آراء

آراء

أصبحت حالات النداءات المباشرة من وكالات الاستخبارات الغربية للمواطنين الروس أكثر تواترًا - حيث يتم استدعاؤهم ليصبحوا خونة، والتعاون، وبيع وطنهم الأم، وهذا ما لاحظه ريتشارد مور رئيس المخابرات البريطانية MI6، وممثلو وكالة المخابرات المركزية، لدرجة أن وزارة الخارجية الروسية اقترحت التصرف في المرآة والترويج لعمل مواطني الدول الغربية للمخابرات الروسية، فما علاقة كل هذا بالعمل الاستخباراتي الحقيقي؟

إن النداءات العلنية لأجهزة المخابرات الأجنبية للمواطنين الروس بالخيانة، هي أمر لم يسبق له مثيل من قبل، وعلى الأرجح، كانت هذه العربدة نتيجة سوء فهم آخر من قبل الغرب لما يحدث في المجتمع الروسي، وتعتقد المخابرات الغربية حقًا أن "الطابور الخامس" في المجتمع الروسي أصبح الآن قويًا بشكل خاص، وانه ينتظر فقط مساعدة الغرب الجماعي بطريقة ما، ولأسباب أيديولوجية، لماذا لديهم مثل هذا الانطباع أمر مفهوم أيضًا، فهذا هو نتيجة تبسيط عمل الخبراء الغربيين والتلقين المفرط للعمل التحليلي، حيث تؤمن وكالة المخابرات المركزية و MI6 بصدق، أن البشرية التقدمية كلها تسعى جاهدة من أجل نظام قيم ليبرالي، وتقومان بتعديل النسيج وفقًا لهذا الموقف، بغض النظر عن حقائق بلد معين.

ولسنوات عديدة، اعتبرت وكالات الاستخبارات الغربية اللاجئين والمهاجرين العدوانيين من الاتحاد الروسي خبراء مهمين في روسيا، والذين يبالغون إلى حد كبير في دورهم وتأثيرهم في المجتمع الروسي، وإذا استمعت إلى بعض المشاركين في التجمعات في فيلنيوس ووارسو لفترة طويلة، فيمكنك تصديق أنه يكفي تسجيل مقطع فيديو ملون - وسوف يتعثر الخونة للتواصل مع وكالة المخابرات المركزية و MI6، ودائمًا ما يكون الخونة في جميع الأوقات محترمين بشأن اسم ما خانوه، فعلى مستوى علم النفس اليومي، لم يعترف أي خائن على الإطلاق بأي أسباب عادية (أساسية) دفعته للعمل لصالح أجهزة استخبارات أجنبية، وأنه يريد فقط المال أو الشهرة أو أنه تعرض للابتزاز فقط، وفي العهد السوفياتي، ادعى كل فرد علنًا أنهم يقاتلون ضد النظام الشمولي، والآن، تطلق الدعاية الغربية دعوات للخيانة في غلاف "النضال من أجل روسيا الصحيحة".

وفي المحادثات الخاصة، يقول أشخاص مطلعون، على سبيل المثال رئيس الاستخبارات المركزية الامريكية وليام بيرنز، إن وكالة المخابرات المركزية تندب بشدة حقيقة أن الولايات المتحدة ليس لديها عمليًا منشقون رفيعو المستوى أو مجرد ممثلين عن مواقع بارزة في المؤسسة الروسية، وان هذا موضوع نقاش مستمر داخل أجهزة المخابرات الغربية، في الوقت نفسه، كان فيديو وكالة المخابرات المركزية يستهدف ضباط المخابرات الروسية من المستوى المتوسط، وكان نداء مور موجهًا (يُقرأ ما بين السطور) إلى الدبلوماسيين الروس .

ومع ذلك، فإن الاستخدام المكثف من قبل وكالات الاستخبارات الأوكرانية لتجنيد المراهقين والنساء والمتقاعدين عبر الإنترنت ليس ما يتحدث عنه بيرنز ومور على الإطلاق، بل هي مؤامرات وطرق مختلفة اختلافًا جوهريًا، ونداءات CIA و MI6 ، موجهة إلى جمهور مختلف عن موضوعات التوظيف عبر الإنترنت الأوكرانية، وفي التواصل مع هذا الجمهور، يتم استخدام أساليب ومخططات أخرى، وفي 99٪ من الحالات هم "أجداد"، وقد ثبت ذلك منذ عقود، وقال رئيس المخابرات البريطانية MI6، ريتشارد مور، خلال خطابه في السفارة البريطانية في براغ، إن لندن جندت بالفعل عددًا من الروس غير الراضين عن العملية الخاصة في أوكرانيا، ودعا المواطنين الروس الآخرين إلى الانشقاق والعمل مع ضباط المخابرات البريطانية "لوضع حد لإراقة الدماء" في أوكرانيا، ووفقا له، فإن العملاء "لم يكونوا أبدا مجرد جامعين سلبيين للمعلومات" و "يمكنهم في بعض الأحيان التأثير" على قرارات السلطات، وأضاف إن باب MI6 مفتوح دائمًا لجميع الروس، وقال "سننظر في عروض المساعدة التي قدموها بحذر ومهنية تشتهر بها خدمتي"، ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عنه قوله إن أسرارهم ستكون في " أمان معنا دائمًا .

وردا على ذلك، قدمت الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، ردا مرآة من موسكو في الإحاطة. "الفكرة مثيرة للاهتمام، وربما يجب توجيه نفس الدعوات للرعايا البريطانيين ومواطني الدول الأخرى في "محور الشر" التابع لحلف شمال الأطلسي، ودعوتهم، فكثير منهم في ظروف صعبة للغاية، العمل مع المخابرات الروسية، ولم لا، كما قال مور، للتعاون مع المخابرات الروسية "، وتبديد "البادئ" الحقيقي، الاستكشاف دائمًا لعبة متعددة المستويات.

الآن، تجاوزت غطرسة الغرب، ومنهم رئيس وكالة التجسس البريطانية ، بوقاحة كل الحدود التي يمكن تصورها والمفاهيم الأساسية للشرف واللياقة، وهذا مشابه جدًا لأساليب دعاية غوبلز، عندما عرض النازيون "التفاعل" مع مواطني الاتحاد السوفيتي، قائلين إن الوطن الأم لا يحبهم، وفي الغرب، يبدأ مواطنونا دائمًا في "الحب" وعرض "التفاعل" عندما يتحولون إلى الخطة "ب" بعد حرب خاطفة فاشلة.

ومنذ خريف العام الماضي، استخدمت وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، الشبكات الاجتماعية والخطابات العامة لجذب الروس غير الراضين عن عمليات العمليات الخاصة إلى أعمال المخابرات، وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال أن روسيا أصبحت بيئة يحتمل أن تكون غنية لتجنيد المسؤولين وغيرهم من قبل وكالات الاستخبارات الغربية، ووفقًا للخدمات الغربية، بعد بدء العملية العسكرية الخاصة، ذهب أكثر من نصف مليون روسي إلى الخارج، "نحن نبحث عن الروس في جميع أنحاء العالم" بحسب قول نائب مدير وكالة المخابرات المركزية ديفيد مارلو في تشرين الثاني (نوفمبر)، وأضاف " نحن منفتحون على التعاون ".

في الوقت نفسه، لطالما استجابت موسكو للندن بشكل متماثل وغير متماثل، اعتمادًا على الموقف، وفي وقت سابق، قال مدير المخابرات الخارجية للاتحاد الروسي، سيرغي ناريشكين، في مقابلة مع وكالة ريا نوفوستي، إن الأجانب لديهم دافع مادي وأيديولوجي للعمل مع الخدمات الخاصة الروسية، ووفقا له، فإن مواطني الدول الأجنبية ينجذبون إلى موقف روسيا من السياسة الدولية، وهذا أيضًا موقف تجاه القيم والمعالم الثقافية والإنسانية والعائلية، وهناك الكثير من الأشخاص المستقلين العقلانيين والمستقلين في العالم الذين يتعاطفون مع السياسة الخارجية لروسيا، واستعداد روسيا للدفاع عن القيم العالمية ودعمها، واتباع سياسة محبة للسلام، وإذا كنت ترغب في ذلك، أعجب بقدرة روسيا على حماية الضعفاء إذا لزم الأمر.

وفي السياق البريطاني ، يتذكر الخبراء أيضًا أعمال "كامبردج فايف" الشهيرة - وهي واحدة من الصفحات الذهبية في تاريخ الاستخبارات الخارجية السوفيتية، وكتبت مجلة ميليتاري ريفيو ، أن خمسة من كبار المسؤولين في المخابرات البريطانية والدائرة الدبلوماسية تم تجنيدهم وعملوا لسنوات لصالح الاتحاد السوفيتي، وتضمنت المجموعة: كيم فيلبي شغل مناصب عليا في MI6 و MI5، وعمل دونالد ماكلين في وزارة الخارجية البريطانية، وأنتوني بلانت - في مكافحة التجسس ومستشار الملك جورج السادس غي بورغيس - أيضًا في مكافحة التجسس ووزارة الخارجية، وكان من بين "الخمسة" جون كيرنكروس، الذي عمل في وزارة الخارجية والاستخبارات العسكرية، وتم تجنيده في عام 1936 من قبل جيمس كلوجمان، أحد أكثر الماركسيين تأثيرًا في كامبريدج، وقد تصرفوا وعملوا لصالح موسكو لأسباب أيديولوجية - واعتبر الممثلون الوراثيون للنخبة البريطانية والأرستقراطيين، وكبار المسؤولين في الخدمات الخاصة أن من واجبهم مساعدة الاتحاد السوفيتي، حيث رأوا الأمل الوحيد لإنقاذ العالم من النازي، ومن وجهة نظر هذه ترى موسكو ، ان عليها أيضًا تشجيع الرعايا البريطانيين على التعاون مع المخابرات الروسية.

وبشكل عام، جندت المخابرات الروسية والبريطانية طوال تاريخهما عملاء في الخارج، وإذا كان المؤيدون الأقدم للأيديولوجية الاشتراكية يعملون لصالح الاتحاد السوفيتي، فإن ورقة روسيا الرابحة الآن هي التمسك بالقيم التقليدية، فهناك الكثير من أتباعهم في بريطانيا ودول أوروبية أخرى، وأن المصلحة المالية لم تذهب إلى أي مكان أيضًا، وفي الوقت نفسه، لم تحاول روسيا التصرف بوقاحة مثل MI6 الآن، وسيكون الأمر يستحق ذلك.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

منذ الاحتلال الامريكي وحلفائها للعراق عام 2003 ولحد يومنا هذا ترتفع اصوات اليسار العربي ومعهم اليسار الاسلامي من المحور الايراني بوجوب التحالف مع الشرق المتمثل بروسيا والصين والتخلي نهائيا عن الغرب وامريكا. وقد عمل هذا المحور بكل جهد ومثابرة من خلال الجيوش الالكترونية ووسائل الاعلام التابعه له لدفع الانسان العربي الى تبني هذا الرأي والتمسك به.

الادله التي استندوا عليها ولا زالوا لحد الان يكرروها هي ان الغرب وبالخصوص امريكا لا يمكن الوثوق بوعودهم، فهي تتقلب حسب مصالحهم في المنطقة والعالم، وانهم مستعدين لبيع اصدقائهم للذي يدفع أكثر وانهم لا يرغبون بأصدقاء او حلفاء حقيقيين بل ما يريدونه هو عبيد لهم يطيعونهم مهما عملوا، وهذا يمكن ملاحظته من خلال الكم الهائل من الصور الكاريكاتورية والمقالات والتصريحات امام الكاميرات وفي الصحف.

طبعا هذه الحالة ازدادت وكثرة عندما قرر الرئيس الروسي الدخول الى سوريا ودعم نظام الحكم البعثي الحاكم فيها منذ أكثر من خمسين عام، فعندها بدأت الجيوش الاعلامية والالكترونية بتصوير بوتين على انه المخلص البطل الذي تحالف مع اهل الحق والمظلومين لأجل نصرتهم امام الطغيان والجبروت الغربي الامريكي الصهيوني. واستنادا لذلك تم اعطاء القاب عديدة لبوتين حتى تم تلقيبه بأبو علي بوتين وتم نشر قصص عن انه من اصل عراقي وابوه كان طالب في روسيا زمن الشيوعيين وكان لقبه ابو التين والذي تحول لاحقا الى بوتين وكان اسم الطفل عبد الامير وتغير لاحقا الى فلاديمير بسبب صعوبة الاسم في اللغة الروسية، وتم نشر صور له وهو يلبس العمامة الدينية الشيعية وظهرت مقالات تدعي انه ربما اصبح مسلم شيعي وغيرها الكثير من القصص والادعاءات ، ولا ننسى المحللين السياسيين المحسوبين على المحور الايراني وعلى المحور اليساري كانوا يكيلون المديح له ولروسيا ويدعون العرب والامة الى التخلي عن امريكا والوقوف مع الشرق الروسي ومن ثم تبعها الصين في الفترة المتأخرة، وكان شعارهم الذي دائما يرددوه بان "المتغطي بالغرب والأمريكان عريان".

لكن الضربة الروسية لهؤلاء لم تتأخر كثيرا، فخلال حوالي السنة من دخول الروس الى سوريا وبعد زيارة مفاجئة للرئيس وزراء الاسرائيلي نتنياهو حوالي سنة 2016 ظهر الرئيس الروسي بوتين وكذلك وزراء ومسؤولين روس اخرين امام الاعلام وصرحوا ان الوضع في سوريا يتحسن وعلى كافة القوات والمقاتلين الاجانب الخروج منها بأسرع وقت ... وكان الكلام واضح جدا ان المقصود منه هي إيران وحلفائها في سوريا، حتى ان وزير الخارجية الايراني في حينها رد على هذا الكلام بان صرح قائلا والروس ماذا يعتبرون قواتهم الموجود في سوريا؟ وهل هذا الكلام يقصدهم ايضا؟

وكان واضح جدا ان الرئيس بوتين اتفق مع نتنياهو وبضوء اخضر اوربي امريكي على اخراج إيران وحلفائها من سوريا مقابل الموافقه على بقاء روسيا وقواتها، وهذا ما تم نشره في وسائل اعلامية غربية كثيرة. كذلك تم الاتفاق على السماح لإسرائيل بضرب سوريا وبالخصوص إيران وحلفائها من اجل اضعافهم واخراجهم. وفعلا بعد هذه الزيارة لنتنياهو لموسكو بدأت عمليات قصف مكثفه بالطيران وبالصواريخ لكل المواقع التي يتواجد بها الايرانيون وحلفائهم من حزب الله اللبناني والافغان والعراقيين والذين دخلوا الى سوريا بدون موافقة الحكومة العراقية. وحسب تصريحات اعلامية فقد بلغت عدد الغارات والقصف الإسرائيلي للمحور الايراني في سوريا حوالي 500 هجمه قتل فيها العشرات وجرح المئات من الايرانيين واللبنانيين والعراقيين والافغان بالإضافة الى السوريين.

الضربة الجديدة التي وجهتها روسا الى المحور الايراني هي اصدار بيان مشترك مع دول الخليج العربي يطالبون فيه الحكومة الايرانية بحل مشكله الجزر الثلاثة التي تدعي الامارات انها تابعه لها حلها بشكل سلمي. وهنا ثارت ثائرة السياسيين الايرانيين ضد روسيا حتى ان أحد الصحف الايرانية اعتبرتها طعنه بالظهر بينما اعتبرها رئيس البرلمان الايراني ان روسيا تجاوزت الخطوط الحمر، حتى ان امام جمعة طهران استنكر هذا البيان وادان روسيا واخيرا صرح وزير الخارجية الايراني بان التصرف الروسي لا يطاق وعليهم تصحيح موقفهم. رغم كل هذا الاستنكار الايراني فان الموقف الروسي كان باهت لحد الان من خلال اصدار بيان عن وزارة الخارجية يؤكد على العلاقة مع إيران وان الحكومة الروسية تؤمن بوحدة الاراضي الايرانية لا أكثر من هذا البيان وهذا يعتبر تجاهل وتعالي وعدم اهتمام بالقلق الايراني.

طبعا هكذا مواقف لروسيا هي مشابهة لمواقف الاتحاد السوفيتي الشيوعي السابق، مثلا عندما اعترف الاتحاد السوفيتي السابق بدولة اسرائيل كأول دوله قبل حتى امريكا وأوربا وكان من اشد الداعمين لقيامها ولكن موقفه تغيير بعد سنيين قلائل عندما مال الاسرائيليين الى الغرب وامريكا بالذات مفضليهم على الشرق استنادا لحنكتهم السياسية واستقرائهم للمستقبل بشكل صحيح. التاريخ اثبت صواب رأي الاسرائيليين وخطل راي الدول العربية القومية واليسارية في حينها والتي استمالها النظام السوفيتي الحاكم في روسيا حينها. وكذلك لا ننسى كيف باع السوفييت الحزب الشيوعي العراقي عندما هجم عليهم نظام البعث العراقي في اواخر السبعينات ولم يدافع السوفييت عن الشيوعيين العراقيين الذين عانوا بشدة من الاعتقال والتعذيب والتشريد وحتى الاعدام.

انا أتساءل هل فعلا ان الشرق بالخصوص الروس هم اهلا للثقه والاعتماد والصداقة والتحالف أكثر من الغرب والامريكان ام ان كلا الطرفان متشابهان وهما لا يبحثان الا على مصالحهم فقط ولا شيء غيرها؟

فمتى اليسار العربي والمحور الايراني سيقولون الحقيقة لشعوبهم واتباعهم ويتوقفوا عن الخداع والمداهنه والتلوي؟

***

عارف الجواهري

بالمختصر.. الفرق السيكولوجي الكبير بين الشعب العراقي زمن النظام الدكتاتوي و زمن النظام الديمقراطي، ان العراقيين كانوا زمن النظام الدكتاتوري تحت سيطرة حاكم سادي،فكانوا مجبرين على طاعته بحال تحققت فيه معادلة (سادية حاكم مقابل مازوشية شعب)، وانه تحرر بعد التغيير من المازوشية وما عاد خائفا من الحاكم.. ولكن في مفارقة تحققت فيه معادلة (حكام فاسدون مقابل شعب مضحوك عليه!).

تعني المضحوك عليه.. المخدوع، المستغفل، وتعني المخدوع ان الخادع يظهر له خلاف ما يبطن وان المخدوع يصدق بالظاهر . ومعنى المستغفل هو الأنسان الساذج البسيط الذي يثق بآخر يعده بما يتمناه او يريده ويعمل نقيض ما وعد.

قصدنا من هذا الموضوع ان العراقيين مقبلون على انتخابات مجالس المحافظات .. فهل سيبقون بعد توالي خيباتهم لعشرين سنة.. مضحوكا عليهم؟!

كانت اول (ضحكه ) و أول (استغفال) للعراقيين يوم جاء من سلمت لهم اميركا السلطة في 2003 وعزفوا على الوتر الطائفي.ويومها راحت ملايين من جماهير محافظات الوسط و بغداد تهزج بانتصار.. الضحية: (صارت عدنه وما ننطيها) !

وكانت اكبر ضحكة واستغفال لمعظم العراقيين يوم تشكلت في 2006 اول حكومة دستورية .فلقد استبشرت جماهير الشيعة تحديدا بتولي حزب الدعوة اعلى سلطة بالدولة.وحصل ان المضحوك عليهم والمستغفلين الذي صبروا وانتظروا،اكتشفوا انهم ضحك عليهم واستغفلوا فخرجوا بمظاهرات وهزجوا (الله واكبر ياعلي الأحزاب باكونه).

المضحوك عليه.. يبقى مضحوكا عليه!

في انتخابات 2010 تأكد للعراقيين انهم مضحوك عليهم (مخدوعون!)،وانهم كانوا يعرفون الحكام والقادة السياسيين الذين يضحكون عليهم، ومع ذلك فانهم اعادوا انتخابهم!.ومع ان الدكتورحيدر العبادي اعلن يوم اصبح رئيسا للوزراء في 2014 انه سيضرب الفساد بيد من حديد.. ولم يضرب، معترفا بان الفساد في العراق صار مافيا تمتلك القوة والمال والفضائيات .ومع كل هذا البلاء.. فان العراقيين اعادوا انتخابهم!. وبوتثيق أدق فأن 20% منهم بقوا مضحوكا عليهم،و 80% اكتشفوا انهم مضحوك عليهم فامتنعوا عن التصويت.ومع ايجابية هذا الاكتشاف المتأخر،فان امتناعهم عن التصويت اتاح الفرصة للمضحوك عليهم بان ياتوا للبرلمان بمن ضحكوا عليهم!. والأغرب، ان من ضحكوا عليهم يعيشون مرفهين فيما هم بدون كهرباء في عصر الغليان الذي يتصدره العراق عالميا!.

وحكام العراق يتباهون بان لديهم برلمان ديمقراطي انتخبه الشعب، فيما برلمان (2010) مثالا، فاز فيه 15 نائب فقط باصواتهم، فيما الباقي (اكثر من 200 نائبا) لم ينتخبهم الشعب بل فازوا باصوات تصدقت بها قوائمهم بينهم معمم حصل على 79 صوتا وصار نائبا!، ظهر في الفضائيات يحمد الله ويشكره على حياة الرفاهية التي يعيشها العراقيون!،وما كان ليفعل هذا الا بعد ان جعلوا العراقيين شعبا مضحوكا عليه.

ومع ان حكومات العراق واحزاب السلطة بكل مسمياتها ومكوناتها الأجتماعية سرقوا المليارات،وبينهم من حولوا عبر البنك المركزي العراقي ملايين الدولارات على دفعات لجهات (مجهولة!) وافقروا 13 مليون عراقي باعتراف وزارة التخطيط في بلد يعد الأغنى بالمنطقة،فان العراقيين يعيدون انتخابهم ويعرفون انهم مضحوك عليهم!

واذا صح ان انتخابات مجالس المحافظات ستجرى بموعدها المحدد في الثامن عشر من ايلول المقبل، واذا صح ان التيار الصدري لن يشارك فيها !، وكذلك تيار محمد شياع السوداني، وان الأحزاب الجديدة(281 حزبا!) وقوى التغيير والديمقراطية ستبقى غير موحدة.. فان من ضحك على العراقيين واستغفلهم عشرين سنة،سيفوزون في اختيار محافظي المحافظات ومسؤولي المحافظات التنفيذين الذين يتمتعون بصلاحيات الاقالة والتعيين واقرار خطط المشاريع .. وستبقى كل ابواب ونوافذ الفساد التي ضحكوا فيها على العراقيين في كل محافظاته.. مفتوحة،لتوصلنا الى فاجعة تجسدها هذه الحقيقة:

ان العراقيين هم اكثر شعوب البلدان النامية المضحوك عليه.. سياسيا واخلاقيا ودينيا.. وسيبقى عشرين اخرى مضحوكا عليه ما دام حيتان الفساد يبقون.. هم الدولة!.

***

أ.د.قاسم حسين صالح

لم تمر فترة منذ تأسيس الدولة العراقية مشابهة في القتل والاغتيال الطائفي مثلما كانت أعوام (2006 – 2007)، التاريخ لم ينس مجازر انقلاب 8 شباط 1963 الا انها كانت سياسية قومية متطرفة بتجاه معاداة الحزب الشيوعي العراقي، اما اليوم بعد السقوط والاحتلال ابتلى العراق والعراقيين بالإرهاب والميليشيات الطائفية وحكومة اكثر طائفية من غيرها، وكانت الجثث خلف سدة ناظم باشا وعلى الأرصفة والشوارع ولم تسلم حتى المزابل منها، فالخطف والقتل والاغتيال الطائفي عبارة عن سلاح استعمل بشكل واسع ولم تسلم الأسماء من القتل الطائفي والتفجيرات التي كانت تحصد العشرات بدون استثناء او تمييز هو هدف يراد منه الإبادة الجماعية لطرف معين مهما كان الثمن باهضاً واعتبرت الإبادة عبارة عن منهج تدميري على أسس مذهبية ودينية وتطبق عليه " المادة 2 من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية (cppcg)عام 1948 حيث نصت " أي فعل من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة وطنية أو عرقية، أو عنصرية  أو دينية، مثل: قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، وفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة، ونقل الأطفال قسرا من مجموعة إلى مجموعة أخرى" وما جرى ويجري في العراق عبارة عن مخطط اعيد صياغته ورتب أسلوبه واتجاهاته العنصرية الإرهابية، ولا نستبعد وجود العقلية نفسها في الوقت الحالي عند قادة المليشيات التابعة المتطرفة  وهو نوعاً من التطهير العرقي فقد جرت محاولات عديدة لطرد مجموعة عراقية من مساكنها واراضيها والتهديد بالقتل بهدف تدمير جماعي بالضد من المجوعة الأخرى بهدف التطهير الطائفي مثال " جرف الصخر او بعض المناطق في العاصمة بغداد وغيرها "ان ابعاد او فصل مجموعة مذهبية عن مناطقها السكنية او أراضيها الزراعية او ابعادهم خارج البلاد يشكل ابادة ثقافية ايضاً ضمن التطهير العراقي  ويعتبر جريمة بحق الإنسانية وحقوق الانسان

، وهو ما حدث العديد من المناطق حيث شارك الإرهاب داعش او التنظيمات الإرهابية المتطرفة من جهة ومن جهة اخرى المليشيات الشيعية الطائفية المسلحة المرتبطة خارجياً بفعل هذه الجرائم المنافية للقوانين والأنظمة المرعية.

ان تنظيم الدولة الإسلامية " داعش" لم يتمكن من السيطرة على الموصل والمناطق الأخرى الا بانهيار وفرار قطاعات  من الجيش العراقي وتراخي حكومة نوري المالكي، هذه القطاعات العسكرية الحكومية  التي كانت تفوق داعش بالسلاح والأعداد البشرية بشكل واسع، وكان الضباط في المقدمة وخلع الكثير من الجنود ملابسهم تاركين أسلحتهم  لينضموا الى المواطنين المدنيين الخائفين وجرى التخلي عن الكثير من المدرعات والأسلحة المتطورة، واشار البعض من الاواسط القريبة من داعش انهم نهبوا نحو (500) مليون دولار " من فرع البنك المركزي في مدينة الموصل " وتمكن داعش من السيطرة على الموصل بكاملها بسب انهيار الجيش ايضاً في المنطقة الشمالية، ولهذا سارعت ميليشيات داعش الدخول الى وادي دجلة وراحت تستولي على المدن والقرى واحدة تلو الأخرى وتمكن تنظيم داعش السيطرة على مدينة بيجي ومصفاة النفط ثم الاستيلاء على مدينة تكريت  وامتد الى مناطق عديدة قريبة من العاصمة، اما الحكومة العراقية  برئيس وزرائها الأسبق نوري المالكي فقد بقت وكأنها ليس معنية ولا حول ولا قوة ما عدى التصريحات الفضفاضة امام جريمة سبايكر الدموية أو تدمير الموصل ومناطق ومدن عراقية (هناك اتهامات لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وسياسته الطائفية ساعدت بطرق مختلفة داعش) ولا بد من الإشارة الى القتل المبرمج الإرهابي ضد المواطنين العراقيين الازيديين الذين بقوا تحت طائلة العقاب الإرهابي،  نساء وأطفال وشيوخ ورجال ليتم فصل الأطفال والنساء واخذهم غنائم حرب كسبايا وإخضاع النساء للتمتع الجنسي وبيع البعض منهن كسبايا وعبيد وكما اكدت العديد من المصادر وجود آلاف من المفقودين.

ان الفجيعة التي اصابت الايزيديين تعدُ مع الفواجع التي اصابت المجتمع البشري وتعتبر أبادة جماعية ضد هذا المكون العراقي، لقد قام داعش الإرهاب بارتكاب ابشع الجرائم ضد الأطفال والنساء والشيوخ والرجال دون استثناء ومارس هذا التنظيم الإرهابي مختلف الأساليب وحشية وقذارة تجاه النساء وبخاصة سبي الفتيات المخطوفات والتلاعب بمصيرهن وبحياتهن واستخدام تجارة الرقيق والزيجات القسرية، ولم يتوان التنظيم الإرهابي من قتل العشرات ودفنهم في مقابر جماعية، تسعة  سنوات من القهر والحزن والقلق والانتظار من اجل تحقيق العدالة في قضية إنسانية متشعبة الجوانب منها معرفة مصير العشرات الذيم فقدوا بطرق وحشية بما فيها المقابر الجماعية التي بلغت لحد الان (83) مقبرة جماعية إضافة الى حوالي (3) آلاف مختطف، كما قام المجلس الأعلى بإحصاء ضحايا داعش الإرهاب والابادة الشاملة للأزديين في العراق وسوريا وأشار عن مقتل حوالي (10) آلاف أزيدي وتم اغتصاب (6) آلاف امرأة وفتاة أزيدية ولا يزال حوالي (3200) أزيدي وأزيدية  مفقودين فضلاً عن فرار عشرات الالاف نتيجة الوحشية والخوف من القتل والسبي وأشار المجلس الأعلى أن " الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها أوروبا مؤخرا، أظهرت جليّا أنه من مصلحة الأسرة الدولية القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية".

نعم انها ذكرى فاجعة وموجعة ليس للأزديين فحسب، بل لكل الشرفاء في العراق والعالم ولهذا « اعتبرت الحكومة البريطانية قبل فترة أنهم ضحايا "ممارسات إبادة" على يد التنظيم الإرهابي أقلية إثنية ودينية ناطقة بالكردية كانت تتركز في جبل سنجار شمال غربي العراق" الإبادة شملت جميع مناطق الازيديين والمسحيين ذلك الكابوس الذي دمر المناطق الغربية وجعل مدنها خرائب وأنقاض ونتيجة الإرهاب والقتل الوحشي هرب الالاف منهم خوفاً من الإرهاب ووحشية الممارسات الاجرامية، هكذا تركت الحكومة العراقية حينذاك حوالي (7) الاف ميل واكثر من (12) ألف كم تحت رحمة داعش الإرهاب بينما كانت في الوقت نفسه مشغولة في تغذية المليشيات الطائفية واستغلت فتوى السيد السيستاني في حزيران 2014 حول الجهاد الكفائي التي تقول " ان طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي، ومن هنا فإن على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية لتحقيق هذا الغرض المقدس" والدعوة عامة استغلت من قبل مليشيات شيعية مسلحة  تابعة كانت موجودة وتقاتل في العراق او سوريا،  وبدلاً من الانضمام للقوات الأمنية قاموا بتأسيس الحشد الشعبي الذي استغل من قبل البعض ليكن خاصاً بهم.

ان قضية مأساة المواطنين الازيديين مازالت ماثلة امام اعين الجميع وحظيت باهتمام الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع الدولي وكانت محط ادانة شاملة من قبل القوى الخيرة والوطنية والديمقراطية داخل العراق وخارجه مطالبة بالتحقيق النزيه وتقديم المقصرين والمشاركين من المسؤولين العراقيين او داعش الإرهاب الى القانون والعدالة،  والعمل باتجاه حل مشاكلهم وتقديم الدعم والتعويضات المادية ومعرفة مصير المفقودين منهم، لقد عانى الازيديين على مر القرون الاضطهاد بسبب ديني والارتباط بالكرد وحان الوقت لأنصافهم والاعتراف بحقوقهم وتقديم العون المعنوي والمادي لهم وبخاصة ونحن نسمع البعض من الأصوات تطالب بهجرتهم خارج العراق وهي عملية لا تقل قذارة من المأساة والهدف تفريغ العراق من مواطنين موجودين منذ  الاف السنين ويشكلون جزء هام من الشعب العراقي، مثلما حدث للمسيحيين العراقيين.

***

مصطفى محمد غريب

وكالة “بلومبرغ” الأميركية، اشارت، في مقالٍ لها، نشرته، في 11 من اغسطس الجاري؛ الى ان الضغط والجهود التي يمارسها المسؤولون الامريكيون على الرياض؛ تهدف الى دفع الرياض، عن طريق تقديم المغريات لها، بالاستجابة لطلباتها؛ من أجل “إنجاز صفقة إسرائيلية – سعودية”، (التطبيع بين اسرائيل والسعودية) هي بهدف تقييد اقتراب السعودية من الصين. الوكالة اوضحت بما مفاده؛ ان واشنطن سوف تقوم بتقديم تنازلات عديدة؛ لتمهيد الطريق لتعاون الرياض مع واشنطن، من اجل التوصل الى اتفاقية امنية قوية. الوكالة بينت في ذات المقال؛ الى ان واشنطن يتعين عليها دفع التكلفة؛ لمنع سقوط السعودية في مدار الصين. وايضا؛ ان لا تكون هناك للصين فرصة في اقامة قواعد لها في المملكة العربية السعودية. ان هذا ليس صحيحا، لأن اسرائيل، لها علاقات قوية جدا، في جميع الحقول مع الصين، ولم تسبب هذه العلاقة القلق الامريكي منها، بل انها ما كان لها ان تكون لولا ان هناك غض نظر من الامريكيين. لأنهم يدركون ان علاقة اسرائيل مع الصين لم تكون ولن تكون على حساب العلاقة بين اسرائيل وامريكا؛ لأنها علاقة مصير وحماية ودعم من جانب امريكا لجهة اسرائيل. كما ان علاقة اسرائيل مع روسيا، هي في ذات او في نفس علاقة اسرائيل مع الصين. ان المسؤولين الامريكيين يتفهمون تماما هذا التوجه الاسرائيلي واهدافه الاستباقية للتطورات المقبلة في الذي يخص حلحلة القضية الفلسطينية؟.. وموقف الدولتين في هذه الخانة المستقبلية، بما تحمل من مقايضات ومساومات بين الدول الكبرى واسرائيل ودول المنطقة العربية في وضع الحلول للصراع العربي الاسرائيلي. كما ان الصين ليس في وارد سياستها على الاقل في الامد المنظور وربما ابعد من هذا الامد؛ اقامة قواعد او غيرها في المنطقة العربية ومنطقة الخليج العربي تحديدا؛ لأنه هذا التوجه او هذه السياسة تؤثر على متانة علاقتها مع ايران. سياسة الصين المعلنة بوضوح؛ من انها تقف على مسافة واحدة من جميع دول المنطقة، كما انها تريد ان تكون وهي كذلك؛ طرفا في الحوار البناء وتسوية الصراعات والخلافات بين دول المنطقة العربية وجوارها الاسلامي، وليس طرفا في الصراعات في المنطقة العربية وجوارها الاسلامي. ان هذه السياسة الصينية؛ تتوافق تماما مع إدارة الصين لعلاقاتها وشركاتها مع جميع الدول في المعمورة وليس في المنطقة العربية وجوارها. ان  هذه السياسة الصينية الاقتصادية والاستثمارية، وكما تعلن عنها الصين بوضوح تام؛ من انها تسعى الى شراكات، قائمة على قاعدة المنفعة المشتركة والمتبادلة. ان السعودية بقيادة اميرها الشاب، لن تتخلى عن علاقتها مع الصين مهما كانت الاغراءات الامريكية؛ لأزاحتها من مساحات التعاون مع الصين؛ في توطين التكنولوجيا المتقدمة وشراء الاسلحة ولو ان هذه الامر هو في مراحله الاولية، إنما الطريق الى توسعته وتعميقه وتطوره؛ مفتوح مستقبلا. الصين لا تفرض أي شروط مهما كانت على أي دولة شريكة او تتشارك معها في مشاريع الاستثمار المتبادل. إما امريكا فأنها تفرض شروطا، احيانا تكون شروطا قاسية وغير قابلة للتنفيذ؛ (في الذي يخص حقوق الانسان، والديمقراطية؟!..)، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وموقف الدول التي تربطها شراكة مع امريكا، من اسرائيل.. امريكا لم تعترض على علاقة المملكة مع الصين، وهي علاقة او بداية شراكة؛ بدأت منذ سنوات وليست هي أي هذه العلاقة بنت هذه الايام، كما هو حال علاقة اسرائيل مع الصين مع ان الفارق كبير بين علاقة السعودية مع الصين وعلاقة اسرائيل مع الصين؛ فعلاقة الاخيرة اكثر سعة وعمقا وتطورا، وبالذات في حقل التكنولوجيا المتقدمة، والسلاح والموانيء. ان سعي إدارة بايدن المحمومة، في التطبيع بين السعودية واسرائيل؛ ليس لأبعاد السعودية عن الصين، إنما، خلق بيئة اقتصادية وسياسية جديدة في الشرق الاوسط؛ تكون دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ دولة طبيعية معترفا بوجودها من جوارها العربي ومن الجوار الاسلامي للمنطقة العربية؛ لتكون مستقبلا شريكا مهما وفاعلا في الشرق الاوسط الجديد. ان هذا الشرق الاوسط الجديد، المفترض؛ سوف يخدم المصالح الامريكية والاسرائيلية على الامد البعيد؛ وينتج عنه شراكات على اسس وقواعد جديدة؛ ربما تشترك فيها؛ الدول العظمى والكبرى المنافسة للغرب وامريكا واسرائيل، في مساومات ومقايضات، وتوافقات؛ على تقاسم مساحات النفوذ والشراكات، ولو بالإحياء المتبادل وليس الاتفاق المكتوب على الورق. ان هذه السياسة لو صارت واقعا على الارض؛ فأنها سوف تكون على حساب الشعب الفلسطيني وحقه الشرعي في دولة فلسطينية ذات سيادة. من وجهة النظر الشخصية؛ أن هذه السياسة الامريكية والغربية والاسرائيلية؛ بحكم الضرورة وحق الشعوب في الحياة والتطور والإرادة السياسية والاقتصادية؛ في اوطان حرة، ليس في اجسادها جروح تمس مسا عميقا سيادتها. عليه، فأن مساحات الشراكات والاستثمارات، بين دول المنطقة العربية وجوارها الاسلامي وبين الصين بدرجة كبيرة وروسا بدرجة اقل كثيرا عن الصين؛ سوف تتسع على حساب مساحات الشراكات والاستثمارات، الامريكية والغربية؛ للأسباب التي اوردتها في الذي سبق من هذه السطور. وبالعودة الى السعي الامريكي؛ لأبرام صفقة التطبيع بين اسرائيل والسعودية؛ فأن الأخيرة، من المستبعد جدا، ان لم اقل، ربما من المستحيل ان تُبرَم هذه الصفقة، قبل الانتخابات الامريكية، للسبب المعروف..

***

مزهر جبر الساعدي

العراق يتجه نحو ثلاث دويلات طائفية مستقلة تابعة للأجنبي تقودها عوائل وأحزاب سياسية فاسدة!

 بصراحة جارحة قد تزعج الكثيرين: العراق يتجه نحو ثلاث دويلات طائفية مستقلة تابعة للأجنبي تقودها عوائل وأحزاب سياسية فاسدة متصارعة على نهب الريع النفطي وزوال الرافدين! ليس ثمة من هم أسوأ وأكثر انتهازية ممن يصفقون للحكم اليوم ويلمعون عوراته إلا أولئك الذين صفقوا لحصار العراق ثم احتلاله بالأمس وبرروا وشاركوا في فرض هذا النظام وهاهم يزعمون معارضته اليوم وينقلبون على مواقفهم دون أن يعتذروا لشعبهم عن تلك المواقف والممارسات أو أن ينتقدوا أنفسهم عليها ويخرجوا بالنتائج المناسبة:

إنَّ واقع حكم التحالف السياسي بين الأحزاب الإسلامية الشيعية والكردية مع بقاء التمثيل السني الشكلي "حديدة عن الطنطل لأغراض الديكور" في رئاسة البرلمان ووزارة الدفاع وبعض الوزارات الأخرى الثانوية، يقول إنه نظام حكم كلبتوقراطي "لصوصي" رجعي تابع، للإرادات الخارجية وهو مستمر بسبب تقديم الخدمات لحماته الأجانب في مقدمتهم واشنطن وطهران، وحماته ومباركيه المحليين وفي مقدمتهم المؤسسة الدينية المرجعية التي تتحمل مسؤولية أخلاقية واجتماعية هائلة عن قيامه ودعمها له، والطبقة اللصوصية الناشئة المدعومة بأذرعها المسلحة، وتقديم خيرات العراق كنوع من "الخاوة" والرشى أكثر منها استحقاقات دستورية من الطرف الأول "الإسلامي الشيعي" المهيمن بفعل المحاصصة الطائفية والتوزيع السكاني إلى الطرف الثاني "الزعامات الكردية" التي تحتكر هي الأخرى تمثيل السكان العراقيين الكرد، أما ممثلو السكان العرب السنة فهم منساقون إلى المشاركة في اللعبة السياسية شكليا دون صلاحيات مهمة أو مشاركة في اتخاذ القرارات الحاسمة في تسيير شؤون الدولة مقابل حصة معلومة من غنائم الحكم لردم أي فراغ في ديكور الحكم، وعلى هذا فالدولة العراقية أمست منقسمة إلى ثلاث دويلات "أقاليم" شبه مستقلة وهي تتجه نحو تكرس وقيام هذه الدويلات والشطب على الدولة العراقية الواحدة وهذا هو الهدف العزيز على قلوب الغربيين والصهاينة والدول الرجعية الإقليمية في الشرق الأوسط: هذا الواقع تكرس ولا سبيل إلى تغييره من الداخل فانتخابات العشرين بالمئة باعتراف أقطاب النظام وهي قد تقل عن ذلك نسبة مشاركة من قبل حاضنات الأحزاب المدنية والعسكرية ثابتة ومعروفة النتائج المزورة مسبقا ولا يمكن تغيير النظام أو إصلاحه من داخله وبأيدي الفاسدين أنفسهم. قد تفلس أحزاب وشخصيات تماما كما حدث مثل حزب آل الحكيم وحزب الفضيلة وغيرهما ولكن المفلسين سيتم تعويضهم بطرق خاصة من قبل زملائهم في الحكم. من نتائج هذا الواقع الذي دام لمدة عقدين تكرست الحقائق التالي التالية:

أصبحت منطقة الإقليم الكردي غير مرتبطة بالعراق بأي علاقة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية سوى الاسم "إقليم كردستان –العراق"، وعلاقة الأخذ بلا عطاء، معبرا عنها باستلام حصة الإقليم من الموازنة العراقية وهي حصة تفوق الحصة المشروعة، مضاف إليها ما تحصل عليه تلك السلطات من بيعها المباشر للنفط ومن رسوم الضرائب والكمارك وغيرها، ولكن المواطنين الكرد لا يحصلون من هذه الحصة إلا الفتات بل وأحيانا لا يحصلون حتى على رواتبهم الشهرية التي تجمد بين بين فترة وأخرى. سياسياً يدير الساسة الكرد مناصب مهمة وسيادية في الدولة العراقية "الاتحادية"، فتنفيذا لمبدأ الشطب على هوية العراق العربية التي تقررت في دستور بريمر، بدفع من الانفصاليين المتطرفين بزعامة جلال الطالباني، مقابل تكريس الطائفية السياسية والدور القيادي لساسة الطائفة الشيعية والمتاجرة بـ "مظلوميتها" فأصبح الساسة الكرد يحتكرون رئاسة الدولة ووزارة الخارجية ومعها نسبة كبيرة من السفارات العراقية في الخارج وهذان المنصبان "رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية" يشكلان الواجهة السيادية والهوياتية للعراق، إضافة إلى مناصب نيابة رئاسة الوزراء ونيابة رئاسة البرلمان ووزارات مهمة أخرى.

وعلى صعيد العلاقات السياسية وتمثيل الدولة العراقية في الإقليم فيقتصران على رفع العلم العراقي إلى جنب علم الإقليم في مواضع محدودة، ولا علاقة للإقليم تربويا وقضائيا بالدولة العراقية وتبقى الغالبية السكانية الكردية تعاني شظف العيش والحرمان من الرواتب، فيما تنعم الأوساط الحاكمة بكل خيرات العراق.

أما في المناطق الغربية والشمالية ذات الأغلبية العربية السنية فواقع الحكم الذاتي والدويلة الطفيلية وشبه المستقلة قائمة أيضا، ويزداد رسوخا يوما بعد يوم واقع الانقطاع السياسي والاجتماعي والنفسي بين سكان هذه المناطق ومواطنيهم وأبناء عمومتهم في وسط وجنوب العراق فيما تتطور علاقاتهم ببعض مناطق الإقليم لأسباب شتى في مقدمتها تفاقم النزعة الطائفية الاجتماعية والسياسية وتفاقم أصناف التمييز على أساس الهوية الطائفية في جميع انحاء العراق كنتيجة لطبيعة الحكم القائم على أسس المحاصصة الطائفية والدستور المكوناتي ولا يمكن نكران أو تغطية هذا الواقع المأساوي بالشعارات والكلام الشعبوي الرخيص الذي يحاول البعض من خلاله تحويل الذكريات عن "الزمن الجميل زمن الاضطهاد والمقابر الجماعية" والرغبات الذاتية عن الوحدة الوطنية و الإخاء المجتمعي إلى واقع قائم، فجراح المرحلة الأخيرة التي امتدت لأكثر من عشرين عاما والمرحلة الدكتاتورية السابقة لها هي جراح عميقة ومتقيحة وعرضة للالتهابات واسعة النطاق في أي لحظة.

* زبدة الكلام: سيحمل الساسة الإسلاميون الشيعة معهم إلى القبور عار تدمير العراق ودفعه نحو هاوية التقسيم والزوال، وعار أفسد نظام حكم مرَّ في تاريخ العراق وأكثرها رجعية وانتهازية وتبعية للأجنبي وتضييعا لسيادة واستقلال العراق وكرامة مواطنيه!

هذه أدناه نماذج من الخاوات والتنازلات التي يقدمها نظام حكم المحاصصة لكي يبقى قائما حتى تدمير العراق تماما:

* مليارات الدولارات من العائد النفطي لقيادات الاقطاع السياسي الكردي على حساب المواطنين الكرد.

* تنازلات بالجملة للولايات المتحدة الأميركية عن سيادة واستقلال العراق واستمرارا بقاء العراق بلدا منزوع السلاح وبجيس رمزي لا يستطيع الدفاع عنه نفسه. بلد تابع تقود حكومته السفيرة رومانوسكي بالهاتف والزيارات المباشرة.

* تبادل تجاري مع تركيا يقارب عشرين مليار دولار سنويا ومن طرف واحد هو العراق الذي يستور غذاء شعبه منها مقابل رفض تركي قاطع وفج لتوقيع اتفاقية دولية لتقاسم مياه الرافدين دجلة والفرات بموجب القانون الدولي.

* تبادل تجاري مماثل مع إيران وربط سككي سيقضي على مشروع ميناء الفاو والقناة العراقية الجافة مقابل رفض إيراني حتى لمناقشة موضوع قطعها لمياه روافد دجلة وشط العرب.

* نفط خام ومشتقات بسعر رمزي يقل عشرين دولار للبريل عن السوق العالمي للأردن، والبدء بمد أنبوب نفط عملاق بين البصرة وميناء العقبة الذي لا يؤدي إلى أسواق النفط العالمية بل هو قريب شمرة عصا من ميناء إيلات الإسرائيلي، وربط كهربائي لاستيراد الطاقة من الأردن - وهي طاقة مشبوهة يُشك بأن من تنتجها هي شركات إسرائيلية - وكل ذلك مقابل لا شيء بل تنفيذ لأوامر أميركية مباشرة.

* تنازلات للكويت في الأرض والمياه الإقليمية العراقية دون محاولة الاحتجاج او إعادة النظر في قرارات الأمم المتحدة الخاصة بمعاقبة العراق بسبب حرب الخليج الثانية. والوزير الذي تجرأ وقال شيئا كهذا دفاعا عن مصلحة العراق اضطر تحت الضغط الحكومي والأميركي إلى سحب بيان مكتبة بعد منتصف الليل.

***

علاء اللامي

منذ عدة سنوات، والى الآن؛ تخطو السعودية، خطوات ثابته في المحيط الدولي؛ لتنظيم علاقاتها في الفضاءات الدولة. وهي تأخذ في هذه السياسية سواء الاقتصادية او السياسية مصلحتها في كل خطوة تخطوها بحسابات دقيقة وواضحة. بالتالي وبالنتيجة؛ تؤسس على قاعدة متينة وراسخة؛ للقرار المستقل في الاقتصاد والسياسة، من غير ان يقود هذا او يفضي الى خسارة اي من الشركاء الدوليين، سواء الشركاء التاريخيين (الولايات المتحدة الامريكية) او الشركاء الجدد (روسيا والصين) في عالم يسود فيه الاضطراب والقلق؛ لجهة المآلات النهائية التي سوف، مستقبلا؛ يكون عليها النظام الدولي، الذي أخذ منذ عدة سنوات؛ في التشكل لنظام دولي جديد. ان النظام الدولي الحالي المبني على القواعد والمعايير الامريكية والغربية، والذي كما يقول عنه المراقبون؛ من انه سوف ينتهي بانتهاء المرحلة الانتقالية هذه، التي تسود فيها؛ الاضطرابات والقلق والفوضى والحروب؛ ليترك الساحة الدولية؛ لنظام متعدد القيادات الدولية. ان السعودية في حقل الطاقة، وبالذات في حقل النفط؛ اتخذت القرار الذي يخدم مصالحها، ومصالح الدول الأخرى سواء العربية او الدول الأخرى، بصرف النظر عن مصالح الولايات المتحدة الامريكية؛ فقد خفضت انتاج النفط بما ادى الى ان تحافظ اسعاره على مستويات مقبولة، على الرغم من الطلب الامريكي في اتجاه زيادة الانتاج لخفض الاسعار. كما أنها قامت بتعزيز سياسة تنويع مصادر تسليحها، وتوطين البعض منه، لتتوسع في التوطين لاحقا؛ بخطوات اولية عدها المراقبون؛ قاعدة لانطلاقة جديدة؛ لتثبيت قرارها السياسي والاقتصادي المستقل، واستثمار منتج لصراع القوى العظمى في الوقت الحاضر ومحطاته الختامية. ومن الجهة الأخرى حافظت على شراكتها التاريخية مع الشريك الامريكي. فقد حضر في جدة، قادة امريكيون وسعوديون، وممن اشرفوا على المفاوضات بين الجيش السوداني بقيادة  البرهان وبين قوات الدعم السريع بقيادة  محمد حمدان دقلو والملقب بحميدتي، من اجل تثبيت وقف اطلاق النار في السودان، والذي لم يتم تثبيته نهائيا حتى هذه اللحظة، اي وقف دائم لأطلاق النار. لكن الجهود السعودية والامريكية مستمرة في هذا الاتجاه كما صرح بذلك الامريكيون والسعوديون. لقد اثنى الامريكيون على تعاون السعودية في هذا المجال. ومؤخرا تم عقد مؤتمرا موسعا؛ لمناقشة السلام في اوكرانيا في مدينة جدة، والذي ضم اكثر من اربعين دولة بما فيها اوكرانيا والصين الهند والبرازيل وجنوب افريقيا، الدول الأخيرة باستثناء اوكرانيا؛ وهي الدول المؤسسة لمنظمة البريكس، وهذه المشاركة من دول البريكس تحمل دلالات سياسية. مؤتمر جدة، لم يخرج باي نتيجة لجهة البحث الجدي عن الاسس لأجرى المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا. وبالتالي؛ المؤتمر لم تكن الغاية منه او غاية امريكا منه، والتي تعاونت السعودية معها من اجل عقد هذا المؤتمر؛ هو البحث الجدي عن الوسائل لدفع الجانبين الروسي والاوكراني للجلوس على طاولة التفاوض، ويظهر هذا واضحا في عدم دعوة روسيا الى المؤتمر، بل الغاية منه؛ هو لسحب دول البريكس من الموقف الحيادي الى موقف يدين العملية الروسية في اوكرانيا، ولو بصورة غير مباشرة، حسب المراقبون. أذ، ان المشاركة بحد ذاتها؛ هي تأييد ضمني لأوكرانيا، وبالتالي للسياسة الامريكية. ان الولايات المتحدة الامريكية؛ تعتبر منظمة البريكس؛ تهديد جدي ليس لها فقط بل لجميع مجموعة الدول الصناعية السبعة وحتى حلف الناتو، وخصوصا عزم وتصميم، هذه المنظمة؛ اصدار عملة جديدة للدول الاعضاء فيها، او اعتماد التبادل الاقتصادي والتجاري والمالي بين دولها على العملات المحلية، وبالذات اليوان الصيني. ان سياسة هذه المنظمة، مستقبلا، سوف تقوض سيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي. أذ، ان هناك عدة دول تقدمت بطلبات الانضمام الى هذه المنظمة، من بينها المملكة العربية السعودية. ان السعودية لاحقا، ربما في الوقت المقبل القصير، سوف تنضم الى منظمة البريكس. اعضاء المنظمة، روسيا والصين والهند وجنوب افريقيا والبرازيل، رحبوا بها وبقوة. ان القيادة السعودية الحالية تدرك تماما التحولات الدولية المقبلة؛ فهي تستخدم جميع الاوراق من اجل مصالحها، استخداما ناجحا حتى الآن ومنتجا ومثمرا، من غير ان تقطع جسور التواصل مع الشريك الامريكي التاريخي.

***

مزهر جبر الساعدي

سنة 2023 التي ستشهد انتخابات، مجالس المحافظات العراقية، تشبهُ عام "الفلس"؛ 1933، و الذي سكَّت فيه، الحكومة العراقية، هذه العُملة المعدنية، كما ولِد فيها، الرئيس العراقي الراحل، جلال طالباني، بحسب مُذكَّراتِه.

طالباني، المُحب لـ "الرطيب"، مصطلحٌ قام بنحتِه من الرَطَبْ و الزبيب، صُدِمَ بعد عشرين عاماً، تقريباً، بأن صَنَمْهُ السياسي المعبود، كان "مستشار ستالين لشؤون الشرق الأوسط"، لكنهُ "جندي" عند الرئيس العراقي الأسبق، عبد الكريم قاسم، المشهور بوصف "الزعيم"، في الأدبيات التاريخيَّة العراقية.

العراق الحزبي، الطائفي، و العرقي، يستعد بعد مرور تسعين سنة، على عام الفلس، عشرون منها بعد 2003، لجولةٍ جديدة من الانتخابات المحلية؛ كي يصنع درعاً ديموقراطياً واقياً، ضد سنة 2024. العام القادم، هو عام الفرج "الفائقي" – نسبة إلى السياسي العراقي فائق الشيخ علي – الذي سيشهدُ هجوم "يوفو" من القوَّات الساحِقة الماحِقة، الأجنبية، على البلاد، لتصفية هذا النظام، من الشوائب الإيرانيَّة، و إرجاعهِ ماءً معدنياً، في عبواتٍ أطلسيَّة!

المُتفرِّج السياسي العراقي، لا يرى هذا "الفائقي"، قريباً. ربّما السبب تألُّق شهر أغسطس/ آب، و لسعه بشكلٍ مستمر، بإبرة التصريحات الحكومية، من " تخريب أبراج الطاقة الكهربائية، إلى إيقاف منصة "التلغرام"، و هي الموطن السوشيالي الأشهر، لإعلام الميليشيات الإيرانية. لكن هناك ما يؤكِّد، بأنَّ العراقي، لن يحصل و لو على فلسٍ واحد، من الأفضل، من نتائج الانتخابات المزمعة؛ بل نجرؤ على نُصحه بعدم تكرار خطأ مام جلال، و الذي دفع ديناراً كي يشتري شعرات من رأس معبوده السياسي.

نبدأ بلقطة سياسيَّة..

أعلنت مفوضيَّة الانتخابات العراقية، المُستقلَّة عن طموحات البلاد، في الخامس من أغسطس الجاري، إنَّ السقف العددي للتحالفات وصل الرقم "31، بينما كان 21 في انتخابات أكتوبر 2021". تخمة التحالفات، و التي هي "كرش" مميَّز للنظام "الجاري" بعد 2003، لا جديد فيها. هي تبدو قنطار وقاية حزبي، من " ثورة تشرين"، و ضبط لمقاسات العباءة السياسية للتيار الصدري.

هذا التفسير الحكيم، يشبهُ طريقة قراءة الرئيس الأمريكي الأسبق، جيرالد فورد، للخُطب السياسيَّة. فورد كان يقرأ بشكلٍ حرفي. كمثال: أيها الشعب الأمريكي "فارزة" أنت عظيم "نقطة". هكذا فإنَّ سبب التخمة، ليس من أجل الحصول، على أكبر عددٍ من الأصوات، إذ إنَّ الحاج "سانت ليغو"، و هو نظام متبع في حساب الأصوات الانتخابية، قد شُحِّم في قانون الانتخابات الجديد، بعد تركه في الانتخابات السابقة، ليضمن حظوظ حجيج الأحزاب التقليدية.

الهدف هو توفير رؤوس لـ "السلخانة" الإعلاميَّة، لتنجو فروة الزعماء التقليديين، من النتف الانتقادي، و تقليل الضغط على الأحزاب الميليشاوية. ائتلاف دولة القانون كمثال، اختار تقديم الأضاحي الانتخابيَّة، باختيار شلَّة من المُحلِّلين السياسيين؛ الذين أعلنوا خروجهم من الائتلاف. أبرزُهُم مُحلِّلٌ مشهور بتخليل أصابعه، عندما يظهر على شاشة الفضائيات، بمسك المسابح، و التي يبدو إنَّهُ كان يشتريها من رئيس ائتلافه السابق، المُتهم ببيعها، بحسب سجل النكتة الشعبية.

هذا الائتلاف، ذائع الصيت، بتقليد تكتيكات الأحزاب الأُخرى. أراد كذلك، توفير نُسخة من حركة "رفض"، المُشكَّلة من إعلاميين و نُشطاء و إلخ. الحركة معروفة، بكونها خِطاب ضمان سياسي، للتيار الصدري. النتيجة، ارتطام حبات المسبحة ببعضها، تاركةً "الشاهول" فيها، سليماً مُعافى، بالنسبة للأول، و خفض قيمة الامتياز للثاني.

تكتيكات أربيل الإعلامية، نشطت هي الأُخرى، في موعدٍ لا يتفق مع روزنامة الماضي. تبدو اليوم، بأنها غير معنيَّة، حصراً، بالصراع مع بغداد، على النفط و الغاز و الموازنة. العادة الكردستانية،ـ دائماً ما كانت تختار فترة "الصمت الحكومي"، و التي نستطيع تعريفها زمنياً: تبدأ من ظهور النتائج الانتخابية حتّى اختيار رئيس الوزراء، و تتراوح من ستة أشهر إلى سنة تقريباً.

أربيل تسعى لتقليل الضغط، على حُلفاء الضرورة، منهم تحالف "السيادة"؛ الذي انفصل تكتيكياً عن حزب "تقدم"! فالثاني هو الأساس و الأول ظل. إضافة إلى مصالح مشتركة تجمعهم، في كركوك، الموصل، الأنبار، و ديالى، خاصَّة أن ما بات يُعرف بـ "الإطار السُّني"، و الذي هو عبارة عن "باباي شيعي"، لطبخ الأنبار كـ سبانخ ميليشاوية، يُهدِّدُ حظ أربيل بالاستعاضة. خسارة هذه المحافظة، تعني خسارة الموصل أيضاً؛ فـ "تقدم"، حاضِرٌ هناك بقوَّة. بالتالي فإنَّ ربيع الكراسي سيكون لصالح الواجهات "الولائية".

"الإطار التنسيقي" الأصلي، قام أيضاً بتفريع رأسه، من الدخول إلى الانتخابات المحلية القادمة، كقائمة واحدة. رئيس ائتلاف دولة القانون، زعم في لقاءٍ مُتلفز، أن "الأسباب الفنية المُتعلِّقة بحساب الأصوات هي السبب".

شحن لمبة التفسير، بتجارب الزمن القريب، تحديداً، اقتحام التيار الصدري لـ "المنطقة الخضراء"، في نهاية أغسطس 2022، يضيء بطريقةٍ غير مباشرة، أسباباً مُختلِفة. منها، تقلُّص حجم زعيم الائتلاف، حيثُ ظهر في صورةٍ مُسرَّبة، و هو يحمل بندقية آلية، و احتلال جوازه الدبلوماسي لجيب القميص. ربّما أراد جذب الدب الصدري إلى عسل ضُعفِه المُسرَّب!

الأرجح أن قيس الخزعلي، أمين ميليشيا عصائب أهل الحق، وفَّر للجهات "الولائية"، فُرصة عدم المُراهنة، بجميع ما يمتلكونه من بيضٍ سياسي، بالاعتماد على دجاج حسابات نوري المالكي.

نحتاج بعد ما تقدَّم إلى لقطة خدمات بزاوية تصوير اجتماعيَّة..

وعد الخدمات لرئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، أصبح مصباح علاء الدين "الفالصو". الكهرباء و هي أهم الاختبارات، بات واضحاً، إنها لن تكون سوى شخصية ياسمينة "أم قصر"، في أفلام كارتون سندباد الشهيرة، تُحلِّق كطائرٍ مسحور، و لن تعود إلى وضعها الأصلي إلَّا في الحكايات.

الرئيس السوداني، و هو سندباد "الإطار التنسيقي"، سمح لوزير التربية في كابينته الحكومية، بمعاقبةِ أستاذٍ، نشر مقطعاً على اليوتيوب، عَرَضَ استخدامهُ الأوراق كمروحة يدوية، لتحريك الهواء الراكد، في قاعة امتحانٍ للطلاب. نسى هذا الأستاذ، بأن ياسمينة الكهرباء، لم و لن تسمع السوداني. هي مُسافِرة أبداً بين الحدود البرية و البحرية.

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، و باحث عراقي

كانت العقيدة السياسية والعسكرية للاتحاد السوفييتي في زمن ما عُرف بـ"الحرب الباردة" تقتصر على الكيانات المكونة للاتحاد السوفييتي ودول "حلف وارسو" فقط لا غير، أما الحلفاء والأصدقاء للسوفييت في الجغرافيات الأخرى وفي حال تعرضهم للخطر، فليس لهم سوى الدعم السياسي الخجول والدعم اللوجستي العسكري بحسب ثقل الحليف وأهميته، لهذا عُرف عن السوفييت خذلانهم لحلفائهم وتنكرهم لهم في أحلك الظروف، وهذا ما دفع العديد من الدول إلى التحالف مع الغرب لما عُرف عنهم من تدخلات مُباشرة حين تتهدد مصالحهم في أي جغرافية كانت.

في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انقلبت الأمور والمواقف تمامًا، فأصبحت العقيدة السياسية والعسكرية الروسية هي الدفاع عن مصالح روسيا في أي بقعة في العالم، وقد وجد بوتين في الأزمة السورية مناخًا مثاليًا لتدشين "روسيا البوتينية" وعقائدها الجديدة للعالم، وهذا ما جعل العديد من البلدان تهرول نحو روسيا بعد اتضاح رؤيتها وعقائدها الجديدة والجلية تجاه مصالحها وحلفائها في العالم عبر بوابة دمشق.

روسيا البوتينية اليوم خالية تمامًا من العقائد السياسية والأطماع الاستعمارية؛ حيث لا وجود للشيوعية السوفيتية، ولا سوابق استعمارية لها، وهذا السجل جعلها جاذبة للتحالفات والمحاور الجديدة، والتي تبحث عن حلفاء تؤطرهم المصالح مع احترام سيادة الدول والاحتكام لقواعد القانون الدولي وقواعد العلاقات الدولية.

الأزمة الأوكرانية كانت الملف الآخر الذي كشف أكثر عن هوية روسيا البوتينية بعد الملف السوري؛ حيث تفهمت الكثير من الدول مخاوف روسيا وسعيها للحفاظ على أمنها ووجودها من سطوة الغرب ومُخططاته الخبيثة، ولم تتوقف تلك الدول عند عتبة التفهم؛ بل زادت من موقفها الداعم لروسيا في هذه الحرب وأعلنت الكثير منها تلميحًا وتصريحًا أن روسيا تحارب الغرب ومخططاته الشيطانية في أوكرانيا بالنيابة عن العالم أجمع.

ما يحدث اليوم في أفريقيا، وتحديدًا المستعمرات الفرنسية السابقة: النيجر، ومالي، وأفريقيا الوسطى، وبوركينا فاسو، والتي شهدت تمردات جلية وصادمة لفرنسا، وسعت بقوة لنيل الاستقلال الكامل غير المنقوص أو المشروط من فرنسا، مع أحقية هذه البلدان وشعوبها في ثرواتها المنهوبة من قبل فرنسا في اتفاقيات استقلال منقوصة، يُدلِل على أن أفريقيا والمستعمرات الغربية السابقة في حالة ثورات جديدة عنوانها التحدي والكبرياء في ظل هشاشة الغرب ووهنه، وصعود وإسناد النجم والقطب القوي روسيا البوتينية.

لم تكن القمة الروسية الأفريقية المنعقدة في موسكو مُؤخرًا قمة بروتوكولية تعارفية تُمارس خلالها دبلوماسية القمة بكل مظاهرها الهشة المعروفة؛ بل كانت قمة أشبه بالمبايعة والإقرار بحق روسيا البوتينية في قيادة العالم، وتفويضها للدفاع عن الضمير العالمي الحُر، فكل من تابع يوميات تلك القمة الاستثنائية يشعر بحجم الروح العائدة للقارة السمراء عبر قياداتها الشابة الشجاعة، ويشعر بحجم المشاعر الوطنية التي تكسو الشعوب التي انتفضت على فرنسا، وواجهت قوتها ونفوذها بكل تحدٍ وكبرياء.

بكل تأكيد لن تكون فرنسا هي الضحية الاستعمارية الأولى؛ بل ستتبعها كل من أمريكا وبريطانيا كذلك، فالتقليد والمُحاكاة عند الشعوب حالات خطيرة ومعروفة تاريخيًا، وهذا ما يُهدد الغرب في نفوذه ثم وجوده، فهذا الغرب الذي لا يمتلك سوى السرقة والسطو والقرصنة لثروات الشعوب، أصبح اليوم في أوهن حالاته ومن أول اختبار له في المستنقع الأوكراني الذي تحالفت فيه حسابات الحقل والبيدر، وتحالفت في المقابل قوى الضمير العالمي المصحوبة بالإرادة الشعبية والتي ستحقق المُعجزات.

قبل اللقاء.. يقول الزعيم الصيني ماوتسي تونغ: "هناك دائمًا حركات صغيرة غير مرئية في التاريخ تتسبب في تغيير مجرى التاريخ".

وبالشكر تدوم النعم..

***

علي بن مسعود المعشني

يضطر قسم من المهاجرين الى (الجنة الموعودة أوروبا) اختلاق وتأليف قصص مأساوية من خيالهم الخصب والمتخم بألم مغامرة الرحيل الى تلك الجهة من الكرة الأرضية لتمرير وتبرير لجوئهم، وقد شهدتُ شخصياً حالات كثيرة واستمعت الى الكثير من تلك القصص والروايات التراجيدية، ولعل أكثرها سخرية تلك التي يتقمص صاحبها ديناً ليس دينه أو مذهباُ ليس مذهبه بل وقومية أو عرقاً ليس مما يوصف حقيقته، كل ذلك من أجل قبول لجوئه، ومعظم تلك القصص مبررة للتغطية على حقيقة هجرته وأسبابها ولا أقصد هنا الجميع ولكن هناك ظاهرة متداولة ومبررة لدى كثير من المحامين في تلك الدول وخاصة في أوقات الحروب والكوارث التي تصنعها الأنظمة الطاغية والأحداث الكارثية كما حصل في غزوات داعش الإرهابية ضد المكونات غير المسلمة مثل الإيزيديين والمسيحيين والشيعة والكاكائيين والعلويين وفتح أبواب اللجوء والهجرة لهم في دول أوروبا وغيرها، وقد تقمص العديد من اللاجئين مأساتهم وادعوا انتسابهم لهم، كما قام غيرهم ببهلوانيات أخرى لتمرير عبوره ولجوئه وخاصة أولئك الهاربين من الخدمة العسكرية أو المحكومين غيابيا بأحكام على جرائم جنائية لا علاقة لها مطلقاً بحرية الرأي أو الاضطهاد القومي أو الديني أو السياسي، كالقتل والسرقات والاختلاس والمخدرات وزنا المحارم والاغتصاب، وقد بانت حقيقة كثير منهم بعد سقوط أنظمتهم والاطلاع على ملفاتهم الشخصية، خاصة أولئك الذين عادوا ليمثلوا أدوار المعارضين السياسيين وضحايا الأنظمة الدكتاتورية.

ومن بشاعة اللعب على الحبلين أن العديد من هؤلاء الممثلين اللاجئين عادوا الى أوطانهم بعد أن حصلوا هناك في بلدان المهجر على مواطنية تلك الدول وتقاعدها، عادوا للبحث عن حقوق مفترضة بل وتبوؤا مناصب مهمة في دولهم الأصلية مع تعويضات خيالية، ولعله من المفيد أن نذكر أن افواجاً جديدة تأثرت بهؤلاء الممثلين البارعين في صناعة قصص للعبور بها الى تلك الجنان على حساب أوطانهم بل وفي كثير من الأحيان حتى على أنظمتهم السياسية بادعائهم أنها اضطهدتهم بينما الحقيقة انهم كانوا أكثر الناس استفادة منها ولم يكن هروبهم ولجوئهم إلا بسبب  تداعيات جرائم اقترفوها بحق المجتمع والدولة وليس بحق النظام السياسي.

وما حدث مؤخراً من أحد الأشخاص في حرقه للقرآن وادعائه بالاضطهاد إلا واحدة من تلك القصص التي يتم استثمارها وممارستها لإثبات مصداقية القصص المؤلفة للحصول على مواطنية تلك الدول وهي ليست غريبة أو الأولى من نوعها لكن الغريب ردود الأفعال المبالغ بها دون دراية، حيث منحت تلك الردود ذلك الشخص وأمثاله سمة الدخول لدول المهجر وحمايتها، فقد أثبتت تطورات الأحداث في بغداد والاستثمار السيء للحدث بأن من يقف وراء تلك الانفعالات إما يتاجر بشعارات ومزايدات لتمرير برامج معينة لاستثمارها انتخابياً، أو لإعطاء أفواجٍ أخرى من الشبيبة فرصة لاستثمار تداعيات تلك الردود لصناعة قصص جديدة للهجرة، وفي كلا الحالتين لم يستفد من كل ما جرى إلا الذين ذكرناهم آنفا مع مافيات تهريب البشر وأصحاب القصص والمغامرات ومن ينوي تقليدها لاحقاً، ناهيك عن كونها سلماً يستخدمه مهرجو الانتخابات في استثمار تداعياته كحدث سياسي او طائفي او ديني كدعاية انتخابية مبكرة ورسائل تساهم في تكريس أكذوبة حماة الدين والعرض والأرض من متسلقي سلالم السلطة وأدواتها!

***

كفاح محمود

الدولة:

تُعرَّف (الدولة) بأنها مجموعة من الأفراد يعيشون في نطاق جغرافي محدَّد، ويمارسون نشاطهم في ظل نظام سياسي معيَّن.

وهذا النطاق الجغرافي تختلف مساحته من دولة إلى أخرى. فهناك دول ذات مساحة كبيرة وأخرى صغيرة. كما أن عدد السكان الذين يعيشون في تلك المساحة الجغرافية يختلف من دولة إلى أخرى. ففي حين نجد أن مساحة دولة روسيا تبلغ 17.1 مليون كيلومتراَ مربعا، وعدد سكان الصين يقارب مليار ونصف المليار نسمة، نجد أن مواطني دولة الفاتيكان لا يتجاوز 900 نسمة ومساحتها أقل من نصف كيلومتر مربع (0.44كم2).

فلقب "دولة" والاعتراف بها من بقية الدول، لا يخضع لمقاييس محددة في المساحة والسكان، بل لظروف تاريخية وأوضاع جيوسياسية. ومن ناحية أخرى، نجد أن للدول أنظمة سياسية متباينة. فمساحة الدولة، وعدد سكانها، ونوعية نظامها السياسي، ليست عوامل حاسمة في نجاح الدولة ولا في فشلها. فـ (الدولة) في هذا المصطلح هي مرادف لكلمة (بلاد) فقط.

ومع ذلك فإن مصطلح (دولة) يُطلَق على جميع الدول المذكورة على اختلاف مساحاتها، وتباين أعداد سكانها، وتنوع أنظمتها السياسية؛ لأن العناصر الجوهرية في مفهوم الدولة هي ثلاثة: المساحة الجغرافية، والسكان، والنظام السياسي مهما كان. وتمارس الدولة عادةً أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية ترمي إلى تحسين مستوى مواطنيها وتحقيق التنمية.

ولكل دولة عادةً سلطة أو حكومة تستخدم الموظفين العاملين فيها بالتعيين أو الانتخاب. وهذه الحكومة تسيطر قانوناً على استعمال القوات في أراضيها، وتسيطر على عملتها في حدودها، وتطبق قوانينها وتسيطر على الإعلام في أراضيها.

الدولة الفاشلة:

ظهر مفهوم (الدولة الفاشلة) في مجال العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة في أواخر القرن الماضي.

ويتباين تعريف "الدولة الفاشلة"[1] من باحث إلى آخر طبقاً للزاوية التي ينظر منها، فإذا كان اهتمامه أمنياً عسكرياً، عرَّفَ "الدولة الفاشلة" بأنها تلك الدولة التي لا تسيطر على جميع أراضيها عسكرياً. أما إذا كان اهتمامه مالياً، فيعرّفها بأنها تلك الدولة التي لا تستطيع تسديد ديوانها وفوائد ديونها بانتظام. وإذا كان اهتمامه فكرياً، عرَّفها بأنها تلك الدولة التي لا تستطيع حل مشاكلها بنفسها بل تحتاج إلى تدخلٍ خارجي، حتى لو لم تطلب ذلك. وإذا كان اهتمامه منصباً على سيادة الدولة، يعرّف "الدولة الفاشلة"، بأنها تلك الدولة المنقوصة السيادة.  أما الباحث الدكتور سعد الكناني بأنها " الدولة العاجزة عن أداء وظائف التنمية وحماية أمنها وسيطرتها على أراضيها وحدودها."[2]

وأميل إلى تعريفها بتلك الدولة التي لا تستطيع القيام بواجباتها الأساسية في خدمة مواطنيها وتحقيق أهدافها الأساسية في تنمية البلاد مثل تعميم التعليم والصحة والبنيات التحتية، وتحقيق العدالة.[3]

ولكي تصل الدولة إلى مرحلة الفشل، تمرّ بعدة مراحل مثل (الدولة الضعيفة) و (الدولة الهشّة) اللتين تواجهان مخاطر أقل من تلك التي تواجهها الدولة الفاشلة. ولكن هذه الدول، الضعيفة والهشة والفاشلة، توصف دائماً بأنها " دولة"، لأنها لا تفقد المقوِّمات الأساسية للدولة بالكامل، وأعني بذلك: المساحة الجغرافية، والسكّان، والنظام السياسي المتبع مهما كان، على الرغم من مواجهتها مشاكل تعرّض وحدتها، واستقلالها، وبقاءها، للخطر.

أسباب فشل الدولة:

يمكن حصر أسباب فشل الدول بعنصرين أساسيين:

أسباب خارجية:

أـ الحروب الطويلة، التي تمتد إلى سنوات عديدة.

ب ـ التغيرات الاجتماعية، ومن أمثلتها، تحوّل مجموعة سكانية إلى قوة مهيمنة في البلاد، ثم إلى جماعة منبوذة. وهكذا.

أسباب داخلية:

أـ حكومة فاسدة تعمل لخدمة فئة صغيرة من السكان هي الطبقة الحاكمة أو طائفة معينة، أو منطقة محددة من البلاد، بدلاً من خدمة الشعب برمته.

ب ـ الحروب الأهلية أو النزاعات الداخلية، طائفية أو عرقية أو عشائرية.

خصائص الدولة الفاشلة:

يمكن تلخيص خصائص الدولة الفاشلة فيما يأتي:

قابليتها المتناقصة للدفاع عن حدودها الوطنية، وفقدان السيطرة على أراضيها، أو على بعض أراضيها.

قابليتها المتناقصة على حفظ الأمن في البلاد، وفقدان سلطتها احتكارَ استخدام العنف في جميع الأراضي التي تحكمها.

فقدان السلطة لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها.

عجز السلطة عن توفير الحدِّ المعقول من الخدمات العامة.

وباختصار، فإن الدولة الفاشلة تتميز بوجود حكومة غير فعّالة لا تقوم بجميع واجباتها بصورة ناجعة نافعة.

وقد لوحظ أن الدولة الفاشلة لا تختفي بين ليلة وضحاها، بل قد تستمر في الوجود طويلاً، وأحياناً لأجيال عديدة (مدة الجيل عادة بين 25 و30 سنة).

مؤشِّر الدول الفاشلة:

تصدر الأمم المتحدة ومنظماتها المختصة ومؤسسات دولية أخرى، مؤشِّرات معظمها سنوية لجميع الدول الأعضاء تتعلّق بمختلف الخدمات التي ينبغي أن تقوم به الحكومات لفائدة شعوبها، مثل مؤشر التنمية البشرية، مؤشر الفقر، مؤشر التعليم، إلخ.

وقد وضع الصندوق لأجل السلام[4] ومجلة السياسة الخارجية [5] في الولايات المتحدة الأمريكية (مؤشرَ الدول الفاشلة) السنوي منذ سنة 2005، وقد أطلقا عليه مؤخراً اسم ( مؤشر الدول الهشَّة)، وهي تسمية دبلوماسية، إن صح التعبير. ويصنّف هذا المؤشرُ الدولَ ذات السيادة في الأمم المتحدة والتي تتوافر معلومات عنها، إلى أصناف، ويحصر الفشل في أربعة أنواع:

ـ تنبيه،

ـ تحذير،

ـ فشل معتدل،

ـ فشل مستدام.

ويعطي كلَّ دولةٍ علامةً (او درجة) تتراوح بين 0 و 120. وكلما ارتفعت علامة الدولة، أصبح فشلها أكبر. وعادة ما تكون الدول الهشة (الفاشلة) هي الأكثر تخلفاً في ميدان التنمية البشرية، ويطلق عليها اسم دول ذات تنمية بشرية متدنية.

وفي مؤشر الدول الهشَّة (الفاشلة) لسنة 2015، نجد أن مؤشر اليمن، مثلاً، وهو الأعلى رتبة في الفشل هو: 111.7، في حين أن مؤشر فنلندا، وهي الأقل في الفشل: 15.1 فقط.  وصنَّف المؤشر قائمة الأمم المتحدة التي تشتمل على 177 دولة توافرت معلومات عنها على الوجه التالي:

33 دولة في حالة إنذار، وهي أسوأ هشاشة،

92 دولة في حالة تحذير،

39 دولة في حالة اعتدال،

13 دولة في حالة مقبولة.

فإذا أخذنا الصومال مثلاً للدول الهشة، نجد أن هذا البلد الذي يؤوي 15 مليون نسمة قد تعرَّض لأزمات جفاف منذ سنة 2011، ولحرب متواصلة بين القوات الحكومية وحركة الشباب تسببت في نزوح 2.9 مليون نسمة.

ويُعدُّ هذا المؤشِّر وسيلة نقدية، ليس لمعرفة الضغوط التي تتعرَّض لها الدول فحسب، بل

كذلك لمعرفة الأوقات التي تدفع فيها هذه الضغوط تلك الدول إلى حافة الفشل.

معايير مؤشِّر الفشل:

اعتمد مؤشر الفشل على عدة معايير أهمها:

أـ المؤشرات الاجتماعية:

1ـ الضغوط السكانية

2ـ حركة اللاجئين والمشردين

3ـ الانتقام (مثل الانتقامات العشائرية).

4ـ هجرة الأدمغة

ب ـ المؤشرات الاقتصادية:

5ـ التنمية الاقتصادية

6ـ التدهور الاقتصادي

ج ـ المؤشرات السياسية:

7ـ نزع الشرعية عن الدولة

8ـ التدهور التدريجي للخدمات

9ـ الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان

10 ـ الأجهزة الأمنية بمثابة دولة داخل دولة

11ـ صعود النخب المنقسمة

12 تدخل الدول الأجنبية في الدولة.

هل العراق دولة ضعيفة أو هشّة أو فاشلة؟

فإذا أخذنا أشهر الدول الفاشلة التي يذكرها هذا المؤشر، وهي:

أفغانستان، والعراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، والسودان؛ والصومال وجنوب السودان، نجد أنها خاضت حروباً طويلة: إقليمية، أو أهلية، وأدَّت تلك الحروب إلى تغيّرات اجتماعية ملحوظة بسبب موجات النزوح والهجرة التي رافقت تلك الحروب أو نتجت عنها.

وإذا استطعنا أن نجد عذراً لفشل أفغانستان، لكونها تعرضت لمحاولاتٍ متواصلة لاستعمارها من قبل الدول الكبرى كبريطانيا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، فإن حالة دولة العراق الذي يُعد الآن أشهر الدول الفاشلة، تحتاج إلى تدقيق النظر.

فمنذ الانقلاب العسكري الذي قضى على النظام الملكي في 14 تموز/ يوليوز سنة 1958 برضى ودعم من الأحزاب العراقية، العلنية والسرية منها، اليسارية واليمينة (ويتساءل المرء: كيف يؤيد حزب سياسي مدني مشروع انقلاب عسكري، إلا إذا كان رؤساؤه متعطشين للسلطة وقد وعدهم العسكر بوزارة في الحكومة الانقلابية العسكرية؟!)  وما أعقبه من انقلابات عسكرية متتالية، وما تعرض له العراق من  حكم شمولي دام 35 عاماً تحت حكم دكتاتور جاهل دموي مولع بالقتل الجماعي، والمقابر الجماعية، وخوض الحروب الطويلة والقصيرة، وانتهى بغزو امريكي ـ بريطاني سنة 2003، نتج عنه وصول شرذمة من شخصيات معارضة " على دبابات الغزاة" وبمساندة إيران، ليحكموا البلاد بدعمٍ من المُستعمِر الجديد الذي وضع لهم "نظاماً"  يقوم على المحاصصة الطائفية والعرقية يؤدي إلى تعميق الخلافات وتفتيت البلاد، وإطلاق يد الحكّام الجدد في نهب ثروات البلاد، وتحويل مليارات الدولارات شهرياً إلى حساباتهم الشخصية في بنوك الدول الغربية التي يحملون جنسياتها. فكل نظام سياسي يقوم على المحاصصة، مآلهُ، لا محالة، إلى الفشل الذريع. وهذا ما يفعله المُستعمر دوماً انطلاقاً من مبدأ " فرِّق تَسُد"، وما فشل الدولة اللبنانية إلا مثل على الدول التي يقوم نظامها السياسي على المحاصصة الطائفية، وهو نظام فرضه المُستعمِر الفرنسي على لبنان، عن دراية وقصد.

وخصائص السلطة الحاكمة بالعراق بعد الغزو الأمريكي عجيبة غريبة، ومن أهمها:

ـ المحاصصة العرقية الطائفية:

على الرغم من أن دستور العراق الذي وضع بإشراف المستعمر وتوجيهاته، واعلن سنة  2005، لا ينص على المحاصصة، فإن المحاصصة موجودة فعلاً وباتفاق جميع  الفاعلين السياسيين. فرئاسة الجمهورية رست على أكراد (السليمانية)، ورئاسة إقليم كرادستان العراق، أختص بها أكراد أربيل، ورئاسة الوزارة للعرب الشيعة، ورئاسة مجلس النواب الاتحادي في بغداد للعرب السنة، وهكذا.  وإذا دخلتَ في إحدى السفارات العراقية ووجدت السفير كردياً من أربيل، والقنصل كرديا من السليمانية، فاعلم أن وزارة الخارجية العراقية هي من حصة الأكراد، وهكذا دواليك.

ـ الفساد المستشري في مفاصل الدولة:

لقد أمسى الفساد تقليدا مرعياً وثقافة راسخة في الإدارة العراقية. فإذا كانت إحدى المديريات العامة في وزارة من الوزارات هي من حصة حزب معين، فإن المدير العام الجديد يؤدي سراً قسَم الإخلاص لرئيس الحزب الذي اختاره أو لمندوبه، كما يؤدي ثمناً لقاء المنصب قبل التعيين أو بعد التعيين شهرياً أو سنوياً. وقد شاهدتُ ذات مرة فيديواً مسرّباً لأحد وزراء الكهرباء المتعاقبين (ووزارة الكهرباء هي البقرة الحلوب الكبرى للفاسدين، فالعراق منذ أكثر من نصف قرن لم ينعم أهله بالكهرباء) وهو يؤدي قسم الإخلاص لمندوب رئيس حزبه. وبعبارة مختصرة، فإن المناصب العليا تُباع وتشترى، كما كانت في أواخر الدولة العثمانية.

والفساد على نوعين:

ـ النوع غير المقنن عن طريق نهب وسرقة واختلاس أموال الشعب بطرق غير مشروعة.

ـ النوع المقنن، عن طريق إصدار قانون أو مرسوم متَّفق عليه بين قادة الأحزاب الحاكمة دوماً يحدّد رواتب الوظائف العليا أو أعضاء البرلمان بأجور خيالية. فمثلاً يستحق النائب 32 راتباً إضافياً لحراس شخصيين يختارهم بحريته من أقاربه أو من غيرهم. ولم يأتِ هذا الرقم 32 اعتباطاً، بل بالاعتماد على عدد رجال الحماية التي كان يسهر على حماية الرئيس وكل فرد من أفراد أسرته وكبار مساعديه في فترة الحكم الشمولي.

ولتوضيح هذا النوع المقنن من الفساد الذي ينبغي أن يُدرَّس في معاهد الإدارة والقانون بوصفه من ابتكار المستعمر الأمريكي ورجال المحاصصة في حكم العراق. نضرب مثلاً في الراتب السنوي لبعض أصحاب المناصب العليا في العراق بعد 2003 (لأن قبل ذلك لا توجد رواتب محددة لرئيس الجمهورية وأفراد عائلته وعشيرته):

ـ رئيس الجمهورية: حوالي  65000 دولار شهريا، ما عدا مخصصات الامتيازات، علماً بأن رئيس الجمهورية منصب شرفي، وله نائبان، يتقاضيان راتباً مقارباً لراتبه. (راتب الرئيس الأمريكي المعاصر أوباما آنذاك :

ـ رئيس مجلس النواب: 44000 دولار شهرياً.

ـ الوزير 28000 دولار شهرياً.

ـ أما الراتب التقاعدي للياور، رئيس الجمهورية الأول بعد الاحتلال الأمريكي فيبلغ  حولي 51 ألف دولار شهريا. ومجموع الرواتب التقاعدية التي تقاضاها حتى سنة 2019 تبلغ  قرابة عشرة ملايين دولار.[6]

وهذه الرواتب لا مثيل لها في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا. وليس في بلد مثل العراق يعيش ما يقرب من 50 بالمئة من شعبه تحت خط الفقر المدقع. فإذا قارنا مثلاً راتب رئيس أقليم كردستان العراق (وهو 400 ألف دولار شهرياً)، براتب  معاصريه من رؤساء الدول الكبرى الغنية، مثل الرئيس الأمريكي أوباما مع المخصصات الإضافية ( وهو 37 ألف دولار شهرياً) وبراتب الرئيس الفرنسي ساركوزي (وهو 24 ألف يورو/دولار)، وبراتب السيدة ميركل المستشارة الألمانية (وهو  23 ألف يورو/ دولار) يتضح لنا الفساد في العراق. فهذه الرواتب المبالغ فيها هي نوع من الفساد المقنن المتفق عليه بين حكام المحاصصة.

ولكن هذه الرواتب الخيالية لا تعدّ شيئاً ذي بال إزاء الامتيازات الخارقة لزعماء العراق الفقير. ولعل حالة جلال الطالباني (1933ـ2017) رئيس جمهورية العراق الراحل مثلاً واضحاً على ذلك. فقد أنتُخبه "مجلس النواب" مرتين لرئاسة الجمهورية أمضى معظم المدة الرئاسية في مستشفيات خاصة في الأردن والولايات المتحدة وألمانيا (آخرها في مستشفى ألماني رفيع المستوى مدة سنة ونصف متواصلة) على حساب العراق طبعاً، وقبيل وفاته في ألمانيا، أعلنت رئاسة الجمهورية على موقعها ان الطالباني الذي سيصل مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق سيؤدي " بكل المسؤولية المعروفة عنه مهامه وعمله رئيساً لجمهورية العراق". ولكن جثمانه  ـ مع الأسف ـ هو الذي وصل من المانيا بعد أن أمضى سنة ونصف في مستشفى الماني رفيع  على حساب العراق. وفي تشييعه رفض أهله وأنصاره لف جثمانه بالعلم العراقي الذي هو رئيسه، وإنما بالعلم الكردي، وكتبا شاهدة القبر باللغة الكردية، علماً بأن الناطقين بكردية السليمانية والناطقين بكردية أربيل لا يتفاهمان إلا بلغة العراق العربية. وكانت عقيلة الرئيس الطالباني قد تبرعت بخمسة ملايين جنيه إسترليني لجامعة بريطانية لتدريس اللغة الكردية فيها (طبعا لهجة السليمانية).

ـ المليشيات المقدسة:

كان المستعمر البريطاني يطلق على الهند لقب " أرض البقرة المقدّسة"، لأن البقرة مقدَّسة لدى الهندوس الذين يشكِّلون الأغلبية في الهند، فالبقرة تسير في الطرقات والأسواق وتأكل ما تريد من خضروات معروضة للبيع دون أن يستطيع أحد أن يعترضها أو يمنعها. فهي مقدسة.  وبالمثل يسمّي بعضهم  العراق " أرض المليشيات المقدّسة". والسبب في ذلك أنه توجد في العراق 32 ميليشيا (وهذا رقم قياسي عالمي)، منذ سنة 2014 (وبعضها القليل قد نشأ قبل ذلك التاريخ.). وتسمية بعضهم هذه المليشيات ب "المقدسة" نابعة من كون كثير من هذه المليشيات يرأسها رجال دين من حوزة النجف، وهم يرتدون ملابسهم الدينية بعمائمهم البيضاء أو السوداء، وليست أزياء عسكرية، فهم لم يدرسوا في أية مدرسة عسكرية، تماماً مثل معظم أفراد عائلة الرئيس صدام الذين حملوا رتب عسكرية رفيعة، مثل فريق وعميد ركن، إلخ. دون أن يدرسوا في أية كلية عسكرية أو مدنية.

وكثير من هذه المليشيات أنشأتها أو تموّلها إيران، وتأتمر بأوامرها. وهذه سياسة استعمارية فارسية مارستها إيران منذ زمن الإمبراطورية الفارسية الثانية (220ـ651م)، فكان الفرس الساسانيون يستعملون العرب المناذرة بالحيرة في العراق لحرب أعدائهم الرومان الذين كانوا يستعملون العرب الغساسنة في الشام لذلك الغرض.[7]  ومن الممكن أن نطلق على هذه الحروب بين العرب المناذرة والعرب الغساسنة اسم " حروب بالوكالة"، حتى جاء الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي ووحدهما تحت رايته.

وإذا وُجدت مليشيا واحدة في إحدى الدول فاعلم أنها دولة ضعيفة هشة فاشلة، لأن جيش الحكومة فيها لا يسيطر على جميع أراضيها، وأن الصدام بين الجيش وإحدى تلك المليشيات المتعددة أو بين المليشيات نفسها محتمل جداً، كما هو الحال في السودان حاليا. فالحرب دائرة بين الجيش السوداني وميليشيا " الدعم السريع" اللذين نشبت بينهما قبل أكثر من أربعة أشهر، ويروح ضحيتها يوميا مواطنون سودانيون، وبلغ النازحون والمهجرون من الشعب السوداني حتى الآن حوالي أربعة ملايين مواطن إضافة إلى القتلى والجرحى. فما بالك في بلد واحد توجد فيه 32 ميليشيا (الله يكون في عونه!).

هل يطالب الشعب العراقي بحقوقه؟

إذا أردت أن تسرق شعباً فعليك تجهيله أولاً. وهذا ما دأبت على فعله الحكومات العسكرية أو شبه العسكرية منذ إسقاط الملكية سنة 1958، فليس بناء المدارس والمستشفيات من أولوياتها مطلقاً. وفي زمن المحاصصة الطائفية والعرقية، دأبت الحكومات المتعاقبة على الإمعان في التجهيل بشتى الوسائل، مثل إدخال طقوس تجهيلية في زيارة العتبات المقدسة بالعراق. فتجد من الزوار مَن يتمرغل في الوحل والأوساخ. ولا ينهاه أحد من رجال الدين من أصحاب الميليشيات الذين درسوا الفقه وأول أبوابه، باب الطهارة، ناهيك بالتطبير في عاشوراء الذي حرّمه كبار المراجع الدينية الشيعية منذ بداية القرن العشرين الميلادي مثل  السيد الشهرستاني والسيد أبو الحسن ( الذي ذبحوا أبنه حينما كان يصلي خلفه عقابا له على موافقته على تحريم التطبير).

ومع كل ذلك التجهيل المريع، فإن الشعب العراقي شعب أبيُّ كريم، لا يرضى بالضيم، فواصل الخروج بالمظاهرات التي تطالب بـما يلي:

ـ محاربة الفساد،

ـ توفير العمل للعاطلين.

ـ تحسين الخدمات

ـ إنهاء الفساد.

وكانت الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2005 تقابل تلك المظاهرات السلمية بالغاز المسيل للدموع، وبالرصاص الحي. وقد أدت هذه الممارسات القمعية الهمجية إلى مقتل 740 مواطناً وجرح 17 ألف مواطن آخر في بغداد وبقية المحافظات، إضافة الى المخطوفين. وفي كل مرة يصدر بيان من وزارة الداخلية في بغداد يزعم أن مندسّين أطلقوا النار على المتظاهرين (ويتساءل المرء: ما هي وظيفة رجال الأمن؟ أليس قبل كل شيء حماية المواطنين من المندسين؟!)[8]

وأخيرا يتساءل المرء: كيف الخلاص، وقد قلنا إن الدولة الهشة قد تستمر عدة أجيال؟

ما هو الحل؟

لا يكمن الحل في توافق الفاسدين المفسدين على الإصلاح، فهذا كمن يتطلبُ في الماء جذوةَ نار. يكمن الحل في الرجل الوطني الغيور الذي يقوم بعملية الإصلاح. تحضرني حكاية عن لي كوان يو ( 1923 ـ 2015) الذي كان شاباً لا يتجاوز عمره خمسة وثلاثين عاماً عندما تولى رئاسة وزراء سنغافورة بعد استقلالها في مطلع الستينيات؛ وكانت أفقر دولة في آسيا، مجرد مدينة بلا موارد، فحوّلها إلى دولة راقية ذات اقتصاد رفيع، ترتيبها في سلم التنمية البشرية العالمي اليوم هو الخامس بين 189 دولة.  ولهذا فهو يُلقَّب بالرئيس المعلّم الذي حوَّل التراب إلى ذهب.

يقول الرئيس لي كوان يو:

" إلى أي درجة كانت سنغافورة الستينيات تعيسة بائسة: فقر ومرض وفساد وجريمة. بيعت مناصب الدولة لمن يدفع، خطف رجال الشرطة الصغيرات لدعارة الأجانب، وقاسموا اللصوص والمومسات فيما يجمعون. أحتكر قادة الجيش الأراضي والرز، وباع القضاة أحكامهم. قال الجميع: الإصلاح مستحيل.

لكنني توجَّهتُ إلى المعلمين الذين كانوا في بؤس ويزدريهم الجميع، ومنحتُهم أعلى الأجور وقلت لهم: أنا أبني لكم أجهزة الدولة، وأنتم تبنون لي الإنسان."

سأل أحد الصحفيين لي كوان يو : ما هو الفرق بين سنغافورة ودول العالم الثالث الآسيوية؟؟

فأجاب:

" الفرق هو أننا نبني المدارس والمكتبات ودور البحث العلمي وهم يبنون المعابد. نحن ننفق موارد الدولة على التعليم، وهم ينفقونها على السلاح. نحن نحارب الفساد من قمة الهرم، وهم يمسكون اللصوص الصغار ولا يقتربون من المفسدين الكبار. "

وعندما أثنوا على لي كوان يو، بوصفه صانع المعجزة في سنغافورة، قال بكل تواضع:

ـ أنا فقط قمتُ بواجبي نحو وطني، فخصصتُ موارد الدولة للتعليم وغيرتُ مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سنغافورة، والمعلم هو مَن صنع المعجزة، هو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق، بعد أن كنا شعباً يبصق ويشتم بعضه بعضاً في الشوارع."

***

الدكتور علي القاسمي

..........................

[1] Failed State/ Etat defiant

[2] سعد  الكناني، "العراق بعد 2003، الدولة الفاشلة" في الحوار المتمدن، عدد 7619 بتاريخ 22/5/2023.

[3] علي القاسمي. الجامعة والتنمية (الرباط: المعرفة للجمع، 2001) ص 29

[4] Peace Fund  (PFF).

[5] Foreign Policy

[6]  صلاح خسن بابان. أرقام فلكية تستنزف ميزانية العراق في الرابط:

https://www.aljazeera.net/politics/2020/9/29/%D8%A3%D8%B1%D9%82%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%89-لام

[7] عبد الهادي محيسن. مملكتا المناذرة في الحيرة والغساسنة في الشام . مجلة الشراع 30 أيار، 2021.

[8] www.aljazeeera.net/politics/2002

باستغراب كبير، تلقى القراء والمشاهدين تصريحات رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في الذكرى 78، لضحايا الضربة النووية الأمريكية لهيروشيما وناغازاكي، حيث ألقت الطائرات الأمريكية، قنابل ذرية على المدينة لتسريع استسلام طوكيو في نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذا هو المثال الوحيد للاستخدام القتالي للأسلحة النووية في تاريخ البشرية، وفي الواقع، تم اختبارها بلا رحمة على السكان المدنيين، ووفقًا لتقديرات مختلفة، فان العدد الإجمالي لضحايا هذه العملية في ذلك العام كانت 80 ألفاً، وتوفي نفس العدد لاحقًا بشكل مؤلم من مرض الإشعاع .

وكانت الولايات المتحدة الامريكية قد أجرت قبيل أرتكاب جريمتها " البشعة "، أبحاث في مجال الاستخدام العسكري للأسلحة النووية في الولايات المتحدة منذ عام 1939، وكان الأمر يتعلق بإنشاء سلاح جديد فائق القوة، والذي من شأن امتلاكه أن يسمح لواشنطن بإملاء إرادتها على العالم بأسره، وتم استثمار ما يقرب من 2 مليار دولار في ذلك الوقت في المشروع ذي الصلة، والذي يحمل الاسم الرمزي مانهاتن، وبحلول منتصف صيف عام 1945، تم إنشاء ثلاث قنابل ذرية بأسماء ساخرة "ثينج" و"كيد" و"سمين مان"، وكان يتم التحضير لانفجار تجريبي، وكانوا يأملون في "تخويف" اليابان وفي نفس الوقت إثارة إعجاب الاتحاد السوفيتي .

وتوقفت عقارب جميع الساعات في هيروشيما تقريبًا لحظة وقوع الانفجار في الساعة 08:15 صباحًا، وتم محو المدينة بالكامل من على وجه الأرض، وحولت موجة الانفجار الناس إلى رماد داخل دائرة نصف قطرها عدة كيلومترات من مركز الانفجار، وإن محاولات المؤرخين الغربيين لتبرير هذه الجريمة البشعة برغبة الولايات المتحدة في إجبار اليابان على الانسحاب من الحرب العالمية الثانية، لا تصمد أمام التدقيق، وبحلول بداية أغسطس 1945، كانت القوات العسكرية اليابانية قد استنفدت بالفعل، ولعب دخول الاتحاد السوفيتي الحرب دورًا حاسمًا في هزيمتهم.

والاستغراب هنا، هو التحذير الذي اطلقه كيشيدا من ما اسماها " بالتهديدات النووية الروسية"، متجاهلا في الوقت نفسه الدولة التي قتلت مئات الآلاف من مواطنيه بالقصف النووي ، وعوضا عن ذلك، بدأ حاكم هيروشيما حديثه خلال المراسم أيضا بذكر "التهديدات النووية من روسيا"، والتي "تهدد" حسب زعمه "بالأسلحة النووية وتجعل الطريق إلى عالم خال من الأسلحة النووية أكثر صعوبة"، والبرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، لكنه لم يذكر أو يتطرق حتى إلى الدولة التي ألقت القنبلة الذرية على مدنهم، كما تجلت المعايير المزدوجة لسياسة طوكيو، في حقيقة أنه استجابة لطلب الناجين من المأساة لإبرام اتفاق بشأن حظر الأسلحة النووية، وعد كيشيدا ببذل الجهود المناسبة فيما يتعلق بالدول الأخرى، ومع ذلك، لم يذكر الولايات المتحدة مرة أخرى.

كما وان الغريب في كلام كيشيدا، هو انه في الوقت الذي يشدد فيه على حجم المأساة بالقول " إن مئات الآلاف من الأرواح أزهقت بقنبلة ذرية واحدة في هيروشيما" وحولت المدينة إلى أرض محترقة، فإنه يتناسى السؤال الأهم، وهو من أقدم على ارتكاب هذه الجريمة ياسيد كيشيدا؟، هل هي روسيا؟، وهنا استحضرني مقطع تمثيلي للفنان الكبير محمد حسين عبد الرحيم، في برنامجه الشهير  " أستراحة الظهيرة "، عندما توعد " لعدوه "، اذا لم يكف عن ايذاءه، فانه سيضرب " صديقه " !!، فروسيا وحتى وقت قريب قطعت شوطا كبيرا في بناء علاقات متميزة مع اليابان، وكانت كل الأمور تتجه نحو التوقيع على " معاهدة سلام " مشتركة، في حين، رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن، حتى كتابة كلمة أعتذار للشعب الياباني في سجل المدينة المنكوبة عندما وصلها في اجتماع قمة السبعة الذي عقد في اليابان في مايو الماضي، و" الصلافة " الامريكية وعنجهيتها، تجسدت في تصريح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن لن يعتذر عن قصف مدينة هيروشيما اليابانية.

ان ما تسمى "رؤية هيروشيما" كانت أول وثيقة للدول الأعضاء في مجموعة السبع، والتي ركزت على أهمية خفض الأسلحة النووية، لكنها في الوقت نفسه لم تؤثر على معاهدة حظر الأسلحة النووية، ولكن على العكس من ذلك، أشارت أن "الأسلحة النووية تخدم أغراض دفاعية"، واعتبر منتقدو رئيس الوزراء الياباني الوثيقة نفسها وموقف اليابان من معاهدة حظر الأسلحة النووية متناقضين للغاية، وتصر المعارضة على أن اليابان، التي تقع تحت حماية المظلة النووية الأمريكية، يجب أن تصبح مراقبًا على الأقل، ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن أي تقدم هنا، فكيشيدا يعتقد أنه نظرًا لعدم توقيع أي من دول النادي النووي على المعاهدة، فإن دور اليابان، باعتبارها الدولة الوحيدة التي تعرضت للقصف النووي، هو تقريبها من هذا القرار.

ان امتناع كيشيدا عن ذكر حقيقة أن مسؤولية قصف المدن اليابانية تقع على عاتق الولايات المتحدة، يشير لها الخبراء إلى أن محاولات إلقاء اللوم على روسيا بسبب عدم الاستقرار في المجال النووي والصمت عن تصرفات الولايات المتحدة في هذا المجال تشير إلى محاولات للحفاظ على هيمنة الأجندة الموالية للغرب على الساحة الدولية، وكعادتها، فان الأمم المتحدة لم يذكر امينها العام في الدور الأمريكي في القصف النووي لليابان وأقتصر كلام أنطونيو غوتيريس، في رسالته، على تحذير من أن "طبول الحرب النووية تدق مرة أخرى".

وهكذا، فإن القصف الذري لهيروشيما لم يكن أكثر من عرض همجي للقوة ومحاولة لتبرير التكاليف الضخمة لمشروع مانهاتن، في الوقت نفسه، لم يعتبر هاري ترومان ولا أتباعه كرئيس للولايات المتحدة أنه من الضروري الاعتذار عن المعاناة التي عانى منها سكان المدينة، وحتى يومنا هذا، لا يزال الموت المروع للمدنيين الأبرياء يتردد في قلوب الملايين من الناس على هذا الكوكب، ومن الصعب وكما يؤكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بهذه المناسبة " أن نفهم تمامًا دوافع أولئك الذين خططوا ونفذوا مثل هذا العمل اللاإنساني" .

في روسيا، انتقدوا الصمت المتعمد من جانب القيادة اليابانية، والأمين العام للأمم المتحدة، لحقيقة أن مسؤولية الاستخدام القتالي للأسلحة النووية تقع على عاتق الأمريكيين، وعلى وجه الخصوص، وصف رئيس اللجنة الدولية لمجلس الدوما، ليونيد سلوتسكي، أنه من غير المفهوم أنه "لم يتم حتى تسمية الولايات المتحدة" في حدث الحداد الحالي، وأشار الى إن أيديولوجية النزعة الإنسانية السياسية، التي يتبناها الغرب الجماعي، تستبعد الحقائق غير المريحة من التاريخ وتبرز الحقائق المخزية، لذلك، فإن جرائم وإملاءات وضغوط الولايات المتحدة تسمى النضال من أجل السلام والديمقراطية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والإطاحة بالأنظمة المرفوضة - حماية الحقوق والحريات، وتعزيز النازية - دعم الاستقلال .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

العماد الاكبر في معرفة المصطلحات الثلاثة التاريخ والحضارة والخُرافة واهميتها في حياة البشر، هي معرفة الانسان بالتاريخ واحوال البشر، ما عايشه وما توصل اليه بنفسه من ملاحظات، وهو في مسيرة قراءة تاريخ البشر.

من هنا نقول: ان موضوع الحضارة يحتاج الى معرفة الانسان بالتاريخ واحوال البشر. لذا فالكتابة في الحضارة والتاريخ يحتاج الى فتح باب التفكير والمناقشة في قضايا جديرة بأن توضع موضع التأمل والبحث وليس مصطلحات الدين الواهية التي يقصدون منها تخلف البشر. فاذا وفق الكاتب في ذلك فقد أوفى على الغاية من معرفته بتاريخ وحضارة البشر.

فلسفة التاريخ هي المحرك لمعرفة القوى المسيرة للتاريخ وقواعد تحكم سير الحوادث التي منها نستق قوانين الادراك للاحداث ومن ورائها استيعابها والتطبيق لها لتساعدنا على فتح الطريق الصحيح الخالي من العوائق لنسير فيه دون عراقيل لنوفر اسباب السعادة للبشر، ونبتعد عن الخُرافه الكلام المستملح للكذب غير المصدق من قبل فقهاء الدين والمحدثين بلا دليل الذي حولته الاديان الى حقائق غير مدروسة وغير ثابته في تاريخ البشر.

ان قصد الخرافة ان تجعلك تصدق بالماورائيات دون دليل بعد ان تحول عقلك الى عقيدة مستملحة لا تقبل المناقشة والتفكير كما في طروحات مؤسسة الدين (أمنيات الجنة والنار) دون معرفة العدل والقانون والعمل الصالح، وربطها بالحج وغيرها من ترهات كلام رجال الدين ، بهذه التوجهات الخرافية استطاع رجل الدين ان يحول المعقول الى وَهمَ، والعقل الى خرافة امنيات يتمناها البشر. لذا عندما يتحول الوَهَم الى حقيقة والخرافة الى عقيدة مغلفة بالعقيدة المقدسة يصل رجل الدين الى نهاية عقل البشروتدميره، من هنا فاصحاب الديانات عمدوا على نفي علم الفلسفة واستبدلوه بالعقيدة ليتمكنوا من حكم البشر بعقيدة التخريف التأملية دون حقيقة التاريخ والحضارة والعمل الصالح، لتغليب الخُرافة على البشر، كما نراها اليوم حين حولوا المبادىء الى خرافة بشر.

والتاريخ المكتوب لخدمة الملوك والامراء والسلاطين لم نعثر فيه سوى التعريف بحياتهم واحاطتها بالتمجيد وقوة خرافة البشر، حياتهم يكتنفها الظلم والانانية وأحتقار البشر، لكنك حين تقرأ للمؤرخين القدامى وحتى بعض المُحدثين لا تجد في معرفة حياتهم سوى صورا مختلفة لنظام القسوة وترصيع الكلام بصورا ثابته لهم تحسبها حضارة وتاريخ ناصع لا يناقش في حقوق البشر بل تهدف من ورائها الى ترسيخ الخرافة في عقل البشر، مؤسسة الدين نموذجاً.

فرق كبير بين مفكري الغرب ومفكرينا في امر مشكلة تقدم الانسان وماضيه وحاضره ومستقبله لتجد ان الفرق بين الاثنين هو ان نتوصل الى درس عميق في التوجه والتطبيق لانتاج حضارة البشر.في الاول تقدم وفي الثاني تخريف من اصحاب ديانات البشر.

مفكري الغرب بحثوا في كل مشاكل البشر وأعادوا النظر في كل ما قامت به الانسانية من تجارب في الماضي، ففتحوا لها ابوابا واسعة للتفكير والتغيير، فمهدوا بذلك لثورة طويلة بعيدة المدى في فكر الانسان والنظم السياسية والاجتماعية بدأت بثورات المفكرين الفرنسيين الذين نادوا بالحرية والاخاء والمساواة والثورة الامريكية التي نادت بالدستور والقانون وفصلت الدين عن السياسة، حتى بدأت الدولة تدخل في عصر الحقوق لا تخريفات البشر.

فهل يمكننا فهم حقوق الناس دون فهم معايير الحضارة والتاريخ وحقوق البشر، لتتطور حقوق الناس بالقانون لا باراء مرجعيات الدين المقفلة عقولهم الا ما يوازي فكر الدين لا البشر، وهكذا تطورت الثقافة ومحتواها ففتحت لهم افكار التفكر والتطور وحقوق البشر، فكانت الدولة هي الفكر لا ارادة قدسية البشر.فثمار الحضارة في التاريخ لا تظهر لنا الا اذا أضفنا الزمن الى جهد الانسان ليجربها مرة بعد اخرى فيثبت جدارتها في التغيير والتطور لا تقديم خرافات الدين في البشر، فالتقدم الحضاري ليس وحيا من الله كما قال احد مفكري الاسلام ابن حزم في كتابه مراتب العلوم بل اعطاه العقل ليفكر ويخترق ابواب العلم لتطوير البشر.

ماذا جنينا من ثوراتنا في عراق المظاليم غير ترهات الدين في أمنيات الأخرة في الجنة والنار، سرقة اموال الدولة، حكومات المحاصصة المذهبية دون عدالة القانون، قتل العلماء والمفكرين، مذاهب واجتهادات كلها تتنافى وعقلية البشر، بكاء ونحيب وتطبير وتخريف بحجة البكاء على المخلصين وما هي الا َوهَم من صنع فقيه الدين، لكنهم لم يعرضوا لنا ما اراد القائد الشجاع من ثورته التي جاء بها من اجل الاصلاح، بل منذ 1400 سنة وهم يعرضوا لنا كيف قتل القائد البشر، ولميقولوا لنا لمذا كانتثورة القائد البشر، فماذا استفدنا غير ترهات افكار مؤسسة الدين الوالغة في قدسية النص دون علم من بشر.

لم يحدثونا عن التخلي عن التعصب الديني، والحقيقة الدينية وتطورها وهل هي مطلقة ام محددة.ولم يقولوا لنا ان الثورات والتغيرات الدينية هي اساليب يرتبط نجاحها بتوفر القيادات المخلصة، والاهداف الواضحة والبناء السليم.لا بل ظلوا يعلموننا بالخضوع لهم باعتبار الخضوع اوامر الخالق العظيم، لا ما هكذا يكون الدين ولا قياداته ابدا.فالدين الذي ينقلنا الى عبيد فهو ليس بدين ولا نعتقد به مخلصين.

كانوا وما زالوا همهم السياسة والسلطة، والسياسة تعمي االبصر، ووتضلل الذهن، وتملأ القلب قسوة، وتجعل الانسان يرتكب جرائم لا توصف لتبقى السلطة والمال بيده وقتل الشرعية ليخلو لهم الحكم دون معارضة من احد، هذه هي سياسة المسلمين منذ وفاة صاحب الدعوة الى اليوم دون تغيير، لذلا بقينا على حالنا دون تقدم ولا تغيير.

والمشكلة كلها هي مشكلة عدم وجود دستور للدولة واذا وجد فهو مصاغ لخدمة السلطة لا الناس كما في دستور العراقيين اليوم الذي انكرته الامة فبقيت شروره ترافق الدولة دون حقوق.

فاين مناهجنا الدراسية التي تنبه العقول على الخطأ المستمر ونحن نهرول خلف الرادود،

الى لقاء اخرمع التاريخ لنبين كذب ودجل مؤسسة الدين؟

***

د. عبد الجبار العبيدي

على الرغم من وفرة الموارد الطبيعية، إلا أن إفريقيا لا تزال هي الأكثر فقراً وتخلفًا بين قارات العالم. ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب التي بذرها الاستعمار منذ أكثر من قرن، على نحو: انتشار الأمراض القاتلة والفيروسات فضلًا عن الحكومات الفاسدة الموالية للغرب والتي غالبًا ما ترتكب انتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان وتربطها بالدول المتنفذة علاقات تقوم على المنفعة الشخصية من باب العمالة والولاء، ما يؤدي إلى فشل في التخطيط المركزي، وارتفاع مستويات الأمية، وعدم الحصول على رؤوس الأموال الأجنبية من باب الاستثمار العادل وترك الساحات للشركات الغربية الطفيلية، إلى جانب الصراعات القبلية والعسكرية المتكررة (بداية من حرب العصابات إلى الإبادة الجماعية). ووفقًا 'لتقرير التنمية البشرية لعام 2003 الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، فإن الدول الخمس وعشرين الأشد فقراً من حيث الترتيب على صعيد عالمي، هي دول أفريقية.

في كل الأحوال فالتعامل مع أفريقا من قبل الدول المتنفذة يتم وفق رؤيتين وهما:

أولاً: الرؤية الاستثمارية العادلة وتبادل المنافع (روسيا والصين)

وتعتبر هذه العلاقة البينية الأكثر رواجاً في أفريقيا كونها تعتمد على الشراكة الكاملة ضمن حقوق غير منقوصة ضمن الاستثمار في قطاعات مختلفة صناعية واستخراجية وخدماتية (مصانع، مناجم لاستخراج لعناصر النفيسة، آبار للنفط والغاز، موانئ على المحيطين الأطلسي جهة الغرب او الهندي أقصى الشرق ناهيك عن الخدمات الأمنية) ، ويكون من مخرجاتها دعم التنمية المحلية وخاصة في قطاعي الصحة والتعليم بمستوياته بالإضافة إلى تطوير البنى التحتية في كافة القطاعات بما يتلاءم والظروف الجاذبة للاستثمار.

يحدث كل ذلك دون أن يتدخل المستثمر الأجنبي -مهما تغولت قدرته- في الشؤون المحلية للبلد المضيف؛ بل سيكون خاضعاً للقوانين المحلية.

أما بالنسبة لتوفير الحماية للمنشآت ذات العلاقة والمستهدفة من المليشيات الفاسدة- إن وجدت- فسيكون بالتعاقد مع شركات أمنية خاصة لا ينحصر دورها ضمن المنشآت المعنية بعقود الشراكة، بل يمكن إناطة أدوار أكثر اتساعاً لصالح الدول المضيفة من خلال التعاقد مع حكوماتها بغية تعزيز الأمن وتحقيق الاستقرار.

ومن أهم هذه الشركات على صعيدي روسيا والصين:

- شركة فاغنر الروسية العابرة للقارات..

حيث أبرمت إدارة شركة فاغنر عقوداً تجارية خاصة مع الحكومات والشركات المحلية أو الجماعات المسلحة في ليبيا والسودان وموزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو.

وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، نشرت مجموعة فاغنر حوالي ألفي مرتزق منذ عام 2018 على خلفية الصراعات الدينية والتحول الدبلوماسي بعيدا عن فرنسا، وفي بوركينا فاسو، دعمت الكابتن إبراهيم تراوري، قائد الانقلاب في سبتمبر 2022.

وفاغنر تعمل في عشر دول أفريقية، فيما تستعد الآن لدعم انقلاب النيجر ضد ما يحاك ضدها من قبل فرنسا وحلفائها.

وزد على ذلك توغل روسيا أكثر في تقديم الدعم لأفريقيا مادياً وخاصة القمح كما وعد بوتين الأفارقة في مؤتمر بطرسبورغ الأخير، ناهيك عن الدعم العسكري من خلال التدريب وتقديم الخبراء والسماح لفاغنر بالقيام بأي دور يناط بها وخاصة حماية الانقلاب في النيجر انطلاقاً من بوركينا فاسو .

أما بالنسبة للصين فالحاجة إلى حماية المنشآت سيكون أكثر إلحاحاً من منطلق أن القارة تحتضن اليوم نحو عشرة آلاف شركة صينية وما يصل إلى مليوني عامل صيني يشاركون في تطوير البنية التحتية وبناء المساكن والإنتاج الصناعي والتعدين. وتتطلب الاستثمارات التي تقدر بمليارات الدولارات الحماية المادية والجسدية.

وعلى سبيل المثال، شارك في كينيا وحدها ألفا موظف من هذه الشركات في حماية بناء خط سكة حديد مومباسا- نيروبي- نيفاشا ويمكنك تخيل حجم الموارد البشرية في مثل هذه الشركات العاملة على طول مشروع الحرير العابر للقارات.

ثانياً: الوجود الاستعماري الطفيلي:

الذي يعتمد على نهب الثروات في شراكات غير عادلة مع الحكومات الفاسدة التي سيناط بها تقديم الخدمات للمستعمر مقابل عمولات شخصية ضخمة.

وذلك في إطار حكومات عميقة فاسدة كان لها دور رئيسيٌّ في إفقار الشعوب وجلب الفوضى التي ستؤمن لهم وجوداً أكثر رسوخا.

ولحماية مصالح الدول الاستعمارية فقد سُمِحَ لها ببناء قواعد عسكرية في الدول المضيفة من باب الوصاية على الأمن وحماية الديمقراطية والتصدي للإرهاب فتكون النتيجة خلاف ذلك تماماً.

وأسوأ مثال على ذلك النموذج الفرنسي في أفريقيا الذي تخلصت منه القارة السوداء نسبياً، كما فعلت بلد المليون شهيد، الجزائر.. إلا أن فرنسا استبدلت الوسائل التقليدية في السيطرة بالتحكم الاقتصادي المُسْتَنْزِفْ لثروات أفريقيا من خلال علاقات طفيلية، فقامت بصك عملة أفريقية ربطته بالفرنك الفرنسي وقد اعتمدته أثنا عشر دولة في غرب أفريقيا تحت اسم الفرنك الأفريقي، بدعم من البنك المركزي الفرنسي. وكان على كل دولة الاحتفاظ بنصف احتياطاتها من العملات في البنك الفرنسي.

ولترسيخ وجودها الاقتصادي في القارة السوداء ساهمت فرنسا في دعم التكتلات الاقتصادية الأفريقية على نحو مجموعة الإكواس التي أسست عام 1975.. ورغم أنها اقتصادية الأهداف؛ إلا أن العقلية الفرنسية الاستعمارية المتعالية تسعى في الوقت الراهن إلى توظيفها عسكرياً، من خلال مواجهات عسكرية بالوكالة في النيجر لإفشال الانقلاب الذي انبرى قادته إلى طرد فرنسا من البلاد بإيقاف جميع العقود الاقتصادية والعسكرية بين الطرفين وأهمها إيقاف تصدير اليورانيوم إلى فرنسا، والذي يشكل ما نسبته 10% من حاجة فرنسا الذي تستخدمه في توليد الكهرباء، التي تفتقر إليها النيجر في كثير من القطاعات.

وتجدر الإشارة إلى أن مشاركة الإكواس ستكون باستثناء دولتين داعمتين للانقلاب ومتعاقدتين مع فاغنر وهما مالي ووبوركينا فاسو ووقوف تشاد على الحياد.. وتصويت برلمان السنغال ضد المشاركة، وانحجاب نيجيريا عن دورها الموعود بضغط من الشارع النيجيري.

إن مردود التجربتين الروسية والصينية مادياً ومعنوياً أدّى إلى انتشارهما بترحيب أفريقي شديد، وذلك على على حساب الغرب وخاصة فرنسا، فقد دق الخبراء ناقوس الخطر حيث أوشكت فرنسا التي كان لها وجود تاريخي طاغي أن تخرج من القارة السوداء وهي تجر أذيال الخيبة، لذلك فهي الآن تقاوم للحفاظ على أهم وآخر معاقلها غرب أفريقيا، النيجر، وباستخدام "خجول" لشعار حماية "الديمقراطية" في النيجر التي باتت "منتهكة" في فرنسا نفسها.

وهو ما نبه الغرب عموماً وفرنسا بالتحديد إلى ضرورة استلهام التجربتين الآنفتين باعتماد النهج التنموي للعودة إلى القارة الأفريقية التي انقلبت على الغرب بعد عقود من الاستعمار الذي ادى إلى نهب الثروات الأفريقية وتسببت بإشاعة الفقر والجوع وإشعال الصراعات ما بين المناوئين والمؤيدين لفرنسا.

في سياق ذلك قال الصحفي في ـ"المركز الروسي الإستراتيجي للثقافات" أنطون فيسيلوف:

"إن الأنجلوسكسونيين يستعدون لخوض معركة جديدة للنفوذ في القارة السمراء، ذاكراً أن وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي كشف -قبل زيارة له إلى غانا ونيجيريا وزامبيا في 4 أوغسطس 2023- عن اعتزام بلاده تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية في مجال الأمن وتنفيذ برامج تدريبية للوحدات العسكرية المحلية. ودعا كليفرلي إلى ضرورة تقديم الغرب الجماعي خيارات بديلة لأفريقيا للتنمية تختلف عما تقدمه روسيا أو الصين".

ويعزي كليفرلي أهم أسباب التمدد الصيني أو الروسي إلى اعتماد سياسة القروض والمشاريع الاقتصادية ذات العائدات الجيدة والمضمونة على الاستثمار ، التي "أصبحت كلفتها تتجاوز ربع الناتج العام المحلي لبلدان أفريقيا".

وهذا رسخ من الوجود الصيني في أفريقيا؛ لا بل وشكل مع الوجود التاريخي الاستعماري الغربي السيئ عقبةً كأداء في طريق العودة إلى القارة بعد استنزاف ثرواتها لعقود خلت دون تحقيق أي تقدم في التنوية في عالم يتغير وتتعدد أقطابه.. وهي محاولة غربية يبدو أنها جاءت متأخرة وفات أوانها.

***

بقلم بكر السباتين

7 أوغسطس 2023

تاريخ الدول هو أساس وجودها، وحدودها هو التاريخ الذي يحدد علاقتها بمحيطها الخارجي فتلك الحدود تتجاوز مجرد كونها خطوط على وجه الخرائط لتفصل بين دولتين متجاورتين أو أكثر. والحدود بين العراق والكويت هي قصة وجع بدأت فصولها منذ عام 1921. وتبدأ القصة دوماً بمعاهدات السلام التي وُقِّعتْ في أعقاب الحرب العالمية الأولى منذ ان قام موظف مدني بريطاني وضع حدود المملكة العراقية والكويت في عام 1922. فمع زيادة اهمية منطقة الجزيرة العربية في الساسة الدولية نهايات القرن التاسع عشر بدأ الضباط السياسيون البريطانيون بإعداد وتهيئة المنطقة للتحولات الخطيرة والكبيرة التي ستحدث فيها عنـدما تسلم ونستون تشرشل زمام المسؤولية عن دائرة الشرق الأوسط، بوصفه وزيرا للمستعمرات البريطانية في الحكومة البريطانية. إستدعى على الفور الإنكليز اللذين يشغلون مناصب حساسة في البلاد العربية، من عسكريين وإداريين وموظفين منهم (السير كلبرت كلايتون، السير برس كوكس، السير رونالد ستار، اللورد جورج لويد، الكولونيل كونلف أوون، الكولونيل لورنس، الكولونيل هملتن، جون فليبي، الكابتن شكسبير وغيرهم) وعقد معهم مؤتمرا في القاهرة بتاريخ 12/آذار/ 1921، هدفه مراجعة الوضع العام البريطاني في المنطقة، ووضع الخطط السياسية لمستقبل سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط ومنذ ذلك التاريخ تحولت تلك الحدود الى عامل أساس في خلق المتاعب للعراق. وبدون الرجوع الى الماضي البعيد واضاعة الوقت في تفاصيل تاريخية لم تعد ذات تاثير على الوضع الحالي سوف نبداء بمراجعة الاحداث التي أدت الى خلق المتاعب الحالية في موضوع الحدود العراقية الكويتية.

في اول رد على الاحتلال العراق للكويت اصدر مجلس الامن الدولي القرار 660، صدر في 2 اغسطس/اب/ اب 1990، تضمن إدانة الغزو ومطابة العراق بسحب قواته من دون قيد أو شرط. وفي تاريخ 3/8/1990 وضع العراق تحت العقوبات الدولية استنادا للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي فرض عليه بعد غزو نظام الرئيس السابق صدام حسين دولة الكويت في آب من العام نفسه، ويسمح هذا البند باستخدام القوة ضد العراق باعتباره يشكل تهديداً للأمن الدولي، بالإضافة إلى تجميد مبالغ كبيرة من أرصدته المالية في البنوك العالمية لدفع تعويضات للمتضررين جراء الغزو. القرار 661، صدر في 6 اغسطس/اب/اب 1990، منع استيراد السلع والمنتجات من العراق، كذلك عدم الاعتراف بأي نظام تقيمه سلطة الاحتلال. القرار 662، صدر في 9 اغسطس/ اب 1990، جاء ردا على ضم العراق للكويت، وطالب ايضا في سحب قواته الى مواقعها السابقة بعد 1 اغسطس/اب 1990. القرار 664، صدر في 18 اغسطس/ اب 1990، يطالب العراق بأن يسمح بخروج رعايا الدول الأخرى من الكويت والعراق. القرار 665، صدر في 25 أغسطس/ اب 1990، شجب فيه تصرفت الحكومة العراقية باستخدام السفن التي ترفع العلم العراقي، ويطالب الدول الأعضاء بنشر قوات بحرية بغية تفتيش حمولات السفن الخارجة والداخلة من والى العراق..في 3 نيسان عام 1991م أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 687. الذي تم بموجبه إنشاء عدة لجان تابعة للأمم المتحدة من بينها لجنة تخطيط الحدود الدولية بين دولة الكويت وجمهورية العراق. وهنا يجب ان نؤكد على ان المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أن: ” يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق “. واستناداً إلى النص الصريح لهذه المادة فجميع ” المقررات الدولية Resolutions ” التي تصدر تحت تسمية ” قرارات Décisions” تتمتع بالصفة الإلزامية، ولذا فهي واجبة التنفيذ من قبل الدول المخاطبة بأحكامها، وواجبة الاحترام من بقية الدول الأعضاء في ميثاق هيئة الأمم المتحدة.

في اليوم الثاني من اذار 1991 اصدر مجلس الامن الدولي القرار رقم 686 في 2 اذار 1991 والذي جاء بعد ان استلم المجلس رسالتي وزير الخارجية العراق اللتين تؤكد إحداهما موافقة العراق على الامتثال التام لجميع القرارات المذكورة أعلاه (22275\S) وتنص الأخرى على نيته لإطلاق سراح أسرى الحرب على الفور (22273\S)،وقد جاء في القرار 686 مايلي :

يؤكد استمرار السريان الكامل لمفعول وأثر جميع القرارات الاثنى عشر المذكورة أعلاه.

يطالب بتنفيذ العراق لقبوله لجميع القرارات الاثنى عشر المذكورة أعلاه وأن يضطلع العراق بصفة خاصة بما يلي:

أ‌- أن يقوم على الفور بإلغاء إجراءاته التي تزعم ضم الكويت.

ب‌- أن يقوم من حيث المبدأ مسؤوليته بموجب القانون الدولي عن أي خسارة أو ضرر أو أضرار ناجمة بالنسبة للكويت ورعاياها وشركتها نتيجة لغزو العراق للكويت واختلاله غير الشرعي لها.

ت‌- أن يقوم على الفور وتحت رعاية لجنة الصليب الأحمر بإطلاق سراح جميع الكويتيين ورعايا البلدان الثلاثة الذين احتجزهم العراق وأن يعيد أي جثث للموتى من الكويتيين ورعايا البلدان الثلاثة الذين احتجزهم على ذلك النحو.

ث‌- أن يبدأ على الفور في إعادة جميع الممتلكات الكويتية التي استولى عليها العراق وأن ينتهي من إعادتها في أقصر فترة ممكنة.

يطلب كذلك أن يقوم العراق بما يلي:

أ‌- وقف الأعمال العدوانية أو الاستفزازية التي تقوم بها قواته ضد جميع الدول الأعضاء بما في ذلك هجمات الصواريخ وطلعات الطائرات المقاتلة.

ب‌- تحديد قادة عسكريين لكي يجتمعوا مع نظرائهم من قوات الكويت والدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت عملا بالقرار 678 (1990) لاتخاذ ترتيبات تتعلق بالجوانب العسكرية لوقف أعمال القتال أبكر وقت ممكن.

ت‌- اتخاذ ترتيبات من أجل تيسير الوصول الفوري إلى جميع أسرى الحرب وإطلاق سراحهم تحت رعاية لجنة الصليب الأحمر الدولية وإعادة أي جثث للموتى من أفراد قوات الكويت والدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت عملا بالقرار 678 (1990).

ث‌- تقديم كل ما يلزم من معلومات ومساعدة في ما يتعلق بتحديد مواقع الألغام والشراك الخداعية وغيرها من المتفجرات العراقية، فضلا عن أي أسلحة ومواد كيمائية بيولوجية في الكويت وفي أنحاء العراق التي توجد فيها بصفة مؤقتة قوات الدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت عملا بالقرار 678 (1990) وفي المياه المجاورة.

يسلم بأن أحكام الفقرة 2 من القرار 678 (1990) ستظل سارية المفعول خلال الفترة المطلوبة لامتثال العراق للفقرتين 2 و3 المذكورتين أعلاه. يرحب بقرار الكويت والدول الأعضاء المتعاونة مباشرة مع الكويت عملا بالقرار 678 (1990) بتيسير الوصول إلى أسرى الحرب العراقيين وبدء إطلاق سراحهم حسب ما تقضي شروط اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 تحت رعاية لجنة الصليب الأحمر الدولية.يطلب إلى جميع الدول الأعضاء فضلا عن الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة وغيرها من المؤسسات الدولية في منظومة الأمم المتحدة أن تتخذ جميع الإجراءات الملائمة للتعاون مع حكومة وشعب الكويت في إعادة تعمير بلدهما. يقرر أن يقوم العراق بإخطار الأمين العام ومجلس الأمن عندما يكون قد اتخذ الإجراءات الواردة أعلاه. يقرر أن يعمد بغية ضمان وضع نهاية سريعة وحاسمة لأعمال القتال إلى إبقاء هذه المسألة قيد نظره لاتخاذ اللازم.

اعلن العراق في نفس الوقت قبوله القرار الذي يعتبر اعلان هزيمة كامل للنظام السابق وتقرر ارسال ضباط عسكريين وبذلك يكون اجتماع صفوان هو تنفيذ للفقرة 3/ب من القرار 686 الذي طالب العراق بتحديد قادة عسكريين لكي يجتمعوا مع نظرائهم من قوات الكويت والدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت “لاتخاذ ترتيبات تتعلق بالجوانب العسكرية لوقف أعمال القتال أبكر وقت ممكن”. بدليل ان الشخص الثاني من الوفد العراقي الفريق الركن صلاح عبود محمود الجبوري لم يعلم بتكليفه بهذه المهمة الا في الساعه 2200 من يوم الثاني من اب كما ذكر هو في كتابه بقوله ” بالسـاعة 2200 اتصـل بي الفريـق الـركن سـلطان هاشـم معـاون رئـيس أركــان الجيش للعمليات واخبرني بتنسـيبي عضـوا في الوفـد المفـاوض الـذي سـيبحث تثبيـت وقف إطلاق النار مع الجانب الأمريكي في سفوان يوم 3 آذار، وطلب حضوري بالساعة 0830 في البصرة (على طريق البصرة – الزبري مقابـل مـدخل معسـكر محمـد القاسـم) للتوجه إلى مكان المحادثات ”. كما ان الضباط لم يتح لهم المجال لمناقشة الموضوع فيما بينهم بل انهم توقفوا بالطريق ليستلموا التعليمات من الفريق الركن سلطان هاشم احمد وكما ذكر الفريق الركن صلاح عبود في كتابه ” قبل وصولنا تقاطع طريق (البصرة– سفوان) مع طريق المـرور السريـع توقـف الرتل واجتمع الفريق الركن سلطان (رئيس الوفد) بأعضاء الوفد ووضح لهم توجيهات السيد الرئيس القائد للعمل بموجبها وتعليمات وزارة الخارجية حول أسـلوب الـتصرف وأن يكون رئيس الوفد هو المتحدث الرسمي باسم الوفد” أي ان الوفد جاء وهو لم يناقش حتى ما سوف يتم طرحه. فالاجتماع لم يكن مفاوضات ولا مناقشات ولم يتم فيه اتخاذ قرارات بل كان الغرض منه ابلاغ الجانب العراقي بما عليه ان يفعلوه.

المشاركين في الاجتماع. من الجانب العراقي مثل العراق الفريق الركن سلطان هاشم احمد نائب رئيس اركان الجيش للعمليات في حينه واخر وزير دفاع للنظام السابق قبل 2003، والفريق الركن صلاح عبود محمود الجبوري قائد الفيلق الثالث في حينه بالإضافة الى المترجم من الجانب الاخر جلس مقابلهم اللواء نورمان شوارزكوف والفريق الأول الركن خالد بن سلطان مع المترجم الخاص باللواء شوارزكوف.ابتدء الاجتماع كما يشير اللواء شوارزكوف في مذكراته ” افتتحت الاجتماع بتذكير العراقيين ان غرضنا هو طرح الشروط العسكرية لوقف اطلاق النار وأبلغتهم أننا سنسجل الحديث بحيث يحتفظ كل طرف بسجل ثابت أصغى أحمد إلى كلماتي المترجمة هازا رأسه ”. ومن خلال السناريوهات التي طرحها كل من الضباط الذين كانوا حاضرين في الاجتماع ان ماكان يحصل هو ان يقوم اللواء شوارزكوف او الفريق اول خالد بن سلطان بطرح نقطة معينه ويوافق عليها الجانب العراقي فلم يكن هناك نقاش او اعتراضات او حتى رفض لاي نقطة تم طرحها

يعتبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 687 لعام 1991 من أهم القرارات التي أصدرها المجلس والمتعلقة بالشأن العراقي والذي صدر في 3 نيسان عام 1991، حيث أعتبر أطول قرار أصدره مجلس الأمن في تاريخه من حيث عدد فقراته (34) منها اشتملت على تدمير اسلحة العراق، و فقرات تطالب بترسيم الحدود بين العراق والكويت، واخرى تدعو العراق الى احترام الاتفاقات الدولية المعقودة بينه وبين الكويت. وقد جاء في ديباجة القرار ترحيب مجلس الأمن برجوع السيادة والاستقرار والسلامة الاقليمية للكويت، وبعودة حكومتها الشرعية، كما يؤكد القرار التزام جميع الدول الأعضاء بسيادة الكويت والعراق وسلامتهما الاقليمي واستقلالهما السياسي. لقد قدم مشروع هذا القرار من قبل الولايات المتحدة الاميركية والمملكة المتحدة ورومانيا وفرنسا ثم انضمت للمشروع بلجيكا وزائير. ويعد هذا المشروع احد اطول القرارات التي اصدرها مجلس الأمن كما ذكرنا انفا، اذ زادت صفحاته على التسع صفحات، وتكونت ديباجته من (23) فقرة مضافا الى ذلك (34) فقرة عاملة، وتكون من تسعة اقسام الاول لترسيم الحدود، والثاني لوجود المراقبين، والثالث آليات نزع السلاح، والرابع عن سير التنفيذ والتقارير المقدمة الى الأمين العام، والخامس عن صندوق التعويضات والسادس عن الجزاءات، والسابع تعاون العراق مع الصليب الاحمر، والثامن الزام العراق بعدم ارتكاب او دعم لعمل ارهابي، والتاسع الوقف الرسمي لاطلاق النار.

تم بموجب القرار 687 إنشاء عدة لجان تابعة للأمم المتحدة من بينها لجنة تخطيط الحدود الدولية بين دولة الكويت وجمهورية العراق. وقد تشكلت هذه اللجنة المستقلة التي أنشأها السكرتير العام للأمم المتحدة من خمسة أعضاء على النحو التالي:

السيد/ مختار كوسوما أتمادجا – وزير خارجية إندونيسيا السابق – رئيساً. خلفه السيد نيكولاس فليتيكوس وهو عضو في معهد القانون الدولي في 20 تشرين الثاني 1992

السيد/ أيان بروك – المدير وقتئذ بهيئة المساحة السويدية – خبيراً مستقلاً.

السيد/ وليام روبرتسون – مدير المساحة، المدير العام لهيئة المساحة ومعلومات الأراضي في نيوزيلندا – خبيراً مستقلاً.

السفير/ طارق الرزوقي – ممثل دولة الكويت.

السفير/ رياض القيسي – ممثل الجمهورية العراقية.

وقد عُيِّن السيد/ ميكلوس بنتر كبير رسامي الخرائط بالسكرتارية العامة للأمم المتحدة أميناً للجنة التي تعمل في حدود الصلاحيات التي تضمنها تقرير السكرتير العام الصادر في 2 مايس عام 1991.

وتتمثل اختصاصات اللجنة فيما يلي:

1. تخطيط الحدود الدولية بين الجمهورية العراقية ودولة الكويت بالإحداثيات الجغرافية لخطوط الطول والعرض وكذلك بالتعيين المادي لها على النحو الوارد في (المحضر المتفق عليه بين دولة الكويت والجمهورية العراقية بشأن استعادة العلاقات الودية والاعتراف والأمور ذات العلاقة) والذي وقعاه في بغداد في 4 تشرين الاول 1964 ممارسةً منهما لسيادتهما.

2. الاستعانة بالمواد المناسبة بما في ذلك الخرائط الواردة في وثيقة مجلس الأمن رقم (S/22412) وهي مجموعة من عشر خرائط طبوغرافية بمقياس رسم 1:50000 صادرة عن المدير العام للمساحة العسكرية بالمملكة المتحدة باستخدام التكنولوجيا الملائمة

3. اتخاذ الترتيبات من أجل الصيانة المستمرة للتعيين المادي للحدود وفقاً لما جاء في تقرير السكرتير العام (S/22558) الفقرة (4)، ويتطلب ذلك قيام منظمات المسح بما يلي:

أ. تفقد الأعمدة والعلامات على الحدود الكويتية العراقية على أساسٍ سنوي.

ب. تقديم تقرير إلى السكرتير العام بعد كل عملية تفقد للحدود.

ت. رصد مدى كفاية علامات الحدود ووضع أية علامات إضافية.

عقدت اللجنة إحدى عشرة دورة شملت اثنين وثمانين اجتماعاً لتخطيط الحدود البرية والبحرية. وكانت هذه الاجتماعات تُعقد إما في مكتب الأمم المتحدة في جنيف أو في مقر المنظمة الدولية في نيويورك.وقد زودت اللجنة بمحاضر وافقت عليها لجميع اجتماعاتها، كما أقرت وأصدرت نشراتٍ صحفية لدى اختتام كل دورة. هذا بالإضافة إلى الأعمال الميدانية التي اعتمدت فيها اللجنة على خبراء في الجيوديسيا والمساحة والتصوير المساحي بمعاونة إدارتي المساحة في نيوزيلندا والسويد.وعقدت لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين الكويت والعراق جلستها الأولى في نيويورك يومي الثالث والعشرين والرابع والعشرين من مايس 1991 حيث قررت عقب المناقشات حول مسألة التعريف فحص الحدود في ثلاثة أجزاء:- سمي الجزء الأول باسم (الجزء الغربي)، وتصدق عليه العبارة من صيغة تعيين الحدود في الرسائل المتبادلة في عام 1932م ونصه: (من تقاطع وادي العوجة مع الباطن ثم باتجاه الشمال على طول الباطن إلى نقطة تقع جنوبي خط عرض صفوان). أما الجزء الثاني فقد أطلق عليه (الجزء الشمالي)، وتصدق عليه عبارة (ثم باتجاه الشرق لتمر جنوبي آبار صفوان وجبل سنام تاركةً هذه المواقع للعراق وذلك حتى التقاء خور الزبير بخور عبدالله). أما الجزء الثالث فقد سمي (بالجزء الشرقي) ثم وصف لاحقاً باسم (الجزء البحري) وأخيراً سمي ب(خور عبدالله)، وتصدق عليه الإشارة إلى نقطة الالتقاء بين خور عبدالله وخور الزبير وكذلك محضر اتفاق عام 1963م الذي نص على أن (جزر وربة وبوبيان ومسكان وفيلكا وعوهة وكُبر وقاروه وأم المرادم تتبع الكويت)، وهي الحدود التي اعترف بها العراق وباستقلال دولة الكويت في المحضر المشار إليه.

فيما يتعلق بالحدود البرية أي الجزئين الغربي والشمالي، فقد باشرت اللجنة أعمالها بمشاركة ممثل العراق وعقدت خلال عملية ترسيم الحدود البرية خمس دورات في الفترة من 23 حزيران 1991 م حتى 16 نيسان 1992م. وقامت اللجنة خلال تلك الفترة باكتشاف المنطقة الحدودية على الطبيعة، وقام فريق المسح الميداني النيوزيلندي – السويدي بأعمالٍ ميدانية وفرت الأساس للخرائط الفوتوغرافية العمودية من خلال أعمال التصوير الجوي باستخدام طائرة نفاثة مخصصة لهذا الغرض من ارتفاعين رئيسيين. وقد واجهت لجنة الأمم المتحدة لترسيم الحدود مشكلة واحدةً تمثلت في وضع علامات الحدود الأرضية في المنطقة الواقعة جنوب صفوان (الجزء الشمالي) حيث كانت قد وضعت علامة لافتة في هذا الموقع وهي علامة للحدود بين الكويت والعراق، وبقيت هذه اللافتة قائمة من عام 1923م حتى عام 1939م حيث كانت تقع على الطريق القديم جنوبي مركز جمارك صفوان بكيلومترٍ واحد، واعترفت بها الدولتان في تلك الفترة باعتبارها نقطة الحدود الدولية القائمة بينهما في تلك المنطقة، ولكن هذه اللافتة تعرضت للإزالة وأعيدت بعد ذلك إلى موقعها القديم. وقد وجدت اللجنة أمامها ثلاثة آراء فيما يتعلق بتفسير الحدود جنوبي صفوان:

 الرأي الأول: رأي العراق في مذكرة حكومته المقدمة إلى السفير البريطاني في بغداد بتاريخ 25 حزيران 1940 والذي يحدد موقع هذه اللافتة أو اللوحة ب(1250متراً) جنوبي مبنى الجمرك القديم.

 الرأي الثاني: رأي الكويت التي ترى أن اللوحة تبعد (1000متر) فقط عن موقع الجمرك القديم في صفوان.

الرأي الثالث: ما سجله العقيد ديكسون الوكيل السياسي البريطاني في الكويت أنذاك في رسالته المؤرخة 27 كانون الثاني 1935 حيث يرى أن نقطة الحدود الشمالية للكويت مع العراق تقع على بعد ميلٍ واحد (1609مترات) جنوبي صفوان.

وقد انتهت لجنة الأمم المتحدة إلى تعيين الحدود في تلك المنطقة في نقطة تقع جنوب صفوان على بعد (1430متراً)

وبعد أن أكملت لجنة الأمم المتحدة ترسيم الحدود البرية، أصدر مجلس الأمن الدولي في 26 اب 1992 قراره (733) الذي رحب فيه بتقرير اللجنة المتعلق بالحدود البرية وحثها على تخطيط الجزء الشرقي من الحدود الذي يشمل الحدود البحرية في أقرب وقت ممكن لتنجز بذلك مهمتها بالكامل.

بالنسبة للحدود البحرية (الجزء الشرقي المسمى خور عبدالله)، فقد خلصت اللجنة إلى عدة نتائج وتوصلت إلى عدة قرارات، هي:قررت اللجنة اعتماد الرسم البياني رقم (1235) للأدميرالية البريطانية لتحديد خط الوسط في خور عبدالله، وتستند المواقع المبينة في هذا الرسم البياني إلى مرجع إسناد النظام الجيوديسي العالمي 84، ولجميع الأغراض العملية فإن مرجع الإسناد هذا مطابق لمرجع إسناد الحدود العراقية الكويتية. انتهت اللجنة إلى أن مدخل خور عبدالله من عرض البحر يقع في مكان يحدث فيه تغير هام في اتجاه الخطوط الساحلية للدولتين، وعينت اللجنة نقطة محددة على خط الوسط عند المدخل. قررت اللجنة أن اتصال الحدود من خط الوسط المعمم إلى نقطة التقاء الخورين هو أقصر خط بينهما، ومن هذا المنطلق يحدد خط الوسط الذي اعتمدته اللجنة بمجموعة من الإحداثيات التي تحسب من نقاط خط الأساس المحددة على خطوط المياه المنخفضة في طبعة عام 1991 من الرسم البياني رقم (1235) للأدميرالية البريطانية، وفي الطرف الشرقي لجزيرة وربه جرى رسم مخاضه آخذة في الجفاف يطلق عليها (لسان وربه)يمكن أن تكون عرضة لتغير رئيسي على مدار السنين وذلك في الرسم البياني للأدميرالية البريطانية، وهنا جرى حساب خطي وسط أخذ أحدهما المخاضة في الاعتبار فيما تجاهلها الآخر، وأعطي وزن متساو للخطين وحسب خط متوسط بين خطي الوسط لتحديد خط التخطيط. رأت اللجنة أن المنفذ الملاحي للدولتين إلى مختلف أنحاء إقليم كل منهما المتاخم للحدود المخططة هو من الأهمية بمكان لضمان توفير سمة الإنصاف ولتعزيز الاستقرار والسلم والأمن على طول الحدود. وفي هذا الصدد ترى اللجنة أن هذا المنفذ الملاحي ممكن للدولتين عن طريق خور الزبير وخور شتيانه وخور عبدالله إلى جميع مياه وأقاليم كل منهما المتاخمة لحدودهما ومنها. وتلاحظ اللجنة أن هذا الحق في الملاحة والوصول منصوص عليه بموجب قواعد القانون الدولي المثبتة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 التي صادق عليها العراق والكويت على السواء. جرى تعيين خط الحدود في خور الزبير بإحداثياتٍ جغرافية تحددت بالتصوير المساحي الضوئي باستخدام الصور الفوتوغرافية ذات الألوان غير المموهة بالأشعة تحت الحمراء. وأثناء الدورة الميدانية النهائية وضع عمود مؤشر معدل على الحد الفاصل بين العمود رقم (106) وخط ينابيع المياه المنخفضة، ووضعت لوحات على حواجز المياه التي يمتد خط ينابيع المياه المنخفضة تحتها، ووضعت علامةٌ مقابلة عند الطرف الجنوبي للحاجز الحجري للواجهة جنوب حاجز المياه الواقع في أقصى الجنوب، ووضع أيضاً عمودان مؤشران يحددان بصورةٍ فريدةٍ الاتجاه بين النقطة الأخيرة الواقعة على خط ينابيع المياه المنخفضة وملتقى الخورين، ونصبت ثلاثة شواهد بالقرب منها. اعتبرت اللجنة أن التخطيط المادي لخور عبدالله غير عملي وغير ضروري. ويرسم خط الحدود في خور عبدالله بإحداثيات ثابتةٍ موثقةٍ وفقاً للمعايير المتبعة في الممارسة الدولية العامة.في 20 مايس 1993 قامت لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بعد أن أتمت مهمتها كاملةً برفع تقريرها النهائي مع كافة الوثائق المتعلقة بأعمالها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي الذي قام في اليوم ذاته برفع تقرير اللجنة النهائي مع مرفقاته إلى رئيس مجلس الأمن الدولي. وقد انعقد مجلس الأمن في 27 مايس 1993 وأصدر قراره رقم (833) الذي رحب فيه المجلس بقرارات لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين الكويت والعراق وطالب كلا من الدولتين باحترام حرمة الحدود الدولية التي أتمت اللجنة تخطيطها بشكلٍ نهائي وباحترام الحق في المرور البحري. وأكد مجلس الأمن في قراره 833 أيضاً أن قرارات اللجنة نهائية، وشدد من جديد على قراره بضمان حرمة الحدود الدولية التي تم تخطيطها نهائيا بين الدولتين، واعتبر أن أي خرق لذلك سوف يتبعه »القيام حسب الاقتضاء باتخاذ جميع الإجراءات لتحقيق هذه الغاية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع وقراري مجلس الأمن (687) و(733). وقد اعلنت حكومة جمهورية العراق في حينها موافقتها على ماجاء بقرار مجلس الامن بالرغم من ان التاريخ يسجل موقف مشرف للدكتور رياض القيسي ممثل العراق في اللجنة بانه رفض ولغاية انتهاء اعمال اللجنة الاعتراف بما توصلت اليه ولكن صدور الموافقة على القرار من اعلى جهة حكومية في حينها يجعل من القرار ملزم لجمهورية العراق.

وبعد أن أكملت لجنة الأمم المتحدة ترسيم الحدود البرية، أصدر مجلس الأمن الدولي في 26 اب 1992 قراره (733) الذي رحب فيه بتقرير اللجنة المتعلق بالحدود البرية وحثها على تخطيط الجزء الشرقي من الحدود الذي يشمل الحدود البحرية في أقرب وقت ممكن لتنجز بذلك مهمتها بالكامل. في 20 مايس 1993 قامت لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بعد أن أتمت مهمتها كاملةً برفع تقريرها النهائي مع كافة الوثائق المتعلقة بأعمالها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي الذي قام في اليوم ذاته برفع تقرير اللجنة النهائي مع مرفقاته إلى رئيس مجلس الأمن الدولي. وقد انعقد مجلس الأمن في 27 مايس 1993 وأصدر قراره رقم (833) الذي رحب فيه المجلس بقرارات لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين الكويت والعراق وطالب كلا من الدولتين باحترام حرمة الحدود الدولية التي. أتمت اللجنة تخطيطها بشكلٍ نهائي وباحترام الحق في المرور البحري. وأكد مجلس الأمن في قراره 833 أيضاً أن قرارات اللجنة نهائية، وشدد من جديد على قراره بضمان حرمة الحدود الدولية التي تم تخطيطها نهائيا بين الدولتين، واعتبر أن أي خرق لذلك سوف يتبعه القيام حسب الاقتضاء باتخاذ جميع الإجراءات لتحقيق هذه الغاية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع وقراري مجلس الأمن (687) و(733)..

اعترض العراق على قرار مجلس الأمن 833 الصادر في 27 أيار / مايو 1993 من خلال رسالة بعثها وزير خارجية العراق الى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 6/6 / 1993، وتركزت اعتراضات العراق على مايلي:

1. ان وصف الحدود الذي اعتمده مجلس الأمن أساسا للترسيم بقراره 687 (1991)، والذي فصل فيه تقرير الأمين العام المقدم استنادا الى الفقرة(3) من القرار المذكور لا يتطرق اطلاقا الى وصف الحدود في منطقة خور عبد الله، وعلى هذا الاساس لا يمكن الاستناد الى ذلك الوصف في أية عملية للتخطيط على النحو الذي قامت به اللجنة، لأن التخطيط لابد ان يستند الى وصف، أي تحديد متفق عليه للحدود بين الأطراف المعنية.

2. ان منطقة خور عبد الله لا ينطبق علها حسب وصف الحدود الذي أعتمده مجلس الأمن بقراره 687 (1991)، صفة البحر الاقليمي لكي يصار الى البحث عن قاعدة تقسيمه بين الدول المتجاورة والمتقابلة طبقا لقواعد قانون البحار.

3. ان منطقة خور عبد الله حتى على افتراض كونها بحرا اقليميا، فأنه يصدق عليها وصف (الظروف الخاصة)، وهو ما أقره الخبيران المستقلان أيضا، مما يسوغ حسب اتفاقية قانون البحار لعام 1982 تعيين حدود البحر الاقليمي بطريقة تخالف قاعدة خط الوسط في حالة عدم الاتفاق بين الطرفين على قاعدة اخرى.ان الحكم المتعلق بحالة (الظروف الخاصة) هذه يكتسب قوة اضافية لعدم وجود صفة متفق عليها لتحديد الحدود. وبمعنى اخر ان تعيين الحدود في هذه المنطقة يتم لأول مرة، ومن ثم يمكن الأخذ بحالة الظروف الخاصة.

4. ان للعراق حقوقا تاريخية في منطقة خور عبد الله لم يمارس حكام الكويت الملاحة على نطاق واسع فيها، مما يجعلها مستثناة حسب اتفاقية قانون البحار لعام 1982 من قاعدة خط الوسط على نحو ما ذكرناه في (3) انفا.

في تشرين الاول من عام 1994 تم رصد قيام قوات عراقية بالاتجاه الى الحدود الكويتية في هذا الاثناء صدرت تهديدات من الولايات المتحدة الامريكية وبقية دول التحالف بضرب القوات العراقية المتواجدة على الحدود العراقية الكويتية في هذا الاثناء سافر طارق عزيز في رحلة سرية غير معلن عنها الى موسكو طالبا من الرئيس الروسي بوريس يلتسين التدخل لحل الازمة وبناء على تلك الزيارة أعلن العراق رسميا ً انه قد أكمل في الساعة 21 من مساء يوم 12 تشرين الأول نقل قواته الى المواقع الخلفية. قام وزير خارجية جمهورية العراق بتوجيه رسالة الى الامين العام للامم المتحدة يعلن فيه قبول العراق بالقرار 833 الا ان الدول الاعضاء في مجلس الامن رفضت هذا الرسالة واعتبرت ان اي قرار عراقي لايصدر عن صدام حسين شخصيا لايعد كافيا. في يوم 13 تشرين الاول زار وزير الخارجية الروسي اندرية كوزيريف العراق والتقى ليلا بصدام حسين طالبا منه الاعلان صراحة بقبول العراق بالقرار 833 على وعد ان تقوم روسيا باقناع الدول الاعضاء في مجلس الامن لرفع العقوبات عن العراق. في 15 تشرين الاول عام 1994 اصدر مجلس الامن الدولي القرار رقم 949/1994 ادان بموجبه التحركات العراقية وطالب العراق بان يكمل فورا سحب جميع الوحدات العسكرية التي وزعت مؤخراً في الجنوب العراقي الى مواقعها الأصلية، ويطالب العراق بالا يستعمل مرة أخرى قواته العسكرية بشكل عدواني او استفزازي لتهديد جيرانه او عمليات الأمم المتحدة في العراق .

حضر وزير خارجية روسيا اجتماع المجلس الوطني العراقي في صباح اليوم التالي واعلن بانه ليس في المجلس لمناقشة شرعية القرارات الدولية ولكن حضر للحصول على قرار عراقي قاطع بالاعتراف بالحدود العراقية الكويتية حسب القرار 833/1993 وهو ماتم خلال الجلسة التي دامت ساعتين. مرة ثانية رفضت الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي اي قرار غير صادر عن صدام حسين وهو ماتم بالفعل حيث اصدر مجلس قيادة الثورة المنحل برئاسة صدام حسين قراره بالاعتراف بالحدود حسب قرار مجلس الامن الدولي المشار اليه. وتنفيذاً لذلك صدر بلاغ مشترك عن زيارة الوفد الروسي أودع لدى مجلس الأمن برسالة مشتركة من المندوبين العراقي والروسي بتاريخ 15 تشرين الأول 1994. نتج عن تلك الاحداث قبول العراق من دون ان تتبعه أية خطوة لرفع الجزاءات جزئياً او كلياً، ولم يكشف النقاب عن الآثار السياسية التي نالتها روسيا في علاقتها مع الولايات المتحدة نتيجة جهودها بإقناع العراق بقبوله قرار مجلس الأمن 833 / 1993.

في 12 حزيران 2013 واثناء مؤتمر صحافي مشترك ببغداد بين وزير الخارجية العراقية والكويتي صباح الخالد الحمد الصباح اعلن الطرفان انهما سيذهبان سوية لتسليم الامين العام للأمم المتحدة ومجلس الامن رسائل حول تنفيذ العراق لالتزاماته للخروج من أحكام الفصل السابع.ووقع كل من العراق والكويت في (28 ايار 2013) مذكرتي تفاهم تتعلقان بترتيبات صيانة التعيين المادي للحدود المشتركة مبينة أن الجانب الكويتي أبدى استعداده مساعدة العراق للخروج من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

بعد هذا السرد فان ترسيم الحدود بين العراق والكويت تعتبر مسالة محسومة بقرارات صادرة عن مجلي الامن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة قبلتها الحكومة العراقية منذ عام 1994 وتعهدت بتنفيذها منذ ذلك الحين وان ما يجري اليوم هو تطبيق لتلك القرارات والحكومة الحالية او أي حكومة تاتي مستقبلا لا يمكنها رفض الالتزام بتلك القرارات باعتبار ان تلك القرارات قد فرضت على العراق في ظروف غير الطبيعية ومن قبل نظام لم يعد موجود . ان نص المادة 25 واضحة جدا في هذا السياق فالدول الاعضاء ملزمة بقبول قرارات مجلس الامن وضمنها القرار 833 لذلك فان الواجب الوطني يفرض على كافة الاطراف حتى التي تعارض الحكومة العراقية ان توضح الحقائق وان لاتجعل سمعة العراق عرضا للمزايدات الانتخابية والمهاترات السياسية. الأسلوب الوحيد الممكن للتعامل مع المسالة هو طريق التفاهم مع الجانب الكويتي والإدارة الناجحة للوضع الحالي والاستخدام الأمثل لمفاتيح الجغراقيا التي يمتلكها العراق فكل مشاريع الموانيء في منطقة الخليج تعتمد على الممر البري العراقي لذلك فعدم الموافقة على الربط السككي لميناء مبارك سيحول ذلك الميناء الى مباني فارغة ولكن هذا يحتاج الى عقول إدارة تعرف التعامل مع الازمات.

***

الدكتور زهير جمعة المالكي

العالم ينام ثم يستيقظ على أخبار جديدة كل يوم..لايصلنا منها إلا أقل القليل!

وسائل الإعلام اعتادت ألا تختار من الأنباء إلا ما تراه مهماً طبقاً لوجهة نظر يسميها الإعلاميون:"سياسة التحرير" ؛ أى أن كل نبأ جديد أو غريب أو صادم لن تسمع عنه إذا لم يتوافق مع سياسة التحرير تلك، وكثير من الأخبار يتم التعتيم عليها عالمياً وبشكل مقصود؛ فعلى سبيل المثال أنباء ما يحدث من صراع دولى على ثروات القطب الشمالى، باتت كأنها تابو محرم على أجهزة الإعلام أن تتناوله!

لكن هناك أنباء أخرى تقع على الحافة، فهى شائعة ومتاحة وغير ممنوعة لكن العيون تمر عليها مرور الكرام رغم أنها ذات دلالات كاشفة أو ذات عمق ومغزى أو أنها ستصبح ذات تأثير كبير لاحقاً. اخترت لك عزيزي القارئ من مثل تلك الأنباء السريعة طرفاً من حافة الطبق!

موت الطائر الأزرق!

مواقع السوشيال مثلا ينالها نصيبها من التغيير والتطور، فبعد ما حدث لموقع فيسبوك وتحوله إلى ميتا، قرر إيلون ماسك قتل الطائر الأزرق المشهور لتويتر، ليتحول إلى "إكس"..فما السبب فى مثل تلك الخطوة الغريبة؟ وكيف يمكن التخلص من براند عالمى قوى كهذا فى مقابل علامة شائعة غامضة المعنى؟!

فكرة التخلص من عصفور تويتر لإحياء مشروع تطويري فى عالم السوشيال ميديا كان يراود إيلون ماسك منذ شهور فى أعقاب فوزه بصفقة شراء تويتر. وقد أعلنت الرئيسة التنفيذية لمشروع إكس الجديد أنه يمثل مرحلة جديدة من التفاعل اللامحدود الشامل لكل أساليبه من صوت وفيديو ورسائل بل وخدمات مصرفية فورية! هكذا يريد إيلون ماسك الاستفادة بخبراته السابقة فى تأسيس تطبيق باى بال الشهير للدفع الإليكترونى.

إن هذا القرار ليس هو الوحيد المثير للجدل فى قرارات ماسك. فقد أبرزت صحيفة نيويورك تايمز مخاوف قادة بعض الدول الكبري من هيمنة إيلون ماسك على الفضاء الخارجى من خلال شركته الرائدة سبيس إكس،خاصةً وأن هذا الملياردير العبقرى الذى نشأ فى جنوب إفريقيا وصنع بها ثروته الأولى قبل أن ينتقل لكندا ومنها إلى أمريكا هو شخص تصفه الحكومات بالمتلقب الذى لا يمكن التنبؤ بقراراته المفاجئة، وهو ما يتعارض مع مصالح بعض الحكومات التى تحرص على سرية وخصوصية العمل فى هذا القطاع الاستراتيجى من قطاعات العمل التجسسي والاستخبارى على مستوى العالم! فكيف به وهو ينوى نشر أكثر من 40 ألف قمر صناعى من أقمار خفيفة الوزن منخفضة الارتفاع تحيط بالكرة الأرضية كلها من خلال مشروعه الجديد ستار لينك بتكلفة تصل لمليارات الدولارات؟!

تكنولوجيا الصين في قلب المعركة!

أول الدول التى حاولت مواجهة مشاريع إيلون ماسك المتطورة بطبيعة الحال كانت الصين..إنها قررت ألا تنتظر حتى ترى أثر ما ستحدثه مثل تلك المشروعات الهادفة للهيمنة على أدوات الاستخبارات وجمع المعلومات وفى مقدمتها الأقمار الصناعية، لهذا سارعت الصين بالإعلان عن مشروعها الطموح الذى يُرمز له GW أو شبكة معلومات الدولة "جووانج"، وهو مشروع عسكرى فى الأساس يبغى تحقيق التفوق على تكنولوجيا الغرب المهيمنة على الفضاء، ومن أهدافه المعلنة أن يتم إطلاق نحو 13ألف قمر صناعى خلال 10 سنوات فقط. الذى أزعج الصين وجعلها تسارع خطواتها نحو اقتحام عالم الفضاء بكل قوتها، هو ما صدر من تصريحات بعض قادة أوكرانيا أنه لولا مشروع ستارلينك لإيلون ماسك لحدث الاجتياح الروسي الكامل لأوكرانيا خلال عدة شهور! وهو ما ضاعف من المخاوف الدولية ضد شركة سبيس إكس وتطبيقاتها العسكرية المخيفة.

لكن على الناحية الأخرى من قضية التكنولوجيا الصينية، فإن الصين تخشى من تأثير التقنيات والألعاب الإليكترونية على أطفالها، وعلى الأجيال القادمة من القادة والمخترعين والعسكريين الصينيين؛ لهذا أعلنت هيئة تنظيم الفضاء الإليكترونى الصينية عن تطبيق برامج خاصة بالقصّر وصغار السن لتحديد عدد ساعات استخدامهم اليومى للهواتف الذكية باعتبارها مسألة تتعلق بمستقبل الصين نفسه! هكذا قررت الهيئة دفع شركات تصنيع الهواتف لأجل تقديم برامج خاصة بالقصر من شأنها منع المستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما من الدخول لشبكة الإنترنت عبر الأجهزة من العاشرة مساء وحتى السادسة صباحا.مهما أثر هذا على مبيعات الأجهزة أو حتى على حركة البورصة!

هذا القرار سيتم تطبيقه كالتالى بشكل تجريبي قبل أن يتم تعميمه فى الصين:حيث سيُسمح للمستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاما بساعتين في اليوم، وللأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و16 عاما بساعة واحدة، في حين يُسمح للصغار دون سن الثامنة بثماني دقائق فقط!

لماذا غضبت أمريكا..وارتعبت فرنسا؟

لأول مرة فى تاريخ التصنيف الائتمانى يتم تخفيض التصنيف الأمريكى من “تربل إيه” إلى “دبل إيه بلاس”. هذا ما حدث يوم 2 أغسطس الجارى من قِبل وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى؛ فأحدث هزة فى سعر الدولار الذى انخفض بشكل فورى بعد القرار فى مقابل عملات عالمية أخرى، وفى سعر الذهب الذى ارتفع بنسبة 2 فى الألف. هذا الحدث على الرغم من كونه يبدو بسيطاً ضعيف التأثير، إلا أنه أحدث ردود فعل غاضبة جداً من البيت الأبيض، خاصةً أنها تأتى بعد شهرين من انتهاء أزمة سقف الدين بالكونجرس، وبعد شهور من أزمة إفلاس بعض كبريات البنوك الأمريكية!

أما فرنسا فيبدو أن أمامها صيف ساخن جداً بعد ما حدث فى الغرب الإفريقي من انقلاب مفاجئ فى النيجر ، فى أعقاب انسحابات سابقة للتواجد الفرنسي فى عدة دول إفريقية منها مالى وبوركينا فاسو وعدة انقلابات فى تلك المنطقة التى بدأ النفوذ الفرنسي بها فى التلاشى! يأتى هذا فى أعقاب توجه إفريقي عام نحو التخلص من هيمنة الغرب، والاتجاه نحو الشرق متمثلاً فى روسيا والصين.

كلمة السر فى هذا التحول الغرب إفريقي هو الرئيس المؤقت لبوركينا فاسو"إبراهيم تراورى" الذى أحدث صدمة للعالم بأكمله بعد أن أعلن نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد، وتجرأ على طرد التواجد الأجنبى كله من البلاد، ثم تجاوز الحد بأنه أعلن مؤخراً خلال القمة الروسية الإفريقية الأخيرة عن نيته فى التخلص من هيمنة الشركات الأجنبية، ومنها شركات كندية تسيطر على استخراج الذهب، وطرد هذه الشركات من بوركينا فاسو للأبد.

فرنسا وقفت أمام تلك التحولات الخطيرة وقفة خطيرة وهى فى طريقها لمواجهة عسكرية مع النيجر للدفاع عن مصالحها فى مستعمراتها الإفريقية القديمة، بينما يقف الجزائر والغرب الإفريقي كله محذراً إياها من أى تدخل..فهل تنتهى تلك الدراما نهاية رومانسية مثالية كما نتمنى،أم سيتمكن الغرب من إعادة احتلال الغرب الإفريقي تارة أخرى؟

العبقرى المجهول..حاتم زغلول

قلة قليلة تعرف أن مخترع الواى فاى هو مصرى كندى اسمه "حاتم زغلول"!

ولولا أنه عربي الأصل وأن الإعلام الغربي طمس على إنجازه، لكان لهذا المخترع المصري العبقرى شأن آخر..بينما الذى حاز الشهرة شخص استرالى سرق اختراع زغلول ونسبه لنفسه، ما دفع حاتم لرفع قضية ضد الشركات التى استخدمت اختراعه، وحصل على تعويضات وصلت إلى 2 مليار دولار، أسس بها شركة خاصة سماها واى لان سرعان ما أصبح لها صيت كبير بين الشركات العالمية لتقنيات الاتصالات. وقد استطاع زغلول تطوير تقنية الواى فاى إلى تقنية 4G الشهيرة، ويعكف فى الوقت الحالى على صياغة مشروع ضخم يسميه " انترنت الفقراء" .. فما أكثر أبطالنا المجهولين وعباقرة المصريين فى أنحاء العالم.. وما أقل ما نعرف عنهم.

***

عبد السلام فاروق

1 - في تشكُل المصطلح:

نستعير مصطلح الإنسلاخحداثية في جزئه الأول -الانسلاخ- من الآية الكريمة "وآتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين" سورة الأعراف الآية 175 والتركيب في كليته من الأستاذ محمد الطالبي رحمه الله وتحديدا من كتابه " ليطمئن قلبي" والذي فضح فيه أولئك الذين يتقنعون بالإسلام وبالانتماء للحضارة العربية الإسلامية في حين أنهم ينظرون في كتاباتهم للخروج منه والإنسلاخ منها لذلك سمي هذا التيار بالإنسلاخسلامية وأتباعه بالإنسلاخسلاميين. إنَ الحداثية وهي الجزء الثاني من المصطلح مصدر صناعي يحيل على معنى مجرَد بينما الحداثي والحداثيون هم المنتسبون للحداثة. إن دمج كلمتين واحدة من الآليات التي تتوسل بها اللغة العربية لإثراء رصيدها اللغوي وتسمى النحت شريطة التقيد بأوزان العربية وصيغها ومن الأمثلة على ذلك أفعال حمدل وبسمل وحولق والكلمة رغم طولها تظل غير مستساغة في البداية إلا أن تواتر استعمالها سيجعلها مألوفة (حول الإنسلاخسلامية انظر محمد الطالبي ليطمئن قلبي دار سيراس -تونس 2007 فصل عقيدة الإنسلاخسلامية صص 33-96)

في تعريف المصطلح أنه في أصل منشئه متصور وليد العقل والملاحظة ثم تعمل اللغة على أن تجد له لبوسا لغويا لفظيا - أي مصطلحا - فاللغة تلاحق المتصورات لتصوغها في مصطلحات ولكن هل تخضع هذه الالية التي تحول المتصورات إلى مصطلحات إلى قواعد اللسان المخصوصة أم أنها تجد نفسها في بعض الأحيان معبرة على خرق لتلك النواميس فيصبح اللحن بما هو خروج عن القواعد اللغوية صورة عن حركية اللغة وإبرازا لجانبها السوسيولوجي.( انظر كتاب د.عبد السلام المسدي قاموس اللسانيات الدار العربية للكتاب تونس 1984 صص 23-25 )

لقد إرتأينا بعد ملاحظة بعض المواقف التي تطفح على ساحة المشهد السياسي وذلك كلما احتد الجدل وعمليات الاستقطاب في شتى القضايا التي تخصُ النخبة الحداثية بشقَيها الليبرالي واليساري أن نبحث لها عن مصطلح جامع يكون كاشفا لحالة الفصام التي تعيشها بين ما ترفعه من شعارات وما تعلنه من مبادىء وبين ما تأتيه من أفعال ومواقف مناقضة تماما لما هو مفترض أن تدافع عنه وتتبناه فهذه الحالة ضرب لمبدإ الهوية وهو أحد الأضلاع الثلاثة للمنطق الأرسطي .إنه مبدأ وجودي يقوم على أن الاشياء ثابتة لا تتغير أي أن لكل شيء حقيقة جوهرية ثابتة مهما اختلفت صفاته العرضية .فالمنتسبون للحداثة والمعتقدون في مبادئها وأصولها التي قامت عليها جوهرهم أنهم حداثيون بهذا المعنى إلا أنهم يتحولون إلى نقيض ذلك .فهم هم بصفاتهم وبقناعاتهم وذلك مهما طرأ عليهم من تغيير في أحجامهم أو في مواقعهم أو في تحالفاتهم ذاك هو مبدأ الهوية إنه الانسجام مع الذات وإن تغيرت الأعراض إلا أن هؤلاء الحداثيين يتغيرون بتغير الأعراض فيعرضون عن مبادىء هي من صميم هويتهم ويتنكرون لها لمجرد أن خصومهم بزٌوهم فيها ونافسوهم عليها وعملوا على تحويلها من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل.

2 - نماذج من الإنسلاخحداثية:

إن أكبر مظهر للإنسلاخحداثية في الكون هو الاستعمار استعمار البلدان والشعوب بل أعظم من ذلك هو إبادتها ومحوها من الوجود وتصفية ثقافتها وتاريخها وما مأساة فلسطين عنا ببعيدة .إن من قام بذلك هم المتشبعون بقيم الحداثة والذين تلقوا أصولها من ابائهم المؤسسين ثم انسلخوا عنها حين استبد بهم فائض القوة ومكَن لهم المنعرج التاريخي الذي عاشته البشرية من التنكر للحداثة ولمبادئها .إن هذا الإنسلاخ مما جاءت به الثورات في الغرب من إعلاء لمنزلة الكائن البشري ومن احتفاء بولادة الإنسان الجديد وقد دون كل ذلك في عهود ومواثيق .أما عندنا فإن النخب التي تشبعت بتاريخ المستعمرين وبثقافتهم ورضعت مبادئهم وتربت في أجواء عصر الأنوار أصيبت بعقدة الاستعلاء وبادعاء أفضليتها في التسويق لقيم الحداثة وأحقيتها في الدفاع عن أولئك الأباء المؤسسين باعتبارهم أنبياء جدد جاؤوا لتنوير العقول ومطاردة ظلام التخلف والاستبداد .هذه النخب لم يكن سلوكها شاذا عما سنًه أسلافهم .و سنحاول في هذه المقاربة رصد بعض المواقف لأدعياء الحداثة والتي تتسم بما سمَيناه الانسلاخحداثية وذلك بالوقوف عند بعض المحطَات التاريخية المتَصلة بالمسار الانتقالي.

نتذكر جميعا بعد انتخابات أكتوبر 2011- انتخابات المجلس التأسيسي - وما أفرزته من نتائج .ألم تتمَ الدعوة آنذاك إلى أن تتدخل فرنسا في تونس لإنقاذها من التيار الإسلامي الفائز . وقد تمَت الدعوة من قبل احدى المنتسبات للجبهة الشعبية والممثلة لها في فرنسا وهي دعوة تكشف في حقيقتها الارتباطات العميقة بين الداعين لها من حيث خلفيتهم الفكرية وانتماءاتهم الإيديولوجية ودولة فرنسا فهؤلاء رغم تشدُقهم بالحداثة وإيمانهم بمبادىء الثورة الفرنسية وما تمخَضت عنه من قيم لازالوا يحملون في داخلهم القابلية للاستعمار ويعيشون انبتاتا عن واقعهم وجهلا بتاريخهم وبنضالات أجدادهم .أين نحن إذن من قيم الحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها .فنحن إزاء عبيد يتدثَرون بالحداثة وكلما امتحنوا في مدى صدقهم في تبنيها حنوا إلى أسيادهم يستنجدون بهم.

المحطة الثانية هي موقف النخبة التونسية بشقيها الليبرالي واليساري مما حصل في مصر ثمَ من الثورة السورية فأن يقف هؤلاء مع حكم العسكر واستيلائهم على السلطة بعد انقلابهم على رئيس شرعي جاءت به انتخابات حرة ونزيهة ومثَل وصوله إلى سدَة الحكم لحظة تاريخية فارقة في تاريخ مصر إنه أول رئيس مدني من خارج المؤسَسة العسكرية لا لشيء إلا لأنَه يمثل تيارا سياسيا لا يروق لهم .أمَا الثورة السورية والتي في منطلقها ثورة شعب على دكتاتورية حكم طائفي فاسد طالبا الحريَة والانعتاق .نحن ضد عسكرة الثورة وضد المنزلقات التي عصفت بها فحادت بها عن أهدافها إلاَ أنَها تظل في الأخير حقا مكتسبا للشعب السوري في التحرُر وفي أخذ زمام أموره بنفسه بعيدا عن كل وصاية وهيمنة نجد نخبتنا وهي التي مازالت بصدد استكمال مسارها الثوري الخاص بنا تتنكر لقيم الثورة- وهي من صميم الحداثة- وتصطفُ إلى جانب أنظمة استبدادية عانت شعوبها صنوفا من القتل والسحل والتعذيب والاعتقال والإخفاء القسري وذلك في تنكُر صارخ لمدونة حقوق الإنسان وللحريات .

المحطة الثالثة هي الانتخابات البلدية الأخيرة وما أفرزته من نتائج ولاسيما ما يتعلق ببلدية العاصمة وفوز قائمة حركة النهضة بأغلب المقاعد وهي القائمة التي تترأسها السيدة سعاد عبد الرحيم ومنطق الأشياء أن ترشح الحركة رئيسة قائمتها لمنصب شيخ مدينة تونس - أي رئيس بلديتها- وفي ذلك تكريس من الحركة للتناصف الافقي والعمودي واحترام للقانون الانتخابي وهو حدث تاريخي إذ لأول مرة في تاريخ تونس تتبوَأ امرأة هذا المنصب إلاَ أنَ الحداثيين بشقيهم كان لهم رأي اخر فقد انبرت منهم أصوات تعلن رفضها هذا الترشيح وسمعنا تبريرات تفوح منها رائحة الفتاوى القروسطية والجهويات المقيتة والابتزاز السياسي والتشكيك في مبادىء المترشحة وفي نضاليتها داخل المجتمع المدني وفي نشاطها النسوي لا لشيء إلا لأنها مرشحة حزب سياسي هم خصومه .لقد نسي هؤلاء ما كانوا يصدعون به رؤوسنا عن انحيازهم التام والمطلق لقضايا المرأة ودفاعهم المستميت عن حقوقها وكان شعارهم - نساء بلادي نساء ونصف - ثم في لحظة تاريخية فارقة نجدهم قد تنكروا لكل ذلك وانسلخوا عن مبادئهم الحداثية

المحطة الرابعة هي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية فرغم ما يتبدى من أنَ إيمان الحداثيين بالحداثة وبالأسس التي قامت عليها يرتقي إلى درجة المعتقد الجديد بل أضحت دينهم الوضعي الجديد فجعلوا لها إكليروسا وكهنة ينطقون باسمها ويحتكرون تفسيرها وتأويلها .إلاَ أننَا في مسار الانتقال الديمقراطي والسعي الحثيث لاستكماله بتركيز المؤسَسات الدستورية تبدأ المناورات والمخاتلات والحسابات حيث تضمحل المبدئية ويتضاءل الالتزام وتحلُ محلَهما النزعات الفردية والهمُ المصلحي والمناكفة السياسية كلُ ذلك على حساب المصلحة العليا للوطن .فأمام المغنم لا يهمهم أن تتعطَل المحكمة الدستورية فأحد المترشحين يشترك معهم في الانتماء إلى قيم الحداثة وإلى اليسار وله تاريخ نضالي مشرف وقد احتضن مكتبه في سنوات الجمر اجتماعا ضمَ مختلف الطيف السياسي المعارض لنظام الحكم آنذاك إنَه الأستاذ العياشي الهمامي أحد المرشَحين لعضوية المحكمة الدستورية . لقد باركت حركة النهضة هذا الترشيح لمعرفتها بالرجل فقد خبرته في ذروة النضال ضد الاستبداد إلاَ أنَ الاعتراض عليه جاء من الشق الليبرالي الحداثي ربَما لأنه من المتحمسين للعدالة الانتقالية ولضرورة استكمال مسارها لأنَها الدعامة الأساسية لإنصاف المضطهدين والمظلومين ممن طحنتهم الة قمع نظام الاستبداد والفساد وهذا يكشف أنَ هذا الشقَ الليبرالي مازال يستكثر على الثورة التونسية مضيها قدما في كنس المنظومة القديمة وما خلَفته من مآسي .

3- ما بين المصطلحين وصل وفصل:

إنَ الجامع بين مصطلحي الإنسلاخسلامية والانسلاخحداثية هو الظهور بوجهين مختلفين والنفاق .فجميع المنتمين لهذين التوجهين يعمدون إلى إخفاء حقيقتهم المعادية للمختلف عنهم .فكل منهم يعاني من عجز كبير في القدرة على تقبُل غيريَة الاخر المختلف عنهم واعتباره شريكا في الوطن ومن حقه أن يكون مكونا من مكونات المشهدين الثقافي والسياسي .لكن هذا لا يمنع من وجود فروق بين كليهما . فالإنسلاخسلامية اشتغلت على التنظير للخروج من الإسلام من خلال نشر مجموعة من البحوث الأكاديمية والإشراف على عدد من الأطاريح الجامعية والترويج لعدد من البحوث الإستشراقية التي تتساوق ورؤيتهم في حين أنَ الانسلاخحداثية هي مجموعة من المواقف تفرزها وقائع محدَدة في علاقة بطرف اخر أو بتيار فكري وسياسي مختلف وهذه المواقف تكشف زيف أصحابها وخداعهم في ما يرفعونه من شعارات تخفي نزوعهم إلى الاستبداد والإقصاء والاستئصال وبالتالي لاديمقراطيتهم إنَهم أقرب إلى الخواء والعدميَة منهم إلى البناء والتأسيس.

***

بقلم: رمضان بن رمضان

أمريكا اليوم ليست كأمريكا الأمس.. الصورة الذهنية لها تغيرت بعد حرب العراق من شرطى إلى قرصان، ومن تمثال الحرية إلى صنم متجبر. ثم انحدرت أكثر لنراها مرتبكة عاجزة أمام وباء كورونا، ومذهولة متفاجئة أمام ثورة الوول ستريت وهجمة أنصار ترامب على مبنى الكونجرس، ثم إذا بها منهزمة اليوم أمام الروس فى أوكرانيا.. هكذا انهارت صورة السوبرمان الأمريكى الهوليودية فى أذهان حلفاء العم سام!

 غير أن كل هذه الانهيارات والانحدارات لم تستطع حتى اليوم أن تهز عرش أمريكا الراسخ كقوة عالمية مسيطرة على القرار الدولى..سواء فى الاقتصاد أو السياسة أو حتى على مستوى الحياة الاجتماعية اليومية للشعوب. ذلك أن نجاح أمريكا الأول كان فى قدرتها الفذة على السيطرة على المزاج العالمى من خلال ما أسماه جوزيف ناى بالقوة الناعمة..

أسرار الهيمنة

 جوزيف ناي. باحث وأكاديمي بجامعة هارفارد ومستشار سابق لوزير الدفاع الأمريكي على عهد كلينتون، وهو صاحب مصطلح "القوة الناعمة" الذى اشتهر من خلال كتابه المعنون بنفس الاسم.. وفيه يشرح لنا كيف أن أمريكا استطاعت بسط سيطرتها على العالم كقوة أولى من خلال قوتها الناعمة المتمثلة فى السينما والفنون والثقافة والإعلام قبل الخشنة المتمثلة فى أساليب العنف والردع بالسلاح أو التهديد بالعقوبات الاقتصادية.. فيؤكد أن أقل من 20% من وسائل التغيير الناجحة لأمريكا ضد بلدان أخرى تمت من خلال استخدام القوة الخشنة. بينما كانت قواها الناعمة هى السلاح الأقوى لها دائماً..

 حدث هذا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرةً؛ إذ يؤكد جوزيف ناى أن انهيار جدار برلين، وذوبان الفروق بين ألمانيا الغربية الرأسمالية والشرقية الاشتراكية لم يحدث إلا بفضل استخدام سلاح القوة الناعمة فقال: (اخترقنا جدار برلين بأفلام السينما قبل زمن طويل من سقوطه عام 1989؛ لأن مطارق الثقافة كانت أقوى من مطارق الحديد!) .. ولعل هذا نفس الذى حدث للاتحاد السوفيتى الذى اغتالته الثقافة الانفتاحية الرأسمالية رغم السياج الصارم الذى ضربته الشيوعية ضد تسرب تلك الثقافة.. معنى هذا أن الماكدونالد والبيبسي والسي إن إن أقوى كثيراً من الباتريوت والهاون والإف 16!

 السينما والإعلام والفنون وسائر أدوات الثقافة وآليات الغزو الفكرى جميعها من مكونات القوة الناعمة للبلدان القوية، لكن العجيب أن مؤلف كتاب القوة الناعمة يؤكد أنها كلها ليست هى أقوى أدواتها للسيطرة، وأن السلاح الأقوى فى يد أمريكا هو عامل الهجرة المقننة، أى قدرة أمريكا على جذب العقول المتفوقة من سائر أنحاء البلاد إليها، وأنها كانت تتربع على عرش البلدان الجاذبة لهجرة العقول منذ زمن طويل ولم يباريها فى تلك المكانة سوى بريطانيا! فما الذى حققته هجرة الأفذاذ لأمريكا؟

 أول تلك المكاسب وأقواها هو ما حدث من اختراق لسياج الشيوعية المتين المضروب حول الاتحاد السوفيتى أثناء الحرب الباردة الطويلة.. فيؤكد جوزيف ناى أن برامج التبادل الطلابى مع الاتحاد السوفيتى آنذاك مثلت عاملاً حاسماً من عوامل تقويض وتفكيك دول الاتحاد من الداخل؛ إذ كان الطلاب العائدين من تلك البعثات على مدى عقود طويلة يفعلون فعل الفيروسات سريعة الانتشار بحيث استطاعوا فى سنوات قليلة من تغيير مزاج السوفييت كلهم من الخضوع لسجن الاشتراكية إلى البحث عن جنة الرأسمالية والحرية المطلقة التى تعد الناس بها زوراً أو صدقاً!

  ثم أن تلك العقول ذاتها أصبحت لبنة رئيسية لتحقيق التفوق التكنولوجى والعلمى والبحثى فى شتى المجالات العسكرية والاقتصادية، ولنا فى فاروق الباز وأحمد زويل عبرة، ولعل نظرة بسيطة فى إحصائيات الحاصلين على نوبل أو المكتشفين والمخترعين الأمريكان على مر السنوات ستؤكد حقيقة أن أغلبهم من المهاجرين الذين انصهروا داخل آلة الصناعة الأمريكية وحولوها إلى آلة جبارة سبقت سائر البلدان بتكنولوجيا صناعات متطورة لا نظير لها.

 ولعل أهم ما تحققه الهجرة الكثيفة لأمريكا قدرتها على السيطرة على أجيال قادمة من صغار السن الذين يتربون منذ البداية على الثقافة الأمريكية فيصيرون أول المدافعين عنها فى شتى المحافل!

كيف تحفر هاوية بإبرة؟!

 الصبر الطويل والعمل الدؤوب بلا كلل والتربص المكتوم بين طيات الضباب هى طريقة ماكرة مدروسة لتلك القوى المتسللة خلسة عبر قنوات الغزو الثقافى تنتظر اللحظة المناسبة لتلدغ بغتة!

 الآن تطورت أدوات التأثير والاختراق الثقافى بعد شيوع السوشيال ميديا وسهولة نقل الصورة والمعلومة المغرضة من خلال قنوات اليوتيوب والتيك توك والفيسبوك، لتزداد قدرة أصحاب الأجندات على الوصول إلى الجميع بضغطة زر؛ ليقوموا بحقن الأذهان بالأكاذيب والأضاليل، وتحريك النفوس بسيل من الشائعات والترهات، بينما الشباب مستسلمون لكل هذه الأجندات الخبيثة استسلام المنوَّمين!

 الخوف ليس على هذا الجيل وحده، وإنما أكثر على الأجيال القادمة التى ستنشأ وتتربى على مثل هذا الغثاء المنتشر فى كل مكان وعلى كل شاشة وخشبة مسرح. هناك هاوية يتم حفرها للأجيال القادمة وإن كانت تحفر بهدوء وصبر وأناة ودأب، فسيأتى اليوم لنكتشف أنها غير قابلة للردم.

القوة المفقودة

 نظرة سريعة حولك تكفيك لتدرك ما يحدث..

البساط ينسحب من تحت أقدامنا شيئاً فشيئاً.. لم نعد نحن رواد الإعلام فى المنطقة؛ بعد أن سبقتنا قنوات إعلامية أقل عمراً وأضعف تجربة واستطاع غيرنا الوصول للعالمية فيما تأخرنا نحن وانكفأنا على أنفسنا! وحتى مجال السينما لم نعد نحن الأوائل، بعد أن تعددت مهرجانات السينما فى المنطقة وباتت لعبة الإمكانيات المادية ولغة المال تتحدث لتفرض سطوتها، وتصبح السينما المغربية والإيرانية والتركية بديلاً عن السينما المصرية العريقة، بدليل غيابنا عن الجوائز السينمائية لمدة طويلة.

 حتى فى الآداب والفنون سبقنا الكثيرون إلى الصدارة، وانزاحت الجوائز الأدبية الكبري لتقع فى حجر دول عربية شابة، وحتى هذه الجوائز انصرفت أغلبها لفائزين من الأدباء غير المصريين!

 لم يحدث هذا فجأة، ولم يتم بمنأى عن النخبة المصرية . فالجميع يشاهدون ويراقبون مع عجزهم عن فعل شئ. لقد انتقلت مقاليد القوى الناعمة من مصر إلى غيرها من دول المنطقة. وهذا ينذر بغياب جزء كبير من قدرتها على التأثير ناهيك عن دور الريادة والتفرد.

 لفترة طويلة ظلت السينما المصرية هى الرائدة والأغنية المصرية هى السائدة، والإعلام المصرى هو المتصدر، والأدب المصرى هو أدب الجوائز والتميز والتفرد والرصانة، والصحافة المصرية هى المعلم الأول لكل المدارس الصحفية فى المنطقة. حتى جاء الوقت الذى تشوهت فيه تلك الصورة وتم استبدالها بصورة أخرى قاتمة تنحدر فيها القيم وتنسحق الأخلاقيات، ويتم الترويج من خلال السينما والدراما والأغنية لثقافة شعبية فى أدنى حالات الانحطاط والترخص والابتذال!!

 مثل هذا الإصرار على الاستمرار فى إضعاف القوى الناعمة لن يؤدى إلا إلى مزيد من انسحاب بساط الريادة والتأثير. ومزيد من قدرة الثقافات الغربية على اختراق العقول والأمزجة وعلى استمالة الأجيال القادمة لتبنى أجندات مغرضة ماكرة تحقق مصالح العدو لا مصالحنا نحن.وتجارب الغرب أثبتت أهمية امتلاك القوة الناعمة لتحقيق التوازن إلى جانب القوى الخشنة ولامتلاك القدرة على التأثير الفعال على الأمزجة والأفكار والعقول.

 المؤكد أن تاريخ مصر يشهد على قدرتها على التعافى السريع من أى ضعف يصيبها. ولا شك أننا قد فقدنا قوانا الناعمة أو بعضها، وأننا قادرون على العودة إلى امتلاك أدوات هذه القوة المؤثرة، لاسيما ونحن مائة مليون حافلون بالتنوع وحاملون لميراث حضارة عريقة.. فقط علينا أن نبدأ من حيث انتهى أصحاب الريادة والصدارة فى ميادين العلوم والأداب والإعلام والفنون.

***

عبد السلام فاروق

"أوبنهايمر" فيلم هوليودي مضلل وخَطِر يحاول تبرئة مجرمي الحرب في هيروشيما!

فيلم أميركي مُضَلِّل وخطر عن "أوبنهايمر" مخترع القنبلة النووية، تحاول هوليود من خلاله دفع الضحايا لتبرئة مجرمي الحرب وقادة الإبادة الجماعية في هيروشيما وكانتزاكي باسم التقدم العلمي! وقبل قراءة الفقرات أود التذكير بالآتي ليكون القارئ على معرفة ببعض التفاصيل ذات الصلة والتي لن يقترب منها في العادة المصفقون للفيلم ولهوليود ولأميركا للغرب بشكل روتيني وببغاوي:

* فحتى اليوم ماتزال دولة الولايات المتحدة الأميركية ترفض الاعتذار رسميا عن مجزرة الإبادة التي ارتكبتها في جزيرتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين واللتين قتل فيهما مئات الآلاف من الناس ومات بسببهما خلال عقود مئات آلاف أخرى بسبب التلوث الإشعاعي اللاحق.

* في المناهج التدريسية الأميركية يمنع التطرق لهذه الكارثة – القصف الذري لهيروشيما وناكازاكي -  والتعليق عليها في جميع المستويات بل وإذا حدث وتطرقت إليها فمن باب إنها عملية حربية مشروعة عجلت بإنهاء الحرب العالمية الثانية وإجبار اليابان على الاستسلام، وهذه كذبة فندها مؤرخون كثيرون من بينهم أميركيون وأوروبيون أكدوا أن القيادة اليابانية كانت على وشك الاستسلام وبدأت فعلا في مناقشة شروطه!3547 oppenheimer

* إن مجزرة هيروشيما وناكازاكي هي عملية ثأرية متخلفة وإجرامية قامت بها الدولة الأميركية ودفع ثمنها الشعب الياباني وهذا ما اعترف به الرئيس الأميركي ترومان لنقرأ "عندما وصلته الأنباء الرسمية بإسقاط قاذفة "بي 29" قنبلة ذرية فوق هيروشيما، ليصف ذلك بأنه أعظم شيء في التاريخ، معتبراً أن أميركا فازت بأكبر رهان علمي في التاريخ عبر تسخير القوة الأساسية للكون بانشطار الذرة، وأن هذا هو وقت القصاص من اليابان التي دفعت ثمن هجومها غير المبرر على قاعدة "بيرل هاربور" الأميركية عدة مرات وقتل الأسرى الأميركيين/ مقالة في جريدة الاندبنديت 6 آب 2021".

* أكثر من ذلك فإن الرئيس الأميركي ترومان نفسه قال ما يدينه تماما حين برر القصف الذري على اليابان بقوله "عندما تضطر إلى التعامل مع وحش، يجب عليك أن تعامله كوحش"، أي أن تكون أن وحشا تتعامل مع وحش!

* أما أوبنهامير مخترع هذا السلاح الفتاك والإجرامي فقد كشف إنه "خلال لقاء خاص مع الرئيس بعد فترة وجيزة من الحرب قال له بأنه يخشى أن تكون يداه ملطخة بالدماء، فطالبه ترومان بأن يتوقف عن القلق، لأنه هو وليس أوبنهايمر من أصدر القرار. م.س".

* ما يزال العالم حتى يومنا هذا يعيش تحت رعب التهديد النووي والإفناء الذري المتبادل بين الدول المتصارعة، وتمتلك هذه الدول ما يكفي لإفناء البشرية عشرات المرات! وما يزال الغرب الإمبريالي بزعامة أميركا وبواسطة التهديد بهذا السلاح المرعب يفرض هيمنته العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية على الدول الفقيرة والنامية في جميع القارات ويفرض على الدول والشعوب الرافضة الحصار الشامل ويستهدفها عسكريا بالتدمير والقتل.

* في هذا الفيلم لم نرَ مشاهد قصف هيروشيما وناكازاكي وفظاعات ورعب الموت الجماعي للناس وجثثهم المحترقة هم وأطفالهم وحيواناتهم، والتبرير الذي طرحه أحد النقاد السينمائيين (لم يذكر المترجم قحطان المعموري اسمه أو اسم الجهة الناشرة في مقالة أخرى نشرتها المدى قبل يومين) والقائل إن مخرج الفيلم ربما لم يشأ أن يجعل الحرب جذابة بشكل غير مقصود! أما أن يكون الفيلم كله محاولة لتبرير وتبرئة مخترع السلاح ومستعمليه فهذا شيء مشروع في العقل الغربي الهوليودي كما يظهر!

* فقرات من مقالة نقدية جريئة ولا تتملق آلهة العنف والإرعاب الأميركية نشرتها جريدة الأخبار البيروتية يوم 1 آب الجاري بقلم أحمد ضياء دريدر: «أوبنهايمر» أو كيف تعلّمنا هوليوود أن نحبّ قتلنا الجماعي ونكفّ عن القلق! الفقرات أدناه:

*  بدأت تجربة القنبلة الذرية في صحراء لوس ألاموس فتنحبس الأنفاس. يتباطأ الزمن ويتوقف الصوت فلا تسمع إلا همساً؛ ووسط هذا الخشوع في حضور ميلاد أقوى أسلحة الدمار في ذلك الوقت (وأمام سلاح الدمار الذي سيحدد هوية العصر) نرى ضوءاً ساطعاً، ثم يعود الصوت ونسمع الانفجار مبشّراً بنجاح التجربة.

* قيل إن الجمهور في بعض بلادنا العربية قد وقف مصفّقاً عند هذا المشهد. تدعونا هوليوود دائماً للتماهي مع المستعمِر، ولكن هذه مرحلة جديدة من الانسحاق وانهزام الكرامة تجعل بعض الناس يصفّقون لجلّادينا ولقدرتهم على إبادتنا. هذا لا يمنع أن البعض الآخر من جمهورنا يعي جيداً أن أوبنهايمر هو مجرم هيروشيما وناغازاكي وأن هذا الاختبار الناجح كان بداية الجريمة.

* أمّا علاقتنا، نحن المشاهدين، بهذه النار فليست واحدة، بل تختلف بحسب علاقتنا بالمركز الإمبراطوري: النار التي تنير لهم هي النار التي تحرقنا. وإذا ما قرئ مشهد تفجير القنبلة التجريبية، وقرئت النار التي طغت على آخر المشهد، بروميثيوسيا تصبح هذه النار وتصبح الرهبة التي تبثها في المشاهد علامة من علامات هذه القدرة البشرية المتطورة؛ بينما إذا قرأناه في ضوء المجزرتين في هيروشيما وناغازاكي وفي ضوء القدرة السياسية التي أعطاها لأصحاب القنبلة، فلا نرى في النار سوى أشلاء الأبرياء وهي تحترق – لا أشلاء اليابانيين الذين أصابتهم القنبلة بشكل مباشر فحسب، ولكن أشلاء الذين أحرقتهم أميركا في حروب أخرى بقدرات تكنولوجية مماثلة أو مختلفة وبقدرة سياسية تستند في ما تستند إلى هذه القنبلة.

* يمر حوار الفيلم عرضاً على حجم المأساة في اليابان (من دون عنصر بصري واحد). لكنّ الاستعارة البروميثيوسية، مع تقطيع المشاهد وقفزها ما بين المستويات الزمنية بشكل يضع الثقل الدرامي على ما عاناه أوبنهايمر من بعد القنبلة على يد رئيسيه/غريمه في هيئة الطاقة الذرية وعلى يد البارانويا المكارثية، كل ذلك يجعل أوبنهايمر، كما قال له أحد أشخاص الفيلم، يلاقي عقوبة بروميثيوس -الذي تقول الأساطير إن الآلهة قد عاقبته على المعرفة التي منحها للبشر بأن قيّدته إلى جبل لتأكل العقبان من كبده بالنهار ثم تنمو كبده بالليل لتأكلها العقبان في اليوم التالي. يريد لنا الفيلم أن نظن أن أوبنهايمر قد عوقب وأنه عوقب جزاء الجميل الذي أسداه للبشرية. بينما الحقيقة هي أنه كان مجرماً وأن ما عاناه من جراء الخلافات الداخلية الأميركية، التي يفرد لها الفيلم ثلثاً كاملاً ولا يخلو ثلثاه الآخران منها، وأن هذه الخلافات الأميركية الصغيرة والتافهة لا ينبغي أن تعنينا إلى هذه الدرجة.

* في مشهد تالٍ قريب نرى جمهوراً يلوّح بالأعلام الأميركية ابتهاجاً بالمجزرة ويهتف لأوبنهايمر والقنبلة، ونرى أوبنهايمر واقفاً على المنصة يتلقّى التكريم ثم يباغته الندم فيتخيل كما لو أن القنبلة الذرية قد أصابتهم هم ويرى كل من حوله وهم يحترقون أو يفرون بحثاً عن ملجأ.

* نرى خلال الفيلم أوبنهايمر وهو يريد أن يتعذب ليكفّر عن ذنبه، ونراه مزهواً لأنه اخترع اختراعاً أنهى الحرب وكان من شأنه، بحسب رأيه، أن يمنع الحروب الأخرى. وفي الحالتين تُتخطى دماء اليابانيين ليصبح العالِم الأميركي، بزهوه أو بعذابه النفسي، سيد المشهد.

* في زملاء أوبنهايمر الذين وقّعوا عريضة تطالب بعدم استخدام القنبلة، خاصة وقد أوشكت الحرب على الانتهاء -في مقابل أوبنهايمر الذي كان يتستر بحياد العلم ليشارك في ارتكاب جريمة العصر. وكانا هناك في رفاق أوبنهايمر القدامى من اليساري- الذين تنصّل هو منهم، والذين حاول بعضهم تسريب سر القنبلة إلى السوفيات لكي لا تستأثر قوة واحدة بهذا السلاح المدمّر، في مقابل وشاية أوبنهايمر بهم.

* هاتان النقطتان لم تفيا الفيلم حقهما؛ فبينما بدت عريضة العلماء هامشية، فإن الفيلم قد أسقط تفصيلة مهمة، إذ لم يكن توقّع استسلام اليابان محتوماً فحسب، بل كان اليابانيون قد بدأوا بالفعل في مناقشة شروط الاستسلام وكان العائق الوحيد هو إصرار الأميركيين على أن يكون الاستسلام «دون قيد أو شرط».

* ولكن تنكّر أوبنهايمر لهذا اليسار الأخلاقي لم يبدأ حين وشى بعضو الحزب الشيوعي الذي كان يريد تسريب الأسرار للسوفيات. فعندما بدأ «مشروع مانهاتن» لإنتاج القنبلة الذرية كان على أوبنهايمر أن يقطع صلاته بأعضاء الحزب الشيوعي (بمن فيهم أخوه) وأن ينحّي كل العلماء من ذوي التوجهات اليسارية من فريقه بعد أن يكون قد أدار ظهره لتوجهاته هو اليسارية.

* يجعل الفيلم من إدارة أوبنهايمر ظهره لمبادئه استقلالاً وفردية، ويجعل من تنكّره لزملائه خدمة وطنية، ويساق الهولوكوست بشكل غير أمين في المشهد الذي يتنكّر فيه لزملائه ليبدو كما لو أنه تنكّر لهم ليتسنّى له إنقاذ بني دينه من المحرقة، لا ليصبح إله القتل كما تشي الصلاة الهندوسية الشهيرة التي قيل إنه ردّدها بعد نجاح التجربة: «ها قد أصبحتُ الموت؛ مدمرَ العوالم».

 * الفيلم، فنياً وعلى مستوى التمثيل والحبكة والرواية متوسط - ربما باستثناء بعض المشاهد التي يستعرض فيها المخرج براعته التقنية/السنماتوغرافية. وعناصر الفيلم لا ترتقي إلى مستوى الأسئلة التي يطرحها حدث مثل اختراع القنبلة الذرية واستخدامها. وحكايته تهرب من الأسئلة المصيرية إلى تفاصيل محلية أميركية جانبية تتعلّق بالشد والجذب في ما بين الأطراف المختلفة هناك وبمسألة الولاء لأميركا، ومحاولات تسويقه كأهم أفلام القرن ما هي إلا محاولات لفرض تفاهات المركز الإمبريالي وأسئلته الفرعية على سائر العالم.

* * * 

علاء اللامي

......................

* رابط يحيل الى النص الكامل للمقالة النقدية وهي للناقد أحمد ضياء دردير:

https://al-akhbar.com/Opinion/366516/

حلت علينا قبل يومين ذكرى كارثة غزو الكويت في الثاني من أغسطس 1990م، هذه الكارثة التي مزقت الأمة العربية سياسيًا، ومزقت معها ما تبقى من حديث ومشاعر لمفهوم الأمن القومي العربي.

فقد كشفت هذه الكارثة حجم المراهقة السياسية والسطحية المُعيبة لدى النظام الرسمي العربي أولًا، ثم كشفت حجم التراكم الانتقامي والأحقاد بين قيادات ومكونات النظام الرسمي العربي، والذي نقلها بدوره كسلاح حاد يتناقل مفرداته الرأي العام، فحقق بذلك قطيعة كبرى وأحقاد مجانية بين الشعوب الشقيقة بفعل توظيف مخزون الكراهية والتضليل في تفاصيل الأزمة لدعم هذا الموقف أو ذاك.

كما كشفت كارثة غزو الكويت حجم القطيعة بين النُظم الرسمية والشعوب، والتي تفاجأت بكل الكارثة وتفاصيلها واصطفافها القهري بجانب هذا الموقف أو ذاك.

اليوم وبلغة العقل المُجرد من أي مؤثرات عقلية أو تضليل سياسي أو إعلامي، وبحجم المُعطيات والنتائج على الأرض والتسريبات التي تلت سنوات الكارثة ومازالت، يمكننا تحليل ما حدث وما كان يُفترض أن يحدث بوعي تام، ليس حبًا في نكئ الجراح بل حبًا في استخلاص العبر. لا شك عندي أن كل من العراق والكويت تم استدراجهما من قبل قوى كبرى ترغيبًا وترهيبًا للوقوع في المحظور، وبالتالي اكساب الغرب ذريعة التدخل والتواجد بشكل شرعي وقانوني في أرض العرب، وبالتحديد في إقليم الخليج وما يعنيه ذلك في فصول الحرب الباردة وفي مفردات الأمن القومي للكيان الصهيوني.

دولة بحجم الكويت لم تنجح في قراءة ما يراد لها وبها من القيام باستفزاز النمر العراقي الجريح من حرب عبثية مع الجارة إيران والتي أتت على الأخضر واليابس في كلا البلدين، والعراق في المقابل لم تنجح قيادته - والتي أصيبت بكل أعراض الجهل السياسي لحظتها – في قراءة الضريبة الكبيرة التي ستدفعها نتيجة خروجها من الحرب بجيش مُمارس وكبير في عدته وعتاده وخبراته القتالية، وخطورة ذلك على الكيان الصهيوني ومستقبله. هذا الجيش العربي العراقي بعقيدته القتالية والتي نُسجت لحماية كل ذرة تراب عربية، وقد ترجمها في دفاعه عن فلسطين في نكبتها، وعلى أرض الجولان السورية، وعلى أرض سيناء المصرية، يجد نفسه فجأة وبأوامر عليا من قيادته على أرض عربية ومطلوب منه احتلالها !!

الجيش العراقي وبحسب كلام الفريق أول الركن أياد فتيح الراوي قائد الحرس الجمهوري، وأيده في ذلك عدد من كبار القادة العسكريين في مذكراتهم وتصريحاتهم بعد سقوط النظام والدولة عام 2003، كان يقوم بعمليات استطلاع عسكري وجمع معلومات عن الكيان الصهيوني لمدة أربعة شهور من بلد مجاور لـ فلسطين المحتلة قبل احتلال الكويت بشهور قليلة، وتوقفت العملية بعد انكشاف امرها من قبل الصهاينة وحلفاءهم، وكانت العملية بقصد الهجوم على الكيان والثأر لمفاعل تموز النووي العراقي والذي دمره الكيان الصهيوني، اضافة الى تحرير أراض فلسطينية تم احتلالها في الخامس من يونيو 1967م بحسب الرواية.

هل كانت القيادة العراقية تتوقع مكافأتها والسكوت على فعلتها هذه دون عقاب؟! ألم تُدرك هذه القيادة لاحقًا بأن الكويت كانت طُعم للعراق لاستنزافه وتدمير قوته العسكرية وحرف جُهد المعركة عن جبهة الكيان الصهيوني وجعلها في العمق العربي بكل تداعياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وكما حدث بالتفصيل!! ألم تُدرك في المقابل دولة الكويت بأن دورها المرسوم في استفزاز العراق سيجعلها تدفع الثمن غاليًا ولأجيال وعقود قادمة؟! بعقل ووعي اليوم وقع البلدان في فخ كارثي وبلعا طُعمًا سياسيًا كان يُمكن تداركه بقليل من الحكمة والقراءات العقلانية الصحيحة، ولكن دفع الوطن العربي برمته الثمن من أقصاه الى أقصاه، بفعل سيادة وتسلط عقلية البُعد الواحد الكارثية في النظام السياسي العربي.

أعود الى تكرار قناعتي بالقول إن النظام الرسمي العربي لم يحسم قناعته بعد بالتعرف وبتعريف ماهية الكيان الصهيوني لدى الغرب، والوظيفة المناطة به بزرعه في قلب الأمة، ولا الاستراتيجية الغربية البعيدة لنمو وتسيد وقيادة هذا الكيان للأمة العربية وتقرير مصيرها تحت شعار ومسمى الشرق الأوسط الجديد.

قبل اللقاء.. أتذكر دائما عبارة طارق عزيز من سجنه حين قال لمحاوره: مشكلة العراق أنه كان يعاني من ضعف شديد في قيادته منذ عام 1990؛ فالقيادة في العراق بعمومها لا تقرأ وغير مثقفة، وتدير الدولة وتحلل السياسات والمواقف من خلال تقارير قطاعاتها فقط.

وبالشكر تدوم النعم.

***

علي المعشني

جاء في الحديث الشريف: "علّموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل". وقيل: "العقل السليم في الجسم السليم ". أجل، الرياضة البدنيّة تحافظ على سلامة الجسد، وتنشّطه وتقوّيه وتمرّنه على مجابهة الصعاب وما تعترضه من طواريء ثقال. ولها أيضا أثرها الإيجابي على الخلايا الدماغيّة والكريّات الدمويّة والإدراك والذكاء والسلامة العقليّة. أمّا وقد تحوّلت الرياضة إلى حرفة تجاريّة (الاحتراف)، وبيع وشراء بملايير الدولارات والأوروات والجنيهات، فالأمر يدعو إلى الوقوف وقفة تأمّل وتعجّب وتساؤل. ومن بين هذه الرياضات، رياضة كرة القدم (الفوت بول). لقد استولت هذه الرياضة الشعبيّة على عقول قطاع واسع من الجماهير، فصار لها أنصارها بالملايين، وأضحت تُشيّد لها الملاعب الفخمة، وتُرصد لها ميزانيّات ضخمة من لدن الدول الغنيّة والفقيرة والناميّة والمتخلّفة حسب احتياجاتها، كما باتت تقام لها بطولات وكؤوس ودورات عالميّة وإقليمية ووطنيّة ومحليّة، وتسخّر لها وسائل الاتّصال المختلفة؛ من قنوات وجرائد ومجلات، وغيرها.

لكنّ، العجب العجاب، ما يحدث في سوق انتقالات اللاعبين في لعبة كرة القدم (الفوت بول) بلغة الانجليز، مخترعي لعبة (الجلد المنفوخ). دول في حاجة إلى التنميّة الاقتصادية والاجتماعيّة والتربويّة والأخلاقيّة، وإلى نهضة فكريّة وعلميّة تبعا لسيرة الأسلاف الذين شيّدوا أعظم حضارة إنسانيّة، بينما نواديها الرياضيّة تنفق ملايير الدولارات على شراء لاعبين وجلبهم إلى الدوريات المحليّة في سباق محموم لم يشهده التاريخ المعاصر.

من أجل ماذا كل هذه النفقات الباذخة والعروض السخيّة؟ ألا يدعو ذلك إلى الدهشة والتساؤل حول ماهيّة الفوائد التي ستجنى من جرّاء ذلك؟ لاعبون، انتهت صلاحيتهم في أنديتهم الأوروبيّة، يجنون، بين عشيّة وضحاها، في أنديّة عربيّة خليجيّة، أضعاف ما جنوه طوال مسيرتهم الرياضيّة في أوروبا.

لو كان الأمر متعلّقا بإبرام عقود وشراء براءات اخترع لعلماء في الغرب والشرق، في مجلات العلوم والتكنولوجيا، لكان الأمر محمودا ومرغوبا فيه. لكنّ أن تُهدر تلك الأموال الطائلة من أجل عيون جلد منفوخ، فإنّ ذلك السلوك ينمّ عن انحراف أخلاقي، وعن غياب الحكمة في وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة والمفيدة.

كان الأولى، ونحن كخير أمّة أُخرجت للناس، أن نوجّه تلك الأموال الطائلة، التي سلبها منّا جنون الجلد المنفوخ، إلى التنميّة البشريّة، وإعادة بريق حضارتنا الإسلاميّة الآفلة منذ القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي.

قد يقول قائل، لقد أصبحت كرة القدم هوسا كونيّا، وأكثر الرياضات شعبيّة بين الجماهير تشدّ لها ملايين البشر في العالم، كبارا وصغارا، ذكورا وإناثا، تقيم لها الأفراح وترتحل من أجلها مدينة إلى أخرى، ومن من بلد إلى آخر. وأكثر من ذلك، لقد صارت أفيون الشعوب في الجنوب خاصة. فلو أخذنا مثلا الظاهرة " الأفيونيّة " لدى مجتمعات في القارة الإفريقيّة أو أمريكا اللاتينيّة أو بعض دول في آسيا، لصدمتنا الحقيقة المرّة ؛ شعوب تتنفّس كرة القدم (الجلد المنفوخ)، بينما مستوياتها المعيشيّة وأوضاعها السياسية ومنظومتها الصحيّة والتعليميّة والثقافيّة غارقة في وحل التخلّف. ممّا أوعز إلى الأنظمة الاستبدادية والديكتاتوريّة استغلال العشق والهوس الجماهيري للكرة، وتحقيق الانتصارات المحليّة والإقليميّة والدوليّة، لمخادعة تلك الجماهير، والتغطيّة على مشاكلها اليوميّة الحادة، واستغلال مشاعرها الكرويّة.

و أصبحت ضمن مخططات التنميّة الشاملة، وجزءا من سياسات الدول في الغرب. لكنّ هذا في الغرب، الذي يشهد تطورا وازدهارا واكتفاء وفائضا ورخاء في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعيّة والتعليميّة، لا يشكو فيه المواطن من نقص أو انعدام ضرورات الحياة المعيشيّة اليوميّة، ولا يعاني من شحّ في المياه والغذاء وضعف في الكهرباء والاتّصالات والمواصلات، وبالمجمل في ضعف البنية التحية، كالموصلات بمختلف أشكالها، وضعف المنظومة الصحيّة والتعليميّة وهجرة الأدمغة وهوان المعلّم وتهميش العلماء....

قد يقول قائل أيضا، إنّ الاموال التي تدفعها تلك الأنديّة الثريّة، هي ملك خاص لها، ولم تُؤخذ أو تُمنح من الخزينة العموميّة. وهي أموال رجال أعمال مساهمين في النوادي. وهي أموال مجنيّة ومردودة من أثمان الإشهارات وتسويق أقمصة تلك النوادي للجماهير والمحبين وتذاكر الملعب وجوائز البطولات والكؤوس المحليّة والإقليمية والدوليّة، وغيرها من المصادر. لكنّ هناك، في بعض الدول النفطيّة خاصة، قد أبرمت بعض نواديها عقودا تمويليّة مع شركات وطنيّة كبرى، مقابل كتابة (لوغواتها) على أقمصة اللاعبين وعلى لوحات الملعب المملوك للنادي أو البلديّة. أمّا النوادي غير المرتبطة بشركات كبرى، فإنّها تغرف المليارات من خزائن الشعب، وكلّها أموال تصبّ في حسابات اللاعبين المحليين والأجانب (المحترفين) والطواقم الفنيّة الوطنيّة أو الأجنبيّة، وتُنفق في المنح والأكل والشرب والنقل والمبيت في أرقى الفنادق، وربّما في شراء المقابلات الحاسمة، أو دفع رشاوي للحكام أو اللاعبين أو رؤساء النوادي.

كان من الأجدر والأفيد، ونحن أمّة تعاني أزمات فكريّة واقتصاديّة وسياسيّة وحضاريّة، أن نعتني بالرؤوس العارفة لا الأقدام اللاعبة، وتُخصّص تلك الأموال التي ملأت جيوب اللاعبين الأجانب – دون فائدة – لحلّ أزماتنا، وتمويل مراكز الترجمة والبحث العلمي والفلسفي، وشراء عقود وبراءات اختراعات العلماء العرب والمسلمين والغربيين من أجل إنجاز وثبة حضاريّة على منوال أسلافنا في العصر عبد الله المأمون (170 هـ -218 هـ)، حين كانت الترجمة رائدة، وكان الخليفة المأمون يعطي المترجم وزن الكتاب ذهبا. بينا اليوم، أمست لعبة (الجلد المنفوخ) غاية كل شاب يرجو الغنى والشهرة. وأمسى اللاعب (من اللعب) المحترف (من الحرفة) علما وسيّدا وشخصيّة وطنيّة مُكرّمة لا يضاهيها معلّم أو عالم أو مفكّر أو سياسيّ محنّك في المال والشهرة. أليس ذلك من عجائب هذا العصر البراغماتي المتوحش؟

وقد يقول قائل، إنّ الأوربيين هم السبّاقون في هذا مضمار الاحتراف الكروي، وهم الذين أوجدوا هذه السوق المجنونة. فما العيب أن نسايرهم أو نسير على سنّتهم. وهذه حقيقة يراد بها باطل. إنّ الأولويات عندهم منجزة ومكتملة، أمّا نحن فما زلنا في طور معالجة مظاهرالتخلّف وآثاره على الفرد والجماعة، وعلى البنيّة الماديّة والنفسيّة، التي خلّفها الاستعمار الصليبي غداة دحره وجلائه عن بلداننا. ثم، نحن لسنا مجبرين على دخول جحر دخلوه، واتّباع سننهم شبرا شبرا. فأوضاعنا الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والحضاريّة لا تسرّ الناظرين. إنّ معلّمنا وأستاذنا الجامعي وباحثنا وطبيبنا ومهندسنا وفلاّحنا وموظّفنا الإداري وشرطينا ودركينا وجنديّنا وأدمغتنا المهاجرة إلى بلاد الغرب، كلّ هؤلاء في حاجة إلى رعاية وعناية لتوفير عيش كريم، لا تشوبه خصاصة ولا حاجة ماديّة.

تُهدر أموال طائلة، أو بلهجة الجزائريين (شكاير) من الأموال (بمعنى كيس طحين وزنه قنطار)، ونحن في حاجة إلى مستشفيات ومصحّات عصريّة، ومواطنينا يعالجون في مستشفيات أجنبيّة خارج الحدود. فلاحونا يعانون من نقض فادح في المعدّات والآلات الفلاحيّة الإنتاجيّة (معدّات الحرث والبذر والجني والحصاد). تُهدر الأموال الطائلة في شراء اللاعبين (المشهورين) بعد نفاد صلاحيتهم في أوروبا، والمواطن العربي المقهور، النازح واللاجيء، في اليمن وسوريا والسودان وفلسطين المحتلة يتضوّر جوعا وعطشا ويواجه ظروف الطبيعة، من حرّ في الصيف، وقرّ في الشتاء بوسائل عصر ما قبل التاريخ. فإذا كان الغرب الصليبي قد هبّ لنجدة ساكنة أوكرانيا بمئات الملايير من الدولارات، ووفّر لها الغذاء والدواء والسكن والخيّم، وغيرها من الضروريات والكماليات، فإنّ المواطن العربي في بعض الأقطار العربيّة، قد وقع ضحيّة الحروب والكوارث الطبيعيّة، لم يجد ما يسدّ به رمقه، بل فنيّ وهر حيّ، وقد افترش التراب والتحف السماء، ينتظر خروج النفس من الجسد ورجوعها إلى ربّها...

و خلاصة القول، ألا تبّا للعابثين بأموال الشعوب، من أجل جلد منفوخ تتقاذفه الأقدام والرؤوس، وتُدفع من أجله ملايير الدولارات.

***

بقلم: الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

مفاوضات حول معاهدة عام 1922

فرضت سلطات الاحتلال البريطاني مع الكتل الإقطاعية - البرجوازية الكومبرادورية التي التفت حول الحكومة المؤقتة، تنصيب الأمير فيصل بن حسين وهو المعروف بولائه لبريطانيا، على عرش العراق واعتبار 23 آب 1921 يوم تتويج الملك، حيث اصبح العراق مملكة خاضعة. (1) كانت هذه الحكومة تمثل مصالح الاحتكارات الاجنبية والكومبرادورية والاقطاعيين.

فقد جعلت ثورة 1920، الاحتلال البريطاني يفهم جيداً، أن ما تحقق من نجاح عسكري غير ثابت إلى حد كبير يتطلب العمل من أجل تهدئة البلاد إلى استخدام اساليب اخرى جديدة. (2)

اعتبرت بريطانيا تأسيس الحكم الملكي في العراق الخطوة الأولى في نجاح سياستها الانتدابية. (3) بعد أن استطاعت سلطات الانتداب من إرجاع " برسي كوكس" على جناح السرعة الى بغداد، وبدأت تراجعات شكلية في أسلوب الإدارة وشكل حكومة مؤقتة برئاسة عبد الرحمن النقيب وتحت إشرافه.

وشرعت سلطات الانتداب بالمفاوضات لعقد معاهدة تكرس الاحتلال بطريقة جديدة وكانت تجري هذه المفاوضات بصورة سرية بين الحكومة برئاسة عبد الرحمن النقيب الموالية لبريطانيا وممثلي سلطات الانتداب. كانت تتسرب بعض المعلومات من داخل الاجتماع إلى سمع الرأي العام العراقي رغم سرية المفاوضات.

تحركات المعارضة ضد معاهدة عام 1922

أثارت سياسة سلطات الانتداب موجة عارمة في صفوف الحركة المناوئة للاستعمار البريطاني في البلاد.

بدأت المعارضة العراقية بتنظيم الاجتماعات والمظاهرات وعرائض الاحتجاج وإرسال البرقيات الى الملك ورئيس الوزراء العراق والى الحكومة البريطانية.

وقد جاء في أحد المواثيق التي قدمها المعارضة العراقية في الفرات الاوسط الى السلطات البريطانية تطالب رفض الانتداب وإعلان بريطانيا بإلغائه رسمياً، واطلاق حرية الصحافة لكي يتمكن الجماهير التعبير عن آرائهم في المفاوضات التي كانت تدور بين الحكومة العراقية الموالية وسلطات الانتداب البريطاني في عام 1922. (4)

وعلى اثر تعاظم الحركة المناوئة لسلطة الانتداب البريطاني فقد أصدر وزير الداخلية بيانا منع فيه الاجتماعات السياسية رداً على المظاهرات التي عمت في بغداد والتي أرعبت سلطات الانتداب والحكومة الموالية لها. (5)

فقد تحولت المظاهرات والاجتماعات الحاشدة التي بدأت منذ ربيع 1922 الى حركة جبارة في الثالث والعشرين من آب في العام نفسه، حيث قرر الحزبان العراقيان: (الحزب الوطني العراقي) و(حزب النهضة) توحيد مساعيهما للمطالبة بحقوق الشعب وكانت المظاهرات الصاخبة مستمرة وكانت من أهم الشعارات التي رفعت في هذه المظاهرات تنادي بسقوط الانتداب وخروج بريطانيا من العراق.

قام المندوب السامي باتخاذ الإجراءات لضرب الحركة الوطنية العراقية وألغي الحزبين ولم يمض على إجازتهما وابعد قادتهما الى جزيرة هنجام وعطل جريدتي المفيد والرافدين ونفى صاحبهما. وأرسل سرباً من الطائرات تقصف مدن وقرى الفرات الاوسط، فدمرت البيوت والأكواخ وأحرقت الزرع والحيوانات كما فصل عدد كبير من الموظفين.

رغم جذرية مواقف الحزبان من الانتداب إلا أن نشاطهم لم يكن مرتبطة بالحركة الجماهيرية

الشعبية. مما حدى بالمندوب السامي البريطاني الى الاسراع في وضع حد لقادة الحركة الوطنية الداعية إلى الاستقلال والمعادية للانتداب ونفي اكثر الوطنيين نشاطاً. وبذا قضى على انتفاضة الشعب ظاهرياً.

وفي التقرير الذي كتبه (بيرسي گوکس) والتي بعثتها (مس بيل) إلى والدتها، والتي نشرتها في الكتاب الذى يضم رسائلها، وصف الظروف التي وقعت فيها هذه الأحداث بأنها

(ظروف مضطربة، وأن اليوم الثالث والعشرين من شهر آب سنة 1922 كان يوماً صاخباُ بالاضطرابات والمظاهرات وأن ولاية بغداد وعشائر الفرات كانا على شفا ثورة. كانت معالمها تدل على أنها لن تكون أقل خطورة عن تلك التي قامت في ثورة العشرين، منظمة من العناصر نفسها.) (6)

عقب الإجراءات القمعية التي أقدمت عليه المندوب السامي وفي ظل انعدام الحريات والتعبير عن الرأي، فقد صادقت الوزارة النقيبية الثالثة على المعاهدة في 10 تشرين الأول 1922 على أن تعلن نشرها في لندن وبغداد في اليوم الثالث عشر من الشهر نفسه. (7)

لم يكن المعاهدة إلا صورة من صك الانتداب، بل جَاءَتْ مفصلة وما حواها من صك الانتداب ولا تعتبر اشد وطأة مما جَاءَتْ في المعاهدة وملحقاتها.

فإن الاتفاقيات التي الحقت بالمعاهدة كانت تستهدف التركيز على نفود التركيز على نفوذ بريطانيا وسيطرتها العسكرية وتكبيل العراق بصعوبات مالية لا يقوي عليها، الى جانب ربط البلاد بموظفين بريطانيين مدنيين (8)

وقد نصت المعاهدة على أن تسترشد الحكومة العراقية بنصائح المندوب السامي البريطاني بشأن القضايا الدولية والمالية، وإصدار دستور للبلاد بحيث لا يتناقض مع مواد المعاهدة، وعلى أن تحتفظ بريطانيا بقواتها في العراق. (9)

الحركة الجماهيرية تنهض من جديد

بدأ نهوض جماهيري جديد ضد محاولات المندوب السامي البريطاني والحكومة المتعاونة معه لإجراء انتخابات المجلس التأسيسي الذي كان عليه أن يبرم معاهدة عام 1922.

لم تظهر أي رد فعل عن قادة الحركة الوطنية المعارضة بعد إعلان المعاهدة والشروع في الانتخابات ما عدى صدور نشرة سرية وقعت تحت اسم الاجتماع الاستثنائي للأحزاب السرية العراقية تشترط عودة الحياة الحزبية بعودة المنفيين من الخارج وترفض اجراء الانتخابات في هذه الفترة وتدعوا ابناء الشعب العراقي الى مقاطعة الانتخابات، وطالب إجراء الانتخابات بعد شهرين بعد أن يتم تنفيذ مطاليب الشعب العراقي وابطال المعاهدة كلياً (10)

ولكن رجال الدين لعب دوراً هاماً في هذا المجال. فقد دعا رجال الدين الشيعة برئاسة مهدي الخالصي الى مقاطعة الانتخابات والذى استجابة اليه رجال الدين من الطائفة السنية ودعمه من رجال الدين المسيحيين. (11)

كما قدم رجال الدين المطالب التالية: -

1 - إلغاء الإدارة العرفية (اي الغاء سياسة الإرهاب).

2 - اطلاق حرية المطبوعات والاجتماعات.

3 - سحب المستشارين من الألوية.

4 - إعادة المنفيين السياسيين إلى وطنهم

5 - السماح بتأليف الجمعيات. (12)

الحركة الطلابية تأخذ زمام المبادرة

فقد خلقت غياب القيادات السياسية النشطة للحركة الوطنية في البلاد بسبب الضربة التي وجهت لهم وإبعادهم إلى " جزيرة هنجام " فراغاً سياسيا في مجابهة مخططات البريطانية لتكريس الاحتلال للعراق بأشكال أخرى. من هنا تكمن أهمية دور الطلبة والطبقة الوسطى في الحركة الاستقلالية المناهضة للانتداب. وكان الطلبة في مركز الصدارة من بين المعارضين في الحركة الاحتجاجية المناهضة للانتداب البريطاني. وما ان اعلنت المعاهدة حتى تلقاه الطلبة بالرفض والسخط الشديدين.

وبدأ الطلبة كسائر المثقفين في عقد الاجتماعات لمناقشة المعاهدة وابعادها لما فيها من قيود تكبل الشعب العراقي وأنها ليست أقل وطأة من الانتداب والتنديد بها. (13)

وقد أقدمت الطلبة حملة دعائية واسعة في المقاهي والأسواق والجوامع على تحريض وتعبئة الجماهير الشعبية ضد معاهدة 1922 وقد جاء في تقرير الاستخبارات البريطانية بأن " جميع الأهالي في المقاهي والأسواق كانوا ينتقدون المعاهدة وكان التركيز يدور حول المواد 4، 8، 12.. ويذكر التقرير نفسه " أن بيان الملك قد لاقى ترحيباً من المعتدلين بينما لم يلاق ذلك الترحيب عند اليسار المتطرف. (14)

كما ساهم الطلبة في الاجتماع الحاشد الذي عقد في مدرسة الشيخ مهدي الخالصي والذي ندد الشيخ بالمعاهدة واعلن قائلاً: " بايعنا فيصل ليكون ملكاً على العراق بشروط وقد أخل الملك بتلك الشروط فلم تعد له في أعناقنا وأعناق الشعب العراقي أيّة بيعة. (15)

لقد حظيت فتوى رجال الدين حول مقاطعة الانتخابات بمساندة وتأييد تلاميذ المدارس الدينية والحديثة وبقية الفئات المتوسطة من السكان في بغداد وبقية أنحاء العراق وخاصة في المناطق الوسطى والجنوبية.

كان طلاب مدرسة التفيض الأهلية في بغداد أول من استجابة لدعوة رجال الدين لمقاطعة الانتخابات. ولعبوا دورا هاماً ومؤثراً في تحريض وتحريك الجماهير الشعبية لرفض المعاهدة وعدم المساهمة في الانتخابات وقاموا بمقابلة رجال الدين وأخذوا منهم الفتاوى واستنساخها على الكاربون وجرى توزيعها على أبناء الشعب في كافة انحاء العراق.

عندما أعلنت الحكومة الموالية للاحتلال البريطاني قرارها في الشروع في الانتخابات، فقد تحرك طلاب المدارس في الكاظمية بشكل واسع بشكل واسع وقاموا بحملة دعائية واسعة في سبيل مقاطعة الانتخابات المزمع عقده لتشكيل المجلس التأسيسي الذي كان عليه أن يبرم المعاهدة فيه. (16)

كما عبر الطلبة عن احتجاجهم ورفضهم للمعاهدة من خلال تنظيم تظاهرة، حيث تجمعوا أمام دار رئيس الوزراء عبد الرحمن النقيب، يتقدمهم نشطاء الطلبة كل من الطلاب عبد الفتاح ياسين، حسين جميل، وعبد القادر اسماعيل ومحمد حديد، فخرج إليهم بنفسه من شرفة داره وصاح بهم (باسم من تحتجون) فأجابوا (باسم البلاد) فرفع عصاه قائلاً:

* من أنتم لتحتجوا، انا اعلم منكم بحاجة البلاد واغراضها، عودوا إلى بيوتكم. * (17)

لقد اكتسب مقاطعة نطاقاً واسعاُ بالرغم من نفي بعض قادة الحركة الوطنية ورجال الدين وعلى رأسهم مهدي الخالصي.

اتخذ مجلس الوزراء قراراً على أن يبدأ الشروع في الانتخابات في 24. 10. 1922 إلا أن المقاطعة الواسعة عرقلت مسيرتها، بحيث لم يتم انتخابات النواب إلا في 25.2.1924، أي بعد سنة وأربعة أشهر من الموعد المقرر سابقاً بعد أن اتخذت الحكومة بعض الإجراءات القمعية من أجل إنهاء حركة المقاطعة. (18)

ان هذه الاجراءات لم تثني الجماهير، بل ازداد من عنادها واستمر في نضالها حتى انعقاد المجلس التأسيسي مما حدى بسلطة الانتداب والحكومة الموالية لها الاستجابة إلى مطاليب الحركة المعادية للانتداب فيما يتعلق بالنفي، فقد سمحت لبعض قادة الحركة الوطنية بالعودة الى البلاد وبشكل تدريجي بعد أن طلبوا منهم نبذ العمل في السياسة. (19)

بدلاً أن ينهمك القيادات السياسية للبرجوازية الوطنية بعد عودتهم في محاولة لاستعادة قواها وتنظيماتها بعد الضربة التي ألمت بها من جراء الحملة الإرهابية الشعواء في مظاهرات (آب 1922). إلا أنه برزت خلافات وصراعات حول المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها وبل انهمك قسم منهم في التمتع بوظائف الدولة. (20)

مع هذا لم تستطع السلطة ومن ورائها من جمع المجلس التأسيسي لإبرام المعاهدة إلا في أيار 1924.

مع اشتداد الصراع السياسي والخلافات بين أطراف قادة الحركة الوطنية حول شكل وأسلوب النضال المعادي للانتداب، لم يكن بمقدور الطلاب أن يقف على الهامش ويلعب دور المشاهد.

بينما كانت سلطة الانتداب والحكومة الموالية لها تعد الترتيبات لعقد اجتماع المجلس التأسيسي التي كانت عليه ابرام المعاهدة فيه. فقد تم التنسيق بين الفئات المختلفة من المثقفين من طلاب الحقوق والمحامين وأساتذة المدارس والشباب المتعلم من جهة وبين رجال الدين من جهة اخرى ليكون المتحدثين باسم جماهير الشعب العامل والتي تناضل ضد الانتداب بعد غياب الأحزاب الوطنية. وبدأت العمل من اجل اقامة المظاهرات والاجتماعات، واصبحوا يعتقدون انه لا مفر من النضال في إعلان سخطهم وغضبهم على المعاهدة الجائرة والمطالبة بتعديلها لكي يحفظ للعراق استقلاله التام، وقد ساندتهم في ذلك بعض الجرائد المعارضة. (21)

عقد محامو بغداد اجتماعاً في بناية بناية "رويال سينما " (22) في يوم 19 نيسان 1924 تكلم فيه خطباء الاجتماع بتوجيه النقد إلى المعاهدة وعيوبها وتوجه الأنظار الى قيودها الثقيلة، حيث قدم المحامون بياناً كان بمثابة عرض للمعاهدة من الناحية القانونية محذرين منها ومن إبرامها وطالب ياسين الهاشمي الذي كان حاضراً في الاجتماع * بوحدة الصف الداخلي من اجل احباط ما يضر البلد التي تعرقل تقدمه. (23)

في 29 أيار 1924 وعندما كان المجلس التأسيسي يناقش المعاهدة، قامت مظاهرة صاخبة في بغداد وأحاطت بمقر المجلس احتجاجاً على تحدي إرادة الشعب ومعارضته للمعاهدة.

كتبت "مس بيل" في 4 حزيران رسالة مطولة عن هذه المظاهرة، عرضتها "بورغون" على الوجه التالي (اكتسح المتظاهرون من أبناء الشعب ضد المعاهدة أعضاء المجلس، واوصلوا جلسة التالية إلى نتيجة شائنة.

وكانت الشرطة عاجزة عن العمل تقريباً، مما اضطر المسؤولين إلى الاستعانة بالخيالة. واستمرت هذه المناورات لو بشيء اقل من العنف بسبب التنظيمات الافضل التي اتبعتها الشرطة، بحيث لم يصبح للاجتماعات التالية في المجلس إلا قيمة قليلة، حتى استقر في ذهن "مس بيل" و"المستر كورنواليس" * انه ليس هناك جهد بشري يتمكن من إمرار المعاهدة من المجلس الحالي * (24)

في 31 أيار من نفس السنة قامت الجماهير بمظاهرة حاشدة أمام المجلس التأسيسي، سرعان ما سيطرت الشرطة على الموقف. (25)

رغم التدابير التي اتخذتها السلطة ضد المعارضين من أبناء الشعب العراقي من اجل ان تؤمن بقاء المندوبين المجلس إلى جانبها، تأثر عدد غير قليل من المندوبين من الذين يميلون إلى المعاهدة باتخاذ مواقف معاكسة، كما تردد عدد من من الوزراء من الإدلاء بآرائهم حول المعاهدة وتحمل تصديق المعاهدة أمام الرأي العام الصاخب (26). وكذلك توقف جلسات المجلس التأسيسي مراراً، إلا أنه قوى حركة الجماهير المنتفضة قد خمدت بسبب أعمال القمع القاسية من جهة، ولأسباب أخرى تتعلق بموقف قادة الحركة الوطنية وضعف علاقته بالجماهير.

ويكمن السبب الأساسي لضعف الحركة الوطنية في الفترة 1922-1924 يعود الى طبيعة قيادتها من قبل البرجوازية الوطنية المساندة من رجال الدين. وهما اللذان حمل الراية ضد الانتداب ومعاهداته الاسترقاقية، ولكن الاعتماد على هذين العنصرين يحمل معها عامل التذبذب والضعف وصلاتها المتينة مع الجماهير وفقدان الرؤية المتكاملة.

تلك الطبيعة لهذه القيادة جعلتها تزرع في الشعب العراقي الثقة بإمكانيه المعارضة من داخل المجلس لا في امكانية تنظيم الجماهير وزجها في النضال الثابت والمستمر لتحقيق أهدافها الوطنية في الاستقلال. وإذا بالمواقف المزدوجة تكشف عن أهداف المعارضة البرجوازية التي كانت تصبو إلى تحقيق غايتها في الحصول على الوظائف أكبر في الدولة وإن سترها بمعارضتها في داخل المجلس التأسيسي وطرح الشعارات الملتهبة بالوطنية والاستقلال واستغلال حركة الجماهير لأغراضها الخاصة. (27)

بينما كان الطبقة العاملة في دور التكوين، لم تكن قد تحولت الى حركة مستقلة، مما اضعف من قدراتها القيادية في الحركة الاستقلالية المناوئة للانتداب. لم تترك الشك أنها كانت متعاطفة مع هدف الاستقلال التام، وكان العمال والحرفيون يشكلون قوة حركة الجماهير لفعلية في المدينة التي لعبت المتعلمون ولا سيما الطلبة دورا قيادياَ.

اما المثقفون ولا سيما الطلبة والمعلمون والمحامون القوة القيادية بعد ابعاد قادة الحركة الوطنية وحملوا راية النضال وهم ينادون الجماهير الشعبية الى الكفاح صد الانتداب ومعارضة المعاهدة.

أن ما يميز نشاط المثقفين في هذه الفترة أنها كانت ذات طابع محلي. لم يتعد الاجتماعات والمظاهرات حدود مدينة بغداد وبعض المدن القريبة منها. ويعود اسبابها الى عدم امتلاكها الى وسيلة منظمة لتحريك الجماهير في كافة انحاء العراق اضافة الى قلة عدد المدارس أما الجامعات تكاد تكون معدومة ما عدا الحقوق وكانت هذه المدارس متمركزة في المدن الكبيرة.

في تلك الفترة كان الطلبة يبحثون عن طريق لكي يخلصهم من هذا الوضع السياسي الشاذ ولم تتحول الى حركة مستقلة بعد، وانما كانت اسيرة البرجوازية الوطنية.

وان مناشيرهم وانذاراتهم كانت تلصق على الجدران وترسل الى اعضاء المجلس والقادة السياسيين في رسائل موقعة من قبل رئيس جمعية اليد السوداء ومختومة بيد سوداء

إن العوامل المار الذكر دفع بعض الشباب الى التفكيرفي تأسيس جمعية اليد السوداء لإبراز سخطهم على الانتداب والمعارضة البرلمانية. لقد نشطت هذه الجمعية في ارهاب النواب على اثر تشكيل هذه المنظمة السرية حيث تم اغتيال اثنين من النواب على ايدي مجهولين وهما عداي الجريان وسلمان البراك لكي يجعلوا منها واسطة لتأديب غيرهما. (28)

***

سهيل الزهاوي

.....................

(1) - مجموعة من علماء السوفيت، تاريخ الأقطار العربية الجزء 1، ترجمة دار التقدم، طبع في موسكو 1975، ص. 292

(2) - ف.أ. كرياجين، حركة التحرر الوطني في المشرق العربي - بلاد ما بين النهرين -

الشرق الجديد، موسكو، الكتاب الثاني، 1922، ص. 243، عن الدكتور كمال أحمد مظهر، ثورة العشرين في الاستشراق السوفيتي، مطبعة الزمان 1977، ص. 36

(3) - الدكتور فاروق صالح العمر، المعاهدات العراقية - البريطانية وأثرها على السياسة الداخلية 1922 - 1948، منشورات وزارة الإعلام سلسلة دراسات 116، دار الشؤون الثقافية 1977.

(4) - عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، الطبعة 5، منشورات دار الكتب، المجلد الأول، بيروت 1978. ص. 99 - 100

وقد جاء في الميثاق الوطني ما لي: -

المادة الأولى: تأليف حكومة حرة، نيابية، ديمقراطية، مسؤولة امام الامة العراقية، مستقلة استقلالاً سياسياً تاماُ لا شائبة فيه، عارية من أي تدخل أجنبي.

المادة الثانية: تأييد سياسة الملك فيصل على أساس استقلال العراق التام بحدوده الطبيعية.

المادة الثالثة: رفض انتداب الانكليز، وكل معاهدة تمس بكرامة الامة العراقية واستقلالها التام.

(5) - عبد الرزاق الحسني، نفس المصدر السابق، ص. 102

(6) - حسين جميل، شهادة سياسية 1908 - 1930، دار السلام لندن 1978 ، ص. 78-79

(7) - عبد الرزاق الحسني، العراق في ظل المعاهدات، الطبعة 6، مطبعة دار الكتب، بيروت 1983، ص 21 – 22

(8) - الدكتور فاروق صالح العمر، نفس المصدر السابق، ص. 42 – 43

(9) - الدكتور فاروق صالح العمر، نفس المصدر السابق، ص. 48 - 49 وما بعدها

(10) - البلاط الملكي s / 34/ 17

Manifesto of the Iraq secret parties, // Oct 1922.

عن الدكتور فاروق صالح العمر، نفس المصدر السابق، ص.79 0 80

قدم رجال الدين المطالب التالية: -

(11) - التقرير البريطاني الى عصبة الامم 1923 -1923 ص 6

عن الدكتور فاروق صالح العمر، نفس المصدر السابق، ص. 113

(12) - عبد الرزاق الحسني، نفس المصدر السابق، ص. 142

(13) - رؤوف الواعظ، الاتجاهات الوطنية في الشعر العراقي الحديث، 1914-1941،دار الحرية بغداد 1974 ص. 166 عن آفاق عربية العدد 12 آب 1980 ص. 56

(14) - الدكتور فاروق صالح العمر، نفس المصدر السابق، ص. 83

(15) - محمد مهدي كبة، مذكراتي في صميم الأحداث ، 1918-1958، دار الطليعة بيروت 1965، ص. 26

(16) - محمد مهدي كبة، نفس المصدر السابق، ص. 26- 27 عن آفاق عربية، العدد 12 آب 1980 ، ص. 56

(17) - خيري العمري شخصيات عراقية الجزء الاول ض. 20، عن آفاق عربية العدد 12. آب 1980، ض. 56

(18) - حسين جميل، نفس المصدر السابق، ص. 112- 113

في 02 حزيران 1923 نفي من العراق الشيخ مهدي الخالصي ومعه ولداه وقريب له وسكرتيره وغادر العراق بعض من علماء الدين احتجاجاً على هذا النفي. وكان سلطات الانتداب يعتبر الشيخ الخالصي من العناصر المعرقلة للانتخابات بعد أن أصدر فتوى جديدة تعرض فيها الى الحكومة، فقد عثرت الشرطة على صورة من الفتوى معلقة على جدران صحن الكاظمية بتاريخ 19 مايس 1923.

(19) - رفض السادة جعفر ابو التمن وحمدي الباجة جي التوقيع على التعهد في بادئ الأمر رُفض عودتهم، فيما بعد رضخ السلطة وسمح لهم العودة الى البلاد.

(20) - كان السيد مولود مخلص أحد المؤسسين للحزب الديمقراطي، عين متصرف لواء كربلاء غير موقفه من المقاطعة.

(21) - فيليب ويلارد ايرلاند، العراق دراسة في تطوره السياسي، ترجمة جعفر الخياط، دار الكشاف، بيروت، ض. 311

(22) - حسين جميل، نفس المصدر السابق، ص. 123

(23) - العالم العربي 20 نيسان 1924 عن فاروق صالح العمر نفس المصدر السابق، ص. 113

(24) - كتاب بوغوين، ص. 343 عن حسين جميل، نفس المصدر السابق، ص.

(25)- حسين جميل، نفس المصدر السابق، ص. 124

(26) - فيليب ويلارد ايرلاند، نفس المصدر السابق، ص. 123

(27) - قال الهاشمي نائب بغداد في جلسة 22 آب 1928 للمجلس التأسيسي وكان البحث يدور حول الميزانية العامة للدولة " إني وجدت في مذكرات المجلس النيابي توجيه اللوم إلى الوزراء واننا نناقشهم على أعمال لم يرتكبونها، وان ارتكبوها فلم يكن ذلك بمحض إرادتهم. ولو أنهم أخذوا في بعض الأحيان مسؤوليات تلك الأعمال على عاتقهم.

انى وجدت دواعي وشواهد عديدة مرت على يد المشورة وهي مغلوطة ولم تظهر منها اي استياء في زمن من الازمان. وما دامت طريقة مداولة امورنا الداخلية والخارجية على أيدي الغير لا اجد اي سبب لتوجيه اللوم على اي احد من الرجال المسؤولين." عن حسين جميل، نفس المصدر السابق، ص. 128.

وفي جلسة المجلس التأسيسي في 29 / 05/ 1924 فضل المعاهدة على الانتداب وقال: "أنه لا محل للقياس بينهما وكان يعلم أن الانتداب قائم لم تلغه عصبة الأمم وهو لا ينتهي الا قبول العراق عضواً فيه. عن حسين جميل، نفس المصدر السابق، ص. 108.

(8 2) - جريدة البرق البيروتية 3 حزيران 1924 عن رجاء حسين حسني - العراق بين عام 1921 - 1927، دار الحرية للطباعة والنشر بغداد 1976.

حديث مع مصطفى علي - الثقافة الجديدة العدد 75 لشنة 1975، ص. 84

طُرح العام (2007) يوم «الغدير» عيداً جزئياً بالعراق، فعَطلت بعض المحافظات الدَّوائر (18 ذي الحِجَّة)، وكأنها خارج الدَّولة. عاد اليوم اعتبار «الغدير» رسمياً للدولة كافة، ومعلوم أن مَن لم يتقيد سيكون عاصياً للدولة والدِّين، لأنَّ الغدير أصلٌ، والمقياس هو الإيمان بـ«الولاية»، هذا ما تفصح عنه رسائل الفقهاء، دستور الطَّائفة، وفي «الغدير» التزمتم بالرَّسائل وتركتم الدَّستور.

ثار جدلٌ عقيمٌ في «الغدير»، فلا تسويةً في اختلاف العقائد، بين مَن اعتبره يوم التتّويج الإلهي لعلي بن أبي طالب(اغتيل: 41 هج)، ومَن اعتبر ما قيل في «غدير خم»(10هج) تكريماً، وكثير مِن الصّحابة كرمهم النَّبيّ بالألقاب، لا المقصود ولاية العهد، لذا يبقى «الغدير» يخص طائفةً.

هل العراقيون اليوم أمام بناء دولةٍ أم طائفةٍ؟! وهل دولتهم ذات عقيدةٍ دينيةٍ، فإذا كانت كذلك، فلتعلن دستوريّاً، وبهذا يُعذر البرلمان والحكومة مِن تشريع «الغدير» عيداً. أمّا إذا كان العِراق ديمقراطيّاً تعددياً، فهذا التَّشريع ليس حقَّاً.

إذا كنتم تتصدون لبناء دَولةٍ دستوريَّة، فطريقها واضح، ليست بويهية (352هج) عندما أعلنت ببغداد «الغدير» عيداً (الكامل في التّاريخ)، وليست فاطميَّة (362هج) يوم أُعلن بمصرَ عيداً (المقريزي، اتعاظ الحنفاء) ولا صفويَّة (1501م). يبدو أنّ المعمم البرلمانيّ استحضر كلّ العهود عندما قال: «الغدير عيد لكلِّ العراقيين». قالها ولم يميز بين الأزمنة، وبين برلمان دولة ومنبر حُسينية.

ماذا أنتم فاعلون بالعراق؟ هل تريدونه: بويهياً أم فاطمياً أو صفوياً؟ فكلُّ هؤلاء لا علاقة لهم بصاحب الغدير، غير «إنَّما هذه المذاهب أسبابٌ/ لجذب الدُّنيا إلى الرُّؤساء»(المعريّ، اللزوميات). فكانت أسرتهم مشيدة مِن الذَّهب! مثل تفاخركم بموالاته، ولو خرج لقال عمن توج باسمه: مَن هؤلاء؟!

عليكم تقدير خطورة «الإمامة» التي تلعبون على حبلها، وقد عقم الجدل فيها، وصارت تاريخاً. يقول أحد أهم أساتذة الحوزة الدِّينية بالنَّجف محمَّد رضا المظفر(ت: 1964): «ولا يهمنا مِن بحث الإمامة، في هذه العصور، إثبات أنهم هم الخلفاء الشَّرعيون، وأهل السُّلطة الإلهيّة، فإن ذلك أمر مضى في ذمة التَّاريخ، وليس في إثباته ما يُعيد دورة الزَّمن مِن جديد»(عقائد الإماميَّة). فهؤلاء «إخوان الصَّفا»، قدروا خطورة اللُّعبة فقالوا: «اعلم أنَّ الإمامة هي أيضاً من إحدى أمهات مسائل الخلاف بين العلماء، قد تاه فيها الخائضون إلى حجج شتى، وأكثروا فيها القيل والقال، وبدت بين الخائضين فيها العداوة والبغضاء، وجرت بين طالبيها الحروب والقتال، وأبيحت بسببها الأموال والدّماء، وهي باقية إلى يومنا هذا (الرّابع الهجري)...«(الرِّسالة: 42). بل التّناحر يا إخوان الصّفا مازال مشتعلاً إلى يومنا نحن، كأن الألف عام بيننا وبينكم مرَّ ونحن في الكهفِ ناطرون! هذا، وظل الخلاف يدر ذهباً على تُجاره في الأزمنة كافة «إذ ما سُلَ سيفٌ في الإسلام على قاعدةٍ دينية، مثلما سُلَ على الإمامة في كلِّ زمان»(الملل والنّحل).

إنها عودة التَّناحر بين ميليشيتين: الدَّيلم والأتراك (السَّنة 389هـ) ببغداد، وشأنهما شأن العثمانيين والصَّفويين، يوجهون الطَّائفتين كيف شاءوا، «بالكرخ كانوا ينصبون القباب (وتعلق الثِّياب) للزينة، اليوم الثَّامن عشر مِن ذي الحِجَّةِ، وهو يوم الغدير، فعمل أهل باب البصرة في مقابل ذلك، بعد يوم الغدير بثمانية أيام، مثلهم قالوا: هو يوم دخل النَّبيّ، صلى الله عليه سلم، وأبو بكر، رضي الله عنه، الغار» (ذيل تجارب الأمم). فإذا كنتم أهل العِراق فلا تنحو نحويهما: يوم الغدير ويوم الغار! ألم يفيدكم ابن الحَجَّاج(ت: 391هج) وكان على مذهبكم؟ شاهد عيان ذلك النّزاع المذهبيّ، فقال في خير الحاكمين:«خيرهم مَن رأى لباسيّ قد/ رثَّ وبان اختلاله فكسانيَ» (دُرة التَّاج في شعر ابن الحَجَّاج)، فانشدوا الدَّولة الكاسية بالوطنيَّة لا العاريّة بالمذهبيَّة.

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

بالأمس القريب تواردت أنباء أن صندوق النقد وافق على أن تسدد الأرجنتين والبرازيل فوائد ديونهما باليوان الصينى! ومن قبلها جرى اتفاق بين الدولتين وبين الصين على أن يتم التبادل التجارى بينهم بعملة اليوان. وهو ما سينعش بنك البريكس القائم الآن فى الصين..

وفى إفريقيا هناك إتفاق تم بين كينيا وجيبوتى للتعامل بينهما بالعملة المحلية بدلاً من الدولار، بل إن هناك اتجاه عالمى عام للتخلص من ربقة الدولار، وتنويع سلة العملات فى التبادلات التجارية..ولن يلبث الدولار أن يجد نفسه تحت حصار دولى خانق!

على الناحية الأخرى بدأ حلفاء الغرب التقليديون فى التسرب من قبضته تباعاً متجهين نحو القوى الجديدة الصاعدة وعلى رأسها الصين. وهاهى الحرب الأوكرانية الروسية تميل كفتها لروسيا على حساب الناتو وأمريكا، ما يشير لهزيمة جديدة للمعسكر الغربي..فهل نشهد بواكير عصر سقوط الإمبراطورية الغربية بأكملها؟!

ثقوب فى قبعة العم سام

الليبرالية الجديدة فى أمريكا يبدو أنها تتراجع وتنتكس..وهو ما سيدفع بالاتجاه المحافظ الذى يمثله الاتجاه اليمينى للحزب الجمهورى بكل طوائفه إلى السيطرة التامة على مقاليد الأمور على حساب الاتجاه الليبرالى الذى يمثله الحزب الديمقراطى. ويبدو أن بايدن سيكون آخر رئيس ديمقراطى تشهده أمريكا بعد تآكل شعبيته وشعبية حزبه لأقصى الحدود..

لم يكن خوض الحرب الروسية الأوكرانية أسوأ أخطائه، ولا انتكاسة الدولار وسقوط البنوك والاقتصاد، ولا تفشى ظاهرة الكراهية العالمية للهيمنة الأمريكية وسقوط الأحلاف، ولكن فى الأساس أن الليبرالية الجديدة على عهد بايدن سقطت سقوطاً أخلاقياً كارثياً ينذر بالأسوأ..إذ خرج الرئيس الأمريكي على العالم يدعو ويروج لمجتمع المثليين، ولم تلبث المدارس فى أمريكا وكندا أن اتجهت لترسيخ مبدأ التطبيع مع الانحلال الأخلاقى عند أطفال المدارس بغض النظر عن أديانهم ورفضهم لهذا الانحلال.. كأن الليبرالية تخطو آخر خطواتها نحو حرية مطلقة تفجر فى طريقها كل المبادئ والأعراف والشعائر والعقائد!

الاقتصاد نفسه يعانى فى ظل النيوليبرالية؛ بعد ابتعاده عن الاقتصاد الإنتاجى تحت دعاوى ما يُدعى "سياسات السوق الاجتماعى" المعتمد على ثلاثية التمويل والتأمين والعقارات "Finance ,Insurance and Real Estate" بغرض تحقيق أرباح مالية عالية سريعة على حساب التنمية الحقيقية القائمة على الإنتاج الصناعى والزراعى.

وإذا بحثنا فى عالم اليوم عن بديل للرأسمالية المتوحشة فلن نجد مثالاً حياً على النجاح أقوى من الصين!

البريكس.. الموضة الاقتصادية الجديدة

طوال الوقت هناك هجوم يومى حاد ضد كل صوت يتحدث عن المعجزة التى حققتها الصين اقتصادياً فى العقود الأخيرة.. وأخطر ما فى موجة تسونامى الهجومية تلك أنها تسعى بشتى الطرق لتنفير وذب وإبعاد الجميع ضد الاقتداء أو الاستفادة من النموذج الصينى فى الاقتصاد، باعتباره مناهضاً ومضاداً للنموذج الليبرالى الغربي.

هذا الهجوم الدائم والإصرار على تخويف الشعوب والقادة ضد الاتجاه نحو النموذج الصينى فى الاقتصاد يكشف مدى الهلع لدى دعاة الرأسمالية من انهيار نموذجهم القائم على الاستغلال وتكديس الأموال وتضخيم الثراء الفاحش على حساب الضعفاء والفقراء. وفى المقابل حقق الاقتصاد الصينى، على الأقل بالنسبة لمواطنيه، طفرة فى الاستثمارات الخاصة والفردية، ونمواً هائلاً فى قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وصنع توازناً بارعاً بين تحكم الدولة فى القرار الاقتصادى والمالى وبين الملكية الفردية والاستثمار الخاص، واستطاع انتزاع 800 مليون مواطن صينى من الفقر؛ أى ما يعادل ضعفى سكان أمريكا وكندا معاً! الأدهى أن الصين تُعتبر اليوم هى المنتج الرئيسي على الصعيد العالمى بحيث لو توقفت عن الإنتاج أو فتَرت سيعانى العالم كله جراء هذا الفتور.. هكذا تفوق الاقتصاد الإنتاجى على الاقتصاد الغربي الاستغلالى الربوى.

خمسة من كبريات الدول فى العالم استطاعوا أن يصنعوا الفرق من خلال مجموعة البريكس، تلك الكتلة الاقتصادية الشابة سريعة النمو، والتى تحولت إلى شبح يواجه الرأسمالية الإمبريالية ويرعبها. وهناك نحواً من خمسة دول كبري أخرى تتجه نحو الانضمام إلى تلك الكتلة الحرجة التى سوف تسرع بالدولار والنيوليبرالية إلى الهاوية، ولسوف تقدم بديلاً عملياً للنظم الاقتصادية المعيبة التى ربما يُنظر إليها الآن كموضة قديمة بالية.

أسلحة جديدة فى الميدان!

لعل أقسى ما نال العنجهية الأمريكية من آلام، ما حدث من تدمير منظومة الباتريوت فى حرب أوكرانيا، وما حققه الجيش الروسي من تفوق عسكري على الأرض!

كل يوم تظهر على ساحة القتال الأوروآسيوية أسلحة جديدة ، كأنها ساحة عملية لتسويق السلاح ! فيدفع الألمان بدباباتهم والفرنسيون بطائراتهم والأمريكان بنظمهم الدفاعية، فإذا بالصواريخ الروسية تدمر كل شئ فى طريقها ولا تدع نظاماً جديداً أو قديماً من نظم السلاح الغربي إلا وفتكت به، ثم يظهر لاعب جديد يريد أن يستظهر بقوته الوليدة، وإذا بطائرات البيراقدار التركية المسيرة تبرز وتستطيع تدمير الدبابات الروسية ، لنكتشف أن هناك من حوَّل ساحات الحرب الدموية التى يهلك فى رحاها آلاف البشر عسكريين ومدنيين ليست إلا نوعاً من التجارة الدموية يريد كل طرف فيها أن يسوق لصناعة السلاح لديه ولو كانت ضريبة التسويق الملعون هى الموت!!

على كل حال يوشك هذا الصراع التجارى العسكرى على الانتهاء وقد حققت روسيا أغلب أهدافها، وانهزم الناتو، وأصبح السلاح الروسي على ما تعرض له من نزيف وتلف ودمار هو السلاح المطلوب لدى الجيوش وقادة الحروب، لدرجة أن نرى فرنسا وبريطانيا يسارعان فى محاولة اللحاق بالركب الروسي فى قدرته على تصنيع الصواريخ فرط الصوتية ، بعد أن دخلت الحرب مرحلتها الخطرة .. مرحلة القنابل العنقودية وقنابل اليورانيوم المنضب، تمهيداً لمرحلة أخيرة نرجو ألا تنفلت نحوها الأحداث.. مرحلة هرمجدون والحرب النووية..

تراخى القبضة.. وتفكك الإمبراطورية!

لو عاد بك الزمن إلى أوائل القرن الماضى وقلت لأحدهم أن زمن بريطانيا قد ولَّى، وأن الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس ستزول قريباً فربما رماك بالجنون واتهمك بالغباء! والآن ، ورغم أن الذين يبشرون بقرب زوال إمبراطورية أمريكا والغرب بعضهم من الأمريكيين والأوربيين أنفسهم، فإن الناس لا تكاد تصدق أننا على أعتاب هذا العهد..وأن الدولار والمنظمات الدولية والعالم الجديد وكل المصطلحات التى عشنا فى أكنافها دهراً ستندثر وتنطمر وتنقرض ويأتى غيرها على أنقاضها!

نعم ما زالت أمريكا تملك أوراق اللعبة، وتتحكم فى أنظمة ودول بأكملها من خلال القرار الدولى والبنك الفيدرالى والقوة العسكرية وقواعدها التى تربو على 800 قاعدة عسكرية منتشرة فى أنحاء العالم .. لكنك ربما تتعجب إذا علمت حقيقة أمريكا وأوروبا من الداخل، وأن مجتمعات الرفاهية والحرية الآن تنفر من الحروب، وأن الجيش الأمريكى تقلص إلى أقل من 2 مليون جندى بسبب التهرب من الجندية، وأن المثلية والإباحية أكلت طاقة هؤلاء الجنود، وأن حديث الساعة اليوم فى أمريكا هو الفرار من الالتحاق بالجيش، لدرجة أن النظام الأمريكي يفكر فى تطبيق التجنيد الإجبارى على نطاق واسع.

السويد وغيرها من بلدان أوروبا يصرخون اليوم لأنهم وجدوا أن النظم التكنولوجية والتعليم الرقمى أسهم فى تحويل الطلاب إلى عاجزين، لا يستطيعون الكتابة بأيديهم وقد تدنت لديهم مستويات الجاهزية والقدرة على الإنجاز بسبب الرفاهية الزائدة التى تقدمها لهم وسائل التكنولوجيا الحديثة بحيث تدنت ملكاتهم الفنية ومهاراتهم اليدوية بشكل كبير! الحل الوحيد الآن أمامهم العودة للأصول!

***

د. عبد السلام فاروق

أختتمت في العاصمة الروسية الشمالية سانكت بطرسبورغ ، أعمال المنتدى الاقتصادي والإنساني روسيا – وأفريقيا، التي استمرت لمدة يومين 27-28 يوليو الجاري، رغم كل الضغوط والتهديدات الأمريكية والغربية التي مورست ضد وفود الدول المشاركة ، إلا أن روسيا نجحت في أستقطاب وكما أكد مساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية، يوري أوشاكوف، 49 دولة أفريقية من أصل 54 من القارة السمراء، وحضر القمة 17 رئيس دولة و5 نواب للرئيس و4 رؤساء حكومات ورئيسا واحدا للبرلمان، فيما مثل 17 دولة أخرى نواب رئيس الوزراء والوزراء، معظمهم من وزراء الخارجية، فيما مثل 5 دول أخرى على مستوى السفارات.

وعلى هامش المنتدى حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على عقد اجتماعات ثنائية مع نظرائه الأفارقة، وكان من بين تلك اللقاءات، اللقاء مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، ومع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، كما شارك الرئيس بوتين في جلسات المنتدى ليومين متتالين، ليؤكد سعيه على إنجاح هذه الفعالية، وبالفعل تمخضت عن التوقيع على عدة وثائق مهمة ، كالبيان الختامي المشترك، وإعلان القمة حول تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وإعلان حول ضمان أمن المعلومات الدولي، وكذلك اعلان حول منع سباق التسلح في الفضاء الخارجية، بالإضافة الى خطة العمل للشراكة للفترة 2023-2026.

وأتفق المشاركون في القمة الروسية الأفريقية، وكما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتخاذ موقف موحد بالقمة الإفريقية الروسية على تحدي النظام الاستعماري ومحاولات القضاء على القيم،والتشديد على إن روسيا والدول الإفريقية تؤكد على موقفها من تشكيل نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب، وتعزيز دور منتدى الشراكة الروسية الأفريقية كعنصر أساسي في التعاون الروسي الأفريقي متعدد الأطراف الذي ينفذ قرارات القمة، وتعميق التعاون المتكافئ والمتبادل المنفعة بين الاتحاد الروسي والدول الأفريقية من أجل إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدلاً وتوازناً واستدامة، ويعارض بحزم أي شكل من أشكال المواجهة الدولية في القارة الأفريقية.

والبيان الختامي للقمة، أكد زيادة تعزيز الدور التنسيقي المركزي للأمم المتحدة، كآلية عالمية متعددة الأطراف في تنسيق مصالح الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وإجراءاتها لتحقيق أهداف ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك لضمان الامتثال للمبادئ المعترف بها عالميا وقواعد القانون الدولي المنصوص عليها فيه ، وتنسيق مناهج مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مجال سياسة العقوبات ضد الدول الأفريقية، بما في ذلك بهدف زيادة التخفيف والإلغاء التام للتدابير التقييدية التي فقدت أهميتها، والاعتراض المشترك على استخدام الأدوات والأساليب الانفرادية غير القانونية، بما في ذلك استخدام التدابير القسرية التي تتجاوز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واستخدامها خارج الحدود الإقليمية، فضلاً عن فرض نُهج تضر في المقام الأول بالأشخاص الأكثر ضعفاً وتقوض الغذاء والطاقة الدوليين حماية.

كما شدد المشاركون على أهمية التعاون لإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع مراعاة الحقائق الجيوسياسية والموقف المشترك للدول الأفريقية، على أساس "توافق إيزولويني" وإعلان سرت لعام 2005، من أجل تعزيز تمثيل أفريقيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والقضاء على الظلم التاريخي الذي ارتكب ضدها، ومعارضة فرض خطوط فاصلة في المنظمات الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة، تعيق البحث الفعال عن حلول للقضايا الحادة على جدول أعمال الأمم المتحدة، بما في ذلك تلك التي تمس المصالح الأساسية للدول الأفريقية، بالإضافة الى المساهمة في تعميق الشراكة بين دول البريكس وأفريقيا وإقامة حوار بين منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الأفريقي ومنظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الأفريقي، واحترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والتصدي لتطبيق الدول للقانون الوطني خارج الحدود الإقليمية في انتهاك للقانون الدولي، واستخدام الوسائل الدبلوماسية السلمية، مثل الحوار والمفاوضات والمشاورات والوساطة واللجوء إلى المساعي الحميدة لحل النزاعات والصراعات الدولية وتسويتها على أساس الاحترام المتبادل والتوفيق واحترام توازن المصالح المشروعة

أما خطة عمل منتدى الشراكة بين روسيا وأفريقيا كانت واحدة من الوثائق المهمة أيضا فهي تدعو إلى تنفيذ تعاون متبادل المنفعة بين الاتحاد الروسي والدول الأفريقية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة (UN) ورابطات التكامل الأفريقية الرائدة للفترة في 2023-2026، مع تحديد الأولويات والإجراءات الهادفة إلى تحقيق إمكانات الشراكة الروسية الأفريقية في المجالات ذات الاهتمام المشترك، مع مراعاة أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 "أفريقيا كما نريدها" وخطط تنفيذها، بالإضافة إلى وثائق أخرى، في مجال التعاون بين روسيا وأفريقيا.

وكجزء من خطة العمل هذه، اتفقت روسيا وأفريقيا على تعزيز الحوار والشراكة والتعاون في مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك التفاعل في مجالات السياسة والأمن، والاقتصاد، والقضايا الإنسانية، من أجل تحقيق المنفعة المتبادلة والازدهار، حيث تشترك روسيا وإفريقيا أيضًا في وجهة النظر حول أهمية الحفاظ على الدور المركزي في الهيكل الإقليمي للاتحاد الأفريقي، والذي يعد ذا أهمية كبيرة لتعزيز السلام والاستقرار والنمو الشامل في القارة الأفريقية،  ووفقًا للالتزامات الدولية، وكذلك مع التشريعات الوطنية، تعتزم روسيا وأفريقيا التعاون في المجالات التعاون في المجال السياسي والأمني، وفي المجال الاقتصادي، والتجارة والاستثمار، والزراعة والغابات والاحياء المائية، والطاقة، والصناعة والتعدين ومعالجة المعادن، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، والتعاون في المجال الاجتماعي والثقافي، والبيئة وتغيير المناخ والتنوع البيولوجي، و التعليم والتبادلات الشبابية والاتصالات والرياضة ، ووسائل الاعلام الجماهيري، والسياحة، والثقافة .

ففي المجال الأمني ركزت الخطة على تطوير الاتصالات بين كبار الممثلين الذين يشرفون على القضايا الأمنية من أجل تبادل المعلومات حول الأمن الدولي والخبرة وأفضل الممارسات في مواجهة التهديدات والتحديات، مواصلة الحوار بين وزارتي الدفاع في روسيا وأفريقيا حول قضايا التعاون العملي ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك من خلال عقد الأحداث المشتركة والتدريبات والدورات التدريبية، وتنظيم المناقشات العلمية والتفاعل بين مراكز البحوث، وتبادل المعلومات بشأن الجماعات الإرهابية، بما في ذلك، عند الضرورة، استخدام مصرف بيانات مكافحة الإرهاب الدولي تحت قيادة دائرة الأمن الفيدرالية للاتحاد الروسي وقنوات الاتصال التابعة له، بشأن الهجمات والتهديدات المحتملة، بما في ذلك الأعمال التي تنطوي على مواد كيميائية، أسلحة بيولوجية أو إشعاعية أو نووية.

أما في المجال الاقتصادي، فركزت الخطة على تحديد قطاعات الاقتصاد في روسيا والدول الأفريقية لتنفيذ تدابير لدعم التجارة المتبادلة، ووضع برامج للتنمية القطاعية وتعميق العلاقات التجارية، ووضع خطط عمل وخرائط طريق شاملة لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري، وتنظيم بعثات تجارية متبادلة منتظمة بين روسيا وأفريقيا من أجل إقامة اتصالات تجارية مباشرة وتبادل المعلومات حول فرص الأنشطة التجارية والاستثمارية، ودراسة وتنفيذ أفضل الممارسات في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص كآلية موثوقة لتنمية التجارة والتعاون الاقتصادي على أساس الشفافية والضمانات للوفاء بالتزامات الاستثمار، وكذلك توسيع الإطار القانوني مع الدول الأفريقية في مجال التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار، وتوسيع استخدام العملات الوطنية في التسويات المتبادلة بين الاتحاد الروسي والدول الأفريقية، مع تطوير علاقات المراسلة بين البنوك المهتمة في الاتحاد الروسي والدول الأفريقية، وتعزيز تنمية القطاع المالي وتقوية الاستقرار المالي من خلال التبادل المتبادل للمعرفة والخبرة والمعلومات المتخصصة، والتعاون في مجال حماية حقوق مستهلكي الخدمات المالية، وتحسين محو الأمية المالية لديهم، وتوسيع فرص الحصول المتبادل على الخدمات المالية، فضلا عن بناء القدرات.

وفي مجال الطاقة فقد شددت الخطة ، على ضرورة تسهيل تنفيذ البرامج الهادفة إلى ضمان أمن الطاقة، وترشيد استخدام الكهرباء والحفاظ على موارد الطاقة، لا سيما من خلال تحسين كفاءة الطاقة، فضلاً عن بناء القدرات المؤسسية وإشراك القطاع الخاص بشكل أكثر فعالية، وتعزيز العلاقات المؤسسية بين روسيا وأفريقيا، بما في ذلك مع الهياكل القارية والإقليمية المتخصصة في قطاع الطاقة، وإجراء التطورات المشتركة والبحوث المتعلقة بكفاءة الطاقة، ومصادر الطاقة المتجددة، والانتقال العادل للطاقة وتنظيم أمن الطاقة، وكذلك توسيع التجارة والاستثمار في قطاع الطاقة، بما في ذلك الهياكل الأساسية للطاقة ومشاريع النفط والغاز، وإنتاج البطاريات في أفريقيا، وتحديد فرص الاستثمار في مشاريع البنية التحتية للطاقة الرئيسية، بما في ذلك تكنولوجيات الطاقة المتجددة والتكنولوجيات الموفرة للطاقة، بالإضافة الى زيادة تطوير التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية والصناعات ذات الصلة، وتنظيم منتديات دولية وإقليمية حول الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، و توسيع التعاون في مجالات مثل استخدام تكنولوجيات الفحم المراعية للبيئة، واستكشاف وإنتاج وإنتاج النفط والغاز ومنتجاتهما، وتطوير البنية التحتية اللازمة، بما في ذلك من أجل توسيع استخدام الغاز الطبيعي كوقود بديل للمحركات وتطوير صناعات مصافي النفط من خلال البحث المشترك وتبادل المعلومات وأفضل الممارسات.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

رغم امتلائها بالكنوز والموارد والمعادن النفيسة ظلت قارة إفريقيا هى الأشد فقراً دائماً وأبدا!

كانت دوماً مرتعاً للغزاة والمغامرين والمستعمرين، ومن قبلها موطناً للأمراض والأوبئة، وحالت تضاريسها الصعبة دون إمكانية الربط بين أجزائها بشبكة من الطرق تنعش الاقتصاد بين دولها المختلفة. وعندما جاءها المستعمرون الأوروبيون من بريطانيا وألمانيا وفرنسا والبرتغال وإيطاليا واستعبدوا أهلها ونهبوا خيراتها وكنوزها، تركوها وقد تم تقسيمها تقسيماً جغرافياً لا يراعى الاختلافات العرقية والخلافات القبلية؛ ما جعل أغلب تلك الدول تعانى ويلات النزاعات والحروب الأهلية والصراعات الحدودية من حين لآخر وهو ما يتعارض مع إمكانية التنمية الاقتصادية على طول الخط.

السنوات الأخيرة شهدت طفرة اقتصادية فى عدد من الدول الإفريقية مثل رواندا وجنوب إفريقيا ونيجيريا إما بفضل الاكتشافات البترولية كما فى نيجيريا، أو بفضل التخلص من النزاعات القبلية والتفرغ للتنمية كما فى رواندا، أو الانتماء لكيانات اقتصادية ناشئة كما فى حالة جنوب إفريقيا مع مجموعة البريكس الاقتصادية.

الآن تتسابق الدول الكبري فى آسيا وأوروبا والأمريكتين على التقرب لقادة إفريقيا طمعاً فى الاستثمار فى تلك القارة الواعدة ذات الكنوز غير المستغلة. فهل تصبح إفريقيا مسرحاً لحرب باردة جديدة، أو حتى حروباً ساخنة فى موجة جديدة لنهب ثرواتها وخيراتها وكنوزها؟

السودان.. هل هى مجرد بداية؟

عام 2011 شهد انفصال جنوب السودان عن شمالها بعد سنوات من الاضطرابات والقلاقل..

واليوم تجدد الصراع بين مكونات الشعب السودانى متمثلة فى قوات الجنجويد المنحدرة من الغرب السودانى وبين الجيش السودانى، ذلك الصراع الذى ينذر بتقسيم جديد للسودان إلى غرب وشرق..

تلك الحرب المستعرة فى السودان لا تغيب عنها الأيادى الخارجية ذات النوايا الخبيثة؛ وإلا ما كانت الحرب امتدت وطالت كل هذا الوقت، ومن المتوقع أن تطول شهور وربما سنوات أخرى بسبب إمدادات السلاح التى لا تنقطع من دول عدة لها مطامع فى ثروات السودان. هناك الذهب واليورانيوم فى الغرب، وهناك الماشية والمياه والأراضى الخصبة فى الشرق. وهو ما يجعل شبح التقسيم ليس مستغربا ولا مستبعداً من مآلات الحرب الدائرة فى البلاد..

اليوم روسيا تحاول توسيع نفوذها فى إفريقيا، بجمع الولاءات وحشد التحالفات فى القارة السمراء ربما من خلال القمة الروسية الإفريقية التى تنعقد هذا الشهر.

القمة الروسية الإفريقية الثانية.. رسائل ودلالات

فى الفترة بين 26 و 28 يوليو انعقدت القمة الروسية الإفريقية الثانية بسانت بطرسبرج، وهى القمة التى من خلالها تم مناقشة الملفات الاقتصادية المشتركة بين روسيا من جهة والدول الإفريقية المشاركة بالقمة من جهة أخرى.. ولا شك أن انعقاد القمة فى مثل هذا التوقيت الحرج له دلالات لا تخفى على أحد..

ثمة حرب تحالفات بين الكتلتين الشرقية والغربية تجرى على قدم وساق.. أمريكا من ناحية تحاول بشتى الطرق جمع كل قواها وأحلافها فى مواجهة الصين وروسيا وأحلافهما الحاليين والمحتملين. وكل أرض تخسرها أمريكا من معسكرها تكسبها روسيا فى صفها عاجلاً أو آجلاً. فالانحياز بات أمراً محتوماً لاسيما مع دول نامية متعطشة للدعم المادى والاقتصادى ممن يقدمه.

العقوبات الأمريكية والأوروبية التى فُرضت على روسيا منذ بدايات الحرب الأوكرانية الروسية ساهمت فى تعميق أواصر الصداقة القديمة بين روسيا ودول إفريقية عدة، لأنها باتت منفذاً محتملاً لبضائعها، ومصدراً محتملاً لاقتصادها..

هناك أسباب عديدة تجعل دول إفريقيا مطمئنة للتعامل والتعاون مع الصين وروسيا أكثر من ميلها لفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية؛ لعل أهم تلك الأسباب أن الغرب يمثل قوى استعمارية مستغلة تهدف فى الأساس لنهب الثروات واستغلال الشعوب. بينما لم يكشف تاريخ الصين وروسيا أطماعاً استعمارية أو رغبة فى استغلال البلدان والشعوب، وإنما التكامل الاقتصادى وتبادل المنفعة على أساس من الندية والاحترام المتبادل. وهو ما يجعل كفة روسيا ترجح خاصة فى توقيت كهذا تعانى فيه الامبراطورية الرأسمالية من كبوات قد تؤدى مستقبلاً إلى ضعف وهزال.

سباق صيني - أمريكي محموم

شهدت نهايات العام المنصرم محاولة تفعيل ما أسمته واشنطن:"استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء"! لقد حددت أمريكا منطقة الوسط والجنوب الإفريقي لإعادة رسم استرتيجية علاقتها مع تلك المنطقة باعتبارها الأسرع نمواً، وأن بها أكثر النظم البيئية تنوعاً،وبها أكبر مناطق التجارة الحرة فى العالم، بالإضافة لحوزها على أكبر الكتل التصويتية فى الأمم المتحدة!

جاءت تلك الاستراتيجية بناء على دراسات وبحوث أرعبت صانع القرار الأمريكي ودفعته للهرولة نحو إفريقيا يريد ضمها لصالحه بأسرع وسيلة. فالدراسات الأمريكية تؤكد أن الصين فاجأت روسيا وفرنسا وكل القوى القديمة ذات التأثير إفريقياً بأنها سحبت البساط من تحت أقدام الجميع!!

لقد نجحت الصين فى نيل ثقة كل الدول التى استقبلت الاستثمارات الصينية؛ ليس فقط بسبب التدفقات المالية والمشروعات التنموية التى أنجزتها الصين فى تلك البلدان، وإنما أكثر بفضل دعمها للاستقلال والحرية الاقتصادية والسياسية عن كل القوى الاستعمارية المستغلة، بحيث باتت الصين بديلاً سياسياً موثوقاً للبلدان الإفريقية. هكذا، تؤكد التقارير، استطاعت الصين الخلط بين العناصر الأيديولوجية والسياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية لدى تعاملها مع إفريقيا.

بهذه الطريقة فازت الصين بقصب السبق إفريقياً على حساب أمريكا وحلفائها الأوروبيين. ليصل حجم الاستثمارات الصينية فى إفريقيا ما يقارب خمسة أضعاف الاستثمارات الأمريكية بما يعادل نحو 250 مليار دولار سنوياً. وليصبح لشركة واحدة صينية كشركة نورينكو مشروعات وشراكات فى نحو 13 دولة إفريقيا من بينها إثيوبيا وكينيا وناميبيا ونيجيريا والسنغال وأوغندا وزامبيا وزيمبابوى! ما يعنى أن الاستراتيجيات الأمريكية والمخططات الغربية تلاقى فشلاً ذريعاً فى مقابل نجاح الصين وروسيا فيما فشلت فيه الولايات المتحدة !

سلة عملات دولية ومحلية!

من برلمان جيبوتى أعلن الرئيس الكينى وليم ساموى روتو ضرورة السعى للتعامل مع جيبوتى بالعملة المحلية فى عمليات تبادل السلع، وهو ما سيفتح الباب واسعاً للتخلى عن الدولار، على الأقل فى التعاملات البينية بين البلدان المتجاورة فى إفريقيا وربما فى العالم أجمع!

في هذا السياق أيضا، جاءت تصريحات نالدى باندور وزيرة خارجية جنوب إفريقيا بأن عملة بريكس الموحدة القائمة على الذهب ستكون على قمة أولويات النقاش فى قمة البريكس فى أغسطس القادم. وهو ما يعكس توجهاً لدى الكتلة الشرقية،فى الصراع الكوكبي المحتدم، للتخلى عن الدولار شيئاً فشيئاً واستبداله بسلة عملات دولية ومحلية أخرى.

مثل هذا التوجه يجد الآن أصداءً واسعة لدى كل المتضررين من سياسات الهيمنة الأمريكية، خاصةً بعدما تسببت فيه موجات رفع الفائدة على الدولار من آثار كارثية على اقتصاديات الدول الفقيرة التى ترزح أغلبها تحت نير ديون صندوق النقد الدولى.

إن ما يبدو فى الأفق أن الصين وروسيا بات لهما اليد العليا فى الاستثمارات والتحالفات الإفريقية . وأن أقدام أمريكا وفرنسا والغرب تنسحب شيئاً فشيئاً مع ضعف قبضتها وتآكل نفوذها الإفريقي والعالمى. ولا شك أن تلك الفترة هى أزهى الفترات التى يمكن للقارة السمراء أن تستغلها لصالحها تنموياً إذا أجاد القادة قراءة أوراق اللعبة بمهارة وذكاء!

***

د. عبد السلام فاروق

توطئة: عنوان هذا المقال هو تصريح حديث لضابط في مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، يعكس تشخيصا لحقيقة واقعة بعد ان اصبحت تجارة المخدرات تأتي بالمرتبة الثالثة بعد تجارة النفط والسلاح باعتراف نائب برلماني من البصرة، وبعد ان صارت مخاطر المخدرات في العراق توازي تهديدات الإرهاب، وفقا لمديرية مكافحة المخدرات.. وبعد ان استطاع المهربون تطوير طرائق تهريبهم للمخدرات باستخدام طائرات شراعية تسمى (درون) تحمل بين (20 الى 30) كيلوغراما من المخدرات، تم اسقاط واحدة منها في البصرة تحمل مليون حبة (كبتاغون)!

ويأتي هذا المقال لتشخيص أهم أسباب شيوع المخدرات، واقتراح استرتيجية علمية تسهم في الحد من انتشار المخدرات في العراق.

الأسباب

منذ (18 كانون الثاني 2012) يوم عقدت في اربيل ورشة عمل لمناقشة مسودة قانون المخدرات، بمشاركة مسئولين في الحكومتين الاتحادية والاقليم وقضاة و و.. ولغاية (تموز 2023) والمؤتمرات والندوات تعقد وتخرج بتوصيات واقتراحات دون تنفيذ، حتى وصل الامر الى ان يكون (السباق للسيطرة على المخدرات أصعب بكثير من أي ملف جنائي آخر) باعتراف ضابط بمديرية مكافحة المخدرات.

لم تكن هناك متابعة ولا اهتمام بمعالجات عملية اقترحتها منظمات ومؤسسات علمية.. بينها، ان كاتب هذا المقال.. حذر من مخاطرها عبر الفضائيات وعقد اكثر من عشر ندوات في بغداد وعدد من مراكز المحافظات، آخرها ندوة في مركز الصيد الثقافي بنادي الصيد العراقي في (15 تموز 2023)، اكتشفنا فيها ان معظم المثقفين العراقيين والأعلاميين يعرفون تلك الأسباب، وان اعادة ذكرها يعد فائض معنى او اجترارا كنّا بدأناه من عشر سنين!.

المخدرات.. اخطر من الأرهاب

حظيت ظاهرة تعاطي المخدرات باهتمام كبير من قبل علماء النفس والاجتماع والقانون وصنّاع السياسة، لما تحدثه من تحلل للقيم وتدمير للأخلاق، ولأن انتشارها بين سكان شعب ما يؤدي ليس فقط إلى الإضرار بالصحة الجسدية والنفسية للمتعاطين لها، بل إنها تؤخر أو تعرقل منجزات الدولة وخططها التنموية، وتضعف أمنها الداخلي والخارجي أيضا حين توظّف المافيا الدولية للمخدرات في قضايا سياسية تكون الدولة منشغلة عنها بقضايا تعدها أخطر مثل الإرهاب.

والذي لم تعره حكومات سابقة الأهتمام الذي يستحقه، أن الأسباب التي تدفع إلى تعاطي المخدرات توافرت في العراق بشكل مثالي!.فالدراسات تشير إلى أن الفرد يلجأ لتعاطي المخدرات في الحالات الآتية:

موت احد أفراد الأسرة، أو شخص عزيز عليه.. ولا يوجد مجتمع بالعالم المعاصر فقد أهله آباءهم وأحبتهم في انفجارات إرهابيه واحتراب طائفي كالذي حصل في العراق، فضلا عن حالات التهجير والهجرة خارج الوطن.

تضاعف حالات الطلاق والتفكك الأسري.. وما يقرب من ثلاثة ملايين يتيم بين أطفال ومراهقين وشباب فقدوا آباءهم في الحروب، وعدد مماثل من الأرامل.

عدم الرضا عن الحياة والقلق من المستقبل، وكثرة البطالة التي زادت نسبتها بين الشباب بشكل خاص.

تطرف ديني وضغوط نفسية، يقابلها انفتاح غير منضبط على الإعلام الغربي يدفع بشباب ومراهقين إلى تعاطي مخدرات صار الحصول عليها سهلا.

نضيف إلى ذلك ما أكدته دراسات أجنبية وعربية من أن انتشار المخدرات يرتبط بدرجة الانفتاح على الثقافة الغربية، والعراق يعد البلد رقم (1) في المنطقة الذي انفتح على هذه الثقافة عبر قنوات فضائية بما فيها إباحية، واختلاط دام تسع سنوات بأفراد قوات الاحتلال. ومن المفارقات أن الدراسات أشارت أيضا إلى أن الرواج النفطي يؤدي إلى زيادة تعاطي المخدرات في البلد المنتج للنفط.. بمعنى إن الثروة النفطية تؤدي إلى الرفاهية، وهذه تؤدي إلى ثقافة استهلاكية.

نظرية عراقية

هنالك اكثر من نظرية حاولت تفسير الدافع الذي يضطر الانسان لتعاطي المخدرات بينها نظرية (انعدام المعايير- الانوميا) لعالم الاجتماع ميرتون.. ويعني بها التعبير عن الاحساس بانعدام المعايير التي اذا ما سادت في المجتمع فانها تحرم مجموعات اجتماعية من تحقيق مصالحها. واشارته الذكية الى ان المجتمعات التي تضع قيمة كبيرة على الامور المادية ومسائل الترف او لا تتمتع بها الا القلة، فانها تبرز فيها حالة الانوميا او فقدان العدالة الاجتماعية، فتظهر جماعات تتجاوز قيم المجتمع ونظامه، وتخرق محرماته ومنها تعاطي المخدرات والاتجار بها.

وترى نظرية (الانسحاب الاجتماعي) ان متعاطي المخدرات هو في حقيقته شخص حرم او عجز عن تحقيق اهدافه بوسائل مشروعه فاضطر الى الانسحاب عن المجتمع فتضطره عزلته الى تعاطي المخدرات لتخلق له عالما بديلا ينسيه عالما هو فيه نابذ او منبوذ .

اما نظريتنا العراقية فقد اسميناها (نظرية التيئيس الأنتحاري)، وترى ان النظام السياسي حين يكون ولاّد أزمات فان الانسان يمر بعملية نفسية دائرية بين: ازمة.. انفراج.. أزمة..، تفضي به الى تيئيسه من انه (النظام) عاجز عن تأمين حاجاته. وحين يصل حالة الأقتناع بأن السلطة اصبحت مصدر شقاء له، وان الواقع لا يقدم حلّا لمشاكله، فان من استنفد طاقته في تحمل الضغوط ووصل حالة الشعور بانعدام المعنى من الحياة.. يلجأ الى تعاطي المخدرات لانهاء حياته بعملية انتحار تدريجي لا شعورية.

استراتيجية علمية

تتضمن هذه الأستراتيجية الخطوات الآتية:

ان معالجة اية ظاهرة اجتماعية سلبية تبدأ اولا بتشخيص اسبابها عبر دراسات ميدانية، وعليه ينبغي تكليف اقسام علم النفس وعلم الاجتماع في الجامعات العراقية كافة باجراء دراسات ميدانية لتشخيص عوامل انتشارها (سياسية، اجتماعية، نفسية، اقتصادية..)، ومعرفة العلاقة بين انتشار تعاطيها وانتشار انحرافات أخرى، وما احدثته من تأثير في القيم والاخلاق، واقتراح المعالجات.

يتم ذلك باصدار توجيهات من مكتب دولة رئيس الوزراء الى الجهات المعنية، واعتبار هذا المشروع (قضية وطنية ومسؤولية اخلاقية ودينية).

تبدأ الأستراتيجية خطوتها الأولى بتفعيل قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية (رقم 50 لسنة 2017)، وقيام الجهات المعنية بتطبيقه بحزم مسبوقا بتوعية واسعة بنوعيها.. الأعلامية و الجوالة.

عقد مؤتمر وطني بعنوان (المخدرات في العراق- الاسباب والمعالجات) تناقش فيه الدراسات الميدانية التي اجرتها اقسام علم النفس والأجتماع في الجامعات العراقية، وتوحيد الأسباب والحلول المقترحة.

ترفع نتائج المؤتمر الوطني الى هيئة تضم مديرية مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية وممثلين عن مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية، (البرلمان، الحكومة، القضاء) ووزارات الصحة والتربية والتعليم العالي والثقافة، والجمعية النفسية العراقية وجمعية الأطباء النفسيين العراقية، ومؤسسة شبكة الأعلام العراقي.. تقوم في ضوئها باعداد استراتيجية تنفذ على مراحل زمنية يجري لها تقويم يحدد الايجابيات والمعوقات.

تكليف الجمعية النفسية العراقية، بوصفها صاحبة المبادرة، بمتابعة التنفيذ وتشخيص ما تم تحقيقه واقتراح الحلول لمعالجة المعوقات بما يضمن تحقيق الأستراتيجية بسلاسة.

اننا سنعتبر هذا وثيقة تم نشرها في الجريدة الرسمية (الصباح)، نأمل من الجهات المعنية العمل على تحقيقها.. فالعلم مع الأرادة السياسية يساعدان جهود مديرية مكافحة المخدرات وتختصر الزمن لصالح ملايين الشباب الذين يتوقف عليهم حاضر ومستقبل اغنى بلد في المنطقة.. يمتلك كل المقومات لأن يعيش اهله برفاهية وكرامة.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في ( 6 اكتبوبر 2020) نشرنا موضوعا بالعنوان اعلاه.. والتساؤل: هل ما يزال الحال على حاله في (تموز 2023)؟

على مدى عشرين سنة (2003- 2023) أثبتت الأحداث اننا في العراق لدينا حسينان، (حسين) السلطة وحسين الناس، (حسين) الحكّام وحسين المحكومين، (حسين) الخضراء وحسين ساحات التحرير، (حسين) قتلة أنصاره، وحسين شهداء شعاره(هيهات منّا الذلّة).

وما يدهشك ان ثورات عظيمة في التاريخ، باتت الآن منسية، فيما ثورة الحسين تتجدد وتبقى خالدة رغم ان القائم بها كان رجلا واحدا، وانه مضى عليها اكثر من الف عام.. والسبب هو ان موت الضمائر وتهرؤ الاخلاق والزيف الديني هي التي تشطر الناس الى قسمين: حكّام يستبدون بالسلطة والثروة، وجماهير مغلوب على امرها.. فتغدو القضية صراعا ازليا لا يحدها زمان ولا مكان، ولا صنف من الحكّام او الشعوب.ومن هنا كان استشهاد الحسين يمثل موقفا متفردا لقضية انسانية مطلقة، مادامت هنالك سلطة فيها: حاكم ومحكوم، وظالم ومظلوم، وحق وباطل.

وقضية اخرى لم ينتبه لها كثيرون، ان ثورة الامام الحسين تنفرد بتعدد النظريات التي تفسر اسبابها، والشائع منها تمنحها هوية سياسية او اسلامية فيما الهوية الحقيقية لها انها ثورة اخلاقية.فلو كانت سياسية فان هدف القائم بالثورة يكون الوصول الى السلطة فيما الحسين كان يعرف انه مقتولا.ولو كانت اسلامية لما تعاطف معها مسيحيون وقادة غير اسلاميين بينهم غاندي، فضلا عن ان الحاكم (الخليفة) كان يحتاج الى الدين لبقائه في السلطة.

واستشهاد الحسين كان تراجيديا من نوع فريد.. ليس فقط في الموقف البطولي لرجل في السابعة والخمسين يقف بشموخ وكبرياء امام آلاف الرجال المدججين بالسيوف والرماح المنتظرين لحظة الايذان بالهجوم عليه وقتله، ورفضه عرض مفاوض السلطة بأن يخضع لأمرها وله ما يريد، وردّه الشجاع بصيحته المدويه: (هيهات منّا الذلّه).. بل ولأن المشهد كان فيه نساء واطفال، وكأن الحسين اراد ان يثبت للبشرية ان بشاعة طغيان السلطة في أي نظام بالدنيا، تتجاوز وحشية الحيوانات المفترسة.

كان بامكان الحسين ان ينجو وأهله واصحابه بمجرد ان ينطق كلمة واحدة: (البيعة).. لكنه كان صاحب مبدأ: (خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدّي) والاصلاح مسألة اخلاقية، ولأنه وجد أن الحق ضاع: (ألا ترون أن الحق لا يعمل به)، ولأن الفساد قد تفشى وشاعت الرذيلة.. وكلها مسائل اخلاقية.وكان عليه ان يختار بين: ان يوقظ الضمائر ويحيّ الاخلاق، أو ان يميتها ويبقى حيا.. فاختار الموت.. وتقصّد أن يكون بتلك التراجيديا الفجائعية ليكون المشهد قضية انسانية أزليه بين خصمين: سلطان جائر.. وجموع مغلوب على امرها.

ما زلنا نغلّب الانفعال على القيم

تتذكرون جيدا كيف كانت الجموع الكبيرة تتوجه مشيا على الأقدام من محافظات العراق الجنوبية متوجهة الى كربلاء في عاشوراء. وتتذكرون ايضا ان احزاب السلطة كانت تقيم الولائم على طول الطرق المؤدية الى كربلاء.. وما يعنينا هنا ان طقوس العزاء كانت تستهدف الاستغراق في الجانب الانفعالي على حساب تفعيل القيم الأخلاقية التي تشكل جوهر ثورته.ولهذا سببان سنتحدث عنهما بالصريح وان كان يغيض كثيرين بينهم من هو في السلطة ولديه وسائله في افناء الآخر.

السبب الأول، التوحّد مع تراجيديا الحدث في مشهده الانفعالي.

ولكي نفهم الأمور بعقلانية، نوضح هنا نظرية خاصة بالدماغ خلاصتها: ان كل واحد منّا يمتلك عقلين: انفعالي يتعلق بالحزن، الغضب، الحب، الخوف.. وفكري يتعلق بالادراك والفهم والتعامل مع الأمور بعقلانية.. وأنه اذا نشط احدهما فأن الآخر يضعف او يتعطل.

والذي كان يجري طوال عشرين سنة ان العقل الانفعالي لجماهير واسعة كان يسيطر عليهم فيستغرقون في اللطم والبكاء والمبالغة في تجسيد مظاهر الحزن، ويتعطل لديهم العقل المنطقي الخاص بالقيم والمباديء التي ثار من اجلها الامام الحسين.

وثمة حقيقة سيكولوجية، ان المشهد الجماهيري الذي يوحّده تعاطف عميق مع فاجعة انسانية، يحصل فيه نوع من التنافس او التصعيد في تجسيد الانفعالات يكون فيها المعيار الدال على حب الحسين هو: كثرة الدم المسفوح على الكتفين من ضرب الزنجيل، او شدة احمرار الصدور من اللطم عليها، او غزارة الدموع في بكاء مستمر، او طول مسافة المشي على الاقدام نحو كربلاء.

ان هذه المعايير لا تعبر بالضرورة عن شدة الحب للحسين، فهنالك فئات من الشيعة، ومحبيه من غير الشيعة، يعبّرون عن حزنهم للحسين بأساليب راقية تدلل على ان حبهم له اكثر وعيا بقيمه وتضحيته من اجل الحق والعدالة الاجتماعية.

والسبب الثاني..

ان الاسلام السياسي كان على مدى السنوات السابقة يوظّف الاحتفاء بذكرى استشهاد الحسين لغايات سياسية.ولأنهم جماعات وكتل واحزاب فان التنافس يجري بينهم من خلال ما يصرفونه على الجماهير من طعام وشراب ومنام.. الهدف منها زيادة عدد ناخبيهم.. بعكس ميسورين يصرفون الكثير في حب خالص للحسين منزه من غايات دنيوية.

اساءات السلطة للأمام الحسين

القيم الكبرى في ثورة الحسين هي الوقوف بوجه ظلم السلطة وطغيانها وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حرية وكرامة الانسان التي اكد عليها الاسلام.فتعالوا نطبّق هذه القيم على السلطة في العراق بعد التغيير.

واقع الحال ان العراق.. الى الآن 2023.. فيه عالمان: عالم السلطة المحدد بمنطقة صغيرة في بغداد (10كم مربع)، وعالم كبير هو العراق.والذي حصل ان هذه المنطقة سرقت احلام العراقيين وجلبت لهم الفواجع اليومية، وأوصلتهم الى اقسى حالات الجزع والأسى: الترحم على الأيام التي كانت فيها هذه المنطقة حمراء!.وحصل ان السلطة في العراق عزلت نفسها مكانيا بأن احاطت وجودها بالكونكريت والحراسة المشددة، وعزلت نفسها نفسيا عن الناس.. ولو انها كانت قد اتبعت منهج الحسين لكانت قريبة من الناس لأن الحسين ساكن في قلوبهم.

وللأسف، ان اساءة السلطة للأمام الحسين وصلت الى الخارج.فبدل ان نقدم الحسين رمزا انسانيا لعالم افسدت أخلاقه السياسة فان تطبيقات السلطة واحزاب الاسلام السياسي ارتكبت اساءة بالغة بحقه أمام الأجانب.ففي مقالة لكاتب بريطاني اسمه(دافيد كوكبورن) نشرها في صحيفة الاندبندنت بعنوان: " كيف تحولت بغداد الى مدينة للفساد".. قال بالنص:

(احسست بألم وانا ارى شعارا مكتوبا على لافتات سوداء بساحة الفردوس: "الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن"!.

هذا يعني ان هذا الكاتب الاجنبي ادرك من ذاك الوقت التناقض الحاد بين قيم الامام الحسين وبين من تولى السلطة في العراق ويدعون انهم حسينيون.وللتاريخ فان ميزانية العراق كانت في حينها( 2013 ) تقارب ترليون دولارا.. اي ما يصل حاصل جمع ميزانيات العراق في ثمانين عاما!.وحينذاك ايضا حدث ان زخة مطر أغرقت بغداد وجعلوها العاصمة الأسوأ في العالم.

فأية اساءة أشدّ وجعا من اساءة يدعي اصحاب السلطة انهم (حسينيون) فيما اعمالهم تناقض مباديء الحسين وقيمه!.. وأقبحها انهم افقروا 13 مليون عراقي باعتراف وزارة التخطيط في 2018، بعد ان كانوا معدمين وصاروا يعيشون حياة باذخة ويشترون الفلل والشقق الفارهة في بيروت وعمان وشرم الشيخ ولندن وباريس.

الفاسدون هم.. الأقوى

يؤكد ذلك دليلان، الأول.. اعلان السيد حيدر العبادي يوم تولى رئاسة الوزراء (2014) بأنه سيضرب الفساد بيد من حديد، واصراره على ذلك (حتى لو يقتلوني) ، واعلانه بعد اشهر بأن الفاسدين يمتلكون القوة والمال والفضائيات.. وانهم مافيا ، مبررا انه لا ولن يستطيع.

والثاني، اعلان السيد مقتدى الصدر في (2020) انسحابه من العملية السياسية وامره باستقالة نواب التيار الصدري الذين يمثلون الكتلة الأكبر في البرلمان بعد عجزه عن تأليف حكومة أغلبية ، واعطاء مقاعده الثلاثة والسبعين لخصمه الذي يتهمه بالفساد.. ما يعني ان الفاسدين الذي (يذرفون الدموع عل الحسين) بتعبير الصدر.هم الذين يتحكمون بأمور البلاد والعباد.

وبرغم ان قراءة واقع الحال تجعلك عل يقين بأن الحسين لو خرج الآن في بغداد طالبا الأصلاح في أمّة جده ، فان اول من يتصدى اليه هم ساكنو المنطقة الخضراء، وبينهم من هو اقبح من الشمر بن ذي الجوشن!.. فانه سيبقى يخشاه كل حاكم مستبد بالسلطة والثروة، وان أطمأن قلبه!.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

لم يبق من جمهوريّة اليمن الديمقراطية الشعبية سوى العَلم، الذي يُرفع بعدن اليوم، وأحاديث الذكريات، يُدلي بها الأحياء المتقاعدون مِن جيل الثّورة والدولة. يتسامر بها الرفاق المتقاتلون ببلدان الاغتراب. سيتعجب من عاش واقعة الاثنين 13 يناير 1986، عندما يرى صورةً، بعد (37 عاماً)، تجمع علي سالم البيض وأبو بكر العطاس، يتوسطهما المحكوم بالإعدام في زمنهما، علي ناصر محمد، وسيقول: ماهو ثمن الدّماء وهدم البناء، ولم يبق سوى الصّدى؟!

لم يؤرخ للدولة الذّائبة، وكأنها نسياً منسياً، بهذه التّفاصيل الدّقيقة، وبهذا الجهد الموثق مِن ظهورها(1967)، وحتى ذوبانها(1990)، غير رئيسها وأمين حزبها الأسبق عليّ ناصر محمَّد، في «ذاكرة وطن»(دار المدى 2020)، فما صدر غيره كان ذكريات ودراسات.

كان علي ناصر محمد، ومِن لحظة إعلانها في 30 نوفمبر 1967 حتَّى 13 يناير 1986)، في موقع المسؤولية: محافظاً، وزيراً، ثم جُمعت له المناصب الأولى: أمين الحزب ورئيس هيئة الرئاسة ورئيس الوزراء، أُخذ منه الأخير، قُبيل مذبحة المكتب السّياسيّ(1986). لذا أتى كتابه موثقاً بالمحاضر والرَّسائل والأسماء، وكأنه نقلَ معه عصر 13 يناير 1986، محمولاً في ذاكرته، وهو يعبر إلى اليمن الشَّماليّ، أرشيف الدَّولة كاملاً، بينما كان يعتقد ما هي إلا ساعات ويعود.

أصفُ «ذاكرة وطن.. جمهورية اليَمن الديمقراطية الشعبيَّة 1967-1990»، بصفحاته الستمئة، بـ«مُتحف دولة». حوى قرارات التَّأسيس، وصراع الجبهتين: التَّحرير والقوميَّة، إلى بناء الحزب الاشتراكي، الوزارات والانقلابات، ومَن قُتل ومَن نجا. كيف تشكلت الدَّولة مِن(23) سلطنةً، كان لكلِّ منها علمٌ وحدودٌ. بدأت تُعرف المحافظات بالأرقام. كيف كان الصِّراع بين اليمين واليسار، والأخير واليسار المتطرف، الذي كان المقهى الحديث عنده مشروعاً برجوازيّاً.

انعكس الصِّراع العقائدي العالمي على رمال ساحل أبين مِن عدن حتى المكلا، والتَّأثر بالعصبية العقائديّة، وكانت عربياً على أشدها، حتى نالت الغزل، فقال أحدهم وشاع: «عيناك مطرقة وأنفُكِ منجلٌ/ والبعدُ عنكِ موقفٌ تكتيكيّ/ والخصرُ فيكِ مُنظَّمٌ ومؤدلجٌ/ لم يرتبط بمخططٍ أمريكيّ». زمن كان فيه إنشاء الوهم أمضى مِن واقع البناء.

غير أنّ ذلك لا ينفي، ما كانت تتمتع به عدن وتوابعها بالأمان، وثبات الأسعار، وقوة التّعليم واختلاطه، والسيطرة على تعاطي القات، ولولا الشّعارات التي أخذتها بعيداً، ما صارت مجرد «ذاكرة وطن». كانت تهمة «انفصاليّ» جريمةً، والمؤتمرات الحزبيّة تعبأ بالعداء للدول المصنفة آنذاك بالرَّجعيّة، على حِساب بناء الدّاخل.

أشار عليّ ناصر محمّد إلى الثَّوريّ الأردنيّ نايف حواتمة في تكريس التطرف، ليس مستغرباً أنّ تكون لحواتمة كلمة بعدن، لصفته التنظيمية في «حركة القوميون العرب»، والجبهة القوميّة الحاكمة بها فرعٌ لتلك الحركة. تحت هذا التثوير تمت التضحية بعقلانيّة قحطان الشّعبي(ت: 1982) وفريقه، بما عرف بـ«الخطوة التصحيحيَّة»(1969)، وتواترت النِّزاعات، التي أعطيت مسميات: «اليسار واليمين»، «الطُّغمة والزّمرة»، والتّسمية الأخيرة نتاج القاضيّة(13 يناير 1986) لتسهل الدّخول في الوحدة، التي كان يتحمس لها الجنوب(الثّوريّ)، يقابله تردد الشّمال(الرّجعيّ)، فالوضع بينهما يتبع ما بين المعسكر الاشتراكيّ والمعسكر الرأسماليّ.

تستغرب كيف ذهبت دَولةٌ أدراج الرِّياح، ويتلاعب بها شخص غريب عليها مثل حواتمة، تهمه راية الثورة لا الدولة. رأينا حواتمة وقد حضر دفن قتلى(1986) بعدن، وكأنه يواري تطلعاته. كانت النَّتيجة أنْ تتحول دولة ذات قوام وثروات إلى كتاب «ذاكرة وطن»، وهو بمثابة ضريحها، فحرب صيف(1994) لم تبق ولم تذر، إلا ما حفظته الصّدور، كصدر مؤلف الكتاب.

أقول: لأنني عراقي مأخوذ بالقلق والشَّجن، شعرتُ كأنّ الرَّئيس قد استوحى عنوانه مِن شعار قتلى ساحات التّظاهر بالعراق: «نريد وطن»، خشية مِن ضياع عراقهم، في خضم المأساة، فيمسي مجرد «ذاكرة وطن»!

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

الحرب الأوكرانية التي تشتد خطورة مُتْخَمَةٌ بالمفاجآت؛ لأن التكتيكات العسكرية فيها سريعة الإيقاع في ظل استراتيجيات حربية متصاعدة ومتغيرة وتستخدم فيها الأسلحة النوعية وصولاً إلى القنبلة العنقودية التي يكون حصادها في الغالب من المدنيين، وقد يصل التصعيد الأعمى إلى درجة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية المحتمل! حيث تتوفر لدى الطرفين.

لكنها -أيضاً- استراتيجية تتشابه في الأهداف المرحلية لدى طرفيِّ النزاع، فروسيا الاتحادية من جهة.. وأوكرانيا إلى جانب الناتو من جهة أخرى.

كونها تقوم في هذه المرحلة على مبدأ إطالة أمد الحرب بغية استنزاف كلِّ طرفٍ لخصمه، وبالتالي إخضاعه لشروطه القاسية في أية مفاوضات محتملة.

وحسب بلينكن الذي قال-في مقابلة مع شبكة "c n n"- : "لن ينتهي الأمر خلال أسبوع أو اثنين، نظن أنه سيستمر عدة أشهر".. أي مدة مفتوحة.

وتتجلى أهم الشواهد على تَطَوّرِ الاستراتيجيتين نحو حرب الاستنزاف، بذلك الهجوم الأوكراني المضاد المتعثر والمدعوم من قبل الناتو، حيث فشل بسبب انتشار حقول الألغام الروسية الذكية التي حوّلت ميدان المعركة إلى مصيدة للدبابات المتفوقة.

فأوكرانيا تحاول يائسة الضغط على الروسيين باستهداف العمق الروسي أو ضرب مواقع في شبه جزيرة القرم مثل الجسر الذي يربط القرم بالبرّ الروسي ناهيك عن الهجوم الأوكراني يوم أمس الاثنين بمسيّرتين على مبنى وزارة الدفاع الروسية في موسكو فأصاب مبنى مجاور.

وذلك بهدف زعزعة الأمن في روسيا لحشر بوتين في الزاوية وتهيئة الظروف لانقلاب بعض قوى الداخل عليه تأسياً بتمرد فاغنر المبهم.

وهذا لا يعني بأن أوكرانيا باتت قادرة على الصمود في وجه القوة الروسية الضاربة والقادرة على التحكم بقواعد الاشتباك؛ بل أنها خاضعة لضغوطات أمريكية دؤوبة تسعى لإطالة أمد الحرب كهدف أمريكي بغية تقسيم الاتحاد الروسي، وهذا ليس خافياً على أحد.

فمنذ بداية الهجوم المضاد الأخير قتل أكثر من 24 ألف جندي أوكراني من النخب إلى جانب تدمير 20% من العتاد الغربي المتفوق على نحو دبابة ليوبارد الألمانية وأبرامز الأمريكية.. حيث أن نفاد الأسلحة النسبي في مستودعات الغرب وعدم القدرة على مواكبة غزارة الانتاج الروسي للأسلحة النوعية، دفع الناتو لتحويل المعدات المتضررة نسبياً إلى مراكز الصيانة في بولندا.

وإذا أخذنا في الاعتبار عزوف الشباب على الالتحاق بالجيش الأوكراني وترك مجموعات من الجنود مواقعهم في جبهات القتال، فإن ذلك تسبب بهبوط الروح المعنوية التي يجاهد الإعلام الغربي لرفعها من خلال بث الأضاليل.

وفي ذات السياق قال كبير المستشارين في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، فرانز غادي: إنّ “القوات المسلحة الأوكرانية لا تزال تفتقر إلى المهارات اللازمة للقيام بعمليات واسعة النطاق".. عازياً سبب فشل القوات المسلحة الأوكرانية في هجومها المضاد- رغم الدعم الغربي المفتوح- إلى عدم القدرة على التصرف بشكل متزامن مع الأسلحة المشتركة، إذ أن طبيعة الهجوم لن تتغير إلا إذا أصبحت الهجمات أكثر منهجية.

وهذه شهادة خطيرة من مركز دراسات مؤيد لأوكرانيا في حربها الطاحنة مع روسيا.

مقابل ذلك تنتهج موسكو نفس استراتيجية الاستنزاف إزاء الغرب فتقوم باستهداف أوديسا التي تضم ثلاثة مواني تستخدم عادة في نقل الحبوب إلى العالم وأوروبا بالتحديد، وتدمير- كذلك-أكبر صوامع الحبوب في المدينة، وغلق منافذ تصدير هذه المادة الغذائية الأهم على صعيد العالم من أوكرانيا بإنهاء اتفاقية الحبوب المبرمة في يوليو 2022، بين روسيا وأوكرانيا التي تمت بوساطةٍ من تركيا والأمم المتحدة، وبموجبها، سُمِحَ للسفن المحملة بالحبوب في الإبحارُ نحو وجهاتها عبر البحر السود الذي تحول بفعل هذا القرار إلى بحيرة روسية مقفلة، فلا يُسْمَحُ بتوجه السفن نحو ميناء أوديسا بذريعة أنها كانت تُسْتَغَلُّ في نقل الأسلحة إلى أوكرانيا ومنصات لإطلاق المسيرات من على متون بعضها، فاستهدفت مؤخراً جسر القرم وقاعدة التدريب الروسية في شبه الجزيرة، ويُعَدُّ هذا بالنسبة لروسيا من الخطوط الحُمْر.

القرار الروسي الاستراتيجي وضع العالم وخاصة أوروبا على محك أزمة قمح ستؤثر سلبياً على الجميع ما لم يفي الغرب بمستحقات روسيا من الاتفاقية على نحو: وقف الحصار عن الشركات الغذائية والأسمدة والأمونيا الروسية إلى جانب رفع الحظر عن البنوك الزراعية المعنية بتطوير هذا القطاع المؤثر عالمياً وإعادتها إلى نظام سويفت.

ويبدو أن استهداف القرم كان ضمن استراتيجية الناتو الجديدة التي تقررت مؤخراً في مؤتمر الناتو الذي انعقد في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، بغية إنهاك روسيا بعد أن تبين لهم استحالة تحقيق الأهداف الميدانية لأكرانيا، لاستحكام الجيش الروسي خلف مزرعة واسعة من حقول الألغام الذكية واستخدام صواريخ 3أم-54 كاليبر التي تطلق من السفن والغواصات بحراً وبراً فيما يصعب رصدها.

وتؤكد مجلة فوربس الأميركية أن "القوات الأوكرانية تكبدت خسائر كارثية خلال محاولتها تجاوز حقول ألغام روسية في مالايا توكماتشكا بجنوب أوكرانيا، وأن المراقبين تفاجؤوا بتلك الخسائر".

ووفق ما جاء في غازيتا الروسية: فإن " هذا الهجوم الفاشل أسفر عن خسارة في صفوف الأوكرانيين تعادل كتيبة كاملة".

وبالنسبة للغرب فكانت الصدمة تكمن في عدم تأثر الاقتصاد الروسي بِحِزَمِ العقوبات التي فُرِضَتْ عليه حتى بإخراج روسيا من نظام سويفت؛ وتجلت العافية في الاقتصاد الروسي أكثر بتحرك روسيا في إطار مجموعة بريكس بإصدار عملة موحدة للمجموعة ستطرح في مؤتمرها المقبل بجنوب أفريقيا في أوغسطس 2023، ما سيشكل ضربة لمكانة الدولار عالمياً.

ووفق ما قاله نائب رئيس مجلس الدوما الروسي ألكسندر باباكوف فإن هذه العملة الجديدة ستُنشأ على أساس استراتيجي، وليست قائمة على الدولار أو اليورو، وإن تأمينها سيكون بالاعتماد على الذهب والسلع الأخرى مثل المعادن النادرة.

وهذا قد يضع تفسيراً منطقياً لدراسة الغرب خيار حظر التعامل مع الذهب الروسي عالمياً مع أن هذا الخيار قد يربك الصناعات الدقيقة التي لا تستغني عن المعادن الروسية النفيسة.

ويأتي هذا خلافاً للأزمات المتفاقمة والاضطرابات التي تشهدها بعض دول الاتحاد الأوروبي- فرنسا على سبيل المثال- بسبب التضخم الناجم عن دعمها للحرب الأوكرانية التي خرجت من عقالها وتحولت إلى حرب استنزاف مفتوحة على المجهول.

أما المفاجأة غير السارة بالنسبة للناتو على هامش الحرب الأوكرانية فتكمن في أن الناتو الذي وضع كل ثقله في الحرب الأوكرانية بات يستشعر خطراً داهماً آخر في منطقة بحر البلطيق.

وكان بوتين يتحرك بذكاء قل نظيره! ضمن الاستراتيجية الروسية في جانبها المبهم، على اعتبار أن روسيا أخرجت قوات فاغنر من أراضيها متبرئة من افعالها بعد الانقلاب الفاشل.

لذلك قال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما (البرلمان الروسي) أندريه كارتابولوف في وقت سابق: إن بريغوجين قائد قوات فاغنر أُبلغ بأن قواته لن تشارك في العمليات العسكرية بأوكرانيا بعد رفضه توقيع عقد مع وزارة الدفاع الروسية.

لكن فاغنر لم تصفّى؛ بل انتقلت للعمل في بلاروسيا وتعاقدت مع الجيش هناك لتدريب أفراده.. وهذا الأمر جعل البولنديين في حالة تأهب خوفاً من تعرض بلادهم لهجوم مباغت من جهة بلاروسيا.

وقد تزامن ذلك مع تحذير بوتين لأي جهة قد تستهدف الأراضي البلاروسية على اعتبارها جزءاً معنوياً من الاتحاد الروسي.. ثم يأتي تنصل لوكاشينكو الذي قدم الحماية لجماعة فاغنر منوهاً في آخر لقاء له مع بوتين في سان بطرسبورغ في أن هذه القوات تريد الذهاب لبولندا، ولولاً ضغوطه لتوجهوا إلى وارسو.

وشدد لوكاشينكو - خلال اللقاء- على أن تجزئة أوكرانيا وضم مناطقها الغربية إلى الأراضي البولندية أمر غير مقبول بالنسبة لبيلاروسيا، مؤكدا أنه إذا لجأت بولندا إلى هذه الخطوة فإن بيلاروسيا ستقدم الدعم لسكان المناطق الأوكرانية الغربية بكل الطرق المتاحة.

ولكن! ماذا لو أن روسيا باغتت الغرب من خلال مجموعة فاغنر لدرء الخطر المحدق بكالينغراد الروسية المحاصرة بحكم الجغرافيا! من خلال السيطرة على ممر سوالفي البري "ثغرة النيتو في بحر البلطيق" والذي يُحَدُ ببلاوسيا من جهة الشرق، والحدود الشرقية المشتركة الليتوانية البولندية في الجهة المقابلة؟.

ويشكل هذا الممر الطريق البري الوحيد بين كالينغراد وروسيا عبر بلاروسيا؛ لذلك تسعى روسيا من خلال مليشيات فاغنر إحكام السيطرة عليه لقطع الطريق عن الناتو الساعي لعزل كالينغراد الروسية في مرحلة ما.

وتجدر الإشارة إلى أن سكان تلك المنطقة هم سلافيون شرقيون يتبعون الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ولو تم ذلك فلدى روسيا وبلاروسيا ما يثبت عدم تورطهما في ذلك على اعتبار أن جماعة فاغنر -كما اسلفنا آنفاً- مليشيات مستقلة وتعتمد على المرتزقة وتسعى للانتقام من بولندا التي تحولت إلى مركز لوجستي داعم لأوكرانيا، ما تسبب بمقتل أكثر من 20 الف مقاتل من رجالها في باخموت! فهل ينجح بوتين في ذلك؟.

وهذا من شأنه تهديد الناتو في بحر البلطيق ما لم تنفذ تركيا وعودها بالسماح لستكهولم بالدخول في الناتو.

***

بقلم: بكر السباتين

25 يوليو 2023

هل نحن مقبلون على حرب المعتقدات؟!

في الساعة الحادية عشرة من صباح الاربعاء (7/1/2015) دخل مسلحان مبنى صحيفة (شارلي ايبدو) في باريس وناديا بالاسماء على كادرها بدءا بمديرها وقتلوا اثني عشر شخصا بينهم خمسة من رسامي الكاريكتير كانوا قد نشروا فيها رسوما تسخر من النبي محمد.. وبأقل من عشر دقائق انتهى المشهد الاجرامي الذي وصف بأنه الأكثر دموية في فرنسا منذ اربعين عاما، ولاذ المسلحان بالفرار وهما يهتفان (الله أكبر.. انتقمنا للرسول انتقمنا للنبي محمد).. وانتهت الدراما بقتلهما على ايدي الشرطة الفرنسية في (9/1/2015).

وفي يوم الأحد (11/1/2015) شهدت باريس اضخم مسيرة ادانة وتضامن، قدّرت بملايين يتقدمها رؤساء وممثلو خمسين دولة. وفي (13/ 1/2015) صدر اول عدد من صحيفة (شارلي ايبدو) بعد الحادث بخمس ملايين نسخة بعد ان كان معدل ما تطبعه ستين الفا، و بـ(16) لغة بينها اللغة العربية بعد ان كانت تنشر بست لغات.. تصدرت غلاف العدد صورة للنبي محمد يحمل لافته مكتوبا عليها (أنا شارلي).. مع دمعتين على الخدين.. وقد اعادت نشره صحف يسارية في اوروبا وتركيا فيما تجنبت صحف امريكية ووسائل اعلام مرئية نشر رسوم ذلك العدد.وقد اصرّ القائمون الجدد على مواصلة المجلة نهجها في السخرية من الأديان، فيما استنكر الازهر تلك الرسوم التي وصفها بالخيال المريض، وبانها منفلتة من كل القيود الاخلاقية، وانقسم العالم الى فريقين.. في تظاهرات ومسيرات مؤيدة لنهج (شارلي) واخرى معارضة ومنددة في دول اسلامية.

لم تكن صحيفة شارلي هي اول من تنشر صورة تسخر من النبي محمد، ففي 30 ايلول (سبتمبر) 2005 نشرت صحيفة بولاندس الدانماركية صورا ساخرة للنبي محمد، تبعتها في 10 كانون الثاني 2006 صحيفة (مكازنيت) النرويجية و(دي فيلت) الالمانية وصحف اوربية اخرى باعادة نشر تلك الصور، اثارت غضبا عنيفا تجسّد في احتجاجات شعبية ورسمية كبيرة في العالم الاسلامي.. تبعتها اعمال عنف بينها اشعال النار في مبنى سفارتي الدانمارك والنرويج واحراق القنصلية الدانماركية في بيروت.

كان لتلك الصور هدفان رئيسان، الأول سياسي (رسم رجل ملتحي بعمّة كتب عليها "لا إله إلا الله" وفتيل مربوط بقنبلة).. ما يعني ان الدين الاسلامي دين عنف، والثاني اخلاقي او قيمي تمثله صورة تشير الى ان النبي محمد كان يضطهد النساء.. ما يعني ان الهدفين يفضيان بالتبعية الى مقارنات بين الأنبياء من جهة وبين الأديان من جهة اخرى!. وان ما حدث لشارلي هو البدء باعلان المواجهة الصريحة بين الايمان والالحاد.. قد تفضي الى معارك يسيل فيها الدماء ويسجلها التاريخ بعنوان (حرب الانبياء).

وفي 21/ 7 / 2023 قام شاب من اصل عراقي اسمه (سلوان موميكا) بحرق نسخة من القرآن في العاصمة السويدية ستكوهولم، اتبعها بعد اسبوع بركل نسخة من القرآن بقدمه وحرق العلم العراقي امام السفارة العراقية في استكوهولم.. نجم عنه اقتحام متظاهرين مبنى السفارة السويدية في بغداد وحرق اجزاء منها، وقيام العراق بطرد السفيرة السويدية واستدعاء ممثله في استوكهلم، وتصاعد موجة من الاحتجاجات والغضب الجماهيري في بغداد ومسلمين في مدن سويدية. وقبل (سلوان) قام يميني متطرف دانماركي اسمه (راسموس بالودان) بحرق نسخة من القرآن امام السفارة التركية بالسويد لدوافع وصفت بانها كانت للتنديد بالمفاوضات التي تجريها السويد مع تركيا . ولم تكن الردود العربية الرسمية بمستوى ما وصف بان حرق القرآن يعد جريمة، مع ان الحكومة السويدية وصفت ما قام به سلوان بانه (حرية تعبير).

وللتاريخ فان حرق نسخ من القرآن ليس جديدا بل يعود الى عام 1530، وتكرر الفعل عدة مرات في اثناء الحروب الصليبية، ما يعني ان مسلسل حرق الكتب المقدسة سيستمر.. وانها قد تفضي الى حرب تتوحد مع (حرب الأنبياء) بعنوان اكبرهو.. حرب (المعتقدات).

الأيمان بالعقيدة.. حق ديمقرطي

تعرّف (العقيدة) بأنها المعلومات التي تربط بالعقل ويتقبّلها ويعتقد بها بنحو قطعي يقيني، فتصبح محكمة ومشدودة ومربوطة، لأنها ماخوذة من الفعل (عقد) الذي يعني الاحكام والشد والربط كقولك (عقدت الحبل). ويضيف الفقهاء بان العقيدة الصحيحة هي الثوابت العلمية والعملية التي يجزم ويوقن بها صاحبها. ويرى آخرون ان العقيدة هي ما يعقد عليه الانسان قلبه، ويؤمن به ايمانا جازما، ويتخذه مذهبا ودينا يدين به. ويرى فريق آخر بان العقيدة تعني الايمان الجازم، والحكم القاطع الذي لا يتطرق اليه شك، وانها ما يؤمن به الانسان ويعقد عليه ضميره، وتطمئن اليها نفسه، ويتخذها مذهبا ودينا بغض النظر عن صحتها من عدمها. ويحدثنا التاريخ عن قادة كبار وسياسيين مناضلين قتلوا لأنهم رفضوا التخلي عن معتقداتهم سواء كانت دينية او سياسية.

هذا يعني ثلاث حقائق:

ان ثمانية مليار انسان في عالم اليوم، يتوزعون على عدد لا يحصى من المعتقدات.

ان المعتقدات التي يؤمنون بها، بينها الضد وضده النوعي، مثال ذلك: الأيمان والألحاد.. وان جماهير الضدين قد يصل المليارين.

ان أي حرب تقوم بين الضدين ستكون ضحاياها بالملايين.

المشكلة في.. حرية التعبير

تعد (حرية التعبير) احد اركان الديمقراطية .. وثمة سوء فهم هنا في الخلط بين المقصود بحرية التعبير للصحافة والأعلام في النظام السياسي، وبين حرية الفرد في التعبير.والشرط الأساس هنا يكون بأن لا تتضمن حرية التعبير الأساءة الى معتقد جماعة، حتى وان كنت تراه سخيفا.ما يعني انه لا يحق للمسلم او المسيحي او اليهودي ان يسخر من الهندوس الذين يقدسون البقرة. ولا يحق لأي مؤمن بدين معين ان يسخر من معتقدات مؤمن بدين آخر .

وفي التشخيص السيكولوجي فأن اخطر الأفراد في هذه القضية هم المصابون بـ(الحول العقلي) .. وهو مصطلح ادخلناه في علم النفس العربي يعني ان المصاب به يرى كل ما هو ايجابي في معتقده ويغمض عينيه عما هو سلبي فيه، ويرى كل ما هو سلبي في معتقد الآخر ويغمض عينيه عما هو ايجابي فيه، وأن معتقده هو الصح ومعتقد الآخر خطأ.. ويمكن ان نصف الحول العقلي بأنه مرض الشعوب العربية.

وعليه، فان الضمانة الحقيقية لأن يعيش ثمانية مليار انسان بسلام هو ان تحترم حكومات العالم معتقدات الأديان ولا تسمح بالأساءة لها. وان يكون الحوار العلمي هو الوسيلة للتفاهم .. وبدونه فأن حرب (المعتقدات) قادمة.. وقد يشعلها من يمتلك الذكاء الأصطناعي للسيطرة على الشعوب المأزومة!.

***

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

يخيل لي أن شيخ الدبلوماسية الأميركية هنري كيسنجر، كان سيفضل أن تكون زيارته إلى بكين الخميس الماضي سرية، مثلما كانت رحلته الأولى اليها قبل أكثر من نصف قرن. غير أن العالم تغير تماماً، وما كان يمكن أن يكون سرياً في ذلك الزمان أصبح الآن من المستحيلات في ظل التطور الهائل في وسائل الاتصالات والإعلام وثورة التكنولوجيا والمعلومات، وفي هذا الشأن تكتب هيلاري كلينتون في مذكراتها عن عملها وزيرة للخارجية: « مازحتُ هنري بأنه كان محظوظاً لأن الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي لم تكن موجودة عندما قام بأوّل رحلة سرية إلى الصين. تخيّل لو حاول وزير خارجية القيام بذلك اليوم».

ومنذ تلك الرحلة السرية التاريخية التي قام بها وزير الخارجية الأميركي في تموز 1971 والتي مهدت لزيارة نيكسون في العام التالي، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس أميركي إلى الصين بعد سنوات طويلة من التوتر والخلاف والعداء بين البلدين، زار كيسنجر الصين بعدد سنوات عمره المائة، لكن يبقى لزيارته هذه التي تحمل الرقم 100 أهمية خاصة تقترب من أهمية الرحلة السرية الأولى، على الرغم من أنه غير مكلف من واشنطن، ولا يشغل أي منصب سياسي أو دبلوماسي فيها، ولا يمثل إلّا نفسه وحجمه وتاريخه ومكانته في عالم الدبلوماسية العالمي خلال قرنين متتاليين، ذلك أن هذه الرحلة تأتي والعلاقة بين البلدين ليست على ما يرام، وقد تكون أعقد من تلك العلاقة التي فككها قبل أكثر من خمسين عاماً، كما أنه يعرف بحكم علاقاته الطويلة مع الصينيين، وصداقته الحميمة مع رئيس وزرائهم التاريخي شو إن لاي، بأنهم يحترمون الصداقة ولا ينسون الصديق الذي يديم التواصل معهم، وهناك مَثل شعبي صيني يدعوك إلى عدم الامعان في الغياب عن الأصدقاء، فقد يؤدي بهم ذلك إلى نسيانك، وكيسنجر يعرف أكثر من غيره أن الصينيين لم ينسوه أبداً، ولم يخب ظنه فقد استقبلوه وهو «المواطن العادي» في المبنى رقم 5 بدار ضيافة الدولة الذي التقى فيه شو إن لاي خلال زيارته السرية الأولى في إشارة ذات مغزى، وأعدوا له استقبالاً بروتوكولياً، واحتفى به الرئيس الصيني شي جين بينغ، وكأنه مازال وزيراً للخارجية، وذكره بأن الشعب الصيني يثمن الصداقة، ولن ننسى أبداً صديقنا القديم، كما التقى عدداً من المسؤولين الكبار ومنهم وزير الدفاع، مما أثار غيض البيت الأبيض لأن مواطناً عادياً يتمكن من لقاء وزير الدفاع وإجراء اتصال، ولا تستطيع الولايات المتحدة ذلك!.

كان كيسنجر قد التقى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ لأول مرة عندما كان ضمن طاقم الرئيس ريتشارد نيكسون الذي زار الصين بعد تلك الرحلة السرية لوزير خارجيته، والتقاه مرة ثانية في شباط من العام 1973 وقد بلغ ماو الثمانين، ويصفه كيسنجر في مذكراته بأنه طاعن في السن وقد « تقدّم في العمر كثيراً ليستطيع السير بثورة جديدة «، لكنه لا يشعر اليوم بأنه تقدّم في العمر كثيراً « 100 عام وبضعة أشهر» ليتمكن من فتح باب جديد يفضي إلى تلطيف الأجواء، وتهيئة السبل التي قد تفضي إلى حوار جديد بين بلده والصين وهو من دون أية مسؤولية أو منصب حكومي. ومن طريف ما يذكره هنري كيسنجر عن لقاءه مع ماو تسي تونغ خلال زيارته للصين في شباط 1973 . وكانت صحة ماو غير جيدة في تلك السنة، ومع ذلك فإنه مثلما فعل مع الرئيس نيكسون قبل عام استدرج كيسنجر إلى « حديث سقراطي مرح «، وقد ذهب للقاء ماو مستقلاً سيارة شون إن لاي القديمة، موديل 1939 « وكلّها مخلّعة «، ثم يصف المكان الذي استقبلهم فيه الزعيم الصيني:» كان يجلس، تجاه نصف دائرة من المقاعد، مغطاة بقماش أسمر اللون، الكتب مبعثرة في كل مكان، في الأرض، أمام ماو، على الطاولات الصغيرة، بين المساند، على الرفوف، إلى جانب الجدران!! «. وبعد حوار ونقاش فاجأه ماو بالقول: « انكم تعلمون ان الصين بلاد فقيرة جداً، ليس لدينا أشياء تعتبر زائدة، سوى النساء»!. اعتقد كيسنجر أن ماو كان يمزح معه، فأجاب بلهجة معينة لا تبدو أنه قد فهم هذا الكلام، فأكمل ماو حديثه: « دعوهّن يطأن أرض بلادكم، فانهم مدعاة للسكينة، وبهذا تخففون حملاً عن كاهلنا «. وهنا قهقه عاليا» !!، ثم قال :» لذلك إذا رغبتم في الحصول على بعضهن، فاننا قادرون على تزويدكم ببعض عشرات الآلاف». وكرر ماو مثل هذا الكلام مرة أخرى، لكن كيسنجر لم يفهمه جيداً، مما اضطره ليستعين بزوجة مساعده ومرافقه في الزيارة ونستون لورد التي أخبرته بأن « الوضع في الصين لم يكن مستقراً كما يبدو، والنساء، ويعني منهن جيانغ كينغ زوجة الرئيس ماو، رئيسة الجناح اليساري، وكن هؤلاء النساء يُثرنَ الاضطراب في الصين».

مضت على هذه الذكريات نصف قرن بالتمام والكمال، توفي ماو بعد هذا اللقاء بثلاثة أعوام عن عمر 83 عاماً، وقبله بتسعة أشهر توفي شو إن لاي ولم يكن قد بلغ الثمانين، وتوفي الرئيس نيكسون عن عمر 81 عاماً، أما زوجة ماو فقد شنقت نفسها في السجن وعمرها 77 عاماً.

 وبقي هنري كيسنجر دبلوماسي القَّرنين بلا منازع.

***

د. طه جزّاع

المبحث السادس – الفساد في المنافذ الحدودية العراقية

يمتلك العراق ثلاثة أنواع من المنافذ الحدودية، وهي البرية والبحرية والجوية، إذ يؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي “هيثم محمد” في حديثه لوكالة “يقين” على أن للعراق 24 منفذا حدوديا بريا وبحريا مع الدول الست المجاورة له، وهي كل من السعودية والكويت والأردن وسوريا وتركيا وإيران، مشيرا إلى أن معظم هذه المنافذ مسيطر عليها من قبل الميليشيات المسلحة والمتنفذين من قادة الأحزاب السياسية في واحد من أخطر ملفات الفساد في البلاد، بحسبه.

ويعدد محمد المنافذ الحدودية العراقية، وهي كل من منفذ مطار بغداد الدولي ومطار النجف ومطار الناصرية والبصرة ومنفذ الشالجية والشيب وسفوان والزبير والخور، إضافة إلى منفذ ميناء المعقل وأم قصر الشمالي وأم قصر الجنوبي والشلامجة وزرباطية والمنذرية ومندلي وميناء أم فلوس وطريبيل وربيعة والقائم والوليد ومنفذ المنطقة الحرة (عويريج) [1]. ويشير محمد إلى أن هذه المنافذ هي تلك التي تخضع لسلطة الحكومة الاتحادية يضاف لها منفذ مطار الموصل الدولي المتوقف عن العمل فضلا عن منافذ كردستان العراق. هذا وتخضع جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية قانونا لهيئة المنافذ الحدودية وتتولى مسؤولية استحصال الجمارك فيها كل من هيئتي الضرائب والجمارك التابعتين للحكومة.

يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد “وائل عبد الحسين” في حديثه لوكالة “يقين” إن المنافذ الحدودية في جميع بلدان العالم تعد منافذ سيادية تتحكم فيها الدولة بالكامل، ولا مجال لتدخل أي شركات استثمارية أو أحزاب في السيطرة عليها، إلا أن العراق ومنذ العام 2003 شهد انقلابا في الوضع الطبيعي الذي ينبغي أن تكون عليه المنافذ الحدودية بأنواعها من مسؤولية الحكومة حصرا.  ويخسر العراق يخسر ما يقرب من 8 مليارات دولار جراء الانفلات في السيطرة على المنافذ الحدودية، لافتا إلى أنه ومن خلال دراسة أعدها عبد الحسين مع مجموعة من طلابه، فإنها كشفت أنه وفي حال سيطرة العراق على منافذه الحدودية وإغلاق المنافذ غير الرسمية فيه، فإن واردات هذه المنافذ يمكن أن ترفد العراق بنحو 15 مليار دولار سنويا – كحد أدنى –، باستثناء ورادات منافذ شمال البلاد -كردستان-، خاصة أن العراق يعتمد على الاستيراد في جميع مفاصله الاقتصادية [2]. ويختتم عبد الحسين حديثه بالتأكيد على أن عملية السيطرة على المنافذ تحتاج لإرادة حكومية قوية وقوات أمنية غير ملوثة بالفساد، وبغير ذلك فإن الوضع القائم سيستمر. ولا يكاد يوجد منفذ حدودي في العراق إلا وهناك توغل لميليشيات مسلحة أو حزب سياسي فيه، بهذه الكلمات يصف مصدر أمني رفيع المستوى في وزارة الداخلية الوضع في المنافذ الحدودية العراقية.

ويكشف المصدر لـ “وكالة يقين” أن المنافذ الحدودية التي تنشط فيها الميليشيات والأحزاب تقع غالبيتها في الجانب الشرقي من العراق كحدود مع الجمهورية الإيرانية، إضافة إلى المنافذ البحرية بأكملها ومنفذ حدودي آخر بمحافظة الأنبار. ويؤكد المصدر على أن الأحزاب تسيطر على المنافذ منذ أكثر من  16 سنة ، إلا أن السيطرة الفعلية على المنافذ من قبل الميليشيات بدأت بالتسارع منذ العام 2014. ولهذا فإن ملف المنافذ الحدودية العراقية يعد من أكبر أبواب الفساد في البلاد وأوسعها، وأن هناك سيطرة واضحة للمسلحين على المنافذ الحدودية من شمال العراق إلى جنوبه.  وهناك منافذ تدخل البضائع منها دون تأشيرة جمركية ومن دون فحص لسيارات النقل فضلا عن عدم معرفة مسؤولي المنافذ بنوع المواد أو البضائع الداخلة للبلاد والتي تتخللها كميات كبيرة من المخدرات في كثير من الأحيان. وهذه كلها تسيطر على المنافذ البحرية والبرية الممتدة من خانقين في ديالى وحتى جنوب الحدود الإدارية لمحافظة البصرة جنوبا.

وتسيطر الميليشيات  كذلك بشكل كبير على منفذ القائم الحدودي، ولديها منفذان آخران غير رسميان مع سوريا يتمثلان بما بات يعرف عراقيا بمنفذ (السكك البرية) مع سوريا، إضافة إلى منفذ (السنجك) الذي يمتد عبر المهر ويصل إلى منطقة الباغوز السورية. وبطرق ملتوية وشركات وهمية وأخرى مسجلة تستخدمها الفصائل المسلحة والأحزاب من أجل تيسير سيطرتها على الموانئ العراقية جنوب البلاد، يسيطرون على المنافذ البحرية وأرصفتها.

ويضيف منتظر البدري في حديثه لوكالة “يقين” أن هذه السيطرة تتم من خلال تأسيسهم لشركات تجارية وأخرى مختصة بالاستيراد والتصدير كواجهة لها، إذ تحكم كل ميليشيا أو حزب سيطرتها على مجموعة من الأرصفة، كما أن لكل فصيل أو حزب تخصص معين في التهريب وإدخال الممنوعات أو البضائع غير المرخصة كالمنتجات الزراعية والسيارات وقطع غيارها فضلا عن التهرب الجمركي من خلال التلاعب بكميات البضائع المستوردة وأنواعها. ويضيف البدري بأن هيئتا الجمارك والضرائب وجهاز السيطرة والتقييس النوعي يشوبها الكثير من الفساد، إذ أن هذه الميليشيات والأحزاب أخضعت غالبية العاملين في هذه المؤسسات لسلطتها من خلال إغرائهم بالمال أو تهديدهم بالتصفية في حال لم يمتثلوا لطلباتها، بحسب قوله.  وأن الذي يدخل خزينة الدولة من واردات المنافذ الحدودية هو 20%  أما ال 80% من الواردات تسيطرعليها الأحزاب والفصائل التابعة لها في المعابر الحدودية.  ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من منع عمليات  تهريب السلاح والنفط والمخدرات وكذلك الاعتداء على موظفي  منفذ زرباطية يشي بأن هذه الفصائل المسلحة لن تتوانى عن فعل أي شيء في سبيل الحفاظ على مصالحها في تلك المنافذ [3].

كما أشار حسن  العبيدي إلى مشكلة أخرى تتعلق بالمنافذ الحدودية وتعد أكثر خطورة من السيطرة على المنافذ الرسمية، إذ يكشف العبيدي في حديثه لوكالة “يقين” عن أن هناك ما يقرب من 10 منافذ حدودية غير رسمية على طول الحدود العراقية الإيرانية، وأن 4 منها تقع في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة كردستان، مشيرا إلى أن الخط الحيوي البري للفصائل المسلحة يمتد من محافظة ديالى وحتى محافظة ميسان جنوبا، فضلا عن منفذين غير رسميين خاضعين لسيطرة ميليشيا حزب الله على الحدود العراقية. ويرى العبيدي أن لا سبيل للسيطرة على المنافذ الحدودية العراقية إلا بتحجيم الفصائل المسلحة والحد من قدراتها في الداخل قبل الحدود، إذ ليس من المعقول أن تستمر هذه الفصائل في سيطرتها وفتحها لمنافذ حدودية جديدة في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لإحكام سيطرتها على الحدود [4].

تشير الأرقام التي تصدرعن المسؤولين وبعض النواب إلى أن الفساد في المنافذ الحدودية يكلف العراق مليارات الدولارات سنويا، ويكشف الخبير الاقتصادي والأستاذ في الجامعة العراقية “عبد الرحمن المشهداني” في حديثه لوكالة “يقين” أن للعراق أكثر من 22 منفذا حدوديا بريا وبحريا وجويا، إلا أن هذه المنافذ لا ترفد الدولة بإيرادات مالية كبيرة يمكن لها أن تغطي جزء لا بأس به من موازنة البلاد.

وبحسب المشهداني الذي تحدث لوكالة “يقين” فإنه وطيلة السنوات السابقة لم تتجاوز قيمة الإيرادات المالية من المنافذ الحدودية ربع الواردات المفترضة، كاشفا عن أنه وبعملية حسابية بسيطة، فإن الأموال المسروقة والمهدورة جراء انفلات أوضاع المنافذ الحدودية تقدر قيمتها بنحو 100 مليار دولار منذ العام  2003  [5]. أما النائب عن اللجنة المالية البرلمانية “أحمد الصفار” فأشار صراحة في حديثه لوكالة “يقين” إلى أن ما يدخل لخزينة الدولة من واردات المنافذ الحدودية لا يتعدى الـ 20% في الوقت الذي تنتفع به الأحزاب والفصائل المسلحة المتنفذة في المعابر من تلك الأموال [6].

كما أكد الصفار على أن المنافذ الحدودية تعد واحدة من أهم روافد الموازنة في حال سيطرة الدولة عليها، وأن أولى خطوات الإصلاح المالي في البلاد تكمن في السيطرة على هذه المنافذ وإغلاق غير الرسمية منها حسب قوله.

الخاتمة: الاستنتاجات:

ونخلص من خلال ما تقدم آنفا اننا لم نستوفي جميع فرضيات البحث من حيث:

أن المؤسسات المالية والاقتصادية في العراق لم تحقق كافة متطلبات الاصلاح الاقتصادي بما فيها ثبات سعر صرف الدينار العراقي حتى تتحقق رفاهية المواطن العراقي وأنما تغير سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي من  1119 إلى 1500.  ولا زالت مشكلة مزاد العملة تؤرق نوم العراقيين بشكل عام والاقتصاديين والسياسيين بشكل خاص.

أن الخطط والبرامج الاقتصادية التي وضعت من قبل وزارة التخطيط العراقية لم تنفذ بالشكل المطلوب حتى تتحقق الاهداف التي وضعت هذه الخطط والبرامج الاقتصادية التنموية من أجلها ألا وهي رفع المستوى المعاشي للشعب العراقي. ولم نعرف نتائج الخطة الاقتصادية للسنوات 2018-2022. وأنما حلت محلها الورقة البيضاء للاصلاح الاقتصادي ومشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية.

لازال نظم المعلومات في المؤسسات والمشاريع الإنتاجية التي لها علاقة مباشرة بالإقتصاد الوطني ليست على مستوى جيد بحيث يخدم متطلبات الاصلاح الاقتصادي وكذلك لازالت البيروقراطية الإدارية  والتداخل في المهام الإدارية بين الوحدات التنظيمية المختلفة تقف حجر عثرة أمام تقدم الاقتصاد العراقي.

التوصيات

نوصي بإتخاذ الخطوات التالية من أجل انقاذ الاقتصاد الوطني العراقي حتى لايقع في الهاوية:

انشاء صندوق سيادي لاستثمار عوائد ومداخيل بيع النفط العراقي مع تنمية وتطوير قطاعات الاقتصاد العراقي وخصوصا الصناعة والزراعة والبني التحتية بمساهمة القطاع العام والخاص والمختلط.

اتخاذ قرار من قبل البنك المركزي العراقي بأن لايزيد معدل التضخم في العراق عن 2.5 % سنويا

تثبيت سعر صرف الدينار العراقي مقابل العملات الأجنبية وخصوصا الدولار الأمريكي (1 $ = 1119 د.ع.)

سيطرة الدولة عن ما لايقل عن 51% من أسهم المشاريع الاقتصادية التي يعتمد عليها تطور الاقتصاد الوطني العراقي

ادخال نظام الحكومة الالكترونية في جميع مجالات ادارة الاقتصاد الوطني

ادخال نظم االمعلومات في المؤسسات والمشاريع الإنتاجية التي لها علاقة مباشرة بالإقتصاد الوطني والتي هي من الدعائم الأساسية المساهمة في حل معظم مشاكل النظام الإقتصادي من خلال اتخاذ القرارات الرشيدة والقضاء على البيروقراطية الإدارية وكذلك التداخل في المهام الإدارية بين الوحدات التنظيمية المختلفة.

محاربة الفساد بجميع أنواعه المستشري في جميع دوائر الدولة وفي كافة المستويات وفي جميع قطاعات الاقتصاد الوطني العراقي والقضاء عليه ، لأنه يشكل حجر عثرة أمام تقدم هذه القطاعات.

السيطرة على جميع المنافد الحدودية في العراق من قبل الهيئات المختصة سيطرة تامة وبدون ذلك لا يتمكن العراق من التقدم خطوة واحدة في طريق الاصلاح الاقتصادي والاداري.

القضاء على ظاهرة تهريب رؤوس الاموال العراقية الى خارج العراق والتي تستثمر في البنوك العربية والاجنبية، إذ تعتبر هذه الخطوة من الخطوات المهمة في الاصلاح االنقدي وثبات سعر صرف الدينار العراقي.

تفعيل عمل البنك المركزي العراقي ليكون بحق بنك البنوك وكذلك تفعيل عمل ديوان الرقابة المالية.

تفعيل عمل الجهاز المركزي للأسعار التابع لوزارة التخطيط العراقية ، حتى يأخذ دوره في مراقبة الأسعار في جميع قطاعات الاقتصاد العراقي

تفعيل عمل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية (COSQC)حتى يأخذ دوره في مراقبة نوعية وصلاحية المنتجات في القطاعين العام والخاص ، وهو وكالة تابعة للحكومة العراقيةتعمل على تعزيز التقييس ومراقبة الجودة وينتمي إلى المنظمة الدولية للتوحيد القياسي.

***

أ.د. سناء عبد القادر مصطفى الموصلي

الأكاديمية العربية في الدنمارك

............................

مراجع كتابة  البحث:

انظر اطروحتنا للدكتوراه باللغة الروسية الموسومة "Промышленность Растительных Масел Ирака и Экономичех Проблеми её Развия. (المشاكل الاقتصادية لتطوير صناعة الزيوت النباتية في العراق صفحات 14-15)-(معهد الاقتصاد التابع لأكاديمية العلوم الأوكرانية - الاتحاد السوفيتي  ، 1981).

ملخص اطروحة الدكتوراه الذي ترجمته من اللغة الروسية الى اللغة العربية المنشور في شبكة الاقتصاديين العراقيين بتاريخ 08/09/2019.

Made for mind

سوسن جبار عودة ، الإصلاح الاقتصادي:المفهوم، السياسات، الأهداف ، فرع المنطقة الغربية بالهيئة العامة لتشجيع الاستثمار وشؤون الخصخصة. 7/11/2013

العراق - المؤشرات الاقتصادية. National Statistics. World Bank. 2022

وزارة التخطيط العراقية، "تجربة الصندوق الاجتماعي" ، 2021

net

Norges Bank. Investment Management.no. Oslo. 2022

انظر بحثنا : تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف وإمكانية استفادة العراق منها. جامعة التنمية البشرية ، مديرية ضمان الجودة. السليمانية -العراق. المؤتمر العلمي الدولي الحادي عشر يومي 11-12 حزيران 2022.

net

المصدر: معهد صندوق الثروة السيادية SWFI:. CNN بالعربية

مبادئ تسويق الخدمات، أدريان بالمر، ترجمة بهاء شاهين وآخرين، مجموعة النيل العربية، القاهرة، 2009، ص 249

انظر بحثنا: دورالأعمال الإلكترونية وتأثيرها في رفع فاعلية إدارة المشاريع الإنتاجية (مع التركيز على تجربة الأردن). الحوار المتمدن 11/8/2013. وكذلك:

The Influence of e-business development in productive project management, Case study: The Hashemite Kingdom of Jordan” Zarqa University, Faculty of Economics and administrative sciences, The Ninth International Conference, 24-24 April 2013 (17 pp.)

حامد عبد الحسين الجبوري، واقع الحكومة الالكترونية في العراق. 17/3/2019.

جريدة الأمة بتاريخ 5/9/2021.

سمير النصيري. اتحاد المصارف العربية. البنك المركزي العراقي: سياسة نقدية تدعم التنمية الشاملة. الدراسات والأبحاث والتقارير. العدد 435.

هيثم محمد. وكالة يقين للأنباء. كيف تسيطر الميليشيات على المنافذ الحدودية. 25/8/2020

. وائل عبد الحسين. وكالة يقين للأنباء. كيف تسيطر الميليشيات على المنافذ الحدودية. 25/8/2020.

منتظر البدري. وكالة يقين للأنباء. كيف تسيطر الميليشيات على المنافذ الحدودية. 25/8/2020.

حسن العبيدي. وكالة يقين للأنباء. كيف تسيطر الميليشيات على المنافذ الحدودية. 25/8/2020.

عبد الرحمن المشهداني. نفس المصدر السابق. 25/8/2020.

أحمد الصفار. نفس المصدر السابق. 25/8/2020.

المؤشرات الاقتصادية للعراق (Trading Economics 2022).

منظمة اليونيسف العراق، البنك الدولي، مبادرة أكسفورد للفقروالتنمية البشرية ووزارة التخطيط في العراق، تموز/يوليو 2020.

وزارة التخطيط العراقية، "تجربة الصندوق الاجتماعي" ، 2021.

إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء في العراق في الفترة بين العامين 2018 و2019.

ىسناء عبد القادر مصطفى ، الاقتصاد السياسي لمزاد العملة في العراق أحد أسباب انتفاضة تشرين السلمية، موقع الحوار المتمدن ،17/12/2019

وائل عبد الحسين. وكالة يقين للأنباء. كيف تسيطر الميليشيات على المنافذ الحدودية. 25/8/2020.

ضرغام محمد علي ، تصريح لقناة السومرية نيوز بتاريخ 26/1/20.19.

...............

هوامش

[1]   هيثم محمد. وكالة يقين للأنباء. كيف تسيطر الميليشيات على المنافذ الحدودية. 25/8/2020.

[2]  وائل عبد الحسين. وكالة يقين للأنباء. كيف تسيطر الميليشيات على المنافذ الحدودية. 25/8/2020.

[3]  منتظر البدري. وكالة يقين للأنباء. كيف تسيطر الميليشيات على المنافذ الحدودية. 25/8/2020.

[4]  حسن العبيدي. وكالة يقين للأنباء. كيف تسيطر الميليشيات على المنافذ الحدودية. 25/8/2020.

[5] عبد الرحمن المشهداني. نفس المصدر السابق. 25/8/2020.

[6]  أحمد الصفار. نفس المصدر السابق. 25/8/2020.

منذ اندلاع التظاهرات الاسرائيلية في الشوارع ديسمبر الماضي على اثر اغلاق كورونا والوضع الاقتصادي المتأزم، لتختتم بقرارات نيتنياهو بما يسمى الاصلاح القضائي ومحاولته تقليص دور المحكمة العليا باشراك البرلمان تارة لتعيين قضاة المحكمة، واخذ دور اكثر للسلطة التنفيذية التي يمتلكها رئيس الوزراء لتحصين نفسه من اجراءات قضائية تحوم حول موضوع قضايا فساد . يجد اليسار الاسرائيلي نفسه وحيداً في الساحة الداخلية والدولية . اذا عرفنا الفاشية تعتبر القوة هي من تفرض القانون وليست الارادة الشعبية للجماهير نعلم مدى ادراك حساسية الفرد الاسرائيلي تجاه توسع السلطة التنفيذية وتحييد القضاء وتدخله بجميع معالم الاقتصاد الذي لايعير اهتماما كبيرا للافراد بل بقيادة الدولة لطبيعة الانتاج . لاينسى اليهودي ما تعرضَ له في اوربا من ويلات تنامي النازية وتبنيها المبدا الفاشي الذي اوجده موسيليني ليحيل الالاف اليهود ضحايا بين قتيل ومهجر ونازح . رغم ان الديمقراطية الاسرائيلية تبتلع حق الفلسطيني وتغتصب ارضه وتقوم على مبدأ الاحتلال بممارسات تناهض حقوق الانسان وتقريرالمصير، إلا ان قرار نيتنياهو بما يسمى الاصلاح القضائي يعطي الحق بشرعنة واضافة سند قانوني آخر لانتزاع الاراضي بالضفة الغربية لصالح اسرائيل . اليسار الاسرائيلي يحمل ذاكرة مؤلمة لتنامي الديكتاتورية وسيطرتها على مقاليد الحكم، ويعلم جيداً صعود هتلر جاء بالانتخابات ليختمها بسيطرة القوى التنفيذية وتبني مبدأ موسليني الذي لا يعير اهمية تذكرللديمقراطية، لا اعتقد ابدا سيرضى بتمدد سلطة الجهاز التنفيذي على حساب المحكمة العليا حسب وجهة نظر نيتنياهو . المحكمة العليا تتعاطف مع الاقليات ضد المصالح السيادية لدولة اسرائيل . حقيقة نيتنياهو تسانده جميع الانظمة اليمينية التي تحابي توجهه وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية، واضح منذ بداية التظاهرات تحاول امريكا التغطية على الموضوع واجراء مباحثات مع نيتنياهو الذي يعتبر هو اساس المشكلة وتتجاهل الجماهير التي خرجت الى الشارع ضد الاصلاحات المزعومة . اليسار الاسرائيلي معزول عن محيطه العربي بسبب واقع الاحتلال وعدم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية كما انه لا يجد تأييداً دولياً في عالم يتسع لمد يميني ويميني متطرف ابتداً من بعض الدول الاسكندنافية الى روسيا التي يحكمها اليمين مروراً بفرنسا وحكومة ماكرون الى بريطانيا المغرقة بتخبطات سياسية وافتصادية،اخيرا ًوليس اخرالولايات المتحدة الامريكية، بالوقت الذي تستنكر جميع هذه الدول الممارسات التي تمارسها السياسة الاسرائيلية بشكل خجول ضد الفلسطينين بالعلن لكنها تؤيد وترسل المساعدات لحكومات يمنية متطرفة بالعلن ايضا وليس بالخفاء . كما ان القوى اليمنية اليهودية المتطرفة والمتعصبة دينياً واغلبها من اليهود المنحدرين من الدول العربية بالداخل تقف بقوة الى جانب نيتنياهو تسانده وتناصر قراراته لمزيداً من الاستيطان داخل الضفة الغربية . يجد الفرد العربي نفسه بالارض المحتلة مكتوف الايدي ولا يدري هل يناصر هذه التظاهرات ام لا نعم عرب 48 يحملون الجنسية الاسرائيلية، لكن واقعهم عربي والبعض يشارك باحتفالات يوم الارض الفلسطيني ويرون مشاركتهم بالتظاهرات ستكون باهته ولا يلتفت اليها أحد من الاسرائيليين انفسهم، بالرغم من بعض الدعوات التي يطلقها الاسرائيليون ملوحين بالعلم الفلسطيني لكن الواقع هم يركزون على قضاياهم الخاصة ليس إلا .

***

نيران العبيدي

الحقوقية نيران العبيدي كندا

اتفق جميع المُراقبين، إنَّ السيد سلوان موميكا، احرق كتاب المسلمين المُقدَّس، مرتين، في 28 يونيو و20 يوليو 2023، مُضيفاً العلم العراقي في الثانيَّةِ، لضمان تجديد مدَّة إقامته في السويد كحدٍ أدنى. هذا التفسير يشبه الأحذية الزجاجية، لسندريلا فيلم "براءة المسلمين"، الممثِّلة سيندي لي غارسيا؛ التي أدَّعت أن السيد نيقولا باسيلي نيقولا، قد خدعها وخدع طاقم الفيلم، بدبلجة ما قالوه، بحوارات مُسيئة للرسول محمد والمسلمين، بعد اكتمال تصويره، وبدون علمهم.

مايكل جوزيف غروس، والذي كَتَبَ قصة صحافية، عن هذا الفيلم، لصالح مجلة "فانيتي فير"، كان مثل جنَّية طيَّبة، لكن بدل أن يعطي موعد، الساعة الثانية عشر ليلاً، لزوال السحر، كان قادراً بـ (4773) كلمة، على فضح الكثير. كشف: " إنَّ الممثِّلة غارسيا، والتي زعمت إنَّها شاركت في الفيلم، لمساعدة زوجها اقتصادياً. قامت بعد شُهرة الفيلم المُسيء، بتأجير شركة أمنيَّة خاصة لحمايتها، طيلة أربعٍ وعشرين ساعة، وبأنَّ هذه الحماية مجانية. كذلك استطاعت أن تحصل، على مساعدة كاتب ومُحرِّرَين، لكي تُنجِز كتاب "براءة غارسيا"، لكي تكشف للعالم مأساتها"!

غروس، رسم أيضاً خارطتها الروحية: "واعِظة إنجيليَّة، ولديها مُجمَّع كُنُسْي خاص بها، لا ينتمي إلى إحدى المذاهب البروتستانتيَّة المعروفة. لكنها بقيت مُصرَّة، بأنها لم تكُن تعرف، إنَّ الفيلم مُسيء للرسول العربي، رغم إنَّ الممثلين الأصغر سناً، والأقلُّ خبرة دينيَّة، بيَّنوا إنهم أدركوا ذلك، بعد أيام قليلة، حيثُ أن فترةُ تصوير الفيلم، لم تتجاوز الأسبوعين، والذي بدأ في أوغست 2011".

السندريلا موميكا بدوره، أعلن إنَّهُ يريد تخليص بلدهِ المستقبلي، السويد، من شرِّ الكتاب المُقدَّس، القرآن. هذا الكتاب الذي يلعبُ دوراً محورياً، في حياة 2 مليار مسلم تقريباً. هكذا يبدو عرض موميكا، على الشعب السويدي، مُغرياً، ومُجبراً الجميع على تناسي الدور الميليشاوي؛ الذي كان يلعبهُ في موطنه الأصل، الموصل العراقيَّة، طيلة سنوات، وليس أسبوعين فقط، كما في حالة شقيقته السندريلا غارسيا.

هذه المقارنة تبدو ظالِمة للسيد موميكا. بدايةً، هناك فارق زمني، إحدى عشرة سنة تقريباً. كذلك، هو بعد كُل شيء، أكثر خبرة من السيدة غارسيا، في فَهِمِ طبيعة المسلمين وكتابهم المُقدَّس، باعتباره مواطناً أصلي، في بلدٍ تقطِنهُ غالبيَّةٌ مُسلِمة. لكن ربّما يجب ان نُمارِس حذراً كبيراً، إذ دائماً ما يكون طريق تدنيس مُقدَّسات المسلمين، مليئاً بـ "الحمير المسعورة"، على حدِّ تعبير المُثقفين الإسكندنافيين، الدنماركيين تحديداً، والذين استخدموه في سبتمبر 2022. إذاً ما سبب حماسة السيد موميكا لحرق القرآن مرّتين، مع تتبيله بالعلم العراقي في المرَّة الثانيَّة؟

الأممية البيضاء توسِّع طابورها الخامس

تقعُ الثقافة السويدية، بحسب علماء اجتماع دنماركيين، ضمن قوَّةِ جذبِ بلادِهم. كما إنَّ الدول الإسكندنافيَّة؛ التي توصف بـ "أرض الشبق"، عموماً، تشهدُ تيّاراً سوبر يميني. هذا المزج بين الشبق والسوبر يمينيَّة، انتج راسموسن بالودان، أحد أشهر "الحمير المسعورة"، وزعيم حزب "مسار ضيَّق"؛ الذي درجت الميديا العربيَّة، على تسمية حزبه بـ "الخط المُتشدِّد"، كإجراءٍ وقائي، ضد إيحاءات التسمية الأولى. إذ إنَّ العالم والشرق الأوسط؛ سيكونان مُجبرين، على التعاطي مع بالودان لسنين طويله، باعتباره أحد مُلَّاك مسرح السوشيال ميديا، وبالتالي لا داعي لتذكيرهما، بأنهما يتواجدان، في عالم "ضيَّق"، الموازي لـ واقعهما.

التسمية الأولى لحزب بالودان، والتي تبدو مُغطاة برقائق خفيفة من البورنو، تُساهِم فيها عدَّة أدلَّة، منها، أحدُ أهمِّ مُرشَّحيْ الحزب، أوي ماكس جِنسن، "فنان القضيب" كما يُدعى. أيضاً، انتماء بالودان واليمين الدنماركي، إلى ما تُعرف بـ "الناشيَّة الجديدة"، تيمُّناً بـ يورغن ناش، مؤسس "الناشيَّة" الأصليَّة. أحدُ أعضاء النُسخة الأصليَّة، المدعو ثورسن، كان قد صنع فيلماً، عن حياة المسيح الجنسيَّة!

السيد موميكا، والذي عبَّر عن إعجابه بـ السيد بالودان، وبحسب الكثير من مقاطع الفيديو، على مِنصتيَّ يوتيوب وتك توك، مارس الإباحيَّة اللفظية، في حواراته الحضاريَّة، لتفسير حرقهِ للقرآن، في المرَّة الأولى، مُسبِّباً هيجان الألفاظ الجنسيَّة، في عالم السوشيال ميديا.

السيد موميكا، ليس رائداً، في الحِراك ضد اللاجئين المسلمين، في أوروبا، أو "الدول الحُرَّة"، على حدِّ تعبير النرويجي اندرس بيرينغ برايفك (بحسب اللفظ الإنكليزي)، والذي قام بحراكٍ قاتل ضدهم. حصد أرواح (77) مواطن نرويجي، معظمهم من أصولٍ إسلاميَّة، في حفلة متفجِّرات ورصاص، منتصف سنة2011!

يبدو موميكا مقارنةً بـ برايفك، مُجرَّد بعوضة سوشيالية، تمتصُ اهتمام المتابعين، وقانون حُريَّة التعبير السويدي، لتضخيم فُرص حصوله على الإقامة، وتاج جنسيَّة هذا البلد الإسكندنافي، المعروف بوداعتِه مع اللاجئين.

هذه النوعيَّة من التفسيرات، الطافية في البحر الليبرالي، تستطيعُ مع الأسف، إغراق شعوبٍ في الدم، وملء السماء بالأشلاء بدل الطيور المُغرِّدَة. السندريلا العراقي، كان يمارس وظيفة الترويج لـ "النيكرو بوليتكل". هذا المصطلح؛ الذي يليق بـ: النازيين الجُدُد، السوبر يمينيين، داعش، الميليشيات، "مسار ضيَّق"، تعريفهُ البسيط: هناك من يستحق الحياة وهناك من يستحق الموت.

السيد نيقولا باسيلي نيقولا، وهو أمريكي، من أصولٍ قبطية مصرية، ومُنتج الفيلم المُسيء "براءة المسلمين"، كان أوَّل تجربة يمينية بيضاء، في استخدام المواطنين الأصليين، من شعوب الشرق الأوسط، لتشويه صورة الإسلام. اختيارُ شخصية الرسول العربي، ليست اعتباطيَّة البتَّة، على اعتبارهِ قيمة مُتفق عليها، بين جميع المذاهب الإسلاميَّة. السيد نيقولا وجماعته، كانت لديهم علاقة وثيقة مع القس الأمريكي، تيري جونز، حارق القرآن الأشهر.

استخدام السيد موميكا، بعد أثنتي عشرة سنة تقريباً، من قبل أحزابٍ مسيحيَّة مُتطرِّفة في السويد، وواقعة تحت ثقافة التطرُّف الدنماركيَّة، بمعية واجهات مثل حزب "مسار ضيَّق"، تُعيد التجربة، بإبدال الرسول محمد، بـ القرآن، وهو قيمة أُخرى، تحظى باتفاقٍ نادر بين المسلمين.

هدفُ السيد موميكا، والذي هو في الحقيقة عبارة عن كُرة قدم، مصنوعة من الجِّلد السوبر يميني، يبقى غامضاً، شعبوياً، وغير قادر على كشف نتائج مُحدَّدة، لحرق القرآن وأعلام الأوطان. حتى السوابق التي تحدَّثنا عنها، لا تُفلح بتوقُّع "مسار ضيَّق" لهذا الهدف. وعليه نسأل: ما هو الهدف؟

صناعة نُسخة ثانية من "بنغازي غيت"

نجحت الأحزاب اليمينية البيضاء في الولايات المتحدة، وبمعيَّة مراكز دراسات، هي في الحقيقة لوبيات ضغط إسرائيلية، مثل مركز "السياسة الأمنية"، والذي يرأسهُ السيد فرانك غافني الأبن، بإقناع الأمريكيين، بأنَّ الأحزاب الإسلاميَّة، الناشِطة في بلاد العم سام، تُريد إبدال الدستور الأمريكي بـ "قانون الشريعة الإسلامية".

نجحت هذه الدعايات، بإقناع المُشرِّعين الأمريكيين، على مستوى المقاطعات، بسنِّ تشريعٍ مُعادٍ للشريعة الإسلامية، رغم إنَّ الخبراء، اعتبروا ذلك شيئاً يُشبه الثرثرة فوق ضفاف المسيسبي (استخدمتُ هذا الوصف تيمُّناً برواية ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ)، لأن الدستور، خالٍ من ثغرات تسمح باختراقه، وذلك بحسب مركز قانون الفقر الجنوبي، الأمريكي. كُنت قد كتبت مقال (صراع العقيدي مع إلهان عمر.. تنافس حزبي أم إسلاموفوبيا متطورة؟) عن تفاصيل تلك المُبارزة التشريعية، في 2021.

نجح اليمينيون الأمريكيون بذلك، باستخدام مسلمين أمريكيين، من أصلٍ عراقي! ضد مسلمين آخرين، من أصولٍ عربيَّة وأفريقيَّة. لكن هذا الضد المسلم، لم يكن سوى دَّبُّوس باهت، على بدلة هذا النجاح، ولهذا رُمي في الدُرج اليميني كما يبدو.

الأرجح إنَّ السيد موميكا، سوف يكون النُسخة الأوَّليَّة، من ببغاوات الشرق الأوسط، لـ "توسيع واقعية الدولة". هذه الجملة تعود لجوناس ستال، والتي استخدمها لوصف سلوك اليمينيين، في البلاد الإسكندنافية. هذا التوسيع سيحصل بتضييق المرونة الليبرالية للدولة السويدية، عبر تشريعات مُهاجرة من الولايات المتحدة الأمريكية.

الهدف الآخر، هو نقل عدوى السياسة الدنماركية، المسماة بـ "حزمة الجيتو"، إلى السويد. إحدى سياسات هذه الحُزمة، دفعت كوبنهاجن، لوضع طالبي اللجوء في مخيمات، بالقرب من أماكن عسكرية، لضمان إرعابهم بالأصوات الصدرة منها. كذلك هي قد تُشجِّع الدولة السويدية؛ التي تقوم بمراجعات، لسياسة الرعاية الاجتماعية فيها، والتي تُركِّز على أخذ أبناء اللاجئين والجاليات الإسلامية، بحجة العُنف الأُسري، وإعطائهم لعائلات بديلة كيفما اتفق، حتّى لو كانت عائلات مكوَّنة من أفراد مْثليَّ الجنس. من الممكن تتبع ذلك، من 19 فبراير 2022.

الهدف العراقي لموميكا، ونقصد به إحراق القرآن للمرَّة الثانية مع العلم العراقي، يوم الخميس الماضي، الـ 20 من يوليو، حفَّزته عدَّة أحداث، رغم إنَّهُ قد أعلن سابقاً، بأنَّه سوف يعيد الكرَّة، منها، الموقف النبيل، للسويدي من أصولٍ سورية، السيد احمد علوش، في الـ 15 من يوليو، والذي رفض فيه، حرق الإنجيل والتوراة، لأنهما كتابات مُقدَّسان. مبيَّناً، بأنه أراد تنبيه الآخرين، إلى خطورة حرق نُسخة من كتاب المسلمين المُقدَّس. إضافة إلى قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في الـ 16 من يوليو، والذي أدان حرق الكُتُب المُقدَّسة، واعتبرها جريمة "كراهة دينية".

السيد موميكا، يُشارك أيضاً، عراقياً، سواء بعلمه أم لا، في مشروعٍ افتراضي، اسميتُه "بغداد غيت"، وهو نُسخة عن "بنغازي غيت"، الحادثة التي أودت بحياة السفير الأمريكي في ليبيا، كريستوفر ستيفنز، في 11 سبتمبر 2012، وذلك بعد أيّام من نشر الفيلم المُسيء للرسول العربي. السفيرة الأمريكية إلى الأمم المتحدة آنذاك، سوزان رايس، علَّقت على ما جرى، بأنه "ردَّة فعل عفوية". لكن الشك يبقى مُحلِّقاً بجناحيه، عن سبب اختيار هذه العفوية لمناسبة 11 سبتمبر!

تظل ردود الفعل العراقيَّة الحزبيَّة، بعد حرق موميكا الثاني للقرآن والعلم العراقي، والتي كان أبرزُها، طرد السفيرة السويدية، وحرق المقر الدبلوماسي لبلادها، مستمرة بالتصاعد، لتؤشِّر إنَّ هناك "مسار ضيَّق"، مصنوع من المماحكات الحزبيَّة والأجندات الإقليمية، لإيلاج مزيد من الفشل، في جسد المؤسسات العراقية، وربّما المزيد من الاختراق الدولي، لبقية الدولة.

ردود الفعل العراقية، عزيزة جداً على قلوب المتطرَّفين اليمينيين في أوروبا، وتؤكد نجاح السندريلا موميكا. خفض قيمة أسهُم حرق القرآن، تحتاجُ ترويج الأبعاد الروحية لهذا الكتاب المُقدَّس، بشكلٍ مستمر، واللجوء إلى الطُرق القانونية، لا الشعبوية؛ التي تضعُ موميكا ومن ضده في بيتٍ زُجاجي، صالح للفُرجة ولغة الحملات الصليبية، فقط لا غير. تبقى لي أن أُذكِّر، إنَّ أول فيلمٍ مُسيء عن الرسول محمد، كان المفترض عرضهُ، في 18 سبتمبر 2002، في هيوستن الأمريكية، بحسب الأسوشيتد برس. لكن لم يُعرض. ربّما لم يكُن موجوداً حتّى! وهذا تعبيرٌ تهكمي أترك للقارئ تفسيره، بدفعِ دراهمٍ من البحث والتفكير.

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، وباحث عراقي

منذ نهاية الثمانينيات بدأ موضوع العولمة يرسم طريقه في اتجاه الإيديولوجية الليبرالية الجديدة، وأصبحت هذه الظاهرة تعني هيمنة على السوق وإلغاء الحدود بالنسبة للسلع والرساميل، وإخضاع السياسة للاقتصاد، وقد كان من نتائجها إضعاف الشعوب والدول إلى درجة يصعب معها تحديد الإطار الخاص بكل مجتمع سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، ناهيك عن احتكار الأقطاب الثلاث المتحكمة في الاقتصاد العالمي ل 86% من المعاملات المالية داخل البورصات، وظهور صراعات ثقافية نتيجة محاولة الغرب تعميم نموذجه الثقافي.

اثبتت الكثير من الوقائع ان الصراعات والنزاعات والأزمات والحروب والقتل والدمار تكون الولايات المتحدة يد فيها حتي تستمر على عرش القمة وعرش الأحادية القطبية ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وان يعيش العالم في سلام يعني خسارة كبيرة لواشنطن وتفرح عندما يحدث هنا ازمات وهناك قتل وهنا دمار وهناك تشريد كل هذا يعطي لها الحياة واستكمال المسيرة واستكمال هيمنتها ..ولكن سبق للمفكر اليساري الامريكي  نعوم تشومسكي  كان قد 'ألمح مِـراراً إلى أن النظام العالمي الجديد سينمو على ضِـفاف المحيط الهادي ويقذف بأوروبا، التي قادت الحضارة الغربية على مدى القرون الخمسة الماضية، إلى أعماق المحيط الأطلسي'

وبالفعل ان سرعة النظام الدولي تغير كثيراً وظهرت بعض الدول تحمل حلم تعدد الأقطاب مما افشلت حلم من كان يفكر ان يكون القوة التي لا تجابه وفعلا ظهرت دول للمواجهة تلك الأفكار على المستوى العالمي وأبرز هؤلاء الدول روسيا والصين هذين الدولتين يمتلكون من الأدوات السياسية والإقتصادية والفكرية والبنية التحتية ما يؤهلهم إلي وصول الحلم وتحقيقه.رغم ان هناك من الدول الأوروبية لا تسيغ استحداث قوى اخرى فلهذا اشعلت الحرب الاوكرانية- الروسية تدعم أوكرانيا بكل ما اتت لها من قوة في قتالها بالمال والسلاح.

في الماضي القوة كانت متمثلة في العدد والعتاد والسلاح والأدوات العسكرية الحديثة والمتطورة ولكن الآن الوضع تغير رأساً على عقب تحولت من قوة عسكرية إلي قوة تكنولوجية واقتصادية ومن يمتلك هذين القوتين ومعاهم القوة العسكرية يذهب إلي مكان بعيد في تعدد الأقطاب وليس الأحادية القطبية التي خططت لها أمريكا في القرن الماضي ونفذتها بنجاح ولكن بدأت تتراجع عن ذي قبل..

الاختلافات بين النظام العالمي الجديد والقديم تبرز في ثلاث نقاط كما تم حصرها من قبل المختصين وهي:

1- الاختلاف الأول، أن أطراف المثلث الجديد أكثر سُـيولة وأقلّ جموداً من المثلث القديم، فأي عمل يقوم به طرف من أطراف المثلث لن يثير بالضرورة ردّ فعل معارض من الطّـرفين الآخرين، كما أنه لا يوجد تحالف إستراتيجي بين طرفين ضدّ الطرف الثالث، وعلى عكس المثلث القديم، الذي لم يكن فيه للصِّين والولايات المتحدة اتصالات مع المجتمع السوفييتي السابق، بينما المثلث الجديد تفاعلى إلى حدِّ بعيد مع الاتصال فيما بين المثلث. والولايات المتحدة تبذل جهود مضنية للتحرك في التقرب الى الصين وتبعث باطراف مختلفة رسمية وغير رسمية للجلوس معها واخر هؤلاء وصول وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر،مهندس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين،إلى العاصمة الصينية بكين، في زيارة غير معلنة في الايام القليلة الماضية، حيث أجرى محادثات رفيعة المستوى مع عدد من المسؤولين.وله دوراً رئيسياً في تطبيع العلاقات بين البلدين في سبعينيات القرن الماضي، حين كان مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية للرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون، وهو شخص مرحب به في الصين في أي وقت، باعتباره صديقاً قديماً للشعب الصيني

2- الاختلاف الثاني، أن هَـمّ الأمن القومي المثلث الجديد لا يُـهيمن على هذا المثلث، كما كان الأمر إبّـان الحرب الباردة. وبرغم أنه (الهم) يلعب دوراً مُـهمّـاً في العلاقات الصينية - الأمريكية، خاصة في إطار تايوان، إلا أن روابط واشنطن وبكين عميقة بشكل استثنائي وتعمل على مُـستويات عدّة تتضمّـن علاقات مهمّـة بين المجتمعين. والأمن القومي، ليس البتّـة سِـمة من سِـمات العلاقات الأوروبية - الصينية التي تستنِـد إلى التجارة والتفاعل الثقافي المتزايد.

3- الاختلاف الثالث، يكمُـن في التباينات المهمّـة بين الأطراف الثلاث. الولايات المتحدة وأوروبا بالتأكيد، خلافاتهما حول العراق، وسلسلة الاتفاقات الدولية ودور الأمم المتحدة في العالم، وحظر الأسلحة على الصين، وأوروبا والصين، تتنازعان حول التجارة وحقوق الإنسان وانتشار الأسلحة وحرية المجتمع المدني، وكل هذه العوامل تُـسفر عن سيولة وتحوّلات عميقة في تركيبة المثلث الجديد، حيث تتقاطع المصالح مرّة وتتباين مرة أخرى.

وثبت لكثير من المختصين في العالم من ان الصين ليس مجرد دولة انما عقل إنتاج فكر تصنيع زراعة مليار ونصف المليار من البشر يعملون ليل نهار لنهضة الصين وبالفعل الان الصين قوة اقتصادية لا يستهان بها ليس يوجد قارة او بلد في العالم الا اذا يوجد استثمارات صينية بمليارات الدولارات..

اما روسيا الاتحادية وحكاية بوتين وقصته وإصراره وعزيمته وإرادته على الصمود والوقوف أمام 169 دولة منفردا لوحده في ميدان المعركة في اوكرانيا، ارهق الغرب وحير امريكا واصبح شوكة قوية في عنق بريطانيا وتريد التخلص منها بأي شكل من الأشكال دول تضررت ودول انتفعت من الحرب الروسية الأوكرانية..

وهناك العشرات من البلدان في نمو مستمر في ظل تشكيل التكتلات الجديدة مثل بريكس وشنغهاي وتكتلات اخرى توحي الى اننا امام تحولات جديدة،هذه التطوّرات أدّت بالتدريج إلى تبلوُر إجماع أو على الأقل شِـبه إجماع، بأن رحلة القطبية الأحادية في العالم انتهت.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

مع تزايد الاضطراب، والانقسام على المستوى العالمي، يتوقع الكثير من السياسيين، والاقتصاديين،  ورجال الاعمال، والاكاديميين، نظام عالمي  متعدد الأقطاب مما سيكون له تأثير كبير على النظام المالي والنقدي العالمي, الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانبثاق نظام بريتون وودز. كان لسياسات الولايات المتحدة الخاصة بمكافحة الجائحة ومن ثم العقوبات الاقتصادية والمالية التي اتخذتها ضد روسيا بعد عمليتها الخاصة في أوكرانيا، والخلاف الأمريكي الصيني تأثير غير مسبوق على النظام الاقتصادي العالمي وبالذات على النظام النقدي ونظم المدفوعات.  هذه السياسات أضعفت من هيمنة الدولار كعملة احتياط عالمية واداة للمدفوعات. ورغم ان التكهن بضعف هيمنة الدولار ليست مسالة حديثة وتم الحديث عنها مرارا،  الا ان الكثير من المراقبين يعتبرون المسالة في هذه الحالة مختلفة.

وتزعم كارلا نورلوف، أستاذة العلوم السياسية في جامعة تورنتو، في مقالا لها في" بروجكت سندكت" انه رغم التضخم العالي، والزيادة المستمرة في الدين العام الامريكي، والمناخ العام المسيطر على العلاقات الدولية الذي يشبه الى حد ما مناخ الحرب الباردة، وزيادة الاهتمام بالتسلح والامن، الا انها تشكك في ان ذلك سيقود الى نظام نقدي متعدد الأقطاب في القريب العاجل.

خلال السنوات الماضية تم اختبار النظام الرأسمالي العالمي ومدى ترابطه، هذا مع وجود ثغرات في الامن الغذائي والطاقة، وخاصة مع استجابة الفدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة ومنح البنوك المركزية خطوط ائتمان وشراء السندات وإجراءات أخرى تحت عنوان ما يسمى" بالتسهيل النقدي"، هذا إضافة الى تعطل سلاسل التوريد مما ادى الى زيادة كبيرة في التضخم العالمي. وقد أدى ذلك لاحقا الى قيام الفدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم مما عجل من  التباطؤ الاقتصادي واضعاف لعملات الدول الناشئة، والتي أصبح معظمها  يعاني من تضخم مرتفع وزيادة في المديونية وعجز يتضاعف في ميزان المدفوعات.

لقد أدت سياسات الولايات المتحدة باستغلال هيمنتها على النظام المالي والنقدي الدولي وهيمنة الدولار على نظام المدفوعات ببحث الدول عن بدائل أخرى لهذا النظام، وخاصة كل من روسيا والصين وذلك من خلال مجموعة البريكس (التي تتكون حاليا من روسيا، والصين، والهند، وجنوب افريقيا، والبرازيل) والتي قطعت خطوات مهمة لتفعيل اليات الدفع بين دولها بعملاتها المحلية، كما قامت كل من الصين وروسيا بتطوير نظم للدفع بعيدا عن هيمنة اليات وأنظمة الدفع الغربية، فالصين على سبيل المثال قد طورت نظام للدفع بين البنوك يعمل كمقاصة بين البنوك حاله كحال مقاصة أمريكا،  كما ان روسيا أنشئت نظاما خاصا بالمدفوعات بين البنوك يتجاوز نظام سويفت التي تم حظر البنوك الروسية من الاستفادة منه، كما قامت الصين بخلق نظام لمبادلة العملات (SWAP) بالرومبيني، هذا إضافة ان بعض الدول قامت بسداد قروضها الى صندوق النقد الدولي بالعملة الصينية حيث ان الرومبيني هو عملة من عملات حقوق السحب الخاصة بالصندوق، كما ان فكرة بيع النفط بغير الدولار هي فكرة واردة تماما. ان هذ التطورات أدت  الى التخوف من ظاهرة التشظي، والانقسام، والانفصام، ونظام عالمي تزداد فيه السياسات الحمائية والعودة عن العولمة.

ورغم هذه التطورات المهمة في خلق بدائل للدولار كعملة للاحتياطيات والمدفوعات الا انه يظل مهيمنا علي النظام النقدي والمالي حتى الان، ان مقترح عملة البريكس على سبيل المثال يواجه تحديات عديدة: حيث تعتبر العملات الوطنية مصدر من مصادر السيادة النقدية وبالتالي اصدار عملة مشتركة يتطلب التنازل عن بعض من هذ السيادة، ويكون من الصعب التوافق على هذه التنازلات. كما ان اقتصادات واولويات دول البريكس تختلف ولذلك توحيد العملة يواجه تحديات في تنسيق وتوفيق هذه السياسات والاولويات. كما ان بعض هذ الدول لا تريد  التخلي عن السيادة النقدية كما هو الحال في التباين الصيني- الهندي حول العملة المشتركة. ان تأثير عملة البريكس على الاستقرار الاقتصادي والسياسي غير واضح وقد يؤدي الى مزيدا من عدم اليقين والتعقيدات، والعمل على اصدار عملة مشتركة يحتاج الى مباحثات غير سهلة للوصول الى اتفاقيات مقبولة من جميع الاطراف. ورغم هذه الصعوبات والتحديات فذلك لا يعني انه لا يمكن التوافق على اصدار عملة موحدة وتجربة اصدار اليورو وبقاءها حتى الان رغم التحديات والصعوبات  لدليل على انه بالإمكان التوصل الى توافق اذا توحدت الإرادة السياسية.

لقد كانت هناك تجربة اصدار عملة خليجية مشتركة خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم ان اقتصادات دول مجلس التعاون هي اكثر تكاملا وتشابها من اقتصادات دول البريكس، الا ان تلك التجربة اعترضتها كثيرا من المصاعب والتحديات مما حذا  بدول مجلس التعاون الخليجي التخلي عنها مؤقتا. ومع  انبعاث الأمال في التخلي عن هيمنة الدولار وخلق نظام نقدي متعدد العملات قد يكون من المفيد من إعادة النظر في هذه التجربة والاخذ بالدروس والتجارب الماضية في سبيل الوصول الى نظام نقدي موحدة يكون أداة لكتلة خليجية اقتصادية موحدة، يكون لها حضور على مستوى عملات الاحتياط والدفع وتحفظ مصالح شعوب المنطقة في ظل التكتلات الاقتصادية العالمية الجديدة. وليكون النظام النقدي الخليجي الموحد خطوة نحو تعميق التعاون والتنسيق النقدي بين الدول العربية.   

***

علي الرئيسي

باحث في قضايا التنمية والاقتصاد

في معاينة للأبعاد الاستراتيجية للحرب في أوكرانيا؛ يلاحظ الفاحص لها بقراءة متمعنة؛ ان اطراف هذه الحرب لا تتواني عن استخدام او استثمار جميع ما يتيسر لها من عوامل الانتصار وكسر عنق الخصم؛ ليس الاسلحة كما ونوعا، وليس زحفها الى خارج حدود حركتها جغرافيا؛ في فتح اراض اخرى للمعارك فقط على شراسة هذه التطورات وخطورتها على العالم و على السلام العالمي، بل انها تشتري البشر بأثمان بخسة لزيادة زخم قوات القتال في ارض المعارك. امريكا تستخدم اسلوب شراء البشر للقتال من خلال شركات الخدمات العسكرية، وقد استخدمت هذه الشركات في غزوها واحتلالها للعراق، وتثبيت وجودها فيه لاحقا ولسنوات.. روسيا هي الأخرى استخدمت الشركات الخاصة بالخدمات العسكرية، وفي صدارتها شركة فاغنر للخدمات العسكرية. الرئيس الروسي بوتين صرح قبل ايام ان روسيا في صدد اصدار تشريعات قانونية تنظم قانونيا عمل الشركات الخاصة بالخدمات العسكرية. ان صراع امريكا وروسيا هو صراع مصالح كونية، او ربما مستقبلا بعد عدة سنوات، ربما لا تتجاوز العقد من الآن؛ صراع الصين وامريكا هو ايضا وبكل تأكيد؛ صراع مصالح ونفوذ. لذا، نلاحظ؛ ان هذه القوى الدولية ترصد مبالغ هائلة لتطوير قدراتها العسكرية كما ونوعا؛ لأثبات وجودها وهيمنتها في ساحات الحروب والصراعات الدولية. هذه الحروب والصراعات الدولية سواء ما كان منها في داخل البلد الواحد او بين دولتين في بيئة ملتهبة وساخنة بنيران فوهات البنادق والمدافع؛ تدفع الناس للهروب والنجاة بحياتهم الى ارض الله الواسعة بحثا عن الأمن والسلام والاستقرار. ان هذا القوى العظمى التي يحكمها او يتحكم فيها وفي استراتيجيتها؛ راس المال الذي يشكل وفي جميع الاحوال والظروف خارطة طريق لتلك القوى الدولية العظمى. لقد حوَلت هذه الدول التي تتحكم بمصائر الشعوب والدول الانسان الى اداة او الى سلعة معروضة للبيع والشراء ويتحكم فيها؛ العرض والطلب حسب مقتضيات حاجة الاسواق. الفرق بين سلع الاستهلاك التي يحتاجها الانسان في ادامة حياته او توفير وسائل الراحة والفرح وما الى ذلك من المعروض في الاسواق من السلع الاستهلاكية او غيرها من السلع المعمرة؛ هو انها تطور يخدم البشرية، ويفتح افاق رحبة وواسعة يطل الانسان من خلالها على عوالم جديدة، واكتشافات جديدة لخدمة حياة البشر وحيوية وألق ورونق هذه الحياة.. أما عروض الاسواق من البشر للاستخدامات العسكرية؛ فهذه الاسواق لها شروطها في البشر المعروض جهدا عسكريا للبيع زمنيا ومكانيا؛ من هذه الشروط وليس جميعها ان يكون عسكريا محترفا، او يتم اخضاعه للتدريب حتى يصبح محترفا، وقاتلا لا يرمش له جفن حين يقتل الناس حتى وهو لم يعرفهم في حياته. وليس دفاعا عن حدود وطنه، فاغلبهم قادمون من بلدان لا علاقة لها بهذه الحرب، او عن مباديء يؤمن بها؛ تهددها قوات الطرف المقابل بالسقوط والإمحاء من خارطة الوجود، بل انهم يقاتلون من اجل رواتب مغرية؛ يعيدون بها ربما صياغة حياتهم من جديد وعلى مسارات جديدة. لذا نلاحظ انتشار الشركات الخاصة بالخدمات العسكرية والتي يتم الاستعانة بها في حروب الدول العظمى، وفي العمليات التي في اكثرها تكون عمليات قذرة تقوم بها تلك الدول في غزواتها وفي اي من حروبها، الاستثناء الوحيد من تلك القوى العظمى ولأمانة الكلمة هي الصين حتى الآن، ربما بسبب الكثافة السكانية لشعوب الصين، وربما ايضا احالة سلوكها هذا للعقيدة الشيوعية التي تطبقها جزئيا في عدة وعاءات رأسمالية حاكمة؛ على واقع سياستها الاقتصادية والتجارية والثقافية والسياسية. ان هذا يؤكد بوضوح تام، لا لبس فيه ولا غموض، بل يجري الحديث عن هذه الشركات الخاصة بالعمليات العسكرية بصريح العبارة، وكأنها امرا طبيعيا، يقع في السياق الانساني؛ وليس تجليا قاسيا لوحشية الامبريالية الكونية، وسحقها لإنسانية الانسان، وتحويله الى مادة معروضة للبيع والشراء في عالم الاسواق الحرة. ان هذه الشركات اخذت في السنوات الأخيرة تنمو وتتطور وتتوسع مهامها، اكثر كثيرا مما كانت عليه حالها قبل عقود طويلة، أي ان وجودها في الماضي؛ كان محدودا ويقتصر على تجنيد المرتزقة  للقتال في الحروب.. بصورة محدودة جدا؛ عددا ومهاما واماكن انتشار في حروب دول المعمورة. أما في هذه السنوات الأخيرة فقد صار وجودها يأخذ الاطار القانوني؛ أي انها شركات تعمل في اطار القانون ومحميه بمحددات هذه القوانين، حالها حال بقية شركات المنتجة للبضائع التي تحتاج لها اسواق التجارة الحرة. ان هؤلاء البشر الذين يبيعون جهدهم البدني والعقلي ومهاراتهم القتالية، لقاء رواتب مغرية جدا؛ ليسوا قتلة ومجرمون عند خط الشروع في مقتبل حياتهم، بل ان واقع الحياة وانعدام فرص التطور والحياة التي نتج عنها حكما؛ انعدام فرص تنمية قدراتهم المعرفية، بمعنى اخر اكثر ربما اكثر وضوحا ودقة؛ ان خرائط الحياة التي انتجتها الامبريالية العالمية، سواء في بلدانهم النامية التي تتعرض الشعوب فيها الى استبداد انظمة الحكم المدعومة من القوى العظمى، او بسبب القتال والحروب الداخلية في بلدانهم، او حتى في البلدان المتقدمة؛ طردتهم هذه الخرائط من داخلها الى خارجها ووضعتهم على هامش الحياة. ان هذا الاقصاء من الحياة هو السبب في رغبة هؤلاء في البحث عن اسس او طريق به ومن خلاله؛ يصنعون لهم حياة ولو بعد حين ان كتب لهم فيها النجاة من هذه الحروب التي دخلوها طوعا من اجل صناعة حياة جديدة تليق بهم كبشر. ان هذا لا يعني وفي جميع الاحوال تزكية لهؤلاء وتبرئة لهم ولأعمالهم القتالية، بل ادانة لهم، ولكل من يبيع نفسه وجهده ومهاراته وعقله من اجل المال فقط، بصرف النظر عن ما يلحقه ليس من ضرر فحسب، بل بتصفية حياة لبشر لا يعرفهم وفي وطن ليس وطنه وفي حرب ليست حرب وطنه.. أو في حرب هي لتدمير وطنه.. بحسب المراقبون؛ ان روسيا وتركيا وامريكا؛ تقوم هذه الدول بتجنيد المقاتلين السوريين للقتال في اوكرانيا في خندقين متقابلين أي قسم الى جانب الجيش الروسي والقسم الاخر الى جانب الجيش الأوكراني. قسم في شركات خاصة للخدمات العسكرية والقسم الأخر وهو قليل جدا يعملون منفردين مع الجيشين اللذين يخوضان حربا ضروسا منذ اكثر من 500يوم. وبحسب المراقبون ايضا؛ يجري تجنيد المرتزقة للقتال في حرب اوكرانيا لصالح اوكرانيا من اوروبا وايضا من امريكا. الاعلام الغربي وحتى الاعلام الروسي يؤكد ان هؤلاء يقاتلون نصرة لأوكرانيا او نصرة لروسيا، وهذا امر غير صحيح بالكامل، انه خديعة اعلام ليس الا. أما الحقيقة فهؤلاء المرتزقة يقاتلون من اجل المال والمال فقط..  عليه؛ فأن هذه الشركات الخاصة بالخدمات العسكرية؛ تدفع او تضخ الى المجتمع الانساني عدد غير قليل من القتلة المأجورين؛ بعد انتهاء مهامهم القتالية، ورجوعهم الى المجتمع الذي جاءوا منهم. حتى لو امتلكوا المال وبدأوا حياة جديدة؛ فأن هذه الحياة من الصعوبة جدا؛ ان تكون حياة سوية.. هذا من جانب اما من الجانب الثاني؛ فهؤلاء سوف يكونون اداة جاهزة للبيع في ساحات القتال وفي ساحات خلق الفوضى والاضطراب في المجتمع الذي عادوا له؛ لمن يحتاج في استثمار مهاراتهم القتالية..

***

مزهر جبر الساعدي

المبحث الثاني-  انشاء صندوق سيادي لاستثمار عوائد بيع  النفط العراقي

أنشيء اول صندوق سيادي في العالم في دولة الكويت في العام 1953 . ومن ثم انتشرت  هذه الصناديق  حتى اصبح عددها أكثر من  100 صندوق استثمار في العالم . وهناك معهد اسمه معهد الصناديق السيادية Sovereign Wealth Fund Institute - SWFI الذي مقره في الولايات المتحدة الامريكية يتخصص  في دراسة كل استثمارات وحركات الصناديق السيادية في العالم. وتوجد لدينا تجربة مملكة النرويج ، البلد الذي أقيم فيه منذ العام 1987 . تجربة غنية من الضروري التطرق اليها ولو بايجاز.

يشكل النفط والغاز جزءاً مهماً من ثروة النرويج الوطنية. وقد أعطى ذلك عائدات مغرية للنرويج وفرصة فريدة لزيادة رأس المال للأجيال القادمة. ولذلك استثمرت النرويج بكثافة في صندوق نفطي بلغ رأسماله حتى حزيران العام  2019  أكثر من 1.4 تريليون دولار[1]. وبسبب التقلبات الدورية لسعر بيع البرميل الواحد من نفط الشمال يمكن تخفيض قيمة الصندوق أو زيادته بمئات مليارات الدولارات في فترة زمنية قصيرة. تأسس صندوق النفط الحكومي في العام 1990 ولكن أعيدت تسميته في العام 2005 إلى صندوق المعاشات التقاعدية الحكومي-العالمي والذي يدار من قبل البنك المركزي النرويجي ويستثمر رأسماله في الأسهم والأوراق المالية في جميع أنحاء العالم .

أن الغرض من صندوق المعاشات التقاعدية الحكومي هو تمويل نفقات التقاعد المستقبلية للتأمين الوطني وذلك لأن مصروفات التقاعد في خطة التأمين الوطنية سوف تزداد بشكل كبير. وبهذه الطريقة ، يمكننا أن نضمن للمستقبل أولئك الذين يأتون بعدنا ويتجنبون دفع أعباء كبيرة على الأجيال القادمة كما يقول النرويجيون  [2].

وصندوق الثروة السيادي هو صندوق استثمار مملوك للدولة يتألف من الأموال التي تولدها الحكومة، التي غالبًا ما يتم اشتقاقها من فائض احتياطيات الدولة، حيث توفر الصناديق السيادية منفعة لاقتصاد الدولة ومواطنيها.

قال نائب محافظ البنك المركزي، عمار خلف، في تصريح تابعته "العين الإخبارية"، "ندعو إلى ضرورة إنشاء صندوق سيادي للاستفادة من الوفرة المالية للدولة". وأضاف خلف أن "قرار إنشاء صندوق يبقى تابع للحكومة العراقية ووزارة المالية بالأساس"، مشيرا إلى أنه "بالإمكان أن يساهم البنك المركزي في إدارة هذا الصندوق"  [3].

وظهرت فكرة تأسيس صندوق السيادة في العراق في أغسطس/آب 2021، على وقع انقضاء أزمة مالية عاشتها البلاد دفع بالحكومة إلى الاقتراض ولأكثر من مرة لتأمين النفقات التشغيلية بما فيها رواتب الموظفين، وثارت حالة من الجدل في الأوساط العراقية بسبب الفكرة التي مر على ظهورها 10 أشهر.

وأكثر ما يحتاج اليه العراق في الوقت الحاضر هو تأسيس مثل هذه الصندوق الذي سوف يساهم في استثمار مداخيل بيع النفط العراقي في مشاريع اقتصادية تغذي أرباحها صندوق سيادي للأجيال القادمة من الشعب العراقي.

والجدول التالي يحتوي على معلومات عن أكبر عشرة صناديق سيادية في العالم  [4].

جدول رقم 2  : معلومات عن أكبرعشرة صناديق سيادية في العالم3502 سناء

وكما تبين معلومات الجدول فقد حاز الصندوق السيادي لـ“هيئة الاستثمار الكويتية" على المركز الأول بين الصناديق السيادية العربية، والثالث عالميا، تلاه هيئة جهاز أبو ظبي للاستثمار، ثم صندوق الاستثمارات السعودي في المركز الثالث عربيًا، وفقًا لبيانات معهد SWFI، الذي يرصد تطور قيمة أصول الصناديق السيادية حول العالم. وتصدر الصندوق التقاعدي الحكومي النرويجي المركز الأول عالميًا بقيمة 1.4 تريليون دولار، وجاءت مؤسسة الاستثمار الصينية في المركز الثاني بقيمة 1.2 تريليون دولار.

واستنادا الى بيانات الرسم التوضيحي رقم 2 الذي يبين قيمة صادرات النفط العراقي في العامين 2021 و 2022 يمكننا أن نؤسس صندوق سيادي للعراق للأجيال القادمة وعدم تبذير وانفاق هذه الاموال الضخمة في  مشاريع استهلاكية غير انتاجية ولا يستفاد منها الشعب العراقي. فقد ارتفعت اجمالي الايرادات في أول تسعة أشهر من العام 2021 من 52.98 ملياردولار أمريكي الى 90.31 مليار دزلار أمريكي ، أي بنسبة  70.50 %  [5]. وهنا نقترج التالي:  فرض ادخار اجباري بحدود 20% على رواتب الموظفين اللذين يستلمون 2-5 ملايين دينار عراقي وعلى أن لايتجاوز أعلى راتب في الدولة العراقية عن خمسة ملايين دينار عراقي مع الغاء جميع الامتيازات والمخصصات المالية العالية لأعضاء مجلس النواب والوزراء ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وأصحاب الدرجات الخاصة مع مكاتب رئاسة الوزراء ومكاتب رئاسة الجمهورية مع استثناء فئات الموظفين الصغار والمعلمين والمدرسين والعاملين في قطاع الرعاية والخدمات الصحية.3503 سناء

***

أ.د. سناء عبد القادر مصطفى الموصلي

الأكاديمية العربية في الدنمارك

.............................

[1]. www. Norges Bank, Investment Managemet.no. Oslo,

[2] انطر بحثنا: تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف وإمكانية استفادة العراق منها.  جامعة التنمية البشرية ، مديرية ضمان الجودة. السليمانية -العراق. المؤتمر العلمي الدولي الحادي عشر يومي 11-12 حزيران 2022.

[3]    العين الإخبارية - ليث الكاتب . 2022/7/12

[4]  المصدر: معهد صندوق الثروة السيادية SWFI:. CNN بالعربية

[5] Attaqa.net

الشعوب وعلى مر العصور ما فتئت تبحث عن العدل والعدالة لتعينها على تحمل مصاعب الحياة، وما الاديان الا وسيلة من وسائل ذلك البحث الذي ولد مع ولادة أولى المجتمعات الزراعية.. لذلك في عصرنا الحالي انتمت فصائل عديدة من الفقراء عمال وفلاحين وطلبة ومثقفين للاحزاب اليسارية شيوعية واشتراكية من التي ناضلت من أجل تلك العدالة، ومنهم بعض الأغنياء من المتعاطفين مع الفصائل الأخرى او المؤمنين بالقيم الإنسانية السامية. لاشك أن لكل منهم غاياته من وراء ذلك الانتماء، فمنهم من آمن بشكل حقيقي بما طرح من نظريات وأفكار وفلسفة اشتراكية والتزم بها و ناضل وضحى من أجلها، بينما البعض الآخر كان اليسار بالنسبة له مجرد ركوب موجة أو حبا بالمغامرة. ونوع آخر ركب على أكتاف اليسار لتحقيق مطامح شخصية ذاتية أو قومية. والكثير من الفئة الاخيرة صارت اليوم تنتقد اليسار والأحزاب الاشتراكية لأنها تريد تغيير ما فطر عليه الإنسان من حب التملك ! وبعضهم او الكثير منهم متأثرا بالدعايات ووسائل الإعلام الغربية والأمريكية بشكل خاص، والذي قلنا في أكثر من مرة أنه يجند كل امواله وذكاء المبدعين فيه من أجل السخرية والحط من القيم الاشتراكية واليسار.مع انحسار دور اليسار في العصر الحالي يكتشف الانسان الواعي انحسار القيم والمثل الانسانية وانحسار روح التضامن بين الشعوب وارتفاع نزعة الأنا والانانية لدى الافراد. فالماكينة الدعائية ابدعت الافلام والمسرحيات والروايات وحتى افلام الكارتون لتزج فيها سخريتها من اليسار واليساريين وتيئيس الشعوب من فكرة العدالة الاجتماعية التي ينادي بها اليسار، وتشبيههم بفارس طواحين الهواء الدون كيخوته! وجندوا بنفس الوقت الكثير من المغيبين فكريا ليوهموهم بفكرة التعصب الديني مستغلين النزعة الإيمانية وتغلغل الدين بين صفوف الطبقات الفقيرة، والتي لا امل لها سوى في العالم الاخر ليحظوا بما وعدهم الله من حياة مرفهة وجنات تجري من تحتها الانهار. فاوهموهم تجار السلاح الغربيون بانهم يمكن ان يسارعوا الى ذلك العالم من خلال انتحار جماعي كما رأينا وعشنا في الجرائم البشعة التي ارتكبتها العصابات الارهابية باسم الدين.

إذن لا حل لليسار ليستعيد موقعه بين صفوف المتعبين غير مواجهة ذلك الكم الهائل من الخبث والدعاية ضدهم، بما يوازي ذلك الحجم من السخرية من الفكر الاستهلاكي والجشع الراسمالي، وفضح استغلال الفقراء واستخدامهم وقود لاشعال الحرائق وتدمير البلدان لتحقيق مآرب الغرب الرأسمالي وبالأخص أمريكا. وسلاح اليسار أن يعتمد على قوة الحجة والمنطق وقدرات ساخرة توازي السخرية المقابلة. البعض كان يرى في النظام البريطاني (الرأسمالي) الحل الامثل فهو أفضل حتى من بعض الانظمة الاشتراكية وقد حقق مبدأ (من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته). وهذا صحيح جدا ولكن من ناضل من اجل تحقيق ذلك هم اليسار البريطاني. فبعد الحرب العالمية الثانية ومعاناة الشعب البريطاني إثر تلك الحرب ضغطت تلك الفصائل اليسارية والثورية، بقيادة الحزب الشيوعي حينها وحزب العمال الذي كان يساريا منتميا حقا للعمال ومنهم المناضل الفذ السيد توني بن، على الحكومات البريطانية لتوفير معيشة كريمة للشعب لتعويضه عن الخسائر البشرية والنفسية والمعاناة التي تكبدها من جراء تلك الحرب. فلولا اليسار لما كان للعاطلين عن العمل والمرضى وكبار السن، من مساعدات تحفظ كرامتهم. وهذا مايحاول بعض من المترفين من اتباع امريكا مثل بوريس جونسن وفرّاج وغيرهم تغيير تلك القوانين والشرائع التي صارت جزء من الدستور البريطاني، ليعودا إلى نظام شريعة الغاب أي البقاء للاقوى أو الاغنى!

إذن ظاهرة انحسار اليسار هي ظاهرة عالمية، بعد تعرضهم لكل أنواع التشويه والمشاكسات بل وحتى محاربتهم بسبل العيش والضغوط النفسية، فوسائل الاعلام الغربية تعمل بلا هوادة للسخرية منهم وللحط من أفكارهم. خاصة بعد تعدد وسائل الإعلام والتطور التكنولوجي التي تستخدم لتحييد الشباب وملء فراغهم برغبات الاستهلاك والرغبات الذاتية البعيدة عن القيم الاجتماعية والسمو، بل وتعزيز فكرة حب الامتلاك بكل اشكاله وتحويلهم على عبيد للاستهلاك والشراء من أجل الشراء فقط، والبعد عن القناعة والتضحية من اجل الاخر!

إذن ابتعاد اليسار عن الساحة هي فرصة للآخر لتنتصر قيمه، وبالتالي تضييع كل التضحيات التي قدمتها الشعوب والفصائل اليسارية سدىً. فلا مجال للتهاون ومنح الغرب الرأسمالي الفرصة للإثراء على حساب الدول الفقيرة الناشئة، ومنح الفرصة للشر أن ينتصر على الخير والامل. فلابد من البحث المتواصل لمعرفة ذوات الشباب واهتماماتهم وطبيعة تفكيرهم ومعرفة مدى استعدادهم لتبني الأفكار السامية والقيم الإنسانية لمواجهة التحديات، مستخدمين نفس الوسائل الإعلامية وتجنيد الابداعات الفكرية والفنية ليستعيدوا موقعهم وانقاذ مايمكن انقاذه. والاهم هو تنقية روح الفرد من الأنا والانانية. لا اعتراض على حب التملك لكن بعيدا عن عبودية الشراء وجشع الاستهلاك

***

ابتسام يوسف الطاهر

لندن 2023

في المثقف اليوم