قبل الميلاد. فلسطين كانت تحت الاحتلال الروماني في منتصف القرن السابع الميلادي. فلسطين وصل إليها عمر بن العاص حاملاً معه رسالة الإسلام العام 643 ميلادي، وتحررت فلسطين من الروم على يد خالد بن الوليد في معركة اليرموك الشهيرة. كانت فلسطين أموية في العام 661. وعباسية في العام 750. ثم دخلها الطولونيون والقرامطة. ثم احتلها الصليبيون العام 1095. وخاض صلاح الدين الأيوبي معركة حطين الشهيرة، واسترد بيت المقدس العام 1187ميلادي. وصدّ سيف الدين قطز والظاهر بيبرس الغزو المغولي على فلسطين العام 1259 ميلادي في معركة عين جالوت بعهد الدولة المملوكية. فلسطين دخلها العثمانيون العام 1516 ميلادي، مكثوا فيها أربعة قرون وخرجوا وظلت فلسطين. وهزمت مدينة عكا الفلسطينية بأسوارها حملة نابليون بونابرت العام 1799 ميلادي. فلسطين دخلها الجيش البريطاني العام 1917 ميلادي وخرج منها العام 1948، حين احتلها الصهاينة وأعلنوا فوق أراضيها دولة لهم. كان قد سبق هذا الإعلان حوالي نصف قرن من التخطيط والتنظيم والتدبير، وسوف يخرجون كما خرج غيرهم.

فلسطين التي كانت محور التقاطعات والتجاذبات والصراعات تاريخيا، سوف تظل في قلب الأحداث التي تجري مستقبلاً. فلسطين كان اسمها وسوف يظل، ولا يمكن للمنطقة أن تستقر دون حل عادل وشامل وكامل للقضية الفلسطينية، يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المسروقة، وتمكينه من إقامة دولته المستقلة فوق أرضه وعاصمتها القدس الشريف.

لقد تم تقزيم المسألة الوطنية الفلسطينية على أنها قضية تخص فقط الفلسطينيين، ثم جرى تقزيمها مرة أخرى لتظهر على أنها قضية فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم يجري مسخ المشروع الوطني الفلسطيني برمته على أنه فتح وحماس وعباس وهنية، وكأن قضيتنا أصبحت صراع سلطة بين تنظيمين.

بينما تستمر إسرائيل كل يوم بإصدار القوانين العنصرية التي تهدف إلى ابتلاع ما تبقي من فلسطين وتشريد الفلسطينيين، والتأكيد على أنها لم تعد عربية، وما نخشاه هو أن تكون فلسطين أندلس جديدة نفقدها إلى الأبد.

تثبيت الثابت

أي مثقف، أو مواطن، أو مسؤول عربي، أو إسلامي، يرضى بتهويد القدس، ويوافق على التسليم بالأمر الواقع بوجود إسرائيل فوق كافة الأراضي الفلسطينية، دون قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.

وأي زعيم عربي أو إسلامي يتساوق مع الأفكار والتبريرات الإسرائيلية التي تتجاهل الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين والتعويض عن ممتلكاتهم التي فقدوها. ويقبل التطبيع مع إسرائيل.

كل مفكر عربي أو إسلامي كان يدعو إلى الأفكار الليبرالية التحررية، وإلى الحداثة وقيم العدالة والاشتراكية، ولا يبدي اليوم تضامناً واضحاً معلناً مع الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الثابتة.

كل مثقف وكاتب وإعلامي وأديب يتصالح مع الإرهاب الإسرائيلي، ويداهن الاحتلال، ويتردد في الثوابت الوطنية، ويتقلّب في مواقفه من القضية الفلسطينية.

كل من يفرط بالحقوق الفلسطينية والعربية، ويبدد تضحيات من سبقونا من الشهداء والجرحى والمعتقلين، ويحاول مقايضة الحق بالباطل. وكل من يحرف معركة الأمة المركزية عن مسارها، وكل من يشتت جهد الأمة في صراعات جانبية ومعارك ثانوية.

كل زعيم أو مسؤول عربي أو إسلامي يتعامل مع فلسطين في العلن بالخطب الحماسية والتظاهرات الحاشدة والاعتصامات وحرق الأعلام والصور والإطارات، ويتعامل في السر بمزيج من المؤامرات والصفقات والتسويات والاتفاقيات والزيارات الودية والشراكات والعقود والمساعدات.

من تاجر بالقضية الفلسطينية من الأنظمة العربية ومن المعارضات، ومن اعتبر يوماً أن فلسطين أم القضايا ثم خذلها لحسابات ومصالح ترتبط به وحده، من الأحزاب والقوى العربية التي كثرت أقوالهم وانعدمت أفعالهم. من يحاول تبخيس وتجاهل نضالات شعب عظيم عرف كيف يحافظ على هويته، بالرغم من أن العالم كله وقف ضده وسعى إلى إلغائه.

من يتآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته وقيادته من العرب والمسلمين. من يحاول تمرير صفقات مشبوهة لتصفية القضية الفلسطينية.

جميع هؤلاء معادون للشعب الفلسطيني، ويقفون ضد تطلعاته وحقوقه المشروعة، متآمرون مع العدو الوطني والقومي لفلسطين والعرب. خائنون للعهود والمواثيق مع فلسطين وأهلها ومع شعوبهم وأنفسهم، نكثوا شعاراتهم ونقضوا التزاماتهم، هم دون ضمير عربي أو إسلامي أو إنساني، لا مبادئ لهم ولا قيم، أصحاب شعارات زائفة، لا بصر لديهم ولا بصيرة، ويل لهم من شرب قد اقتراب.

هل نتعظ؟

بالرغم من الهوان العربي الرسمي إلا أن الشعوب العربية ما زالت حية وعصية على التطويع. حيث خرجت في معظم الدول العربية العديد من المظاهرات العارمة تضامناً مع فلسطين وتنديداً بحرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني في قطاع غزة، وردد خلالها المتظاهرين شعارات مناهضة لإسرائيل وللدول الغربية الداعمة لها. لقد عصفت رياح الرأي العام العربي الحر والشريف المتنامي والمناهض للتطبيع بالسياسات الرسمية التي تحرص على تمرير المرحلة والإبقاء على التطبيع قائماً. خروج عشرات الآلاف في معظم المدن العربية من المغرب حتى المشرق يؤكد حالة الغضب الشعبي العربي، ويشير بمجمله إلى الفجوة ما بين السياسات العربية الرسمية، والراي العام للشعوب التي ترفض التطبيع وتدعو إلى مؤازرة الشعب الفلسطيني.

في ظل الظروف الراهنة عربياً والاستثنائية في الانحدار والتشرذم والسقوط الأخلاقي، والتصالح مع العدو التاريخي، والإذعان المهين للضغوط الأمريكية، نحتاج اليوم لرجل يشبه زياد بن أبيه "زياد بن عبيد الثقفي" الذي صاح في خطبة البتراء الشهيرة، حين ولاه معاوية بن أبي سفيان على البصرة التي كانت معقلاً للخارجين عن طاعة الخلافة الأموية، فصعد زياد على منبر المسجد وخطب في الناس قائلاً "إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف. وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصي، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقي الرجل منكم أخاه فيقول انج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم"، أم أن العرب اعتادت كثير القول دون أن يتعظ أحد؟

***

د. حسن العاصي

باحث وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك

فى أقل من شهر انعكست الصورة فى فلسطين المحتلة وتبدلت تماماً.. نتنياهو يهرب للأمام فى طريقه لشن حرب شاملة لا لشئ إلا لإنقاذ نفسه من مشنقة نصبها ضده الرأى العام الإسرائيلى..والاقتصاد الإسرائيلى ينزف نزيفاً سريعاً هائلاً غير مسبوق.. والمستوطنون باتوا بين نازح فى فنادق امتلأت حد التخمة وبين هارب فى طائرات تحمل أثرياءهم مع ما خف وزنه وغلا ثمنه.. والحديث يجرى فى أروقة صناع القرار في إسرائيل عن حرب طويلة قد تمتد لشهور ..فماذا سيكون مصير إسرائيل بعد حرب ممتدة كتلك الحرب؟!

حصاد ليالي القتال!

المدنيون الفلسطينيون فى شمال غزة سقطوا شهداء بالآلاف كأول ضحايا لردة الفعل الهمجية لعملية طوفان الأقصى التى أسقطت هيبة جيش الاحتلال الإسرائيلي سقوطاً مدوياً..مناطق وأحياء بأكملها تمت تسويتها بالأرض فى مشهد مفزع لم يكن كافياً للضمير العالمى أن يستيقظ ويقف مع الأبرياء من أهالى غزة!

الآليات والمدرعات الإسرائيلية تم حشد المئات منها لحصار غزة من كافة الجهات تمهيداً لغزو برى مرتقب، وقد تم استدعاء عشرات الآلاف من جيش الاحتياط ليبلغ عدد المشاركين فى الحرب البرية على غزة ما يقارب ثلاثمائة ألف جندى، أى ما يعادل تعداد الجيش الروسي فى حربه على أوكرانيا!

ورغم هذا فإن كفة الانتصار الميدانى باعتراف الإسرائيليين أنفسهم تميل لصالح المقاومة الفلسطينية التى صنعت معجزات خارقة بكل المقاييس.. آخرها كان ما حدث من تدمير عدد من الدبابات والمدرعات فى المحاولة الثالثة الفاشلة لاقتحام غزة من الشمال والشرق، وقبل ذلك ما حدث فى زيكيم وتم التعتيم على آثاره من الإعلام الإسرائيلي..

أولى محاولات الاقتحام البرى جاءت من الجنوب الشرقى قرب خان يونس، فى مهمة استطلاعية لدبابة وجرافة تم استهدافهما فى الأمتار الأولى من التحرك ليبادر جنود الاحتلال الإسرائيلي بالفرار سريعاً وتفشل المهمة. ثم جاءت محاولة ثانية للتموضع بشارع صلاح الدين لكنها لم تستمر طويلا ، كما ذكر المستشار السابق للبنتاجون مؤكدأً أن تلك القوة منيت بخسائر كبيرة ولم يتحدث عنها أحد لا فى الإعلام الصهيونى ولا الغربي!

أما المحاولة الثالثة فكانت الأكبر حجماً والأكثر عتاداً وعدة..حيث تحركت فرقة إسرائيلية فجراً على عدة محاور شمال غزة وشرقها وكانت مكونة من نحو بضع وثلاثين دبابة ومركبة مدرعة، ولم تتقدم تلك القوة سوى عشرات الأمتار قبل أن يتم استهدافها، ليهرب من استطاع الفرار ويموت من يموت، ولتحصل المقاومة على ما حصلت عليه من ذخائر وأسلحة وأسرى من الجنود والضباط والقادة!

خسائر إسرائيل وأمريكا

بعض التقديرات وصلت بأعداد الضحايا الفلسطينيين نتيجة القصف الإسرائيلي الهمجى المتواصل على قطاع غزة إلى ما يزيد عن 10000 شهيد ثلثهم من الأطفال..لكن ماذا عما خسرته إسرائيل؟!

علمنا أن الجيش الإسرائيلي قد نال حظه من سقوط الهيبة وفقدانه للصورة الذهنية التى رسمها الإعلام كذباً عن مدى قوته وقدراته القتالية.. وقد حدث هذا فى اليوم الأول لعملية طوفان الأقصي.. ثم توالت الضربات والرشقات الصاروخية على عدة مدن إسرائيلية فى مقدمتها تل أبيب وعسقلان وسديروت.. ولعل أقوى ضربة أفزعت الكيان ما حدث من استهداف صواريخ المقاومة لمنطقة مفاعل ديمونة النووى وما تمثله تلك الضربة من خطورة كبيرة..لكن كل تلك الضربات لم تحقق سوى نسبة ضئيلة مما منيت به إسرائيل من خسائر، بينما خسائرها الأكبر جاءت من القتال على الأرض..

أول وأهم تلك الخسائر العدد الكبير للأسري من الجنود والضباط والمستوطنين، والذى يزداد مع كل احتكاك مباشر أو أى قتال وجهاً لوجه..والواضح أن المقاومة تجيد استخدام ورقة الأسرى استخداماً بارعاً كما رأينا من تحريره لعدد محدود منهم، وظهورهم إعلامياً يمتدحون المقاومة ويظهرونها فى صورة الأبطال والنبلاء.. ثم تأتى الضربة الثانية التى تمثلت فى شلل عملية التطبيع مع إسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط، وكأن كل المليارات التى أنفقها الكيان وكل الجهود الدبلوماسية والسياسية على مدى عقود كلها تبددت كالهباء المنثور فى أيام ..أما أقوى وأهم الضربات تمثلت فيما حدث من انقسام داخلى فى إسرائيل لا على المستوى الشعبي والمجتمعى وحده ، بل وعلى أعلى مستويات القيادة وصناعة القرار، لدرجة أن يشاع أن التردد فى اتخاذ قرار الهجوم البري أحد مظاهر هذا الانقسام.

لكن تعالوا بنا نحسب خسائر الاحتلال الإسرائيلى بلغة الأرقام..لقد خسرت إسرائيل خلال ثلاثة أسابيع منذ بدء عملية طوفان الأقصى ما يزيد عن 10 مليارات دولار، بعضها بسبب التدمير المباشر للآليات والمبانى التى دمرتها صواريخ المقاومة، وبعضها الآخر فى العمليات الحربية المباشرة واستدعاء الاحتياطى والتعبئة العامة والطلعات الجوية المكثفة وفقدان الذخائر..لكن الأهم من هذا وذاك ما حدث فى إسرائيل من توقف تام للأنشطة الاقتصادية الكبري وفى  مقدمتها السياحة بسبب إلغاء كل الحجوزات والرحلات القادمة من خارج إسرائيل لتصبح الحركة الوحيدة للطيران هى من إسرائيل إلى خارجها..ونتيجة لهذا هبطت البورصة فى إسرائيل لأدنى مستوى لها منذ عقود لتخسر نحو 33مليار دولار، ولتنهار عملة الشيكل انهياراً غير مسبوق.. وهو ما دفع مؤسسات التصنيف الاقتصادى لخفض توقعاتها بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي.. وكل هذا أفضى لشلل تام فى الحياة اليومية للمستوطنين لدرجة عودة التعليم من المنزل والتعليم عن بعد كما كان يحدث أيام كورونا!

الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً نالت حظاً من تلك الخسائر، ولعل أهمها ما حدث من استهداف القواعد الأمريكية فى العراق وسوريا ، ليبلغ إجمالى عدد الهجمات ضد تلك القواعد ما يزيد عن 15 هجمة..كل ذلك أثر تأثيراً سلبياً كبيراً على وضع البيت الأبيض لدرجة إحداث انقسام فى الرأى داخل الكونجرس.. وهو ما قد يكون له أكبر الأثر فى نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة فى أمريكا!

نحو الهاوية!

كل خبراء البنتاجون السابقين والحاليين حذروا إسرائيل من أن عملية الاقتحام البري لغزة ستكون وبالاً على جيش الاحتلال، وأن خسائر إسرائيل ستتضاعف نتيجة هذا الغزو..لكن يبدو أن صناع القرار فى إسرائيل لديهم رأى آخر..

ثمة جبهات عديدة تنفتح على مصراعيها ضد إسرائيل..الجبهة الأكبر فى جنوب لبنان، والمناوشات تدور رحاها منذ مدة بين حزب الله وبين قواعد جيش إسرائيل، لكنها لم ترقَ بعد إلى حد القتال أو الاقتحام..ثم أن هناك مخاوف من قيام عدة بؤر جديدة للمقاومة فى الضفة الغربية والقدس، وثمة إرهاصات لها اليوم.. ولعل القرار الذى تم اتخاذه فى الأمم المتحدة بالإجماع لوقف إطلاق النار فى فلسطين المحتلة يكون له دور فى تهدئة الأوضاع بدلاً من توسيع نطاق الاقتتال..إلا أن ردود الفعل الإسرائيلية تسير عكس التيار ، وترمى بالقرار الدولى عرض الحائط، فى إصرار غريب على التمادى فى الإجرام ..وأغلب الظن أن المبرر وراء كل هذا ليس فقط القضاء على المقاومة الفلسطينيةكما أعلنت إسرائيل وإنما للإبقاء على الحكومة الإسرائيلية الحالية  برئاسة نتنياهو أطول وقت ممكن!!

والذى يبدو فى الأفق أن الرأى العام العالمى يزداد يوماً بعد يوم احتقاناً ضد إسرائيل، ودعماً للقضية الفلسطينية بما يشير إلى أن مآلات الأمور لن تكون أبداً فى صالح إسرائيل..حتى لو استطاعت السيطرة على المقاومة وتحجيم قدراتها كما تأمل..فإن الانقسام الداخلى فى إسرائيل يشي بالتصدع ، وأحلام إسرائيل فى التطبيع مع الدول العربية تحولت إلى كوابيس.

كل السيناريوهات التى وضعها المحللون كنهاية لتلك الحرب القائمة بين المحتل وبين المقاومة الفلسطينية تشير بشكل جازم أن إسرائيل تسير بخطوات متسارعة نحو هاوية سحيقة.. ومهما كان ما سيحدث فإن حلم تحرير الأقصى يبدو الآن أقرب كثيراً مما كنا نظن.

***

عبد السلام فاروق

لم يعد خافياً على أحد بأنّ وضع كيان الاحتلال الإسرائيلي وفق كل الخبراء العسكريين لا يبشر بخير، ناهيك عمّن يتنبأ منهم بزوال هذا الكيان الذي يمارس سياسة الفصل العنصري بحق الفلسطينيين وقد تضعضعت أركانه في كافة الصعد.

إذْ فتح على نفسه بعد قرار الحرب على غزة، عقب هزيمته المدوية في طوفان الأقصى، سبعَ جبهاتٍ من شأنها أن تحدِّدَ مجتمعةً مصيرَ الكيان الذي بات في مهب الريح وغير مستقر.. وتتجلى فيما يلي:

أولا:- جبهة قطاع غزة

نحن نتحدث هنا عن جبهة متدحرجة التداعيات نحو الذروة بتسارع قل مثيله. إنها غزة التي حُرِثَتْ أرضُها بالحديد والنار من جرّاء تعرضها لقصف إسرائيلي أمريكي همجي ممنهج فيما يوصف ب " قصف السجادة" وتحويل غزة إلى أرض محروقة.. ومن ثم الدخول في هجوم بري متعثر من ثلاثة محاور : شمال غرب القطاع انطلاقاً من بيت لاهيا وصولا إلى منطقة "الكرامة" على تخوم مدينة غزة من الجهة الشمالية الغربية، ومحور الشمال الشرقي عبر بلدة بيت حانون (معبر إيريز).. وأخيراً محور جنوب مدينة غزة وسط القطاع (خاصرته) بغية قطع مسافة 7 كم وصولاً إلى البحر وبالتالي تكون غزة لو نجحت الخطة، قد حوصرت من كل الجهات؛ لكن المقاومة أفشلت مساعي الاحتلال الميدانية في ذلك.

إذٍ اندلعت مواجهات مسلحة عنيفة بين المقاتلين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الإسرائيلي في منطقة حي الزيتون جنوبي شرق مدينة غزة بعد اجتياز الأرض الرخوة التي تم حرثها بالقنابل المحرمة، والوصول إلى مشارف ركام البيوت التي دمرت فوق رؤوس أهلها؛ لتبدأ المواجهات من منطقة الصفر، وبذلك تكون المقاومة قد شاغلت العدو باسلحتها الفاعلة والمصنعة محلياً لتلحق أكبر الضرر بالمعدات العسكرية الإسرائيلية ومن يتحصن في جوفها من جنود.. والنتيجة وفق اعترافات قادة "إسرائيل" كانت وخيمة.

ففخر الصناعة الإسرائيلية، دبابة (ميركافا) المصفحة جيداً إلى جانب ناقلة الجنود المجنزرة (نمر) قد تم اختراقهما وتفجيرهما بقذائف المقاومة المصنعة تحت أنفاق غزة، من نوع الياسين.

ناهيك عن فشل القبة الحديدية في التصدي لأكبر عدد من الصواريخ المصنعة محلياً بمدياتها المختلفة حيث تجاوزت نطاقها؛ لتصيب أهدافها في العمق الإسرائيلي وصولاً إلى حيفا بواسطة صاروخ عياش، وبئر السبع بصاروخ آر 160، مع القصف الصاروخي الكثيف للعاصمة تل ابيب ومدن غلاف غزة وصولاً إلى مفاعل ديمونا في صحراء النقب.

وهي ضربة أضرت بسمعة السلاح الإسرائيلي النوعي في سوق السلاح العالمي.

ناهيك عن عدد الضحايا الكبير في صفوف الجنود الإسرائيليين، حيث يتكتم عليه جيش الاحتلال.. فيما ننتظر وعود المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، بجدولة قوائمها الهائلة لنشرها على الملأ حتى تثبت فشل العملية برمتها وزيف نتائجها ومن ثم إحراج موقف نتنياهو على صعيد داخلي.

ومن المفارقات التي تقلق الإسرائيليين بأن ضحايا القصف الإسرائيلي الهمجي كانوا من المواطنين الأبرياء، جلهم كانوا من الأطفال والنساء والشيوخ.. الذين رفضوا الانصياع للضغوطات الإسرائيلية بتهجيرهم قسرياً نحو سيناء، ملتفين بشدة حول المقاومة كخيار فلسطيني وحيد.. وبما أنها نكبة ثانية أعلن عنها نتنياهو فإن أهل غزة ومعظمهم من اللاجئين الذين طردوا من بلدانهم عام ثمانية واربعين (النكبة الأولى) تعلموا الدرس فلن يثقوا سوى بمقاومتهم غير آبهين بالضغوطات والوعود الجوفاء.. فكيف يلدغ مؤمن من جحر مرتين!؟.

وسر الامتعاض الإسرائيلي من هذه النتيجة أن رجال المقاومة من كافة الفصائل ظلوا قابعين في الأنفاق متربصين بجيش الاحتلال؛ بانتظار الالتحام معه من منطقة الصفر.. في أتون الحرب البرية.. وقد صار لهم ذلك.

فالمقاومة وفق استراتيجيتها بعيدة المدى، تمكنت باقتدار من تحييد سلاح الجو الإسرائيلي من خلال حفر أنفاق عنكبوتبة بمواصفات عالية الجودة بطول 5000كم ومتفاوتة الأعماق، بحيث يتجاوز عمقها في بعض المواقع الحساسة أل 75م ، المناطق التي تتضمن مراكز القيادة والمستودعات والصناعات العسكرية في سابقة لا مثيل لها.

هذا إذا وضعنا في الاعتبار اختراق شبكة الأنفق للعمق الإسرائيلي، والتي تستخدم في تنفيذ عمليات وإنزالات ناجحة خلف خطوط جيش الاحتلال كما حدث قبل يومين عند معبر إيريز.

ثانياً:- جبهة الضفة الغربية

وهي الجبهة الساخنة في الضفة الغربية المحتلة التي حددت فيها المقاومة قواعد اشتباك تتناسب وظروف الاحتلال، الذي اعتاد على مداهمة المدن الفلسطينية بمرافقة رعاع المستوطنين، وانتهاك الأرض والإنسان والشجر. لكنها وفق كل التقديرات الموضوعية كانت اقتحامات فاشلة رغم تضافر جهود كل من جيش الاحتلال والموساد ويمان والشاباك والقنّاصة في عمليات محدودة، بعد تعرضها لمواجهات دامية من قبل المقاومة الموحدة من كافة الفصائل.

يحدث كل ذلك في الضفة الغربية الخاضعة لسلطة أوسلو التي ما زالت تنسق أمنياً مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، في الوقت الذي تعهدت فيه -وفق شروط أوسلو- بحماية المستوطنات رغم مخالفتها لبنودها، وقد سخرت السلطة لذلك أجهزة أمن قوامها 60 ألف عنصر أمني بكامل عتادهم العسكري..

ورغم ذلك لم توفر هذه الأجهزة التي من المفروض أن تكون وطنية، الحمايةَ للفلسطينيين المضطهدين الذين تُرِكوا في مهبِّ الريحِ دون نصير.

ثالثاً:- الجبهة الشمالية (جنوب لبنان والجولان)

وتمثل هذه الجبهةَ بصورة رئيسية، حزبِ الله الذي تنتظرُ صواريخُه المخيفة وعودَ سيّدِ المقاومة.

حزب الله الذي راح يشتبك مع الاحتلال (بالتدريج) منذ السابع من أكتوبر فقدم من خلال ذلك الشهداء، وأصاب في صفوف جنود الاحتلال أكثر من مئة قتيل، في إطار غرفة عمليات مشتركة ضمت إلى جانبِ الحزبِ، حماسَ والجهادَ الإسلاميّ في إطار وحدة الساحات رغم صعوبة الوضع اللبناني الراهن؛ بغية تشتيت انتباه جيش الاحتلال لأجل تخفيف الضغط عن غزة كمرحلة أولى وقبل الوصول إلى الذروة من خلال المشاركة الكاملة.

فماذا يحمل خطاب نصر الله الذي من المزمع إلقائه يوم غد، الجمعة وقد وعد أهل غزة بمفاجأة قوية!.

فلو تبين أن سيد المقاومة سيقرر المشاركة الكاملة في العمليات العسكرية، فهذا يعني بأن مصير الكيان الإسرائيلي سيوضع على المحك.. وقد يلجم ذلك عدوانه على غزة، وربما على عكس ذلك، إذْ سيؤدي إلى حرب إقليمية يحاول الجميع تجنبها وخاصة واشنطن.

رابعاً: جبهة الحوثيين

حيث اعلنت جماعة أنصار الله الحرب على الاحتلال نصرة للمقاومة الفلسطينية في إطار وحدة الساحات، ويبدو أنها حصلت على الضوء الأخضر من إيران الداعم الرئيسي لمحور المقاومة.

ويأتي إعلان الحوثيين، الذي جاء على لسان الناطق باسمهم، يحيى سريع، الثلاثاء، بعدما أعطت "إسرائيل "أمر الهجوم للقوات البرية في غزة، وفي أعقاب سلسلة دعوات متكررة وجهتها حركة حماس؛ لفتح جبهات أخرى بغية تخفيف الضغط عن القطاع المحاصر.

ومؤخراً تم اعتراض صاروخ أرض أرض أطلِق باتجاه إيلات، من منطقة البحر الأحمر فتم التصدي له من خلال منظومة السهم (حيتس).

أيضاً تم إسقاط صاروخين حوثيين من قِبَلِ الدفاعات الجوية الأردنية والسعودية؛ لذلك حرك الإسرائيليون بارجة بحرية عسكرية باتجاه البحر الأحمر لأجل التصدي للهجمات الصاروخية الحوثية المحتملة.

خامساً:- جبهة "ملف الأسرى" ومؤامرة تهجير الفلسطينيين، إذْ أبدت حماس استعدادها للتعامل مع الملف كوحدة واحدة أو تجزئته من خلال تصريحات السنوار بهذا الشان.

على صعيد إسرائيلي أحيلكم إلى ما قاله شاؤول موفاز، رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع سابقا، في مقابلة أجرتها معه القناة 12 العبرية، في سياق دعوته إلى الإفراج عن 6 آلاف أسير فلسطيني من سجون الاحتلال مقابل 229 من "الرهائن" الإسرائيليين لدى حركة حماس، مضيفا أنه كان من الأولى بدء الحرب بمواجهة حزب الله اللبناني.

أما بالنسبة لنتنياهو فقد وضع نصب عينيه تحقيق أهداف العملية بالقضاء على حماس وتحرير الأسرى وتهجير أهل غزة إلى سيناء، في مقامرة غير محسوبة قد تودي بمستقبله السياسي الذي سينتهي وفق معظم المؤشرات إلى السجن.

ولتنفيذ هذه الأجنده اقترف جيش الاحتلال المجازر بحق الفلسطينيين لدفعهم باتجاه جنوب القطاع وكان حصاده الخيبة، فالفلسطينيون أبدوا التفافهم حول مقاومتهم كخيار وحيد نحو التحرير الذي لا يتحقق بدون فاتورة باهظة من دماء الشهداء.

لقد توافق ذلك مع ممارسة الضغوطات الغربية على مصر من خلال وسيلتين:

- سياسة الأمر الواقع على نحو المشروع الألماني الرامي إلى تشكيل قوات غربية مشتركة للإدارة قطاع غزة؛ غير مدركين بأن المقاومة ستتعامل مع هذه القوات -المحتملة- كاحتلال مُقَنَّع، من خلال ليّ الذراع المصري.

- تقديم الإغراءات الاقتصادية على نحو تحرير مصر من ديونها؛ لفتح معبر رفح على مصراعيه وبالتالي استقبال اللاجئين الهاربين من جحيم الموت في غزة، وإقامة المخيمات لهم في سيناء، في سياق النكبة التي يلوح بها المخبول نتنياهو.

من جهتها رفضت مصر تلك الضغوطات؛ لتضع ضمن خياراتها إفشال هذه المؤامرة عسكرياً -لو تحتم الأمر- حيث تحتشد القوات المصرية عند معبر رفح من باب الدفاع عن سيادة مصر وأمنها القوميّ.

وهذا من حقها، فيما من شأنه -أيضاً- أن يثبّت الغزيين في أرضهم كدابهم في الحروب المتعاقبة.

سادساً: الجبهة الاقتصادية الداخلية

فبحسب أليكس زبينسكي كبير الاقتصاديين في شركة الاستثمار "ميتاف" ستصل أضرار الحرب إلى أكثر من 70 مليار شيكل (18 مليار دولار)، وهو ما يشكل حوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي.

وهذا قد يرغم "إسرائيل" على تعويض النقص في العمالة بعد التحاق 300 ألف مورد بشري منتج، إلى صفوف الاحتياط لمواجهة الخطوب في حرب غزة أو احتمالات نشوبها في الشمال مع حزب الله.

وسيتم ذلك من خلال استغلال حاجة سوق الموارد البشرية في الضفة الغربية بالتنسيق مع سلطة أوسلو.

قد يحدث ذلك رغم التعقيدات التي يشهدها هذا السوق الراكد في ظل بطالة تسبب بها الاحتلال من جراء العدوان المتكرر على المدن الفلسطينية. وهو دليل آخر على هشاشة الكيان وإفلاسه.

سابعاً:- جبهة الأمم المتحدة ومواقف الشعوب المناوئة لجرائم الاحتلال وفشل السياسة الإعلامية الغربية في تسوق الأضاليل إزاء الإعلام الرقمي الموازي الذي اعتمد على المادة البصرية المتصلة بالميدان.

ونتذكر هنا ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على وجه التقريب في أن ما قامت به المقاومة من خلال طوفان الأقصى لم يأت من فراغ.

وهي إدانة مبطنة لجرائم الاحتلال في الضفة الغربية والقدس المحتلة قبل السابع ىمن أكتوبر.

ناهيك عن حشر الكيان الإسرائيلي في الزاوية على صعيد جماهيري ليصل الحد ببعض الدول إلى قطع العلاقات مع تل أبيب رداً على مجازر الاحتلال كما فعلت بوليفيا.. أو طرد السفير الإسرائيلي كما فعلت كولمبيا وتشيلي والأردن.. او أيقاف الهرولة الإسرائيلية الأمريكية باتجاه صفقة تطبيع إبراهيمية مع السعودية.

لقد ثبت للقاصي والداني من خلال الفضاء الرقمي الذي فضح جرائم الاحتلال في الهلوكوست الفلسطيني، زيف الرواية الغربية المتجنية على الضحية.. ما تسبب بوقوف جماهير العالم الغفيره إلى جانب الفلسطينيين من خلال مليونيات طافت عواصم دول العالم وبخاصة الغربية منها، التي ما لبثت تؤازر "إسرائيل" ذلك الكيان الذي غرسه الغرب في قلب الوطن العربي كالسرطان.. من خلال وعد بلفور الذي تصادف ذكراه المشؤومة هذا اليوم.

***

بقلم بكر السباتين

2 نوفمبر 2023

بقلم:  T. H

من صفحة نورمان فنكلستين

ترجمة وتعليق: قصي الصافي

***

لماذا اخترت هذا المقال:

* منذ الحملة البربرية على غزه، توحد الاعلام الأمريكي والأوربي الرسمي في شن حرب اعلامية موازية لحرف الانظار أو تبرير الجرائم الصهيونية التي لا يمكن ادراجها الا ضمن بربرية القرون الوسطى. احدى وسائل هذه الحرب الاعلاميه التركيز فقط على ما ارتكبته حماس ضد المدنيين وانتزاع إدانتها من كل ناشط يناصر القضية الفلسطينية، وذلك لتبرير الابادة الوحشية التي يرتكبها الجيش الاسرائيلى بحق المدنيين والأطفال.

ما إن يستضاف ناشط مناصر للقضية الفلسطينية حتى تتحول المؤسسة الاعلاميه الى مؤسسة تحقيق أمنية تحاول أن تنتزع اعترافاً منه بان حماس منظمة ارهابية وعليه إدانتها. بعض المفكرين والناشطين المساندين لحقوق الشعب الفلسطيني رفضوا ادانة حماس - مع إقرارهم بلا إنسانية تعرضها للمدنيين- وذلك لأنهم أدركوا لعبة الاعلام و خبثه، و في مقدمة هؤلاء نورمان فنكلستين، تشومسكي، كريس هيجز، يانيس فيروفاكيس وآخرين. وفي المقابل بعض المثقفين العرب من اللبراليين أمثال ابراهيم عيسى ومجدي خليل وغيرهم لم يكتفوا بشتم وشيطنة اي نوع من المقاومة بل تعدوا ذلك الى ترويج الخطاب الصهيوني علانيةً وبحماس منقطع النظير.

المقال التالي المنشور في صفحة فنكلستين يتضمن في معظمه فقرات من مقالات كارل ماركس، يرفض فيها ادانة ثوار الهند فيما سمي آنذاك بحرب الاستقلال الاولى عام 1857 م، رغم إقراره بالفظاعات التي ارتكبوها، وهو يدين بدلاً من ذلك وحشية البريطانيين وسياسة الاذلال والقمع والتي انتجت غضباً متراكماً ونزعة انتقامية تجسدت بالعنف والقسوة التي ارتكبها الثوار.

** تمت الترجمة بقليل من التصرف كى تكون أقرب لأدراك القارئ العربي المعاصر دون اي مساس بالمضمون.

المترجم

...................

نص المقال:

حدث أن واجهت بريطانيا تمرداً واسعاً شكّل تهديداً خطيراً لحكمها في الهند عام 1857 م، وقد كانت الهند آنذاك معيناً غزيراً للثروة التي تستجرّها بريطانيا بقوة السلاح. بدأ عصيان الجنود الهنود (السيبويز) متمردين على قيادتهم البريطانية، ومن ثم توسع التمرد ليشمل فئات شعبيه واسعة من المجتمع الهندي وفي مناطق مختلفة. كان كارل ماركس آنذاك يكتب بانتظام في صحيفة ( ذا نيويورك ديلي تربيون )، وقد نشر العديد من المقالات عن الهند؛ وكان رد فعله لذلك التمرد ملهماً:

" ما ارتكبه السيبويز الثائرون كان حقاً صادماً ومريعاً يفوق الوصف - عنف كهذا لا نشهده إلا في الحروب القومية أو العرقية أو الدينية-. كانت بريطانيا تصفق لفظاعات أكثر قسوة، كالبشاعات التي ارتكبها الفنديون ضد البلوز* ، أو العصابات الاسبانية ضد الفرنسيين (الكفار)، أو الصرب ضد جيرانهم الالمان والهنغار، أو الكروات ضد ثوار فينا، أو حملة التقتيل والترهيب من قبل كافاغناك ضد ابناء وبنات الكادحين في فرنسا. مهما بلغت السمعة السيئة لما ارتكبه السيبويز الثائرون، فلم يكن ذلك إلا من مخرجات ممارسات العنف والقمع من قبل بريطانيا، ليس خلال فترة إنشاء امبراطوريتها الشرقية فحسب بل حتى في العشر سنوات الاخيرة حيث أمنت هيمنتها واستتب لها الاستقرار ولفترة طويلة. لنصف حكمها يكفي القول ان التعذيب الجسدي كان مرتكزاً اساسياً في سياستها المالية (هنا يلمح ماركس لشركة الهند الشرقية التي حكمت الهند باسم التاج البريطاني، والتي بلغت قسوتها بمعاقبة عمال مصانعها من الهنود - على سبيل المثال لا الحصر- بتقطيع اصابع اليد بالسيف.... المترجم). انها قاعدة تاريخية بان العنف والغضب المتراكم ينتج عنفاً مضاداً، وان العواقب ليست من صنع المظلوم بل هي مسؤولية من ظلمه "

(الفقرة السابقة يذكر فيها ماركس مجموعة من الثورات المضادة والحروب في زمانه والتي قد لا تكون مألوفة للقارئ مما يلزم التوضيح بإيجاز. الفنديين مليشيا فلاحية انضمت الى قوى الردة الملكية لمحاربة جيش الثورة الفرنسية و كانوا يدعونهم البلوز Blues لانهم يرتدون زياً أزرق، العصابات الاسبانية حاربت نابليون من عام 1808 الى 1814 في اسبانيا والبرتغال،  كافاغناك وزير دفاع فرنسا الذي ارتكب المجازر بحق ثوار 1848م. في كل هذه الاحداث التي تضمنت مجازر وأعمال ارهابيه كانت بريطانيا تحتفي بها، بينما تصف الثائرين ضد بريطانيا بالوحشية، الامر الذي نشهده اليوم أيضاً بوصم حماس بالارهاب وغض الطرف عن ارهاب الدولة الاسرائيلية، ناهيك عن مجازر الغرب في الدول النامية في فترة الاستعمار القديم والحديث.... المترجم).

" ونحن أمام هذه الكارثه، من الخطأ الفادح أن تنسب البشاعة للثوار السيبويز، بينما نفترض أن نهر الطيبة والروح الانسانيه يتدفق على الضفة البريطانية... رسائل الضباط البريطانيين ترشح عنفاً و أحقاداً "

(هنا يشير ماركس الى رسائل علنية لضباط الجيش البريطاني وهم يتبجحون بممارساتهم الوحشية مثل شنق أو قتل اي هندي يصادفونه بالشارع، أو حرق قرى بسكانها وهتك الاعراض، والاسرائيليون هم أيضاً لا يخفون نيتهم بالابادة الجماعية بتبجح، يكفي ان نذكر تصريح نتنياهو وهو يستشهد بسورة صاموئيل بالتوراة آية العماليق " أقتلوهم جميعا، رجالهم و نساءهم وأطفالهم و رضّعهم، اقتلوا عجولهم وماشيتهم، جمالهم و حميرهم.." ... المترجم)

" علينا ايضاً أن لا نغفل كيف تتم رواية الفعل البريطاني - على طريقة اسرار الخلافات الزوجية - إذ تروى بشكل مبسط و موجز وسريع دون الدخول في التفصيلات المريعة و المقززة، بينما تجري المبالغة و التهويل بما ارتكبه الهنود فيخبروننا عن جدع الأنوف، وبتر الاثداء وغير ذلك. المفارقة هنا ان البشاعة التي ارتكبها السيبويز تثير مشاعر الاوربي أكثر من القاء قذائف حارقة على مجمعات سكنية من قبل رئيس جمعيه السلام في مانشستر، أو حرق العرب الذين حوصروا في كهف من قبل مارشال فرنسي، أو سلخ جلود الجند البريطانيين بالسياط على وقع طبول المحاكم العسكرية، أو ماتبتكره بريطانيا في مستعمراتها من أجهزة التعذيب (الخيرية). البشاعة مثل اي شئء آخر تتغير حسب المكان والزمان، فالقيصر يعلن صراحة أوامره بقطع إيدي الآلاف من جنود الغال، الأمر الذي يخجل من فعله نابليون الذي يفضل ان يرسل جنوده الذين يشك بولائهم الى سانت دومنغو ليموتوا بالطاعون"

(الاعلام الغربي اليوم لا يختلف كثيراً عما وصفه ماركس في الفقرة السابقة، اذ يخفي جرائم اسرائيل ويردد عبارة حقه في الدفاع عن نفسه، بينما لايكتفي بسرد تفاصيل مافعلته حماس بالمدنيين، بل يلفق روايات وأكاذيب عن أعمال مروّعة ثبت عدم صحتها في فضائح متكررة لاعلام عالم الكلمه الحرة. ... المترجم)

" جون بيل (الاسم التقليدي للمواطن الانكليزي) يجب ان يغرق حتى اذنيه بروح الثأر والانتقام، كي ينسى أن حكومته هي المسؤولة عن انتاج العنف المضاد بصيغته المرعبة"

في مقالة منفصلة يشرح ماركس دور التعذيب الجسدي الذي يمارسه البريطانيون على الهنود لمراكمة الثروة، ويختم مقاله بالفقرة التالية:

" ما بيناه ليس الا فصلاً موجزاً  ومخففا من التاريخ الحقيقي للحكم البريطاني في الهند، وفي ضوء تلك الحقائق ألا يخلص الرجل العاقل والمجرد من الانحياز العاطفي إلى أنه من العدل ان يقاوم الشعب لطرد محتليه الاجانب وهم يمعنون في اذلاله؟، أليس من المستغرب أن ندين المتمردين الهندوس في خضم ثورة تمرد وصراع بالجرائم والفظائع المزعومة؟

***

..................

1 -Marx and Engels, The First Indian War of Independence 1857-1859, pp. 79-82; available online at https://www.marxists.org/archive/marx/works/1857/09/16.htm

رابط

2 -Ibid. 67; available online

at https://www.marxists.org/archive/marx/works/1857/09/17.htm

رابط ناشر المقال

https://substack.com/redirect/8066b205-756e-4d10-ae45-24fa0aa79e66?j=eyJ1IjoiczlxN2kifQ.yWs-YOkyFkraEJvD3LOtsu5B8HkkGX636-NM1ziyTbk

سجّلت مفاجأة «طوفان الأقصى» يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر حدوداً كاشفة لما سبقها وما سيأتي بعدها. أبرزها هزيمة ما كان مطروحاً عن قوة الجيش الذي لا يقهر وقدراته الخرافية، وعن أجهزة المخابرات ومؤسساتها، وعن الانهيار في خطط حصار غزة، بمليونَيها والثلاثمئة ألف إنسان فيها، وجدران الحجز والحجر للمساحة المحددة في قطاع غزة، الثلاثمئة وستين كيلومتراً مربعاً وبامتداد طولي واحد وأربعين كيلومتراً، وعرض بين خمسة وخمسة عشر كيلومتراً، وبالاختراق الكبير لكل ذلك بما فيه أسلوب «الطوفان» وممارسته وهجومه براً وبحراً وجواً. وهو ما أذهل، ليس إدارة الاحتلال المحلية وحسب، بل إدارات الإمبريالية الغربية ورأسها الولايات المتحدة الأميركية، ورد فعلها المباشر انعكس على مختلف المستويات والأصعدة، إعلامياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وغيرها. وقيامها بالتعبئة الكاملة والشاملة، من تجييش وسائلها الإعلامية خصوصاً، والناطقة بالعربية منها، إلى التحشيد العسكري بمختلف الأنواع، عدة وإعداداً، من حاملات طائرات إلى قواعد صواريخ وقوات خاصة، وتسمين أغلب القواعد العسكرية المزروعة في المنطقة ومحيطها أيضاً.

بعد 75 سنة من النكبة والحصار والظلم والاضطهاد والنزوح واللجوء والسجن والقمع والإرهاب والتمييز العنصري وتفشي الفاشية في التحكم والاستبداد، تقدّمت فصائل المقاومة الإسلامية الفلسطينية وحلفاؤها وأذلّت كل ذلك الكيان الاستيطاني الوحشي، المدجج بكل ما تعنيه الكلمة، بكل أنواع الأسلحة والأجهزة والدعم والمساندة التي لا تقدّر نسبها ولا تحصى أرقامها ولا تعدّ أصنافها، عدداً وكمية وموازنة وقدرات. كل هذا تعرّى صباح ذلك اليوم الفاصل، وأعطى لصبر المقاومة الفلسطينية واستعداداتها وتحضيراتها، واستراتيجيتها وتكتيكها، أسباب النجاح والفوز وتحقيق الهدف لها وفي أعمالها، في خوض معركة محسومة ومسندة من محور ضامن، لا يتردّد فيها ولا يخاف من تهديدات وخطط الإمبريالية وإمبراطوريتها وقاعدتها الاستراتيجية، ولا يهاب تبعاتها وعدوانها المتواصل. بل عزمت وحققت وأنجزت، فكسبت ما كسبت وهان عندها خطر العدو والعدوان وركبت مركب النصر والتضحيات على طريق تحرير فلسطين، من الفاء إلى النون، وعاصمتها القدس الشريف، والأقصى عنوان طوفانها الهادر.

برزت وحشية العدوان وفاشية العدو مباشرة، في إعلان الحرب والرد بالنار وبالأسلحة المحرّمة، مسنوداً من آلة الحرب الإمبريالية، من حاملات الطائرات والبوارج التي مخرت عباب البحار إلى شواطئ فلسطين والمنطقة وإلى جسور الإمداد المتواصلة عبر السفن والطائرات وإلى المساهمة الفعالة والمكثفة من عناصر النخب العسكرية والوحدات الخاصة والمتدربين على الذبح والإبادة والقتل الجماعي. وكشفت هذه الأساليب الوحشية خسّة ضمائر الزعماء الغربيين وازدواجية معايير سياساتهم وكيلهم الكيل بأكثر من مكيال، فتنافسوا في الخداع والتضليل والكذب والنفاق، في خطبهم وإدارة وسائل إعلامهم واتخاذهم لقرارات تحظر التظاهر وحرية التعبير، وإصدار قوانين تعاقب كل من يؤيد حقوق الشعب الفلسطيني ويرفع علم فلسطين ويدين الحرب والعدوان على الفلسطينيين، متناقضين في إدعاءاتهم عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديموقراطية واحترام القانون.

أمام كل هذا، «طوفان الأقصى» وردّ الفعل الفاشي الصهيوغربي، اندلع طوفان غضب شعبي عارم، حمل رايات الانتصار للإنسانية والعدالة والحريات واحترام حياة الإنسان وكرامته وقيمه المشروعة. وعبّر عن احتجاج واضح ضد سياسات حكوماته ونهج الازدواجية والنفاق الغربي، خصوصاً، فامتلأت شوارع عواصم الدول ومدنها الرئيسية، التي شاركت في العدوان الوحشي، بالمتظاهرين الذين رفعوا شعار «الحرية لفلسطين» مصحوباً بعلم فلسطين، وطالبوا بوقف الحرب والعدوان فوراً. ورغم أن وزارات داخلية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأستراليا وكندا والسويد والنمسا وتابعيها المشتركين معها، أصدرت قرارات منع التظاهر ووضعت عقوبات على المتظاهرين وأوقفت عدداً من المشاركين ورافعي «علم فلسطين» ومارست أعمال إرهاب واقتحام لبعض بيوت لناشطين من الفلسطينيين والعرب الآخرين وحتى من الأحرار الأجانب، إلا أن التظاهرات المحتشدة فاجأت تلك الحكومات وأرعبتها بأعدادها الغفيرة؛ مئات الآلاف أو بالملايين، وتنشيط روح التضامن الإنساني العالمي وتحمّل كل تلك الإجراءات وظروف المناخ أو الأساليب البوليسية والمضايقات والتضييق العنيف.

لقد شاركت الجماهير الشعبية في التظاهرات في بلدان أخرى، كإسبانيا وإيرلندا كما في اسكتلندا وهولندا وبلجيكا وماليزيا وتركيا وإيران وكذلك في مدن عربية، كواجب عروبي، ومهمة عقائدية وقومية، في المغرب وتونس والجزائر ومصر واليمن والأردن والعراق والكويت والبحرين وعمان وسوريا ولبنان وموريتانيا وليبيا وغيرها، كما جرت وقفات لأعضاء نقابات ومنظمات مهنية وطنية وإقليمية، كنقابات العمال والمحامين والصحافيين وغيرها وطلاب الجامعات والمعاهد في العديد من المدن العربية والأجنبية. وفي المحصلة، حدث طوفان غضب شعبي عارم. طوفان يتوازى مع «طوفان الأقصى» ويسنده ويتماهى معه، ويكسب مدده ومداه، ويتقدّم عبر شوارع العواصم والمدن الأخرى في أنحاء العالم بمواقف إنسانية عامة وردود فعل تاريخية تثبت قوة الرأي العام وشجاعته في الدفاع عن الحقوق المشروعة وعن كرامة الإنسان والقيم الإنسانية المعهودة وفضح التناقضات وازدواجية المعايير وتجميل الانتهاكات للقانون الدولي والاختراقات للمواثيق والأعراف الدولية، وحتى الدساتير لأغلب الدول المشاركة في العدوان الإمبريالي، وتعرية جرائم الحرب وتزوير الحقائق والانحياز الأعمى لجرائم الحرب والاحتلال الاستيطاني ضد الإنسانية.

طوفان الغضب الشعبي العالمي يتواصل مع تصاعد جرائم الحرب الصهيونية ويكشف المشاركين فيها بكل أصنافهم وإسهامهم والمتخادمين معهم في المنطقة، وهو ما لم يكن متوقعاً قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ويثبت أن العدوان الصهيوغربي على الشعب الفلسطيني، الذي يأخذ من قطاع غزة، وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، ذريعة وهدفاً رئيسياً للإمعان في العدوان الوحشي وفي التركيز على التدمير الشامل والإبادة البشرية الجماعية وتخريب البنى التحتية والمستشفيات والمدارس ودور العبادة والمخابز وأبراج السكن المدني، من دون أيّ مراعاة لقانون أو حقوق أو نظم أو قواعد حرب أو اشتباك أو أخلاق عامة.

دفعت هذه الجرائم الفاشية عدداً من النواب الأوروبيين في البرلمان الأوروبي أو برلمانات بلدانهم، مثل إيرلندا أو إيطاليا أو إسبانيا، إلى المطالبة بمحاكمة العدوان ومجرميه الإسرائيليين وداعميهم وكل من يساندهم، وإيقاف الحرب فوراً، ورفع الحصار المستمر والمتصاعد بوحشية، وتوفير كل مستلزمات العيش الكريم، من طاقة وكهرباء وماء ودواء وغذاء وإعادة إعمار وبناء، دون انتظار أو تأخير، قبل اتساع المقاومة وخروج المنطقة كلها عن السيطرة.

جرائم الحرب الصهيوغربية تمادت أكثر من ادعاءات الإدارات المشاركة في تصعيدها وتجاوزت كل حدود أو قواعد أو قوانين، بشكل أكبر من سابقاتها، وهي موثّقة بالصوت والصورة، وأمام أنظار العالم كله، حكومات وقيادات سياسية، دولية وإقليمية، ومنظمات دولية، كأنها ارتدت نظارات سوداء عمّا يحصل ويجري من توحشٍ فاشيّ لا يمكن إنكاره أو تبريره أو التستّر عليه. حيث ستكون بالتأكيد وصمة عار وصفحة سوداء في التاريخ، للقيادات السياسية من أصحاب القرار وحكومات الدول التي تلطخت وجوهها بدماء أطفال ونساء وشيوخ غزة، والمنظمات المتناسية لبرامجها ومواثيقها وشعاراتها.

***

كاظم الموسوي

فى بدايات الحرب العالمية الثانية استطاعت الطائرات الألمانية الوصول إلى العاصمة البريطانية لندن وظلت تدكها على مدى57 يوماً كاملة، ووصل حجم الدمار حداً هائلاً.. ورغم ذلك لم تسقط بريطانيا فى يد دول المحور، بل وسرعان ما انقلبت هزائم بريطانيا إلى انتصارات فيما بعد..

الوضع فى فلسطين المحتلة يشير إلى هزائم متتالية لجيش الاحتلال ميدانياً رغم ما ترتكبه طائراته من مجازر وجرائم حرب، آخرها ما حدث من إلقاء قنابل فسوفورية على المدنيين بعد سقوط ما يقارب 10 آلاف شهيد نتيجة تلك الغارات التى لم تتوقف على مدار ثلاثة أسابيع كاملة..

الخبراء العسكريون فى أمريكا وغيرها يؤكدون أن ما تتعرض له إسرائيل لا يمثل إلا انهزامات متتالية على جميع المستويات العسكرية والإعلامية والسياسية والمجتمعية والاقتصادية..لدرجة أن المستشارين الأمريكيين حذروا إسرائيل من مواصلة حربها على قطاع غزة ما دامت لا تملك القدرة على تحديد أهداف ملموسة من هذه الحرب وتحقيقها على الأرض..

والسؤال الذى يشغل بال الكثير من المراقبين هو : كيف حققت المقاومة الفلسطينية كل هذه الانتصارات المتتالية المدهشة بإمكانياتها الضعيفة ، والتى لا تمثل 1% من إمكانيات جيش الاحتلال؟ وما السر فى تلك الهزائم المتكررة للجيش الإسرائيلى؟!!

مفاجآت المقاومة

لعل أكبر وأهم عامل من عوامل النصر فى المواجهات التى نفذتها المقاومة منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم هو عنصر المفاجأة الخاطفة.. وقد نفذته المقاومة باقتدار وكررت تنفيذه بفاعلية..

لم يتخيل المستوطنون اليهود فى غلاف غزة ما حدث من اقتحام للسياج وتوغل الفلسطينيين عدة كيلومترات، ثم جمع هذا العدد الكبير من الأسرى من أجل تحقيق نقاط فوز تصلح للتفاوض فيما بعد.. تلك المفاجأة التى أربكت حسابات جيش الاحتلال ودفعت نتنياهو لاقتراف أكبر أخطائه حين أمر بتنفيذ بروتوكول هانيبال وقتل الأسرى مع خاطفيهم..وهو ما أهاج الرأى العام عليه، وازداد هذا الهياج يوماً بعد يوم خاصةً عندما تم الافراج عن بعض الأسيرات اللاتى فضحن ما فعلته القوات الإسرائيلية من قتل عشوائى سقط على إثره عدد من الأسرى الإسرائيليين قتلى!

ولم تمر بضعة أيام حتى قام عدد من الضفادع البشرية أقل من عدد أصابع اليد الواحدة بالوصول إلى منطقة زيكيم، ليهاجموا القاعدة الإسرائيلية الرابضة هناك، ويحققوا انتصارات نوعية..تلك مفاجأة أخرى.. ثم المفاجأة الثالثة الكبري والتى جاءت على إثر محاولات الاقتحام البري المتتالية على قطاع غزة فإذا بالمقاومة تنفذ عملية إنزال خلف الخطوط عند معبر إيرز الحدودى..ويتم تدمير عدد من الآليات والدبابات وتقع قوات الاحتلال فريسة للخوف والهلع والارتباك!

مثل تلك المفاجآت المتتالية ساهمت بشكل كبير فى إضعاف الروح المعنوية لدى الجنود والقادة، وإرباك حسابات جيش الاحتلال، حتى وصل الأمر إلى يقين لدى كثير منهم أنهم إنما يواجهون أشباحاً وظلالاً لا يمكن التنبؤ بتحركاتهم القادمة!

الأسلحة المبتكرة

جميع وسائل الإعلام راقبت عمليات الإنزال الأولى التى تمت عن طريق طائرات شراعية محلية الصنع، ذات لمسة إبداعية، استطاعت اختراق رادارات ورواصد ودفاعات الجيش الإسرائيلي فى أول يوم من عملية طوفان الأقصى..وهو ما أشار إلى التقدم النوعى الذى حققته المقاومة فى المعدات والأسلحة..

استفادت المقاومة من أسلوب حرب الشوارع الذى سبق لأوكرانيا استخدامه ضد القوات الروسية، وكانت الدراجات الهوائية إحدى أهم تلك الأساليب الفعالة التى استطاعت سباق الدبابات بطيئة الحركة نوعياً.. وقد حدث اقتحام المستوطنات فى بداية عملية طوفان الأقصى بالدراجات، وأمكن اصطياد عدد كبير من الأسرى،كارت القوة الأول لدى المقاومة، بهذه الطريقة التى تبدو بدائية وإن كانت فعالة!

ثم جاء الدور على حرب القذائف والصواريخ، لنسمع أسماء جديدة لصواريخ ومقذوفات تستخدمها المقاومة للمرة الأولى بهذه الكثافة..فمن صواريخ قسام إلى صواريخ سجيل وحتى صواريخ عياش ، وكلها أثبتت فاعلية كبيرة فى ميادين القتال، واستطاع بعضها الوصول إلى تل أبيب وعسقلان وبئر سبع إلى درجة سقوط صاروخ منها حول مفاعل ديمونة النووى..

الغريب أن عدد الصواريخ المستخدم كبير جداً لدرجة أنه استنفذ قدرات القبة الصاروخية فى ملاحقته، بما تسبب فى تدمير منشآت عدة فى أماكن سقوطها! وبعض التقارير الغربية تؤكد أن المقاومة الفلسطينية تمتلك ترسانة صاروخية تقدر بنحو 30 ألف صاروخ وربما أكثر!

لم تتوقف قدرات المقاومة الفلسطينية الابتكارية عند هذا الحد، بل إنها اقتحمت مجال حرب المسيرات والطائرات الموجهة بالريموت كونترول، إما لأغراض استطلاعية أو قتالية ..وقد شهد عام 2014 باكورة إنتاج المقاومة لمثل هذه الطائرات عندما أطلقت طائرة "أبابيل1"..ثم جاءت بعدها عدة أنواع أخرى جديدة أهمها طائرة شهاب التى دخلت الخدمة عام 2021..ثم طائرة الزوارى الاستطلاعية والتى أثبتت فاعلية كبيرة خلال عمليات طوفان الأقصى..  التقارير الغربية تشير إلى عدد كبير من الأسلحة والمعدات والذخائر والصواريخ تمتلكها المقاومة الفلسطينية وأكثرها مخبأ فى شبكة أنفاق تمتد لعشرات الأميال!!

أنفاق الهلاك

بعد الضربة الموجعة التى تلقتها إسرائيل يوم السابع من أكتوبر، جاء القرار باعتزامها اقتحام غزة للقضاء على المقاومة وتدمير الأنفاق..ثم إنها الآن تقف حائرة مترددة لا تعرف كيف تقتحم غزة ولا كيف يمكنها تدمير شبكة الأنفاق الجهنمية!

على مدار 10 سنوات استطاعت المقاومة الفلسطينية فى غزة حفر شبكة ضخمة من الأنفاق تمتد بطول وعرض القطاع بأكمله يقدر عددها اليوم بنحو 1300 نفق تمتد بأطوال تصل لنحو 500 كيلومتر..بينما لم تستطع الدبابات الإسرائيلية اختراق شارع صلاح الدين الخالى فوق الأرض بطول لا يزيد عن خمسة كيلومترات بعرض القطاع!!

يقول الرئيس السابق لمجلس الأمن القومى بالحكومة الإسرائيلية أن تقديراتهم لطول الأنفاق الغزاوية يصل بها إلى آلاف الكيلومترات.. ويقال أنها ثانى أطول شبكة أنفاق عالمياً بعد شبكة أنفاق كوريا الشمالية! لهذا ترى إسرائيل صعوبة فى إيجاد طريقة لاقتحام مثل تلك الشبكة الضخمة فضلاً عن تدميرها!

بعض الخبثاء من البنتاجون يحاولون الإيحاء لإسرائيل من طرف خفى بضرورة استخدام غاز الأعصاب المحرم دولياً من أجل القضاء على سكان الأنفاق من قوات المقاومة التى يقدر تعدادها بين 30 و40 ألف مقاتل وربما أكثر..وهناك محاولات لرسم خرائط لتلك الشبكة العنكبوتية من الأنفاق بأجهزة رصد حديثة تستخدم فى الأصل لكشف وسبر الهزات الزلزالية..

هناك حياة كاملة تحت الأرض فى غزة، لدرجة أن الغزاويين يقولون إن تحت الأرض "غزتين" ، وأن بعض الأنفاق تصل فى أعماقها السفلية حتى 70 متراً..فكيف ومتى تم بناءها فى غفلة من إسرائيل؟!

جيش بلا عقيدة قتالية

لعل غياب العقيدة القتالية أو ضعفها فى نفوس الإسرائيليين يمثل أكبر العوامل لهزيمتهم على الأرض، ولهذا بدا أن معنوياتهم وحالتهم النفسية فى الحضيض، وهو ما أدى لانقسامات داخل الجيش نفسه على مستوى القيادة نزولاً إلى المستويات الدنيا من جيش الاحتلال..

التهرب من التجنيد الآن هو السمة الأساسية الغالبة فى تصرفات أولئك الذين يتم استدعاؤهم من الاحتياط..وكثير من الإسرائيليين يبادرون بمغادرة إسرائيل إلى دول أخرى فراراً من الاستدعاء..وهذا هو الفارق الجوهرى بين جيش هارب منقسم على ذاته، وبين مقاتلين باعوا أنفسهم من أجل قضيتهم الكبري للانتصار لضحاياهم وشهدائهم، واستعادة أراضيهم المسلوبة.

***

د. عبد السلام فاروق

العنوان في أعلاه ليس لنا بل لـ "هيومن رايتس ووتش" في تقرير صدر في (34) صفحة  بعنوان: (تنويم القانون: العنف ضد المحتجين وإفلات الجناة من المساءلة في العراق) إن الحكومة العراقية في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لم تفِ بوعودها بالمساءلة القانونية لموظفي أجهزة الأمن التابعة للدولة وعناصر الجماعات المسلحة التي تدعمها الدولة المسؤولة عن قتل وتشويه وإخفاء مئات المتظاهرين والنشطاء منذ 2019. وان الكاظمي الذي تولى السلطة في مايو/أيار 2020 وعد بالعدالة في جرائم القتل والإخفاء، لكنه عندما ترك منصبه لم تكن حكومته قد أحرزت أي تقدم ملموس في محاسبة المسؤولين، مع انه أنشأ  بعد ستة أشهر من توليه منصبه، "لجنة لتقصي الحقائق" للتحقيق في العنف الذي ارتكبته قوات أمن الدولة والجماعات المسلحة ضد المتظاهرين والنشطاء. لكن اللجنة لم تنشر أي معلومات جوهرية حول النتائج التي توصلت إليها، ولم تكشف حتى عن القضايا التي حققت بها، ناهيك عن نتائج التحقيقات التي أجرتها.

وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "بعد عامين ونصف من تولي الكاظمي السلطة، تبيّن أن وعوده بالعدالة في قضايا العنف الشرس ضد المتظاهرين السلميين فارغة، والقتلة يسرحون بحرية. وأضاف أنه تم قُتل حوالي 500 متظاهر في الأسابيع القليلة الأولى فقط من انتفاضة اكتوبر / تشرين 2019  على يد قوات الأمن العراقية والجماعات المسلحة المدعومة من الدولة.

ولقد حققت هيومن رايتس ووتش في 11 حالة لعراقيين تعرّضوا للعنف بسبب الاحتجاج والنشاط السياسي، وحصل انه تم قُتل خمسة منهم، بينهم امرأتان، وأصيب خمسة آخرون واختُطف أحدهم وما يزال مفقودا. وافادت بأن اسر القتلى (الشهداء) والمخفيين رفعوا قضايا قانونية لدى الشرطة والسلطات القضائية، لكن بعد إبداء السلطات اهتماما أوليا، مثل جمع تفاصيل هذه القضايا، لم تستأنف الشكاوى القانونية ولم تتابع السلطات عمليا تحقيقاتها أو محاولات تحديد هوية المسؤولين ومحاسبتهم. وتابعت بأن بعض الأشخاص الذين قابلناهم،قالوا إن قضاياهم "نُوِّمت" ببساطة.

وتوثق هيومن رايتس ووتش حكاية المواطن امجد الدهامات (56 عاما) وتصفه بأنه كان ناشطا بارزا في مدينة  العمارة ،وانه بعد اسابيع من تظاهرات  نوفمبر/تشرين الثاني 2019،  اغتيل الدهامات بعد مغادرته اجتماعا مع قائد كبير في الشرطة في مركز الشرطة الرئيسي في العمارة على بعد بضع مئات الأمتار فقط من مقر الشرطة!. وتضيف بأن شقيقه علي (52 عاما) رفع  دعوى قضائية إلى السلطات  بغية تحقيق العدالة لشقيقه دون نتيجة تذكر،بل أنه تلقى  تهديدات بالقتل وأجبِر على الفرار من العمارة، وتنقّل من مدينة إلى أخرى خوفا من أن يُقتل هو أيضا!.

التعويضات

وفقا للأمم المتحدة فان الحكومة العراقية (الكاظمي) وعدت بتعويض آلاف المتظاهرين الذين شُوّهوا أو أصيبوا خلال الاحتجاجات. لكن عددا قليلا فقط منهم حصل على تعويضات عن إصاباتهم، وتم ذلك بعد فترات انتظار طويلة – في بعض الحالات تصل إلى عامين ونصف – وبتكلفة مالية كبيرة دفعتها اسر الضحايا  للمحامين.

ودعت (منظمة حقوق الأنسان) حكومة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الى  نشر معلومات بشأن تحقيقات لجنة تقصي الحقائق في عمليات قتل المتظاهرين، وإصابتهم، وإخفائهم أثناء الانتفاضة وبعدها، وحث السلطات القضائية على الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بوضع التحقيقات وسير القضايا،وأضافت بأنه (ينبغي لحكومة السوداني مضاعفة الجهود لتعويض ضحايا العنف، بإجراءات تشمل وضع سياسة تعويض للمصابين تكون واضحة وموجزة، وتحديد خطوات مباشرة تقلل العقبات البيروقراطية التي تعيق الحصول على التعويضات). وقال كوغل: "أسقطت انتفاضة 2019-2020 الحكومة ودفعت إلى إجراء انتخابات مبكرة، وطالب المتظاهرون بمحاسبة مرتكبي أعمال العنف التي تعرضوا لها،يمكن لرئيس الوزراء، وينبغي على السيد السوداني، العمل لتحقيق العدالة التي لم يحققها سلفه".

استنتاج:

في ضوء هذه الحقائق التي وثقتها جهات دولية وليست عراقية، نستنتج الآتي:

ان حكومتي السيدين مصطفى الكاظمي ومحمد شياع السوداني لم تقوما بواجبهما بالمساءلة القانونية لمرتكبي قتل اكثر من سئمئة مواطنا عراقيا وجرح اكثر من عشرين الفا بينهم الآف اصيبوا باعاقات دائمية من المشاركين بتظاهرات تشرين/ اكتوبر 2019. وان من لجأ الى مؤسسات السلطة ( الشرطة والقضاء) من اسر الشهداء للمطالبة بتحقيق العدالة بحق قتلتهم..تعرضوا للتهديد وبينهم من قتل.

ولأن السيد الكاظمي والسيد السوداني جاءا بموافقة احزاب وكتل سياسية شيعية ، وانهما بحكم تكليفهما من قبلها لا يمتلكان ارادة حرة..فان تلك الجهات هي المسؤولة عن عدم الكشف عن الجناة ..وسيبقى قتلة شهداء الانتفاضة الأكبر والأطول زمنا  والأفجع في تاريخ العراق، طلقاء ما دام المحاصصون والطائفيون يمتلكون السلطة والقوة والمال..ونبقى نعلل النفس بأن التاريخ يحدثنا أن الطغاة والمستبدين والفاسدين..زائلون ، ملعونون..وأن الشهداء من اجل الحرية والكرامة والعدالة ..خالدون مبجلون.

***

ا. د. قاسم حسين صالح

مر عام على تشكيل الحكومة التي اتفقت عليها اطراف الاطار التنسيقي بالتحالف مع الكرد والسنة بعد وصول نواب الشيعة الخاسرين للبرلمان عقب الخطوة الغير مدروسة للتيار الصدري التي ادت من الناحية العملية "تشكيل حكومة المالكي الثالثة" والموالية لايران وبمباركة الامريكان وبمراجعة سريعة لما حققته هذه الوزارة على ضوء برنامجها المقر من البرلمان في تشرين الاول 2022 نجد ان الحكومة فشلت بامتياز في تحقيق معظم مواده خاصة وانها ادعت انها ستكون حكومة خدمات 

ان الفساد الذي زاد انتشارا من الموصل الى البصرة اصبح يهدد بتفكيك الدولة الهشة العاجزة عن التصدي له وقد اعطت الحكومة اسوأ مثال عند اطلاق سراح "صاحب سرقة القرن" مع مسرحية مضحكة قام بها رئيس الوزراء في التلفزيون بتكديس بضعة ملايين من الدنانير على جانبيه وهي قد لا تتجاوز 1% من المليارات التي سرقها نور زهير ولازلنا بانتظىر استرجاع تلك الاموال المنهوبة كما وعدوا ! ان غياب الشفافية والمحاسبة وعدم فضح الفاسدين والسراق في محكمات علنية وكذلك عدم تطبيق مبدأ من اين لك هذا سوف يبقي الوضع الحالي دون تغيير الى اليوم الذي بتخلص الشعب من هذا الحكم الفاشل مرة والى الابد .

يتعهد برنامج الحكومة بالعمل السريع على توفير الخدمات التي تمس حياة المواطن ولكن واقع الحال يشير الى فشل تام في توفير الكهرباء الذي يعتبر الشريان الرئيسي لكافة مجالات الحياة ويضاف الى ذلك الفشل التام في القطاع الصحي الذي تتدهور خدماته بشكل متواصل اما قطاع التعليم فحدث بلا حرج حيث تم تسليم وزارة العليم العالي لشخص يحمل شهادة مزورة من ضمن الاف الشهادات المزور التي تم شراؤها من الجامعة الاسلامية اللبنانية .

المعروف ان المرافق الحكومية تعاني من تضخم هائل بالموظفين واضافت الحكومة الى هذه البطالة المقنعة حوالي مليون درجة وظيفية اخرى بسبب الوفرة المالية من ايرادات النفط بدلا من الاهتمام بانشاء مشاريع منتجة تستوعب الملايين من العاطلين ويمكن اعتبار ذلك احدى وسائل شراء اصوات الناخبين دون تقديم حلول ناجحة بعيدة المدى كما نلاحظ تزايد الجريمة المنظمة بسبب زيادة الفقر وخاصة عصابات المخدرات والمتاجرة بالبشر والدكات العشائرية .

هناك مشكلة اخرى يعاني منها الفرد العراقي يوميا وهو الفرق في سعر الدولار والذي يؤثر مباشرة على اسعار كافة السلع والتي هي في غلاء مستمر في حين تزداد نسبة الفقر وتستمر الحكومة بالتعهد بزيادة الفرص الاستثمارية في ظروف انتشار الرشوة والمحسوبية وغياب الضوابط القانونية اذ تقوم الفئات المتنفذة والمسيطرة على الحكم باستخدام "الاستثمار" كوسيلة لنهب اموال البلد دون ان نشاهد على ارض الواقع اية مشاريع حقيقية اى ان مانراه حاليا هو مواصلة لنفس الاساليب الفاشلة لجميع الحكومات السابقة  واصبح صندوق الاعمار مجالا اخر للسرقات المتواصلة.

ان برنامج الحكومة ملئ بالوعود التي لم يتحقق معظمها حيث لم نجد اية حماية للمنتج او المستهلك وبقيت ابواب الاستيراد مشرعة دون حسيب او رقيب ولم نلاحظ اية اعادة تأهيل او تشغيل للمشاريع المتوقفة وتستمر عمليات تهريب النفط لصالح قيادات الكتل المحكمة برقاب الشعب خلال العشرين عاما الماضية اما تنفيذ مشاريع ايقاف حرق الغاز المصاحب واقامة مشاريع بتروكيمياوية او مصافي تكفي لسد حاجة العراق من المشتقات النفطية فما زالت جميعها مجرد حبر على ورق ، كما انه ليس من الواضح متى وكيف سينتهي العمل بميناء الفاو خاصة وان منح الربط السككي لايران وقد يكون للكويت لاحقا هي خطوات لواد ميناء الفاو قبل ان ينجز بناؤه بالنظر للرشاوى المستلمة من الكويت من قبل مسؤولين عديدين كالزيباري والعامري وحتى رؤوساء وزراء سابقين .

لقد تعهدت الحكومة بتعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة اشهر واجراء انتخابات مبكرة خلال عام وها قد انتهى العام منذ تشكيل الحكومة ويجرى الحديث الان حول استمرار هذه الحكومة لاربعة سنوات اما تعديل قانون الانتخابات فقد تم بالرجوع خطوات الى الوراء لاعادة قانون سانت ليغو سئ الصيت ولايبدو ان هذة القوى المتسلطة تتعلم اي درس من اخطائها ويتوهمون بانهم قضوا على انتفاضة اكتوبر 2019  في انها باقية في قلوب وافئدة الشباب العراقي الباسل وهي نار متقد تحت الرماد وستكون الهبة القادمة لها مظفرة بالنصر المؤزر لامحالة .

ان تطور الاحداث العربية منذ السابع من اكتوبر الحالي وحرب الابادة البشعة والمجازر التي ترتكبها الدولة الصهيونية في غزة وسياسة العقاب الجماعي الاجرامي التي تقوم بها سوية مع امريكا وبشكل يخالف كافة قوانين الحرب واتفاقية جنيف وترتكب جرائم حرب عبر حرمان شعب غزة من الطعام والماء والوقود والكهرباء قد وضع حكومة السوداني باعتبارها حكومة مدعومة من المليشيات المسلحة التي كانت ترفع سابقا شعار المقاومة في موقف حرج امام الجانب الامريكي الذي تحاول الحكومة العراقية استرضائه في وقت نجدها مرتبطة عضويا مع الجارة الشرقية .

ان مفوضية الانتخابات الحالية مشكلة على نفس اسس الطائفية والمحاصصة الكريهة والمتوقع ان تقوم بالاشراف على انتخابات المجالس المحلية نهاية العام الحالي تلك المجالس الغائبة منذ عشر سنوات دون ان يفتقدها احد لانها لم تكن الا وسيلة اخرى للفساد ونهب الاموال التي تخصص للمحافظات ولا ننسى ان احدى مطالب الانتفاضة كان الغاء مجالس المحافظات ولايبدو وجود اية ضمانات بان الانتخابات التي ستجري ستكون نزيهة كما ان المليشيات المسلحة لمعظم الكتل الحاكمة حاليا ستستخدم في ترويع وتهديد الناخبين كما ان الجمهور العراقي ليس لديه اية ثقة بهذه الطبقة النفعية الفاسدة وان الاشتراك في الانتخابات قد يفسر بانه نوع من التزكية للحكم الفاسد القائم منذ عشرين عاما والذي طالبت انتفاضة اكتوبر بانهائه ورميه في مزبلة التاريخ ولاننسى بان الذين شاركوا في الانتخابات البرلمانية الاخيرة لم يتجاوزا العشرين بالمائة من الناخبين فليس متوقعا ان تكون المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات اكثر من تللك النسبة وان من المؤسف ان تقرر قسم من القوى المدنية المشاركة في هذه الانتخابات دون وجود اية ضمانات حقيقية لنزاهتها او عدم تعرضها للتزوير .

واخيرا فان مهمة فضع الحكم المحاصصاتي الحالي وكشف فساده وفشله هي مهمة القوى المدنية والديمقراطية وفي مقدمتها شباب الانتفاضة الذين قدموا الدماء والتضحيات دون ان يتم لحد الان محاسبة القتلة الذين اوغلوا في سفك دمائهم وعادوا مجددا للحكم في تشكيلة السوداني الحالية .

***

د. محمد الموسوي

30-10-2023

- ماذا يفيد اسرائيل بقاؤها في فلسطين سوى الحرب والاقتتال ؟

- ماذا يفيد أمريكا دعم وجود اليهود في فلسطين وسط الدول العربية سوى استنزاف قدراتها وتغذية مشاعر الكره نحوها؟

مرت عشرات السنين وما زال الصراع العربي ـ الإسرائيلي يستهلك مقدرات الشعوب وإمكانيات الدول العربية وغير العربية، الإسلامية وغير الإسلامية فيما لا يضمن لها الأمن والسلام،ولا يوفر لها أجواء التنمية في ظروف الاستقرار، ولا يحقق لها أهدافها منه، عشرات السنين كلها عداء ومقت وكراهية، حروب متتالية وخراب واسع ودماء البشر من الجانبين تسيل ومعها تذرف عيون الأمهات الدموع أنهار.

عندما تقابل السماحة بالمزيد من العجرفة والغرور عندها لابد من إعادة السؤال الحائر، لماذا يبقى اليهود متمسكين بأرض فلسطين وسط الدول العربية طالما أنهم كارهون لهم؟ هي اسئلة قديمة متجددة يعاد طرحها بصوت عالي ليسمع القاصي والداني مرات ومرات أن الوجود الإسرائيلي مرفوض شكلا وموضوعا لأنه غير شرعي ولا قانوني وليس إنسانيا، فبقاء الوجود الإسرائيلي في فلسطين ظلم تاريخي كبير واقع في أرض كرمها الله تعالى بالأنبياء، ولا يمكن الادعاء بأنها كانت أو يمكن أن تكون لأحد دون أهلها الفلسطينيون.

الولايات المتحدة الأمريكية تدعم أطماع اليهود في احتلال الأراضي الفلسطينية وتعزز وجودهم فيها عسكريا وماليا اقتصاديا بشكل مستمر بأموال ممن جرى تضليلهم من الأمريكيين،إنهم يستنزفون أموال دافعي الضرائب في صراع بعيد عنهم ولا يهدد مصالحهم ولا يجنون منه شيئا، امريكا تخسر من كانوا ينظرون إليهم يوما بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها كقوة دولية راعية سلام والديمقراطية في العالم، أمريكا تدرك جيدا أن سطوتها مستمدة من قوتها العسكرية ونفوذها المالي وليست نابعة من قيمها ومبادئها التي تسمو بها الأمم، فليس لأبناء رعاة البقر إلا العودة لرعي الأغنام والجاموس، ليس لهم ولا لليهود أن يقودوا الحضارة الإنسانية بالقهر والعدوان والبلطجة في أوطان العرب، يقتلون أبناء أرض الإسلام والديانات السماوية .

إن شاءت قساوة الأقدار أن يجري منح شتات قوم بائسين وطن لهم فليكن المانح أهلا لذلك وجديرا بأن يضرب به المثل الأعلى في الجود والكرم، وليكن من يضمن هذه المنحة طرفا موثوقا به فيأوي هؤلاء التعساء في أرض تقع تحت سيادته لا في أرض لا يملكها، والمنطق يقول أنه كان على انجلترا أن تأوي اليهود عندها في إحدى جزر بريطانياالعظمى، وفي الوقت الحاضر يمكن أن تأوي أمريكا وهي الدولة الداعمة الكبرى لإسرائيل يهود العالم في مناطق آمنة، غنية بالثروات، ذات إطلالة ساحرة على المحيط، غنية بالأسماك والثروات البحرية بدلا من السواحل الملوثة للبحر الأبيض المتوسط أفقر بحار العالم من الأسماك

قد تكون هناك مناطق عديد في الولايات المتحدة الأمريكية مناسبة جدا وكافية لاستقبال وإيواء اليهود النازحين من كل بقاع العالم لإقامة وطن قومي لهم فيها يتمتعون بخيراته وثرواته الطبيعية وقد يكتشفون فيها وجود الغاز والبترول بكميات تجارية تغريهم على التمسك باحتلال الأراضي الأمريكية، حينها يمكنهم فعلا أن يدّعوا أمام أبنائهم أنها بحق " أرض الميعاد " ولا يهم أن تتأكد كذبتهم بوجود هيكل سليمان، فهو رمز معنوي يمكن بناؤه في امريكا بتقنيات متطورة. سيعيشون بأرض الأحلام الأمريكية وسط قوم يحبونهم حياة رغد وأمان وسيكون من بينهم رواد فضاء وعلماء كثيرون .. كل المطلوب منهم التفكير مليا في هذا المقترح البديل لعله يحمل بشائر الخير لأبنائهم بعيدا عن العرب والمسلمين.

***

صبحة بغورة

بعد حرب 76 والعبور وكذلك تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي وحرب المناورات والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا والتي تستهدف مطاري دمشق الدولي، ومطار حلب. و لم تدخر القوات الإسرائيلية جهدا في شن حربها ضد السكان الامنين في غزة والضفة الغربية، مستهدفة المدن، في الخليل وجنين وغيرها من قرى الضفة ومدنها مستهدفة السيطرة على اراضي الفلسطنين، وتهديم المنازل واعتقال الشباب، واخذهم أسرى وزجهم في السجون والمعتقلات، وإستخدام الرصاص الحي وكذلك القنابل المسيلة للدموع بحق المتظاهرين السلمين، كل وسائل القمع تستخدم أمام شعب أعزل ليس لديه ما يدافع عن نفسه سوى الحجارة، واستهداف الإعلام الفلسطيني والعربي والعالمي، من أجل ان لا يفضح جرائمهم وأساليب قمعهم، وآخر جريمة ارتكبها الاحتلال هي قتل الاعلامية الفلسطنية الأصل والتي تحمل الجنسية الامريكية شيرين أبو عاقلة مراسلة الجزيرة القطرية بعملية قنص قام بها احد جنود ما يسمى بجيش الدفاع الاسرائيلي، أضافة للحصار الجائر على مدينة غزة، حيث قلة الادوية في المستشفيات وعدم وجود الأجهزة الطبية العلاجية والتشخصية للأمراض، وحتى محاربة الشعب في لقمة عيشه كما يحدث للصيادين في سواحل غزة وقضية العبور للعلاج كما يحدث في معبر رفح ومعبر كرم سالم، أضافة لاحتلال إسرائيل لمزارع شبعا اللبنانية.

كل هذه التجاوزات والأعمال الا أنسانية كما جرى للأسرى عندما يضربوا عن الطعام من أجل إطلاق سراحهم وتقديمهم للمحكمة والسماح لمحاميهم وعوائلهم بزيارتهم، والعمل من أجل تطبيق معاهدات جنيف حول الأسرى، وقد توفي عدد منهم.

كل هذا وماعلنه الأرعن رئيس الولايات المتحدة الامريكية السابق ترامب بما يسمى بصفقة القرن حول القضية الفلسطينية الاوهي اعتبار القدس العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني، ومد الجسور مع دول الخليج من أجل الاعتراف بدولة الصهاينة كما تم في أقامة علاقات دبلوماسية بين البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة.

طفح الكيل وتململت قوى المقاومة الفلسطنية في غزة وهيئة أجواء التدريب لقواها المسلحة، من أجل عملية لم يحدث لها مثيل منذ احتلال دولة الكيان الصهيوني وتنفيذ وعد بلفور البريطاني واعتراف مجلس الأمن بقرار التقسيم، عملية رسمت فيها بصمات تكتيك حرب العصابات، وحدثت الزلزال في السابع من أكتوبر في عملية (طوفان الاقصى) في كسر الحواجز التي بنتها دولة الكيان بين قطاع غزة هاشم و مستوطناتهم في الداخل، وكذلك إستخدام الطيران الشراعي لعبور الحدود، لكي لا تكشف من قبل رادارتهم المتطورة حديثا والمنتشرة في الداخل، فوجئت القوى الاستخبارتية والامنية لجيشهم وأصابهم الذهول بهذا الحدث، وهناك في اوساط المعلقين العسكرين، ممن يتحدث عن أهمية التكتيك المباغت، للجيش الكيان وقوات الأمن واستخباراته، يجب أن تدرس هذه العملية في العلوم العسكرية، كونها عملية تدخل ضمن تكتيكات حرب العصابات المباغتة للعدو، وكنتيجة هذه العملية قتل عدد من قواتهم واخذ عدد من الرهان العسكرين بلغت أكثر من 225 عسكريا وتم اطلاق عدد من الرهائن المدنيين، وفي مدن فلسطين المحتلة خرجت تظاهرات عارمة في الضفة الغربية كما في الخليل و جنين ورام الله ومدن أخرى تساند المقاومة وتطالب العرب والمسلمين وشعوب العالم في دعمها وحفزت شعوب في التظاهر لنصرة فلسطين ومقاومتها في حقها المشروع في عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه وإقامة دولتهم الفلسطنية وعاصمتها القدس، ليعشوا فيها العرب من مسلمين ومسحيين ويهود من سكان البلد الأصليين قبل وعد بلفور البريطاني المشؤوم، بإقامة دولة يهودية في فلسطين ومن ثم قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة عام 1948 في تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية فلسطين. هذه التظاهرات الكبيرة خرجت في كل من بريطانية في العاصمة لندن ومدن كبيرة أخرى مثل مانشستر وكارديف، وكذلك في الولايات الامريكية في واشنطن ونيويورك وفي مدن أوربية، كلها تطالب الغرب بوقف تسليح دولة الكيان الصهيوني في اسلحة مدمرة، وما تواجد اسطول امريكا قرب سواحل المتوسط بحاملة الطائرات، مشاركة مؤكدة بمشاركة امريكا الفعلية بعدونها على شعب فلسطين، ومن خلال زيارة وزير خارجيتها أنطوني بلينكن الذي أعلن بوقاحة عن أنه جاء كيهودي لدعمهم ومساندتهم، نسي أنه وزير خارجية امريكا هي دولة تضم المسيحيين والمسلمين والبوذين ويهود، ومن أديان أخرى..

و تستمر دولة الاستيطان في قصف غزة بصواريخ ومستخدمة قنابل فسفوري محرمة دوليا لقتا السكان وتهديم البنايات سكنية على ساكنيها من الأطفال والشيوخ والنساء وتقتل الف من الأطفال والنساء والشيوخ والالف من الجرحى و أهل غزة يعيشون في العراء لا ماء لا كهرباء لا طعام ولا دواء وتلاحقهم طائرات الفانتوم الامريكية لتجهض على ما تبقى منهم، كلها من أجل التمهيد لغزو القطاع وتشريد اهله، لاكنهم وبفضل مقاومتهم الوطنية الشجاعة صامدون لا يكرروا ماجرى في عام 1948 من عملية الخداع في النزوح إلى بلدان مجاورة. والمقاومة صامدة ومتخندقة للدفاع عن غزة اليوم وغدا، وتكبد العدو خسائر جسيمة في الارواح والمعدات المتطورة من الدبابات والدروع،و هو يتقهقر أمام ضرباتها.

النصر للمقاومة الفلسطنية والمجد لشهداء غزة وكل فلسطين والشفاء العاجل للجرحى.

و الهزيمة للاستيطان الصهيوني وليعود الصهاينة إلى بلدانهم، جائوا منها،

***

محمد جواد فارس - طبيب وكاتب

في المثقف اليوم